القول الفاصل في الردّ على مدّعي التحريف

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي

القول الفاصل في الردّ على مدّعي التحريف

المؤلف:

آية الله السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي


المحقق: محمد رضا جديدي نژاد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي الكبرى
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-6121-95-0
الصفحات: ٧٢

في مجمع البيان : «الصحيح من مذهب أصحابنا خلافه». (١) وكذا السيّد المرتضى فإنّه أصرّ غاية الإصرار وعدّد ذلك من الأمور المقطوعة التي لا ينبغي التأمل فيه ، وقال : «إنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية قوم لا يعتد بخلافهم». (٢)

وقال الشيخ في التبيان : «وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به ، أمّا الزيادة فمجمع على بطلانه ، وأمّا النقصان منه فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا». (٣)

__________________

أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة ، وعندنا أنّ «الضحى» و «ألم نشرح» سورة واحدة «ولإيلاف» و «ألم تر كيف» سورة واحدة ، ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب».

ومنهم أيضا ابن شهرآشوب ـ رحمه‌الله ـ فإنّه قال في متشابه القرآن ومختلفه (ج ٢ ، ص ٧٧) :

«... والصحيح كلّ ما يروى في المصحف من الزيادة انما هو تأويل ، والتنزيل بحاله ما نقص منه وما زاد».

ومنهم أيضا العلامة الحلّي ـ رحمه‌الله ـ فإنّه قال في أجوبة المسائل المهنائية (ص ١٢١) عند ما سأله السيّد المهنا عن التحريف بالزيادة والنقصان ، أو التقديم والتأخير فقال ما نصّه : «الحقّ أنّه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه ، وأنّه لم يزد ولم ينقص ، ونعوذ بالله تعالى من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك ، فإنّه يوجب التطرق إلى معجزة الرسول عليه وآله السلام المنقولة بالتواتر».

وأنظر عبائر عدّة أخرى من الأعلام في العبارات التالية من المصنف قدس‌سره.

(١). مجمع البيان ، ج ١ ، ص ١٥ وتمام العبارة هكذا : «والكلام في زيادة القرآن ونقصانه ممّا لا يليق بالتفسير. أمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانه ، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أنّ في القرآن تغييرا ونقصانا والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه».

(٢). الذخيرة في الكلام ، ص ٣٦٤ عن سلامة القرآن من التحريف ، ج ١ ، ص ٨٧.

(٣). التبيان ، ج ١ ، ص ٣ باختلاف يسير في الألفاظ.

٢١

ومنها : أنّ روايات التحريف على فرض قبولها تدل أكثرها على أنّ فضائل علي ـ عليه‌السلام ـ وعترته أسقطت (١) ، والتصريح باسمه ـ عليه‌السلام ـ لا يلائم حديث الغدير المسلم عند الفريقين ، فإنّه صريح في نصبه بأمره تعالى مع ضمانه حفظه لو بلغ فلو كان اسمه مذكورا لم يحتج إلى هذا النصب. (٢)]

هذا بالنسبة إلى ما يقرب من ثلث الروايات المنقولة في الكتاب ، والبقية إمّا صريحة في إسقاط التأويلات كما ينص على ذلك كلام أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ في النهج وغيرها حيث قال : «جئتكم به كملا مشتملا على كيفية نزولها والمعنى بها وأنّها نزلت ليلا أو نهارا ، الحديث». (٣)

وامّا محكومة للأدلّة الدالّة على أنّهم أقاموا حروفه وحرّفوا

__________________

(١). ومن أهمّ هذه الروايات ما روي في الكافي (ج ٢ ، ص ٦٢٧) ، وتفسير العياشي (ج ١ ، ص ١٩) عن أبى جعفر (ع) قال : «القرآن نزل على أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدوّنا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض وأحكام ، ولنا كرائم القرآن».

ومنها أيضا ما روي في تفسير العياشي (ج ١ ، ص ١٣) بإسناده عن الصادق (ع) : «لو قرئ القرآن ـ كما أنزل ـ لألفينا مسمّين».

ومنها أيضا ما روي في تفسير العياشي (ج ١ ، ص ١٣) بإسناده عن أبي جعفر (ع) قال : «لو لا أنّه زيد في كتاب الله ونقص منه ، ما خفي حقّنا على ذي حجى».

ومنها أيضا رواية الكافي (ج ١ ، ص ٤١٧) بإسناده عن أبي جعفر (ع) قال : «نزل جبرئيل بهذه الآية على محمّد (ص) هكذا : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) ـ في عليّ ـ (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)».

(٢). كذا قال أيضا المحقق الخوئي في البيان (ص ٢٣٠) ، ولا يخفى أنّ هذا من أتمّ الدلائل ، وسيشير المؤلف ـ قدس‌سره ـ إلى تلك الطائفة من روايات التحريف مرة أخرى ويذكر جوابا آخر.

(٣). لم نجده في نهج البلاغة ، لكنه روي في عدد من المصادر باختلاف يسير ، منها تفسير الصافي المقدمة السادسة ، ص ١١.

٢٢

حدوده (١) ، وامّا مبتلاة بمعارضات أقوى منها. (٢)

وجماع القول في حق تلك الروايات ـ على فرض قبول أسانيدها ـ أنّها إمّا ناظرة إلى التأويلات (٣) ، أو أنّ ما نزل عليه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كان أكثره من هذا الموجود ، ومن الواضح أنّ النسبة بين المنزل من الله عليه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ والقرآن ، العموم المطلق ، إذ كلّ قرآن منزل

__________________

(١). والدليل الدال ما ورد بهذا المعنى في الكافي (ج ٨ ، ص ٥٣) عن أبي جعفر الباقر (ع) في رسالته إلى سعد الخير : «وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده ، فهم يروونه ولا يرعونه ...».

ولتوضيح الحكومة نقول : إنّ روايات التحريف جاءت على طوائف ليست متحدة في المفاد ، فمن تلك الطوائف روايات جاء فيها لفظ «التحريف» وتدل على التحريف بعنوانه ، وهي تبليغ عشرين رواية ؛ فمنها ما رواه الكليني (الكافي ج ٨ ، ص ١٢٥) والصدوق (الخصال ، باب الثلاثة ، ص ١٧٤) والكشّي (اختيار معرفة الرجال ، ص ٤) بإسنادهم عن علي بن سويد ، قال : «كتبت إلى أبي الحسن موسى (ع) وهو في الحبس كتابا إلى أن ذكر جوابه (ع) بتمامه ، وفيه قوله (ع) : اؤتمنوا على كتاب الله فحرّفوه وبدّلوه».

