الوهابيّة في الميزان

الشيخ جعفر السبحاني

الوهابيّة في الميزان

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٣
ISBN: 964-357-970-5
الصفحات: ٣٤٤

٣. (... وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً). (١)

إنّ معنى قوله تعالى : (جاؤُكَ) أي : جاءوا إلى النبي وطلبوا منه الدعاء والاستغفار لهم ، ولو لا هذا لكان مجيئهم لغواً وباطلاً.

إنّ تشرُّفهم بالحضور عند النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وطلبهم الدعاء والاستغفار منه دليلٌ على حدوث ردّ فعلٍ في نفوسهم ، وحصول تغيير يُمهِّد الأرضية المناسبة لاستجابة الدعاء.

٤. يروي القرآن الكريم عن أولاد يعقوب ـ عليه‌السلام ـ أنّهم طلبوا من أبيهم أن يستغفر الله لهم ، فلبّى النبيّ يعقوب طلبهم ، ووفى بوعده ، قال تعالى :

(قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ * قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ...).(٢)

إنّ كلّ هذه الآيات تدلّ على أنّ طلب الدعاء من الأنبياء والصالحين ـ الّذي هو طلب الشفاعة أيضاً ـ لا يتنافى مع الأحكام الشرعية والقواعد والموازين الإسلامية.

أيّها القارئ الكريم : هناك أحاديث كثيرة بشأن طلب الدعاء من الأولياء الصالحين ، وقد صرفنا النظر عن ذكرها مراعاةً للاختصار.

٣. الأحاديث النبوية وسيرة الصحابة

روى الترمذي ـ في صحيحه ـ عن أنس أنّه قال :

«سَألتُ النّبيّ أن يَشْفَعَ لي يَوْمَ القِيامَةِ فَقالَ : أنا فاعِلٌ ، قُلْتُ : فأينَ

__________________

(١) النساء : ٦٤.

(٢) يوسف : ٩٧ ـ ٩٨.

٢٤١

أطْلُبُكَ؟ قال : عَلى الصِّراط». (١)

ويأتي سواد بن قارب إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ويطلب منه الشفاعة في أبياتٍ أنشدهن ... ومنها :

فكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعةٍ

بمُغنٍ فتيلاً عن سواد بن قارِب (٢)

وجاء في التاريخ : أنّ رجلاً اسمه «تُبَّع» كان قبل النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بأكثر من ألف سنة ، وكان قد بلغه أنّ نبيّ آخر الزمان سوف يظهر من مكّة ، فكتب كتاباً ودفعه إلى بعض أقربائه ، كي يُسلّموه إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وذكر فيه إسلامه وإيمانه وأنّه من أُمّة رسول الله ، وجاء فيه :

«فَإنْ لَمْ أُدْرِكْكَ فاشْفَعْ لي يَوْمَ الْقِيامَة ولا تَنْسني».

ومات الرجل وكان الكتاب ينتقل من واحد لآخر حتّى بُعث النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فلما وَصل الكتاب بيده قال ـ ثلاث مرّات ـ :

«مَرحَباً بالأخِ الصّالحِ». (٣)

فإذا كان طلب الشفاعة شركاً بالله ، لما عبّر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ عن تُبَّع ب «الأخ الصالح» ولما قال ثلاثاً : «مرحباً».

هذه بعض الأحاديث الّتي تثبت جواز طلب الدعاء والشفاعة من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في حياته الكريمة.

٤. طلب الشفاعة بعد الموت

ويُستفاد من مجموعة من الروايات أنّ الصحابة كانوا يطلبون الشفاعة من

__________________

(١) سنن الترمذي : ٤ / ٤٢ ، باب ما جاء في شأن الصراط.

(٢) الدرر السَّنيّة لزيني دحلان : ٢٩.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ١ / ١٦ ؛ بحار الأنوار : ١٥ / ٢٢٤.

