نوادر المعجزات في مناقب الأئمّة الهداة عليهم السلام

أبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي الصغير

نوادر المعجزات في مناقب الأئمّة الهداة عليهم السلام

المؤلف:

أبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي الصغير


المحقق: الشيخ باسم محمّد الأسدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-397-205-4
الصفحات: ٤٦٤

والعبّاس ، فأحضرهم (١) ، ثمّ قال لعليّ عليه‌السلام : إنّ الله تعالى قد أمرني أن أزوّجك.

فقال : يا رسول الله ، إنّي لا أملك إلّا سيفي وفرسي ودرعي.

فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : اذهب فبع الدرع. فخرج عليّ عليه‌السلام فنادى على درعه فجاءت بأربعمائة درهم أو (٢) دينار فاشتراه دحية الكلبيّ.

فلمّا أخذ عليّ عليه‌السلام [الثمن] وسلّم دحية الدرع عطف دحية إلى عليّ ، فقال :

أسألك يا أبا الحسن أن تقبل هذا (٣) الدرع هدية ولا تخالفني في ذلك.

فحمل الدرع والدراهم وجاء بهما إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن جلوس بين يديه ، فقال : يا رسول الله ، إنّي بعت الدرع بأربعمائة درهم أو دينار وقد اشتراه دحية الكلبيّ وقد أقسم عليّ أن أقبل الدرع هدية ، فأيّ شيء تأمر ، أقبل أم لا؟

فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : ليس هو دحية ، لكنّه جبرئيل ، وإنّ الدراهم من عند الله تعالى ، فتكون شرفا وفخرا لابنتي فاطمة ، وزوّجه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بها ، ودخل بعد ثلاث.

قال : وخرج علينا عليّ عليه‌السلام ونحن في المسجد إذ هبط الأمين جبرئيل عليه‌السلام وقد أهبط بأترجّة من الجنّة ، فقال له : يا رسول الله ، إنّ الله يأمرك أن تدفع هذه (٤) الأترجّة إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فدفعها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليّ عليه‌السلام.

فلمّا حصلت في كفّه انقسمت في كفّه قسمين :

__________________

(١) في «أ» : (وأخبرهم).

(٢) كذا في النسخ والصواب «و» كما في المصادر.

(٣) في «س» «و» : (هذه).

(٤) ليست في «أ» «و».

٢٠١

على قسم منها مكتوب : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، عليّ ولي الله (١) ، أمير المؤمنين (٢).

وعلى القسم الآخر مكتوب : هدية من الطالب الغالب (٣) إلى عليّ بن أبي طالب (٤).

خبر الخطبة

[٥٠ / ٨] ـ روى محمّد بن زكريّا الغلابيّ ، عن شعيب بن واقد ، عن الليث ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه الباقر ، عن جدّ عليهم‌السلام ، عن جابر ، قال :

لمّا أراد رسول الله أن (يزوّج فاطمة عليّا عليهما‌السلام ، قال له : أخرج يا أبا الحسن) (٥) إلى المسجد فإنّي خارج في أثرك ، ومزوّجك بحضرة (٦) الناس واذكر (٧) من فضلك ما تقرّبه عينك.

__________________

(١) قوله : (وليّ الله) لم يرد في «س» «ه».

(٢) قوله : (عليّ وليّ الله ، أمير المؤمنين) ساقط من «أ».

(٣) في «أ» : (الله) بدل من (الطالب الغالب).

(٤) رواه في دلائل الإمامة : ٨٢ / ٢٢ بسنده عن الشريف أبو محمّد الحسن بن أحمد العلوي المحمدي النقيب ، قال : حدّثنا أبو سهل محمود بن عمر بن جعفر بن إسحاق بن محمود العسكري ، قال : حدّثنا الاصم بعسقلان ، قال : حدّثنا الربيع بن سليمان ، قال : حدّثنا الشافعي محمّد بن إدريس ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال : .. (الحديث).

ورواه السيد هاشم في مدينة المعاجز ٢ : ٣٢٣ عن صاحب كتاب مسند فاطمة عليها‌السلام بنفس سند دلائل الإمامة.

(٥) بدل ما بين القوسين في «أ» «و» : (يزوج فاطمة عليها‌السلام ، قال لعلي : أخرج).

(٦) في «أ» : (وازوجك في حضرة من) بدل من : (ومزوّجك بحضرة).

(٧) في دلائل الإمامة وبقية المصادر : (وذاكر).

٢٠٢

قال عليه‌السلام : خرجت من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرحا مسرورا.

فقال أبو بكر وعمر : ما وراءك يا أبا الحسن؟

فقلت : يزوّجني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليها‌السلام (١) وأخبرني أنّ الله قد زوّجنيها ، وهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خارج في أثري ليذكر بحضرة الناس ، ففرحا ودخلا معي المسجد.

قال عليّ عليه‌السلام : فو الله ما توسّطناه (٢) حتّى لحق بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّ وجهه يتهلّل (٣) فرحا وسرورا.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أين بلال؟ فأجاب : لبّيك وسعديك يا رسول الله.

ثمّ قال : أين المقداد؟ فقال : لبّيك يا رسول الله.

فقال : أين سلمان؟ فأجاب : لبّيك يا رسول الله.

فقال : أين أبو ذرّ؟ فقال : لبّيك يا رسول الله (٤).

فلمّا مثلوا بين يديه قال : انطلقوا بأجمعكم فقوموا في جنبات المدينة ، واجمعوا المهاجرين والأنصار والمسلمين.

