أبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي الصغير
المحقق: الشيخ باسم محمّد الأسدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-397-205-4
الصفحات: ٤٦٤
[خبر السفينة التي أخرجها عليهالسلام من الأرض وسيرها في البحر
وبين جبال من الدرّ والياقوت ومشاهدة الأئمّة عليهمالسلام والتسليم عليهم]
[١١٥ / ١٤] ـ ومنها : قال أبو جعفر : أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى ، عن أبيه ، قال : أخبرني أبو جعفر محمّد (١) بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، قال : حدّثني محمّد بن عليّ ، عن إدريس ، عن (٢) عبد الرحمن ، عن داود بن كثير الرقّيّ ، قال :
أتيت المدينة فدخلت على أبي عبد الله الصادق عليهالسلام ، فلمّا استويت في المجلس بكيت ، فقال أبو عبد الله : ما يبكيك يا داود؟!
فقلت : يا ابن رسول الله ، إنّ قوما يقولون لنا : لم (٣) يخصّكم الله بشيء سوى ما خصّ به غيركم ، ولم (٤) يفضّلكم بشيء سوى ما فضّل به غيركم.
فقال عليهالسلام : كذبوا (٥) الملاعين!
قال : ثمّ قام فركض (٦) الدار برجله ثمّ قال : كوني بقدرة الله ، فإذا نحن ببحر
__________________
(١) في «أ» «و» : (أبو محمّد بن جعفر).
قال : النجاشي : محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، أبو جعفر : شيخ القميّين وفقيههم ، ومتقدّميهم ووجيههم ، ويقال إنّه نزيل قم ، وما كان أصله منها ثقة ثقة ، عين ، مسكون إليه (انظر رجال النجاشي : ٣٤٥ / ٩٣١ ، معجم رجال الحديث ١٦ : ٢١٩ / ١٠٤٩٠).
(٢) ليست في «أ» وفي مدينة المعاجز : (إدريس بن عبد الرحمن) ، ولم نعثر له على ترجمة في كتب الرجال.
(٣) في «س» «ه» : (لن).
(٤) في «أ» «و» : (وما).
(٥) في «س» «ه» : (كذّب).
(٦) ركض الأرض والثوب : ضربهما برجله (انظر لسان العرب ٧ : ١٥٩).
عجاج في وسط (١) سفينة من ياقوتة حمراء وفي (٢) وسطها درّة بيضاء ، وعلى أعلى السفينة راية خضراء عليها مكتوب : «لا إله إلّا الله محمّد رسول الله عليّ وليّ الله ، يقتل القائم الأعداء ، ويبعث المؤمنون (٣) و (٤) ينصره الله بالملائكة».
وإذا في وسط السفينة أربع كراسيّ من أنواع الجواهر ، فجلس أبو عبد الله عليهالسلام على واحد وأجلس موسى على واحد ، وأجلس إسماعيل على واحد ، وأجلسني على واحد.
ثمّ قال : سيري على بركة الله عزوجل ، فسارت في بحر عجاج أشدّ بياضا من اللبن وأحلى من العسل ، فسرنا بين جبال الدرّ والياقوت ، حتّى انتهينا إلى جزيرة ، في (٥) وسطها قباب من الدرّ الأبيض ، محفوفة بالملائكة ، ينادون : مرحبا مرحبا يا ابن رسول الله.
فقال عليهالسلام : هذه قباب الأئمّة (٦) من آل محمّد من ولد محمّد صلىاللهعليهوآله كلّما افتقد (٧) واحد منهم أتى (٨) هذه القباب ، حتّى يأتي (٩) الوقت المعلوم (١٠) الذي ذكره الله
__________________
(١) قوله : (نحن ببحر عجاج في وسط) ليس في «أ» «س» «ه».
(٢) قوله : (وفي) ليس في «س» «ه».
(٣) في «و» : (ويغيث المؤمنين).
(٤) الواو ليست في «س» «ه».
(٥) ليست في «س» «ه».
(٦) في «أ» «و» : (هذه القباب للأئمّة).
(٧) في «س» «ه» : (افتقدوا).
(٨) في «أ» «ه» : (لأتى) وفي «س» : (لاقى).
(٩) في «أ» «س» «ه» : (ما أتى) ، وفي «و» : (أتى) والمثبت عن المصادر.
(١٠) ليست في «أ» «س» «ه».
تعالى في كتابه (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) (١).
قال : ثمّ ضرب يده إلى أسفل البحر ، فاستخرج منه درّا وياقوتا.
فقال عليهالسلام : يا داود ، إن كنت تريد الدنيا فخذها.
فقلت : لا حاجة لي في الدنيا [يا ابن رسول الله].
