الصّحابة بين العدالة والعصمة

الشيخ محمد السند

الصّحابة بين العدالة والعصمة

المؤلف:

الشيخ محمد السند


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الأميرة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

وقد مرّ قوله تعالى : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ).

هذا مضافا إلى آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (١).

وقوله تعالى : (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٢).

وقال تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ* كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) (٣).

ولا ريب في أنّ النهي عن منكر تبرّي منه ، والواجب في النهي عن المنكر أن يكون بنكرانه في القلب أوّلا وبالسعي في إزالته ثانيا ، كما أنّ الواجب في الأمر بالمعروف برضاه وحبّه في القلب أوّلا وبالسعي لإقامته ثانيا ، ومن أحبّ عمل قوم أشرك معهم ؛ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من شهد أمرا فكرهه كان كمن غاب عنه ، ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده» (٤).

فالتولّي للمعروف بالقلب والعمل فريضة ركنية ، والتبرّي من المنكر بالقلب والعمل فريضة ركنية ، ومن أعظم المعروف معرفة الحقّ ، ومن أعظم المنكر جحود الحقّ والإقرار بالباطل ؛ فظهر أنّ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائم على التولّي والتبرّي ..

ولا يخفى أنّ لتولّي المعروف والحقّ والأمر به ، وللتبرّي من الباطل والمنكر والنهي عنه ، درجات وأساليب ومقامات مشروحة في محالّها ، فليس النهي عن المنكر والتبرّي

__________________

(١). آل عمران / ١٠٤.

(٢). التوبة (براءة) / ٧١.

(٣). المائدة / ٧٨ ـ ٧٩.

(٤). وسائل الشيعة : أبواب الأمر والنهي ب ٢ ح ٥.

٣٠١

من الباطل يعني أسلوب الحدّة والشدّة بل قد يكون اللين والموعظة الحسنة أنفع وأنجع في إزالة الباطل والمنكر ، إلّا أنّ الخلط والتشويش يقع بين كيفية أسلوب اللين وبين استحسان المنكر واستنكار المعروف ، أو بين المداراة وبين الرضا بالباطل ، وكذلك بين مقام التعامل مع الطوائف الأخرى وبين مقام الحقيقة الدينية الواقعية وفي ما هو داخل الطائفة. وبعبارة أدقّ : الخلط في الموازنة بين المحافظة على حقائق الدين وبين تجنّب الفرقة في زمن الهدنة.

وقد مرّ موقف هارون عليه‌السلام من ضلال بني إسرائيل وتبرّيه من زيغهم في حين عدم تفريطه بوحدتهم وأنّ ردعه عن منكرهم اقتصر فيه على ذلك لعدم قدرته على ما هو أشدّ درجة ، كذلك مرّ موقف سيّد الشهداء عليه‌السلام من الانحراف في حين كان عليه‌السلام يجعل مصير الأمّة والمسلمين من مسئوليّته ، وكذلك موقف سيّد الوصيّين في حروب الجمل وصفّين والنهروان ؛ فهو لم يعر أهمّية لما اقترح عليه جملة ممّن زعم الحرص على وحدة المسلمين من عدم قتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، إذ أنّه عليه‌السلام ـ برواية الفريقين ـ مأمور من النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقاتل الفئات الثلاث ، وأنّه يقاتل على التأويل في الشريعة والقرآن كما قاتل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تنزيله ، وأنّ القتال الثاني عين القتال الأوّل في الأهمّية والضرورة لبناء صرح الدين ، بل نشاهد عليّا عليه‌السلام لم يقبل البيعة لنفسه ـ بعد قتل عمر ـ عند ما اشترط فيها الأخذ بسنّة الشيخين ، كما أنّه لم يشارك في حروبهم رغم أنّ بسيفه فتح الله على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبه قام الإسلام في ربوعه أمّة وملّة ودولة.

كذلك موقف الصدّيقة البتول التي شهد القرآن بطهارتها وعصمتها ، ثالثة أصحاب الكساء ، التي احتجّ الله تعالى بشهادتها لصدق النبوّة على أهل الكتاب في واقعة المباهلة ، وروى الفريقان أنّها سيّدة نساء أهل الجنّة ؛ إذ قامت بالمعارضة الشديدة حتّى استنهضت الأنصار للانقلاب على حكم السقيفة ، مع أنّ الأوضاع بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت مضطربة حسب زعم أهل السقيفة ، وقد أعلن عليّ عليه‌السلام بطلان مشروعية الحكم بامتناعه عن بيعتهم ، كما روى ذلك البخاري.

٣٠٢

وفي قتل عثمان لم يمانع عليه‌السلام وقوعه ، وإنّما كان ينكر على الثوّار هذا الأسلوب من جهة أنّه يعطي الذريعة لمعاوية وبني أمية وغيرهم لزعم مظلومية عثمان ، بخلاف حصره ومطالبته بخلع نفسه وتسليم من سبّب الفتنة ممّن كان في جهته ، فإنّ ذلك كان قد ارتضاهعليه‌السلام ، وهو مفاد الوساطة التي قام عليه‌السلام بها في المرّة الأولى ، إلّا أنّ عثمان اتّهمه بأنّه السبب في كلّ ذلك فاعتزل عليه‌السلام.

وقد منع السيّد المرتضى في الشافي (١) والشيخ في تلخيصه (٢) ثبوت إرسال أمير المؤمنين الحسن عليه‌السلام للذبّ عن عثمان من طرقنا ؛ ولو سلّم فليس للذبّ عنه بل للوساطة درءا عن تشعّب الفوضى ، وإلى ذلك يشير ما رواه الشريف المرتضى (٣) عن الواقدي ، عن الحكم بن الصلت ، عن محمّد بن عمّار بن ياسر ، عن أبيه ، قال :

رأيت عليّا على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قتل عثمان وهو يقول : ما أحببت قتله ولا كرهته ، ولا أمرت به ولا نهيت عنه.

وروى البلاذري عنه عليه‌السلام أنّه قال :

والله الذي لا إله إلّا هو ما قتلته ولا مالأت على قتله ولا ساءني (٤).