فانطلقوا لأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجلس على أعلى درجة من منبره ، فلمّا حشد المسجد بأهله قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فحمد الله وأثنى عليه ، وقال :

«الحمد لله الّذي رفع السماء فبناها ، وبسط الأرض فدحاها ، وأثبتها بالجبال

__________________

(١) في «أ» «و» : (بفاطمة عليها‌السلام).

(٢) أي المسجد.

(٣) في «س» «ه» : (ليتهلل).

(٤) قوله : (فقال : أين أبو ذر؟ فقال : لبّيك يا رسول الله) ساقط من «أ».

٢٠٣

فأرساها ، فأخرج منها ماءها ومرعاها ، الذي تعاظم عن صفات الواصفين ، وتجلّل عن تحبير لغات الناطقين (١) ، وجعل الجنّة ثواب المتّقين ، والنار عقاب الظالمين ، وجعلني نقمة للكافرين ، ورأفة (٢) ورحمة على المؤمنين.

عباد الله ، إنّكم في دار أمل ، وعد وأجل (٣) ، وصحّة وعلل ، دار زوال ، وتقلّب أحوال ، جعلت سببا للارتحال ، فرحم الله امرأ قصّر من أمله ، وجدّ في عمله ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله ، وقدّم ليوم فاقته ليوم يحشر فيه الأموات وتخشع له الأصوات ، وتذكر (٤) الأولاد والأمّهات (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى) (٥) (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (٦) (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) (٧) (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٨) يوم (٩) تبطل فيه الأنساب وتقطّع الأسباب (١٠) ، ويشتدّ فيه على المجرمين

__________________

(١) في «أ» و : (كرامات الناطقين) ، وفي «س» «ه» : (كثير لغات الناطقين) بدل من : (تحبير لغات الناطقين) المثبت عن المصادر.

(٢) ليست في «أ».

(٣) في النسخ : «عدوه» ووضعت فوقها علامة ، وفي دلائل الإمامة : (بين حياة وأجل) والمثبت عن بحار الأنوار.

(٤) في دلائل الإمامة : «تنكر» وما في نسخنا موافق لما في بحار الأنوار ومستدرك الوسائل.

(٥) الحج : ٢.

(٦) النور : ٢٥.

(٧) آل عمران : ٣٠.

(٨) الزلزلة ٧ ـ ٨.

(٩) في «س» «ه» : (اليوم).

(١٠) قوله : (وتقطّع الأسباب) ساقط من «أ».

٢٠٤

الحساب ، ويدفعون إلى العذاب (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) (١).

يا أيّها الناس إنّما الأنبياء حجج الله عزوجل في أرضه ، و (٢) الناطقون بكتابه ، القائلون بوحيه ، العالمون بعلمه ، وإنّ الله أمرني أن أزوّج كريمتي فاطمة بأخي وابن عمّي ، وأولى الناس بي عليّ بن أبي طالب ، وإنّ الله قد زوّجه في السماء بشهادة الملائكة ، وأمرني أن أزوّجه [في الأرض] وأشهدكم على ذلك».

ثمّ جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ قال : قم يا عليّ فاخطب لنفسك.

قال : يا رسول الله أخطب وأنت حاضر؟!

قال : اخطب فهكذا (٣) أمرني جبرئيل أن آمرك أن تخطب لنفسك ، ولو لا أنّ الخطيب في الجنان داود لكنت (٤) أنت يا عليّ.

ثمّ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أيّها الناس اسمعوا قول نبيّكم : «إنّ الله عزوجل بعث أربعة آلاف نبيّ (٥) و [لكلّ نبيّ] وصيّ ، أنا خير الأنبياء ، ووصيّي خير الأوصياء» ، ثمّ

__________________

(١) آل عمران : ١٨٥.

(٢) الواو ليست في «أ».

(٣) في «أ» «و» : «لدي» ، وفي «س» «ه» : (بها لدي) وما اثبتناه عن مصادر التخريج.

(٤) في «أ» «و» : (فكنت).

(٥) كذا في النسخ والمصادر. والمشهور والمتسالم عليه بين فرق المسلمين كافّة هو : مائة وأربعة وعشرون ألف نبيّ صلوات الله عليهم أجمعين وعلى نبيّنا وآله الطاهرين.

وقال العلّامة المجلسي رحمه‌الله في بحار الأنوار ١١ : ٣١ ، في بيانه على الحديث ٢٢ من أمالي الشيخ الطوسي والذي يذكر فيه بسنده عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بعثت على أثر ثمانية آلاف نبيّ .. ، لعلّ المراد هنا عظماء الأنبياء عليهم‌السلام. وذهب إلى هذا الرأي السيّد الخوئي رحمه‌الله في صراط النجاة ٢ : ٤٥٠.

وفي روايتنا هذه لعلّ المراد أيضا من هذا العدد هو عدد عظماء الأنبياء ، والله العالم.

٢٠٥

أمسك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وابتدأ عليّ عليه‌السلام ، فقال :

«الحمد لله الّذي ألهم بفواتح علمه الناطقين ، وأنار بثواقب عظمته [قلوب] المتّقين ، وأوضح بدلائل أحكامه طرق الفاصلين (١) وأنهج (٢) بابن عمّي المصطفى العالمين ، وعلت دعوته دعاوي (٣) الملحدين ، واستظهرت كلمته (٤) على بواطل المبطلين وجعله خاتم النبيّين (٥) ، وسيّد المرسلين ، فبلّغ رسالات (٦) ربّه ، وصدع بأمره ، وبلّغ عن الله آياته.

والحمد لله الّذي خلق العباد بقدرته ، وأعزّهم بدينه ، وأكرمهم بنبيّه (٧) ، وأشهد أن لا إله إلّا الله شهادة تبلغه وترضيه ، وصلّى الله على محمّد صلاة بركة وتحظيه (٨) تدوم بدوام أيّام الله ولياليه ، والخطبة (٩) والنكاح ممّا أمر الله به وأذن فيه ومجلسنا

__________________

(١) في «س» : (الفاضلين).

