الوهابيّة في الميزان

الشيخ جعفر السبحاني

الوهابيّة في الميزان

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٣
ISBN: 964-357-970-5
الصفحات: ٣٤٤

النيسابوري : إنّ الحديث صحيح ولكنّه غير معمول به ، لأنّ قادة الإسلام ـ في شرق الأرض وغربها ـ جرت سيرتهم على الكتابة على القبر ، خَلَفاً عن سَلَف.

وجاء في صحيح النسائي ـ باب البناء على القبر ـ هذا الحديث بطريقين وصورتين هما :

٧. أخبرنا يوسف بن سعيد قال : حدّثنا حجّاج عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزّبير أنّه سمع جابراً يقول : نهى رسول الله عن تجصيص القبور أو يُبنى عليها أو يَجلِس عليها أحد.

٨. أخبرنا عمران بن موسى قال : حدّثنا عبد الوارث قال : حدّثنا أيّوب ، عن أبي الزّبير ، عن جابر قال : نهى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ عن تقصيص القبور. (١)

وجاء في سنن أبي داود ج ٣ ، ص ٢١٦ ـ باب البناء على القبر ـ حديث جابر بطريقين وصورتين هما :

٩. حدّثنا أحمد بن حنبل ، حدّثنا عبد الرزّاق ، حدّثنا ابن جُريج ، أخبرني أبو الزُّبير ، أنّه سمع جابراً يقول : سمعتُ النبيّ نهى أن يُقعد على القبر وأن يُجصَّص ويُبنى عليه.

١٠. حدّثنا مُسدّد ، وعثمان بن أبي شيبة قالا : حدّثنا حفص بن غياث ، عن ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، وعن أبي الزبير ، عن جابر بهذا الحديث.

قال أبو داود : قال عثمان : «أو يُزاد عليه» وزاد سليمان بن موسى : «أو أن يُكتَب عليه».

أمّا أحمد بن حنبل ـ إمام الحنابلة ـ فقد روى الحديث في مسنده على الشكل التالي:

__________________

(١) صحيح النسائي : ٤ / ٨٧ ـ ٨٨ ، المطبوع مع شرح الحافظ السيوطي.

٦١

١١. عن عبد الرّزّاق عن ابن جريج : أخبرني أبو الزّبير أنّه سمع جابر بن عبد الله يقول : سمعتُ النبيّ يَنهى أن يقعد الرجل على القبر وأن يُجَصَّصَ وأن يُبنى عليه. (١)

هذا ما روي عن جابر في هذا الموضوع ، ذكرناه بألفاظه المختلفة وأسناده المتعدّدة والآن يأتي دور البحث والتحقيق فيها ، لنرى هل يصلح للاستدلال أم لا؟

نقاط الضعف في الحديث

حديث جابر هذا ، فيه مجموعة كبيرة من نقاط الضعف ، بحيث تسقطه عن الحجّية والاعتبار ، ولا يمكن الاستدلال به بأيّ وجه. ونذكر فيما يلي نقاط الضعف فيه :

أوّلاً : لقد جاء في جميع أسناده اسم ابن جُريج (٢) وأبو الزبير (٣) كلاهما معاً ، أو بصورة منفردة ، فإذا عرفنا هويّة هذين الراويين وأحوالهما ، فلا حاجة إلى معرفة حال الرواة الآخرين فيه ، بالرغم من وجود مجهولين أو ضعاف الحديث فيه.

في كتاب «تهذيب التهذيب» لابن حجر العسقلاني تقرأ رأي علماء الرجال في ابن جُريج فيما يلي :

سئل يحيى بن سعيد عن حديث ابن جُريج فقال : ضعيف. فقيل له : إنّه يقول : أخبرني ، قال : لا شيء ... كلّه ضعيف. (٤)

__________________

(١) مسند أحمد : ٣ / ٢٩٥ ، ٣٣٢ ، رواه أيضاً مُرسلاً عن جابر في ص ٣٩٩.

(٢) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج الأُموي.

(٣) هو محمّد بن مسلم الأسدي.

(٤) تهذيب التهذيب : ٦ / ٤٠٦.

٦٢

وقال أحمد بن حنبل : إذا قال ابن جُريج : قال فلان وقال فلان ، وأُخبرتُ ، جاء بمناكير. (١)

أي : أحاديثه منكرة ومجهولة ، أو أنّها منكرات.

وقال مالك بن أنس : كان ابن جُريج حاطب ليل. (٢)

وقال الدار قطني : تجنَّب تدليس ابن جُريج ، فإنّه قبيح التدليس ، لا يُدلِّس إلّا فيما سمعه من مجروح.

وقال ابن حبان : كان ابن جُريج يُدلّس في الحديث. (٣)

بالله عليك ـ أيّها القارئ ـ هل يجوز الأخذ برواية هذا الرجل مع ما ورد فيه من الذمّ والقدح والتضعيف من علماء الرجال؟!!