٢٤٢

رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بعد وفاته ، وإليك بعض النماذج :

١. قال ابن عبّاس : لمّا فرغ أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ من تغسيل النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قال :

«بأبي أنتَ وأُمّي ... طِبْتَ حَيّاً وطِبْتَ مَيّتاً ... واذْكُرْنا عِنْدَ رَبِّك». (١)

٢. ويُروى أنّه لمّا توفّي رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كشف أبو بكر عن وجهه ثمّ أقبل عليه فقبّله ثمّ قال :

«بأبي أنتَ وأُمّي أمّا الموتة التي كتب الله عليك فقد ذُقتها ، ثمّ لن تصيبك بعدها موته أبداً». (٢)

إنّ هاتين الروايتين ـ وأمثالهما ـ تدلّ على أنّه لا فرق بين طلب الشفاعة من الشفيع في حياته وبعد وفاته ، وقد كان الصحابة يطلبون الدعاء من النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بعد وفاته ، فلو كان طلب الدعاء منه صحيحاً بعد وفاته فأنّ طلب الشفاعة ـ الّذي هو نوع من طلب الدعاء ـ سيكون صحيحاً أيضاً. (٣)

والخلاصة : بالاستناد إلى ما سبق من الآيات والروايات وسيرة المسلمين ـ على مرِّ العصور والقرون ـ يُعتبر جواز طلب الشفاعة أمراً بديهيّاً لا يترك أيّ مجال للشكّ فيه أبداً.

__________________

(١) نهج البلاغة : رقم الخطبة : ٢٣٠.

(٢) السيرة النبوية : ٢ / ٦٥٥ ـ ٦٥٦.

(٣) لقد أفردنا كتاباً حول الشفاعة وذكرنا فيه مائة حديث ، أربعة وأربعين منها من كتب أهل السنّة والباقي منها من كتب الشيعة ، فراجع لمزيد الاطّلاع.

٢٤٣
٢٤٤

الفصل الخامس عشر :

أدلّة الوهّابيّين على حرمة طلب الشفاعة

لقد ذكرنا في الفصل السابق أدلّة جواز طلب الشفاعة ـ من آيات وأحاديث ـ والآن جاء دور ذِكر أدلّة الوهّابيّين على حرمة ذلك ، ومناقشتها مناقشة موضوعية ل (يُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ).

لقد استدلّ الوهّابيّون على حرمة طلب الشفاعة بأُمور نذكرها فيما يلي :

١. طلب الشفاعة شرك بالله

إنّ ما تعنيه الوهّابيّة من الشرك هو الشرك في العبادة ، حيث إنّها تزعم أنّ طلب الشفاعة من الشفيع هو عبادته.

لقد تحدّثنا ـ في فصل سابق وبالتفصيل ـ عن العبادة ومعناها ، وذكرنا بأنّ أيّ طلب من الإنسان ـ حتّى طلب الشفاعة ـ إنّما يكون عبادة إذا كان مقروناً بالاعتقاد بأنّه : «إلهٌ وربٌّ» أو «مصدر لأفعال الله ومدبِّر مستقلّ لشئون الكون وقائم بما يرجع إليه سبحانه».

إنّ طالب الشفاعة من الشفعاء الصالحين ـ الذين أذن الله لهم بالشفاعة ـ إنّما يعتبرهم عباداً لله ، مقرَّبين لديه ، وُجهاء وكُرماء عنده ، وليس هناك أيّ اعتقاد بألوهيّتهم وربوبيّتهم أو كونهم مصدراً مستقلاً لأفعال الله تعالى أو أنّ الشفاعة

٢٤٥

والمغفرة قد فُوِّضت إليهم تفويضاً مطلقاً لا يحتاج إلى إذن الله سبحانه.

كلّا ، إنّ الشفعاء الصالحين إنّما يشفعون في إطار «إذن الله سبحانه» لمن يستحقّ الشفاعة ويليق بها ، بأن تكون علاقاتهم المعنوية متّصلة بالله ، غير مقطوعة عن الشفعاء.

ومن الواضح أنّ طلب الشفاعة من الميّت لو كان معناه عبادته ، لكان الطلب من الشفيع الحيّ عبادة له أيضاً.

وقد ذكرنا ـ في فصلٍ سابق ـ أنّ القرآن يدعو المسلمين إلى الحضور عند رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وطلب الاستغفار لهم من الله سبحانه ، وليس هذا الطلب سوى طلب الشفاعة من النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في حياته ، ولا يمكن أن يكون هذا العمل شركاً في زمان ، وتوحيداً في زمان آخر.