(٢) انهج : وضح ، وأنهج الطريق : أي استبان وصار نهجا واضحا بيّنا (انظر الصحاح ١ : ٣٤٦).

وفي «س» «ه» : (وابهج).

والابتهاج : السرور. اي جعلهم في بهجة وسرور. (انظر لسان العرب ٢ : ٢١٦).

(٣) دعوى ودعاوى : أي مطالب (انظر تاج العروس ١٠ : ١٢٨).

وفي «س» «ه» : (دواعي).

(٤) في «أ» «س» : (واستظهر بكلمة).

(٥) في «أ» : (الأنبياء).

(٦) في «س» «و» «ه» : (رسالة).

(٧) في «أ» «و» : (بنبوّته).

(٨) ليست في «أ» «و».

وتحظيه : من الحظوة : أي تقرّبه إليك وتسعده بك (انظر النهاية ١ : ٤٠٥).

(٩) قوله : (تدوم بدوام أيام الله ولياليه ، والخطبة) ليس في «س» «ه».

٢٠٦

هذا ممّا قضاه الله تعالى ورضيه ، وهذا محمّد بن (١) عبد الله [رسول الله] قد زوّجني ابنته فاطمة على صداق أربعمائة درهم ـ أو دينار ـ قد رضيت بذلك ، فاسألوه واشهدوا.

فقال المسلمون : زوّجته يا رسول الله؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم.

قال المسلمون : بارك الله لهما وعليهما وجمع شملهما (٢).

حديث المهر وكم قدره

[٥١ / ٩] ـ روى المنهال ، عن أبي ذرّ ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ضجّت الملائكة إلى الله فقالوا :

إلهنا وسيّدنا ، أعلمنا : ما مهرها لنعلم ونتبيّن أيّهما أكرم الخلق عليك؟

فأوحى الله عزوجل إليهم : ملائكتي وسكّان سماواتي ، أشهدكم أنّ مهر فاطمة بنت محمّد نصف الدنيا (٣).

__________________

(١) في «أ» «و» : (مجلس) بدل من : (محمّد بن).

(٢) رواه المصنّف في دلائل الإمامة : ٨٨ / ٢٤ : عن أبي الحسين محمّد بن هارون بن موسى التلّعكبريّ ، عن أبيه ، عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن أبي العريب الضبّي ، عن محمّد بن زكريّا بن دينار الغلابي .. وباقي السند كما في المتن ، وعنه في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٦٩ / ٢١ ، ومدينة المعاجز ٢ : ٣٣١ / ٥٨٧ ، وهو أيضا في مستدرك الوسائل ١٤ : ٢٠٤ / ٦ عن مدينة المعاجز.

وانظر مناقب الخوارزمي : ٣٤٢ ـ ٣٥٤ / ٣٦٤ وفيه حديثا مفصّلا في تزويجها ـ أي الزهراء ـ له عليهما‌السلام وعنه في كشف الغمّة ١ : ٣٥٣ وعنه في بحار الأنوار ٤٣ : ١٢٤ / ٣٢ وعوالم فاطمة الزهراء عليها‌السلام ١١ : ١٦٧ ـ ١٧٩.

(٣) رواه في دلائل الإمامة : ٩١ / ٢٥ ، والسند فيه : حدّثني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى بن

٢٠٧

[٥٢ / ١٠] ـ ومنها : أنّ جابر الجعفيّ قال : قال سيّدي الباقر محمّد بن عليّ عليهما‌السلام في قوله تعالى : (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (١).

فقال عليه‌السلام : إنّ قوم موسى شكوا إلى ربّهم الحرّ والعطش ، فاستسقى موسى الماء ، وشكا إلى ربّه مثل ذلك ، وقد شكا المؤمنون إلى جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : يا رسول الله ، تعرّفنا من الأئمّة بعدك؟ فما مضى من نبيّ إلّا (٢) وله وصيّ وأئمّة بعده ، وقد علمنا أنّ عليّا وصيّك ، فمن الأئمّة من بعده؟

فأوحى الله عزوجل إليه : إنّي قد زوّجت عليّا (٣) بفاطمة في سمائي تحت ظلّ عرشي وجعلت جبرئيل خطيبها ، وميكائيل وليّها ، وإسرافيل القابل عن عليّ ، وأمرت شجرة طوبى فنثرت عليهم اللؤلؤ الرطب ، والدرّ ، والياقوت ، والزّبرجد الأحمر ، والأخضر ، والأصفر ، ومناشير المناشير مخطوطة (٤) كالنور ، فيها أمان

__________________

أحمد بن إبراهيم بن سعد التلعكبري ، قال : أخبرني أبي ، قال : حدّثنا أبو علي أحمد بن محمّد بن جعفر الصولي ، قال : حدّثنا محمّد بن زكريّا بن دينار الغلابي ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن عمّارة ، قال : حدّثني الحسن بن عمّارة ، عن المنهال بن عمرو ، عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .. (مثله) وعنه في مدينة المعاجز ٢ : ٣٣٦ / ٥٨٨.

(١) البقرة : ٦٠.

(٢) ليست في «س» «ه».

(٣) ليست في «س» «ه».

(٤) في «أ» «و» : (ومنابر المنابر محطوطة).

ومحطوطة : اي ممدودة حسنة (انظر كتاب العين ٣ : ١٩).

٢٠٨

لملائكتي (١) ويدّخرونها (٢) إلى يوم القيامة.

