القول الفاصل في الردّ على مدّعي التحريف

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي

القول الفاصل في الردّ على مدّعي التحريف

المؤلف:

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي


المحقق: محمد رضا جديدي نژاد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي الكبرى
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-6121-95-0
الصفحات: ٧٢

المروي في مستدرك الوسائل. (١)

وفيه ضعف السند واشتماله على الغلاة كأحمد بن مهران (٢) وغيره.

وكالتمسك بكون العادة قاضية بأنّه لو كان جامع شتات شيء غير المعصوم [يمكن] سقوط بعض أجزائه ، والقرآن كان مكتوبا على العسيب والأكتاف فجمعه الثالث فسقط منه شيء. (٣)

__________________

(١). لم أجدها في المصدر.

(٢). في مجمع الرجال (ج ١ ، ص ١٦٩) نقلا عن ابن الغضائري أنّه قال : «أحمد بن مهران ، روى عنه الكليني في كتاب الكافي ، ضعيف». ونقلها العلامة أيضا في خلاصة الأقوال ، ص ٣٢٤ ، رقم ١٢٧٢. وقال في معجم رجال الحديث (ج ٢ ، ص ٣٤٦) : «اعتمد عليه الوحيد ـ قدس‌سره ـ في التعليقة لترحّم الكليني عليه في عدة موارد ، وإكثاره الرواية عنه ، وفيه ما لا يخفى».

(٣). هذه الشبهة مبتنية على صحّة الروايات الواردة حول جمع القرآن في كتب أهل السنة ، وهي تدل على أنّ جمع القرآن كان بعد وفاته (ص). هذا موضع اشتراك تلك الروايات ؛ إذ هي متناقضة في أنفسها من جهات شتى أوّلها ـ وهو أهمّها ـ تعيين الجامع والمتصدي للجمع ، وها ننقل موجز الروايات أولا ثمّ نعقبها بما يرد عليها :

أ. روي في صحيح البخاري (ج ٦ ، ص ٩٨ ، كتاب فضائل القرآن) عن زيد بن ثابت ، قال :

«أرسل إليّ أبو بكر ، مقتل أهل اليمامة ، فإذا عمر بن الخطاب عنده ، قال أبو بكر : إنّ عمر أتاني ، فقال : إنّ القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرآن ، وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن.

قلت لعمر : كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله؟ قال عمر : هذا والله خير ، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد : قال أبو بكر : إنّك رجل شاب عاقل لانتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (ص) ، فتتبع القرآن فاجمعه فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن. قلت : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله (ص)؟ قال : هو والله خير ، فلم

٤١

__________________

ـ يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر ، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف ، وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري ، لم أجدها مع غيره : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) ٩ / ١٢٨ ـ ١٢٩ حتى خاتمة البراءة ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثمّ عند عمر حياته ، ثمّ عند حفصة بنت عمر».

ب. روي في كنز العمال (ج ٢ ، ص ٥٧٣) : «إنّ أبا بكر الصديق كان جمع القرآن في قراطيس وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك فأبى حتى استعان عليه بعمر ، ففعل ، فكانت الكتب عند أبي بكر حتى توفي ، ثمّ عند عمر حتى توفي ، ثمّ كانت عند حفصة زوج النبي (ص) فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها حتى عاهدها ليردنها إليها ، فبعثت بها إليه ، فنسخ عثمان هذه المصاحف ، ثمّ ردّها إليها فلم تزل عندها ...».

ج. روي في كنز العمال (ج ٢ ، ص ٥٧٨) : «لما جمع عمر بن الخطاب المصحف سأل : من أعرب الناس؟ قيل : سعيد بن العاص. فقال : من أكتب الناس؟ فقيل : زيد بن ثابت : قال :

فليمل سعيد وليكتب زيد ، فكتبوا مصاحف أربعة ، فأنفذ مصحفا منها إلى الكوفة ومصحفا إلى البصرة ، ومصحفا إلى الشام ، ومصحفا إلى الحجاز».

د. روى في كنز العمال (ج ٢ ، ص ٥٧٤ ـ ٥٧٥) : «أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن فقام في الناس ، فقال : من كان تلقي من رسول الله (ص) شيئا من القرآن فليأتنا به ، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح والعسب ، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان ، فقتل وهو يجمع ذلك ، فقام عثمان ، فقال : من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به ، وكان لا يقبل من ذلك شيئا حتى يشهد عليه شاهدان ، فجاءه خزيمة بن ثابت ، فقال : إنّي قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما. قالوا : ما هما؟ قال : تلقيت من رسول الله (ص) : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ ...) إلى آخر السورة ، فقال عثمان : وأنا أشهد أنّهما من عند الله ، فأين ترى أن نجعلهما؟ قال : اختم بهما آخر ما نزل من القرآن ، فختمت بهما براءة».