ومنها ما عن الصدوق (الخصال ، ص ١٧٥) بإسناده عن جابر عن النبي (ص) قال : «يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون : المصحف ، والمسجد ، والعترة. يقول المصحف : يا ربّ حرّفوني ومزّقوني. ويقول المسجد : يا ربّ عطّلوني وضيّعوني. وتقول العترة : يا ربّ قتلونا وطردونا ...».

فالرواية الاولى حاكمة على تلك الطائفة من روايات التحريف وترشدنا إلى المراد من التحريف فيها التحريف المعنوي لا اللفظي ، لأنّه قال (ع) «أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده» والتحريف بهذا المعنى واقع قطعا وليس هو محلّ النزاع ، فإنّ المبتدعة قد حرّفوا القرآن طبقا لآرائهم وميولهم.

(٢). وسيذكر المؤلف ـ قدس‌سره ـ جملة من تلك المعارضات.

(٣). أي قسم وافر من تلك الروايات ناظر إلى تفسير الآيات وبيان المصداق ، فالساقط ما كان من هذا القبيل لا من القرآن نفسه.

٢٣

وليس كلّ منزل قرآن كالأحاديث القدسيّة (١) ، فمن أين علم أنّ ما ادّعى وجوده عند عليّ (٢) ـ عليه‌السلام ـ كان كلّه قرآنا فمن المحتمل أنّه ـ عليه‌السلام ـ جمع كلّ ما سمعه عنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ من المنزل قرآنا كان أو غيره ، والقرآن هو المنزل الخاص بعنوان التحدي والإعجاز.

ومن الواضح الأوّلي أنّ ما نقل سقوطه ليس بمثابة يعجز البشر عن الإتيان بخير منه فكيف بمثله ك «سورة الولاية» (٣) و «سورة الرجم» (١)

__________________

(١). فهي أيضا تنزيل ، وإطلاق لفظ التنزيل على ما نزل قرآنا فقط كان من الاصطلاحات المحدثة.

(٢). إشارة إلى شبهة أقامها المحدّث النوري ، وهي أنّ عليّا (ع) كان له مصحف يخصّه ، يغاير المصحف الموجود ، وكان مشتملا على زيادات ليست في المصحف الذي بأيدينا ، وقد أتى به إلى القوم فلم يقبلوا منه وهذا من الأمور الثابتة واتفق عليها الفريقان ، فما كان بأيدينا ناقص ومحرّف ، ويدل على ذلك روايات : منها ما في التفسير الصافى (المقدمة السادسة ، ص ١١) عن الإمام علي (ع) قال : «أتى بالكتاب كملا مشتملا على التأويل والتنزيل ، والمحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، لم يسقط منه حرف».

ومنها ما رواه في الكافي (ج ١ ، ص ٢٨٨) بإسناده عن جابر قال : «سمعت أبا جعفر (ع) يقول : ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما أنزل إلّا كذّاب ، وما جمعه وحفظه كما نزّله الله تعالى إلّا عليّ بن أبي طالب والأئمة من بعده».

(٣). ذكر هذه السورة المختلفة المحدّث النوري نقلا من كتاب دبستان المذاهب (ج ١ ، ص ٢٤٦ ـ ٢٤٧) قال المؤلف الفاسد ـ بعد ذكر أصول عقائد الشيعة ـ : «وبعضهم يقول : إنّ عثمان أحرق المصاحف وأسقط سورا كانت نازلة في فضل أهل البيت ، منها هذه السورة : بعد البسملة. يا أيها الذين آمنوا آمِنوا بالنورين. أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذّرانكم عذاب يوم عظيم. نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم. إنّ الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات لهم جنّات نعيم. والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم. ظلموا أنفسهم وعصوا لوصي الرسول اولئك يسقون من حميم. إنّ الله الذي نوّر السموات والأرض بما شاء واصطفى من الملائكة

٢٤

__________________

وجعل من المؤمنين اولئك في خلقه يفعل الله ما يشاء. لا إله إلّا هو الرحمن الرحيم. قد مكر الذين من قبلهم برسلهم فأخذتهم بمكرهم إنّ أخذى شديد اليم. إنّ الله قد أهلك عادا وثمودا بما كسبوا وجعلهم لكم تذكرة فلا تتقون. وفرعون بما طغى على موسى وأخيه هارون أغرقته ومن تبعه أجمعين ليكون لكم آيته وإنّ أكثركم فاسقون. إنّ الله يجمعهم في يوم الحشر فلا يستطيعون الجواب حين يسألون. إنّ الجحيم مأواهم وإنّ الله عليم حكيم. يا أيها الرسول بلّغ إنذاري فسوف يعلمون. قد خسر الذين كانوا عن آياتى وحكمى معرضون. مثل الذين يوفون بعهدك إنّي جزيتهم جنّات النعيم. إنّ الله لذو مغفرة وأجر عظيم وإنّ عليّا من المتقين وإنّا لنوفيه حقّه يوم الدين. ما نحن عن ظلمه بغافلين وكرّمناه على أهلك أجمعين فإنّه وذريته لصابرون وإنّ عدوّهم إمام المجرمين ...».

قال المحدّث النوري بعد نقلها في فصل الخطاب (ص ١٨٠) : «قلت : ظاهر كلامه [أي قول صاحب دبستان المذاهب : وبعضهم يقول إنّ عثمان ...] أنّه أخذها من كتب الشيعة ، ولم أجد لها أثرا فيها غير أنّ الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني ذكر في كتاب المثالب على ما حكي عنه أنّهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية ولعلّها هذه السورة ، والله العالم».

وبعد هذا يلزم علينا ذكر أمرين : الأول : أن مؤلّف كتاب دبستان المذاهب ـ بما أنّه لم يسجّل اسمه في تأليفه ـ مجهول وتردّد نسبة الكتاب ـ حسب تحقيق علماء الشرق والمستشرقون ـ إلى عدّة من الفاسدين في المذهب ، وآخر نظرية وصل إليها المحققون أنّه «كيخسرو بن اسفنديار» عظيم علماء المجوس في الهند. طبع الكتاب في سنة ١٣٦٢ ش بتحقيق الأستاذ رحيم رضازاده في مجلدين ، حيث أورد متن الكتاب في المجلد الأول وتعليقاته في المجلد الثاني وأثبت في هذا المجلد أنّ المؤلّف هو كيخسرو.