وجعلت نحلتها من عليّ خمس الدنيا وثلثي الجنّة ، وجعلت نحلتها في الأرض أربعة أنهار : الفرات والنيل ومهران (٣) ونهر بلخ.

فزوّجها أنت يا محمّد بخمسمائة درهم تكون سنّة لامّتك ، فإنّك إذا زوّجت عليّا من فاطمة جرى منهما أحد عشر إماما من صلب عليّ ، سيّد كلّ أمّة إمامهم في زمانه ، ويعلمون كما علم قوم موسى مشربهم.

وكان [بين] تزويج أمير المؤمنين بفاطمة عليهما‌السلام في السماء إلى تزويجها في الأرض أربعين يوما (٤).

خبر محمود الملك

[٥٣ / ١١] ـ روى عليّ بن جعفر ، عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال :

بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس إذ دخل عليه (٥) ملك له أربعة وعشرون وجها.

__________________

(١) في «أ» «و» : (ابان بملائكتي). وفي «س» «ه» : (ابان لملائكتي). والمثبت عن دلائل الإمامة.

(٢) في «أ» «و» : (تزخرف) ، وفي «س» «ه» : (ويدّخروا).

(٣) في دلائل الإمامة : (دجله). وفي مناقب آل أبي طالب : (نهروان).

وفي الهداية الكبرى : (سيحان وجيحان).

(٤) رواه في دلائل الإمامة : ٩٢ / ٢٦ ، والسند فيه ، وحدّثني أبو الفضل محمّد بن عبد الله ، قال : حدّثنا أبو العبّاس غياث الديلمي ، عن الحسن بن محمّد بن يحيى الفارسي ، عن زيد الهروي ، عن الحسن بن مسكان ، عن نجبة ، عن جابر الجعفي .. (مثله) ، وعنه في مدينة المعاجز ٢ : ٣٣٧ / ٥٨٩. وأورده الحسين بن حمدان في الهداية الكبرى : ٣٧٧ ـ ٣٧٨ ، باختلاف يسير في المتن.

وأخرجه ابن شهرآشوب في مناقبه ٣ : ١٢٨ ، مختصرا وعنه في بحار الأنوار ٣٦ : ٢٦٥ / ٨٦ وإثبات الهداة ١ : ٦٦٩ / ٨٩١ ، وعوالم العلوم ٣ : ٢٣٢ / ٢٢٢.

(٥) في «أ» : (جاء) بدل من : (دخل عليه).

٢٠٩

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حبيبي جبرئيل ، لم أرك في مثل هذه الصورة؟

فقال الملك : لست بجبرئيل أنا محمود ، بعثني الله عزوجل أن أزوّج النور من النور.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من؟ ممّن؟ قال : فاطمة من عليّ وصيّك.

قال : فلمّا ولّى (١) الملك إذا بين كتفيه مكتوب : محمّد رسول الله و (٢) عليّ وصيّه.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : منذ كم كتب هذا بين كتفيك؟

فقال : مكتوب (٣) من قبل أن يخلق الله تعالى آدم بثمان (٤) وعشرين ألف عام (٥).

__________________

(١) في «أ» «و» : (رأى).

(٢) الواو ليست في «أ».

(٣) ليست في «س» «ه».

(٤) في «س» «ه» : (ثمانين الف).

(٥) رواه الكليني في الكافي ١ : ٤٦٠ / ٨ : عن الحسين بن محمّد ، عن معلى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن علي ، عن عليّ بن جعفر قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : .. الحديث ، وعنه في مدينة المعاجز ٢ : ٤١١ / ٦٤٠.

وأورده الصدوق في الخصال : ٦٤٠ / ١٧ ، والأمالي : ٦٨٨ / ١٩ ، ومعاني الأخبار : ١٠٣ / ١ وقال فيه : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رحمه‌الله ، قال : حدّثني الحسين بن محمّد بن عامر ، عن معلى بن محمّد البصري ، عن أحمد بن محمّد البزنطي ، عن علي بن جعفر ، قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام موسى بن جعفر عليهما‌السلام يقول : الحديث.

وعنهما في بحار الأنوار ٤٣ : ١١١ / ٢٣. وفيها : قبل أن يخلق الله تعالى آدم باثنين وعشرين ألف عام.

ورواه في دلائل الإمامة : ٩٣ / ٢٧ والسند فيه : أخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله ، قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى القميّ ، قال : حدّثني جعفر بن مسرور ، قال : حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر ، عن المعلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد البزنطي ، عن علي بن جعفر ، قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : .. الحديث ، وعنه في مدينة المعاجز ٢ : ٣٣٨ / ٥٩٠

٢١٠

خبر النّثار

[٥٤ / ١٢] ـ روى أبو الصلت عبد السلام بن صالح ، عن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام أنّه قال : حدّثني أبي ، [عن جعفر بن محمّد] ، عن أبيه ، عن جدّه [عن علي] عليهم‌السلام قال :

لمّا زوّجني النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) بفاطمة ، قال لي : ابشر يا عليّ ، فإنّ الله قد كفاني ما أهمّني من أمر تزويجك.

قال : قلت : وما ذاك؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتاني جبرئيل بسنبلة من سنبل الجنّة ، وقرنفلة من قرنفلها ، فأخذتهما وشممتهما ، [وقلت : يا جبرئيل ، ما شأنهما].

فقال : إنّ الله عزوجل أمر ملائكة الجنّة وسكّانها أن يزيّنوا الجنّة بأشجارها (٢) ، وأنهارها ، وقصورها ، ودورها ، وبيوتها ، ومنازلها ، وغرفها ، وأمر الحور العين أن يقرأن : حم عسق ، ويس ، وفي رواية : طه ويس.