وروي بطرق كثيرة عنه عليه‌السلام أنّه قال : «من يسائلي عن دم عثمان فإنّ الله قتله وأنا معه» (٥) ، وفسّر بأنّ حكم الله هو قتله وأنّه عليه‌السلام راض بحكم الله تعالى.

وفي خطبه له جوابا لاعتراض الأشعث بن قيس قال عليه‌السلام :

ولو أنّ عثمان لمّا قال له الناس : اخلعها ونكفّ عنك ، خلعها ، لم يقتلوه ، ولكنّه قال : لا أخلعها ، فقالوا : فإنّا قاتلوك فكفّ يده عنهم حتّى قتلوه ،

__________________

(١). الشافي ٤ / ٢٤٢.

(٢). تلخيص الشافي ٣ / ١٠٠.

(٣). الشافي ٤ / ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ؛ ورواه البلاذري في الأنساب ٥ / ١٠١.

(٤). الأنساب ٥ / ٩٨.

(٥). الغدير ـ للأميني ـ / ٦٩ ـ ٧٧ ـ ٣١٥ ـ ٣٧٥ ، والشافي ٤ / ٣٠٨ ـ ٣٠٩.

٣٠٣

ولعمري لخلعه إيّاها كان خيرا له ؛ لأنّه أخذها بغير حقّ ، ولم يكن له فيها نصيب ، وادّعى ما ليس له ، وتناول حقّ غيره.

ويلك يا ابن قيس! إنّ عثمان لا يعدوا أن يكون أحد رجلين : إمّا أن دعا الناس إلى نصرته فلم ينصرونه ، وإمّا أن يكون القوم دعوه إلى أن ينصروه فنهاهم عن نصرته ؛ فلم يكن يحلّ له أن ينهى المسلمين عن أن ينصروا إماما هاديا مهتديا ، لم يحدث حدثا ولم يؤو محدثا ، وبئس ما صنع حين نهاهم ، وبئس ما صنعوا حين أطاعوه ، فإمّا أن يكونوا لم يروه أهلا لنصرته ؛ لجوره وحكمه بخلاف الكتاب والسنّة ... (١)

وهكذا مواقف حواريّيه عليه‌السلام تجاه عثمان ، مثل أبي ذرّ وما جرى بينهما ، وموقف عمّار مع عثمان ، بل إنّ مصادر القوم تنسب تدبير خلع عثمان في الدرجة الأولى إلى عمّار ومحمّد بن أبي بكر.

وغير ذلك من مواقفهم عليهم‌السلام ومواقف أصحابهم ـ رضي الله عنهم ـ التي قد يتخيّل أنّ فيها مصادمة مع الوحدة ، ولم يجدوا في الوحدة معنى يطغى على الأمر بالحقّ والمعروف والنهي عن الباطل والمنكر ، أي على تولّي الحقّ والتبرّي من الباطل.

معنى وقوام الوحدة

ويشير عليه‌السلام إلى الوحدة المعنية التي هي محلّ أهمّية في قوله عليه‌السلام :

وأيم الله لو لا مخافة الفرقة من المسلمين أن يعودوا إلى الكفر ويعود [يبور] الدين لكنّا قد غيّرنا ذلك ما استطعنا (٢).

__________________

(١). كتاب سليم بن قيس الكوفي ٢ / ٦٦٦ ضمن ح ١٢ ، بحار الأنوار ٢٩ / ٤٦٩ ضمن ح ٥٥ ، ولها مصادر كثيرة أخرى ؛ لاحظ : هامش هذه الخطبة في بحار الأنوار.

(٢). الأمالي ـ للشيخ المفيد ـ ١٥٤ ـ ١٥٦ ح ٦.

٣٠٤

فهو عليه‌السلام يفسّر الفرقة بمعنى اختلاف المسلمين عن الدين باختيار جملة منهم الخروج عن الإسلام واعتناق الكفر أو ديانة أخرى ..

وبيانه عليه‌السلام هذا يفسّر قول هارون عليه‌السلام : (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) (١) ، أنّه بمعنى تفرّق بني إسرائيل عن دين النبيّ موسى عليه‌السلام لو اصطدم هارون معهم بالسلاح أو قاطعهم بمفارقتهم والخروج عنهم ، وهذا يوجب شدّة تعصّبهم وارتدادهم عن دين موسى عليه‌السلام ؛ إذ أنّ عبادتهم للعجل بتسويل السامري كانت بخداعه أنّ ذلك من شرع موسى عليه‌السلام : (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) (٢).

أمّا السبّ ، فقد تقدّم افتراقه عن اللعن ؛ إذ هو الفحش من القول القذر الذي يمارسه حثالى وأسافل الناس ، قال تعالى : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٣) ، وهو يفترق عن ذكر حقائق الأمور والأحداث الواقعة في تاريخ المسلمين ، فالسبّ لا يرتبط بها ، وخلط العناوين مثار مغالطة.

قال عليّ عليه‌السلام ـ وقد سمع قوما من أصحابه يسبّون أهل الشام أيام حربهم بصفّين ـ :

إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين ، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم ، وذكرتم حالهم ، كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر ، وقلتم مكان سبّكم : اللهمّ احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم ، حتّى يعرف الحقّ من جهله ، ويرعوي عن الغي من لهج به (٤).

فتراه عليه‌السلام في الوقت الذي ينهى عن السبّ ، يحثّ على وصف أعمالهم وذكر حالهم ، أي استعراض حقائق الأمور وما عليه أهل الباطل من رداءة العمل ورذيلة الحال ، وبيّنعليه‌السلام الغاية من ذلك : «حتّى يعرف الحقّ من جهله» أي : ليتبيّن طريق الحقّ وأهله و

__________________

(١). طه / ٩٤.

(٢). طه / ٨٨.

(٣). الأنعام / ١٠٨.

(٤). نهج البلاغة : خطبة ٢٠٦.

