نوادر المعجزات في مناقب الأئمّة الهداة عليهم السلام

أبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي الصغير

نوادر المعجزات في مناقب الأئمّة الهداة عليهم السلام

المؤلف:

أبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي الصغير


المحقق: الشيخ باسم محمّد الأسدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-397-205-4
الصفحات: ٤٦٤

قل له : بلغني عنك كيت وكيت ، وكرهت أن أعتب عليك في وجهك ، فينبغي أن لا تذكر فيّ إلّا الحقّ [فقد أغضيت على القذى] إلى أن يبلغ الكتاب أجله.

فنهض إليه سلمان وأبلغه ذلك وعاتبه [ثمّ أخذ في ذكر مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام ووصف فضله وبراهينه].

فقال عمر : يا سلمان عندي كثير من عجائب عليّ ، ولست أنكر فضله.

فقال سلمان : حدّثني بشيء ممّا رأيته ، فقال عمر : نعم يا أبا عبد الله ، خلوت ذات يوم بابن أبي طالب في شيء من أمر الخمس ، فقطع حديثي وقام من عندي وقال : مكانك حتّى أعود إليك فقد عرضت لي حاجة ، فخرج فما كان بأسرع من أن رجع وعلى ثيابه وعمامته غبار كثير ، فقلت له : ما شأنك؟

فقال : أقبل نفر من الملائكة وفيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يريدون مدينة بالمشرق يقال لها : «جيحون» (١) فخرجت لأسلّم عليهم ، فهذه الغبرة ركبتني من (٢) سرعة المشي.

فضحكت تعجّبا (٣) حتّى استلقيت على قفاي ، فقلت : رجل مات وبلي وإنّك تزعم أنّك لقيته الساعة (٤) ، وسلّمت عليه؟! هذا من العجائب!

__________________

(١) جيحون : بالفتح ، وهو اسم أعجمي.

قال حمزة : أصل جيحون بالفارسية هرون ، وهو اسم وادي خراسان على وسط مدينة يقال لها : «جيهان» فنسبه الناس إليها ، وقالوا : جيحون على عادتهم في قلب الألفاظ.

وقال ابن الفقيه : يجيء جيحون من موضع يقال له : ريوساران ، وهو جبل يتّصل بناحية السند والهند وكابل .. (انظر معجم البلدان ٢ : ١٩٦).

(٢) في «س» «ه» : (في).

(٣) ليست في «أ» «ه».

(٤) ليست في «أ» «و».

١٤١

فغضب ونظر إليّ وقال لي (١) : أتكذّبني يا بن الخطّاب؟!

فقلت له : لا تغضب وعد إلى ما كنّا فيه ، فإنّ هذا الأمر ممّا لا يكون.

قال : فإن أريتكه حتّى لا تنكر منه شيئا ، استغفرت الله ممّا قلت؟ قلت : نعم.

فقال : قم معي. فخرجت معه إلى طرف المدينة ، فقال : غمّض عينيك ، فغمضتهما فمسحهما بيده ثلاث مرّات ، ثمّ قال : افتحهما.

ففتحتهما ، فإذا أنا ـ والله ـ يا أبا عبد الله برسول الله في نفر من الملائكة لم أنكر منهم شيئا ، فبقيت ـ والله ـ متحيّرا أنظر إليه ، فلمّا أطلت قال لي (٢) : هل رأيته؟ قلت : نعم.

قال : غمّض عينيك ، فغمضتهما ، ثمّ قال : افتحهما. ففتحتهما ، فإذا لا عين ولا أثر.

قال سلمان : [فقلت له :] هل رأيت من عليّ عليه‌السلام غير ذلك؟

قال : نعم ، لا أكفّ عنك ، استقبلني يوما وأخذ بيدي ومضى بي إلى «الجبّانة» (٣) فكنّا نتحدّث في الطريق ، وكان بيده قوس [فلمّا خلصنا (٤) إلى الجبّانة] رمى بقوسه من يده ، فصار ثعبانا عظيما مثل ثعبان عصا موسى عليه‌السلام ففغر فاه (٥) وأقبل نحوي ليبلعني فلمّا رأيت ذلك كادت (٦) تطير روحي من الخوف

__________________

(١) ليست في «س» «ه».

(٢) ليست في «أ» «و».

(٣) الجبّان : في الأصل : الصحراء ، وأهل الكوفة يسمّون المقابر جبّانة .. وبالكوفة محالّ تسمّى بها ..

(انظر معجم البلدان ٢ : ٩٩).