كما ذكرنا أيضاً ـ في فصل الاستعانة بأولياء الله ـ أنّ الاستشفاع بالوليّ الصالح إذا لم يكن باعتقاد ألوهيّته وربوبيّته فلا يُعتبر شركاً أبداً ، فمثلاً يقول تعالى :

(... وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). (١)

فيحصر الاستعانة بذاته المقدّسة ، ثمّ يقول سبحانه أيضاً :

(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ...). (٢)

فهل يقول قائل : إنّ الاستعانة بالصبر شركٌ بالله؟!

طبعاً ... لا ، لأنّ الاستعانة المحرّمة هي المقرونة بالإيمان بربوبيّة غير الله سبحانه ، وهذا ما لا يؤمن به أحد من المسلمين.

__________________

(١) الفاتحة : ٥.

(٢) البقرة : ٤٥.

٢٤٦

٢. المشركون والتشفّع بالأصنام

بعد إبطال الدليل الأوّل للوهّابيّة على حرمة طلب الشفاعة من الأولياء ، يأتي دور إبطال الدليل الثاني وهو : أنّ الله تعالى إنّما اعتبر عَبَدة الأصنام مشركين ، لأنّهم كانوا يطلبون الشفاعة من أصنامهم ، وكانوا يبكون أمامها ويطلبون الوساطة منها ، كما قال تعالى :

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ ...). (١)

وعلى هذا الأساس فإنّ مطلق طلب الشفاعة من غير الله يُعتبر شركاً بالله وعبادة للشفيع.

الجواب

أوّلاً : ليست في هذه الآية أيّة دلالة على ما ترتئيه الوهّابيّة أبداً ، لأنّ القرآن عند ما يعتبر أُولئك مشركين فليس لأجل طلبهم الشفاعة من الأصنام ، بل بسبب عبادتهم لها ، عبادة تؤدّي بهم إلى الاستشفاع بها أيضاً.

ولو كان مجرّد طلب الشفاعة من الأصنام عبادة لها وموجباً للشرك ، لما كانت هناك حاجة إلى قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا) بل كان قوله سبحانه : (وَيَعْبُدُونَ) كافياً لنسبة الشرك إليهم ، فعطف الجملة الثانية على الأُولى دليل على أنّهما شيئان مستقلّان ، وأنّ موضوع عبادة الأصنام يفترق عن موضوع طلب الشفاعة منهم.

فعبادتهم الأصنام دليل على كونهم مشركين بالله تعالى ، واستشفاعهم

__________________

(١) يونس : ١٨.

٢٤٧

بالحجر والخشب دليل على جهلهم وحمقهم وعدم معرفتهم.

والحاصل انّ المشركين كانوا يقومون بعملين مستقلّين : ١. يعبدون ما لا يضرهم ولا ينفعهم. ٢. يطلبون الشفاعة منهم عند الله وليست في الآية دلالة على أنّ طلب الشفاعة من الأصنام كان عبادة لها ، فكيف يمكن اعتبار الاستشفاع بأولياء الله دليلاً على عبادتهم؟!!

فالآية لا ترتبط بالبحث إطلاقاً.

ثانياً : لنفرض ـ جدلاً ـ أنّ علّة الشرك في أُولئك هو استشفاعهم بالأصنام ، ولكن بين استشفاع المشركين بالأصنام واستشفاع المسلمين بأولياء الله فرقٌ كبير وبُعدٌ واسع كما بين السماء والأرض ، لأنّ المشركين كانوا يعتبرون الأصنام مالكة للشفاعة والمغفرة ، ومشيئتهم نافذة بلا ريب ، فمن الواضح أنّ هذا النوع من الاستشفاع يعدّ عبادة للأصنام ، لأنّه مقرون مع الاعتقاد بربوبيّتها وألوهيّتها ومصدريّتها لأفعال الله وشئون الكون.

هذا ... في حين أنّ الإنسان المسلم يطلب الشفاعة والدعاء من الشفيع باعتباره عبداً مقرَّباً إلى الله ، وعبداً وجيهاً ، مأذوناً من عند الله في الشفاعة إذا رضي وأذن.

بالله عليك أيّها القارئ : ألا يكون القول بعدم الفرق بين هذين مخالفاً للعقل ومنافياً للمنطق وبعيداً عن الإنصاف؟!!

ألا تُدرك الفرق جيّداً بينهما كما تدرك الفرق بين ظلام الليل ونور النهار؟!!

