الصّحابة بين العدالة والعصمة

الشيخ محمد السند

الصّحابة بين العدالة والعصمة

المؤلف:

الشيخ محمد السند


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الأميرة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

منسوخ لرفضوه.

وآخر رابع لم يكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم ينسه ، بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به كما سمع ، لم يزد فيه ولم ينقص منه ، وعلم الناسخ من المنسوخ ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ.

فإنّ أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل القرآن ، ناسخ ومنسوخ ، خاصّ وعامّ ، ومحكم ومتشابه ، قد كان يكون من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلام له وجهان : كلام عامّ وكلام خاصّ مثل القرآن ، وقال الله عزوجل في كتابه : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (١) ، فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليس كلّ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسأله عن الشيء فيفهم ، وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه ، حتّى إن كانوا ليحبّون أن يجيء الأعرابي والطارئ فيسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى يسمعوا.

وقد كنت أدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ يوم دخلة وكلّ ليلة دخلة ، فيخلّيني فيها أدور معه حيث دار ، وقد علم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري ، فربّما كان في بيتي يأتيني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر ذلك في بيتي ، وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عنّي نساءه ، فلا يبقى عنده غيري ، وإذا أتاني للخلوة معه في منزلي لم تقم عنّي فاطمة ولا أحد من بنيّ.

وكنت إذا سألته أجابني ، وإذا سكتّ عنه وفنيت مسائلي ابتدأني ، فما نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية من القرآن إلّا أقرأنيها وأملاها عليّ ، فكتبتها بخطّي وعلّمني تأويلها وتفسيرها ، وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها

__________________

(١). الحشر / ٧.

١٦١

ومتشابهها ، وخاصّها وعامّها ، ودعا الله لي بما دعا. وما ترك شيئا علّمه الله من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي ، كان أو يكون ، ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلّا علّمنيه وحفظته ، فلم أنس حرفا واحدا.

ثمّ وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علما وفهما وحكما ونورا ، فقلت: يا نبيّ الله! بأبي أنت وأمّي ، منذ دعوت لم أنس شيئا ولم يفتني شيء لم أكتبه ، أفتتخوّف عليّ النسيان في ما بعد؟! فقال : لا لست أتخوّف عليك النسيان والجهل (١).

فعليّ عليه‌السلام بجانب من شدّة الصلة بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقربه منه زمانا ومكانا وبيتا وصحبة ورحما وملازمة وأخوّة ومحبّة ، حتّى نزلت آية وجوب التصدّق قبل نجوى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يعمل بها إلّا هو عليه‌السلام دون بقيّة الصحابة حتّى نسخت ، وكانت بيوت بعضهم في العوالي قد لا يرون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّاما كما جاء ذلك على لسان بعضهم (٢) ، مضافا إلى شدّة عناية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به عليه‌السلام وإزلافه له ، فخصّه بتزويج فاطمة عليها‌السلام والمؤاخاة معه ، كما في آية المباهلة وغير ذلك من المواطن والمشاهد المذكورة في كتب الفريقين.

والغريب من أهل سنّة الجماعة ـ حين يستدلّون لحجّيّة الصحابي ـ التغافل عن كلّ ذلك ، وعن تقديم حجّيّة قول عليّ عليه‌السلام وفعله ومقامه على بقيّة الصحابة. وكيف يستقيم ذلك مع حجيّة الصحابي ، بأنّه لو لا هم لانقطع نقل الدين وثبوته؟! وكيف يستبدلون حجّيّة الثقلين ـ كتاب الله وعترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ المنصوص عليها في القرآن وحديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتواتر بين الفريقين ، بحجّيّة الصحابة ـ إن كان مرادهم من الحجّيّة مقام العصمة والإمامة في الدين ـ أو بحجّيّة جميع الصحابة ـ إن كان مرادهم حجّيّة الفتوى أو

__________________

(١). أصول الكافي ١ / ٦٢ ـ ٦٤ ح ١ ، الخصال : ٢٥٥ ح ١٣١.

(٢). انظر مثلا : صحيح البخاري ١ / ٥٥ ـ ٥٦ ح ٣١ باب التناوب في العلم ، سنن الترمذي ٥ / ٣٩٢ ح ٣٣١٨ كتاب تفسير القرآن.

١٦٢

الرواية ـ مع إنّ فيهم الأقسام الأربعة التي أشار إليها عليه‌السلام؟!!