وهل يجوز أن نُعرض عن سيرة المسلمين ـ القائمة على البناء على قبور أولياء الله واحترامها ـ استناداً إلى حديث هذا الراوي المدلِّس؟!!

وهل يجوز أن نرمي المسلمين بالشرك والكفر والزندقة ، لأنّهم يُحيون السنّة الإسلامية وينتهجون سيرة السلف الصالح في البناء على القبور وزيارتها واحترامها؟!

هذا بعض ما يتعلّق بابن جُريج.

وأمّا أبو الزبير ، فهذا ابن حجر يذكر أقوال علماء الرجال فيه فيما يلي :

عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه إمام الحنابلة ، عن أيّوب أنّه كان يعتبر أبا الزبير ضعيف الرواية.

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) تهذيب التهذيب : ٦ / ٤٠٤. (حاطب ليل) ، ـ في أصل معناه ـ : جامع الحطب في الليل ، حيث لا يرى ما يجمع ، ويُضرب به المَثل أن يجمع كلّ شيء لا يُميِّز الجيّد من الرديء.

(٣) تهذيب التهذيب : ٦ / ٤٠٢ ، ٥٠٦ طبعة دار المعارف النظامية.

٦٣

وعن شُعبة : أنّ أبا الزبير ما كان يُحسن الصلاة.

وعن شعبة أيضاً أنّه قال :

لم يكن في الدنيا أحبّ إليّ من رجل يقدم فأسأله عن أبي الزبير ، فقدمت مكّة فسمعتُ منه ، فبينا أنا جالس عنده إذ جاءه رجل فسأله عن مسألة ، فردّ عليه فافترى عليه.

فقلت : يا أبا الزبير تفتري على رجل مسلم؟!

قال : إنّه أغضبني.

قلت : ومن يُغضبك تفتري عليه؟! لا رويتُ عنك شيئاً.

وعن ورقاء قال :

قلت لشعبة : ما لك تركت حديث أبي الزبير؟

قال : رأيته يَزِنْ ويسترجع في الميزان.

وقال ابن أبي حاتم :

سألتُ أبي عن أبي الزبير؟

فقال : يُكتب حديثه ولا يُحتج به.

قال : وسألت أبا زرعة عن أبي الزبير؟

فقال : يروي عنه الناس.

قلت : يُحتجّ بحديثه؟

قال : إنّما يُحتجُّ بحديث الثقات. (١) «كناية عن أنّه ليس بثقة».

نعم يا أخي ... هذا حال ابن جريج وأبي الزبير ، وهما من رواه حديث جابر في جميع أسناده ، فهل يمكن الاستدلال بحديث فيه هذان الراويان؟!

__________________

(١) تهذيب التهذيب : ٩ / ٤٤٠ برقم ٧٢٧ ، في ترجمة أبي الزبير محمد بن مسلم الأسدي.

٦٤

وقد سبقت الإشارة إلى أنّ في سند هذا الحديث رواة ضعافاً غير ابن جريج وأبي الزبير ، كعبد الرحمن ابن أسود المتَّهم بالكذب والوضع.

فهل يجوز هدم آثار أهل بيت النبوّة والرسالة ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ وهدم آثار الصحابة ، ونسبة الخطأ والانحراف إلى المسلمين طوال أربعة عشر قرناً ، كلّ ذلك اعتماداً على هذا الحديث الضعيف المردود المرفوض الساقط؟!

ثانياً : إنّ حديث جابر مضطرب جداً من حيث النصّ والألفاظ ، وهذا الاضطراب يدلّ على أنّ رواة هذا الحديث كانوا فاقدين للضبط والتدقيق في الرواية ، مع العلم أنّ الضبط شرطٌ في الراوي ، وهذا الاضطراب يمنع الاطمئنان بهذا الحديث ويسلب الثقة والاعتماد عليه.

وإليك تفصيل البحث :

لقد روي حديث جابر بخمس صور ، مع العلم أنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ نطق به بصورة واحدة ، وإليك توضيح الصّور الخمس :

١. النهي عن التجصيص والكتابة والبناء والمشي عليه ، رقم ٤.

٢. النهي عن القعود على القبر والتجصيص والبناء عليه والكتابة ، ذيل رقم ١٠ والفرق هو انّ الحرام على الأوّل هو المشي ، وعلى الثاني هو القعود.

٣. النهي عن تجصيص القبر والقعود والبناء عليه. رقم ١ ، ٢ ، ٧ ، ٩ ، ١٠ ، ١١

٤. النهي عن خصوص التجصيص ، رقم ٣ ، ٥ ، ٨

٥. النهي عن خصوص الكتابة رقم ٦.

وبعد هذا كلّه انظر إلى الاختلاف والتباين في متون الحديث وعباراته.