٣. دعاء غير الله عبادة له

بعد إبطال الدليل الثاني للوهّابيّة على حرمة الاستشفاع من أولياء الله تعالى ،

٢٤٨

يأتي الدليل الثالث وهو انّ دعوة الغير وطلب الحاجة منه ، عبادة له بنصّ القرآن الكريم ، قال تعالى :

(... فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (١). وليس للنهي وجه سوى كون دعاء الغير عبادة له.

والدليل على أنّ دعاء غير الله عبادة للمدعوّ ، هو قوله تعالى :

(... ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ). (٢)

فلو تأمّلنا في الآية لرأينا أنّها بُدئتْ بلفظ «الدعوة» وخُتمتْ بلفظ «العبادة» وهذا دليل على أنّ مفهوم الكلمتين واحد ، وقد روي عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ :

«الدُّعاء مُخُّ العِبادَة». (٣)

الجواب

أوّلاً : ليس المقصود من النهي عن دعوة غير الله ـ في قوله سبحانه : (فَلا تَدْعُوا) ـ الدعوة المطلقة ، بل المقصود هو الدعاء الخاص الذي يعادل العبادة ، إذ من المعلوم أنّ مطلق دعاء الغير ليس عبادة له ، فقولك : يا زيد اسقني ، ليس عبادة للساقي ، والدليل على هذا هو بداية الآية حيث قال تعالى :

(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا ...).

فالآية ـ بمجموعها ـ تدلّ على أنّ الدعوة المحرّمة هي الدعوة النابعة عن

__________________

(١) الجن : ١٨.

(٢) غافر : ٦٠.

(٣) سفينة البحار : مادة «الدعاء».

٢٤٩

الاعتقاد بألوهيّة ذلك المدعوّ وربوبيّته وتصرُّفه في شئون الخلق والكون (١) وأين هذا من طلب الشفاعة من النبي النابع من الاعتقاد بأنّه عبد صالح عزيز عند الله؟!

ثانياً : إنّ ما تُحرّمه الآية وتنهى عنه أن ندعو مع الله أحداً ، ونجعله مساوياً في الدعاء كما تدلّ على هذا جملة «مع الله» فإذا طلب إنسان من النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أن يبتهل إلى الله بالدعاء والتوسّل لقضاء حاجته وغفران ذنوبه ، فليس معناه أنّه دعا مع الله أحداً ، بل إنّ هذا الدعاء ـ في الحقيقة ـ ليس إلّا دعاء الله سبحانه.

وإذا كانت بعض الآيات تعتبر طلب الحاجة من الأصنام شركاً فإنّما هو بسبب أنّهم كانوا يعتبرون الأصنام آلهة صغاراً تملك الاختيار الكامل لأفعال الله تعالى ، كلّها أو بعضها ، ولهذا ترى القرآن الكريم ينتقد هذه الأفكار الباطلة فيقول :

(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ). (٢)

ويقول أيضاً :

(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ ...). (٣)

وخلاصة القول : إنّ المشركين كانوا يعتبرون أصنامهم آلهة صغاراً ، وأنّ أفعال الله تعالى مفوَّضة إليها بشكل مطلق ، لكن طلب الشفاعة والدعاء من إنسان منحه الله الكرامة والمنزلة فاقد لهذه الخصائص والشروط. فأين اعتقاد المشركين في حقّ أصنامهم من اعتقاد المسلمين في حقّ أوليائهم؟!!

قليلاً من الإنصاف والموضوعيّة!

__________________

(١) فقوله تعالى : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) معناه فلا تعبدوا مع الله أحداً ، كما يقول سبحانه في آية أُخرى : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) سورة الفرقان ، آية ٦٨ : أي لا يعبدون مع الله إلهاً آخر.

(٢) الأعراف : ١٩٧.

(٣) الأعراف : ١٩٤.

٢٥٠

«أفلا تعقلون»؟!

ثالثاً : إنّ كلمة «الدعوة» لها معنىً واسع ، حتّى أنّها تُستعمل ـ أحياناً ومن باب المجاز ـ في العبادة أيضاً ، كما استدلّوا به في الآية (١) والحديث (٢) مع العلم أنّ هذه الاستعمالات الجزئية المجازية لا تكفي ، دليلاً على أن نُفسّر «الدعوة» في جميع الموارد بمعنى العبادة دائماً ، وأن نعتبر طلب الحاجة والدعاء من أحدٍ شركاً.