ه. روى ابن شهاب أنّ أنس بن مالك حدّثه : «أنّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ، وكان

٤٢

__________________

ـ يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق. فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة ، فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الامة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة : أن ارسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثمّ نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن زبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنّما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة ، فأرسل إلى كلّ أفق. بمصحف مما نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق».

قال ابن شهاب : «وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت سمع زيد بن ثابت قال : فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف ، قد كنت أسمع رسول الله (ص) يقرأ بها ، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصارى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) ٣٣ / ٢٣. فألحقناها في سورتها في المصحف». صحيح البخاري ، ج ٦ ، ص ٩٩ كتاب فضائل القرآن.

تلك الروايات كثيرة في كتب أهل السنة وقد نقلنا النزر اليسير منها ، وهي ـ مع اشتراكها في جمع القرآن بعد النبي (ص) وتدوين الآيات بشهادة الشاهدين أنّها من القرآن ـ متناقضة من جهات شتى ؛ فهل الجامع أبو بكر أو عمر أو عثمان؟ وإذا كان الجامع أبو بكر فهل هو بنفسه تصدّى لذلك أو فوّض الأمر إلى زيد بن ثابت؟ إلى غير ذلك من التناقضات ، ولو نقلنا تمام تلكم الروايات لوجدت فيما تناقضات كثيرة.

ثمّ كيف يمكن الركون إليها وهي تدلّ على عدم تواتر الآيات القرآنية وقد ذكرنا سابقا أنّ المسلمين قد أطبقوا بجميع نحلهم ومذاهبهم على أنّ ثبوت القرآن ينحصر طريقه بالتواتر ، أضف إلى ذلك معارضة تلكم الروايات للروايات الدالّة على أنّ جمعا من الصحابة جمعوا القرآن على عهد النبي (ص) والتي سنوردها في ذيل جواب المؤلف قدس‌سره.

ولو تنزلنا وقلنا بصحة تكلم الروايات فلا بد من تأويلها على وجه لا ينافي جمع القرآن في حياة النبي (ص) ، نذكر ذلك التأويل في مجال آخر إن شاء الله.

٤٣

وفيه أنّ الحق كون القرآن مجموعا في زمان النبي (١) ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١). فقد جاء في الروايات أنّ جمعا من الصحابة جمعوا القرآن على عهد النبي (ص) وإليك أهمّ هذه الروايات :

أ. جاء في صحيح البخاري (ج ٦ ، ص ١٠٢) عن قتادة ، قال : «سألت أنس بن مالك : من جمع القرآن على عهد النبي (ص)؟ قال : أربعة كلّهم من الأنصار : ابيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد».

ب. عن زيد بن ثابت قال : «كنّا عند رسول الله (ص) نؤلف القرآن من الرقاع» سنن الترمذي ، ج ٥ ، ص ٣٩٠.

ج. قال ابن النديم في الفهرست (ص ٤٣ ـ ٤٤) : «الجمّاع للقرآن على عهد النبي (ص) : عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه. سعد بن عبيد بن النعمان بن عمرو بن زيد ، رضي الله عنه. أبو الدرداء عويمر بن زيد ، رضي الله عنه. معاذ بن جبل بن أوس ، رضي الله عنه. أبو زيد ثابت بن زيد بن النعمان.

أبي بن كعب بن قيس بن ملك بن امرئ القيس. عبيد بن معاوية بن زيد بن ثابت بن الضحاك».

د. روى ابن عساكر عن الشعبي ، قال : «جمع القرآن على عهد رسول الله (ص) ستة نفر من الأنصار : أبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، ومعاذ بن جبل ، وأبو الدرداء ، وسعد بن عبيد ، وأبو زيد». تاريخ مدينة دمشق ، ج ٣٩ ، ص ١٧٩.

ه. في الإتقان (ج ١ ، ص ٢٠٢) : «أخرج ابن أبي داود بسند حسن عن محمّد بن كعب القرظي قال : جمع القرآن على عهد رسول الله (ص) خمسة من الأنصار : معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وابيّ بن كعب وأبو الدرداء وأبو أيّوب الأنصاري».

والقول بأنّ المراد من الجمع في تلكم الروايات هو الحفظ لا التدوين ، مردود لأنّ كثيرا من الصحابة حفّاظ للقرآن على عهد رسول الله (ص) فالحصر في أربعة أو ستة في غير محلّه.