ثمّ نادى مناد : اشهدوا أجمعين أنّ الله يقول : إنّي قد زوّجت فاطمة بنت محمّد من عليّ بن أبي طالب.

__________________

وص ٤١٢ / ٦٤١ ، وفيه قبل أن يخلق الله تعالى آدم بمائتين وعشرين.

ورواه الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين : ١٤٦ ، مرسلا ، وفيه : باثنين وعشرين ألف عام ، وكذا ابن شهرآشوب في مناقبه ٣ : ١٢٦ ، وأضاف وفي رواية بأربعة وعشرين ألف عام ، وعنه في بحار الأنوار ٤٣ : ١١١ / ٢٤.

(١) في النسخ : (زوّج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا) ، والمثبت عن المصادر.

(٢) في «أ» «و» : (يزهوا الجنة بأثمارها) بدل من : (يزيّنوا الجنّة بأشجارها).

٢١١

ثمّ بعث الله تعالى عليهم سحابة ، فأمطرت عليهم الدرّ والياقوت واللؤلؤ والجوهر.

ونثرت الملائكة (١) السنبل والقرنفل ، فهذا ممّا نثرت الملائكة (٢).

خبر الوليمة

قد ذكرناه في أعلام فاطمة عليها‌السلام في هذا المجموع (٣).

__________________

(١) ليست في «أ» «و».

(٢) رواه المؤلّف في دلائل الإمامة : ٩٤ / ٢٨ فقال : أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى التلعكبري ، قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا أبو علي أحمد بن محمّد بن جعفر الصولي ، قال : حدّثنا عبد العزيز بن يحيى ، قال : حدّثنا أبو القاسم التستري ، قال : حدّثنا أبو الصلت .. الحديث ، وعنه في مدينة المعاجز ٢ : ٣٣٩ / ٥٩١.

وأورده الصدوق في أماليه : ٦٥٣ / ١ ، وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٠١ / ١ بسنده عن علي عليه‌السلام ضمن حديث طويل وعنهما في بحار الأنوار ٤٣ : ١٠١ / ١٢.

وأورده المؤلّف في دلائل الإمامة : ٨٥ / ٢٣ ، وعنه في مدينة المعاجز ٢ : ٣٢٧ ، كما في رواية الصدوق.

ورواه فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره : ٤١٣ / ١ بسنده عن علي عليه‌السلام ، كما في رواية الصدوق.

وأخرجه الفتال النيسابوري في روضة الواعظين : ١٤٤ ـ ١٤٥ ، كما في رواية الصدوق.

وأورده ابن شهرآشوب في مناقبه ٣ : ١٢٤ ، عن الصادق عليه‌السلام.

(٣) خبر الوليمة ذكره المصنّف في كتابه دلائل الإمامة : ٩٥ / ٢٩ ، حيث قال : حدّثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى ، قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدّثني يحيى بن زكريا بن شيبان ، قال : حدّثنا محمد بن سنان ، عن جعفر بن قرط ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال :

لما زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليها‌السلام بعليّ عليه‌السلام قال حين عقد العقد : من حضر نكاح عليّ فليحضر طعامه.

٢١٢

__________________

قال : فضحك المنافقون ، وقالوا : إنّ الذين حضروا العقد حشر من الناس ، وإنّ محمّدا سيضع طعاما لا يكفي عشرة اناس ، فسيفتضح محمّد اليوم.

وبلغ ذلك إليه ، فدعا بعمّيه حمزة والعباس ، وأقامهما على باب داره وقال لهما : أدخلا الناس عشرة عشرة. وأقبل على عليّ وعقيل فأزرهما ببردين يمانيين ، وقال : انقلا على أهل التوحيد الماء ، واعلم ـ يا عليّ ـ أنّ خدمتك المسلمين أفضل من كرامتك لهم.

قال : وجعل الناس يردون عشرة عشرة ، فيأكلون ويصدرون حتّى أكل الناس من طعامه ثلاثة أيام ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يجمع بين الصلاتين : الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء الآخرة.

وجعل الناس يصدرون ، فعندها قال النبيّ : أين عمي العباس؟ فأجابه : لبيك يا رسول الله.

قال النبيّ : يا عم ، مالي أرى الناس يصدرون ولا يردون؟!

قال : يا ابن أخي ، ما في المدينة مؤمن إلا وقد أكل من طعامك ، حتى أنّ جماعة من المشركين دخلوا في عداد المؤمنين ، فأحببنا أن لا نمنعهم ليروا ما أعطاك الله تعالى من المنزلة العظيمة والدرجة الرفيعة.

قال النبيّ : يا عمّ ، أتعرف عدد القوم؟

قال : لا علم لي ، ولكن إن أردت أن تعرف عدد القوم فعليك بعمّك حمزة.

فنادى النبيّ : أين عمي حمزة؟ فأقبل يسعى ، وهو يجر سيفه على الصفا ـ وكان لا يفارقه سيفه شفقة على دين الله ـ فلما دخل على النبيّ رآه ضاحكا ، فقال له النبيّ : مالي أرى الناس يصدرون ولا يردون؟

قال : لكرامتك على ربّك ، اطعم الناس من طعامك حتّى ما تخلّف عنه موحّد ولا ملحد.

قال : كم طعم منهم؟ هل تعرف عددهم؟ قال : والله ، ما شذّ عليّ رجل واحد ، أكل من طعامك في أيامك تلك بعدة ثلاثة آلاف وعشرة اناس من المسلمين ، وثلاثمائة رجل من المنافقين. فضحك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى بدت نواجدة.

