شرح أسماء الله الحسنى

زين الدين أبي القاسم عبدالكريم ابن هوازن بن عبدالملك ابن طلحة بن محمد النيسابوري القشيري

شرح أسماء الله الحسنى

المؤلف:

زين الدين أبي القاسم عبدالكريم ابن هوازن بن عبدالملك ابن طلحة بن محمد النيسابوري القشيري


المحقق: طه عبدالرؤوف سعد و سعد حسن محمد علي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الحرم للتراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

عطائه لا تستوفى بالحصر ولا تستقصى بالذكر ، قال الله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) (١).

وحكى أن رجلا من الأكابر كان قد حج حجات كثيرة فطاب قلبه ليلة فقال فى مناجاته : اللهم إنى قد وهبت كذا وكذا حجة من حجاتى للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولأصحابه كذا وكذا حجة ، ولوالدىّ كذا وكذا حجة ، ووهبت الباقى للمسلمين ، فهتف به هاتف : سيعلم أهل الجمع غدا من أولى منا بالجود والكرم.

وأن أهل العلم بالأصول قالوا : نعم الله سبحانه على ضربين : نعمة نفع ونعمة دفع ، فنعمة النفع ما أولاهم ، ونعمة الدفع ما زوى عنهم وكفاهم ، ثم قالوا : إن المشركين فى النار وإن لم تكن لله تعالى عليهم نعمة نفع فله عليهم نعمة دفع ، لأنه سبحانه لا يوصل إليهم فى النار ألما إلا وهو يقدر أن يوصل إليهم ألما فوق ذلك ، فإذا لم يؤلمهم بأشد مما آلمهم كان ذلك دفعا عنهم.

ومن آداب من عرف أنه لا يتناهى إحسانه إليه أن يقف عن عصيانه له استحياء من كرمه وكثرة إنعامه.

ومن الواجب على العبد أن يعلم أنه ليس كل إنعامه انتظام أسباب الدنيا والتمكن من تحصيل المنا والوصول فيها إلى الهوى ، بل ألطاف الله سبحانه إلى ما يزوى عنهم من الدنيا أكثر ، وإحسانه إليهم أوفر ، وإن قرب العبد إلى الله سبحانه وتعالى على حسب تباعده من الدنيا.

وفى بعض الكتب : إن أهون ما أصنع بالعالم إذا مال إلى الدنيا أن أسلبه حلاوة مناجاتى.

__________________

(١) إبراهيم : ٣٤.

٢٨١

وقيل : إن وزيرا للمعتضد بعث مالا إلى أبى الحسين النورى ليفرقه على أصحابه ، فصب النورى ذلك المال فى بيت وقال للفقراء : ادخلوا هذا البيت وخذوا منه بقدر حاجتكم إليه ، فدخلوا فمنهم من أخذ دانقا ، ومنهم من أخذ نصف دانق ، ومنهم من أخذ درهما ، ومنهم من أخذ أكثر منه ، فلما خرجوا قال النورى : قربكم من الحق وبعدكم على مقدار ما أخذتم.

فصل : أحسن كما أحسن الله إليك :

فإذا علم أن الله سبحانه يعطيه ما يكفيه لم يبخل عليه بما يأمره به ويستدعيه ، بل من آدابهم أن يوسعوا على عباده إذا وسع الله عليهم ، وإذا ضيق الله عليهم انتظروا من الله جميل الفرج وقالوا للناس قولا ميسورا ، فإن البخيل من ضن بالبشر والكلام الحسن.

يحكى عن بعضهم أنه سأله سائل فقال لغلامه : ما الّذي معك؟ قال : أربعمائة دينار ، فقال : ناولها إياه ، فجاء سائل آخر فقال : يا غلام ، ناوله ما معك ، فناوله دينارا ، فجاء سائل ثالث فقال لغلامه : ما معك؟ فقال : درهم ، فقال : ناوله إياه ، فجاء رابع فقال لغلامه : ما معك؟ فقال : ما عندى شيء ، فقيل له : لو لم تدفع الجميع إلى الأول لكان ذلك يتسع لجميعهم ، فقال : إنما تأدبت بأدب الله حيث يقول : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) (١) فأعطينا الأول على السعة ، والثانى عن قلة ، وأما الآخر فلم يكن معنا إلا شيء يسير فأعطيناه إياه ، وأما الآخر فلم يكن معنا شيء ولم يكلفنا الله شيئا فنحن ننتظر الفرج من الله تعالى.

__________________

(١) الطلاق : ٧.