وكيف يتعطّل الدين ويبطل مع وجود عترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الهادية العاصمة عن ضلال الأمّة وتحيّرها؟! وهل تمحيص الصحابي المستقيم على عهد الله وعهد رسوله في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن بعد مماته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عن الصحابي الذي نكث العهد وبدّل وأحدث في الدين ، يوجب تعطيل وبطلان الدين؟! أم إنّه صيانة للدين عن تحريف المبطلين وزيغ المحدثين ، وحياطة للدين عن السنن المحدثة التي خولفت فيها سنن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟! فها هو عليه‌السلام يشير إلى مثل ذلك في قوله عليه‌السلام :

لقد عملت الولاة قبلي أعمالا عظيمة خالفوا فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متعمّدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيّرين لسنّته ، ولو حملت الناس على تركها وتحويلها عن مواضعها إلى ما كانت تجري عليه في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لتفرّق عنّي جندي حتّى لا يبقى في عسكري غيري وقليل من شيعتي الّذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عزّ ذكره وسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه‌السلام فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة عليها‌السلام ، ورددت صاع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومدّه إلى ما كان ، وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأقوام مسمّين لم تمض لهم ولم تنفذ ، ورددت دار جعفر بن أبي طالب إلى ورثته وهدمتها من المسجد ، ورددت قضايا من الجور قضى بها من كان قبلي ، ونزعت نساء تحت رجال بغير حقّ فرددتهنّ إلى أزواجهنّ ، واستقبلت بهنّ الحكم في الفروج والأحكام ، وسبيت ذراري بني تغلب ، ورددت ما قسم من أرض خيبر ، ومحوت دواوين العطايا وأعطيت كما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعطي بالسويّة ولم أجعلها دولة بين الأغنياء ، وألقيت المساحة ، وسوّيت بين المناكح ، وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عزوجل وفرضه ، ورددت

١٦٣

مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما كان عليه ، وسددت ما فتح فيه من الأبواب وفتحت ما سدّ منها ، وحرّمت المسح على الخفّين ، وحددت على النبيذ ، وأمرت بإحلال المتعتين ، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات ، وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأخرجت من أدخل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجده ممّن كان رسول الله أخرجه ، وأدخلت من أخرج بعد رسول الله ممّن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أدخله ، وحملت الناس على حكم القرآن ، وعلى الطلاق على السنّة ، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها ، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها ، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم ، ورددت سبايا فارس وسائر الأمم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذا لتفرّقوا عنّي.

والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة ، وأعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل سيفه معي : يا أهل الإسلام! غيّرت سنّة عمر ، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا في جماعة! حتّى خفت أن يثوروا في ناحية عسكري. بؤسي لما لقيت من هذه الأمّة بعد نبيّها من الفرقة وطاعة أئمّة الضلال والدعاة إلى النار!! وأعظم من ذلك! لو لم أعط سهم ذوي القربى إلّا من أمر الله بإعطائه ، الّذين قال الله عزوجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) كلّ هؤلاء منّا خاصّة (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ).

فنحن والله الّذين عنى الله بذي القربى ، الّذين قرنهم الله بنفسه وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ

١٦٤

مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ) في ظلم آل محمّد (أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن ظلمهم ، رحمة منه لنا ، وغنى أغنانا الله به ووصّى به نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّه لم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا ، وأكرم الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ أيدي الناس ، فكذّبوا الله ، وكذّبوا رسوله ، وجحدوا كتاب الله الناطق بحقّنا ، ومنعونا فرضا فرضه الله لنا. ما لقي أهل بيت نبيّ من أمّته ما لقينا بعد نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله المستعان على من ظلمنا ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم (١).

وموقف عليّ عليه‌السلام يوم الشورى حينما رفض شرط عبد الرحمن بن عوف لمبايعته أن يحكم بسنّة الشيخين ، وحصر الحكم بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، موقف مشهود معلن معروف عند الحاضر والبادي.

وقال عليه‌السلام :

إنّه لا يقاس بآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الأمّة أحد ، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا ، هم أطول الناس أغراسا ، وأفضل الناس أنفاسا ، هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حقّ الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة ، وحجّة الله عليكم في حجّة الوداع يوم غدير خمّ ، وبذي الحليفة ، وبعده المقام الثالث بأحجار الزيت.

تلك فرائض ضيّعتموها ، وحرمات انتهكتموها ، ولو سلّمتم الأمر لأهله سلمتم ، ولو أبصرتم باب الهدى رشدتم ـ إلى أن يقول : ـ يا أيّها الناس! اعرفوا فضل من فضّل الله ، واختاروا حيث اختار الله ، واعلموا أنّ الله قد فضّلنا أهل البيت بمنّه حيث يقول : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ

__________________

(١). نهج البلاغة : الخطبة ٣ ، كتاب سليم بن قيس : ١٦٢ ، روضة الكافي ٨ / ٥٨ ح ٢١.

١٦٥

يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١) ، فقد طهّرنا الله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ومن كلّ دنيّة وكلّ رجاسة ، فنحن على منهاج الحقّ ، ومن خالفنا فعلى منهاج الباطل ...

وعندنا أهل البيت معاقل العلم ، وأبواب الحكم ، وأنوار الظلم ، وضياء الأمر ، وفصل الخطاب ، فمن أحبّنا ينفعه إيمانه ، ويتقبّل منه عمله ، ومن لا يحبّنا أهل البيت لا ينفعه إيمانه ، ولا يتقبّل عمله وإن دأب في الليل والنهار قائما صائما.