الثاني : كتاب المثالب الذي حكيت عنه تلك العبارة لا يوجد أثر له الآن ، ولم يدّع أحد مشاهدة تلك العبارة سوى نقلها بلفظ «حكي» مجهولا كما في عبارة المحدّث النوري ، أنظر للتفصيل :

القرآن الكريم وروايات المدرستين ، ج ٣ ، ص ١٧٢ ـ ١٧٩ ؛ صيانة القرآن من التحريف ، ص ١٨٧ ـ ١٩٢.

(١). الظاهر : آية الرجم ، وقد رواها في فصل الخطاب (ص ١١٠ ـ ١١٩) بطرق متعددة من كتب الشيعة وأهل السنة زاعما سقوطها ، وهي هكذا : «إذا زنيا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم» ، لاحظ للتفصيل : القرآن الكريم وروايات المدرستين ، ج ٣ ، ص ٥٥٠ ـ ٥٥٧.

٢٥

و «سورة الحفد» (١) و «سورة النورين». (٢)

وحيث كان مجموع علي ـ عليه‌السلام ـ مشتملا على التأويلات وكل ما نزل ، وكانت على خلاف مسلك الطواغيت لم يقبلوه ، فاندفع إشكال أنّ عدم قبولهم مجموعه ، كاشف عن الإسقاط والتحريف. (٣)

واما إشكال إحراق عثمان أو دفنه سائر المصاحف (٤) فمن الممكن القريب أنّه حيث رأى أنّ كلّا من القرّاء كتب في مصحفه ما سمعه أو خطر بباله من التأويلات أو اختلاف القراءات (٥) ، فأتلفها وحصر بالقرآن المنزل

__________________

(١). ذكرها وكذا سورة الخلع في فصل الخطاب (ص ١٤٢ و ١٤٣ و ١٤٥ و ١٧٢) نقلا عن الإتقان (ج ١ ، ص ٦٥ وج ٢ ، ص ٢٦) والدرّ المنثور (ج ١ ، ص ٣) ومجمع الزوائد (ج ٧ ، ص ١٥٧) واشتهر السورتان بدعائي الخلع والحفد ، قنت بهما في الصلاة بعض الصحابة ، وروي ثبوتهما في مصحف ابيّ بن كعب هكذا : «اللهم إنّا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد ولك نصلّي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ، نرجوا رحمتك ونخشى عذابك ، إنّ عذابك بالكافرين ملحق».

(٢). اسم آخر لسورة الولاية.

(٣). قد ذكرنا أنّ الإشكال وجود الروايات الدالّة على أنّ مصحف الإمام عليّ (ع) مشتمل على أبعاض ليست موجودة في القرآن الذي بأيدينا ؛ فما ذكره المؤلف ـ قدس‌سره ـ هنا صورة أخرى عن الإشكال.

(٤). وتقرير الإشكال هكذا : لقائل أن يقول : لا يخلو من أن يكون في تلك المصاحف ما هو في هذا المصحف أو كان فيها زيادة أبعاض على ما هو في أيدي الناس ، فإن كان فيها ما هو في أيدي الناس فلا معنى لجمعه أولا إن كان الجامع هو ولإحراقه ثانيا ولا يظنّه ذو فهم ، وإن كان فيها زيادات على ما في أيدي الناس وقصد إبطال بعض القرآن فهذا هو الذي نحن بصدد إثباته.

(٥). وهي الاختلاف في ألفاظ الوحي المذكور في الحروف ، وكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما ، وذلك لا ينافي الاتفاق على أصلها.

٢٦

على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بلسان قريش. (١)

ومسألة اختلاف القراءة ، أكثرها من اختلاف لهجات طوائف العرب وقليلها من أخبار الآحاد. فأصل (٢) القرآن متواتر بين المسلمين ، داخل في الضروريات ، (٣) العلم الإجمالي حاصل بكون إحدى القراءات هي المنزل ، وينحل هذا العلم ويتعين أنّه هي القراءة الموجودة بأيدي الناس (٤) ، وذلك لأمر الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ بقراءته والتمسك به وعرض الأخبار عليه وقراءته كما يقرأه الناس المسلمون (٥) ، فلا إشكال

__________________

(١). ورد في صحيح البخاري (ج ٦ ، ص ٩٩) بإسناده عن أنس : «... أرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثمّ نردّها إليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنّه انما نزل بلسانهم».

(٢). الاولى تبديل الفاء بالواو.

(٣). لأنّ القرآن انّما يثبت بالتواتر لا بالآحاد ، لتوفر الدواعي على نقل ما كان أساسا للدين الإسلام وكلّ شيء تتوفر الدواعي على نقله ينحصر طريق ثبوته بالتواتر ، وهذا ممّا اتفق المسلمون عليه أهل السنة والشيعة. ولا صلة بين تواتر القرآن وعدم تواتر القراءات حتى يقال : نفي تواتر القراءات يوجب نفي تواتر القرآن ، لأنّ الاختلاف في كيفية الكلمة لا ينافي الاتفاق على أصلها ، فالقرآن شيء والقراءات شيء آخر.

(٤). وهي ما ينطبق على قراءة عاصم برواية حفص.

(٥). فقد جاء في الكافي (ج ٢ ، ص ٦٣١ ، كتاب فضل القرآن ، باب النوادر) بإسناده عن سفيان بن السمط قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن تنزيل القرآن ، قال : «اقرءوا كما علّمتم» وجاء عنه (ع) أيضا في الكافي (ج ٢ ، ص ٦٣٣) : «اقرأ كما يقرأ الناس». وسنذكر في الذيل ما يتعلق بالروايتين.

٢٧

على هذا (١) ولو لم نقل بتواتر القراءات عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ

__________________

(١). أي على اختلاف القراءات ، حيث تمسك النوري في الدليل العاشر من كتابه بمسألة اختلاف القراءات ، فقال : «لا إشكال ولا خلاف بين أهل الإسلام في تطرق اختلافات كثيرة وتغييرات غير محصورة في كلمات القرآن وحروفه وهيئاته فاستقرّ آراء المخالفين إلى اختيار ما اختاره سبعة منهم أو عشرة. ثمّ إنّه لا بد من انتهاء ما اختاروه وغيره مما يحتمل صحّته إلى النبي (ص) كما زعموه أيضا وادعوه في المقام ، فيكون القرآن في نفسه وعند نزوله مبنيا على الاختلاف ، وحيث إنّ القرآن نزل في جميع مراتبه بنحو واحد لا تغيير فيه ولا اختلاف ، كان جميع ما ذكروه غير الوجه الواحد المجهول المردد فيه غير مبتنية إلى رسول الله (ص) وقراءة القرآن به قراءة بغير ما أنزل الله. وظاهر المصحف الموجود الدائر غير خالص عن بعضه أو أكثره فهو حينئذ غير مطابق لما انزل عليه (ص) إعجازا وهو المقصود. وهذا الدليل وإن كان غير واف لإثبات نقصان السورة والآية والكلمات ، لعدم شمول تلك الاختلافات لها إلّا أنّه يمكن تتميمه بعدم القول بالفصل».