٢٨٢

باب

فى معنى اسمه تعالى

٤٦ ـ الحكيم (١)

جل جلاله

قد مضى القول فى معنى الحكيم فى وصفه ، واستقامة لفظ الحكمة فى معنى اسمه الحكم بما يغنى عن إعادته ، ومن حكمته فى عباده تخصيصه قوما بحكم السعادة من غير استحقاق ولا سبب ، بل تعلق العلم القديم بإسعاده وسبق الحكم الأزلى بإيجاده ، وخص قوما بطرده وإبعاده ، ووضع قدره بين عباده من غير جرم سلف ، ولا ذنب اقترف ، بل حقت الكلمة عليه بشقاوته ونفذت المشيئة بحجب قلبه وقساوته ، قال الله تعالى فى وصفه: (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) (٢) وقال تعالى فى قصة بلعام بن باعورا : (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) (٣) ثم قال فى قصته بعد ما أتاح له من كرامته وما أوهم فى

__________________

(١) الحكيم : ذو الحكمة ، والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم ، وأجل الأشياء هو الله الّذي لا يعرف كنه معرفته غيره ، فهو الحكيم الحق لأنه يعلم أجل الأشياء بأجل العلوم ، إذ أجل العلوم هو العلم الأزلى الدائم الّذي لا يتصور زواله المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرق إليه خفاء وشبهة ، ولا يتصف بذلك إلا علم الله تعالى ، وقد يقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويحكمها ويتقن صنعتها : حكيم ، وكمال ذلك أيضا ليس إلا لله تعالى ، فهو الحكيم الحق.

(٢) المائدة : ٤١.

(٣) الأعراف : ١٧٦ ، وانظر قصته فى كتاب (من قصص القرآن الكريم والحديث النبوى الشريف) للإمام ابن كثير ـ تحقيق طه عبد الرءوف سعد.

٢٨٣

الظاهر أنه من أهل قربته حتى جاء فى القصص أنه كان يرى من الثرى إلى العلى ، وأنه كان يعرف اسم الله الأعظم ، فقال سبحانه فى صفته : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ) (١).

فصل : الّذي كان عدوا أبرزه فى نظام أوليائه ثم قال : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ) والّذي كان من أهل ولايته خلقه فى صورة الكلب ثم حشره فى جملة أوليائه ذكره فى زمرة أصفيائه ، فقال : (رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) (٢) وقال : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) (٣).

فصل : الاعتبار بسابق الحكم وما قسمه تعالى :

لا عبرة بالخلقة ولا اعتماد على الحال والصورة ، وإنما الاعتبار لسابق الحكم والقسمة.

سمعت الأستاذ الدقاق يقول : إن أصحاب الكهف صرفوا ذلك الكلب فلم ينصرف ، وأنطقه الله سبحانه فقال لهم : لم تصرفوننى ، إن كان لكم إرادة فلى أيضا إرادة ، وإن كان خلقكم فقد خلقنى ، فازدادوا بكلامه يقينا ، فقالوا فيما بينهم : لا يمكننا صرف هذا ، ويستدل بآثار قدمه علينا ، فالحيلة أن نحمله على أكتافنا.

فقال ، رحمه‌الله : إن الأولياء كانوا يمشون رجالا ، وأما الكلب فكان حامله الأولياء.

وكان يقول ، رحمه‌الله : كانوا فى الابتداء لذلك الكلب بلاياه فصاروا فى الانتهاء مطاياه.

__________________

(١) الأعراف : ١٧٦.

(٢) الكهف : ٢٢ ، وهو كلب أهل الكهف.

(٣) الكهف : ١٨.

٢٨٤

نكتة : إن نباح الكلب يوجب لسامعه الوحشة ، ولكن لما ساعدت العناية أوجب نباح ذلك الكلب لهم زيادة بصيرة ، قال الله تعالى : (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا) (١) جاء فى التفسير : بكلام الكلب ليعلم العاملون أن العبرة بالحكم الأزلى لا بالسكون والحركات والعلل والأسباب.

وأنشدوا :

شكا إليك ما وجد

من خانه فيك الجلد

حيران لو شئت اهتدى

ظمآن لو شئت ورد

فصل : العبرة بالخواتيم :

لم يكن فى الملائكة أكبر قدرا ولا أجل خطرا من إبليس ، ما دام الحكم له بإلباسه خلعة التوفيق ، فلما أراد به الإسقاط عن رتبته صار بحيث لا يلوح رسم شقاوة على أحد إلا كان منه بسبب.