٤. الشفاعة حقٌّ خاصٌّ بالله سبحانه فقط

أيّها القارئ الكريم : بعد إبطال الدليل الثالث للوهّابيّة نذكر الدليل الرابع وهو قوله تعالى :

(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً ...). (٣)

ووجه الاستدلال بهذه الآية هو تصريحها باختصاص الشفاعة بالله سبحانه.

إذن : ما ذا يعني طلب الشفاعة من غير الله؟

الجواب

ليس معنى قوله تعالى : (لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) أنّ الشفاعة خاصّة بالله ولا يحقّ لغيره أن يشفع ، لأنّه لا شكّ أنّ الله لا يشفع لأحدٍ عند آخر ، بل يعني أنّه تعالى مالك أصل الشفاعة لا الأصنام ، وذلك لأنّ الشفيع يجب أن يكون ذا عقلٍ وشعورٍ أوّلاً ومالكاً للشفاعة ثانياً ، في حين أنّ الأصنام تفقد هذين الوصفين ، ولهذا

__________________

(١) وهي «ادعوني أَستجب لكم».

(٢) وهو : الدعاء مُخّ العبادة.

(٣) الزمر : ٤٣ ـ ٤٤.

٢٥١

قال سبحانه :

١. (أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً).

٢. (وَلا يَعْقِلُونَ).

إذن تركيز الآية إنّما هو على أنّ الله تعالى هو مالك الشفاعة لا الأصنام ، وأنّ الله يمنح هذه الصلاحية لمن تتوفّر فيه اللياقة والأهليّة ليستشفع لعباده ، لا لمثل الأصنام والأوثان ، فلا علاقة لهذه الآية مع الموضوع الّذي نتحدّث عنه ، لأنّ المسلمين يعتبرون الله وحده «مالك الشفاعة» لا أولياؤه ، ويعتقدون أنّ من أذن الله له في الشفاعة قادرٌ على الاستشفاع دون غيره.

كما أنّ المسلمين يعتقدون ـ بالاستناد إلى الآيات والأحاديث ـ بأنّ الله تعالى قد أذن للنبي وآله الأطهار ـ عليهم‌السلام ـ بالشفاعة ، ولذلك فنحن نستشفع بهم.

وهكذا ظهر لك ـ أيّها القارئ ـ عدم العلاقة بين تلك الآية وهذا البحث ، وعدم العلاقة أيضاً بين الحديث الذي ذكروه وهذا البحث.

٥. لَغْوية الاستشفاع بالميّت

إنّ آخر دليل ذكره الوهّابيّون ـ على حرمة الاستشفاع بالأولياء ـ هو أنّ طلب الشفاعة من أولياء الله في هذه الحياة هو طلب الحاجة من الميّت الفاقد للسمع ، وقد استدلّوا على ذلك بآيتين :

١. (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ). (١)

ووجه الاستدلال بها : أنّ القرآن الكريم شبّه المشركين بالأموات ، وهي تُخاطب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بأنّك لا تستطيع أن تُفهم هؤلاء ، لأنّهم كالموتى لا يسمعون ،

__________________

(١) الروم : ٥٢.

٢٥٢

فلو كان الموتى قادرين على التكلّم والسماع لما صحّ تشبيه المشركين بالموتى.

٢. (... إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ). (١)

والاستدلال بهذه الآية كالاستدلال بالآية السابقة ، في عدم قدرة الموتى على السماع والتكلّم ، وعلى هذا فطلب الشفاعة منهم كطلب الشفاعة من الجمادات.

الجواب

إنّ الوهّابيّة تلجأ دوماً إلى مسألة الشرك في ردّ الفِرق والمذاهب الإسلامية ، وتتّهم المسلمين بالكفر تحت ستار الدفاع عن التوحيد واختصاص العبادة به.

ولكنّها ـ في هذا الاستدلال ـ غيّرت اسلوبها وتشبَّثت بالقول : إنّ الاستشفاع بالأولياء لغوٌ ولا فائدة فيه ، لكونهم موتى.

ولكن هذه الشرذمة ـ الغريبة عن القرآن ـ تجاهلت وتغافلت عن الأدلّة العقلية والشرعية الّتي تُثبت حياة الأولياء بعد الموت.