هذا خلاصة كلامه وقد عرفت ـ فيما تقدم ـ أنّ القرآن شيء والقراءات شيء آخر. وأمّا ما قاله من جهالة الواحد المنزل فهو أيضا مردود ، لأنّ قوله ـ عليه‌السلام ـ : «اقرأ كما يقرأ الناس» ناظر إلى أشهر القراءات والأشهر والمتداول بين الناس منذ الصدر الأوّل حتى عصرنا ما ينطبق على قراءة عاصم برواية حفص ولذلك اختاره سيّدنا المؤلف ـ قدس‌سره ـ وهي بنفسها قراءة أبيّ بن كعب (سيّد القرّاء) التي جمع عثمان المصاحف عليها حيث كان المملي أبيّا ؛ فقد جاء في كنز العمال (ج ٢ ، ص ٥٨٧) عن عطاء : «أنّ عثمان بن عفان لمّا نسخ القرآن في المصاحف ، أرسل إلى ابيّ بن كعب فكان يملي على زيد بن ثابت ، وزيد يكتب ، ومعه سعيد بن العاص يعربه ، فهذا المصحف على قراءة ابيّ وزيد».

فما جاء في الكافي (ج ٢ ، ص ٦٣٤) عن أبي عبد الله (ع) أنّه قال : «... أمّا نحن فنقرأ على قراءة أبيّ» لا ينافي ما ذكرناه من اشتهار القراءة التي تنطبق مع قراءة عاصم برواية حفص وأنّها المراد من قوله (ع) : «اقرأ كما يقرأ الناس» لأنّ قوله (ع) : «أمّا نحن فنقرأ على قراءة أبيّ» اشارة إلى توحيد المصاحف والقراءات على عهد عثمان حيث كان المملي ابيّا ، فقوله (ع) الأخير مؤيد أيضا لما ذكرناه.

٢٨

أو عن القرّاء. (١)

هذا ، فإذن لا حاجة إلى الاستدلال على عدم التحريف ويكفينا بطلان أدلّة التحريف وهناك أدلّة على العدم :

[أدلّة على عدم التحريف]

منها : قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٢). ومن الواضح أنّ المراد ب «الذكر» ليس النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لمكان التنزيل (٣) ، فإنّه تعالى ضمن حفظه مع التأكيدات التي تراها. (٤)

ومنها : أخبار الثقلين حيث قال : «تمسكوا بها وأنّهما لن يفترقا» ، ومن

__________________

ـ أضف إلى ذلك أنّه لو كان لسائر القراءات تلك الشهرة لنقلت إلينا وتوجد نسخ كثيرة طبقا عليها ولم ينحصر طبع المصاحف في العصر الحاضر ـ إلّا ما ندر ـ بقراءة عاصم ، فتأمّل.

وأمّا ما قاله من تتميم دليله الواهي بعدم القول بالفصل فقال الأستاذ في صيانة القرآن من التحريف (ص ٢٢٠) : «أمّا مسألة التتميم بعدم القول بالفصل ، فلا موضوع لها أوّلا. وثانيا :

هى مسألة أصولية تخصّ الأمور النظرية العقلية دون العلوم النقلية المبتنية على أساس النقد والتمحيص».

(١). لعدم وجود الملازمة بين تواتر القرآن وبين عدم تواتر القراءات لما ذكرناه سابقا ، فراجع. والحق والمعروف عند الشيعة عدم تواتر القراءات ، أنظر للتفصيل البيان ، ص ١٢٣ ـ ١٥٠.

(٢). الحجر (١٥) : الآية ٩.

(٣). وقد ذكر النوري في تأويل هذه الآية وجوها واهية ، أنظر للتفصيل : البيان ، ص ٢٠٧ ـ ٢٠٩ ؛ صيانة القرآن من التحريف ، ص ٤٣ ـ ٤٨.

(٤). وهي كلمة «إنّ» ولام التوكيد والاستفادة من ضمير الجمع (نا) ووصف الجمع وتقديم المجرور على متعلّقه.

٢٩

المعلوم إمكان التمسك بالعترة (١) فلو كان المراد بالكتاب ، الكتاب الذي كان عند عليّ ـ عليه‌السلام ـ وقلنا لمغايرته مع ما بأيدينا ، لم يتمكن العباد من التمسك به (٢) ، والأئمة ـ عليهم‌السلام ـ تمسكوا بخبر الثقلين مرارا في كلماتهم ، فلا يقال : إنّه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قال : «لن يفترقا» ، ولكن الأمّة فرّقت بينهما.

ومنها : أخبار عرض الروايات المنقولة عنهم ـ عليهم‌السلام ـ على الكتاب وأنّ ما خالفه زخرف أو باطل أو يضرب على الجدار ونحوها. (٣)

ومنها : قول الثاني عند وفاة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بمحضره :

__________________

(١). باتباع أوامرهم ونواهيهم وهذا شيء لا يتوقف على الاتصال بالإمام والمخاطبة معه شفاها ؛ فإنّ التمسك بالعترة لا يتصور له غير ذلك المعنى الذي لم يتوقّف تحققه بملاقاة الإمام سواء يمكن للمتمسك الوصول إلى الإمام كزمان الحضور غالبا أم لم يمكن كزمان الغيبة.

(٢). لأنّ التمسك بالقرآن لا يتصور إلّا بوجوده بين أيدينا ، فلا بد من كون الصحيح منه موجودا بين الأمة ، ومجرّد وجوده عند الحجة (ع) مع غيبته أيضا وعدم إمكان الوصول إليه (ع) لا يكفي. أنظر للتفصيل البيان ، ص ٢١٠ ـ ٢١٣.

(٣). فقد جاء في الكافي (ج ١ ، ص ٦٩) بإسناده عن أيوب بن الحر قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : «كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنة ، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف».

وفيه أيضا (ج ١ ، ص ٦٩) بإسناده عن السكوني ، عن أبي عبد الله (ع) قال : «قال رسول الله (ص) : إنّ على كلّ حقّ حقيقة ، وعلى كلّ صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه».

وفي ذلك المعنى روايات اخر ، فلاحظ وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٧٨ ـ ٨٠.

وسيذكر المؤلف ـ قدس‌سره ـ تقريب الاستدلال بتلك الروايات عند إعادة ذلك الدليل بنفسه.