والله لئن خالفتم أهل بيت نبيّكم لتخالفنّ الحقّ ، ولقد علم المستحفظون من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : إنّي وأهل بيتي مطهّرون ، فلا تسبقوهم فتضلّوا ، ولا تخالفوهم فتجهلوا ، ولا تتخلّفوا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ، هم أحلم الناس كبارا ، وأعلمهم صغارا ، إنّهم لا يدخلونكم في ردى ، ولا يخرجوكم من باب هدى ، فاتّبعوا الحقّ وأهله حيث كانوا ... الآن إذ رجع الحقّ إلى أهله ونقل إلى منتقله ... (٢).

وقال في الخطبة القاصعة المعروفة ، التي أنشأها لبيان أنّ كفر إبليس هو كفر جحود لولاية وليّ الله تعالى ، وهو آدم عليه‌السلام ، وعدم انقياد له ، وأنّ كلّ أبواب التوحيد وأركان فروع الدين تنتهي إلى ولاية وليّ الله تعالى :

ألا وإنّكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطاعة ، وثلمتم حصن الله المضروب عليكم بأحكام الجاهلية ، وإنّ الله سبحانه قد امتنّ على جماعة هذه الأمّة ، في ما عقد بينهم من حبل هذه الألفة التي يتنقّلون في ظلّها ، ويأوون إلى كنفها ، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة ؛ لأنّها أرجح من كلّ ثمن ، وأجلّ من كلّ خطر. واعلموا أنّكم صرتم بعد الهجرة أعرابا ، وبعد الموالاة

__________________

(١). الأحزاب / ٣٣.

(٢). نهج البلاغة : الخطبة ٣.

١٦٦

أحزابا ، ما تتعلّقون من الإسلام إلّا باسمه ، ولا تعرفون من الإيمان إلّا رسمه (١).

فقد جعل عليه‌السلام المدار في الهجرة هو : السير والانتقال مع ولاية وليّ الله تعالى ، وهو الإمام من أهل البيت عليهم‌السلام ، والإعراض عنه تعرّب ؛ فبالموالاة والنصرة يقع عنوان الهجرة ، وبالتحزّب والتفرّق عن الموالاة يقع عنوان التعرّب ، وكلامه عليه‌السلام يقضي بأنّ عنوان الهجرة وصف قابل للزوال عن الشخص ، وهذا اللازم قهري بعد عدم كون الهجرة سفر وانتقال من مكان إلى مكان آخر.

فتحصّل أنّ معنى الهجرة والنصرة عند فاطمة وعليّ عليهما‌السلام متطابق على هذا المعنى ، وهذا المعنى هو الذي يستفاد من تعريف الهجرة والنصرة من سورة الحشر ؛ إذ قيّدت الهجرة ب (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) (٢) ، وقيّدت النصرة ب (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) (٣) ، فالهجرة هي نصرة وموالاة وليّ الله تعالى ، والنصرة هي محبّة ذلك والمؤازرة عليه.

نتف من كلماته عليه‌السلام في عدّة من الصحابة بأعيانهم :

١. قال له ابن الكوّاء : «يا أمير المؤمنين! أخبرني عن أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

قال عليه‌السلام : «عن أيّ أصحاب رسول الله تسألني؟» قال : «يا أمير المؤمنين! أخبرني عن أبي ذرّ الغفاري!» قال : «سمعت رسول الله يقول : ما أظلّت الخضراء ، ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ».

٢. قال : «يا أمير المؤمنين! فأخبرني عن سلمان الفارسي. قال : بخ بخ ، سلمان منّا أهل البيت ، ومن لكم بمثل لقمان الحكيم ، علم علم الأوّل والآخر».

٣. قال : «يا أمير المؤمنين! أخبرني عن حذيفة بن اليمان. قال : ذاك امرؤ علم أسماء المنافقين ، إن تسألوه عن حدود الله تجدوه بها عالما».

__________________

(١). نهج البلاغة : الخطبة ١١.

(٢). الحشر / ٨.

(٣). الحشر / ٩.

١٦٧

٤. قال : «يا أمير المؤمنين! فأخبرني عن عمّار بن ياسر. قال : ذاك امرؤ حرّم الله لحمه ودمه على النار أن تمسّ شيئا منها».

٥. قال : «يا أمير المؤمنين! فأخبرني عن نفسك. قال : كنت إذا سألت أعطيت ، وإذا سكتّ ابتدئت» (١).

٦. وقال بعد استشهاد محمّد بن أبي بكر : «ألّا وإنّ محمّد بن أبي بكر قد استشهدرحمه‌الله ، فعند الله نحتسبه ، أما والله لقد كان ـ ما علمت ـ ينتظر القضاء ، ويعمل للجزاء ، ويبغض شكل الفاجر ، ويحبّ سمت المؤمن ، ولقد كان إليّ حبيبا ، وكان لي ربيبا ، وكان بي برّا ، وكنت أعدّه ولدا ، فرحم الله محمّدا ، فقد أجهد نفسه ، وقضى ما عليه»(٢).