ولا يخفى أيضا أنّ اختلاف تلكم الروايات في عدد الجامعين وأسماؤهم حصل من ناحية علم الراوي بذلك فلا تعارض ونقول إنّ الجامعين كانوا أكثر من ذلك. نعم تلك المصاحف لم تكن مرتبة السور في زمان النبي (ص) والروايات التي وردت في كيفية ترتيب مصحف ابن مسعود وأبيّ بن كعب وغيرها (أنظر الفهرست لابن النديم ، ص ٤١ ـ ٤٣ ؛ التمهيد ، ج ١ ، ص ٢٥١ ـ ٢٧٤) تشهد على أنّ الترتيب في مصاحف الصحابة وقع بعد وفاة النبي (ص) لأنّ لكلّ منها نظم وترتيب خاص حسب رأي مؤلفيها فعدم وحدتها في

٤٤

ـ وأنّ الصحابة كانوا يختمونه في رمضان وقرأه بعضهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (١)

إن قلت : لو كان مجموعا فما معنى نزوله قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) في حجة الوداع؟

قلت : أولا يمكن أن يكون منزلا مرتين ، كما له نظائر كثيرة كالفاتحة أو بيان المراد منه كان في حجة الوداع.

ومن الشواهد على تدوين السور والآيات نداء عباس بن عبد المطلب لما ذهب الناس وانهزم المسلمون بقوله : يا أصحاب سورة البقرة ، (٢) هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» ، فراجع كتاب البيان والتبيين للجاحظ (ج ١ ، ص ١٤٨ ، طبع حسن السندوبي).

ومن مؤيدات عدم التحريف كون القرآن نورا وهاديا ونحوها.

__________________

ـ ترتيب السور يدل على عدم وقوعه في عهد النبي (ص).

والخلاصة : كان القرآن كتب كلّه في عهد رسول الله (ص) وجمع في موضع واحد عند النبي (ص) وعدة من الصحابة مع حصول النظم بين آيات كل سورة ؛ لكن ترتيب السور شيء حصل بعد وفاته (ص) ، فما قاله السيد المرتضى من أنّ القرآن كان على عهد رسول الله (ص) مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن ، بعيد عن الصواب. انظر آراء العلماء حول المسألة في البيان ، ص ٢٣٧ وما بعدها ؛ التمهيد ، ج ١ ، ص ٢٠٨ وما بعدها ؛ القرآن الكريم وروايات المدرستين ، ج ٢ ، ص ٧١ وما بعدها.

(١). قد ذكرنا سابقا في ذيل قول المؤلف ـ قدس‌سره ـ «ومنها : ما ورد من ختم الصحابة ...» بعض الروايات التي وردت في هذا المضمون ، فراجع.

(٢). فلو لم تجمع الآيات ولم ترتب كيف يصح هذا النداء إلّا أن يقال بالجمع في الصدور الذي تقدم بطلانه آنفا.

٤٥

[(*) أدلّة التحريف [غير ما مرّ]

الدليل [الأول]

إنّ الله قد ذكر اسم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ والأئمة في الكتب السماوية لجلالة شأنهم ، فكيف لم يذكرهم في القرآن ، فيظهر أنّه [عزوجل] ذكرهم ولكنهم أسقطوها.

والشاهد على كونهم مذكورين فيها ، روايات :

منها : ما في الكافي عن أبي الحسن ـ عليه‌السلام ـ قال : «ولاية عليّ مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ...». (١)

ومنها : ما في تفسير العياشى عن الحسن بن عليّ قال : «من دفع فضل أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ فقد كذّب بالتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وسائر الكتب المنزلة ، الخبر». (٢)

ومنها : في تفسير العسكري ـ عليه‌السلام ـ بعين الخبر المذكور. (٣)

[ومن هذه الشواهد] ما نقل عن الكتب السماوية بأخبار الآحاد :

[منها] : أربعين للشيخ اسعد بن إبراهيم الحنبلي أنّ في صحيفة آدم مذكور

__________________

* وجدنا من هنا إلى قوله : «عن ضعف السند» في الصحائف المتفرقة كما أشرنا إليه في المقدمة.

(١). الكافي ، ج ١ ، ص ٤٣٧.

(٢). لا يوجد هذا الحديث ، وإن نقله النوري في أوائل الدليل التاسع من كتابه عن تفسير العياشي ، فلعلّ المؤلف ـ قدس‌سره ـ اعتمد عليه.

(٣). تفسير الإمام العسكري (ع) ، ص ٨٨ ، وفيه بعد «أمير المؤمنين (ع)» وقبل «فقد كذّب» : «على جميع من بعد النبي (ص)».

٤٦

مناقب علي والأئمة عليهم‌السلام. (١)

ومنها : في صحيفة شيث ، كما في الإقبال (٢) في خبر يوم المباهلة ... ، .... (٣)

ومنها : في صحيفة إبراهيم كما في سعد السعود (٤) وفي إثبات الوصية. (٥)

ومنها : ما في التوراة الواقعي الغير المحرّف كما في مقتضب الأثر للخزّاز الكوفي. (٦)

ذكر أسماء الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ [هكذا] : «قيذوا» ، «دبيراء» ، «مسموعا» ، «دوموه» ، «مشيو». (٧)

__________________

(١). في المصدر (الحديث العشرون ، عن فصل الخطاب) : «عن ابن مسعود عباس قال : قال رسول الله (ص) : لما خلق الله آدم سأل ربّه أن يريه من يكون من ذريته من الأنبياء والأوصياء والمقربين. فأنزل الله تعالى إليه صحيفة قرأها كما علّمه الله إلى أن انتهى إلى محمّد (ص) ، فوجد عند اسمه اسم عليّ (ع) ، فقال : أهذا نبيّ بعد محمّد (ص) قيل له : لا ، بل هذا وارث علمه ووصيه. فلما وقع آدم في الخطيئة وتوسل إلى ربّه جعل عليّا ممن توسل به وبأهل بيته». ورواه في المستدرك (ج ٥ ، ص ٢٣١) عن كتاب الفضائل للشيخ شاذان بن جبرئيل القمي والروضة له أيضا باختلاف يسير في الألفاظ.