وأنشدوا :

لا تعجبوا عن ذلتى فأنا الّذي

حكم المليك بزلتى فأذلنى

فصل : إذا أراد الله لك السعادة فأنت سعيد :

وربما حكم الحق سبحانه وتعالى لبعض عباده بالسعادة فيظهر عليه مدة اختيار الكفر وإيثار الشرك وأوضار الجحد إلى أن يبلغ الكتاب أجله فيدركه أزلى الرحمة وسابق الحكمة ، كما حكى عن أبى حفص النيسابورى أنه قال يوما لأصحابه فى وقت الربيع : تعالوا نخرج إلى التنزه ، فخرجوا ، فكان يمر بمحلة الجزرى فرأى شجرة كمثرى قد زهت فى دار ، فوقف مع أصحابه ينظر

__________________

(١) الكهف : ١٤.

٢٨٥

إليها بالعبرة ، فخرج من تلك الدار رجل مجوسى شيخ كبير ، فقال له : يا مقدم الأخيار : هل تقنع أن تكون ضيفا لمقدم الأشرار؟ فدخل أبو حفص مع أصحابه داره ، وكان معهم من قراء القرآن ، فأخرج المجوسى كيسا فيه دراهم كثيرة وقال : أنا أعلم أنكم تتنزهون عما تصل أيدينا إليه من الطعام فمروا من يشترى لكم بهذه الدراهم شيئا من السوق ، ففعلوا وأكلوا شيئا ، فلما أراد أبو حفص أن يخرج قال له الشيخ المجوسى : لا يمكنك أن تخرج إلا وأنا أصحبك ، فاعرض عليّ الإسلام ، فأسلم هو وأولاده ورهطه ، بضعة عشر نفسا ، فخرج أبو حفص ثم قال لأصحابه : إذا خرجتم إلى النزهة فاخرجوا هكذا.

لما سبق الحكم له بالسعادة سيق إليه مثل أبى حفص حتى أكمل الله له نوره ، كذلك جرت سنته الكريمة : (إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١).

* * *

__________________

(١) يس : ٨٢.

٢٨٦

باب

فى معنى اسمه تعالى

٤٧ ـ الودود (١)

جل جلاله

الودود : اسم من أسمائه تعالى ، قال جل قدره : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) (٢) وفى معناه قولان :

أحدهما : أنه فعول بمعنى المبالغة من الفاعل ، كما يقال : رجل قتول إذا كان كثير القتل.

وقيل : إنه فعول بمعنى مفعول ، كقولهم ناقة حلوب بمعنى محلوبة ، فمعنى الودود فى وصفه تعالى أنه يود المؤمنين ويودونه ، قال الله تعالى : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (٣) ، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) (٤) ، وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (٥) ، قيل : يخلق فى قلوبهم ودا لله تعالى.

فأما معنى المحبة فى صفة الحق سبحانه لأوليائه فتكون بمعنى رحمته

__________________

(١) الودود : هو الّذي يحب الخير لجميع الخلق فيحسن إليهم ويثنى عليهم ، وقيل : الودود هو المتحبب إلى أوليائه بمعرفته والى المذنبين بعفوه ورحمته ، وإلى العوام برزقه وكفايته ، وقيل : هو الّذي إذا أحبك قطعك عن الأغيار ، وأزال عن قلبك ملاحظة الرسوم والآثار.

(٢) البروج : ١٤.

(٣) المائدة : ٥٤.

(٤) البقرة : ١٦٥.

(٥) مريم : ٩٦.

٢٨٧

عليهم وإرادة الجميل لهم ، وتكون بمعنى مدحه لهم وثنائه عليهم ، وتكون بمعنى إنعامه عليهم وإحسانه إليهم ، فإذا كانت بمعنى الرحمة والإرادة والمدح لهم كان من صفات ذاته ، ولم يزل الله تعالى محبا لأوليائه ، ولا يزال محبا لهم ، وإن كان بمعنى الإنعام والإحسان كانت من صفات الفعل.

وأما محبة العبد لله فتكون بمعنى لزوم طاعته ، وموافقته لأمره ، وتكون بمعنى تعظيمه له وهيبته منه ، فكل من كان أكثر طاعة له وأشد تعظيما كان أكثر محبة ، ومن كان عاصيا لأمره ومخالفا له كان بعيدا من محبته.