٧. وقال عليه‌السلام : «أمّا والله لقد كنت أردت تولية مصر المرقال هاشم ابن عتبة ، ولو ولّيته إيّاها لما خلّى لهم العرصة ، ولا انهزهم الفرصة ، ولما قتل إلّا وسيفه بيده ، بلا ذمّ لمحمّد بن أبي بكر» (٣).

وهاشم بن عتبة بن أبي وقّاص ابن أخي سعد بن أبي وقّاص ، كان نافذ البصيرة ، شديد الولاء لأمير المؤمنين ، وشديد البراءة من أعدائه ، وقد دعا له أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال: «اللهمّ ارزقه الشهادة في سبيلك ، والمرافقة لنبيّك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم»

٨. وقال عليه‌السلام لمّا مرّ ـ وهو عائد من صفّين ـ على عدّة قبور فيها قبر خبّاب بن الأرتّ : «رحم الله خبّابا ، فلقد أسلم راغبا ، وهاجر طائعا ، وعاش مجاهدا ، وابتلي في جسمه آخرا ، وقنع بالكفاف ، ورضي عن الله تعالى ، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا» (٤).

٩. وقال بعد مرجعه من صفّين وقد توفّي سهل بن حنيف الأنصاري بالكوفة ، وكان

__________________

(١). الاحتجاج ـ للطبرسي ـ ١ / ٣٨٧.

(٢). نهج البلاغة : الخطبة ٥٦.

(٣). نهج البلاغة : الخطبة ٥٦.

(٤). نهج البلاغة : الكلام ١٣١.

١٦٨

من أحبّ الناس إليه : «لو أحبّني جبل لتهافت» (١). وسهل بن حنيف صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان بدريا ، وشهد مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حروبه كلّها ، وكان من النقباء (٢).

١٠. وقال لمّا بلغه نعي مالك الأشتر : «لله درّ مالك ، وما مالك! والله لو كان جبلا لكان فندا ، ولو كان حجرا لكان صلدا ، لا يرتقيه الحافر ، ولا يوفي عليه الطائر. أما والله ليهدّنّ موتك عالما وليفرحنّ عالما ، فهل مرجوّ كمالك؟! وهل قامت النساء عن مثل مالك؟! فعلى مثله فلتبك البواكي.

إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين ، اللهمّ إنّي أحتسبه عندك ، فإنّ موته من مصائب الدهر ، فرحم الله مالكا ، فقد وفى بعهده ، وقضى نحبه ، ولقي ربّه ، مع إنّا قد وطّنّا أنفسنا أن نصبر على كلّ مصيبة بعد مصابنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّها أعظم المصيبات» (٣).

وقال عنه أيضا : «لا ينام أيّام الخوف ، ولا ينكل عن الأعداء ساعات الروع ، حذّار الدوائر ، أشدّ على الفجّار من حريق النار ، وأبعد الناس من دنس أو عار ، وهو مالك بن الحارث أخو مذحج ... فإنّه سيف من سيوف الله ، لا كليل الظبة ، ولا نابي الضريبة» (٤).

١١. وقال في كتاب له إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي ـ ابن أمّ المؤمنين أمّ سلمة ، وهي التي أرسلته لنصرة الأمير في الجمل ـ واليه على البحرين : «ولعمري لقد أحسنت الولاية ، وأدّيت الأمانة ، فأقبل غير ظنين ولا ملوم ، ولا متّهم ولا مأثوم ، فلقد أردت المسير إلى ظلمة أهل الشام وبقية الأحزاب ، وأحببت أن تشهد معي لقاءهم ، فإنّك ممّن أستظهر به على جهاد العدوّ ونصر الهدى وإقامة عمود الدين إن شاء الله» (٥).

١٢. ونظيره ما قاله عليه‌السلام لمخنف بن سليم الأزدي ، عامله على أصبهان (٦).

__________________

(١). نهج البلاغة : الكلام ١٣٣.

(٢). وقعة صفّين : ١١٢.

(٣). نهج البلاغة : الكلام ١٥٣.

(٤). نهج البلاغة : كتاب ٦٩.

(٥). نهج البلاغة : كتاب ٣١.

(٦). نهج البلاغة : كتاب ٣٢.

١٦٩

١٣. وقال عليه‌السلام لزيد بن صوحان العبدي : «رحمك الله يا زيد ، قد كنت خفيف المئونة ، عظيم المعونة» ، كما قد ورد حديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بشارته بالشهادة على الحقّ (١).