لقد أثبت فلاسفة الإسلام أنّ الروح ـ بعد ما تتجرّد عن هذا الجسم المادّي وتستغني عنه ـ تظلّ باقية إلى ما لا نهاية ، وتتمتع بحياة وإدراك خاصّ ، وقد ذكر الفلاسفة الإلهيّون عشرة أدلّة عقلية على هذا الموضوع ، ممّا لم يترك مجالاً للشكّ والتردّد فيه ، لأهل الإنصاف والوجدان.

وبالإضافة إلى الأدلّة العقلية ... فهذا كتاب الله يُنادي ـ بأعلى صوته ـ بالحياة بعد الموت (٢) وكذلك عشرات الأحاديث الشريفة المرويّة في هذا المجال.

__________________

(١) فاطر : ٢٢.

(٢) راجع آية ١٦٩ ـ ١٧٠ من سورة آل عمران ، وآية ٤١ من سورة النساء ، وآية ٤٥ من سورة الأحزاب ، وآية ١٠٠ من سورة المؤمنون ، وآية ٤٦ من سورة غافر ، كلّها تدلّ على الحياة بعد الموت ، وقد تحدّثنا عن هذا الموضوع في فصل سابق.

٢٥٣

فما هذا الدليل العليل أيّها الوهّابيّون؟!

وتسأل : فما معنى تلك الآيتين؟

الجواب

أوّلاً : المراد ـ بملاحظة الآيات السابقة الدالّة على سماع الموتى بعد رحيلهم ـ هو نفي الإسماع المفيد ، فإنّ سماع الموتى أو من في القبور لا يجدي نفعاً بعد ما ماتوا كافرين ، فهكذا المشركون لا يفيد إسماعهم ، فوجه الشبه في تشبيه إسماع المشركين بإسماع الموتى هو عدم فائدة الإسماع لا عدم تحقّقه ، وإلّا فهذا هو النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ، يقول : «الميت يسمع قرع النعال» في حديث أخرجه البخاري عن أنس بن مالك عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قال : إنّ العبد إذا وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه حتّى أنّه ليسمع قرع نعالهم ، أتاه ملكان فيُقعدانه فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل محمّد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فيقول : أشهد انّه عبد الله ورسوله إلى آخر ما نقل. (١)

وقد مرّ انّ النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كان يزور القبور ، ويخرج آخر الليل إلى البقيع ، فيقول : السّلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون ، غداً مؤجلون وانّا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهمّ اغفر لأهل بقيع الغرقد. (٢)

اتّفق المسلمون على تعذيب الميت في القبر ، أخرج البخاري عن ابنة خالد ابن سعيد بن العاص انّها سمعت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو يتعوّذ من عذاب القبر ، وأخرج عن أبي هريرة كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ يدعو : اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار.(٣)

__________________

(١) البخاري : الصحيح : ٢ / ٩٠ ، باب الميت يسمع خفق النعال.

(٢) صحيح مسلم : ٣ / ٦٣ ، باب ما يقال عند دخول القبور من كتاب الجنائز.

(٣) البخاري : الصحيح : ٢ / ٩٩ ، باب التعوذ من عذاب القبر من كتاب الصلاة.

٢٥٤

كلّ ذلك يدلّ على أنّ المراد من نفي الإسماع هو الإسماع المفيد تحقيقاً لقوله سبحانه: (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١) حيث إنّ الآية صريحة في ردّ دعوة الكفّار حيث طلبوا من الله سبحانه أن يُرجعهم إلى الدنيا حتّى يعملوا صالحاً ، فيأتيهم النداء «بكلا» فيكون تمنّيهم بلا جدوى ولا فائدة كما أنّ سماع الموتى كذلك ، لا انّهم لا يسمعون أبداً ، إذ هو مخالف لما مرّ من صريح الآيات والروايات.

وثانياً : إنّ الأجساد الراقدة تحت التراب غير قادرة على الفهم والإدراك ، وهذا طبيعي ، إذ أنّ الجسد عند ما يتجرّد عن الروح يبقى جماداً لا فهم له ولا إدراك.

ولكن النقطة المهمّة ـ هنا ـ هو أنّ الذين نُخاطبهم ونستشفع منهم ـ وكما يؤكّد القرآن الكريم ـ ليس هو الجسد المدفون تحت التراب ، وإنّما هي الروح الطاهرة والحيّة التي تعيش في الجسد البرزخي في عالم البرزخ.