٦٥

فمع هذا الاضطراب والاختلاف ـ في الحديث ـ لا يمكن ـ لأيّ فقيه ـ أن يثق به ويعتمد عليه.

ثالثاً : إنّ هذا الحديث ـ على فرض صحّته والغضّ عن اضطرابه ـ لا يدلّ على أكثر من نهي النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ عن البناء على القبور ، ولكن النهي لا يدلّ على الحرمة ، لأنّه قسمان : نهي تحريم ونهي كراهة ، والقسم الثاني كثير جداً في أحاديث النبي والأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام.

صحيح أنّ الأصل في النهي التحريم ، وأنّه حقيقة فيه حتّى يثبت دليل يصرفه عن التحريم إلى الكراهة ، ولكن العلماء والفقهاء لم يستنبطوا من ذلك إلّا الكراهة فقط ، فترى ـ مثلاً ـ الترمذي يذكر هذا الحديث في صحيحه تحت عنوان : كراهية تجصيص القبور و... وأوضح شاهد على الكراهة هو أنّ السندي ـ شارح صحيح ابن ماجة ـ يذكر عن الحاكم النيسابوري أنّه قال : لم يعمل بهذا النهي أحد من المسلمين ، فهو لم يعتبر النهي تحريمياً ، بدليل أنّ سيرة المسلمين قائمة على الكتابة على القبور.

وممّا يشهد أيضاً على أنّ النهي نهي كراهة هو اتّفاق المذاهب الإسلامية على جواز البناء على القبر إلّا إذا كانت الأرض موقوفة شرعاً.

يقول شارح صحيح مسلم ـ في شرح هذا الحديث ـ :

«أمّا البناء فإن كان في ملك الباني فمكروه ، وإن كان في مقبرة مُسبَّلة (١) فحرام ، نصّ عليه الشافعي والأصحاب». (٢)

وممّا لا يحتاج إلى بيان هو أنّ الشيء المكروه قد ترتفع كراهيّته بالنظر إلى

__________________

(١) مُسْبَلة : موقوفة في سبيل الله.

(٢) هامش صحيح مسلم : ٣ / ٦٢ ، طبعة مصر.

٦٦

بعض الأُمور الأُخرى ، فمثلاً : إذا صار البناء على القبر سبباً لحفظ أصالة الإسلام وإظهار المودّة لصاحب ذلك القبر الّذي فرض الله تعالى محبّته ومودّته أو يكون سبباً لصيانة الشعائر الإسلامية أو يؤدّي إلى تجمّع الزوّار ـ تحت البناء ـ لتلاوة القرآن والدعاء ، فبالقطع واليقين أنّ الكراهة لا ترتفع فحسب ، بل يكون ذلك أمراً مستحبّاً محبوباً مطلوباً مرغوباً فيه.

إنّ ممّا لا شكّ فيه : أنّ الحكم المكروه أو المستحبّ قد يتغيّر بسبب عناوين وعوامل أُخرى ، فكم من المكروهات الّتي ينتقل حكمها إلى الاستحباب لعوامل خاصّة ، وكم من المستحبّات الّتي تنقلب مرجوحة لنفس السبب ، ذلك لأنّ استحباب الشيء وكراهيّته ليس معناه إلّا المقتضي للمحبوبيّة أو المرجوحيّة ، وهذه المقتضيات تكون نافذة مع عدم المانع من الاقتضاء والتأثير ، فمثلاً : النار تقتضي الإحراق بشرط أن لا يكون الحطب رطباً ، والدواء يقتضي برء المريض بشرط عدم المانع ، وهذه بحوث واضحة لمن له إلمام بالفقه الإسلامي.

٦٧

الاستدلال بحديثين آخرين

إتماماً للبحث نذكر حديثين آخرين تمسّك بهما الوهّابيّون في هذا المقام وهما :

روى ابن ماجة في صحيحه ما يلي :

١. حدّثنا محمّد بن يحيى ، حدّثنا محمّد بن عبد الله الرِّقاشي ، حدّثنا وهب ، حدّثنا عبد الرّحمن بن يزيد بن جابر ، عن القاسم بن مُخَيمَرة ، عن أبي سعيد : إنّ النّبيّ نهى أن يُبْنى عَلَى القَبْرِ. (١)

ويذكر أحمد بن حنبل حديثاً آخر بسندين هما :

٢. حدّثنا حسن ، حدّثنا ابن لَهيعة ، حدّثنا بُريد بن أبي حبيب ، عن ناعم مولى أُمّ سلمة ، عن أُمّ سلمة قالت : نهى رسول الله أن يُبْنى عَلى الْقَبْرِ أو يُجَصَّص.