فألقاه في البحر ، ثمّ استخرج من رمل البحر ، فإذا مسك وعنبر ، فشمّه وأشممناه ثمّ رمى به في البحر ، ثمّ نهض ، فقال عليهالسلام :
قوموا حتى نسلّم على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، وعلى أبي محمّد الحسن بن عليّ ، وعلى أبي عبد الله الحسين بن عليّ وعلى أبي محمّد عليّ بن الحسين وعلى أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهمالسلام.
فخرجنا حتّى انتهينا إلى قبّة (٢) وسط القباب ، فرفع جعفر عليهالسلام الستر (٣) ، فإذا أمير المؤمنين عليهالسلام [جالس] فسلّمنا عليه.
ثمّ أتينا قبّة الحسن بن عليّ عليهماالسلام فسلّمنا عليه ، وخرجنا.
ثمّ أتينا قبّة الحسين بن عليّ عليهماالسلام فسلّمنا عليه ، وخرجنا.
ثمّ أتينا قبّة عليّ بن الحسين عليهماالسلام فسلّمنا عليه ، وخرجنا.
ثمّ أتينا قبّة محمّد بن عليّ عليهماالسلام فسلّمنا عليه ، وخرجنا (٤).
ثمّ قال عليهالسلام : انظروا على يمين الجزيرة ، فإذا قباب لا ستور عليها ، فقلت :
__________________
(١) الإسراء : ٦.
(٢) ليست في «أ» «و».
(٣) في «أ» «و» : (سترا).
(٤) من قوله : (ثمّ أتينا قبة الحسين بن عليّ عليهماالسلام) إلى هنا ساقط من «أ» «و».
يا ابن رسول الله ، ما بال هذه القباب لا ستور عليها؟!
قال عليهالسلام : هذه لي ، ولمن يكون من بعدي من الأئمّة عليهمالسلام ، ثمّ قال : انظروا إلى وسط الجزيرة. فنظرنا فإذا فيها أرفع ما يكون من القباب ، ووسطها سرير.
فقال عليهالسلام : هذه للقائم من آل محمّد من ولد محمّد صلىاللهعليهوآله ثمّ قال : ارجعوا فرجعنا.
ثمّ قال عليهالسلام : كوني بقدرة الله تعالى ، فإذا نحن في مجلسنا كما كنّا (١).
[خبر معاينة أعداء أمير المؤمنين عليهالسلام]
[١١٦ / ١٥] ـ ومنها : أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون ، عن أبيه ، عن عليّ بن محمّد بن همام ، قال : حدّثني أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم ، [قال : حدّثني أبي] ، عن الحسن بن عليّ الحرّانيّ ، عن محمّد بن حمران (٢) ، عن داود بن كثير الرقّيّ ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : حدّثني عن القوم.
قال عليهالسلام : الحديث أحبّ إليك أم المعاينة؟
فقلت : جعلني الله فداك ، المعاينة.
فقال لأبي الحسن موسى عليهالسلام : انطلق فائتني بالقضيب فأتى به ، فضرب به الأرض ضربة ، فانشقّت عن بحر أسود ، فضربها فانفتحت عن باب ، فإذا بهم وجوههم مسودّة وأعينهم مزرّقة ، و (٣) كلّ واحد منهم مشدود إلى جنب صخرة ، موكّل بكلّ واحد منهم ملك ، وهم ينادون والملائكة يضربون وجوههم ، ويقولون : كذبتم ليس لكم محمّد.
__________________
(١) أورده في دلائل الإمامة : ٢٩٤ / ٨٥ بنفس السند والمتن وعنه في مدينة المعاجز ٥ : ٣٠٢ / ٦٣.
(٢) في «أ» «و» : (حمدان).
(٣) الواو ليست في «أ».
فقلت : جعلت فداك من هؤلاء؟
فقال عليهالسلام : أبو جهل (١) وزفر ونعثل واللعين ، ثمّ قال : لطبق عليهم إلى الوقت (٢) (٣).
[خبر التهام السباع المصوّرة للسحرة]
[١١٧ / ١٦] ـ ومنها : أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى ، عن أبيه ، قال : حدّثنا أبو عليّ محمّد بن همام ، قال : حدّثنا أبو عبد الله جعفر بن محمّد الحميريّ (٤) عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقّيّ ، عن محمّد بن هذيل ، عن محمّد بن سنان ، قال (٥) :
وجّه المنصور إلى سبعين رجلا من أهل بابل (٦) ، فدعاهم وقال لهم (٧) : ويحكم إنّكم (٨) تزعمون أنّكم ورثتم السحر عن آبائكم أيّام موسى عليهالسلام وأنّكم تفرّقون (٩)
__________________
(١) في دلائل الإمامة : (ابن الجمل).