وتكلم الناس فى اشتقاق المحبة ، وفى أصل ذلك فقال بعضهم : أصله من حبب الأسنان وهو صفاؤها ونظافتها ، فكأن محبة العبد صفاء أقواله وضياء أحواله ، وذلك لتنزهه عن الغفلات ، وتباعده عن العلات ، وتنقيته عن أوضار المخالفات ، وتوقيه عن أجناس الزلات ، فإن القلب كالمرآة التى تشاهد فيها أحكام الغائبات ، ولا تريك المرآة الشواهد إلا إذا صفت.

وأجمعوا أن كل محبة تكون على ملاحظة غرض ، فإنها تكون معلولة حتى تكون صافية عن كل مطمع ، وقيل : أصلها من قولهم : أحب البعير إذا استناخ فلم يبرح ، قال الله سبحانه وتعالى : (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) (١) أى لصقت بالأرض من حب الخير.

فالمحب أبدا يكون مقرا على باب محبوبه بنفسه وبدنه ، فإن لم يمكنه فبقلبه وروحه.

سمعت الدقاق يقول : إن المشايخ قالوا : إن طريقتنا هذه بينة لا تصلح إلا

__________________

(١) ص : ٣٢.

٢٨٨

لأقوام كنس الله بأرواحهم المزابل ، فالمحب أبدا يكنس باب محبوبه بروحه لا يدع خدمته ما أمكنه ، ليصل سيره بسراه ، ويدع هواه فى رضاه.

وأنشدوا :

أحبكم ما دمت حيا وإن أمت

أحبك قلب فى التراب تريب

وأنشدوا :

ومن كاشفات الريب أنى وامق

تجافيك عنى واعتكافى ببابكا

يهجر فيأبى إلا الوصال ، ويقابل بالصد والرد والإهانة والطرد والتنفير والبعد ولا يزداد فى الظاهر إلا جهدا على جهد ، وفى الباطن إلا وجدا على وجد ، يؤثر الذل على العز ، والبعد على القرب.

وأنشدوا :

وأهنتنى فأهنت نفسى صاغرا

ما من يهون عليك ممن يكرم

أشبهت أعدائى فصرت أحبهم

إذا كان حظى منك حظى منهم

وأنشدوا :

رأيتك يدنينى إليك تباعدى

فباعدت نفسى لابتغاء التقرب

وقيل : أصله من الحب ، وهو القرط ، سمى حبا لقلقه وهو اضطرابه ، كما أن القرط لا يستقر ، بل يضطرب دائما ، كذلك المحب عديم القرار بعيد

٢٨٩

الاصطبار ، لا يسكن أنينه ، ولا يهدأ حنينه ، نهاره ليل ، وليله ويل ، ونومه مفقود ، وفى قلبه وقود.

وقيل : أصله من الحبة وهو بزر ينبت فى الصحراء ، فالمحبة شجرة تغرس فى الفؤاد وتسقى بماء الوفاء ، أصلها ثابت فى السر ، وفرعها ثابت فى هواء الهمة ، وثمرها لطائف الأنس ، تؤتى أكلها دائما ، جوره أعلى من عدله ، ومنعه أشهى من بذله ، ورده أحلى من قبوله ، لا يؤدى قتيله (١) ، ولا يسلك إلا بتعب التحمل فى سبيله.

وقيل : المحبة الإيثار ، وهو أن لا يدع لمحبوبه ميسورا إلا بذله ، ولا ممكنا إلا استعمله ، لا يبقى لنفسه ولحظه نوما ولا سنة (٢) ، ولا يستثنى من جملة ما يبذله لحظة ولا سنة.

وأنشدوا :

لئن بقيت فى العين منى قطرة

فإنى إذا فى العاشقين دخيل

__________________

(١) أى لا يؤدى له الدية.

(٢) أول النوم.

٢٩٠

باب

فى معنى اسمه تعالى

٤٨ ـ المجيد (١)

جل جلاله

المجيد فى وصفه سبحانه قيل : بمعنى العظيم الرفيع القدر : والمجد فى اللغة الشرف ، ويقال : معناه الجميل العطاء ، يقال : مجدت الإبل تمجد ، بالنصب فى الماضى والرفع فى المستقبل ، إذا رعت فى مرعى خصيب ، وأمجدها صاحبها ، ويقال : أمجدت الدابة إذا أحسنت علفها ، والعرب تقول : فى كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار ، وهما شجرتان إذا حك إحداهما بالأخرى اضطرم النار منهما ، فمعنى استمجد أى استكثر.