٣. عليُّ بن إسحاق ، حدّثنا عبد الله بن لَهِيعَة ، حدّثني بريد بن أبي حبيب ، عن ناعِم مولى أُمّ سلمة أنّ النّبي نهى أن يُجَصَّص قَبرٌ أو يُبنى عليه أو يُجْلَس. (٢)

بالنسبة إلى الحديث الأوّل فيكفي في ضعفه أنّ من رواته رجل اسمه «وهب» وليس معلوماً حاله ، لأنّ هناك ١٧ رجلاً كلّ واحد منهم اسمه «وهب» من دون تمييز أو تشخيص ، وفيهم الوضّاعون والكذّابون (٣) وليس واضحاً أنّ وهب

__________________

(١) صحيح ابن ماجة : ١ / ٤٧٤.

(٢) مسند أحمد : ٦ / ٢٩٩.

(٣) ميزان الاعتدال : ٣ / ٣٥٠ ـ ٣٥٥.

٦٨

ـ في هذا الحديث ـ من هو؟! فالرواية ساقطة.

وأمّا الحديث الثاني والثالث فهما ساقطان أيضاً ، لوجود عبد الله بن لهيعة في سنده.

وفيه يقول الذهبي :

قال ابن معين : ضعيف لا يُحتَجّ به.

قال الحميدي ، عن يحيى بن سعيد : إنّه كان لا يراه شيئاً. (١)

نحن لا نناقش سند هذين الحديثين ، ونكتفي بالإشارة إلى نقطة هامّة وهي أنّ جميع المؤرّخين والمحدّثين وأهل السِّيَر ذكروا بأنّ جسد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قد دفن في بيت عائشة ، بموافقة الصحابة ، وقد تمّ انتخاب بيتها للدفن استناداً إلى ما روي عنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بأنّ كلّ نبي يُدفن في المكان الّذي يموت فيه. (٢)

والآن ... يأتي هذا السؤال : إذا كان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قد نهى عن البناء على القبر ، فكيف دفنوا جسده الطيّب الطاهر في بيتٍ مسقَّف ، ثمّ أقاموا جداراً في وسط البيت ، فصار للقبر الشريف بناء يقصده المؤمنون ويزوره المسلمون؟!

ومن المضحك ـ في هذا المجال ـ هو قول أحد الكتّاب الوهّابيّين :

إنّ الحرام هو البناء على القبر لا الدفن تحت البناء ، وقد دفنوا النبي تحت البناء ولم يبنوا على قبره شيئاً. (٣)

إنّ هذا الكاتب اضطرّ إلى هذا القول ، لكونه يرى قبر رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ مُشيّداً بالبناء والقبَّة ، ولو لا ذلك لحكم بحرمة الدفن في البيت أيضاً.

__________________

(١) ميزان الاعتدال : ٢ / ٤٧٦ تحت عنوان : عبد الله بن لهيعة ؛ تهذيب التهذيب : ١ / ٤٤٤.

(٢) مسند أحمد : ١ / ٧ ؛ صحيح الترمذي : ٢ / ١٣٩ ؛ طبقات ابن سعد : ٢ / ٧١ وغيرها.

(٣) كتاب رياض الجنة : بقلم مقبل بن الهادي الوادي ، طبعة الكويت.

٦٩

فانظر كيف يُفتي من تلقاء نفسه بغير ما أنزل الله ، إرضاءً لهواه وتجاوباً مع اتّجاهه المنحرف!!!

ونحن نسأل هذا الوهّابي : هل أنّ الحرام هو البناء على القبر فقط ، لكن إبقاء البناء ليس حراماً؟!

أم أنّ البناء ـ إيجاداً وإبقاءً ـ حرام؟!

إذا كان الحرام هو البناء فقط فنحن نسأل : لما ذا أقدمت الحكومة السعودية ـ ظلماً وزوراً ـ على هدم آثار النبوّة ومراقد الأئمّة الطاهرين ـ عليهم‌السلام ـ وقبور الصحابة وأبناء رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ مع العلم أنّ الحرام ـ عندكم ـ هو إقامة البناء فقط لا الإبقاء على البناء؟!!

وبالإضافة إلى ذلك ... إنّ هذا الحكم هو خلاف ما أفتى به أسلافكم ـ كابن القيّم وابن تيميّة ـ حيث يقول الأوّل :

يجب هدم المشاهد الّتي بُنيت على القبور ولا يجوز إبقاؤها ـ بعد القدرة على هدمها وإبطالها ـ يوماً واحداً.

فعلى هذا الأساس لا يستطيع هذا الوهّابيّ أن يقول بحرمة البناء فقط ، كي لا يُخالف من سبقوه إلى النار ، ولا مناصّ له من الحكم بحرمة البناء إيجاداً وإبقاءً.

هنا يأتي هذا السؤال : لما ذا دفن المسلمون جسد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ تحت البناء؟

صحيح أنّهم لم يقيموا على قبره البناء ، إلّا أنّ الدفن هناك أدّى إلى أن يكون للقبر بناء وسقف.