(٢) أي إلى الوقت المعلوم ، وهو يوم الحساب.
(٣) رواه في دلائل الإمامة : ٢٩٦ / ٨٨ ، وأورده في عيون المعجزات : ٩٦ ـ ٩٧ باختلاف في السند والمتن وعنه في بحار الأنوار ٤٨ : ٨٤ / ١٠٤ ومدينة المعاجز ٦ : ٣٤٢ / ١٠٩ وعوالم العلوم ٢١ : ٢٠ / ١.
ورواه المسعودي في إثبات الوصيّة : ١٩٥ ـ ١٩٦ وعنه في إثبات الهداة ٣ : ١٤٦ / ٢٦٧.
(٤) في «س» «ه» : (أبو محمّد عبد الله جعفر بن محمّد الحميري) وفي دلائل الإمامة كالمثبت عن «أ» «ه».
(٥) في النسخ : (قال : قال) وكتب فوقها في «و» : (أي خطأ).
(٦) في «س» «ه» : (كابل) وكذا في دلائل الإمامة.
(٧) ليست في «أ» «و».
(٨) ليست في «أ» «و».
(٩) في «س» «ه» : كلمة غير مقروءة ، بدل من : (تفرّقون).
بين المرء وزوجه ، وأنّ أبا عبد الله جعفر بن محمّد ساحر مثلكم ، فاعملوا شيئا من السحر فإنّكم إن أبهتّموه أعطيتكم (١) الجائزة العظيمة والمال الجزيل.
فقاموا إلى المجلس الذي فيه المنصور ، وصوّروا له سبعين صورة من صور السباع ، لا يأكلون ولا يشربون وإنّما كانت صور وجلس كلّ واحد منهم بجنب صورته ، وجلس المنصور على سريره ووضع إكليله على رأسه ، ثمّ قال لحاجبه : ابعث إلى أبي عبد الله ، فقام فدخل إليه ، فلمّا أن نظر إليه وإليهم وما قد استعدّوا له ، رفع يده إلى السماء ثمّ تكلّم بكلام بعضه جهرا وبعضه خفيّا.
ثمّ قال عليهالسلام : ويلكم أنا الذي أبطل سحركم ، ثمّ نادى برفيع صوته : يا قسورة خذهم ، فوثب كلّ سبع منها على صاحبه وافترسه في مكانه ، ووقع المنصور من سريره وهو يقول :
يا أبا عبد الله أقلني ، فو الله لا عدت إلى مثلها أبدا.
فقال عليهالسلام له : قد أقلتك.
قال : يا سيّدي ، فردّ السباع إلى ما كانوا (٢).
فقال عليهالسلام : هيهات ، إن عادت عصا موسى عليهالسلام فستعود السباع (٣).
__________________
(١) في «س» «ه» : (أعطيكم).
(٢) في دلائل الإمامة والاختصاص : (إلى ما أكلوا) ، وفي الثاقب في المناقب : (قل للسباع أن تردّهم إلى ما كانوا).
(٣) رواه في دلائل الإمامة : ٢٩٩ ـ ٣٠٠ وعنه في مدينة المعاجز : ٥ : ٢٤٥ / ٣٨.
وأورده في دلائل الإمامة : ٢٩٨ ـ ٢٩٩ / ٩١ بسند آخر قال : أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون ، قال : أخبر أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه ، قال : حدّثنا أبو محمّد الحسن بن محمّد بن أحمد النيسابوري الحذاء ، قال : حدّثني أبو الحسن عليّ بن عمرو بن
[خبر إعلامه عليهالسلام للمعلّى بأنه مقتول فاستعدّ].
[١١٨ / ١٧] ـ ومنها : روى محمّد بن الحسين [بن أبي الخطّاب] ، عن موسى بن سعدان ، [عن عبد الله بن القاسم] ، عن حفص الأبيض التمّار ، قال :
دخلت على أبي عبد الله عليهالسلام أيّام صلب المعلّى بن خنيس رحمهالله [قال :]
فقال لي : يا حفص ، إنّي أمرت المعلّى بأمر فخالفني وابتلي بالحديد ، إنّي نظرت إليه يوما فرأيته كئيبا حزينا ، فقلت له :
ما لي أراك كئيبا حزينا؟ فقال لي : ذكرت أهلي وولدي.
فقلت له : ادن منّي ، فدنا ، فمسحت وجهه بيدي ، ثمّ قلت له : أين أنت؟
فقال : يا سيّدي ، أنا في منزلي ، هذه والله زوجتي وولدي! فتركته حتّى أخذ وطره منهم ، واستترت (١) منه حتّى نال حاجته من أهله ، حتّى كان منه إلى أهله (٢) ما يكون من الزوج إلى المرأة.