٣٠

«حسبنا كتاب الله» الظاهر أنّه كان هناك كتاب مدوّن عند الناس وبأيديهم. (١)

ومنها : بعد اشتمال الكتاب المنزل على أسماء الطواغيت وسبابهم والوقيعة في حقهم في زمانه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ مع ما يعلم من شدة مداراته ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ معهم. (٢)

ومنها : أنّ الكفار من شدة إعجابهم بآيات القرآن كانوا يحفظونها

__________________

(١). لعدم صحّة إطلاق الكتاب على ما كان في الصدور ؛ بل ولا على المكتوب إذا كان منتشرا غير مجتمع. والقائل بالتحريف لا بد له أن يدعى وقوعه من الخلفاء ، ولا يتمّ ذلك إلّا بإنكار جمع القرآن في عهد النبي (ص) وانقطاع تواتر القرآن ، فالجامع وهو المحرّف إمّا أن يكون الشيخين أو عثمان أو كلّهم ، بمعنى أنّ الثالث أسقط من القرآن ما كان عليهم ولم يوفّق سابقيه على حذفه ، فأسقطه تكميلا لعملهما ، وأمّا دعوى وقوع التحريف منهم من دون التعمّد فباطل قطعا لأنّه يستلزم احتمال عدم وصول القرآن إليهم بتمامه ولو بنقل بعض الحفّاظ من صدورهم وهذا لا يظنّه ذو فهم ويدلّ على بطلانه كثير من الروايات والشواهد التأريخية. وبالخلاصة إذا ثبت جمع القرآن في زمان النبي (ص) وعدم انقطاع تواتره لم يبق مجال كثير لمدّعي التحريف ، وسنذكر تفصيل المطلب حين يذكر المؤلف ـ قدس‌سره ـ بأن الحقّ كون القرآن مجموعا في زمان النبي (ص) ، فانتظر.

(٢). ردّ على قسم من روايات التحريف ، مدلولها حذف فضائح القوم وقد نقلنا عدّة منها ، ومنها أيضا ما في الكافي (ج ٢ ، ص ٦٣١) مرسلا عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : دفع إليّ أبو الحسن (ع) مصحفا وقال : «لا تنظر فيه. ففتحته وقرأت فيه : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) فوجدت فيها اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم ، قال : فبعث إليّ : ابعث إليّ بالمصحف».

فذكر المؤلف ـ قدس‌سره ـ في ردّ تلك الروايات ما عرفته وبمثلها قال شيخ الفقهاء ، الشيخ جعفر في كشف الغطاء (ص ٢٩٨ ـ ٢٩٩) ـ في ضمن ردّ أخبار النقيصة ـ ما نصّه : «ثمّ كيف يكون ذلك وكانوا شديدي المحافظة على ضبط آياته وحروفه. وخصوصا ما ورد أنّه صرّح فيه بأسماء كثير من المنافقين في بعض السور ومنهم فلان وفلان ، وكيف يمكن ذلك وكان من حكم النبي (ص) الستر على المنافقين ومعاملتهم بمعاملة أهل الدين ...».

٣١

ويتلونها أكثر من حفظهم وقراءتهم من قصائد الشعراء كامرئ القيس ، فالعادة مقتضية بحفظها وصيانتها.

ومنها : ما ورد من ختم الصحابة عدة ختمات وقراءة القرآن على النبي (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومنها : أخبار النهي عن قراءة القرآن كلّه في ليلة وأنّه لا يسوغ أن يختم القرآن في أقلّ من ثلاثة. (٢)

__________________

(١). فمن تلك الروايات ما روي في كنز العمال (ج ٢ ، ص ٥٩٠) عن محمّد بن كعب القرظي قال : «كان ممن ختم القرآن ورسول الله (ص) حي عثمان بن عفان وعليّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود».

ومنها ما ورد في السنن الكبرى (ج ٢ ، ص ٣٩٦) «عن أبيّ بن كعب أنّه كان يختم القرآن في كلّ ثمان وعن تميم الداري أنّه كان يختمه في كلّ سبع».

ومنها ما ورد في مسند أحمد (ج ٥ ، ص ١٢٤) عن يحيى بن يعمر عن سليمان ابن صرد عن أبي بن كعب قال : «قرأت آية وابن مسعود خلافها فأتيت النبي (ص) فقلت : ألم تقرئني آية كذا وكذا قال : بلى ...».

وقال السيد المرتضى في جواب المسائل الطرابلسيات : «... إنّ القرآن كان على عهد رسول الله (ص) مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن ... حتى عين النبي (ص) على جماعة من الصحابة حفظهم له ، وكان يعرض على النبي (ص) ويتلى عليه ، وانّ جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وابيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي (ص) عدة ختمات وكلّ ذلك يدل بأدنى تأمل على أنّه كان مجموعا مرتبا غير منثور ولا مبثوث ...» ، الذخيرة في الكلام ، ص ٣٦٣.

(٢). فمن تلك الروايات ما جاء في الكافي (ج ٢ ، ص ٦١٧) عن علي بن أبي حمزة قال : دخلت على أبي عبد الله (ع) فقال له أبو بصير : «جعلت فداك أقرأ القرآن في شهر رمضان في ليلة؟

فقال : لا ، قال : ففي ليلتين؟ قال : لا ، قال : ففي ثلاث؟ قال : ها وأشار بيده ، ثمّ قال ...».

وتقريب الاستدلال أنّ ما جاء في تلك الروايات وما شابهها يدل على إمضاء الموجود ؛ إذ لو قلنا بالتحريف ـ نعوذ بالله ـ ووجود الصحيح عند الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ لم يمكن لأحد

٣٢

ومنها : أنّه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في شدّة الخوف من المنافقين والمداراة معهم وتأليف قلوبهم ، حتّى أنّه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أخفى أمر تبليغ الولاية يوم الغدير حتّى وعده الله الحفظ في حجة الوداع ، فلو كان اسم عليّ ـ عليه‌السلام ـ بالولاية مذكورا في السور المتقدمة صريحا لما كان لخوفه وإخفاءه وجه.

ومنها : ورود الروايات أنّه كانت إذا نزلت آية أمر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بوضعها في أيّ موضع من القرآن. (١)

__________________

ـ ختمه ؛ لعدم صدق القرآن على المحرّف الباطل. وقول المحدّث النوري ـ بعد نقل ذلك الدليل عن الصدوق (ره) ـ بأن بناءهم ـ عليهم‌السلام ـ على إمضاء الموجود وتبعية غيرهم فيه اعتراف ببطلان أخبار التحريف ، إذ كيف يجمع الإمضاء مع أخبار مدلولها عدم الامضاء ، فهل هذا إلّا التناقض؟ وقوله أيضا بأن المراد من القرآن في تلك الروايات الدائر بين الناس للانصراف ، قول سخيف ، إذ لنا أن نقول إنّ الدائر هو الحقيقي الواقعي قطعا وحمله على المحرّف يتوقف على صحّة مدعاه (وهو التحريف) فما قوله إلّا مصادرة للمطلوب.