فلو لم تتمكّن الأجساد المدفونة في الأرض من الإدراك والفهم ، فهذا لا يدلّ على أنّ أرواحها الطاهرة ونفوسها الطيّبة ـ التي هي حيّة تُرزَق في العالَم الآخر ـ غير قادرة على الإدراك والفهم.

وأنّ السلام والتحيّة والزيارة هي لتلك الأرواح النورانيّة الخالدة ، وطلب الشفاعة منها أيضاً.

وهكذا ظهر لك ـ أيّها القارئ الكريم ـ أنّ الأدلّة الّتي يستدلّ بها الوهّابيّون على حرمة الاستشفاع من أولياء الله أدلّة واهية ضعيفة ، وأنّ الحقّ هو ما يقوم به المسلمون تبعاً للقرآن والأحاديث الشريفة.

__________________

(١) المؤمنون : ٩٩ ـ ١٠٠.

٢٥٥
٢٥٦

الفصل السادس عشر :

الاعتقاد بالقدرة الغيبيّة لأولياء الله تعالى

هل الاعتقاد بالقدرة الغيبية لأولياء الله شرك بالله؟

ممّا لا شكّ فيه أنّ الإنسان لا يطلب حاجته من أحدٍ إلّا إذا تأكّد من قدرته على قضاء حاجته وتلبية طلبه.

وهذه القدرة على قسمين :

١. القدرة المادّية الظاهرية ، بأن تطلب الماء من إنسان ، فيملأ لك الإناء ماءً ويُناولك.

٢. القدرة الغيبية الخارجة عن المجاري الطبيعية ، كأن يعتقد الإنسان ـ مثلاً ـ بأنّ الإمام عليّ بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ قادر بإذنه سبحانه على قلع باب خيبر ـ الّذي يعجز الإنسان عن قلعه عادة ـ بقوّة غيبية تفوق قدرة البشر.

أو يعتقد بأنّ النبيّ عيسى ـ عليه‌السلام ـ قادر على شفاء المريض الذي يصعب علاجه ، بإذن الله سبحانه من دون استعمال دواء أو إجراء عملية جراحية.

إذا عرفت هذا ... فاعلم أنّ الاعتقاد بهذه القدرة الغيبية ـ إذا كان مُستنداً إلى قدرة الله وإذنه وإرادته ـ هو كالاعتقاد بالقدرة المادّية الطبيعية ، وليس شركاً بالله سبحانه ، لأنّ الله الّذي وهب القدرة المادّية لشخص قادر على أن يهب القدرة الغيبية لشخص آخر ، دون الاعتقاد بكون المخلوق خالقاً أو مستغنياً عن الله تعالى.

٢٥٧

الرأي الوهّابي

يعتقد الوهّابيّون بأنّه لو طلب إنسان حاجة من أحد أولياء الله ـ حيّاً كان أم ميّتاً ـ كأن يشفي مريضه أو يُعيد عليه مفقوده أو يقضي ديونه أو غير ذلك ، فقد آمن بوجود قدرة غيبية عند من دعاه وسأله ، بحيث يستطيع أن يخرق بها القوانين الطبيعية الحاكمة في هذا الكون ، والاعتقاد بهذه القدرة لغير الله اعتقاد بألوهيّة ذلك الغير ، وطلب الحاجة منه مع هذا الاعتقاد شرك بالله سبحانه.

مثال ذلك : لو طلب الإنسان ـ العطشان في الصحراء ـ ماءً من خادمه ، فإنّ طلبه هذا ليس طلباً لخرق القوانين الطبيعية ، فهو جائز وليس شركاً.

أمّا لو طلب نفس هذا الطلب من نبىٍّ أو إمام يرقد تحت التراب ، أو يعيش في بلدة أُخرى ومكان آخر ، أو كان غائباً عن الأبصار ، فقد أشرك بالله تعالى ، لأنّه يعتقد بأنّ ذلك النبيّ أو الإمام يستطيع أن يُهيّئ الماء ، خارج نطاق القوانين والأسباب الطبيعية ، أي : بالقدرة الغيبية ، وهذا اعتقاد بألوهيّة ذلك المدعو : النبيّ أو الإمام.