ثمّ قلت له : ادن منّي ، فدنا ، فمسحت وجهه ، فقلت له : أين أنت؟
فقال : أنا معك في المدينة ، وهذا بيتك!
__________________
محمّد الرازي الكاتب ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن السراج ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، عن محمّد بن هذيل ، عن محمّد بن سنان ، عن الربيع ـ حاجب المنصور ـ ، قال : وجّه المنصور .. الخبر.
وأخرجه ابن حمزة الطوسي في الثاقب في المناقب : ٢٠٧ / ١٢ مرسلا عن الربيع (كما في الدلائل) وعنه في مدينة المعاجز ٥ : ٢٥١ / ٤١.
وروى الشيخ المفيد ذيل الحديث في الاختصاص : ٢٤٠ بإسقاط السند.
(١) في النسخ : (واستقرب) والمثبت عن المصادر.
(٢) قوله : (إلى أهله) ليس في «أ» «و».
فقلت له : يا معلّى ، إنّ لنا حديثا من حفظه علينا ، حفظه الله وحفظ عليه دينه ودنياه.
يا معلّى ، لا تكونوا أسراء في أيدي الناس بحديثنا ، إن شاءوا أمّنوا (١) عليكم وإن شاءوا قتلوكم.
يا معلّى ، إنّه من (٢) كتم الصعب من حديثنا جعله الله نورا بين عينيه ، وأعزّه في الناس من غير عشيرة ، ومن أذاعه لم يمت حتّى [يذوق] عضّة الحديد (٣) وألحّ عليه الفقر والفاقة في الدنيا حتّى يخرج منها ولا ينال منها شيئا ، وعليه في الآخرة غضب الله وله عذاب أليم.
ثمّ قلت له : يا معلّى ، وأنت مقتول ، فاستعدّ (٤).
__________________
(١) في «و» : (منّوا).
(٢) ليست في «س» «ه».
(٣) كذا في دلائل الإمامة ، وفي بعض المصادر : (يعضه السلاح أو يموت كبلا) وفي البعض الآخر :
(يعضه السلاح أو يموت بخبل).
(٤) رواه الصفّار في بصائر الدرجات : ٤٢٣ / ٢ بنفس السند وعنه في بحار الأنوار ٢ : ٧١ / ٣٤ وإثبات الهداة ٣ : ١٠٤ / ٩٥ ومستدرك الوسائل ١٢ : ٢٩٧ / ٢٣.
وأورده المصنّف في دلائل الإمامة : ٢٨٥ / ٦٩ وعنه في مدينة المعاجز ٥ : ٢٣٠ / ٢٣ وخاتمة المستدرك ٥ : ٣٠٧.
ورواه الشيخ المفيد في الاختصاص : ٣٢١ وعنه في بحار الأنوار ٢٥ : ٣٨٠ / ٣٤.
وأورده الكشّي في رجاله ٢ : ٦٧٦ / ٧٠٩ عن إبراهيم بن محمّد بن العبّاس الختلي ، قال : حدّثني أحمد بن إدريس القمي المعلّم ، قال : حدّثني محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين .. وعنه في بحار الأنوار ٢ : ٧٢ / ٣٤ وج ٤٧ : ٨٨ / ٩٢ ومدينة المعاجز ٥ : ٢٣١ / ٢٤ وخاتمة المستدرك ٥ : ٣٠٥.
ونقله العلّامة المجلسي رحمهالله في بحار الأنوار ٤٧ : ٨٧ / ٩١ عن البصائر والاختصاص.
[خبر جوابه عليهالسلام للسائل قبل سؤاله]
[١١٩ / ١٨] ـ ومنها : روى الحسن بن علي بن فضّال (١) عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبيّ ، عن عبيد الله بن الحسن (٢) ، عن الحسن بن هارون ، قال : كنت بالمدينة فكنت أتي موضعا أسمع فيه غناء جيران لنا ، فدخلت على أبي عبد الله عليهالسلام ، فقال لي (٣) ـ ابتداء منه ـ :
(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٤).
يسأل السمع عمّا سمع ، والبصر عمّا أبصر ، والفؤاد عمّا عقد عليه (٥).
[خبر إخراجه عليهالسلام البحر والسفن وخيم محمد وآله
عليهم الصلاة والسلام]
[١٢٠ / ١٩] ـ ومنها : أخبرنا أبو الحسين محمّد بن هارون ، عن أبيه ، عن أبي عليّ
__________________
وأخرجه الحسن بن سليمان الحلّي في مختصر بصائر الدرجات : ٩٨ وعنه في إثبات الهداة ٣ : ١٠٤ ـ ١٠٥ / ٩٥.
(١) في «أ» «و» : (الحسن بن فضّال).