٣٠٥

طريق الباطل وأهله ، وتفيق الأجيال من رقدتها وسباتها ، وتبصر الحقّ والهدى ، ولا يصيبها العمى والهذيان ، «ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به» أي : ينقطع المسلمون السالكون طريق الغي والعدوان ، ولئلّا يدعون إلى ذلك الطريق الضال.

قال ابن أبي الحديد ـ في ذيل الخطبة في شرح النهج البلاغة ـ :

الذي كرهه عليه‌السلام منهم أنّهم كانوا يشتمون أهل الشام ، ولم يكن يكره منهم لعنهم إيّاهم (١).

كما أنّه عليه‌السلام يبيّن قواعد وضوابط الوحدة الإسلامية ، بقوله عليه‌السلام :

اللهمّ احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم ، حتّى يعرف الحقّ ...

فالقاعدة الأولى هي : حقن الدماء وسيادة الأمن بين طوائف المسلمين.

والقاعدة الثانية : إنّ إصلاح ذات البين بين طوائف المسلمين يجب أن يكون على مسير الهداية والحقيقة والابتعاد عن الضلال ، ولغاية معرفة الحقّ ورجوع صاحب الغي عن غيّه ورجوع صاحب العدوان عن اعتدائه وصاحب الدعوة الضالّة عن ترويجه للضلال.

وكلامه عليه‌السلام طبق هدى الآية : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٢).

فقد دلّت الآية على أنّ إصلاح ذات البين ورفع اختلاف المسلمين ووحدتهم يجب أن يرسو على العدل والقسط والحقّ والهدى ، لا على الظلم وإغماط الحقّ ، وأنّ الإصلاح والوحدة يجب أن تكون على أساس الفيء والرجوع إلى أمر الله تعالى ، لا إلى الأهواء والميول والضلالات.

ثمّ إنّ في الآية الناهية عن سبّ الّذين يدعون من دون الله نكتة ظريفة ، وهي : أنّ علّة

__________________

(١). شرح نهج البلاغة ٢١ / ١١.

(٢). الحجرات / ٩.

٣٠٦

النهي هي تمادي أهل الضلال في ضلالهم وغيّهم وابتعادهم عن سبيل الله ، ولم يعلل النهي بترك مباغضة المؤمنين لأهل الضلال والتبرّي من غيّهم ، ولو على مستوى القلب أو على مستوى السلوك الداخلي في ما بين المؤمنين ، كما أنّ مورد آية النهي عن السبّ هو صعيد التعامل مع أهل الضلال ، وصعيد دعوتهم للهداية.

وحيث اتّضح الفرق بين السبّ واللعن موضوعا ، فالمناسب الإشارة إلى حكم اللعن للظالمين والمعتدين ، فإنّه خلق إلهي ، استعرضه القرآن الكريم في ما يزيد على الثلاثين موردا في السور القرآنية (١) ، وكذلك هو خلق الأنبياء ، كما في قوله تعالى في آية المباهلة : (ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (٢) ، وقوله تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) (٣).

بل في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (٤) دعوة وندب إلى التبرّي من الكاتمين لحقائق الدين والشرائع ولهداية السماء بتوسّط اللعن هذا ، فضلا عن عشرات الموارد التي لعن فيها سيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشخاصا بأسمائهم ، مثل لعنه أصحاب العقبة وأبي سفيان في سبعة مواطن (٥) ، ولعن رسول الله قاتل الحسين عليه‌السلام ، كما رواه الفريقان (٦).

__________________

(١). البقرة / ٨٩ ، النساء / ٤٦ و ٤٧ و ٩٣ و ١١٨ ، المائدة / ١٣ و ٦٠ ، الأحزاب / ٦٤ ، وغيرها ؛ فلاحظ مادّة «ل ع ن» في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.

(٢). آل عمران / ٦١.

(٣). المائدة / ٧٨.

(٤). البقرة / ١٥٩.

(٥). الخصال : ٣٩٧ ـ ٣٩٨ ح ١٠٥.

(٦). تاريخ بغداد ٣ / ٢٩٠ ، أسد الغاية ٢ / ٢٢ ؛ ولاحظ ما رواه في الدرّ المنثور ٤ / ١٩١ من الروايات في ذيل الآية : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) ، وما رواه الخوارزمي في مقتل الحسين ١ / ١٧٦ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٩ ، وابن حجر في لسان الميزان ٥ / ٣٧٧ ، والسيوطي في ذيل اللآلئ : ٧٦.

٣٠٧

وقد قال : سعد التفتازاني في شرح العقائد النسفية :

وإنّما اختلفوا في يزيد بن معاوية ؛ حتّى ذكر في الخلاصة وغيرها : أنّه لا ينبغي اللعن عليه ولا على الحجّاج ؛ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم نهى عن لعن المصلّين ومن كان من أهل القبلة ، وما نقل عن لعن النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم لبعض من أهل القبلة فلما أنّه يعلم من أحوال الناس ما لا يعلمه غيره. وبعضهم أطلق اللعن عليه لما أنّه كفر حين أمر بقتل الحسين رضي الله عنه ، واتّفقوا على جواز اللعن على من قتله ، وأمر به ، وأجازه ، ورضي به.

والحقّ أنّ رضا يزيد بقتل الحسين رضي الله عنه ، واستبشاره بذلك ، وإهانته أهل بيت النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، ممّا تواتر معناه ، وإن كان تفاصيله آحادا ، فنحن لا نتوقّف في شأنه بل في إيمانه ، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه (١).

ولا يخفى أنّ المناط والضابطة التي ذكرها التفتازاني تنطبق على كثير ممّن عادى أهل بيت النبوّة.

وقال الغزّالي :

الصفات المقتضية للّعن ثلاثة : الكفر والبدعة والفسق (٢).