فإن قيل : إن المجيد بمعنى جليل القدر فهو فعيل مبالغة من الفاعل ، وإذا قيل إنه بمعنى جزيل العطايا فهو فعيل بمعنى مفعل ، كأنه أمجد عباده ، أى أكثر عطاءهم ، فهو مجيد ، كالأليم بمعنى مؤلم ، من قولهم أمجدت الدابة إذا أحسنت علفها ، وكل وصف من أوصافه يحتمل معنيين فمن أثنى عليه بذلك الوصف فقد أتى بالمعنيين جميعا ، وكل من قال له مجيد فقد وصفه بأنه عظيم رفيع القدر وأنه محسن جزيل البر ، والله تعالى يحسن إلى عباده ويفيض عليهم سنى نواله.

__________________

(١) المجيد : هو الشريف ذاته ، الجميل أفعاله ، الجزيل عطاؤه ونواله ، فكما أن شرف الذات إذا قارنه حسن الفعال سمى مجدا ، وهو الماجد أيضا ، ولكن أحدهما أدل على المبالغة ، وكأنه يجمع معنى اسم الجليل والوهاب والكريم.

٢٩١

ومن وجوه إحسانه إليهم الّذي يخفى على أكثر الخلق حفظه عليهم قلوبهم وتصفيته لهم أقواتهم وأوقاتهم ، فإن النعمة العظمى نعمة القلوب ، كما أن المحنة الكبرى محنة القلوب.

يحكى عن بعضهم أنه قال : كنت قاعدا عند سحنون وكان يترنم فى نفسه وبيده قضيب يضرب به على فخذه ، فانشق اللحم وسال الدم وهو يقول :

كان لى قلب أعيش به

ضاع منى فى تقلبه

رب فاردده عليّ فقد

ضاقت الدنيا عليّ به

رب فاردده عليّ فقد

عيل صبرى فى تطلبه

وأغث ما دام بى رمق

يا غياث المستغيث به

ويحكى عن بعضهم أنه قال : رأيت رجلا يطوف بالبيت وهو يقول : واوحشاه بعد الأنس ، وإذلاله بعد العز ، وإفقاره بعد الغنى ، قال : فقلت له : أذهب لك مال أم أصابتك مصيبة؟ قال : لا ، ولكن كان لى قلب فقدته.

ويحكى عن أبى عبد الله بن خفيف أنه قال : رأيت بمصر فقيرا يطوف على الناس ويقول : ارحمونى فإنى رجل صوفى ، ذهب منى رأس مالى ، فقلت : أو للصوفى رأس مال؟ قال : فقال : نعم ، كان لى قلب ففقدته.

وأن الحق سبحانه إذا أراد أن يتحف عبدا أغناه بلا مال ، وكفاه بلا احتيال ، وأعزه من غير رهط وأشكال ، يعافيه إذا مرض من غير علاج ، ويحميه فى عمره من غير فاقة واحتياج.

٢٩٢

حكى عن عمرو بن عثمان المكى أنه قال : دخلت على مريض أعوده وهو شاب فقير ، وكان معنا جماعة من الفقراء ، فلما قعد عمرو قال الفتى : يا أستاذ ، هل فيهم من يقول شيئا؟ فأشار عمرو على واحد منهم فقال القوال :

ما لى مرضت فلم يعدنى عائد

منكم ويمرض عبدكم فأعود

وأشد من مرضى عليّ صدودكم

وصدود من أهوى عليّ شديد

فلم يزل الفتى يتعاطى القول وهو يقول حتى استوى قاعدا وخرج معنا ، فسئل عمرو عن حالته ، فقال : إن السماع إذا سمع والإشارة عن قبل أحيى ، وإذا كانت الإشارة من بعد قتلت.

فتبين بهذا أن فى السماع إحياء وقتلا وإثباتا ومحوا ، وإن كان الناس عما هم فيه غافلين.

ومن أعظم ما ينعم الله على عباده حفظه عليهم توحيدهم ودينهم حتى لا يبدلوا ولا يزيفوا ، إذ لو لا لطفه وإحسانه لضلوا وارتدوا.

يحكى أن رجلا ببغداد كان يسمى صالحا أذّن فى المسجد أربعين سنة ، فصعد المنارة يوما فأذن فأشرف على دار نصرانى فرأى فيها امرأة جميلة افتتن بها ، فنزل ودخل دار النصرانى واعتنقها ، فسألته عن حاله فقال : إنه عشقها ، فقالت : لا سبيل لك إلى حتى يدخل والدى فيزوجنى منك ، وحتى تدخل فى دينى ، قال : فتنصر الرجل وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، وقصد المرأة فدخلت بيتا وردت الباب ، فأشرف الرجل على السطح وسقط فى صحن الدار ومات على النصرانية ، ففقد الدين ولم يصل إلى الأمنية ، وخسر الدنيا والآخرة ، فنعوذ بالله من مكره ، وفجئات نقمه ، ونسأله أن يختم لنا بالخير برحمته.