وترى هذا الوهّابي المعاند يحاول الفرار والتخلّص من هذا السؤال فيفتي من نفسه بغير ما أنزل الله ـ كما هو عادتهم ـ ويقول : ما معناه ـ إنّ الإبقاء الحرام

٧٠

هو للبناء الّذي بُني على القبر ، أمّا إذا كان البناء سابقاً على الدفن فليس الإبقاء عليه حراماً.

فانظر كيف يُفرّق في الحكم ويفتي من تلقاء نفسه ، تبريراً لما قام به المسلمون يومذاك ، ومحاولاً التملّص من الحقّ الّذي يُلاحقه ويصدمه.

التناقض بين الوهّابية وسيرة المسلمين

هذه النقطة ـ الّتي سبق الحديث عنها ـ ليست هي النقطة الوحيدة الّتي يتجلّى فيها التناقض بين الوهّابيّة وسيرة المسلمين طوال أربعة عشر قرناً.

بل أنّ التناقض في موارد أُخرى كثير جدّاً ، فمثلاً : يعتبر الوهّابيّون التبرّك بآثار النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ حراماً ، وينهون عنه بشدّة ويقولون ـ دائماً ـ إنّ الحجر والطين لا ينفعان شيئاً ، ولكنّك ترى المسلمون يتزاحمون على الحجر الأسود لتقبيله ولمسه والتبرّك به ، ويتهافتون على كسوة الكعبة للتمسّح بها وبالكعبة وتقبيلهما ووضع الخدّ عليهما ، فالمسلمون يقبّلون الحجر والطين ويخالفون الوهّابيّة الّتي تقول بأنّ الحجر والطين لا ينفعان.

وكذلك يحرّم الوهّابيّون بناء المساجد بجوار مراقد الأولياء ، في حين أنّه توجد في كلّ البلاد الإسلامية مساجد مشيَّدة بجوار المشاهد ، حتّى في أرض «أُحد» كان مسجد بجوار قبر سيّدنا حمزة ـ رضوان الله عليه ـ ولمّا احتلّ الوهّابيّون تلك البقاع المقدّسة عمدوا إلى هدم المسجد وطمس آثاره!!!

والآن ترى المرقد الطاهر لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ واقعاً في وسط المسجد ، والمسلمون يقيمون الصلاة لله من أطرافه وجوانبه الأربعة. وكم لهذه القضايا من نظير ومثيل ، فانظر إلى البون الشاسع بين الوهّابيّة وسيرة المسلمين ، ممّا يدلّ على انفصال الوهّابيّة عن الإسلام ، وانفصال الوهّابيّين عن المسلمين.

٧١

اختلاق الأدلّة الواهية تبريراً لجريمة هدم مراقد الأئمّة ـ عليهم‌السلام

لقد لجأ الوهّابيّون إلى اختلاق الأدلّة الواهية الّتي تبرّر لهم هدم المراقد الطاهرة والقباب الشريفة للأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام في البقيع ، وممّا قالوا ـ في هذا المجال ـ : إنّ البقيع أرض موقوفة ، ويجب أن يُستفاد منها لنفس الغرض الّذي وقفها صاحبها ، ويجب القضاء على كلّ ما يوجب الحدّ من الاستفادة عن الغرض المقصود ، والبناء ونصب الأعمدة والجدران في هذه الأرض يوجب الحدّ من الاستفادة من جزء منها ، فأرض البقيع موقوفة لدفن الموتى ، ومن الواضح أنّ نصب الأعمدة والجدران ـ للبناء ـ يحتلّ جزءاً من الأرض ، إذ لا يمكن الدفن تحت الأعمدة والجدران ، وهذا يؤدّي إلى الحدّ من الاستفادة للغرض المقصود ، ولهذا تجب إزالة ما على هذه الأرض من بناء كي يمكن الدفن في كلّ بقعة فيها.

الجواب والردّ

لا شكّ أنّ هذا النوع من الاستدلال ليس إلّا تسرّعاً في الحكم وابتعاداً عن الحقّ ، يريد به القاضي الوهّابي القضاء على آثار أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ بأيّ وجه كان ، وحتّى لو أفلس من الأدلّة فإنّه يأمر بالهدم بحكم القوة والعنف والزور ، وما هذا الدليل إلّا للتمويه على عوام المسلمين وبسطائهم بأنّه يفتي بما أنزل الله ، ولهذا تراه يعتبر البقيع أرضاً موقوفة للدفن.

ولكن هذا الدليل ـ كسائر أدلّتهم ـ باطل من عدّة وجوه :

الأوّل : لم يرد في أيّ كتاب ـ من كتب التاريخ والحديث ـ ما يشير إلى أنّ أرض البقيع موقوفة ، ولم يصرّح به أحد من المؤرّخين والمحدّثين. هذه كُتب التاريخ بين يديك ، لا ترى فيها أثراً لهذا القول ، بل أنّه يُحتمل قويّاً أنّ البقيع

٧٢

كانت أرضاً مواتاً متروكة كسائر الأراضي الموات ، وكان أهل المدينة يدفنون موتاهم فيها ، وعلى هذا فأرض البقيع كانت من «المباحات الأوّلية» الّتي يجوز التصرّف فيها مطلقاً ، بأيّ شكل كان.