ثمّ دعا بصحاف ، وجعل يغرف فيها ويبعث به مع عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عقبة إلى بيوت الأرامل والضعفاء والمساكين من المسلمين والمسلمات ، والمعاهدين والمعاهدات ، حتّى لم يبق يومئذ بالمدينة دار ولا منزل إلّا أدخل إليه من طعام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ثمّ نادى : هل فيكم رجل يعرف المنافقين؟ فأمسك الناس ، فنادى الثانية فلم يجبه أحد ، فنادى :

٢١٣

__________________

أين حذيفة بن اليمان.

قال حذيفة : وكنت في همّ من العلّة ، وكانت الهراوة بيدي ، وكنت أميل ضعفا ، فلمّا نادى باسمي لم أجد بدا أن ناديت : لبيك يا رسول الله. وجعلت أدبّ فلمّا وقفت بين يديه ، قال : يا حذيفة ، هل تعرف المنافقين؟

قال حذيفة : ما المسئول أعلم بهم من السائل.

قال : يا حذيفة ، أدن مني ، فدنا حذيفة من النبيّ ، فقال النبيّ : استقبل القبلة بوجهك.

قال حذيفة : فاستقبلت القبلة بوجهي ، فوضع النبيّ يمينه بين منكبيّ ، فلم يستتم وضع يمينه بين كتفيّ حتى وجدت برد أنامل النبيّ في صدري ، وعرفت المنافقين بأسمائهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم ، وذهبت العلة من جسدي ، ورميت بالهراوة من يدي ، وأقبل عليّ النبيّ فقال : انطلق حتّى تأتيني بالمنافقين رجلا رجلا.

قال حذيفة : فلم أزل أخرجهم من أوطانهم ، فجمعتهم في منزل النبيّ وحول منزله ، حتّى جمعت مائة رجل واثنين وسبعين رجلا ، ليس فيهم رجل يؤمن بالله ويقرّ بنبوة رسوله.

قال : فأقبل النبيّ على عليّ عليه‌السلام وقال : أحمل هذه الصحفة إلى القوم.

قال علي : فأتيت لأحمل الصحفة ، فلم أقدر عليها ، فاستعنت بأخي جعفر وبأخي عقيل ، فلم نقدر عليها ، فلم نزل نتكامل حول الجفنة إلى أن صرنا أربعين رجلا فلم نقدر عليها ، والنبيّ قائم على باب الحجرة ينظر إلينا ويتبسّم ، فلمّا أن علم أنّ لا طاقة لنا بها ، قال : تباعدوا عنها ، فتباعدنا فطرح ذيل بردته على عاتقه ، وجعل كفه تحت الصحفة وشالها إلى منكبه ، وجعل يجري بها كما ينحدر سحاب في صبب فوضع الصحفة بين أيدي المنافقين ، وكشف الغطاء عنها ، والصحفة على حالها لم ينقص منها ، ولا خردلة واحدة ، ببركة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما نظر المنافقون إلى ذلك قال بعضهم لبعض ، وأقبل الأصاغر على الأكابر وقالوا : لا جزيتم عنا خيرا ، أنتم صددتمونا عن الهدى بعد إذ جاءنا ، تصدونا عن دين محمّد ، ولا بيان أوثق مما رأينا ، ولا شرح أوضح مما سمعنا؟!

وأنكر الأكابر على الأصاغر ، فقالوا لهم : لا تعجبوا من هذا ، فإن هذا قليل من سحر محمّد.

فلمّا سمع النبيّ مقالتهم حزن حزنا شديدا ، ثم أقبل عليهم فقال : كلوا ، لا أشبع الله بطونكم. فكان الرجل منهم يلتقم اللقمة من الصحفة ويهوي بها إلى فيه ، فيلوكها لوكا شديدا ، يمينا وشمالا ، حتّى إذا همّ ببلعها خرجت اللقمة من فيه ، كأنّها حجر.

٢١٤

__________________

فلمّا طال ذلك عليهم ضجوا بالبكاء والنحيب ، وقالوا : يا محمّد.

قال النبيّ : يا محمّد! قالوا : يا أبا القاسم.

قال النبيّ : يا أبا القاسم! قالوا : يا رسول الله.

قال النبيّ : لبيكم.

وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا نودي باسمه يا أحمد يا محمّد ، أجاب بهما ، وإذا نودي بكنيته ، أجاب بها ، وإذا نودي بالرسالة والنبوة أجاب بالتلبية.

فقال النبيّ : ما الذي تريدون؟ قالوا : يا محمّد ، التوبة التوبة ، ما نعود ـ يا محمّد ـ في نفاقنا أبدا.

فقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على قدميه ، ورفع يديه إلى السماء ، ونادى :

اللهم إن كانوا صادقين فتب عليهم ، وإلّا فأرني فيهم آية لا تكون مسخا ولا قردا ، لأنّه رحيم بامته.

قال : فما اشبه ذلك اليوم إلّا بيوم القيامة ، كما قال الله عزوجل : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) فأمّا من آمن بالنبيّ فصار وجهه كالشمس عند ضيائها ، وكالقمر في نوره.

وأمّا من كفر من المنافقين ، وانقلب إلى النفاق والشقاق ، فصار وجهه كالليل في ظلامه.

وآمن بالنبيّ مائة رجل ، وانقلب إلى الشقاق والنفاق اثنان وسبعون رجلا ، فاستبشر النبيّ بإيمان من آمن ، وقال : لقد هدى الله هؤلاء ببركة عليّ وفاطمة.

وخرج المؤمنون متعجبون من بركة الصحفة ومن أكل منها من الناس ، فأنشد ابن رواحة شعرا :

نبيكم خير النبيين كلهم

كمثل سليمان يكلمه النمل

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أسمعت خيرا يا ابن رواحة ، إنّ سليمان نبيّ ، وأنا خير منه ولا فخر ، كلّمته النملة ، وسبّحت في يدي صغار الحصى ، فنبيكم خير النبيين كلهم ولا فخر ، فكلهم إخواني.