(١). فمنها ما ورد في مسند أحمد (ج ٤ ، ص ٢١٨) عن عثمان بن أبي العاص حيث يقول : «كنت جالسا عند رسول الله (ص) إذ شخص ببصره ثمّ صوّبه ثمّ قال : أتاني جبريل (ع) فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة».

ومنها ما روي في مناهل العرفان (ج ١ ، ص ٢٤٠) عن ابن عباس أنّه قال : «كان رسول الله (ص) إذا نزلت عليه سورة دعا بعض من يكتب فقال : ضعوا هذه السورة في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا».

وتقريب الاستدلال أنّ تلك الروايات بضميمة روايات أخر سنذكرها ، تدل على كتابة القرآن وجمعه وتواتره في زمان النبي (ص) ، وتصور انقطاع التواتر وهدم ما كتب في عهد النبي مع شدة اهتمام الصحابة بحفظه تصور غير معقول ، فالقائل بالتحريف لا بد له أن يثبت خلاف ذلك ، وأنّ الجامع هو الخلفاء كما سعى النوري في ذلك وتمسك

٣٣

ومنها : تعارض أخبار التحريف بعضها مع بعض في تعيين الساقط (١) وعدد الآي. (٢)

__________________

ـ بروايات رواها أهل السنة حول جمع الخلفاء التي يفهم منها عدم تواتر الآيات وإثباتها بشاهدين أو بشهادة رجل واحد ، وسنذكر تفصيل المطلب حين يذكر المؤلف ـ قدس‌سره ـ بأن الحقّ كون القرآن مجموعا في زمان النبي (ص) ، فانتظر.

(١). فمن هذه الموارد ما روي في سقوط آية الرجم بطرق متعدّدة من كتب الشيعة وأهل السنة ، فإنّ واحدا من روايات التي رويت في سقوطها لا يشترك مع رواية اخرى في جميع الألفاظ وإليك هذه الروايات :

أ. جاء في الفقيه (ج ٤ ، ص ٢٦) روى هشام بن سالم عن سليمان بن خالد قال : «قلت لأبي عبد الله (ع) في القرآن رجم؟ قال : نعم. قلت : كيف؟ قال : الشيخ والشيخة فارجموها البتة فإنّهما قضيا الشهوة».

ب. روي في الكافي (ج ٧ ، ص ١٧٧ عن وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٣٤٧) بالإسناد عن يونس ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله (ع) قال : «الرجم في القرآن قول الله عزوجل : إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنّهما قضيا الشهوة».

ج. روي في مسند أحمد (ج ٥ ، ص ١٣٢) : «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عليم حكيم».

د. وفي الإتقان (ج ٣ ، ص ٧٦ نقلا عن الحاكم) عن زيد بن ثابت قال : «سمعت رسول الله (ص) يقول : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة».

وقد ذكر المحدّث النوري عدة أخر من تلك الروايات في دليله الثالث (ص ١١٠ ـ ١١٩) ، لا مجال لنقلها ، وفيما نقلنا كفاية ، والقول بأنّها روايات ومن الممكن نقلها بالمعنى سخيف ؛ لأنّ الرواة عالمون بعدم جواز ذلك في نصوص القرآنية والأدعية.

(٢). وإليك هذه الروايات :

أ. روي في الكافي (ج ٢ ، ص ٦٣٤) عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله (ع) قال : «إنّ القرآن الذي جاء به جبرئيل (ع) إلى محمّد (ص) سبعة عشر ألف آية».

٣٤

ومنها : أنّه دلّت بعض أخبار التحريف على أنّه سقط اسم عليّ ـ عليه‌السلام ـ في موارد كثيرة (١) ويعارضه صحيحة أبي بصير المروية في الكافي ، قال : قلت له : إنّ الناس يقولون فما له لم يسمّ عليّا وأهل بيته في كتاب الله! قال : «قولوا لهم إنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ لهم ثلاثا ولا أربعا ...». (٢)

ومنها : حكومة بعض الروايات الدالّة على كون الساقط من قبيل التفسير

__________________

ـ ب. أحمد بن محمد السيّاري في كتاب القراءات (مخطوط) عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم قال : قال أبو عبد الله (ع) : «القرآن الذي جاء به جبرائيل إلى محمّد (ص) عشرة ألف آية».

قال في فصل الخطاب (ص ٢٣٩) بعد نقل هذه الرواية : «كذا في نسختي وهي سقيمة والظاهر سقوط كلمة سبعة قبل عشرة ، لاتحاده متنا وسندا لما في الكافي ؛ بل لا يبعد كون ما فيه مأخوذا منه فإنّ محمد بن يحيى يروي عن السيّاري».

أقول : ما قاله في عدم بعد أخذ الكافي عن كتاب القراءات ، صحيح ولكن من الممكن زيادة كلمة سبعة في الكافي وكون الصحيح ما في كتاب القراءات ، وأضف إلى هذا التعارض في نقل رواية واحدة نقل المحدّث الفيض في الوافي (ج ٩ ، ص ١٧٨١) الحديث عن الكافي بلفظ «سبعة آلاف آية» ، وهذا يدل على أنّ نسخة الكافي عنده كانت بهذا اللفظ.

ج. المولى محمد صالح في شرح أصول الكافي (ج ١١ ، ص ٨٧) عن كتاب سليم بن قيس الهلالي : «أنّ أمير المؤمنين (ع) بعد وفاة رسول الله (ص) لزم بيته وأقبل على القرآن يجمعه ويؤلفه ، فلم يخرج من بيته حتى جمعه كلّه وكتب على تنزيله الناسخ والمنسوخ منه والمحكم والمتشابه والوعد والوعيد وكان ثمانية عشر ألف آية».

(١). وقد نقلنا تلك الطائفة من روايات التحريف في ذيل قول المؤلف ـ قدس‌سره ـ :

«إنّ روايات التحريف على فرض قبولها تدل أكثرها على أنّ فضائل علي (ع) ...» ، فراجع ولاحظها.

(٢). الكافي ، ج ١ ، ص ٢٨٦.