(٤) خلص فلان الى كذا أي : وصل إليه. وفي الحديث : «إنّي لا أخلص إلى الحجر الأسود من ازدحام الناس» أي لا أصل إليه (انظر مجمع البحرين ١ : ٦٨١).

(٥) فغر فاه : أي فتحه (الصحاح ٢ : ٧٨٢).

(٦) في النسخ : «يكاد» والمثبت من عندنا ، وفي المصادر : (فلمّا رأيت ذلك طارت روحي).

١٤٢

وتنحّيت ، وضحكت في وجه عليّ وقلت : يا مولاي (١) الأمان ، اذكر ما كان بيني وبينك من الجميل.

فلمّا سمع هذا القول منّي ضرب بيده إلى الثعبان وأخذه ، فإذا هو قوسه التي كانت في يده ، ثمّ قال عمر : يا أبا عبد الله فكتمت ذلك عن كلّ واحد وأخبرتك به إنّهم أهل بيت يتوارثون هذه الأعجوبة كابرا عن كابر ، ولقد كانا عبد الله وأبو طالب يأتون بأمثال ذلك في الجاهلية ، وأنا لا أنكر فضل عليّ وسابقته ونجدته وكثرة علمه فأرجع إليه واعتذر عنّي إليه ، وأنشر (٢) عليه بالجميل (٣).

[خبر عطرفة الجنّي]

[٢١ / ٢١] ـ ومنها : في كتاب «الأنوار» : حدّث محمّد بن أحمد بن عبد ربّه (٤) ، قال : حدّثني سليمان بن عليّ الدمشقيّ ، عن أبي هاشم الرمّانيّ (٥) ، عن زاذان (٦) ، عن سلمان قال :

__________________

(١) ليست في «س» «ه».

(٢) نشر الخبر : أذاعه ، وفي الفضائل : (واثن عني) بدل من : (وأنشر).

(٣) رواه الحسين بن عبد الوهاب في عيون المعجزات : ٣٣ ـ ٣٥ ، وعنه وعن البرسي في مدينة المعاجز ١ : ٤٦٤ ـ ٤٦٧ / ٣٠٦ ، وعن عيون المعجزات في إثبات الهداة ٢ : ٤٩٢ / ٣٢٩ ، وأورده ابن شاذان في الفضائل : ٦٢ ـ ٦٣ عن الصادق عليه‌السلام مرسلا ، وعنه في بحار الأنوار ٤٢ : ٤٢ ـ ٤٣ / ١٥.

(٤) في «أ» «و» : (حديث محمّد بن عبد ربّه).

(٥) هو : يحيى بن دينار أبي الأسود ، أبو هاشم الرمّاني الواسطي ، روى عن زاذان وغيره ، ووثّقه الرازي وغيره (انظر الجرح والتعديل ٩ : ١٤٠ ، إكمال الكمال ٤ : ١٢٥).

(٦) هو : أبو عبد الله ، ويقال : أبو عمرو الكندي ، مولاهم الكوفي الضرير البزّاز ، روى عن عدّة وروى عنه عدّة ، وممّن روى عنهم سلمان الفارسي رحمه‌الله ، وروى عنه أبو هاشم الرمّاني ، توفّي سنة ٨٢ ه‍ ، ووثقه ابن حبّان والخطيب وغيرهما (انظر تهذيب التهذيب ٣ : ١٢٨ / ٢٠٤).

١٤٣

كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالسا بالأبطح وعنده جماعة من أصحابه (١) وهو مقبل علينا بالحديث إذ نظرنا (٢) إلى زوبعة (٣) قد ارتفعت ، فأثارت الغبار ، وما زالت تدنو والغبار يعلو إلى أن وقعت بحذاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ برز منها شخص كان فيها ، ثمّ قال :

يا رسول الله ، إنّي وافد قوم ، وقد استجرنا بك فأجرنا ، وابعث معي من قبلك من يشرف على قومنا ، فإنّ بعضهم قد بغوا علينا ، ليحكم بيننا وبينهم بحكم الله وبكتابه وخذ عليّ العهود والمواثيق المؤكّدة أنّ أردّه إليك سالما في غداة غد ، إلّا أن تحدث عليّ حادثة من عند الله.

فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أنت ، ومن قومك؟

قال : أنا «عطرفة (٤) بن شمراخ» [أحد بني كاخ (٥)] أنا وجماعة من أهلي كنّا نسترق السمع ، فلمّا منعنا عن ذلك آمنّا ، ولمّا بعثك الله نبيّا آمنّا بك وصدقناك ، وقد خالفنا بعض القوم ، وأقاموا على ما كانوا عليه فوقع بيننا وبينهم الخلاف وهم أكثر

__________________

(١) في «أ» : (الصحابة).

(٢) في «أ» : (نظر).

(٣) الزوبع والزوبعة : ريح تدور في الأرض لا تقصد وجها واحدا تحمل الغبار وترتفع إلى السماء كأنّه عمود ، أخذت من التّزبّع ، وصبيان الأعراب يكنون الإعصار أبا زوبعة يقال فيه شيطان مارد.

وزوبعة : اسم شيطان مارد أو رئيس من رؤساء الجنّ ؛ ومنه سمّي الإعصار زوبعة. ويقال أمّ زوبعة ، وهو أحد النفر التسعة أو السبعة الذين قال الله عزوجل فيهم : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) (الأحقاف : ٢٩) (انظر لسان العرب ٨ : ١٤٠).

(٤) في عيون المعجزات : (غطرفه) ، وفي اليقين المطبوع : (عرفطة) وما في نسخنا موافق لما في الروضة والفضائل وبحار الأنوار.

(٥) في عيون المعجزات : (نجاح) ، وما أثبتناه عن المصادر والبحار.

١٤٤

منّا عددا وقوّة ، وقد غلبوا على الماء والكلاء ، فابعث معي (١) من يحكم بيننا بالحقّ.

فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : فاكشف لنا عن وجهك حتّى نراك على هيئتك التي أنت عليها.

قال : فكشف لنا عن صورته ، فنظرنا فإذا شخص عليه شعر كثير ، وإذا رأسه طويل ، طويل العينين (٢) عيناه (٣) في طول رأسه ، صغير الحدقتين ، في فيه أسنان كأنّها أسنان السباع ، ثمّ إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ عليه العهد والميثاق على أن يردّ عليه في غداة غد من يبعث به معه.

فلمّا فرغ من ذلك ، التفت إلى أبي بكر وقال له : صر مع عطرفة وانظر إلى ما هم عليه واحكم بينهم بالحقّ.

فقال : يا رسول الله! أين هم؟ قال : هم تحت الأرض.

فقال أبو بكر : كيف أطيق النزول في الأرض؟ وكيف أحكم بينهم ولا أعرف كلامهم؟

ثمّ التفت إلى عمر بن الخطّاب وقال له مثل ما قال لأبي بكر (٤) ، فأجاب مثل جواب أبي بكر ، ثمّ أقبل على عثمان ، وقال له مثل ما قال لهما ، فأجاب مثل جوابهما (٥).

__________________

(١) ليست في «أ».

(٢) في «س» «ه» : (العين).

(٣) في «أ» : (عينه).

(٤) في «س» «ه» : (مثل قول أبي بكر).

(٥) في «س» «ه» : (ما اجابهما).

١٤٥

ثمّ استدعى بعليّ عليه‌السلام وقال له : يا عليّ صر مع عطرفة ، فتشرف على قومه وانظر إلى ما هم عليه ، واحكم بينهم بالحقّ.

فقام أمير المؤمنين عليه‌السلام مع عطرفة ، وقد تقلّد سيفه.

قال سلمان : فتبعته (١) إلى أن صار إلى الوادي (٢) ، فلمّا توسّطاه نظر إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : قد شكر الله تعالى سعيك يا أبا عبد الله فارجع.

فوقفت أنظر إليهما ، فانشقّت الأرض ودخلا فيها وعادت إلى ما كانت ، ورجعت وتداخلني من الحسرة ما الله أعلم به ، كلّ ذلك إشفاقا (٣) على أمير المؤمنين عليه‌السلام.

فأصبح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله [وصلّى بالناس الغداة ، وجاء وجلس على الصفا (٤) وحفّ به أصحابه ، وتأخّر أمير المؤمنين عليه‌السلام وارتفع النهار ، وأكثر الناس الكلام إلى أن زالت الشمس] وقال المنافقون : قد أراحنا الله من أبي تراب ، وذهب عنّا افتخاره بابن عمّه علينا ، وأكثروا الكلام إلى أن صلّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة الأولى ، وعاد إلى مكانه وجلس على الصفا ، وما زال أصحابه بالحديث إلى أن وجبت صلاة العصر وأكثروا القوم الكلام ، وأظهروا اليأس من أمير المؤمنين عليه‌السلام فصلّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة العصر وجلس على الصفا ، وأظهر الفكر في أمير المؤمنين عليه‌السلام وظهرت شماتة المنافقين

__________________

(١) في «س» «ه» : (فتبعه).