(٢). الخبر طويل ، أنظر إقبال الأعمال ، ج ٢ ، ص ٣٣٦ ـ ٣٣٧.

(٣). هنا مقدار كلمتين غير واضح.

(٤). الخبر طويل ونقل في إقبال الأعمال (ج ٢ ، ص ٣٣٨ ـ ٣٣٩) لا في سعد السعود.

(٥). الخبر طويل ، أنظر إثبات الوصية ، ص ١٤٠.

(٦). اسمه أحمد بن محمّد بن عيّاش (ت ٤٠١ ق) ولم يوجد في الكتب الرجالية وصفه ب «الخزاز ، الكوفي».

أنظر ترجمة الرجل في رجال النجاشي ، ص ٨٥ ، رقم ٢٠٧ ؛ الفهرست ، ص ٣٣ ، رقم ٨٩.

(٧). الخبر طويل وفيه قال سالم بن عبد الله عمر : «كنت مع أبي عند كعب الأحبار فسمعته يقول : إنّ الأئمة من هذه الأمّة بعد نبيها على عدد نقباء بني اسرائيل. وأقبل عليّ بن أبي

٤٧

ومنها : ما في كتاب الغيبة للنعماني من أنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ مذكور في التوراة بلفظ «ميمى ماد». و «تقويبث» و «قيذوراء» و «دبيرا». (١)

ومنها : في كتاب يوشع بن نون كما في مهج الدعوات. (٢)

__________________

ـ طالب (ع) ، فقال كعب : هذا المقفّى أوّلهم وأحد عشر من ولده وسمّاه كعب أسمائهم في التوراة : تقوبيث ، قيذوا ، دبيرا ، مفسورا ، مسموعا ، دوموه ، مشيو ، هذار ، يثمو ، بطور ، نوقس ، قيذمو». مقتضب الأثر ، ص ٢٧. ورواه في فصل الخطاب باختلاف في بعض الأسماء المنقولة عن التوراة.

(١). ورد الخبر في كتاب الغيبة (ص ١٠٨ ـ ١٠٩) هكذا : «أقرأني عبد الحليم بن الحسين السمري ـ رحمه‌الله ـ ما أملاه عليه رجل من اليهود بأرجان يقال له الحسين بن سليمان ، من علماء اليهود بها من أسماء الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ بالعبرانية و؟؟؟ عدتهم ، وقد أثبته على لفظه ، وكان فيما قرأه أنّه يبعث من ولد إسماعيل ـ في التوراة اشموعيل ـ يسمى «مامد» [خ ـ ميمى ماد] يعني محمّد (ص) يكون سيدا ويكون من آله اثنا عشر رجلا أئمة وسادة يقتدى بهم واسماؤهم : تقوبيت ، قيذوا ، ذبيرا ، مفسورا ، مسموعا ، دوموه ، مثبو ، هذار ، يثمو ، بطور ، نوقس ، قيدموا. وسئل هذا اليهودي عن هذه الأسماء في أيّ سورة هي؟

فذكر أنّها في مشلي سليمان يعني في قصة سليمان عليه‌السلام». ورواه في فصل الخطاب باختلاف في ضبط الأسماء ، لأنّ النسخ في ضبطها مختلفة.

(٢). ورد الخبر في مهج الدعوات (ص ٣٧١) عن كتاب فضل الدعاء لسعد بن عبد الله القمي بإسناده إلى الرضا (ع) قال : «وجد رجل من الصحابة صحيفة ، فأتى بها رسول الله (ص) فنادى الصلاة جامعة فما تخلف أحد ذكر ولا أنثى فرقا المنبر فقرأها فإذا هو كتاب يوشع بن نون وصى موسى (ع) وإذا فيها : وإنّ ربكم لرؤف رحيم ألا إنّ خير عباد الله التقي الخفي وإنّ شرّ عباد الله المشار إليه بالأصابع ، فمن أحبّ أن يكتال بالمكيال الأوفى وأن يؤدّي الحقوق التي أنعم الله بها عليه فليقل في كلّ يوم : سبحان الله كما ينبغى لله والحمد لله كما ينبغى لله ولا إله إلّا الله كما ينبغى لله ولا حول ولا قوة إلّا بالله وصلّى الله على محمّد وعلى أهل بيت النبي الامّي وعلى جميع المرسلين والنبيين ...».

