نوادر المعجزات في مناقب الأئمّة الهداة عليهم السلام

أبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي الصغير

نوادر المعجزات في مناقب الأئمّة الهداة عليهم السلام

المؤلف:

أبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي الصغير


المحقق: الشيخ باسم محمّد الأسدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-397-205-4
الصفحات: ٤٦٤

١
٢

٣
٤

٥
٦

مقدّمة المحقّق

٧

٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله ما اختلف الملوان وتعاقب العصران ، وكرّ الجديدان ، واستقبل الفرقدان ، وبلّغ روحه وأرواح أهل بيته منّا التّحيّة والسّلام.

المعجزة

تمهيد

إنّ كلّ شيء في الكون يخضع لنظام ثابت وفق قوانين معينة لا تحتمل التغيير ، إلّا وفقا للمصلحة الإلهيّة ـ وهي المعجزة كما سيأتي ـ ، فإذا حدث خلل أو تغيير فيها فإنّ ذلك يعني حدوث اختلال في الكون ، مثلا لو فرضنا أنّ الجاذبيّة تبدّلت من قوّة جاذبة إلى قوّة دافعة ، فإنّ الإنسان في هذه الحالة لا يستطيع السير على الأرض ، وإنّما يتحرّك طائرا فيها حاله حال روّاد الفضاء عند ما يتحرّكون على سطح القمر.

وهذه الأنظمة والقوانين بعض منها أدركها الإنسان وطوّر نفسه شيئا فشيئا حتّى تقدّم في العلم ووصل إلى القمر من خلال صناعته المركبات الفضائية مثلا.

٩

وبعض منها لم يدركها الآن وربّما يدركها مستقبلا ، أو في زمان ظهور صاحب الأمر والزمان عليه‌السلام (١).

والبعض الآخر لم ولن يدركها ، وتبقى طيّا في حكمة الخالق جلّ وعزّ ، وهي التي خصّ بها أنبياءه ورسله وأئمة الدين الهداة المعصومين عليهم أفضل الصلوات والتحيّات ألا وهي المعجزة ، والتي ألفت إليها البشر منذ مجيء الأنبياء والرسل عليهم‌السلام وأوصيائهم الكرام.

وإنّنا نلاحظ ومن خلال ما قصّه علينا القرآن الكريم وما ينقله لنا التاريخ ، أنّ كلّ مجتمع يتواجد فيه نبيّ أو وصيّ نبيّ فإنّ الناس يطلبون منه أن يريهم بعض المعجزات وخوارق العادات ـ ولا يكتفون بواحدة أو باثنتين أو .. ، كما حدث في بني إسرائيل ، إمّا شرطا لتصديقه والإيمان به ، كقولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) (٢) أو للاطمئنان القلبي ، كما ستشاهده في بعض روايات كتابنا هذا ، أو تفكّها «تبطّرا» ، كما حدث لقوم عيسى عليه‌السلام عند ما قالوا له : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) (٣).

هذا وإنّ هناك معجزات أخرى ليست ضمن تقسيمنا هذا ونذكر منها :

١ ـ معجزات اضطراريّة : كمعجزة موسى عليه‌السلام عند فلقه البحر وذلك لنجاة قومه

__________________

(١) جاء في رواية رواها موسى بن عمر ، عن ابن محبوب ، عن صالح بن حمزة ، عن أبان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : العلم سبعة وعشرون حرفا فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتّى اليوم غير الحرفين ، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفا فبثّها في الناس ، وضمّ إليها الحرفين ، حتّى يبثها سبعة وعشرين حرفا. (انظر الخرائج والجرائح ٢ : ٨٤١ / ٥٩ ، وعنه في بحار الأنوار ٥٢ : ٣٣٦ / ٧٣ ، واوردها الحسن بن سليمان في مختصر بصائر الدرجات : ١١٧).

(٢) الإسراء : ٩٠.

(٣) المائدة : ١١٣.

١٠

من فرعون وحزبه ، كما حدّثنا القرآن الكريم عن ذلك : (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (١).