(٢) كلمة (الوادي) ساقطة من «أ» «و».

(٣) في «أ» «و» : (اشتياقا).

(٤) الصفا : مكان مرتفع من جبل أبي قبيس ، بينه وبين المسجد الحرام عرض الوادي الذي هو طريق وسوق ، ومن وقف على الصفا كان بحذاء الحجر الأسود ، والمشعر الحرام بين الصفا والمروة (انظر معجم البلدان ٣ : ٤١١).

١٤٦

بأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكادت الشمس تغرب فتيقّن القوم أنّه قد هلك ، فإذا انشقّ الصفا ، وطلع أمير المؤمنين عليه‌السلام منه وسيفه يقطر دما ومعه عطرفة.

فقام إليه (١) النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبّل ما (٢) بين عينيه وجبينه ، وقال له :

ما الذي حبسك عنّي إلى هذا الوقت؟

فقال عليه‌السلام : [صرت إلى جنّ كثيرة ـ قد بغوا على عطرفة وقومه ـ من المنافقين] فدعوتهم إلى ثلاث خصال فأبوا عليّ ، وذلك أنّي دعوتهم إلى الإيمان بالله تعالى ، والإقرار بنبوّتك ورسالتك ، فأبوا ذلك كلّه ، ودعوتهم إلى أداء الجزية فأبوا ، وسألتهم أن يصالحوا عطرفة وقومه فيكون بعض المرعى لعطرفة وقومه ، وكذلك الماء فأبوا ذلك كلّه ، فوضعت سيفي فيهم وقتلت منهم ثمانين ألفا.

فلمّا نظروا إلى ما حلّ بهم ، طلبوا الأمان والصلح ، ثمّ آمنوا وصاروا إخوانا وزال الخلاف ، وما زلت معهم إلى الساعة.

فقال عطرفة : يا رسول الله جزاك الله وأمير المؤمنين عنّا خيرا (٣).

__________________

(١) ليست في «س» «ه».

(٢) ليست في «س» «ه».

(٣) أورده الحسين بن عبد الوهاب في عيون المعجزات : ٣٦ ـ ٣٩ عن كتاب الأنوار بنفس السند ، وعنه في بحار الأنوار ١٨ : ٨٦ / ٤ وج ٦٣ : ٩٠ / ٤٥ ، ومدينة المعاجز ١ : ١٤٧ / ٨٨.

وأخرجه السيّد هاشم البحراني في حلية الأبرار ٢ : ٩٧ ـ ١٠٠ / ٨ عن كتاب الأنوار.

ورواه ابن شاذان في الفضائل : ٦٠ ـ ٦٢ ، عن سلمان.

وفي الروضة في المعجزات والفضائل : ١٥١ ـ ١٥٢ ، عن أبي سعيد الخدري ، ونقله السيد ابن طاوس في اليقين : ٢٦٠ ـ ٢٦٣ / الباب ٩٠ ، عن ابن أبي الفوارس في أربعينه : ١٣٣ الحديث الثالث والعشرون : باسناده عن علي بن الحسين الطوسي ، عن تاج الدين مسعود بن محمّد الغزنوي ، عن الحسن بن محمّد ، عن أحمد بن عبد الله الحافظ ، عن الطبراني ، عن عبد الله بن أحمد بن

١٤٧

[خبر عاقبة الناصبيّ الساب لأمير المؤمنين عليه‌السلام]

[٢٢ / ٢٢] ـ ومنها : حدّث (١) محمّد بن هشام (٢) القطّان ، قال : حدّثني الحسن بن

__________________

حنبل ، عن إسماعيل بن موسى الفزارى ، عن تليد بن سليمان ، عن أبي الحجاف ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري .. مثله.

ونقلت إسناده عن ابن طاوس في اليقين لأنّ أربعين ابن أبي الفوارس المطبوع كان في أسانيده ومتنه خلط ناشئ من نسخه.