(٢) في «س» «ه» : (عبيد بن الحسن).
(٣) في «أ» «و» : (قال) ، بدل من : (فقال لي).
(٤) الإسراء : ٣٦.
(٥) رواه في دلائل الإمامة : ٢٩٠ / ٧٨ بقوله : حدّثنا أبو المفضّل محمّد بن عبد الله ، قال : حدّثنا محمّد بن جعفر الزيات ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال .. الحديث.
وانظر قريبا منه في فقه الرضا عليهالسلام : ٢٨١ ، الكافي ٢ : ٣٧ / ٢.
محمّد بن همام الكاتب ، عن جعفر بن محمّد بن مالك (١) ، عن محمّد بن عمّار (٢) ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، قال :
كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام ، فركض الأرض برجله فإذا بحر وفيه سفن من فضّة.
قال : فركب وركبت معه ، حتّى انتهى إلى موضع فيه خيم من فضّة ، فدخلها ، ثمّ خرج ، فقال عليهالسلام لي. رأيت (٣) الخيمة التي دخلتها أوّلا؟ قلت : نعم.
قال عليهالسلام : تلك خيمة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، والأخرى خيمة أمير المؤمنين عليهالسلام.
والثالثة خيمة فاطمة عليهاالسلام ، والرابعة خيمة خديجة ، والخامسة خيمة الحسن عليهالسلام.
والسادسة خيمة الحسين عليهالسلام ، والسابعة خيمة جدّي عليهالسلام.
والثامنة خيمة أبي عليهالسلام وهي (٤) التي بكيت فيها ، والتاسعة خيمتي.
وليس أحد منّا يموت إلّا وله خيمة يسكن فيها (٥).
__________________
(١) قال الشيخ الطوسي : جعفر بن محمّد بن مالك ، كوفي ، ثقة ، ويضعّفه قوم ، روى في مولد القائم عليهالسلام اعاجيب. (انظر رجال الطوسي : ٤١٨ / ٢).
(٢) في دلائل الإمامة : (عن أحمد بن مدبر ، عن محمّد بن عمار) ، وفي مدينة المعاجز : (أحمد بن مدين) ، ولم نعثر على ترجمة أحمد بن مدبر في كتب الرجال.
أمّا أحمد بن مدين فقد نقل عنه الصدوق في علل الشرائع ١ : ٩٣ / ٢ قائلا : حدثنا أبي قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطار قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك قال : حدّثنا أحمد بن مدين عن ولد مالك الأشتر ، عن محمّد بن عمّار ، ومع ذلك فإنّ كتب الرجال خالية منه أيضا.
(٣) في «أ» : (أرأيت).
(٤) ليست في «أ» «و».
(٥) رواه الصفّار في بصائر الدرجات : ٤٠٥ / ٥ والسند فيه : أحمد بن محمّد ، عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي ، عن محمّد بن عمّار ، عن أبي بصير .. وعنه في بحار الأنوار ٦ : ٢٤٥ / ٧٥ وج ٤٧ : ٩١ / ٩٧ وج ٦٠ : ٣٢٨ / ٨ وإثبات الهداة ٣ : ١٠٧ / ١٠٨.
وأورده المصنّف في دلائل الإمامة : ٢٨٤ / ٦٧ ، وعنه في مدينة المعاجز ٥ : ٤٥٢ / ٢١٥.
[خبر مشيه عليهالسلام في وسط النار ولم تؤثر فيه]
[١٢١ / ٢٠] ـ ومنها : روى المفضّل بن عمر قال :
وجّه [أبو جعفر] المنصور إلى الحسن بن زيد ـ وهو واليه على الحرمين ـ أن أحرق على جعفر بن محمّد داره ، [فألقى النار في دار أبي عبد الله عليهالسلام] فأخذت النار في الباب وفي الدهليز ، فخرج أبو عبد الله عليهالسلام يتخطّى النار ويمشي فيها و [هو] يقول : أنا ابن أعراق الثرى (١) وأنا ابن إبراهيم خليل الله عليهالسلام (٢).
روي أنّ النمرود ـ لعنه الله ـ لمّا ألقى إبراهيم عليهالسلام في النار ورأى الناس أنّ النار لا تضرّه ، فقال النمرود :
«ما هذا إلّا أعراق الثرى ، وما عرقه إلّا عرق الثرى» (٣).
__________________
(١) قال العلّامة المجلسي رحمهالله في بحار الأنوار ٤٧ : ١٣٦ / بيان الحديث ١٨٦ ما نصّه :
رأيت في بعض الكتب : أنّ أعراق الثرى كناية عن إسماعيل عليهالسلام ولعلّه إنّما كنى عنه بذلك لأنّ أولاده انتشروا في البراري.