فقال رجل من المنافقين : يا محمّد ، وعلمت أنّ الحصى سبّح في كفّك ، قال : إي ، والذي بعثني بالحق نبيا.

فسمعه رجل من اليهود ، فقال : والذي كلّم موسى بن عمران على الطور ، ما سبّح في كفّك الحصى.

فقال النبيّ : بلى ، والذي كلّمني في الرفيع الأعلى ، من وراء سبعين حجابا ، غلظ كل حجاب مائة عام.

ثم قبض النبيّ على كف من الحصى ، فوضعه في راحته ، فسمعنا له دويا كدوي الإذن إذا سدت

٢١٥

خبر ليلة الزفاف

[٥٥ / ١٣] ـ حدّثنا (١) أبو المفضّل محمّد بن عبد الله ، قال : [حدّثنا] أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد الهمدانيّ ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن [أحمد بن] الحسن ، عن موسى بن إبراهيم المروزيّ ، قال حدّثنا موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم‌السلام ، عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ ، قال :

لمّا زوّج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة من عليّ عليهما‌السلام ، أتاه اناس (٢) من قريش ، فقالوا : إنّك زوّجت عليّا بمهر قليل!

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أنا زوّجت عليّا ولكن الله تعالى زوّجه (٣) ليلة اسري بي إلى السماء [فصرت] عند سدرة المنتهى ، أوحى الله تعالى إلى السدرة (٤) أن انثري ما (٥) عليك ، فنثرت الدرّ والجوهر (٦) والمرجان ، فابتدر الحور العين فالتقطن ، فهنّ يتهادينّه ويتفاخرنّ به ويقلن : هذا من نثار فاطمة عليها‌السلام بنت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

بالإصبع.

فلمّا سمع اليهودي ذلك ، قال : يا محمّد ، لا أثر بعد عين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأنّك ـ يا محمّد ـ رسوله. وآمن من المنافقين أربعون رجلا ، وبقي اثنان وثلاثون رجلا.

ونقل الخبر السيّد هاشم البحراني في مدينة المعاجز ٢ : ٣٤٠ / ٥٩٢ عن الدلائل.

(١) في «أ» : (حديث) ، وفي «و» : (حدّث).

(٢) في «س» «و» «ه» : (ناس).

(٣) في «أ» «و» : (ولكنّها زوّجها) كذا بدل من : (ولكن الله تعالى زوّجه).

(٤) في «س» «ه» : (إلى السماء والسدرة).

(٥) كلمة (ما) ليست في «أ».

(٦) ليست في «أ».

٢١٦

فلمّا كانت ليلة الزفاف أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ببغلته الشهباء ، وثنّى (١) عليها قطيفة ، وقال لفاطمة عليها‌السلام : اركبي ، وأمر سلمان أن يقودها والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يسوقها.

فبينما هم في بعض (٢) الطريق إذ سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وجبة (٣) ، فإذا هو جبرئيل في سبعين ألفا من الملائكة (٤) وميكائيل في سبعين ألفا.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أهبطكم إلى الأرض؟

قالوا : جئنا نزف فاطمة عليها‌السلام إلى زوجها عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

فكبّر جبرئيل وميكائيل ، وكبّرت الملائكة ، وكبّر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥).

فوقع التكبير على العرائس (٦) من تلك الليلة (٧) سنّة.

قال عليّ عليه‌السلام (٨) : ثمّ دخل (٩) إلى منزله ، فدخلت إليه فدنوت منه ، فوضع كفّ [فاطمة] الطيّبة (١٠) في كفّي ، وقال : أدخلا المنزل ولا تحدثا أمرا حتّى آتيكما.

قال عليّ عليه‌السلام : فدخلت أنا وهي المنزل ، فما كان إلّا أن دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبيده

__________________

(١) في «أ» «و» : (ونثر).

(٢) ليست في «أ».

(٣) الوجبة : السقطة مع الهدة. ووجب وجبة : سقط إلى الأرض ، وفي حديث سعيد : لو لا أصوات السافرة لسمعتم وجبة الشمس ، أي سقوطها مع المغيب. وفي حديث صلة بن أشيم : فإذا بوجبة وهي صوت السقوط (انظر لسان العرب ١ : ٧٩٤).

(٤) قوله : (من الملائكة) لم يرد في «س» «و» «ه».

(٥) قوله : (وكبّر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله) ساقط من «أ».

(٦) في «أ» «و» : (القوانين).

(٧) ليست في «أ» «و».

(٨) في نسخة بدل من «أ» : (قالت فاطمة عليها‌السلام) بدل من : (قال عليّ عليه‌السلام) وفي متنها كالمثبت.

(٩) في «أ» «و» : (دخلت).

(١٠) في النسخ : (كفّه اللطيفة) والمثبت عن دلائل الإمامة.

٢١٧

مصباح ، فوضعه في ناحية المنزل ، ثمّ قال : يا عليّ ، خذ في ذلك القعب ماء من تلك الشكوة (١).

قال : ففعلت ، ثمّ أتيته به ، فتفل صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه تفلات ، ثمّ ناولني القعب ، فقال : اشرب. فشربت ، ثمّ رددته إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فناوله فاطمة عليها‌السلام. ثمّ قال لها : اشربي حبيبتي ، فجرعت منه ثلاث جرعات ، ثمّ ردّته على أبيها ، وأخذ ما بقي من الماء فنضحه على صدري وصدرها.

ثمّ قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٢).