لقد كان الناس ـ في العهود السابقة ـ غير حريصين على تملّك الأراضي البائرة الموات ، إذ لم تكن الإمكانيّات متوفّرة لديهم للقيام بالبناء والعمران إلّا قليلاً ، كما لم تبدأ ـ يومذاك ـ هجرة أهل القرى إلى المُدن ، ولم تكن هناك مشكلة باسم مشكلة «الأرض» وأفراد باسم «محتكري الأرض» ومؤسّسات عقاريّة باسم «بورصة الأراضي» ولهذا فإنّ أراضي واسعة كانت متروكة بلا مالك ، وهي ما يُعبّر عنها في الشريعة الإسلامية ب «المباحات» و «الأراضي الموات».

وقد جرت العادة ـ في المدن والقرى ـ بأن يُخصِّص الناس قطعة من الأرض لدفن الموتى فيها ، أو كان واحد منهم يَدفن فقيده في أرض ، ويتبعه الآخرون في ذلك ، من دون التفات إلى الوقف أصلاً.

وأرض البقيع ليست مستثناة من هذه القاعدة ، فلم تكن الأرض ـ في الحجاز والمدينة ـ ذات قيمة ، ومع وجود هذه الأراضي الموات المحيطة بالمدينة لم يكن يُقدم إنسان على وقف أرض زراعية ـ مثلاً ـ لدفن الموتى ، لأنّ الأراضي الزراعية كانت قليلة ، بعكس الأراضي الموات فإنّها كانت كثيرة ومن المباحات الأوّلية.

والجدير بالذكر أنّ التاريخ أيضاً يؤكّد هذه الحقيقة. يقول السمهودي في كتاب «وفاء الوفا» :

«أوّل من دفن رسول الله بالبقيع : عثمان بن مظعون ... ولمّا توفّي إبراهيم بن رسول الله أمر أن يُدفن عند عثمان بن مظعون ، فرغب الناس في البقيع وقطعوا

٧٣

الشجر ، فاختارت كلّ قبيلة ناحية ، فمن هنالك عرفت كلُّ قبيلة مقابرها ....

كان البقيع غرقداً (١) فلمّا هلك عثمان بن مظعون ودُفن في البقيع قُطع الغرقد عنه».(٢)

لقد ظهر من كلام السمهودي ـ أنّ أرض البقيع كانت مواتاً ، وتمّ تقسيمها إلى عدّة قطع بعد ما دُفن أحد الصحابة فيها ، وخُصّصت كلّ قطعة منها لقبيلة من القبائل وبيتٍ من البيوتات ، أمّا أن تكون موقوفة فلا ترى لها أثراً في التاريخ ، بل يُستفاد من التاريخ أنّ البقعة الّتي تحتضن أجساد الأئمّة الطاهرين ـ عليهم‌السلام ـ في البقيع كانت داراً لعقيل بن أبي طالب ، وأنّ تلك الأجساد الطاهرة إنّما دُفنت في دار تعود إلى بني هاشم.

يقول السمهودي :

دُفن العباس بن عبد المطّلب عند قبر فاطمة بنت أسد ابن هاشم في أوّل مقابر بني هاشم الّتي في دار عقيل.

ويقول أيضاً :

عن سعيد بن محمّد بن جبير أنّه رأى قبر إبراهيم ابن رسول الله عند الزوراء ... وهي الدار الّتي صارت لمحمّد بن زيد بن علي ....

وأنّ سعد بن معاذ دفنه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في طرف الزقاق الّذي يلزق دار المقداد بن الأسود ... وهي الدار الّتي يقال لها : دار ابن أفلح ، في أقصى البقيع ، عليها جُنبذة (٣). (٤)

__________________

(١) الغرقد : شجر مخصوص وهو يتواجد كثيراً في صحاري المدينة المنوّرة وأطرافها.

(٢) وفاء الوفا : ٢ / ٨٤.

(٣) الجنبذة : القبّة.

(٤) وفاء الوفا : ٢ / ٩٦.

٧٤

هذه العبارات بمجموعها تؤكّد على أنّ أرض البقيع لم تكن وقفاً ، وأنّ أجساد الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام إنّما دُفنت في بيوتهم المملوكة.

بعد كلّ ما سبق ، هل يصحّ هدم آثار آل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وتسويتها مع الأرض بحجّة أنّها لا تنسجم مع الوقف؟!