٤٨

ومنها : في كتاب زبور داود ، عبّر عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ [بلفظ] «ماح ماح» وعن علي ـ عليه‌السلام ـ بلفظ «قاروطيا». (١)

ومنها : في كتاب دانيال على ما في كشف المحجة. (٢)

ومنها : ما في الانجيل. (٣)

ومنها : ما في كتاب شمعون الصفا على ما في بعض الكتب. (٤)

الجواب :

إنّ هذه أخبار آحاد ، ضعاف الأسانيد ، مضافا إلى أنّه يمكن أن يكون ذكرهم بأوصافهم لا بأسمائهم وهذا المعنى موجود في القرآن أيضا كآية الزكاة في الركوع ، وقوله : (يُطْعِمُونَ الطَّعامَ) (٥) ، وآية التطهير ، وغيرها.

__________________

(١). أنظر بحار الانوار ، ج ٣٨ ، ص ٥٦.

(٢). قال علي بن طاوس ـ قدس‌سره ـ في كشف المحجة (ص ٦١) ما لفظه : «ووقفت أنا على كتاب دانيال المختصر من كتاب الملاحم وهو عندنا الآن يتضمن ما يقتضي أنّ أبا بكر وعمر كانا عرفا من كتاب دانيال وكان عند اليهود حديث ملك النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وولاية رجل من تيم ورجل من عدي بعده دون وصيه أبيك عليّ ـ عليه‌السلام ـ وصفتهما فما رأيا الصفة في محمد جدك ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ تبعاه وأسلما معه طلبا للولاية التي ذكرها دانيال في كتابه».

(٣). في الأمالي للصدوق (ص ٦٥٧) عن النبي (ص) أنّه قال : «... يا عليّ ، ذكرك في التوراة وذكر شيعتك قبل أن يخلقوا بكلّ خير ، وكذلك في الانجيل ، فسل أهل الانجيل وأهل الكتاب عن إليا يخبروك ، مع علمك بالتوراة والانجيل وما أعطاك الله عزوجل من علم الكتاب ، وإنّ أهل الانجيل ليتعاظمون إليا وما يعرفونه ، وما يعرفون شيعته ، وإنما يعرفونهم بما يجدونهم في كتبهم ...». وللتفصيل أنظر : معاني الأخبار ، ص ٥٩ ؛ مناقب آل ابي طالب ، ج ٣ ، ص ٦٧.

(٤). أنظر مناقب آل ابي طالب ، ج ٢ ، ص ٩٢.

(٥). الدهر : ٨.

٤٩

[الدليل الثاني] الروايات الدالّة على عدد آي القرآن

منها : ما نقله السيّاري أحمد بن محمّد عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، قال : قال أبو عبد الله (ع) : «القرآن الذي جاء به جبرئيل إلى محمّد (ص) سبعة عشر [ألف] آية». (١)

والقرآن الموجود ٦٢٠٠ آية ، فسقط منها ما يقرب من ثلثيه.

[الجواب] : وأنت خبير بضعف نقل أحمد بن محمّد بن سيّار ، الشهير بالسيّاري القائل بالتناسخ الذي قال النجاشي في حقّه : «ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، مجفوّ الرواية ، كثير المراسيل». (٢)

وكذا الشيخ في ست ، (٣) فكيف يعتمد على مثله ويحطّ عن كرامة القرآن ، مضافا إلى أنّه لا يدل على التنقيص ولعلّه لم يصل كلّه إلى الناس ، (٤) ومن ثمّ قال في الوافي (٥) بعد نقل الخبر : «فلعلّ البواقي يكون (٦) مخزونة عند أهل

__________________

(١). كتاب القراءات للسيّاري مخطوط وكان عند النوري نسخة منه ، نقل عنها هذه الرواية في أول الدليل الحادي عشر من كتابه فصل الخطاب ، (ص ٢٣٩) وفيه : «عشرة ألف» بدل «سبعة عشر ألف». وقد ذكرنا في ذيل قول المؤلف قدس‌سره : «تعارض أخبار التحريف بعضها مع بعض ...» ما يتعلق بهذه الرواية ، فراجع.

(٢). رجال النجاشي ، ص ٨٠ ، رقم ١٩٢.

(٣). الفهرست ، ص ٢٣ ، رقم ٦٠.

(٤). وهذا منه ـ قدس‌سره ـ عجيب ، لأنّ معناه القول بوقوع النقص وهذا ينافي ما تقدم منه قدس‌سره.

(٥). ج ٩ ، ص ١٧٨١.

(٦). في المصدر «تكون» بدل «يكون».

٥٠

البيت ـ عليهم‌السلام ـ ويكون (١) فيما جمعه عليّ عليه‌السلام». (٢)

[الدليل الثالث الأخبار الخاصة في تغيير بعض الآيات والسور بإحدى الصور المغيّرة]

ومنها : ما رواه العياشي عن محمّد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه ، عن الصادق (ع) في قوله تعالى : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) بمحمّد .... (٣)

أقول : ما الداعي لتحريف اسم النبي (٤) ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ مع غمض

__________________

(١). في المصدر «تكون» بدل «يكون».