ثمّ رفع يده فقال : يا ربّ إنّك لم تبعث نبيّا إلّا وقد (٣) جعلت له عترة ، اللهمّ فاجعل العترة الهادية من عليّ وفاطمة ، ثمّ خرج.

قال عليّ عليه‌السلام (٤) : فبت بليلة لم يبت أحد من العرب بمثلها ، فلمّا (٥) كان في (٦) آخر السحر حسست بمشي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله معنا فذهبت لأنهض ، فقال لي : مكانك يا عليّ أتيتك في فراشك رحمك الله. فأدخل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رجليه معنا في الدثار ، ثمّ أخذ مدرعة كانت تحت رأس فاطمة.

ثمّ استيقظت فاطمة ، فبكى وبكت ، وبكيت لبكائهما ، فقال [لي] : و (٧) ما يبكيك يا عليّ؟

__________________

(١) الشكوة : وعاء كالدلو : أو القربة الصغيرة ، وجمعها شكى (انظر لسان العرب ١٤ : ٤٤١).

والعقب : القدح الضخم (انظر لسان العرب ١ : ٦٨٣).

(٢) الأحزاب : ٣٣.

(٣) (قد) ليست في «أ».

(٤) الاسم المبارك ليس في «أ» «و».

(٥) في «س» «و» «ه» : (فلمّا أن).

(٦) ليست في «أ».

(٧) الواو ليست في «أ» «و».

٢١٨

قال : قلت : فداك أبي وأمّي ، بكيت وبكت فاطمة ، فبكيت لبكائكما (١).

قال : نعم أتاني جبرئيل عليه‌السلام ، فبشّرني بفرخين كريمين يكونان (٢) لك ، ثمّ عزّيت بأحدهما وعرفت أنّه يقتل غريبا عطشانا ، قال (٣) فبكت فاطمة حتّى علا بكاؤها.

ثمّ قالت : يا أبة لم يقتلوه وأنت جدّه ، وعليّ أبوه ، وأنا أمّه؟!

قال : يا بنيّة طلب الملك ، أما إنّه ليعلن عليهم سيفا لا يغمد إلّا على يدي المهدي من ولدك.

يا عليّ ، من أحبّك وأحبّ ذريّتك فقد أحبّني ، ومن أحبّني فقد أحبّه الله ، ومن أبغضك وأبغض ذريّتك فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغضه الله وأدخله النار (٤).

__________________

(١) في «س» «ه» : (لبكائهما).

(٢) ليست في «أ» «و».

(٣) ليست في «س» «و» «ه».

(٤) رواه المؤلّف في دلائل الإمامة : ١٠٠ / ٣٠ ، وعنه في مدينة المعاجز ٢٠ : ٣٤٦ / ٥٩٣.

وأورد الحديث إلى قوله : على العرائس من تلك الليلة ، كلّ من : الصدوق في من لا يحضره الفقيه ٣ : ٤٠١ / ٤٤٠٢ وعنه في وسائل الشيعة ٢٠ : ٩٢ / ٤ مسندا عن جابر ، والشيخ الطوسي في أماليه : ٢٥٧ / ٢ وعنه في حلية الابرار ١ : ١٨٦ / ٥ وبحار الأنوار ٤٣ : ١٠٤ / ١٥ ، وج ١٠٣ : ٢٧٤ / ٣١ ، مسندا أيضا.

والطبرسي في مكارم الاخلاق : ٢٠٨ ، وعنه في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٦٦ / ٨ ، مرسلا ، والحسن بن سليمان الحلي في المحتضر : ١٣٧ مرسلا.

ورواه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ١٢٧. والسند فيه : أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا عاصم بن الحسن بن محمّد ، أنا عبد الواحد بن محمّد ، أنا أحمد بن محمّد بن سعيد ، أنا محمّد بن أحمد بن الحسن ، نا موسى بن إبراهيم المروزي ، نا موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن جابر بن عبد الله ، قال : ..

٢١٩

خبر الطيب

[٥٦ / ١٥] ـ روى جابر الجعفيّ ، عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، عن أبيه ، عن عليّ بن الحسين عليهم‌السلام ، عن محمّد بن عمّار بن ياسر ، قال : سمعت أبي عمّار بن ياسر ، يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليّ عليه‌السلام يوم زوّجه فاطمة عليها‌السلام (١) :

يا عليّ ، ارفع رأسك إلى السماء فانظر ما ترى؟

قال عليه‌السلام : رفعت رأسي ورأيت جوار مزيّنات معهنّ هدايا.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فأولئك خدمك وخدم فاطمة في الجنّة ، فانطلق إلى منزلك ، فلا تحدث شيئا حتّى آتيك.

[قال عمّار] : فما كان إلّا [أن] مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى منزله ، وأمرني أن أهدي لها طيبا.

قال عمّار : فلمّا كان من الغد جئت إلى منزل فاطمة عليها‌السلام ومعي الطيب.

فقالت عليها‌السلام : يا أبا اليقظان ، ما هذا الطيب؟ قلت : طيب ، أمرني به أبوك أن أهديه لك.

قالت عليها‌السلام : والله لقد أتاني من السماء طيب مع جوار من الحور العين ، وإنّ فيهنّ جارية حسناء كأنّها القمر ليلة البدر.

فقلت : من بعث بهذا الطيب؟

فقالت عليها‌السلام : دفعه لي رضوان خازن الجنّة ، وأمر هؤلاء الجواري أن ينحدرن معي ومع كلّ واحدة منهنّ ثمرة من ثمار الجنّة في اليد اليمنى ، وفي اليد اليسرى

__________________

(١) في «س» «ه» اضافة : (من علي).

٢٢٠