وأخرجه العلّامة المجلسي في بحار الأنوار ٣٩ : ١٦٨ / ٩ عن الفضائل والروضة واليقين ، وانظر هذا الحديث باختلافات في المتن : في مناقب آل أبي طالب ٢ : ١٣٧ ـ ١٣٨ نقلا من كتاب هواتف الجنّ ـ وهو من تأليف ابن أبي الدنيا عبد الله بن محمّد بن البغدادي المتوفّى سنة ٢٨١ ه‍ ـ عن محمّد بن إسحاق ، عن يحيى بن عبد الله بن الحارث عن أبيه قال : حدثني سلمان الفارسي في خبر ... وختم الحديث بعدّة اشعار منها : قال ابن حماد :

وليلة الجن مضى

وبينهم امضى القضا

حتى إذا الفجر أضا

أقبل محمود السرى

وقال الوراق القمي :

عليّ دعي الجن في أرض يثرب

عليّ دين ذي الآلاء حيّ هلمم

عليّ قرى يوم القليب بسيفه

جماجم كفار لهاميم ظلم

وعن المناقب في بحار الأنوار ٣٩ : ١٨٣ ـ ١٨٥ وحلية الأبرار ٢ : ٩٥ / ٧ ومدينة المعاجز ١ : ١٤٤ / ٨٧.

ونقل بعض الحديث ابن حجر في الإصابة ٤ : ٤٠٢ عن كتاب الهواتف.

هذا وقد ذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام في ضمن احتجاجاته على أبي بكر لما اغتصب الخلافة إشارة إلى هذه الواقعة فقال له :

فانشدك بالله أنت الذي آتمنك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على رسالة إلى الجن فأجابت أم أنا؟ قال : بل أنت (انظر الخصال : ٥٥١ ، الاحتجاج ١ : ١٦٨).

(١) في «أ» «و» : (حديث).

(٢) في عيون المعجزات : (همام).

١٤٨

الحكيم ، عن عبّاد بن صهيب ، قال : حدّثنا الأعمش ، قال :

نظرت ذات يوم وأنا في المسجد الحرام إلى رجل كان يصلّي فأطال وجلس يدعو بدعاء حسن إلى أن قال :

يا ربّ إنّ ذنبي عظيم وأنت أعظم منه ، فلا يغفر الذنب العظيم إلّا أنت يا عظيم.

ثمّ انكب على الأرض يستغفر ويبكي ويشهق في بكائه (١) ، وأنا أسمع وأريد أن يرفع رأسه عن سجوده ، فأقائله (٢) وأسأله عن ذنبه العظيم.

فلمّا رفع رأسه أدار إليّ وجهه ونظرت في وجهه فإذا وجهه كوجه كلب ووبر (٣) كلب ، وبدنه بدن إنسان.

فقلت له : يا عبد الله ما ذنبك الذي استوجبت أن يشوّه (٤) [الله به] خلقك؟

فقال : إنّ ذنبي عظيم ، وما أحبّ أن يسمع به أحد ، فما زلت به إلى أن قال :

كنت رجلا ناصبيّا أبغض أمير المؤمنين عليه‌السلام وأظهر عداوته ولا أكتمها فاجتاز بي ذات يوم رجل وأنا أنكر أمير المؤمنين بغير واجب (٥).

فقال : ما لك [إن كنت كاذبا] فلا أخرجك الله من الدنيا حتّى يشوّه خلقك فيكون شهرة في الدنيا قبل الآخرة.

__________________

(١) في «أ» «و» : (دعائه).

(٢) في «أ» «و» : (وأقايله).

(٣) الوبر : صوف الإبل والأرانب والثعالب ونحوها (مجمع البحرين ٤ : ٤٦٠).

(٤) في «س» «ه» : (يغيّر).

(٥) ظاهرا يريد أنّه كان يعيب ويكفّر ويكذّب ويفتري على أمير المؤمنين عليه‌السلام من دون سبب ، وفي عيون المعجزات هكذا : وأنا أذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام بغير الواجب : أي بغير ما يجب أن يذكر به عليه‌السلام.

١٤٩

فبت معافا ، فأصبحت فإذا وجهي وجه كلب ، فندمت على ما كان منّي ، فتبت إلى الله ممّا كنت عليه ، وأسأل الله الإقالة والمغفرة.

قال الأعمش : فبقيت متحيّرا متفكّرا فيه وفي كلامه ، وكنت أحدّث الناس بما رأيته ، وكان المصدّق أقلّ من المكذّب (١).