ويؤيده ما جاء في انساب الاشراف ١ : ٦ بإن عرق الثرى اسم إسماعيل عليهالسلام.
(٢) رواه الكليني مسندا في الكافي ١ : ٢٧٣ / ٢ عن بعض أصحابنا ، عن ابن جمهور ، عن أبيه ، عن سليمان بن سماعة ، عن عبد الله بن القاسم ، عن المفضّل بن عمر .. وعنه في إثبات الهداة ٣ : ٧٨ / ٦ ومدينة المعاجز ٥ : ٢٥٩ / ٥٨ وحلية الأبرار ٤ : ٧١ / ١.
وأورده ابن شهرآشوب في مناقبه ٣ : ٣٦٣ مرسلا عن المفضّل بن عمر ، وعنه في بحار الأنوار ٤٧ : ١٣٦ / ذيل الحديث ١٨٦.
وانظر الثاقب في المناقب : ١٣٧ وعنه وعن مناقب ابن شهرآشوب في مدينة المعاجز ٥ : ٢٩٦ / ٥٩.
(٣) انظر تاريخ مدينة دمشق ٦ : ١٩١ ـ ١٩٢.
الباب الثامن
في معجزات وأعلام موسى بن جعفر عليهماالسلام
[خبر ركوبه عليهالسلام على بغلة وأمرها بالتكلّم مع مهران بن صدقة]
[١٢٢ / ١] ـ حدّثنا علي بن إبراهيم المصريّ ، عن ضرار بن الأزور (١) ، يرفعه إلى المفضّل بن عمر ، قال :
كنت بين يدي مولاي موسى بن جعفر عليهماالسلام وكان [الوقت] (٢) شتاء شديد البرد ، وعلى مولاي عليهالسلام جبّة حرير صيني سوداء ، وعلى رأسه عمامة خزّ صفراء ، وبين يديه رجل يقال له : مهران بن صدقة كان كاتبه وعليه طاق قميص ، وهو يرتعد بين يديه من شدّة البرد.
فقال له المولى عليهالسلام : ما استوفيت واجبك؟ فقال : بلى.
فقال عليهالسلام : أفلا أعددت لمثل (٣) هذا اليوم ما يدفع عن نفسك البرد؟!
فقال : يا مولاي ما علمت أن يأتي الزمهرير عاجلا.
فقال عليهالسلام : أما إنّك يا مهران لشاكّ في مولاك موسى؟!
فقال : إنّما أنا شاكّ فيك لأنّه ما ظهر في الأئمّة أسود مثلك (٤) أو غيرك.
فقال عليهالسلام : ويلك ، لا تخاف من سطوات ربّ العالمين ونقمته؟! ويلك سأزيل (٥)
__________________
(١) كذا في النسخ ولعلّها في «س» : (صراد بن الأزور).
(٢) من عندنا لايضاح العبارة.
(٣) في النسخ : (بمثل) وما أثبتناه هو الصواب.
(٤) في النسخ : (منك) وما أثبتناه هو الأنسب للعبارة.
(٥) في النسخ : (فأزيل) والمثبت من عندنا.
الشكّ عن قلبك إن شاء الله ، فاستدعى البوّاب فقال : لا تدعه يدخل إليّ بعد هذا اليوم إلّا أن آذن له بذلك ، فخرج من بين يديه وهو يقول : «وا سوأة (١) منقلباه!».
وخرج إلى الجبّانة فإذا السحب قد انقطعت ، والغيوم قد انقشعت وكان يتردّد متفكّرا ، فإذا هو بقصر قد حفّ به (٢) النخيل والأشجار والرياحين ، وإذا بابه مفتوح ، فدنا من الباب ودخل القصر.
فإذا به ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ، وإذا مولاي عليهالسلام على سرير من ذهب ونور وجهه يبهر نور الشمس ، وحواليه خدم ووصائف فلمّا رآه تحيّر ، فقال عليهالسلام له : يا مهران أنّ (٣) مولاك أسود أم أبيض؟! فخرّ مهران ساجدا.
فقال عليهالسلام : لو لا ما سبق لك عندنا من الخدمة ، لأنزلنا بك النقمة.
قال مهران (٤) : فألهمني (٥) الله أن أقرأ : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٦).
ثمّ غاب عنّي القصر ومن فيه ، وعدت إلى موضعي وأنا مذعور (٧) وإذا أنا بمولاي ، و (٨) هو على بغلة ، فقال لها : قولي له.
__________________
(١) في «س» «ه» : (واسوا).
(٢) في النسخ زيادة : (فيه).
(٣) ليست في «س» «ه».
(٤) في «س» «ه» كلمة غير مقروءة.