وقد ألّف أبو الفرج ابن الجوزي كتابا في لعن يزيد سمّاه : الردّ على المتعصّب العنيد المانع من ذمّ يزيد ، ونسب فيه اللعن إلى العلماء الورعين (٣) ، كما حكى القاضي أبو يعلى الفرّاء في كتاب المعتمد عن أحمد بن حنبل ـ وكذا الشبراوي (٤) في الإتحاف ـ أنّه جوّز

__________________

(١). شرح العقائد النسفية ـ بتحقيق محمّد عدنان درويش ـ ٢٤٧ ـ ٢٤٨.

(٢). إحياء علوم الدين ٣ / ١٠٦.

(٣). الردّ على المتعصّب العنيد : ١٣.

(٤). الإتحاف بحبّ الأشراف : ٦٤.

٣٠٨

لعن يزيد (١) ، واستدلّ بقوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) (٢) وحكى الدميري (٣) ذلك عن أبي حنيفة ومالك وأحمد ومثله ابن كثير (٤) ، والطبري (٥) ، والآلوسي (٦). وحكي كذلك عن الحنفية (٧).

وقد وقع أهل السنّة في حيص وبيص من لعن النبيّ جماعة بأسمائهم ، فأخذوا في توجيه ذلك بما يضحك الثكلى (٨) مع أنّهم رووا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يلعنهم في صلاته ويقنت عليهم (٩). وروى الحاكم عن عائشة أنّه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ستّة لعنتهم ، لعنهم الله وكلّ نبيّ مجاب : الزائد في كتاب الله ، والمكذّب بقدر الله تعالى ، والمتسلّط بالجبروت ؛ فيعزّ بذلك من أذلّ الله ويذلّ من أعزّ الله ، والمستحلّ لحرم الله ، والمستحلّ من عترتي ما حرّم الله ، والتارك لسنّتي (١٠).

وقال المحقّق الكركي في نفحات اللاهوت :

لا ريب أنّ اللعن هو الطرد والإبعاد من الرحمة ، وإنزال العقوبة بالمكلّف ، وكلّ فعل أو قول اقتضى نزول العقوبة بالمكلّف من فسق أو كفر فهو مقتضي لجواز اللعن (١١).

نعم هذا حكم اللعن للظالمين والمعتدين في نفسه أو في الوسط الداخلي ، وأمّا أسلوب دعوة الآخرين وإرشادهم فلا ريب أن يتحرّى فيه ما لا يثير عصبية الطرف

__________________

(١). الردّ على المتعصّب العنيد : ١٦ ـ ١٧.

(٢). محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم / ٢٢.

(٣). حياة الحيوان ٢ / ١٧٥.

(٤). البداية والنهاية ٨ / ١٥٤ و ١٦٣ و ١٧٩.

(٥). تاريخ الطبري ٤ / ٥٣٧.

(٦). روح المعاني ٢٦ / ٧٣.

(٧). الدرّ المنتقى ١ / ٦٩٢ ، فيض القدير ١ / ٢٠٥.

(٨). لاحظ : الانتصار ـ للعاملي ـ ٣ / ١١٠ ـ ١١٢.

(٩). صحيح البخاري ٥ / ٣٥ باب : ليس لك من الأمر شيء.

(١٠). المستدرك على الصحيحين ـ للحاكم ـ ١ / ٩١ ح ١٠٢.

(١١). نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت : ٤٤ ـ ٤٥.

٣٠٩

الآخر ، كما ينبغي الالتفات إلى فلسفة اللعن في نفسه أو في الوسط الداخلي ؛ إذ أنّه مصداق لطبيعة التولّي والتبرّي ، التي مرّ أنّها فريضة قرآنية اعتقادية ، كما أنّه مصداق لطبيعة إنكار المنكر ـ ولو بالقلب واللسان ـ وكراهة الباطل ، وبالتالي فإنّه أسلوب تربوي للنفوس يقيمها على الحقّ ويبعدها عن استحسان الباطل ، فإنّه من أكبر الأدواء في المجتمعات استنكار الحقّ واستحسان الباطل والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.

وقال عليه‌السلام في خطبة له :

وإنّي لعالم بما يصلحكم ويقيم أودكم ولكنّي لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي (١).

وهذا أصل بالغ الأهمّية لطريقة إصلاح الآخرين : أن لا تكون على حساب فساد المصلح نفسه ؛ فقد يداري المصلح الطرف الآخر لدرجة يضيّع فيها على نفسه وطائفته موقف الثبات على الحقّ ، ويؤدّي إلى ذوبانه في الباطل والانحراف باسم المداراة للإصلاح ، وبادّعاء أنّ الإصلاح قد يستلزم تخلّي الطائفة المحقّة عن بعض مبادئها وضرورياتها لتربية الطائفة نفسها.

إنّ لمعرفة الأهمّية البالغة للأمر بالمعروف والحقّ والنهي عن المنكر والباطل دور كبير في ثبات هوية المجتمع الديني ، ونظامه الاجتماعي ، وحصانته أمام الغزو الثقافي والعقائدي الأجنبي الدخيل ، الموجب للتحلّل الخلقي ولعدم التزام أفراد المجتمع تجاه مقدّسات الملّة والأمّة والمسئوليات الملقاة على عاتقهم.

الوحدة وشعائر المذهب

وهذه الوظيفة التي تؤدّيها فريضة التولّي والتبرّي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ من إيجاد الغيرة الدينية وحسّ المسئولية الاجتماعية الدينية ـ تتأدّى بآليات

__________________

(١). نهج البلاغة : خطبة ٦٩.

٣١٠

عديدة ، عمدتها الشعائر الدينية ، ومن هنا يتفطّن لأهميّة الشعائر وعدم التفريط بها ، ولا سيّما الشعائر الإيمانية المذهبية ؛ فإنّ التفريط بها يوجب التفريط بكيان المذهب وذوبانه أمام هوية المذاهب الإسلامية الأخرى ، القائمة على فقه واعتقادات السلاطين ، المصنوعة من سياسات السلطات الحاكمة ، كالجبرية ، والقدرية ، والمجسّمة ، واجتهاد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالظنّ وإلقاء الشيطان في أمنيّته ، وأنّ يد الله ـ والعياذ بالله ـ مقطوعة عن الأرض ، ومشروعية ولاية الحاكم المتغلّب بالقوّة ، وإطلاق الاجتهاد بالرأي ، والتأوّل ، والقياس ، والاستحسان ، وغيرها من الأصول ، ويؤكّد علماء الاجتماع كذلك على أهميّة الشعائر ـ الطقوس ـ الدينية وفلسفتها.