(٢). وقد أشار الصدوق (ره) في الاعتقادات (ص ٨٤ ـ ٨٦) إلى تلك الرواية وأوّل الزيادات بالأحاديث القدسية وما نزل شرحا للمراد ، قال ـ رحمه‌الله ـ «وقد نزل الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبعة عشر ألف آية ... كما كان أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ جمعه ، فلما جاءهم به قال : هذا كتاب ربكم كما انزل على نبيكم ، لم يزد فيه حرف ولم ينقص منه حرف ...».

(٣). تفسير العياشي ج ١ ، ص ١٩٤.

(٤). لا يلزم وجود الداعي بعد ملاحظة ما ذكره النوري في المقدمة الاولى في كيفية جمع القرآن بعد رسول الله (ص) ؛ فإنّه قال في ابتداء المقدمة : «في نبذ ممّا جاء في جمع القرآن وجامعه وسبب جمعه وزمانه وكونه في معرض تطرق النقص والاختلاف بالنظر إلى كيفية الجمع مع قطع النظر عمّا يدل على تحققه أو عدمه من الخارج». ثمّ إنّه ذكر في تلك المقدمة الروايات الواردة حول جمع القرآن في كتب أهل السنة وهي تدل على أنّ جمع القرآن كان بعد وفاته (ص) وإثبات الآيات بشاهدين. ثمّ إنّه ذكر دليله الثاني هكذا : «إنّ كيفية جمع القرآن وتأليفه مستلزمة عادة لوقوع التغيير والتحريف فيه».

هذا ، وقد تقدم بطلان استدلاله عند قول المؤلف ـ قدس‌سره ـ «وفيه انّ الحقّ كون القرآن مجموعا في زمان النبي (ص) ...» ، فراجع.

٥١

النظر عن ضعف السند. (١)]

[خاتمة]

لا يخفى أنّ جلّ ما أورده مؤلفه العلّامة شيخ مشايخنا في الرواية مخدوشة مردودة ، وقلما رأيت كتابا ترد كافة محتوياته بالأدلّة القاطعة كهذا الكتاب.

ولبعض الأصحاب ردود عليه ك «كشف النقاب» (٢) للعلامة الشيخ محمود المشتهر بمعرّب البروجردي ، نزيل الطهران ، (٣) وكتاب «الردّ على فصل الخطاب» للعلامة الحاج الميرزا محمّد حسين الحسيني المرعشي الشهرستاني الحائري ، (٤) وكتاب «الردّ على فصل الخطاب» للعلامة الخطيب

__________________

(١). مراده مقدس‌سره ـ ضعف محمّد بن سليمان الديلمى وأبيه. قال النجاشي في رجاله (ص ١٨٢ ، رقم ٤٨٢) : «سليمان بن عبد الله الديلمي ، أبو محمّد ، قيل : انّ أصله من بجيلة الكوفة وكان يتّجر إلى خراسان ويكثر شراء سبي الديلم ويحملهم إلى الكوفة وغيرها ، فقيل : الديلمي. غمز عليه ، وقيل : كان غاليا كذّابا. وكذلك ابنه محمّد ، لا يعمل بما انفردا به من الرواية».

وفيه (ص ٣٦٥ ، رقم ٩٨٧) : «محمّد بن سليمان بن عبد الله الديلمي ، ضعيف جدا ، لا يعوّل عليه في شيء».

(٢). كذا ، والظاهر : كشف الارتياب.

(٣). قال العلامة الطهراني في الذريعة (ج ١٨ ، ص ٩) : «كشف الارتياب في عدم تحريف الكتاب ، للفقيه الشيخ محمود ابن أبي القاسم الشهير بالمعرب الطهراني ، المتوفى أوائل العشر الثاني بعد الثلاثمائة كتبه ردّا على «فصل الخطاب» لشيخنا النوري ... فرغ منه في السابع عشر من جمادى الآخرة في ١٣٠٢ ، يقرب من أربعة آلاف بيت ، مرتبا على مقدمة وثلاث مقالات وخاتمة ...».

(٤). قال العلامة الطهراني في الذريعة (ج ١١ ، ص ١٧٦) : «رسالة في حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف ، للميرزا محمّد حسين الشهرستاني المتوفى (١٣١٥) عند أحفاده بكربلا».

وقد نقل مؤلف كتاب برهان روشن بعض العبارات من تلك الرسالة ، أنظر ، ص ١٣٩ ـ ١٤٢ من الكتاب.