ولو فرضت ـ جَدَلاً ـ أنّ أرض البقيع موقوفة ، فهل هناك ما يُثبت كيفية وقفها؟! ولعلّ مالك الأرض قد سمح بإقامة البناء والقباب على قبور الشخصيّات المرموقة الّتي تُدفن فيها؟!

نحن لا نعلم تفصيل الموضوع ، والشيء الّذي نعلمه هو أنّ المسلمين أقاموا البناء والقباب على تلك القبور ، ويجب حمل فعل المسلم على الصحّة والابتعاد عن اتّهامه ونسبة المعصية إليه.

وعلى هذا الأساس فإنّ هدم تلك القباب المقدّسة والأبنية المحترمة يُعتبر حراماً بيِّناً ومخالفةً قطعيّة للأحكام الشرعيّة.

وكان القاضي ابن بليهد وأتباعه يعلمون جيّداً أنّ فكرة وقفيّة البقيع ليست إلّا استدلالاً مصطنعاً ، وحتّى لو لم يرسم لهم الشيطان هذا الدليل الواهي ، لكانوا يهدمون آثار آل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بلا تردّد ، ذلك لأنّ هذا المرَّة ليست هي المرّة الأُولى الّتي تقوم فيها الوهّابيّة بهدم آثار الرسالة والإسلام ، بل إنّ المرة الأُولى كانت في سنة ١٢٢١ ه‍ عند ما سيطروا ـ لأوّل مرّة ـ على المدينة المنوَّرة وهدموا تلك الأبنية والآثار ، ثمّ أُعيد بناؤها بعد دحر الوهّابيّين وطردهم من المدينة على يد القوات العثمانية.

٧٥
٧٦

الفصل الثالث :

بناء المسجد بجوار المراقد المشرَّفة

استدلّ الوهّابيّون على حرمة بناء المسجد بجوار قبور الأنبياء والصالحين بما روي «أنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لعن اليهود والنصارى لأنّهم اتّخذوا قبور أنبيائهم مسجداً» فيكون بناء المسجد بجوار قبور الأولياء محكوماً بما ورد في هذا الحديث؟!

الجواب : انّ القرائن الكثيرة تدل على المقصود ، هو بناء المسجد على قبور الأنبياء ، بُغيَة عبادتهم أو اتخاذ قبورهم قبلة ، وإليك البيان :

إنّ بناء المساجد بجوار قبور الصالحين لا مانع فيه أبداً ، لأنّه يندرج تحت الأُصول الإسلامية العامّة المجوّزة ذلك ، لأنّ الهدف من بناء المسجد هناك إنّما هو عبادة الله تعالى بجوار مثوى أحد أحبّائه وأوليائه الصالحين الّذي منح البركة والشرف لتلك الأرض الّتي دُفن فيها.

وبعبارة أُخرى : إنّ الهدف من تشييد المساجد هناك هو التشجيع على أداء الفرائض الشرعية والعبادات ، قبل زيارة ذلك القبر أو بعده.

وعلى أساس أنّ زيارة القبور ليست محرّمة ـ حتّى عند الوهّابيّين ـ وكذلك إقامة الصلاة قبل الزيارة أو بعدها ، فلا معنى للقول بحرمة بناء المسجد ـ بجوار قبور الصالحين ـ لعبادة الله وأداء فرائضه الشرعية.

إنّ التأمّل في قصة أصحاب الكهف يكشف لنا عن أنّ بناء المسجد بجوار

٧٧

القبر كان سُنّة متَّبعة عند الأُمم والشرائع السابقة ، والقرآن الكريم يشير إلى تلك السنّة من دون أيّ ردّ أو نقد.

وقد سبقت الإشارة إلى أنّ أصحاب الكهف عند ما انكشف خبرهم ـ بعد ثلاثمائة وتسع سنين ـ اختلف الناس في نوعيّة احترامهم وتكريمهم وانقسموا إلى قسمين :

١. قسم قالوا : (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً).

وذلك لكي يكون تخليداً لذكراهم.

٢. والقسم الثاني ـ الّذي كسب الموقف في النهاية ـ دعا إلى بناء المسجد على الكهف كي يكون مركزاً لعبادة الله تعالى ، بجوار قبور أُولئك الذين رفضوا عبادة غير الله وخرجوا من ديارهم هاربين من الكفر ، ولاجئين إلى توحيد الله وطاعته.

وقد أجمع المفسّرون على أنّ الاقتراح الأوّل كان من المشركين ، بينما الاقتراح الثاني كان من المؤمنين الموحّدين (١) ولهذا يقول القرآن الكريم :

(... قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً). (٢)

وجاء في التاريخ أنّ العثور على أصحاب الكهف وانكشاف أمرهم كان في عصر انتصار التوحيد على الشرك ، وكان قادة المشركين ـ الداعين إلى عبادة الأصنام ـ مندحرين مغلوبين ، فاقتراح بناء المسجد جاء من المؤمنين بالله الموحّدين له سبحانه. فإذا كان بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها علامة على الشرك ، فلما ذا صدر هذا الاقتراح من المؤمنين؟!