٢٩٣

باب

فى معنى اسمه تعالى

٤٩ ـ الباعث (١)

جل جلاله

معنى هذا الاسم أنه باعث الخلق يوم القيامة ، يقال : بعث الله الموتى إذا أحياهم ، قال الله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٢) وقيل : إنه باعث الرسل ، قال الله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ) (٣) فيكون البعث فى اللغة بمعنى الإثارة ، يقال : بعثت البعير إذا أثرته ، والانبعاث انفعال منه ، يقال : فلان منبعث فى هذا الأمر أى مجد ، ويكون البعث القوم المبعوثين كالركب والصحب والشرب.

والله تعالى قادر على بعث الخلق وحشر الخلق يوم النشور ، ومن تحقق ذلك وعلم أن بين يديه يوما هو يوم الحساب والعتاب والثواب والعقاب فبالحرى أن يتصفح أحواله ويفتش أعماله ، ولا يفعل ما يقاسى عليه ندما أو

__________________

(١) الباعث : هو الّذي يحيى الخلق يوم النشور ، ويبعث من فى القبور ، ويحصّل ما فى الصدور ، وقيل : إنه باعث الهمم إلى الترقى فى ساحات التوحيد ، والتنقى من ظلم صفات العبيد ، وقيل : هو الّذي يبعثك على عليات الأمور ، ويرفع عن قلبك وساوس الصدور ، وقيل : هو الّذي يصفى الأسرار عن الهوس ، وينقى الأفعال عن الدنس.

(٢) الحج : ٧.

(٣) يونس : ٧٤.

٢٩٤

يجد بسببه ألما ، قال الله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) (١) ، يحكى عن الربيع بن خيثم أنه قال : مررت بمكتب فرأيت صبيا يبكى ، فقلت : مم تبكى؟ فقال : غدا يوم الخميس أحتاج أن أعرض الدرس على المعلم ولست أحفظ ، فقلت : كيف بى إذا كان يوم القيامة وأحاسب على ما أسلفت.

وإذا علم العبد أن الله سبحانه قال : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (٢) وتحقق بأنه يطالبه بأفعاله وأعماله غدا داخله الروع والفزع والطمع شاء أو أبى.

يحكى عن أبى الحارث الأوسى أنه قال : كنت قاعدا فى بيتى فدقت عليّ جارية الباب فقلت من؟ فقالت : جارية تسترشد الطريق ، فقلت : طريق الهرب أم طريق النجاة؟ فقالت : يا بطال ، أو إلى الهرب طريق؟ ثم قالت : اقرأ عليّ شيئا من القرآن ، فجرى على لسانى : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً) (٣) فصاحت وخرج روحها ، فإذا عليها مسح من شعر ، فوجدت فى جيبها رقعة مكتوب فيها : إذا مت فادفنونى فيها ، فإن كان لى ثمّ قبول أبدلها الله سندسا وحريرا ، وإن لم يكن فسحقا وبعدا.

وهكذا إذا علم العبد أن الآخرة هى دار القرار ، علم أن النعيم الأكبر لا ينفع مع العاقبة الأليمة ، والبلاء الشديد فى الدنيا لا يضر مع الخاتمة الجميلة.

يحكى عن بشر الحافى أنه كان يلتقط يوما الحثالة من الطريق ، فجاء كلب يلتقط معه ، وكان بشر يلتقط البقل والكلب يلتقط العظام ، فظهر لقمة خبز ، فأراد بشر أن يأخذها فنبح عليه الكلب ، فطرح بشر الخبز إليه وقال : إن كان عاقبتى إلى خير فلا يضرنى ما أنا فيه ، وإن كان على وجه آخر فأنت خير منى.

__________________

(١) البقرة : ٢٨١.

(٢) القيامة : ٣٦.

(٣) المزمل : ١٢ ، ١٣.

٢٩٥

فصل : إذا غلب الرجاء على العبد

وقد يغلب على العبد الرجاء فى بعض الأحوال فيؤمل من الله جميل عفوه ويرجو حسن فضله.