٥٢

المصقع الحاج آقا رضا الهمداني الواعظ (١) ، وغيرها. (٢)

ونحن قد أبطلنا بحول الله وقوته وبركة كتابه الكريم تمام ما أورده المؤلف في هذه الأوراق ، وظهر عندنا ظهور الشمس عدم التحريف وأنّ القرآن كان مجموعا في زمان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ، وأنّ عثمان أتلف المصاحف المشتملة على التأويلات واختلاف القراءة.

وأثبتنا أنّ الأحوط القراءة بقراءة عاصم المتداول بين المسلمين وهي قراءة قريش والتي امضوها ، وأجبنا عن رواية «نحن نقرأ بقراءة أبيّ» (٣) والحمد لله تعالى.

شهاب الدين الحسينى المرعشي النجفي.

__________________

(١). لم أجد في الذريعة ، وريحانة الأدب وسائر المنابع لآقا رضا الهمداني الواعظ تأليفا في هذا الموضوع.

(٢). نذكر الأهم منها التي ألّفت وطبعت في السنوات الأخيرة :

* القرآن الكريم وروايات المدرستين ، للعلامة السيد مرتضى العسكري. طبع الكتاب في ثلاثة مجلدات ويعدّ من أحسن ما ألّف في الموضوع.

* صيانة القرآن من التحريف ، للأستاذ الشيخ محمّد هادي المعرفة.

* حقائق هامّة حول القرآن الكريم ، السيد جعفر مرتضى.

* سلامة القرآن من التحريف ، الدكتور فتح الله المحمدي. وقد طبع المجلد الأول منه.

* القرآن ودعاوى التحريف ، للشيخ رسول جعفريان.

وانظر سائر المؤلّفات في گنجينه شهاب ، الدفتر الثاني ، ص ٢١٩ ـ ٢٣٤.

(٣). مع الأسف لم يذكر المؤلف ـ قدس‌سره ـ شيئا في الجواب عن الرواية ونحن أجبنا عنها في ذيل قول المؤلف : «... فلا إشكال على هذا» ، فراجع.

٥٣

٥٤

[المتفرقات في علوم القرآن

وأصول الفقه]

٥٥

[تناسب الآيات والسور]

ممّا صار سببا لزعم التحريف عدم الوقوف على التناسب فيخيل سقوط شيء من وجوه التناسب بينها. وعلم مناسبة الآيات والسور ، علم شريف ومعناها العلم بمقاربتها والارتباط بينها بالعموم والخصوص ، الحسي أو الخيالي أو التلازم الذهني كالسبب والمسبب ، والضدين ، والنظيرين.

ثمّ التناسب إمّا واضح كما لو لم تكن الاولى تماما إلّا بالثاني ، وكذا إذا كانت الثانية للاولى على وجه التأكيد أو التفسير أو الاعتراض أو البدل ؛ وهذا القسم حاله واضح. وإمّا ليس بواضح بل كانت كلّ جملة مستقلة بحسب الظاهر ، فلا يخلو إمّا أن تكون الثاني معطوفة على الاولى بحرف من حروف العطف ، أو لا ، فعلى الأوّل يعلم وجود جهة جامعة ولو كانت هى التضاد كقوله : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها) (١) ، وقوله تعالى : (وَ

__________________

(١). سورة سبأ : ٢.

٥٦

اللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) (١) لوجود التضاد بين القبض والبسط ، والرحمة والعذاب (٢) هكذا.

وقد ألّف علماء الإسلام في هذا العلم كتبا من أشهرها كتاب نظم الدّرر في تناسب الآي والسور للشيخ برهان الدين البقاعي المصري.

ومن علوم القرآن العلم بمناسبة فواتح السور وخواتمها بالمطالع والمقاطع كما في سورة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (٣) حيث افتتح به وختم السورة بقوله : (لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) (٤) فالجامع التضاد.

وكذا مثل قوله في سورة ق بدأها بقوله : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) (٥) وختمها بقوله : (إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) (٦) وهكذا. وهذا علم لطيف دقيق عزيز المنال. ومن المناسبات انّك ترى أنّ السور المفتحة بالحروف المقطعة ذكرت فيها الحروف المماثلة لها كثيرا كما في سورة ق فإنّه ذكر فيها كلمات مشتملة على القاف كالسائق (٧) وتلقّي الملكين (٨) ، وقول الرقيب والعتيد ، (٩) ونحوها.

__________________

(١). سورة البقرة : ٢٤٦.

(٢). والولوج والخروج كما في الآية الاولى.

(٣). سورة المؤمنون : ١.

(٤). سورة المؤمنون : ١١٧.

(٥). سورة القلم : ٢.

(٦). سورة القلم : ٥١.

(٧). انظر سورة ق : ٢١.

(٨). انظر نفس السورة : ١٧.

(٩). انظر نفس السورة : ١٨.

٥٧

ومن المناسبات أنّ الحروف المقطعة المذكورة في أوائل السور أنّه ذكر بعدها ما يتعلق بالقرآن الكريم ، كقوله : (الم * ... * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) (١) ، (المص. كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (٢) وهكذا.