ونظير الخلط السابق بين العناوين ، الخلط في الموازنة بين إقامة الشعائر الإيمانية وبين عنوان التقية ، مع أنّ موضوع التقية «الخوفية» حيث لا سلطة قائمة للمؤمنين ، وكونهم أقلّية قليلة ونحو ذلك ، أو الخلط بين التقية «المداراتية» وبين إقامة المعرفة الحقّة في نفوس أبناء الطائفة ؛ فإنّ التقية إنّما شرّعت لحفظ الحقّ وأهله لا لطمسهما في المجتمع.

الوحدة وطوائف الشيعة

وإنّ التساؤل الجادّ المطروح في مشروع سياسة الوحدة هو عن الاهتمام ببقيّة طوائف ومذاهب الشيعة غير الإمامية ـ كالإسماعيلية والزيدية ومذهب العلويّين ـ نظير الاهتمام بالطوائف السنّية ، مع أنّ الملاحظ قلّة العناية بهم ، بل اللازم أولوية الاهتمام بهم لعدّة أسباب :

الأوّل : إنّ تحالفهم السياسي مع الطائفة مضمون ؛ نظرا لقرب أصولهم الاعتقادية لنا.

الثاني : قوّة وأقربيّة احتمال هدايتهم بالمقارنة مع الطوائف السنّية.

الثالث : كبر حجمهم العددي والخطورة الاستراتيجية لأماكن تواجدهم.

٣١١

فالعلويّون ـ مثلا ـ يصل تعدادهم في جنوب تركيا إلى ١٣ مليون نسمة حسب الإحصائيات الرسمية ، ولكن بعض التقارير المحلية تصل بعددهم إلى ٢٢ مليون نسمة ، فضلا عن تواجدهم في سوريا ولبنان وشمال العراق.

ومثلهم الإسماعيلية ، فهم منتشرون في لبنان وسوريا والعراق وأفغانستان وپاكستان والهند واليمن ، وفي جنوب السعودية يشكّلون الأكثرية في المحافظات الجنوبية ، والغريب أنّه في مؤتمرات الوحدة لم توجّه إلى الآن ـ حسب ما قيل ـ أي دعوة لعلماء الإسماعيلية في سوريا أو في المناطق الأخرى ، والظاهر أنّ الحال كذلك بالنسبة إلى العلويّين ؛ إذ لم توجّه لهم دعوة.

وأمّا الزيدية فهم الأكثرية في اليمن. وكذلك الحال بالنسبة إلى الأشراف السادة من نسل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فإنّ انتشارهم في الأصقاع كوثر كاثر ، ولهم نقابات في أكثر البلدان ، وهم على محبّة وولاء قلبي لأئمّة أهل البيت عليهم‌السلام أشدّ من غيرهم ، ففي بلاد المغرب العربي والجزائر وتونس ما يقرب من ٥ ملايين حسني ، فضلا عن مصر وليبيا ، وكذلك في المدينة المنوّرة ومكّة المكرّمة وأندونسيا.

والحاصل قلّما يخلو بلد من البلدان الإسلامية من هذا النسل الطيّب ، وهم أولى بإقامة الجسور معهم من أتباع بني أمية ومروان ، بل إنّ صوفية السنّة وفرقهم أولى بإقامة العلاقة معهم من بقية طوائف السنّة ؛ إذ أنّ غالبيّتهم يعتقدون باطنا بإمامة الاثني عشرعليهم‌السلام ، ولذلك تتخوّف الطوائف السنّية الظاهرية الرسمية منهم.

والحاصل : إنّ سياسة الوحدة لم تبن على بصيرة منهجية ، آخذة في عين الاعتبار درجات وأقسام الطوائف الإسلامية الموجودة ، وإرساء منهج يستند على أولويات مدروسة.

وكم فرق بين من يبطن المحبّة لك وبين من يبطن العداوة والبغضاء ؛ قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ* ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ

٣١٢

وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ ...) (١). وقال تعالى : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ ...) (٢).

ولا يخفى أنّ الآيات المزبورة ليست في صدد تخشين العلاقة الخلقية مع الآخرين المتّصفين بذلك كي يتوهّم معارضتها بنظير قوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (٣) ، وقوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) (٤) ، بل هي في صدد بيان سياسة الانفتاح وبناء العلاقات الأساسية المعتمدة لبناء خطوات المستقبل من التحالفات في المجالات المختلفة.

الوحدة وحديث الفرقة الناجية

إنّ الحديث المتواتر بين الفريقين عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ أمّتي ستفترق بعدي على ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة منها ناجية واثنتان وسبعون في النار» (٥) يلزم الباحث المسلم الطالب للنجاة الأخروية الفحص عن خصوص تلك الفرقة الناجية ، والتمسّك بها دون بقية فرق المسلمين ؛ لأنّ مؤدّى الحديث النبوي أنّ الاختلاف الواقع ليس في دائرة الظنون والاجتهاد المشروع ، بل هو في دائرة الأصول والأركان من الأمور القطعية واليقينية ، أي ممّا قام الدليل القطعي واليقيني عليها ، وإن لم تكن ضرورية في زمن أو أزمان معيّنة نتيجة التشويش أو التعتيم الذي تقوم به الفرق الأخرى.

والحديث ـ مضافا إلى كونه ملحمة نبوية ـ يحدّد معالم الوحدة التي يجب أن تقيمها الأمّة الإسلامية بأن تكون على منهاج الحقّ والهدى الذي تسير عليه الفرقة الناجية ، وإنّ الأمّة وإن اشتركت في الإقرار بالشهادتين والانتماء إلى الملّة الواحدة إلّا أنّ

__________________

(١). آل عمران / ١١٨ ـ ١١٩.