[خبر عيادته عليه‌السلام لصعصعة بن صوحان وشفائه]

[٢٣ / ٢٣] ـ ومنها : حدّثني الشيخ أبو محمّد الحسن بن محمّد بن نصر ، قال : [حدّثنا] الأسعد منصور بن الحسن بن عليّ بن المرزبان (٢) ، قال : [حدّثنا] الأستاذ أبو القاسم الحسن بن الحسن الأبنوراني (٣) ، قال : [حدّثنا] عليّ بن موسى الصائغ ، قال : [حدّثنا] الطيّب القواصريّ ، عن سعد بن أبي القاسم الحسين بن مأمون ، قال : [حدّثنا] أبو نصر (٤) محمّد بن محمّد القاسانيّ (٥) ، قال : [حدّثنا] أبو يعقوب بن إسحاق بن محمّد بن أبان بن لاحق النخعيّ أنّه سمع مولانا الحسن الأخير عليه‌السلام يقول : سمعت أبي يحدّث عن جدّه عليّ بن موسى عليه‌السلام [أنّه قال : اعتلّ صعصعة بن صوحان العبدي (٦).

__________________

(١) رواه الحسين بن عبد الوهاب في عيون المعجزات : ٣٩ ـ ٤٠ بنفس السند ، وعنه في بحار الأنوار ٤١ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ / ٣٤.

(٢) في «أ» : (الريان).

(٣) في «أ» «و» : (الابنواري).

(٤) في «أ» «و» : (بصير).

(٥) في «س» «ه» : (القاشاني).

(٦) صعصعة بن صوحان العبدي : قال النجاشي عنه : هو الذي روى عهد مالك الأشتر ، وعدّه الشيخ

١٥٠

فعاده مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام في جماعة من أصحابه ، فلمّا استقرّ بهم المجلس فرح صعصعة] ، فقال [أمير المؤمنين عليه‌السلام :] لا تفتخرنّ على إخوانك بعيادتي إيّاك.

ثمّ نظر إلى فهر (١) في وسط داره ، فقال لأحد أصحابه : ناولنيه.

فأخذه منه وأداره في كفّه ، فإذا به سفرجلة (٢) رطبة فدفعها إلى أحد أصحابه وقال : قطّعها قطعا وادفع إلى كلّ واحد منّا قطعة ، وادفع إلى صعصعة قطعة ، وإليّ قطعة.

ففعل ذلك ، فأدار مولانا عليه‌السلام القطعة من السفرجلة في كفّه ، فإذا بها تفّاحة فدفعها إلى ذلك الرجل وقال له :

اقطعها وادفع إلى كلّ واحد منّا (٣) قطعة ، وإلى صعصعة [قطعة] وإليّ قطعة.

ففعل ذلك ، فأدار مولانا عليّ (٤) عليه‌السلام القطعة من التّفاحة في كفّه فإذا هي (٥) حجر فهر.

فرمى به إلى وسط الدار ، فأكل صعصعة قطعتين واستوى جالسا وقال :

__________________

في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعدّه البرقي من خواص أمير المؤمنين عليه‌السلام وأورد السيّد الخوئي رواية في فضل صعصعة ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، قال : «ما كان مع أمير المؤمنين عليه‌السلام من يعرف حقّه إلّا صعصعة وأصحابه».

وكذلك أورد رواية عيادة أمير المؤمنين عليه‌السلام له (انظر معجم رجال الحديث ١٠ : ١١٢ / ٢٣ ، ٥٩).

(١) الفهر : الحجر قدر ما يدق به الجوز ونحوه ، وقيل أيضا : هو حجر يملأ الكفّ ، وقيل : هو الحجر مطلقا (انظر لسان العرب ٥ : ٦٦).

(٢) في «أ» «و» : (فإذا قطعا بسفرجلة).

(٣) ليست في «س» «ه».

(٤) الاسم المبارك ليس في «أ» «و».

(٥) في «س» «ه» : (به) ، وفي «و» : (بها).

١٥١

شفيتني فزدت في إيماني وإيمان أصحابك ، صلوات الله عليك يا أمير المؤمنين (١).

[خبر نجدته عليه‌السلام لليهوديّ ، وإسلامه]

[٢٤ / ٢٤] ـ ومنها : روي عن إسحاق السبيعي ، قال : دخلت مسجد الكوفة فإذا أنا بشيخ لا أعرفه ودموعه تسيل على خدّيه ، فقلت له : يا شيخ ما يبكيك؟

فقال : إنّي كنت رجلا يهوديّا ، وكانت لي ضيعة في ناحية «سورا» (٢) فدخلت الكوفة بطعام على حمير أريد بيعها ، فبينا أنا أسوق الحمير (٣) وإذا فقدتها من بين يدي ، وكأنّ (٤) الأرض ابتلعتها ، فأتيت منزل الحارث الهمدانيّ ، وكان لي صديقا ، وشكوت إليه ما أصابني ، فأخذ بيدي ومضى بي إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فأخبرته الخبر ، فقال للحارث : انصرف إلى منزلك فإنّي الضامن للحمير والطعام.