١٤. وقال عليه‌السلام في حكيم بن جبلة العبدي : «فقتلوه ـ ويقصد أصحاب الجمل ـ في سبعين رجلا من عبّاد أهل البصرة ومخبتيهم ، يسمّون المثفّنين ، كأنّ راح أكفّهم وجبهاتهم ثفنات الإبل» (٢).

١٥. وقال عليه‌السلام في يزيد بن الحارث اليشكري : «وأبى أن يبايعهم وهو شيخ أهل البصرة يومئذ ، فقال ـ مخاطبا طلحة والزبير ـ : اتّقيا الله ، إنّ أوّلكم قادنا إلى الجنّة ، فلا يقودنا آخركم إلى النار ، فلا تكلّفونا أن نصدّق المدّعي ونقضي على الغائب ، أمّا يميني فقد شغلها عليّ بن أبي طالب ببيعتي إيّاه ، وأمّا شمالي فهذه خذاها فارغة إن شئتما ؛ فخنق حتّى مات رحمه‌الله» (٣).

١٦. وقال عليه‌السلام في عمران بن حصين الخزاعي : «فقام صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو الذي جاءت فيه الأحاديث ، وقال : يا هذان! ـ مخاطبا طلحة والزبير ـ مخاطبا طلحة والزبير ـ لا تخرجانا ببيعتكما من طاعة عليّ ، ولا تحملانا على نقض بيعته ، فإنّها لله رضى. أما وسعتكما بيوتكما حتّى أتيتما بأمّ المؤمنين؟! فالعجب لاختلافها إيّاكما ومسيرها معكما!!! فكفّا عنّا أنفسكما وارجعا من حيث جئتما ، فلسنا عبيد من غلب ، ولا أوّل من سبق ؛ فهمّا به ثمّ كفّا عنه» (٤).

١٧. وقال عليه‌السلام : «ثمّ أخذوا عاملي عثمان بن حنيف أمير الأنصار غدرا ، فمثّلوا به كلّ المثلة ، ونتفوا كلّ شعرة في رأسه ووجهه» (٥). وهو صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، شهد

__________________

(١). رجال الكشّي ١ / ٢٨٤ ، الاختصاص : ٢٩.

(٢). نهج البلاغة : الكتاب ٧٥.

(٣). نهج البلاغة : الكتاب ٧٥.

(٤). نهج البلاغة : الكتاب ٧٥.

(٥). نهج البلاغة : الكتاب ٧٥.

١٧٠

معه المشاهد ، أحدا وما بعدها. وهو أحد الاثني عشر الّذين أنكروا على أبي بكر جلوسه مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم ستّة من المهاجرين ، وستّة من الأنصار ، فالمهاجرين هم : سلمان الفارسي ، وأبو ذرّ الغفاري ، وعمّار بن ياسر ، إضافة إلى :

١٨. خالد بن سعيد بن العاص ـ وكان من بني أميّة ـ

١٩. المقداد بن الأسود.

٢٠. وبريدة الأسلمي.

والأنصار هم ـ إضافة إلى عثمان بن حنيف ـ :

٢١. أبو الهيثم بن التيّهان.

٢٢. سهل بن حنيف ، أخي عثمان.

٢٣. خزيمة بن ثابت ، ذو الشهادتين.

٢٤. أبيّ بن كعب.

٢٥. وأبو أيّوب الأنصاري ..

فقد قال لهم عليّ عليه‌السلام ـ عند ما اتّفقوا على إنزال أبي بكر عن منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلّا حربا ، ولكنّكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين ـ إلى أن قال لهم : ـ فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرّفوه ما سمعتم من قول نبيّكم ، ليكون ذلك أوكد للحجّة ، وأبلغ للعذر ، وأبعد لهم من رسول الله إذا وردوا عليه».

وقال لهم عليّ عليه‌السلام ـ بعد أن اعترضوا على أبي بكر ـ : «اجلس يا خالد فقد عرف الله لك مقامك وشكر لك سعيك ...» ، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال : «انصرفوا رحمكم الله» (١).

٢٦. وقال عليه‌السلام في العبد الصالح عمرو بن الحمق الخزاعي ، صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بعد تشدّد في موالاته لأمير المؤمنين ، واستبسال في نصرته : «اللهمّ نوّر قلبه بالتقى ، و

__________________

(١). الخصال : ٤٦١ ح ٤ ، الاحتجاج ١ / ١٨٦ ح ٣٧ ، اليقين في إمرة أمير المؤمنين : ١٠٨ ب ١٢٦.

١٧١

اهده إلى صراط مستقيم ، ليت أنّ في جندي [شيعتي] مائة مثلك!» (١).

٢٧. وقال عليه‌السلام في عديّ بن حاتم بن عبد الله الطائي ، الصحابي المعروف ، مخاطبا بني الحزمر : «إنّي أراه رأسكم قبل اليوم ، ولا أرى قومه كلّهم إلّا مسلمين له غيركم» (٢) وكان شديد الذود عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، متفانيا في ولايته ، وشهد معه مشاهده.