(٢). التوبة / ٨.

(٣). البقرة / ٨٣.

(٤). المؤمنون / ٩٦.

(٥). بحار الأنوار ٢٨ / ٢ ـ ٣٦.

٣١٣

ذلك لا يعدو الأحكام بحسب ظاهر الإسلام في النشأة الدنيوية ، إلّا أنّها مفترقة بحسب واقع الإسلام والإيمان الذي به النجاة الأخروية ؛ فهناك ديانة بحسب إقرار اللسان تترتّب عليها أحكام المواطنة في النظام الاجتماعي السياسي ، وهناك ديانة بحسب القلب والأعمال تترتّب عليها أحكام الآخرة من النجاة من النار وإعطاء الثواب.

وهذه الأمور المستفادة من الحديث الشريف المتواتر إنّما هي بلحاظ الإنسان البالغ العاقل المكلّف ، الذي قد اجتمعت فيه شرائط التكليف ، أمّا الصبي والمجنون والجاهل القاصر أو المعتوه أو الأبله وحديث العهد بالإسلام ونحوهم ممّن لم تقم عليه الحجّة وتتمّ شرائط التكليف لديه ، فهم معذورون ، وعاقبة المعذور ـ كما سيأتي ـ موقوفة على المشيئة الإلهية الأخروية ، التي فسّرت في الروايات بإقامة امتحان إلهي له يوم القيامة إن أطاع فيه نجا وإن عصى هلك.

وقد أطلق على أفراد المعذور في الكتاب والسنّة عدّة تسميات ، ك (الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) (١) ، و (مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) (٢) ، و (أَصْحابُ الْأَعْرافِ) (٣) ، والّذين (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) (٤) ، و (الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) (٥) ، وأطلق عليهم أيضا : «الضّلال» ، بمعنى : الضالّ «القاصر» ؛ إذ هذا أحد معانيه ، وإلّا فهو يطلق على «المقصّر» المخلّد في النار أيضا ..

لذلك لا مفرّ لهذا الإنسان ـ المكلّف المختار ـ ولا مخلص ولا نجاة له إلّا بالفحص عن الفرقة الناجية من فرق المسلمين ، وليس له أن يتعامى عن عمد ويسلك طريق الضلال والغواية ويرجو مع ذلك النجاة ، كما أنّ البحث الجادّ بين فرق المسلمين في إطار الوحدة لا بدّ أن يتحرّى فيه ـ بمقتضى الحديث الشريف والتوصية النبوية ـ عن الحقّ الذي

__________________

(١). النساء / ٩٨.

(٢). التوبة / ١٠٦.

(٣). الأعراف / ٤٨.

(٤). التوبة / ١٠٢.

(٥). التوبة / ٦٠.

٣١٤

تسلكه الفرقة الناجية لكي تتّبعها بقيّة الفرق ، فإنّ منهاج الهدى لا يرسم بضلال القاصر المستضعف.

ولكي تتمّ الفائدة من هذا الحديث المتواتر ـ حديث الفرقة الناجية ـ الذي أقرّت بمضمونه جلّ فرق المسلمين ، نذكر بعض النقاط التالية :

الأولى

إنّ الكلام في النجاة في الحديث الشريف هو بحسب الاستحقاق والامتثال ، لا بحسب الشفاعة والشفقة الإلهية والرحمة الواسعة ، أي بحسب ما يلزمه حكم العقل باتّباع الأدلّة والبراهين الشرعية والعقلية الأولية ، فإنّ العقل يوجب التجنّب عن التعرّض للسخط الإلهي واحتمال العقوبة الأخروية ، وإن لم يكن بين استحقاق العقوبة ووقوعها تلازم ؛ لاحتمال الشفاعة ونحوها ، فإنّ التعرّض لمثل العقوبة الأخروية التي أشفقت منها السماوات والأرض يعدّ من الإلقاء في الهلكة ، هذا فضلا عن الأصناف الأخرى لحكم العقل من وجوب شكر المنعم وقبح التمرّد والطغيان على المولى ، وغيرها من أنماط حكم العقل والفطرة.

الثانية

إنّ المقصود من النجاة في الحديث الشريف هو النجاة من الدخول في النار ومن ذوق حريق العذاب ، لا في النجاة من الخلود فيها ومن دوام العذاب ؛ فإنّ آراء المتكلّمين تكاد تتّفق أنّ الخلود للجاحدين وأهل العناد ، سواء كان الجحود في توحيد الذات أو الصفات ، أو في التشريع والرسالة ، أو في الولاية والإمامة ، أو في الغاية والمعاد ، ونحوها من أصول الاعتقاد.

وبعبارة أخرى : إنّ مفاد الحديث في دخول الجنّة عند الحساب والميزان ، لا في دخول الجنّة بعد أحقاب من العذاب في النار.

الثالثة

إنّ معذورية أفراد المعذور ـ كما يأتي ـ لا يعني تنجّز نجاته بل هي مرهونة

٣١٥

بالمشيئة الإلهية ، والتي فسّرت في عدّة من الأخبار بالامتحان ، كما لا يعني أنّ مسار هؤلاء هو طريق هدى بل مفروض العذرية تخبّط المعذور في الضلال والغواية ، فلا تلازم بين العذرية والأمان ولا بينها وبين ضمان النجاة ، ولا بينها وبين اتّخاذ خطأ وضلال المعذور منهاجا يتبجّح به. وسيأتي أنّ في الروايات ما يدلّ على أنّه يبيّن الحقّ لأفراد المعذور في امتحان يوم القيامة.

الرابعة

إنّ هناك جملة من الأحاديث النبوية المستفيضة والمتواترة الأخرى الدالّة على مفاد حديث الفرقة الناجية نفسه ، لكن بألفاظ مختلفة ودلالات متعدّدة التزامية ومطابقية ، منها : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» (١) ؛ وفي بعض الطرق : «وليس في عنقه بيعه لإمام زمانه» (٢) ، ونحو ذلك. ومنها : «مثل أهل بيتي كسفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تركها هلك» (٣). ومنها : ذيل حديث الثقلين ؛ ومفهومه : «ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا أبدا» وغيرها من الأحاديث النبوية الواردة في عليّ عليه‌السلام وأهل بيته.