٣٥

وبيان المراد أو المصداق على أخبار التحريف وأنّ تحريفهم إيّاه معنوي ، كما في رواية الفضيل بن يسار (١) المروية في الكافي ، عن أبي الحسن الثاني ـ عليه‌السلام ـ قال : قلت له : (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) قال : «يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام. قلت : تنزيل؟ قال : نعم». (٢)

فإنّه ظاهر في كون المراد بالتنزيل ، بيان الله النازل على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وإن لم يكن من القرآن. (٣)

[(*) ومنها : [قوله تعالى] : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ). (٤) وورود التحريف عليه إتيان الباطل من خلفه. (٥)

ومنها : الأخبار المتواترة الدالّة على عرض الروايات على الكتاب (٦) ، والعرض على المحرّف المبدّل لا وجه [له] ، وعلى المنزل المحفوظ لا يستطاع ، وأكثر الأخبار الآمرة بالعرض صادرة بعد عصر النبوة عن الأئمة عليهم‌السلام. (٧)

__________________

(١). الصحيح : محمد بن الفضيل.

(٢). الكافي ، ج ١ ، ص ٤٣٥ ، والخبر طويل ، وما نقله المصنف ـ قدس‌سره ـ وقع في آخره.

(٣). التنزيل ؛ مصدر مزيد فيه ، وأصله النزول فقد يستعمل ويراد به ما نزل مطلقا وإطلاقه على ما نزل قرآنا فقط من الاصطلاحات المحدثة ، انظر للتفصيل البيان ، ص ٢٢٣ ـ ٢٢٤.

(*) وجدنا من هنا إلى قوله : «فصاحة الكلام كما ترى» في الأوراق المتفرقة كما أشرنا إليه في المقدمة.

(٤). سورة فصّلت : ٤١ ـ ٤٢.

(٥). لأنّ التحريف أكمل مصاديق الباطل. أنظر للتفصيل البيان ، ص ٢٠٩ ـ ٢١٠.

(٦). قد ذكرنا بعض تلك الروايات فيما سبق من ذكر هذا الدليل بنفسه دون تقريب الاستدلال.

(٧). وهذا الدليل حسن ، أشار إليه عدّة من العلماء ولا يمكن الخدشة فيه بما قاله النوري في ردّه حيث إنّه ـ بعد نقل الدليل ـ قال : «والجواب أنّ ما ورد عنه (ص) في ذلك لا ينافي ما

٣٦

ومنها : لو قيل بالسقوط لارتفع الوثوق في الرجوع إليه ، لمكان العلم الإجمالي (١) ، فتختل حال الظواهر. (٢)

__________________

ـ ورد في التغيير بعده (ص) ، وما جاء عنهم ـ عليهم‌السلام ـ فهو قرينة على أنّ الساقط لم يضرّ بالموجود وتمامه من المنزل للاعجاز فلا مانع من العرض عليه مضافا إلى اختصاص ذلك بآيات الأحكام فلا يعارض ما ورد في النقص فيما يتعلق بالفضائل والمثالب».

أقول : أمّا ما قاله من عدم المنافاة بما ورد بعده (ص) فلا يظنّه ذو فهم ؛ لأنّه وبعض من اشترك معه في القول بالتحريف ، يقول بالتحريف بعد النبي (ص) في قليل من الزمان (عصر الخلفاء الثلاثة) فعلى هذا يلزم تخصيص قوله (ص) وهو في مقام جعل الميزان بمن عاصره من الصحابة فهل يلتزم بذلك من له أدنى فضل؟ أضف إلى ذلك إمكان وصول كثير من الصحابة إليه (ص) والمخاطبة معه (ص) فحينئذ لم تبق فائدة في قوله (ص) ـ نعوذ بالله ـ والحال أنّه في مقام جعل الميزان لمعرفة الصحيح من السقيم إلى يوم القيامة. وامّا ما قاله من أنّ ما جاء عنهم ـ عليهم‌السلام ـ قرينة على أنّ الساقط لم يضرّ بالموجود فهذا أيضا مردود لأنّ قرينيتها تتوقف على القول بالتحريف ، فما دام لم يثبت لا يمكن القول بها ؛ لأنّه من قبيل المصادرة على المطلوب فحينئذ أخبار العرض معارضة لجميع أخبار التحريف بفحواها وتدل على إمضاء الموجود.

وامّا ما قاله من اختصاص العرض بآيات الأحكام فلا يعارض ما ورد في النقص فيما يتعلق بالفضائل والمثالب فهو أيضا مردود ولنا عرض نفس أخبار التحريف على هذا الموجود بأيدينا فإذا فعلنا ذلك نجدها مخالفة له لدلالتها على أنّه ليس ذلك الكتاب النازل على رسول الله (ص) والحال أنّه عزوجل يقول : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).

(١). أي العلم الإجمالي بوقوع الخلل في الظواهر بذلك.

(٢). هذا رأي المؤلف ـ قدس‌سره ـ وقد قال جماعة من المحققين إنّ القول بوقوع التحريف لا يمنع من التمسك بالظواهر منهم المحقق الأنصاري في الرسائل (ج ١ ، ص ٦٦ ، التنبيه الثالث) قال : «إنّ وقوع التحريف في القرآن ـ على القول به ـ لا يمنع من التمسك بالظواهر ، لعدم العلم الإجمالي باختلال الظواهر بذلك ، مع أنّه لو علم لكان من قبيل الشبهة الغير المحصورة. مع أنّه لو كان من قبيل الشبهة المحصورة ، أمكن القول بعدم

٣٧

ومنها : أنّ الإسقاط مع شدة هذا الضبط والاهتمام به خارج عن مجاري العادة. (١)

ومن الوجوه المؤيدة لعدم التحريف أنّ الناقص إن كان جزءا من الكلام مربوطا به بحيث يكون لهذا الجزء دخل في الفصاحة ، يلزم النقص في فصاحة كلام الله ، فيلزم عدم كون ما بأيدينا معجزا أبديا.

ودعوى احتمال كون الساقط بحيث لا تختل بسقوطه فصاحة الكلام كما ترى. (٢)]

إذا دريت ما تلونا عليك فبالله تعالى يجوز عقلك ـ لو لم تعقله بعقال الشبهات ـ التحريف بأمثال هذه الأدلة الواهية التي عمدتها عند أرباب التحريف الروايات التي قد عرفت حالها كلا ثمّ كلا.

__________________

ـ قدحه ، لاحتمال كون الظاهر المصروف عن ظاهره من الظواهر الغير المتعلّقة بالأحكام الشرعية العملية التي أمرنا بالرجوع فيها إلى ظاهر الكتاب ، فافهم».