يحكى أن الشبلى كان جالسا فدخل عليه إنسان وقال : يا أبا بكر ، من يحاسبنا؟ فقال : الله ، فأخذ الرجل يتواجد ويزعق ، فقيل له فى ذلك فقال : الكريم إذا قدر عفا.

وروى أن أبا هريرة قال للحسن بن على رضى الله عنهم : العجب من هذا الخلق ، كيف ينجو أحدهم مع كثرة زلاتهم؟ فقال الحسن رضى الله عنه : العجب ممن يهلك منهم مع سعة رحمة الله ، فقال أبو هريرة : الله يعلم حيث يجعل رسالته.

وقيل : إن رجلا من الصالحين رؤى فى المنام فقيل له : ما فعل الله بك؟ فقال : غفر لى ، فقيل له : بما ذا؟ فقال : هاهنا يعاملون بالجود ، لا بالركوع والسجود ، ويعطون بالمنة لا بالخدمة ، ويغفرون بالفضل ، لا بالفعل.

فصل : معنى الباعث فى وصفه تعالى :

ويكون معنى الباعث فى وصفه تعالى أنه يبعث الخواطر الخفية فى الأسرار ، فمن دواع يبعثها إلى الحسنات ، ومن دواع يبعثها إلى السيئات ، ومن موفق لا لاستحقاق طلب ، ومن مخذول لا لعلة وسبب ، ختم الله تعالى لنا بالجميل ، إنه على ما يشاء قدير.

٢٩٦

باب

فى معنى اسمه تعالى

٥٠ ـ الشهيد (١)

جل جلاله

الشهيد اسم من أسمائه تعالى ومعناه العليم ، قال الله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (٢) قيل : علم الله أنه لا إله إلا هو ، ويكون الشهيد هو الحاضر ، يقال : شهد فلان أى حضر ، وحضوره سبحانه يكون بمعنى علمه ورؤيته وقدرته على الشيء ، وأنه لا يخفى عليه خافية ، ويكون الشهيد مبالغة من الشاهد ، والله تعالى شاهد على الخلق غدا ، قال الله تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) (٣) ويقال : شهد فلان كذا أى رأى ذلك ، ويكون الشهيد بمعنى المشهود ، فكأن العباد يشهدونه ، ويكون الشاهد والشهيد فى وصفه تعالى أنه يبين الدلائل ويوضح الحجج ، ويسمى الشاهد

__________________

(١) الشهيد : يرجع معناه إلى العليم مع خصوص إضافة ، فإنه تعالى عالم الغيب والشهادة ، والغيب عبارة عما بطن ، والشهادة عبارة عما ظهر ، وهو الّذي يشاهد ، فإذا اعتبر العلم مطلقا فهو العليم ، وإذا أضيف إلى الغيب والأمور الباطنة فهو الخبير ، وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد ، وقد يعتبر مع هذا أن يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم وشاهد منهم.

(٢) آل عمران : ١٨.

(٣) الأنعام : ١٩.

٢٩٧

شاهدا لأنه تبين شهادته حكم المشهود عليه ، لأنه إذا شهد الشهود اتضح حكم المشهود به.

وأما الشهيد فى صفة الخلق فالمقتول فى سبيل الله سمى شهيدا ، واختلف الناس لم سمى بذلك؟ فمنهم من قال : لأن دمه سال على شهادة الأرض ، أى على ظاهرها ، وهذا لا يقوى ، لأن غير المقتول يسمى شهيدا ، كالمبطون والغريق وغيره ، وليس كل مقتول فى سبيل الله يجرى دمه على شهادة الأرض ، وقيل : سمى شهيدا لأنه شهد الوقيعة والمعركة ، وهذا أيضا لا يقوى ، لأنه إذا لم يقتل فى سبيل الله لا يسمى شهيدا وإن حضر الوقيعة ، وقيل : إنما سمى شهيدا لأن ملائكة الرحمة تشهده ، أى تحضره ، فيكون فعيلا بمعنى مفعول ، وهذا أقوى ، وقيل : إنما سمى شهيدا مبالغة من الشاهد ، أى شهد هو رحمة الله ولطفه ، وقيل : سمى شهيدا بمعنى مفعول ، أى الله شهد له باللطف والرحمة [فهو مشهود].

وإذ علم العبد أن الله تعالى يشهد ويعلم ويبصر جميع أفعاله وأحواله سهل عليه ما يقاسيه لأجله وهان عليه ما يعانيه لرضاه ، قال الله تعالى : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) (١).