٢٨. وقال عليه‌السلام في عبد الله بن كعب المرادي ـ عند ما استشهد في صفّين ـ : «رحمه‌الله ، جاهد معنا عدوّنا في الحياة ، ونصح لنا في الوفاة» وكان قد أبلغ الأسود بن قيس السلام لأمير المؤمنين عليه‌السلام في آخر رمق له وأوصاه بنصرته عليه‌السلام (٣).

٢٩. وعامر بن واثلة بن عبد الله الكناني الليثي ، أبو الطفيل ، وهو آخر من مات من الصحابة ، توفّي سنة ١٠٠ ه‍ ، ولم يرو عنه البخاري ؛ لأنّه كان من شيعة عليّعليه‌السلام ، وقد شهد مع عليّ عليه‌السلام جميع حروبه ، ومادح عليّ عليه‌السلام بشعره ، ومن ثقاته(٤).

٣٠. وقال عليه‌السلام في سعد بن مسعود الثقفي ، عمّ المختار بن أبي عبيد : «أمّا بعد ، فإنّك قد أدّيت خراجك ، وأطعت ربك ، وأرضيت إمامك ، فعل البرّ التقي النجيب ، فغفر الله ذنبك ، وتقبّل سعيك ، وحسّن مآبك» (٥).

٣١. وقال عليه‌السلام في صعصعة بن صوحان بن حجر العبدي ، الذي كان لسانه السيف البتّار دفاعا عن عليّ عليه‌السلام ، وشهد معه الجمل وبقيّة حروبه : «إن كنت لما علمت خفيف المئونة عظيم المعونة» (٦) ، وهو نظير ما قاله عليه‌السلام لأخيه زيد. وقد قتل مع أخيه سيحان

__________________

(١). وقعة صفّين : ١٠٣ ، الاختصاص : ١٤.

(٢). تاريخ الطبري ٥ / ٩ ، تاريخ ابن الأثير ٢ / ٣٦٩.

(٣). وقعة صفّين : ٤٥٧ ، تنقيح المقال ـ ط الحجرية ـ ٢ / ١٦٩ ؛ وفي شرح نهج البلاغة ٨ / ٩٣ أنّ هذا القول كان في حقّ عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وكان قد أوصى الأسود بن طهمان الخزاعي بنصرة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام.

(٤). رجال الشيخ الطوسي : ٧٠ رقم ٦٤٦ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٠٧ ، تاريخ دمشق ٢٦ / ١٢٨ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٤٦٨ رقم ٩٧.

(٥). تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٠١.

(٦). رجال الكشّي ١ / ٢٨٤ رقم ١٢١ ، الغارات ـ للثقفي ـ ٢ / ٥٢٤ ، مقاتل الطالبيّين : ٥٠.

١٧٢

اثنين وثلاثين يوم الجمل ودفنا في قبر واحد.

٣٢. أمّا سليمان بن صرد بن الجون الخزاعي ، فهو من صحابة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن وجوه الشيعة في الكوفة ، شهد مع عليّ عليه‌السلام صفّين ، وقد أتاه بعد التحكيم في صفّين ووجهه مضروبا بالسيف ، فلمّا نظر إليه عليّ عليه‌السلام قال : «(فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (١) فأنت ممّن ينتظر وممّن لم يبدّل» (٢). وقد قاد ثورة التوّابين على ابن زياد في الكوفة بعد استشهاد الإمام الحسين عليه‌السلام.

٣٣. وقال عليه‌السلام في حجر بن عديّ بن معاوية الكندي ـ له صحبة ـ الذي كان من خواصّه ، وشهد معه حروبه ، بصيرا بمعرفة عليّ عليه‌السلام ومقامه في الدين : «لا حرمك الله الشهادة ، فإنّي أعلم أنّك من رجالها» (٣). وقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديثا في استشهاده على الحقّ ، وأنّ أهل السماء يغضبون لقتله (٤).

٣٤. حبّة بن جوين البجلي العرني ، أبو قدامة ، من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ عليه‌السلام ، وشهد معه حروبه ، وروى حديث الغدير.

٣٥. وقال عليه‌السلام لجندب بن كعب بن عبد الله الأزدي الغامدي ، من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ عليه‌السلام : «يا جندب! ليس هذا زمان ذاك» (٥) ، وذلك عند ما أصرّ جندب عليه عليه‌السلام أن يدعو إليه عند ما بويع عثمان لأنّه أحقّ بالخلافة ممّن تقدّم عليه ، وأنّه سيجد من يناصره.

٣٦. جعدة بن هبيرة بن أبي وهب القرشي المخزومي ، وأمّه أمّ هاني بنت أبي طالب ، وكان ممّن يحفيه عليه‌السلام ويوليه عناية خاصّة (٦).

٣٧. وقال في جارية بن قدامة التميمي السعدي وكان من صحابة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و

__________________

(١). الأحزاب / ٢٣.

(٢). وقعة صفّين : ٥١٩.