تنبيهات

الأول : بعد ما ثبت حجية ظواهر الكتاب لو ورد في السنة عنهم ـ عليهم‌السلام ـ تفسير لآية ولم يعلم أنّه تفسير لحصر المراد وقرينة لصرف الظاهر عن الظهور أو بيان للباطن ... ، (٣) والثمرة أنّه لو كان في مقام الحصر لا يجوز العمل بإطلاق الظاهر في غير هذا المورد لسقوط الظاهر عن الحجية ، وإن كان بيانا للباطن يجوز العمل به لعدم سقوطه عن الظهور.

الثاني : ربما يتوهم أنّ النزاع في حجية ظواهر الكتاب قليل الجدوى إذ ما من آية متعلقه بالفروع إلّا وقد وقع في بيانها أو على طبقها خبر أو أخبار كثيرة.

الجواب : أنّه ليس الأمر كذلك لأيّ التقدير ، إذ لا ريب في أنّه يتمسك بالعمومات والإطلاقات في المعاملات بالنسبة إلى الفروع الغير المنصوصة أو المنصوصة بالنصوص المتكافئة مثل : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٤) ،

__________________

(١). سورة آل عمران : ١ و ٣.

(٢). سورة الأعراف : ١ ـ ٢.

(٣). الظاهر سقوط الجزاء.

(٤). سورة المائدة : ١.

٥٨

و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (١) ، و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٢) و (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) (٣) ، و (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) (٤) ، وغيرها.

وكذا في عمومات العبادات كآيات التيمم والوضوء والغسل وغيرها.

ومن هذا البيان يظهر دفع توهم صاحب الحدائق حيث إنّه زعم الإجمال في عمومات المعاملات الواردة في الكتاب ببيان أنّ (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) أريد به البيع الصحيح لا الباطل وهو لا يعلم إلّا ببيان الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ فما لم يرد فيه بيان لا يجوز التمسك بها ، فحالها كحال سائر الظواهر. (٥)

وفيه : عدم الإجمال في معنى البيع ، إذ بعد ظهور المعنى الموضوع له يرجع إلى السنة إلى العلم بكونه مرادا جديا وعدمه ، لا في أصل تشخيص المستعمل فيه ، فلو لم يوجد بعد الفحص واليأس فيؤخذ بظهوره الوضعي.

فظهر من كلّ ذلك أنّ في حجية ظواهر الكتاب أقوال : ١. الحجية مطلقا وهو الأشهر ؛ ٢. الحجية بالنسبة إلى من قصد إفهامه لجريان الأصل العقلائي وإثبات عدم غفلة المتكلم في نصب القرينة الدالة على إرادة خلاف الظاهر وعدم غفلة السامع كذلك بخلاف الغير المقصودين بالإفهام. ذهب إلى هذا التفصيل المحقق القمي في مطلق الظواهر ومنها ظواهر الكتاب ؛ (٦) ٣. عدم

__________________

(١). سورة البقرة : ٢٧٦.

(٢). سورة النساء : ٣٣.

(٣). سورة البقرة : ٢٨٣.

(٤). سورة الأنعام : ١٥٣.

(٥). لم أعثر على كلامه (ره) في الحدائق.

(٦). أنظر : القوانين ، ج ١ ، ص ٣٩٨ و ٤٠٣ ؛ الرسائل ، ج ١ ، ص ٦٧ ـ ٦٨.

٥٩

الحجية مطلقا في نصوص الكتاب وظواهره. ذهب إليه الاسترآبادي ؛ (١) ٤. عدم الحجية في ظواهره ذهب إليه أكثر الأخباريين. (٢)

الوقف والابتداء

قال الجزري في كتاب النشر : «لما لم يكن القارئ أن يقرأ السورة أو القصة في نفس واحد ولم يجز التنفس بين كلمتين حالة الوصل بل ذلك كالتنفس في أثناء الكلمة وجب حينئذ اختيار وقفة للتنفس والاستراحة وتعيين ارتضاء ابتداء بعده ويتحتم أن لا يكون ذلك مما يحيل المعنى ولا يخل بالفهم إذ بذلك يظهر الإعجاز ويحصل القصد ولذلك حضّ الأئمة على تعلّمه ومعرفته». (٣)

هل الأوقاف توقيفي كنفس القرآن أم لا؟ الذي يظهر من كلام الجزري الثاني ولعلّ التفصيل أولى.

[أنواع الوقف]

للوقف أقسام : التام والكافي والجائز والمطلق والقبيح. والحقّ أن يقال : إنّه إن لم يكن بعده ما يتعلق به فالوقف يحسن ؛ بل قد يجب لو كان الوصل مخلّا.

__________________

(١). لم أجده.

(٢). أنظر : القوانين ، ج ١ ، ص ٣٩٣.

(٣). النشر في القراءات العشر ، ج ١ ، ص ٢٢٤ ـ ٢٢٥ باختلاف يسير في بعض الألفاظ.

٦٠