الخامسة

قد وردت جملة من الروايات المستفيضة في امتحان أقسام المعذور يوم القيامة ، منها : صحيحة هشام ؛ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عمّن مات في الفترة ـ أي في زمان انقطاع الرسل وغياب الحجّة ـ وعمّن لم يدرك الحنث ـ أي البلوغ ـ والمعتوه ، فقال : «يحتجّ الله عليهم يرفع لهم نارا فيقول لهم : ادخلوها ، فمن دخلها كانت عليه بردا

__________________

(١). دعائم الإسلام ١ / ٢٧ ، قرب الإسناد : ٣٥١ ضمن ح ١٢٦٠ ، المحاسن ١ / ٢٥١ ـ ٢٥٢ ح ٤٧٤ وح ٤٧٦.

(٢). صحيح مسلم ٣ / ١٤٧٨ ح ١٨٥١ ، المعجم الكبير ١٩ / ٣٣٤ ح ٧٦٩ ، سنن البيهقي ٨ / ١٥٦.

(٣). المناقب ـ للكوفي ـ ١ / ٢٩٦ ح ٢٢٠ و ٢ / ١٤٦ ح ٦٢٤ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ / ٢٧ ح ١٠ ، المسترشد : ٢٦٠ ذيل ح ٧٣ و ٥٧٨ ح ٢٥٠ ، مسند البزّار ٩ / ٣٤٣ ح ٣٩٠٠.

٣١٦

وسلاما ، ومن أبى قال : ها أنتم قد أمرتكم فعصيتموني» (١).

وفي صحيحة أخرى قال عليه‌السلام : «ثلاثة يحتجّ عليهم : الأبكم ، والطفل ، ومن مات في الفترة ، فيرفع لهم نار فيقال لهم : ادخلوها ، فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ، ومن أبى قال تبارك وتعالى : هذا قد أمرتكم فعصيتموني» (٢). وفي بعض الروايات : «إنّ أولاد المشركين خدم أهل الجنّة» (٣).

ومنها : صحيح زرارة ؛ قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام : «هل سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الأطفال؟ فقال : «قد سئل فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين». ثمّ قال : «يا زرارة! هل تدري ما قوله الله أعلم بما كانوا عاملين؟!» قلت : لا. قال : «لله عزوجل فيهم المشيئة ؛ إنّه إذا كان يوم القيامة أتي بالأطفال ، والشيخ الكبير الذي قد أدرك السن [النبيّ] ولم يعقل من الكبر والخرف ، والذي مات في الفترة بين النبيّين ، والمجنون ، والأبله الذي لا يعقل ، فكلّ واحد يحتجّ على الله عزوجل ، فيبعث الله تعالى إليهم ملكا من الملائكة ويؤجّج نارا فيقول : إنّ ربّكم يأمركم أن تثبوا فيها. فمن وثب فيها كانت عليه بردا وسلاما ، ومن عصاه سبق إلى النار» (٤).

وهناك جملة عديدة من الروايات ، فلاحظها في محالّها (٥) ، كما أنّ هناك جملة أخرى من الروايات دالّة على دخول أطفال المشركين مع آبائهم في النار ، لكنّها محمولة على عصيانهم في الامتحان.

وفي رواية لزرارة ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ وأنا أكلّمه في المستضعفين ـ : «أين

__________________

(١). الكافي ٣ / ٢٤٩ ح ٦ ، بحار الأنوار ٥ / ٢٩٢ ح ١٤.

(٢). الكافي ٣ / ٢٤٩ ح ٧ ، بحار الأنوار ٥ / ٢٩٣ ح ١٥.

(٣). المعجم الكبير ٧ / ٢٩٥ ح ٦٩٩٣ ، حلية الأولياء ٦ / ٣٠٨ ، بحار الأنوار ٥ / ٢٩١ ح ٥.

(٤). الكافي ٣ / ٢٤٨ ح ١ ، معاني الأخبار : ٤٠٧ ح ٨٦ ، بحار الأنوار ٥ / ٢٩٠ ح ٣.

(٥). الكافي ٣ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ح ١ ـ ح ٧ ، بحار الأنوار ٥ / ٢٨٨ ـ ٢٩٧ ح ١ ـ ح ٢٢.

٣١٧

(أَصْحابُ الْأَعْرافِ)؟! أين المرجون لأمر الله؟! أين الّذين (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً)؟! أين (الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ)؟! أين أهل تبيان الله؟! أين (الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً)؟! (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً) (١)» (٢).

وتعبيره عليه‌السلام عن أفراد المعذورين ب «أهل تبيان الله» لعلّ المراد به أنّه يبيّن تعالى لهم الهدى من الضلال في الامتحان المقام لهم عند الحساب.

السادسة

هناك جملة أخرى من الروايات يظهر منها دخول أفراد المعذور إلى الجنّة ، ولكنّها محمولة ومقيّدة بامتحانهم وطاعتهم فيه ، ومن ثمّ نجاتهم ، كما تقدّم حمل جملة من الروايات الواردة في دخول أطفال المشركين النار على عصيانهم في الامتحان ؛ بمقتضى العديد من الروايات المستفيضة المفصّلة المقيّدة لدخول الجنّة أو النار بالامتحان عند الحساب.

منها : صحيح زرارة ؛ قال : «دخلت أنا وحمران ـ أو : أنا وبكير ـ على أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّا نمدّ المطمار؟ قال : «وما المطمار؟!» قلت : التتر ، فمن وافقنا من علوي أو غيره تولّيناه ، ومن خالفنا من علوي أو غيره برئنا منه ..

فقال : «يا زرارة! قول الله أصدق من قولك ؛ فأين الّذين قال الله عزوجل : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ ...)؟! أين المرجون لأمر الله؟! أين الّذين (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً)؟! أين (أَصْحابُ الْأَعْرافِ)؟! أين (الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) ...»