وأخذ أمير المؤمنين عليه‌السلام بيدي فمضى بي حتّى انتهى إلى الموضع الذي فقدت الحمير [فيه] فوجّه وجهه إلى القبلة ورفع يده إلى السماء ، ثمّ سجد وسمعته يقول :

والله ما على هذا عاهدتموني ، وبايعتموني يا معشر الجنّ ، وأيم الله لئن لم تردّوا

__________________

(١) رواه الحسين بن عبد الوهاب في عيون المعجزات : ٤٠ ـ ٤١ بإسناده عن الحسن بن محمّد بن محمّد بن نصر يرفعه إلى محمّد بن أبان النخعي .. مثله ، وعنه في مدينة المعاجز ١ : ٤٣٢ ـ ٤٣٣ / ٢٩٣.

(٢) سورا : موضع بالعراق من أرض بابل ، وهي مدينة السريانيين ، وقد نسبوا إليها الخمر ، وهي قريبة من الوقف واكلّة المزيدية.

وسوراء : بضم أوّله ، وسكون ثانية ، ثمّ راء ، وألف ممدودة : موضع يقال : هو إلى جنب بغداد ، وقيل : هو بغداد نفسها (معجم البلدان ٣ : ٢٧٨).

(٣) في النسخ : (الحمار) والمثبت عن المصدر.

(٤) في «س» «ه» : (وكأن به).

١٥٢

على اليهوديّ حميره وطعامه لأنقضنّ عهدكم ولأجاهدنّكم في الله حقّ جهاده.

فو الله ما فرغ من كلامه حتّى رأيت الحمير والطعام عليها تتجوّل (١) حولي ، فتقدّم إليّ يسوقها فسقتها وهو معي حتّى انتهى بي (٢) إلى الرحبة ، فقال :

يا يهوديّ عليك بقيّة من الليل فضع عن حميرك (٣) حتّى تصبح ، فوضعت عنها.

ثمّ قال لي : ليس عليك بأس ، ودخل المسجد ، فلمّا فرغ من صلاته وطلعت الشمس ، خرج إليّ وعاونني على حمل الطعام ، فبعته واستوفيت ثمنه ، وقضيت حوائجي ، فقلت له ـ عند فراغي من أمري ـ :

أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله (٤) ، و [أشهد] أنّك عالم هذه الأمّة وخليفة الله على الجنّ والإنس ، فجزاك الله عن الإسلام وأهل الذمّة خيرا.

ثمّ انطلقت إلى ضيعتي وأقمت بها ، ثمّ اشتقت إلى لقائه الآن ، فسألت عنه؟

قالوا : قبض ، فجلست حيث تراني أبكي عليه صلوات الله عليه صلاة دائمة (٥) إلى يوم الدين (٦).

__________________

(١) في «أ» «و» : (تتحرك).

(٢) ليست في «س» «ه».

(٣) أي ألق ما عليها من حمل وطعام.

(٤) في «أ» : (رسوله).

(٥) في «س» «ه» : (داعية).

(٦) انظر الحديث باختلافات في المتن في كلّ من : الهداية الكبرى : ١٢٦ ـ ١٢٨ ، عن أبي الحسن محمّد بن يحيى الفارسي عن جعفر بن حباب ، عن محمّد بن علي الآدمي ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي إسحاق القرشي ..

وإثبات الوصية : ١٥٢ ـ ١٥٣ عن أبي إسحاق السبيعي .. «مرسلا» ، وإرشاد القلوب : ٢٧٤ بالإسناد ، إلى أبي حمزة الثمالي ، عن السبيعي .. ، وعنه في بحار الأنوار ٣٩ : ١٨٩ / ٢٦.

١٥٣

[خبر إيقاده عليه‌السلام نارا من الشجر الأخضر]

[٢٥ / ٢٥] ـ ومنها : روي عن أبي ذرّ الغفاري أنّه قال :

كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض غزواته في زمان (١) الشتاء ، فلمّا أمسينا هبّت ريح باردة ، وعلتنا غمامة هطلت غيثا ، فلمّا انتصف الليل جاء عمر بن الخطّاب ووقف بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : إنّ الناس قد أخذهم البرد ، وقد ابتلّت المقادح والزناد [فلم توقد] وقد أشرفوا على الهلكة لشدّة البرد.