(٥) في النسخ : (فأفهمني) وما أثبتناه هو الأظهر.
(٦) الجمعة : ٤.
(٧) في «س» «ه» : (مدعون).
(٨) الواو ليست في «س».
فقالت لي البغلة بلسان فصيح : يا كاتب (١) مولاك أسود أم أبيض؟
فخررت (٢) ساجدا.
فقال عليهالسلام : ارفع رأسك فقد عفوت لك (٣) ، فإنّ شكّك (٤) من قلّة معرفتك.
ثمّ قال لي : انظر الساعة. فرأيته كالقمر المنير ليلة تمامه.
ثمّ قال : أنا ذلك الأسود ، وأنا ذلك الأبيض ، ثمّ هوى من البغلة (٥) وقال :
(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) (٦) (٧).
[خبر شقيق البلخيّ وما عاينه من معجزاته عليهالسلام]
[١٢٣ / ٢] ـ ومنها : قال أبو جعفر : أخبرني أبو المفضّل محمّد بن عبد الله ، عن عليّ بن محمّد بن عليّ بن الزبير البلخيّ (٨) ببلخ (٩) ، قال : حدّثنا حسام بن حاتم الأصمّ (١٠) ، قال : حدّثني [أبي] ، قال : قال لي شقيق ـ يعني [ابن] إبراهيم البلخيّ ـ :
__________________
(١) في «س» «ه» : (ما كانت) بدل من : (يا كاتب).
(٢) في «س» «ه» : (فخرت).
(٣) كذا في النسخ.
(٤) في «س» «ه» : (سؤلك).
(٥) في «أ» «و» : (هد البغلة) كذا ، وفي «س» «ه» : (هو البغلة) وما أثبتناه تصحيحا للعبارة.
(٦) الجنّ : ٢٦ ـ ٢٧.
(٧) لم أوفّق فعلا على مسدر للحديث.
(٨) في «أ» : (عن علي بن محمّد بن عليّ عن شقيق البلخي) ، وفي «و» : (عن الزبير البلخي).
(٩) بلخ : مدينة مشهورة بخراسان ، وهي من أجل مدن خراسان وأذكرها وأكثرها خيرا ، وأوسعها غلة ، تحمل غلتها إلى جميع خراسان وإلى خوارزم (وللمزيد من الاطّلاع انظر معجم البلدان ١ : ٤٧٩).
(١٠) في «س» «و» «ه» : (حسام بن حاتم بن الاصم) ، ولم نعثر على ترجمته في كتب التراجم ، وأمّا
خرجت حاجّا إلى بيت الله الحرام سنة ١٤٩ ه ، فنزلنا القادسيّة (١).
قال شقيق : فنظرت إلى الناس في القباب والعماريّات (٢) والخيم والمضارب وكلّ إنسان منهم قد تزيّن (٣) على قدره ، فقلت : اللهم إنّهم قد خرجوا إليك فلا تردّهم خائبين ، فبينما أنا قائم وزمام راحلتي بيدي وأنا أطلب موضعا أنزل فيه منفردا عن الناس إذ نظرت إلى فتى فتيّ (٤) السنّ ، حسن الوجه ، شديد السيرة عليه سيماء العبادة وشواهدها ، وبين عينيه سجّادة (٥) ، كأنّها كوكب درّي ، وعليه من فوق ثوبه شملة من الصوف ، وفي رجله نعل عربيّ ، وهو منفرد في عزلة من الناس (٦).
فقلت (٧) في نفسي : هذا الفتى من هؤلاء الصوفيّة المتوكّلة ، يريد أن يكون كلّا (٨) على الناس في هذا الطريق ، والله لأمضينّ إليه [ولأوّبخنّه].
__________________
أبيه حاتم الأصم فهو : الزاهد القدوة الربّاني ، أبو عبد الرحمن حاتم بن عنوان بن يوسف البلخي الواعظ ، روى عن شقيق البلخي وصحبه و..
وروى عنه عبد الله بن سهل الرازي ، وأحمد بن خضرويه البلخي .. وآخرون. وتوفّي سنة سبع وثلاثين ومائتين (انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ١١ : ٤٨٤ / ١٢٨).
(١) القادسية : قرية قرب الكوفة من جهة البر بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا ، وبينها وبين العذيب أربعة أميال ، وفيها ـ أي القادسيّة ـ كانت الواقعة العظمى بين المسلمين والفرس .. (انظر مراصد الاطلاع ٣ : ١٠٥٤).
(٢) العماريّات : جمع عماريّة : الهودج الذي يجلس فيه.
(٣) في دلائل الإمامة : (تزيا).
(٤) في دلائل الإمامة : (حدث).
(٥) أي أثر السجود في جبهته عليهالسلام المباركة.