__________________

(١) راجع تفسير الكشاف : للزمخشري ، وغرائب القرآن : للنيشابوري وغيرهما.

(٢) الكهف : ٢١.

٧٨

ولما ذا ذكر القرآن اقتراحهم من دون أيّ نقدٍ أو ردّ؟!

أليس ذلك دليلاً على الجواز؟

وليس صحيحاً ـ قطعاً ـ أن يذكر الله تعالى كلاماً للمشركين ويمرّ عليه بدون نقد إجمالي أو تفصيلي. أو يذكر اقتراحاً للمؤمنين فيه رائحة الشرك من دون إيعاز إلى ردّه.

إنّ هذا «تقرير» من القرآن على صحّة اقتراح أُولئك المؤمنين ، وهذا يدلّ على أنّ سيرة المؤمنين الموحّدين في العالم كلّه كانت جارية على هذا الأمر ، وكان يُعتبر عندهم نوعاً من الاحترام لصاحب القبر وتبرّكاً به.

لقد كان الأولى للوهّابيّين أن يعرضوا المسألة على القرآن أوّلاً ، ثمّ يبحثوا هنا وهناك عن حديث من الأحاديث الشريفة.

وفيما يلي نذكر ما تمسّكوا به في هذا المجال ، لتقف على ضعفه وبطلانه :

أدلّة الوهّابيّين على حرمة بناء المساجد بجوار قبور الصالحين

لقد تمسّك الوهّابيّون بمجموعة من الأحاديث على حرمة بناء المسجد عند قبور الصالحين ، وفيما يلي نذكر تلك الأحاديث مع المناقشة والتحقيق :

ذكر البخاري في صحيحه ـ باب كراهة اتخاذ المساجد على القبور ـ هذين الحديثين:

١. لمّا مات الحسن بن الحسن بن عليّ ، ضربت امرأته القُبّة على قبره سنة ، ثمّ رفعَتْ ، فسمِعُوا صائحاً يقُول : ألا هَلْ وَجَدوا ما فَقَدوا؟ فأجابهُ الآخَر : بل يَئِسُوا فانْقَلَبُوا.

٢. لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصارى اتَّخذوا قُبور أَنبيائِهِم مَسْجِداً.

٧٩

قالت عائشة : وَلَو لا ذلِكَ لأبْرزُوا قَبرَه ، غَيْرَ أنّي أخشى أن يُتَّخَذ مَسْجداً. (١)

وقد ذكر مسلم في صحيحه هذا الحديث الثاني مع اختلاف يسير ، وذكر أيضاً :

٣ .... ألا وَإِنَّ من كانَ قَبْلَكُمْ كانُوا يَتَّخِذُونَ قُبورَ أَنبيائِهِمْ وَصالِحيهِمْ مَساجِدَ ، ألا فَلا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَساجِدَ ، إنّي أنهاكُمْ عنْ ذلِكَ. (٢)

٤. إنّ أُمّ حَبيبَة وأُمّ سَلَمَة ذَكَرَتا كَنيسَةً رَأَيْنَها في الحَبَشة ، فيها تَصاوير ، لِرَسُول الله. فَقالَ رَسُولُ الله : إنّ أُولئِكَ إذا كانَ فيهمُ الرَّجُل الصّالحَ فماتَ ، بَنُوا عَلى قَبْرِهِ مَسْجِداً وَصَوَّرُوا فيهِ تِلْكَ الصُّوَر ، أُولئِكَ شِرارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَومَ القِيامَة. (٣)

ويروي النسائي ـ في سننه باب التغليظ في اتخاذ السُّرج على القبور ـ عن ابن عبّاس:

٥. لَعَن رَسُولُ الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ زائراتِ الْقُبُور والمُتَّخذينَ عَلَيها الْمَساجِدَ والسُّرج. (٤)

وترى ابن تيميّة ـ الّذي يعتبر المؤسّس لهذه العقائد الباطلة ، وتلميذه محمّد ابن عبد الوهّاب ـ يستند إلى هذه الأحاديث في حرمة بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها ، فيقول :

«قال علماؤنا : لا يجوز بناء المسجد على القبور». (٥)

__________________

(١) صحيح البخاري : ٢ / ١١١ ، كتاب الجنائز ؛ السُّنن للنسائي : ٢ / ٨٧١ ، كتاب الجنائز.

(٢) صحيح مسلم : ٢ / ٦٨.

(٣) صحيح مسلم : ٢ / ٦٦ ، كتاب المساجد.

(٤) السُّنن للنسائي : ٤ / ٧٧ ، طبعة مصطفى الحلبي.

(٥) زيارة القبور : ١٠٦.

٨٠