وحكى أن رجلا كان يضرب بالسياط ، وكان يصبر ولا يصيح ، فوقف عليه بعض المشايخ فقال له : أما يؤلمك؟ فقال : نعم ، فقال : لم لا تصيح؟ فقال : فى القوم لى عين ترقبنى أخشى أن يذهب ماء وجهى عنده إن صحت.

سمعت الشيخ منصور المغربى يقول : جرد إنسان للسياط فصبر ولم يصح ، فلما فرغوا من ضربه قال لبعض أصحابه : تقدم إلى ، فتفل على يديه رقاق

__________________

(١) الطور : ٤٨.

٢٩٨

الفضة ، فقال : ما هذا؟ فقال : درهم كان فى فمى ، كلما أوجعنى الضرب شددت عليه أسنانى ، لأنه كان ينظر إلى بعض من اعتقد فىّ الشجاعة والجلادة فقلت : إن صحت ذهب ماء وجهى عنده.

ويحكى عن بعضهم أنه قال : دخلت بلاد الترك فرأيت بيتا للأصنام فيه صنم كبير معلق على رأسه طابق ، وفى عنقه فأس معلق ، فقلت : ما هذا؟ فقال : جاء إنسان وادعى محبة هذا الصنم فقيل له : ما علامة صدقك؟ فقال : أن أقطع بين يدى هذا الصنم إربا إربا ، ويعلى عليّ هذا الطابق وأنا لا أتحرك فى رؤيته ، ففعل به ذلك فصبر ، فعلق هذا على رأسه.

ويقال : من ادعى محبة هذا الصنم فليصبر على ما صبر عليه ذلك الرجل.

وإذا كان الناس يحملون على رؤية أمثالهم وأشكالهم أمثال هذه المحن ، فمن ادعى المحبة لرؤية الله تعالى ثم لا يصبر على قرصة نملة يكون مخدوعا ، وإذن علم أنه متجوز فى دعواه ، غير صادق فى حق مولاه ، قال الله سبحانه : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) (١) وأن أهل المعرفة لم يطلبوا معه مؤنسا سواه ، ولا أحد يشكو بين يديه غيره ، بل رضوانه شهيدا على أحوالهم ، عليما بأمورهم ، كيف وهو يعلم السر وأخفى ، ويسمع النجوى ، ويكشف البلوى ، ويجزل الحسنى ، ويصرف السوء.

أنتم سرورى وأنتم مشتكى حزنى

وأنتم فى سواد الليل سمارى

فإن تكلمت لم ألفظ بغيركم

وإن سكت فأنتم عقد إضمارى

__________________

(١) النساء : ١٠٨.

٢٩٩

باب

فى معنى اسميه تعالى

٥١ ، ٥٢ ـ الحق (١) المبين (٢)

جل جلاله

الحق : من أسمائه تعالى ، وهو بمعنى الموجود الكائن الّذي ليس بمعدوم ولا منتف ، والحق المطلق فى اللغة بمعنى الموجود ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «السحر حق والعين» أى كائن موجود ، وكذلك يقال : «الجنة حق والنار حق» أى كائن موجود ، وكذلك «الصراط حق والساعة حق» ويكون الحق بمعنى ذى الحق كما يقال : رجل عدل ورضى أى ذو عدل وذو رضى ، كما قال الشاعر (٣) :

ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت

فإنما هى إقبال وإدبار

أى ذات إقبال وإدبار.

__________________

(١) الحق : هو فى مقابلة الباطل ، والأشياء قد تستبان بأضدادها ، وكل ما يخبر عنه فإما باطل مطلقا ، وإما حق مطلقا ، وإما حق من وجه باطل من وجه ، فالممتنع بذاته هو الباطل مطلقا ، والواجب بذاته هو الحق مطلقا ، والممكن بذاته الواجب بغيره هو حق من وجه باطل من وجه ، فهو من حيث ذاته لا وجود له فهو باطل ، وهو من جهة غيره مستفيد للوجود ، فهو من الوجه الّذي يلى مفيد الوجود موجود ، فهو من ذلك الوجه حق ومن جهة نفسه باطل ، ولذلك كل شيء هالك إلا وجهه.

(٢) غالب من تكلموا فى هذا العلم لم يذكروا هذا الاسم الشريف.

(٣) ليس شاعرا ، ولكنها الخنساء الشاعرة ترثى أخاها صخرا فى الجاهلية ، من قصيدتها الرائية التى أولها :

قذى بعينيك أم بالعين عوار

أم ذرفت أن خلت من أهلها الدار

٣٠٠