(٣). تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٩٦.

(٤). تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٣١.

(٥). الإرشاد ١ / ٢٤١ ، أمالي الطوسي : ٢٣٤ ح ٤١٥ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ٥٧.

(٦). وقعة صفّين : ٤٦٣.

١٧٣

عليّ عليه‌السلام ، ثابتا صلبا في ولائه له ، شديدا على أعدائه ، من جملة شرطة الخميس.

٣٨. جابر بن عبد الله الأنصاري ، الصحابي المعروف ، شهد مع الإمام عليه‌السلام صفّين، وكان يدور في سكك الأنصار ومجالسهم ويقول : عليّ خير البشر ، فمن أبى فقد كفر ، يا معشر الأنصار! أدّبوا أولادكم على حبّ عليّ ، فمن أبى فانظروا في شأن أمّه (١). وعن الصادق عليه‌السلام أنّه آخر من بقي من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان رجلا منقطعا إلى أهل البيت (٢).

٣٩. ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري الظفري ، من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، شهد أحدا وما بعدها ، وكان له بلاء مع عليّ عليه‌السلام في حروبه ، واستعمله على المدائن ، وكان معاوية يهابه (٣).

٤٠. أبو قتادة الحارث بن ربعي بن بلدمة الأنصاري الخزرجي ، من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، شهد أحدا وما بعدها ، وشهد مع عليّ عليه‌السلام حروبه ، كان شديد الإيمان بعليّ عليه‌السلام ، وقد ولّاه مكّة.

٤١. أبو رافع ، مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، شهد معه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المشاهد ما عدا بدرا ، ولازم عليّا عليه‌السلام ، وكان على بيت المال من قبله (٤).

٤٢. أبو سعيد سعد بن مالك بن شيبان الأنصاري الخدري ، من صحابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان معه في عدّة من المشاهد ، ولازم عليّا عليه‌السلام وكان معه في حرب النهروان(٥).

٤٣. أبو الأسود الدؤلي ، ظالم بن عمرو ، وهو من الثابتين على محبّة عليّ عليه‌السلام وولده ، شهد معه حروبه. وغيرهم ممّن مدحهم أمير المؤمنين عليه‌السلام.

__________________

(١). علل الشرائع : ١٤٢ / ٤ ، أمالي الصدوق : ١٣٥ ح ١٣٤ ، رجال الكشّي ١ / ٢٣٦ رقم ٩٣.

(٢). الكافي ١ / ٤١٩ ، رجال الكشّي ١ / ٢١٧ رقم ٨٨.

(٣). تاريخ بغداد ١ / ١٧٥ ـ ١٧٦ ، الإصابة ١ / ٥١٠ رقم ٩٠٤.

(٤). رجال النجاشي : ٤ رقم ١ ، رجال ابن داود : ٣١ رقم ١٢ ، الخلاصة ـ للشيخ الطوسي ـ ٤٧ رقم ٢.

(٥). تاريخ بغداد ١ / ١٨٠ ، رجال الكشّي ١ / ١٨٣ رقم ٧٨.

١٧٤

٧

موازين

الجرح والتعديل

١٧٥
١٧٦

قد تبيّن ممّا مرّ كرارا أنّ البحث في عنوان عدالة الصحابة غير عاكس لحقيقة البحث بصورة عامّة ، بل الحقيقة هو البحث عن أصحاب السقيفة ، الذين بايعوا أبا بكر دون عامّة الأنصار ، والذين خالفوا البيعة تبعا لسعد بن عبادة ، ودون بني هاشم ، وكذا من والى عليّا عليه‌السلام ممّن ذكرنا أسمائهم في الحلقات السابقة ، كما أنّ البحث ليس في الصحبة للنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّما البحث الجاري في مشروعية ما أقيم وأسّس في السقيفة من نهج الخلافة وما تبع ذلك من النهج الأموي والمرواني كل ذلك إقصاء لعترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ورغم الوعي بهذه الحقيقة فمسايرة مع عنوان البحث نتابع النقطة التالية :

من موازين التعديل والجرح في الصحابي :

المودّة للعترة أو نصب العداوة لهم :

وذلك لكون المودّة فريضة قرآنية كبرى أوجبها الله تعالى على كلّ مسلم وعظّمها في الذكر الحكيم ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ* ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَ

١٧٧

اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (١) ، مضافا إلى ما استفاض بل تواتر من السنّة النبويّة في حبّ علي والعترة عليهم‌السلام ، فمن كان قائما من الصحابة بهذه الفريضة مراعيا لها كان على حدّ العدالة ، ومن كان تاركا لها ناقضا لهذا الميثاق فهو خارج عن حدّ العدالة فضلا عن نصب العداوة للعترة. الذي هو بمثابة الجحود.

وسنرى أنّ من أهل سنّة الجماعة قد عكس العيار عندهم وجعلوا النصب والعداوة سنّة يدينون بها. ولنتعرض للمعيار القرآني والنبوي أوّلا ، ثم نتبعه بتركهم له ثانيا.