وزاد فيه جميل ، عن زرارة : فلمّا كثر بيني وبينه الكلام قال : «يا زرارة! حقّا على

__________________

(١). النساء / ٩٩.

(٢). تفسير العيّاشي ١ / ٢٦٩ ح ٢٤٦ ، بحار الأنوار ٧٢ / ١٦٤ ح ٢٣.

٣١٨

الله أن [لا] يدخل الضّلال الجنّة» (١) ؛ بناء على نسخة بدون «لا» النافية. وفي رواية العيّاشي : «يا زرارة! حقّا على الله أن يدخلك الجنّة» (٢).

وصدر الرواية قد روي بطرق متعدّدة ، وموردها في الأصل أنّه عليه‌السلام سأل زرارة :

«متأهّل أنت؟!» ، فقال : لا. ثمّ ذكر زرارة أنّه لا يستحلّ نكاح هؤلاء فذكرعليه‌السلام أنّ المستضعفين لا زالوا على الولاء ، لا ولاء الإيمان بل ولاء ظاهر الإسلام من المناكحة وحلّية ذبيحتهم و ... ففي رواية لحمران عنه عليه‌السلام : «هم من أهل الولاية ... أما إنّها ليست بولاية في الدين ولكنّها الولاية في المناكحة والموارثة والمخالطة ، وهم ليسوا بالمؤمنين ولا بالكفّار ، وهم المرجون لأمر الله عزوجل» (٣).

والحاصل أنّ هذه الرواية ومثيلاتها محمولة على النجاة ـ ومقيّدة لها ـ بالطاعة عند الامتحان في الحساب مع تبيان الحقّ لهم واختيارهم له ؛ لما مرّ من روايات مستفيضة دالّة على ذلك مضافا إلى كون مثل هذه الروايات متعرّضة إلى أحكام الحياة الاجتماعية مع هؤلاء.

ومثل هذا التقييد في صحيح ضريس الكناسي : عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له:

«جعلت فداك ، ما حال الموحّدين المقرّين بنبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المسلمين المذنبين ، الّذين يموتون وليس لهم إمام ولا يعرفون ولايتكم؟

فقال : «أمّا هؤلاء فإنّهم في حفرهم لا يخرجون منها ، فمن كان له عمل صالح ولم يظهر منه عداوة فإنّه يخدّ له خدّا إلى الجنّة التي خلقها الله بالمغرب ـ أي البرزخية لا الأخروية ـ فيدخل عليه الروح في حفرته إلى يوم القيامة حتّى يلقى الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته ، فإمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النار ، فهؤلاء الموقوفون لأمر الله». قال عليه‌السلام :

__________________

(١). الكافي ٢ / ٢٨٢ ح ٣ ، كتاب الإيمان والكفر : باب أصناف الناس.

(٢). تفسير العيّاشي ٢ / ٩٣ ح ٧٤ ، بحار الأنوار ٧٢ : ١٦٤ ـ ١٦٥ ح ٢٦.

(٣). تفسير العيّاشي ١ / ٢٦٩ ح ٢٤٩ ، معاني الأخبار : ٢٠٢ ح ٨ ، بحار الأنوار ٧٢ / ١٦٠ ح ١٣.

٣١٩

«وكذلك يفعل بالمستضعفين ، والبله ، والأطفال ، وأولاد المسلمين الّذين لم يبلغوا الحلم». الحديث (١).

وذيل الرواية صريح في كون حالهم موقوفا على المشيئة الإلهية ، التي قد فسرت في روايات عديدة بالامتحان ، وحاشا لعدله تعالى أن يدخل النار بغير موجب.

ومثلها رواية الأعمش ، عن الصادق عليه‌السلام : «أصحاب الحدود فسّاق ، لا مؤمنون ولا كافرون ، ولا يخلدون في النار ويخرجون منها يوما ما ، والشفاعة لهم جائزة ، وللمستضعفين إذا ارتضى الله دينهم» (٢). وذيل هذه الرواية دالّ على التمييز بين «أصحاب الحدود» وبين «المستضعفين» في كون «المستضعفين» لا تجوز لهم الشفاعة حتّى يرتضي الله تعالى دينهم ، أي حتّى يدينوا بالعقائد الحقّة فحينئذ يكونوا على حدّ فسّاق المؤمنين من صلاح العقيدة لكنّهم أساءوا العمل ؛ فهي تدلّ على إقامة الامتحان للمستضعفين ، وأنّه بالدرجة الأولى في تبيان العقائد والإيمان الحقّ ، كما مرّ في بعض الروايات أنّهم من : «أهل تبيان الله».

ومن جملة هذا النمط من الروايات : رواية الصباح بن سيابة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إنّ الرجل ليحبّكم وما يدري ما تقولون فيدخله الله الجنّة ، وإنّ الرجل ليبغضكم وما يدري ما تقولون فيدخله النار» (٣). وهذه الرواية تبيّن مدى أهمّية تولّي أولياء الله ، والهلاك في ترك ولايتهم ، وإنّ التولّي والتبرّي منشأه من الأصول الاعتقادية.

وفي بعض الروايات التقييد بمن أحبّ الشيعة لحبّهم سيّدة نساء العالمين الزهراء

__________________

(١). الكافي ٣ / ٢٤٧ ضمن ح ١ ، تفسير القمّي ٢ / ٢٦٠ ، بحار الأنوار ٦ / ٢٨٦ ح ٧ و ٢٩٠ ضمن ح ١٤ و ٧٢ / ١٥٨ ح ٣.

(٢). الخصال : ٦٠٨ ضمن ح ٩ ، عيون الأخبار ٢ / ١٢٥ ضمن ح ١ ، بحار الأنوار ٨ / ٤٠ ح ٢٢ و ٧٢ / ١٥٩ ح ٦.

(٣). معاني الأخبار : ٣٩٢ ح ٤٠ ، بحار الأنوار ٧٢ / ١٥٩ ح ٧.

٣٢٠