٢ ـ معجزات للتحدّي : كمعجزة عصا موسى عليه‌السلام وانقلابها ثعبانا يلتهم حبال السحرة وعصيهم ، (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ* فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢).

٣ ـ معجزات وقعت بدون قصد التحدّي وإنّما يمكن أن نطلق عليها أنّها للتفضيل أو للوصول إلى أعلى مراحل الكمال كمعجزة معراج نبيّنا الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله والذي تحدّث القرآن عنها في خمسة عشر آية منها : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (٣).

٤ ـ معجزات للعقاب : مثل تحوّل المياه التي يشربها ملأ فرعون إلى دم ، ومداهمة القمل والضفادع والجراد ، كما جاء في الآية (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ) (٤).

وغيرها من المعجزات الأخرى ...

وبعد هذا التمهيد نقول :

ما هي المعجزة

المعجزة : على ما هو معروف بين الجميع وعلى ما هو المستفاد من كتب اللغة العربيّة هي : ما يجعل غيره عاجزا ، ثمّ عرفت في الفعل الذي يعجز القادر عن

__________________

(١) الشعراء : ٦٣.

(٢) الاعراف : ١١٧ ـ ١١٨.

(٣) الاسراء : ٢ وانظر باقي الآيات في سورة النجم : ٦ ـ ١٩.

(٤) الأعراف : ١٣٣.

١١

الإتيان بمثله ، أو الأمر الخارق للعادة المطابق للدعوى المقرون بالتحدّي ، أو هي التي يعجز البشر عن أن يأتوا بمثلها ، لا إمكانا ولا وقوعا.

وقيد : «لا إمكانا ولا وقوعا» ، لإخراج ما يعجز عنه البشر اليوم ، ويتمكّن منه غدا ، كما في التطوّر الحاصل في الاكتشافات التكنلوجيّة والعلميّة وفي كلّ حقول العلوم ، كالاكتشافات الذرّيّة مثلا ، فالبشر قبل مائة سنة عاجزون عن صناعة القنبلة الذرّيّة ، لكنّهم في خمسينيات القرن الماضي ، استطاعوا صناعة القنبلة ، والعجز هنا عجز وقوع لا عجز إمكان ، أمّا مثل إحياء الموتى فالبشر عموما ـ إلّا من أذن له الله عزوجل ـ عاجزون وقوعا : لا يتمكّنون من ذلك في كلّ حين ، اليوم وبالأمس وفي المستقبل.

وفي الشرع والاصطلاح عرّفها لنا قطب الدين الراونديّ فقال : هو كلّ حادث من فعل الله أو بأمره أو تمكينه ناقض لعادة الناس في زمان تكليف مطابق لدعوته أو ما يجري مجراه (١).

وعرّفها السيّد الخوئي رحمه‌الله : أن يأتي المدّعي لمنصب من المناصب الإلهيّة بما يخرق نواميس الطبيعة ويعجز عنه غيره شاهدا على صدق دعواه ، وإنّما يكون المعجز شاهدا على صدق ذلك المدّعي إذا أمكن أن يكون صادقا في تلك الدعوى وأمّا إذا امتنع صدقه في دعواه بحكم العقل ، أو بحكم النقل الثابت عن نبيّ أو إمام معلوم العصمة ، فلا يكون ذلك شاهدا على الصدق ولا يسمّى معجزا في الاصطلاح وإن عجز البشر عن أمثاله.

مثال الأول : ما إذا ادّعى أحد أنّه إله ، فإنّ هذه الدعوى يستحيل أن تكون صادقة بحكم العقل ، للبراهين الصحيحة الدالّة على استحالة ذلك.

__________________

(١) انظر الخرائج والجرائح ٣ : ٩٧٤.