أقول : لعلّ المؤلف ـ قدس‌سره ـ احتمل ـ في فرض السقوط ـ أنّ بعض الظاهر المصروف عن ظاهره من الظواهر المتعلقة بالأحكام الشرعية ، ويؤيده ملاحظة الروايات الواردة المجعولة حول جمع القرآن وشطر من أخبار التحريف ، أو احتمل منع خروج غير آيات الأحكام (وهي الآيات المتعلقة بالقصص والوعد والوعيد والأمثال والمواعظ) عن محلّ الابتلاء (وقد ذكر علماؤنا لإثبات دخول جميع القرآن في موضع الابتلاء طرقا) فلا تختص حجية الظواهر بآيات الأحكام ، وعليه فالعلم الإجمالي بوقوع الخلل في بعض الظواهر بواسطة سقوط القرائن يمنع عن حجية أصالة الظهور في جميع الآيات فلا محيص عن منع السقوط كما فعله المؤلف ـ قدس‌سره ـ وسائر العلماء.

(١). فمن لاحظ الجوامع الحديثية والتواريخ يجد شدة اهتمام الصحابة بحفظ القرآن وختمها ويقطع بتواترها من عهد النبي (ص) إلى الآن ، وقد مرّ بعض ما يدل على ذلك ويأتي بعض آخر.

(٢). وهو خلاف الفرض.

٣٨

[دلائل مدعي التحريف والجواب عنها]

ولهم أدلّة أخرى أعرضنا عن ذكرها لوضوح بطلانها كالتمسك بأنّه ما وقع في الأمم السالفة لا بد أن يقع في هذه الأمّة ، والمعلوم أنّه وقع التحريف في التوراة والانجيل ولا بد أن يقع في كتابنا. (١)

وفيه المنع صغرويا وكبرويا. (٢)

__________________

(١). الدليل مركب من مقدمتين : الأول أنّ كلما وقع في الامم السالفة يقع في هذه الامّة. وقد أخذ النوري تلك المقدمة من بعض الروايات ، نقلها من طريقي الشيعة وأهل السنة ، فمنها ما رواه الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة (ص ٥٧٦ ، الباب ٥٤) عن غياث بن ابراهيم ، عن الصادق (ع) ، عن آبائه (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «كلّ ما كان في الأمم السالفة فإنّه يكون في هذه الأمّة مثله ، حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة».

والمقدمة الثانية : وقوع التحريف في التوراة والانجيل فقال النوري في فصل الخطاب (ص ٣٥) : «وقوع التغيير والتحريف في الكتابين وأنّ الموجود بأيدي اليهود والنصارى غير مطابق لما نزل على موسى وعيسى ـ على نبيّنا وآله وعليهما‌السلام ـ بمكان من الوضوح ؛ بل هو مقطوع به بعد ملاحظة الآيات الكثيرة والأخبار المتواترة وإجماع المسلمين. بل ملاحظتهما في أنفسهما كافية في إثبات المطلب ومغن عن الاستدلال عليه بها وقد تعرض جماعة لذكر الشواهد الداخلية فيهما الدالة على المغايرة بينهما وبين ما نزل عليهما ـ عليهما‌السلام ـ ونحن نشير إلى بعضها ...».

ثمّ برهن المحدث النوري (إلى ص ٥٣) على وقوع التحريف في التوراة والإنجيل.

(٢). أمّا منع الصغرى وهي وقوع التحريف في التوراة والإنجيل فلأنّ ما نطق به القرآن وشهدت به الأخبار هو التحريف المعنوي لا اللفظي بتبديل النصّ أو الزيادة أو النقص ؛ إذ تأريخ العهدين يشهد بضياع نسخهما الأصلية قبل مجيء الإسلام بقرون وأنّ الموجود منهما تراجم ناقصة والتحريف اللفظي وقع في هذه التراجم. وقد ذكر الاستاذ في صيانة القرآن من التحريف (ص ١٣٣ ـ ١٥٠) فهرسا موجزا عن تأريخ الكتابين وقصة حياتهما فلاحظ تفصيل ذلك فيها.

٣٩

وكالتمسك بالأخبار الواردة أنّ القرآن عند الأئمة ويظهره المهدي عجل الله فرجه. (١)

وفيه أنّه لا ينافي القول بعدم التحريف ، إذ القرآن مع جميع تأويلاته وبطونه ومراداته وأمثاله وكيفية نزوله عندهم. (٢)

وكالتمسك بأخبار (٣) «اقرأ القدر كما أنزلت لا كما يقرؤها الناس»

__________________

ـ وامّا منع الكبرى فقال المحقق الخوئي في البيان (ص ٢٢٠ ـ ٢٢١) ما موجزه :

الروايات المشار إليها أخبار آحاد لا تفيد علما ولا عملا ، ودعوى التواتر فيها جزافية ولم يذكر من هذه الروايات شيء في الكتب الأربعة. وكثير من الوقائع التي حدثت في الامم السابقة لم يصدر مثلها في هذه الامة كعبادة العجل ، وتيه بني إسرائيل أربعين سنة ، وغرق فرعون وأصحابه وملك سليمان للإنس والجن ... وهذا أدلّ الدليل على عدم إرادة الظاهر من تلك الروايات ، فلا بد من إرادة المشابهة في بعض الوجوه ويكفي في صحّة التشابه ووقوع التحريف عدم اتباعهم لحدود القرآن وإن أقاموا حروفه كما في الرواية التي تقدمت (الباقر (ع) في رسالته إلى سعد الخير : «وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده ...»).

(١). فمن تلك الروايات ما رواه المفيد في الإرشاد (ج ٢ ، ص ٣٨٦) مرسلة عن جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر (ع) قال : «إذا قام قائم آل محمّد (ص) ضرب فساطيط لمن يعلّم الناس القرآن ، على ما أنزل الله. فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم ، لأنّه يخالف فيه التأليف».

ومنها : ما رواه في الكافي (ج ١ ، ص ٢٢٨) بإسناده عن جابر قال : سمعت أبا جعفر (ع) يقول : «ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما أنزل إلّا كذّاب ، وما جمعه وحفظه كما نزّله الله تعالى إلّا عليّ بن أبي طالب والأئمة من بعده عليهم‌السلام».

ومنها : ما رواه في الكافي (ج ١ ، ص ٢٢٨) بإسناده عن جابر ، عن أبي جعفر (ع) قال : «ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ، ظاهره وباطنه غير الأوصياء».

(٢). أنظر للتفصيل صيانة القرآن من التحريف ، ص ٢٦٩ ـ ٢٧١ ؛ البيان ، ص ٢٢٣.

(٣). كذا ، والظاهر : بخبر.

٤٠