المقام الأوّل

المعيار القرآني والنبويّ لفريضة المودّة

فأمّا الآية الشريفة فقبل التعرّض إلى إطار مفادها نذكر :

أوّلا : مورد نزولها هو أنّ الأنصار والمهاجرين اجتمعوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا :

يا رسول الله أنّ لك مئونة في نفقتك ومن يأتيك من الوفود وهذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها مأجورا ، اعط منها ما شئت وأمسك ما شئت من غير حرج فأنزل الله عزوجل عليه الروح الأمين ، فقال : يا محمّد قل : (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٢) يعني : أن تودّوا قرابتي من بعدي فخرجوا ، فقال المنافقون : ما حمل رسول الله على ترك ما عرضنا عليه إلّا ليحثّنا على قرابته من بعده ، إن هو إلّا شيء افتراه في مجلسه ، فكان ذلك من قولهم عظيما ، فأنزل الله عزوجل : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٣) فبعث إليهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : هل من حدث؟ فقالوا : أي والله قال بعضنا

__________________

(١). الشورى / ٢٢ و ٢٣.

(٢). الشورى / ٢٣.

(٣). الأحقاف / ٨.

١٧٨

كلاما غليظا كرهناه ، فتلا عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الآية فبكوا واشتدّ بكاؤهم فأنزل اللهعزوجل : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ)(١)(٢).

وقد روي قريب منه عن عبد الله بن عبّاس ، كما روي في عدّة مصادر لأهل سنّة الجماعة أنّهم سألوا : يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال : «علي وفاطمة وابناهما عليهم‌السلام» (٣).

ثانيا : قال في الكشاف :

يجوز أن يكون استثناء متّصلا أي : لا أسألكم أجرا إلّا هذا وهو أن تودّوا أهل قرابتي ولم يكن هذا أجرا في الحقيقة لأنّ قرابته قرابتهم فكانت صلتهم لازمة لهم في المروءة ، ويجوز أن يكون منقطعا أي : لا أسألكم أجرا قط ولكنني أسألكم أن تودّوا قرابتي الّذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم ، فإن قلت : هلا قيل : إلّا مودة القربى ، أو إلّا المودّة للقربى ، وما معنى قوله : (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قلت : جعلوا مكانا للمودّة ومقرا لها ، كقولك : لي في آل فلان مودّة ، ولي فيهم هوى وحبّ شديد ، تريد : أحبّهم وهم مكان حبّي ومحله وليست (في) بصلة للمودّة ، كاللام إذا قلت : إلّا المودّة للقربى ، أنّما هي متعلّقة بمحذوف تعلّق الظرف به في قولك المال في الكيس وتقديره : إلّا المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها. والقربى : مصدر كالزلفى والبشرى

__________________

(١). الشورى / ٢٥.

(٢). تفسير البرهان ٤ / ٨١٩.

(٣). لاحظ : فضائل الصحابة ـ لابن حنبل ـ ٢ / ٦٦٩ ح ١١٤١ ، والعمدة ـ لابن بطريق ـ ٩٤ ح ٤٧ ، وصحيح البخاري ـ في تفسير آية المودّة ـ ٦ / ٢٣١ ح ٣١٤ ، وتفسير الطبري ٢٥ / ١٦ ، وشواهد التنزيل ٢ / ١٤ ح ١٣٧ ، ومستدرك الحاكم ٣ / ١٧٢ ، والصواعق المحرقة : ١٧٠ ، والطرائف : ١١٢ ح ١٦٩ ، مناقب الخوارزمي : ١٩٤ ، ومقاتل الطالبيين : ٦٢ ، وغيرها من المصادر العديدة.

١٧٩

بمعنى : قرابة والمراد في أهل القربى. وروي أنّها لمّا نزلت هذه الآية ، قيل : يا رسول الله! من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال : «عليّ وفاطمة وابناهما».

ويدلّ عليه ما روي عن علي رضي الله عنه : شكوت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسد الناس لي ، فقال : «أما ترضى أن تكون رابع أربعة : أوّل من يدخل الجنّة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا ، وذريتنا خلف أزواجنا» (١).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

حرمت الجنّة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي ، ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غدا إذا لقيني يوم القيامة.

ثم ذكر مورد النزول المتقدّم ، وقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

من مات على حبّ آل محمّد مات شهيدا (٢) ، ألّا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفورا له ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائبا ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمنا مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ، ثمّ منكر ونكير ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد يزف إلى الجنّة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنّة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة ، ألا ومن مات على

__________________

(١). في هامش الكشّاف ٤ / ٢٢٠ ، أخرجه الكريمي عن ابن عائشة بسنده عن علي ، ورواه الطبراني من حديث أبي رافع.

(٢). في هامش الكشاف ٤ / ٢٢٠ ، أخرجه الثعلبي.

١٨٠