١٢

ومثال الثاني : ما إذا ادّعى أحد النبوّة بعد نبيّ الإسلام ، فإنّ هذه الدعوى كاذبة قطعا بحكم النقل المقطوع بثبوته عن نبيّ الإسلام وعن خلفائه المعصومين بأنّ نبوّته خاتمة النبوّات ، وإذا كانت الدعوى باطلة قطعا فما ذا يفيد الشاهد إذا أقامه المدّعي؟ ولا يجب على الله جلّ شأنه أن يبطل ذلك بعد حكم العقل باستحالة دعواه ، أو شهادة النقل ببطلانها.

هذا وقد يدعي أحد منصبا إلهيا ثمّ يأتي بشيء يعجز عنه غيره من البشر ويكون ذلك الشيء شاهدا على كذب المدّعى ، كما يروى أنّ «مسيلمة الكذّاب» تفل في بئر قليل الماء ليكثر ماؤها فغار جميع ما فيها من الماء ، وأنّه أمرّ يده على رءوس صبيان بني حنيفة وحنّكهم فأصاب القرع كلّ صبيّ مسح رأسه ، ولثغ كلّ صبيّ حنكه (١). فإذا ادّعى المدّعي بمثل هذا الشاهد لا يجب على الله أن يبطله ، فإنّ في هذا كفاية لإبطال دعواه ، ولا يسمّى ذلك معجزا في الاصطلاح (٢).

وقبل التطرّق إلى شيء مختصر من الإعجاز الموجود في القرآن الكريم ـ المعجزة الكبرى والدائميّة على مرّ العصور ـ لا بدّ أن نبيّن عدّة امور منها :

ا) شروط مفهوم المعجزات

قال قطب الدين الراونديّ : واعلم أنّ شروط مفهوم المعجزات امور :

١ ـ أن يعجز من مثله ، أو عمّا يقاربه المبعوث إليه وجنسه ، لأنّه لو قدر عليه ، أو واحد من جنسه في الحال لما دلّ على صدقه ، ووصيّ النبيّ عليهما‌السلام حكمه حكمه.

٢ ـ أن يكون من فعل الله تعالى ، أو بأمره وتمكينه ، لأنّ المصدّق بالمعجز هو الله تعالى ، فلا بدّ أن يكون من جهته تعالى ، ما يصدق به النبيّ أو الوصيّ.

__________________

(١) انظر الكامل في التاريخ ٢ : ١٣٨.

(٢) انظر البيان في تفسير القرآن : ٣٢ ـ ٣٣.

١٣

٣ ـ أن يكون ناقضا للعادة ، لأنّه لو فعل ما كان معتادا لم يدلّ على صدقه ، كطلوع الشمس من مشرقها.

٤ ـ أن يحدث عقيب دعوى المدّعي أو جاريا مجراه والذي يجري مجرى ذلك هو أن يدّعي النبوّة ويظهر عليه معجزا ، ثمّ تشيع دعواه في الناس ، ثمّ يظهر معجز من دون تجديد دعوى لذلك ؛ لأنّه إذا لم يظهر كذلك لم يعلم تعلّقه بالدعوى ، فلا يعلم أنّه تصديق له في دعواه.

٥ ـ أن يظهر ذلك في زمان التكليف ، لأنّ أشراط الساعة تنتقض بها عادته تعالى ولا يدلّ على صدق مدّع (١).

ب) الفصل بين المعجزة والحيلة

قد تقدّم منّا بيان تعريف المعجزة والآن وقبل بيان الفصل بين المعجزة والحيلة لا بأس أن نعطي تعريفا بسيطا للحيلة ، فنقول :

الحيلة : هي إيهام الأمر للخديعة ، وحال بينه وبينه مانع (٢).

وعرّفها الراونديّ : هي أن يرى صاحب الحيلة الأمر في الظاهر على وجه لا يكون عليه ويخفي وجه الحيلة فيه ، نحو عجل السامري الذي جعل فيه خروقا تدخل فيها الريح ، فيسمع منه صوت (٣).

وبعد هذا التعريف يمكننا أن نبيّن وجوه الفرق بين المعجزة والحيلة ، وهي :

١ ـ أنّ المعجز لا يدخل جنسه تحت مقدور العباد ، كقلب العصا حيّة ، وإحياء الموتى ، وغير ذلك.