(٦) في «أ» «و» : (في منزلة عن الناس).
(٧) في «س» «ه» : (فقلنا).
(٨) في «س» «ه» : (اكلا).
قال : فدنوت منه ، فلمّا رآني مقبلا نحوه (١) ثمّ تركني ومضى ، فقلت في نفسي : قد تكلّم هذا الفتى على سرّي ونطق بما في نفسي وسمّاني باسمي وما فعل هذا إلّا هو وليّ الله ، ألحقه وأسأله أن يجعلني في حلّ ، فأسرعت وراءه فلم ألحقه وغاب عن عيني فلم أره ، وارتحلنا حتّى نزلنا واقصة (٢) فنزلت ناحية من الحاجّ ، ونظرت فإذا صاحبي قائم يصلّي على كثيب رمل ، وهو راكع وساجد وأعضاؤه تضطرب ، ودموعه تجري من خشيّة الله عزوجل.
فقلت : هذا صاحبي لأمضينّ إليه ، ثمّ لأسألنّه أن يجعلني في حلّ.
فأقبلت نحوه فلمّا نظر إليّ مقبلا قال لي :
يا شقيق ، (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (٣).
ثمّ غاب عن عينيّ فلم أره ، فقلت : هذا رجل من الأبدال وقد تكلّم على سرّي مرّتين ولو لم يكن عند الله فاضلا ما تكلّم على سرّي ، ورحل الحاجّ وأنا معهم حتّى نزلنا زبالة (٤) فإذا أنا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة يستسقي بها ماء فانقطعت الركوة ووقعت في البئر ، فقلت : «صاحبي والله»!
فرأيته قد رمق السماء بطرفه وهو يقول :
__________________
(١) في «أ» : (إليّ نحوه) ، وفي «س» «و» «ه» : (إليه نحوه).
(٢) واقصة : بكسر القاف والصاد المهملة. موضعان : منزل في طريق مكّة بعد القرعاء نحو مكّة ، وقيل : العقبة لبني شهاب من طيء ويقال لها واقصة الحزون وهي دون زبالة بمرحلتين ، وواقصة أيضا ماء لبني كعب ، وواقصة أيضا بأرض اليمامة قيل : هي ماء في طرف الكرمة وهي مدفع ذي مرخ (انظر معجم البلدان ٥ : ٣٥٣ ـ ٣٥٤).
(٣) سورة طه : ٨٢.
(٤) زبالة : بضمّ أوّله : منزل معروف بطريق مكّة من الكوفة ، وهي قرية عامرة بها أسواق بين واقصة والثعلبية (انظر معجم البلدان ٣ : ١٢٩).
أنت ربّي إذا ظمئت من الماء ، وقوتي إذا أردت الطعام ، إلهي وسيّدي مالي سواها (١) [فلا تعدمنيها].
قال شقيق : فو الله لقد رأيت البئر وقد فاض (٢) ماؤها حتّى جرى على وجه الأرض فمدّ يده فتناول الركوة وملأها ماء ، ثمّ توضّأ ، وأسبغ الوضوء وصلّى ركعات.
قال شقيق : ثمّ مدّ يده إلى كثيب رمل [أبيض فجعل] يقبض (٣) بيده من الرمل ويطرحه في الركوة ثمّ يحرّكها ويشرب ، فقلت في نفسي : أتراه قد يحوّل (٤) الرمل سويقا فدنوت منه ، فقلت له : أطعمني ـ رحمك الله ـ من فضل ما أنعم الله عليك ، فنظر وقال لي :
يا شقيق ، لم تزل نعم الله (٥) علينا أهل البيت سابغة وأياديه لدينا جميلة ، فأحسن ظنّك بربّك ، فإنّه لا يضيع من أحسن به ظنّا ، فأخذت الركوة من يده (٦) وشربت فإذا سويق وسكر ، فو الله ما شربت شيئا قطّ ألذّ منه ولا أطيب رائحة ، فشبعت ورويت وأقمت أيّاما (٧) لا أشتهي طعاما ولا شرابا ، فدفعت إليه الركوة.
ثمّ غاب عن عيني فلم أره حتّى دخلت مكّة ، وقضيت حجّي ، فإذا أنا بالفتى في
__________________
(١) في «أ» «و» : (سواك).
(٢) في «أ» : (وقد ارتفع).
(٣) في النسخ : (فقبض) والمثبت عن المصادر.
(٤) كذا في النسخ ، وفي بعض المصادر : (تحوّل) وفي الدلائل : (حوّل).
(٥) في «س» «ه» وبعض المصادر : (نعمة الله).
(٦) في بعض المصادر : (ثم ناولني الركوة).
(٧) في «أ» «و» : (وقمت وأنا).