وقد صرّح بهذا الرأي الكاتب الوهابي «أبو الأعلى المودودي» حيث قال :

إنّ التصوّر الّذي لأجله يدعو الإنسان الإله ويستغيثه ويتضرَّع إليه هو ـ لا جرم ـ تصوُّر كونه مالكاً للسلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة. (١)

رأينا حول هذا الكلام

إنّ الخطأ الّذي ارتكبه المودودي ـ ونظراؤه ـ تصوَّر ، بأنّ الاعتقاد بالسلطة الغيبيّة لغير الله شرك به سبحانه مطلقاً ، ولم يُفرِّق ـ أو لم يرد أو يُفرِّق ـ بين الاعتقاد

__________________

(١) المصطلحات الأربعة : ١٨.

٢٥٨

بالقدرة الغيبية المستمدّة من الله والمعتَمد عليه ، وبين القدرة المستقلّة عنه سبحانه ، حيث إنّ الشرك هو الاعتقاد الثاني لا الأوّل.

إنّ القرآن الكريم يذكر ـ بصراحة تامّة ـ أسماء أشخاص كانت لهم القدرة الغيبية ، وكانت إرادتهم تتحكّم على قوانين الطبيعة وتُغيّر مجراها.

وإليك أسماء بعض من أشار إليهم القرآن :

١. القدرة الغيبية للنبيّ يوسف عليه‌السلام

قال يوسف ـ عليه‌السلام ـ لإخوته :

(اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً ...).

(... فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً). (١)

إنّ ظاهر هذه الآية يدلّ على أنّ النبيّ يعقوب ـ عليه‌السلام ـ استعاد بصره الكامل بالقدرة الغيبية الّتي استخدمها يوسف ـ عليه‌السلام ـ من أجل ذلك ، ومن الواضح أنّ استعادة يعقوب بصره لم يكن من الله بصورة مباشرة ، بل تحقّقت بإذنه سبحانه ، بواسطة النبيّ يوسف ـ عليه‌السلام ـ.

إنّ النبيّ يوسف كان السبب في عودة بصر أبيه كاملة ، ولو لا ذلك لما أمر إخوانه بأن يذهبوا بقميصه ويلقوه على وجه أبيه ، بل كان يكفي أن يدعو الله تعالى لذلك فقط.

إنّ هذا تصرُّفٌ غيبيّ صدر من أحد أولياء الله ـ يوسف ـ وغيّر المجرى الطبيعي بإذنه سبحانه ، ولا يقدر على هذا التصرُّف إلّا من منحه الله السلطة الغيبية. ولم يقم بهذا العمل اعجازاً وإثباتاً لنبوته.

__________________

(١) يوسف : ٩٣ و ٩٦.

٢٥٩

٢. السلطة الغيبية للنبيّ موسى عليه‌السلام

لقد منح الله سبحانه القدرة الغيبية للنبيّ موسى ـ عليه‌السلام ـ فضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ، بعدد قبائل بني إسرائيل ، كما قال سبحانه :

(... فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً). (١)

واستخدم موسى ـ عليه‌السلام ـ قدرته الغيبية مرّة أُخرى عند ما ضرب بعصاه البحر ليفتح ـ في عمق البحر وعلى أرضه ـ اثني عشر طريقاً يابساً لبني إسرائيل ، كي يمرّوا فيه ويعبروا البحر ، فتراكمت المياه كالجبال على أطراف هذه الطرق من دون أن تتدحرج أو تسيل قطرةٌ منها في الطريق!

قال تعالى :

(فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ). (٢)

في هذين الموقفين لا يمكن أن نتجاهل دور النبيّ موسى ـ عليه‌السلام ـ في تفجير العيون وفتح الطرق على أرض البحر ، وأنّه استفاد من قدرته الغيبية ، فتحقّق كلّ ذلك بإذن الله وإرادته سبحانه.

٣. السلطة الغيبية للنبيّ سليمانعليه‌السلام

لقد كان النبيّ سليمان ـ عليه‌السلام ـ يتمتع بقدرات غيبية متعدّدة ، وقد عبّر عن تلك المواهب والمنح الإلهية العظيمة بقوله ـ كما في القرآن الكريم ـ :

(... وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ...). (٣)

وقد جاء تفصيل الحديث عن تلك المواهب والقدرات الإلهية الممنوحة له ،

__________________

(١) البقرة : ٦٠.

(٢) الشعراء : ٦٣.

(٣) النمل : ١٦.

٢٦٠