__________________

(١) انظر الخرائج والجرائح ٣ : ٩٧٥.

(٢) انظر التبيان في تفسير القرآن ١ : ٨٧.

(٣) انظر الخرائج والجرائح ٣ : ١٠١٨.

١٤

٢ ـ أنّ المعجز لا يحتاج إلى التعليم ، بخلاف الحيلة ، فإنّها تحتاج إلى التعليم.

٣ ـ أنّ المعجز يكون ناقضا للعادة ، بخلاف الحيلة ، فإنّها لا تكون ناقضة للعادة.

٤ ـ أنّ المعجز لا يحتاج إلى الآلات ، بخلاف الحيلة فإنّها تحتاج إلى الآلات.

٥ ـ أنّ المعجز إنّما يظهر عند من يكون من أهل ذلك الباب ، ويروج عليهم ، والحيلة إنّما تظهر عند العوام ، والذين لا يكونون من أهل ذلك الباب ويروج على الجهّال (١).

ج) الفرق بين المعجزة والسحر

قبل بيان الفرق نقول : ما هو السحر؟

الجواب : قيل في السحر عدّة أقوال وهنا نتعرّض لبعض منها :

١ ـ السحر تخييل ما ليس له حقيقة كالحقيقة ، بحيث يتعذّر على من لا يعلم وجه الحيلة فيه (٢).

٢ ـ السحر : حيلة توهم المعجزة بحال خفيّة ، وأصله خفاء الأمر (٣).

٣ ـ السحر : لطف الحيلة في إظهار أعجوبة توهم المعجزة (٤).

٤ ـ السحر : كلام يتكلّم به أو يكتبه ، أو رقية ، أو يعمل شيئا يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة ، والأقرب أنّه لا حقيقة له وإنّما هو تخييل ، وعلى كلّ تقدير لو استحلّه ـ أي الإنسان ـ قتل ، ويجوز حلّ السحر بشيء

__________________

(١) انظر الخرائج والجرائح ٣ : ٩٩٥.

(٢) انظر رسائل المرتضى ٢ : ٢٧٢.

(٣) انظر التبيان ٩ : ٣٩٢.

(٤) انظر تفسير مجمع البيان ٤ : ٣٢٥.

١٥

من القرآن أو الذكر أو الأقسام لا بشيء منه (١).

٥ ـ السحر : مختصّ بكلّ أمر مخفي سببه ، ويتخيّل على غير حقيقة ويجري مجرى التمويه والخداع ، قال الله تعالى : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) (٢).

٦ ـ نقل لنا الشيخ الطوسيّ في التبيان أربعة أقوال في السحر ، فقال :

منها : أنّه خدع ومخاريق ، وتمويهات لا حقيقة لها يخيّل إلى المسحور أنّ لها حقيقة.

ومنها : أنّه أخذ بالعين على وجه الحيلة.

ومنها : أنّه قلب الحيوان من صورة إلى صورة ، وإنشاء الأجسام على وجه الاختراع ، فيمكن الساحر أن يقلب الإنسان حمارا أو ينشئ أجساما.

ومنها : أنّه ضرب من خدمة الجنّ كالذي يمسك له التجدل فيصرع.

ثمّ قال : وأقرب الأقوال القول الأوّل ، لأنّ كلّ شيء خرج عن العادة الخارقة ، فإنّه لا يجوز أن يتأتّى من الساحر ، ومن جوّز للساحر شيئا من هذا ، فقد كفر لأنّه لا يمكنه مع ذلك العلم بصحّة المعجزات الدالّة على النبوّات ، لأنّه أجاز مثله من جهة الحيلة والسحر (٣).

ومن هذه الأقوال وممّا مرّ من بيان المعجزة يمكن أن نستشف بعض الفروق بين المعجزة والسحر على نحو الإجمال :

__________________

(١) انظر قواعد الأحكام ٢ : ٩.

(٢) مجمع البحرين ٢ : ٣٤٦ ، والآية ٦٦ من سورة طه.

(٣) انظر التبيان في تفسير القرآن ١ : ٣٧٤.

١٦

١ ـ المعجزة حقيقة ثابتة (١) ، والسحر خيال أو وهم (٢) ، ويؤثّر على الحواس فقط (٣).

٢ ـ المعجزة لا تدخل تحت مقدور البشر إلّا من خصّه الله من نبيّ أو وصيّ ، والسّحر يدخل تحت مقدور كلّ البشر.

٣ ـ المعجزة لا يمكن تعلّمها وكذا تعليمها ، والسحر يمكن فيه التلمذ والتعلّم ولا يختصّ به واحد دون آخر.

٤ ـ السحر يستخدمه الأشرار وفي الغالب للتفريق بين المرء وزوجه ولضرر الآخرين و.. (٤).

٥ ـ السحر لا يظهر إلّا من فاسق.

هذا وإنّ السحر لا يختلف كثيرا عن الحيلة ـ لذا فإنّ بعض نقاط الفرق بين المعجزة والحيلة يمكن أن نجريها هنا ، بل هما متّحدان في كثير من الأمور ، وهذا ما يوضحه لنا قطب الدين الراونديّ حيث يقول :

ما ألقى سحرة فرعون من حبالهم وعصيهم حتّى خيّل إلى الناظر إليها من

__________________

(١) مثل قلب العصا إلى حية ، وإحياء الموتى ، وإطعام الخلق الكثير من الطعام اليسير ، وناقة صالح التي كانت تدر اللبن الوفير ، و...

(٢) (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) طه : ٦٦.

(٣) (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) الأعراف : ١١٦.

(٤) وتصديق ذلك الآية : ١٠٢ من سورة البقرة ، وهي : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).

١٧

سحرهم أنّها تسعى ، احتالوا في تحريك العصا والحبال لأنّهم جعلوا فيها من الزئبق ، فلمّا طلعت الشمس عليها ، تحرّكت بحرارة الشمس ـ ومثلها الكثير من أنواع الحيل والتمويه والتلبيس ـ وخيّل للناس أنّها تتحرّك كما تتحرّك الحيّة ، وإنّما سحروا أعين الناس لأنّهم أروهم شيئا لم يعرفوه ، ولو كانت حيّات حقيقيّة لقال الله تعالى ذلك ، حيث قال الله سبحانه وتعالى : (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) ، ولم يقل عزوجل «فلما ألقوا صارت حيّات» ثمّ قال تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (١) أي ألقاها فصارت ثعبانا فإذا هي تبتلع ما يأفكون فيه من الحبال والعصي ، وإنّما ظهر ذلك للسحرة على الفور ، لأنّهم لمّا رأوا تلك الآيات والمعجزات في العصا ، علموا أنّه أمر سماويّ لا يقدر عليه غير الله تعالى ... فاعترفوا كلّهم ـ أي السحرة ـ واعترف كثير من الناس معهم بالتوحيد ، والنبوّة ، وصار إسلامهم حجّة على فرعون وقومه (٢).

هذا ، وإنّ العقلاء يميّزون بين السحر والحيلة والمعجزة ولا يشكّون في المعجزة وأنّه ليس فيها وجه من السحر أو الحيلة أو .. ، كمعجزة قلب العصا حيّة ، وإحياء الميت ، وكلام الجمادات والحيوانات من البهائم والسباع والطيور و..

المعجزة والكرامة

الكرامة : هي أيضا أمر خارق للعادة أو للمألوف ، يخصّ الله عزوجل بها بعض عباده من الذين أخلصوا لله عزوجل في عبادتهم وهم نخبة ممّن نالوا الدرجات العلى مثل : سلمان الفارسي ، وعمّار بن ياسر ، وأويس القرني و...

__________________

(١) الاعراف : ١١٧.

(٢) للمزيد من الامثلة انظر الخرائج والجرائح ٣ : ١٠٢٠ ـ ١٠٢٢.

١٨

هذا وقد أكّدها ـ أي الكرامة ـ الله سبحانه وتعالى من خلال آيات عديدة ، منها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ ما جرى للسيّدة مريم ابنة عمران عليها‌السلام ، حيث جاء في قوله تعالى : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (١).

الفرق بين المعجزة والكرامة

أنّ الكرامة من شرطها الاستتار ، والمعجزة من شرطها الإظهار ، وكذلك الكرامة ما تظهر من غير دعوى ، والمعجزة ما تظهر من دعوى الأنبياء فيطالبون بالبرهان فيظهر أثر ذلك.

الإمام والمعجزة

إنّ المعجزة تظهر عند الأنبياء والأوصياء ، وكما هو المعلوم أنّ أئمّتنا عليهم‌السلام هم أوصياء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال الشيخ الطوسي : إذا كان فائدة المعجز تصديق من ظهر على يده فيجب جواز ظهوره على يد بعض الأئمّة والصالحين إذا ادّعوا الإمامة والصلاح وكانوا صادقين ؛ فإنّه إذا كان مقتضاه تصديق من ظهر على يده ، فإن كان ذلك مدّعيا للإمامة علمنا بها صدقه ، وإن ادّعى صلاحا فمثل ذلك ؛ لأنّه لا بدّ من دعوى يقترن بها (٢).

وقال الشيخ المفيد : فأمّا ظهور المعجزات على يد الأئمّة والإعلام فإنّه من

__________________

(١) آل عمران : ٣٧.

(٢) الاقتصاد للشيخ الطوسي : ١٥٨ ـ ١٥٩ ، وانظر تأييدا لهذا الكلام الحديث ٣ من معجزات الإمام السجاد عليه‌السلام من كتابنا هذا.

١٩

الممكن الذي ليس بواجب عقلا ولا ممتنع قياسا ، وقد جاءت بكونه منهم عليهم‌السلام الأخبار على التظاهر والانتشار ، فقطعت عليه من جهة السمع وصحيح الآثار ، ومعي في هذا الباب جمهور أهل الإمامة ، وبنو نوبخت تخالف فيه وتأباه.

وكثير من المنتمين إلى الإمامية يوجبونه عقلا كما يوجبونه للأنبياء عليهم‌السلام ، والمعتزلة بأسرها على خلافنا جميعا فيه سوى ابن الإخشيد ومن اتّبعه ، فإنّهم يذهبون فيه إلى الجواز ، وأصحاب الحديث كافّة تجوّزه لكلّ صالح من أهل التقى والإيمان ، ثمّ قال :

القول في ظهور المعجزات على المنصوبين من الخاصّة والسفراء والأبواب :

وأقول : إنّ ذلك جائز لا يمنع منه عقل ولا سنّة ولا كتاب ، وهو مذهب جماعة من مشايخ الإماميّة ، وإليه يذهب ابن الإخشيد من المعتزلة وأصحاب الحديث في الصالحين والأبرار ، وبنو نوبخت من الإماميّة يمنعون من ذلك ، ويوافقون المعتزلة في الخلاف علينا فيه ، ويجامعهم على ذلك الزيديّة والخوارج المارقة من الإسلام (١).

وقال العلّامة المجلسي رحمه‌الله في بيان له على الكلام ما نصّه :

الحقّ أنّ المعجزات الجارية على أيدي غير الأئمّة عليهم‌السلام وأصحابهم ونوّابهم إنّما هي معجزاتهم عليهم‌السلام تظهر على أيدي أولئك السفراء لبيان صدقهم ، .. ومذهب النوبختيّة ، هنا في غاية السخافة والغرابة (٢).

وقال أبو الصلاح الحلبيّ : ـ في ضمن كلام طويل ـ : كلام الطفل معجز ،

__________________

(١) أوائل المقالات : ٦٨ ـ ٦٩.

(٢) بحار الأنوار ٣٧ : ٣١.

٢٠