فالتفت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أمير المؤمنين وقال : قم يا عليّ واجعل لهم نارا.

فقام عليه‌السلام وعمد إلى شجر أخضر ، فقطع غصنا من أغصانه وجعل لهم منه نارا (٢) وأوقد منها في كلّ مكان ، واصطلوا بها ، وشكروا الله تعالى وأثنوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣).

__________________

وهو أيضا في مناقب آل ابي طالب ٢ : ١٣٥ نقلا عن المعجزات والروضة ودلائل ابن عقدة عن أبي إسحاق السبيعي والحارث الاعور ، ونقل في نهاية الحديث شعرا للوراق القمي قال :

عليّ دعا جنا بكوفان ليلة

وقد سرقوا مال اليهودي عهرم

على نقض عهد أو يردوا متاعه

فردوا عليه ماله لم يقسم

وعنه في نهج الايمان : ٦٤١ ـ ٦٤٢ والصراط المستقيم ١ : ٩٧ وبحار الأنوار ٣٩ : ١٨١ ـ ١٨٢ / ضمن الحديث ٢٣ ومدينة المعاجز : ١ : ٣٠٣ ـ ٣٠٤ / ١٩٠.

(١) في «أ» «و» : (وقت).

(٢) من قوله : (فقام عليه‌السلام) إلى هنا ساقط من «أ».

(٣) أورده الحسين بن عبد الوهاب في عيون المعجزات : ٤٠ وعنه في مدينة المعاجز ١ : ٥٠٧ / ٣٢٧.

١٥٤

[خبر إعجاز علي عليه‌السلام في اتّصال اليد المقطوعة]

[٢٦ / ٢٦] ـ ومنها : روي عن الأصبغ بن نباتة (١) ، قال :

دخلت في بعض الأيّام على أمير المؤمنين عليه‌السلام في جامع الكوفة ، وإذا بجمّ غفير ومعهم عبد أسود ، فقالوا : يا أمير المؤمنين هذا العبد سارق.

فقال له الإمام عليه‌السلام : أسارق أنت يا غلام؟ فقال له : نعم يا مولاي (٢).

فقال له الإمام (٣) عليه‌السلام مرّة ثانية (٤) : أسارق أنت يا غلام؟ فقال له : نعم يا مولاي.

فقال له الإمام عليه‌السلام : إن قلتها ثالثة قطعت يمينك.

فقال له (٥) : أسارق أنت يا غلام؟ قال : نعم يا مولاي.

فأمر الإمام عليه‌السلام بقطع يمينه ، فقطعت ، فأخذها بشماله وهي تقطر دما ، فلقيه ابن الكوّاء (٦) ـ وكان يشنأ (٧) أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ فقال له : من قطع يمينك؟

__________________

(١) هو : أصبغ بن نباتة التميمي ، ثمّ الحنظلي ، ثمّ الدارمي ، ثمّ المجاشعي ، أبو القاسم الكوفي ، عدّه الشيخ من أصحاب عليّ عليه‌السلام ، وعدّه في أصحاب الحسن عليه‌السلام ، وقال الشيخ النجاشي والطوسي : كان من خاصّة أمير المؤمنين عليه‌السلام وثقاته ، وعمّر بعده ، روى عنه عهد الأشتر ووصيّته إلى محمّد ابنه (رجال النجاشي : ٨ / ٥ ، رجال الطوسي : ٥٧ / ٣ و٩٣ / ٢ ، الفهرست : ١٨٥ / ١ ، خلاصة الأقوال : ٧٧ / ٩ ، تنقيح المقال ١ : ١٥٠).

(٢) ليست في «س» «ه».

(٣) ليست في «س» «ه».

(٤) قوله : (مرّة ثانية) لم يرد في «أ».

(٥) ليست في «أ» «و».

(٦) وهو عبد الله بن الكواء ، خارجي ملعون. (انظر رجال ابن داود الحلي : ٢٥٥).

(٧) شنأ : أبغض ، ورجل يشنأ : أي يبغض ، سيئ الخلق. (انظر كتاب العين ٦ : ٢٨٧).

١٥٥

قال : قطع يميني الأنزع البطين ، وباب اليقين ، وحبل الله المتين ، والشافع يوم الدين ، المصلّي إحدى وخمسين (١).

قطع يميني إمام التقى ، ابن عمّ المصطفى ، شقيق النبيّ المجتبى ، ليث الثرى (٢) ، غيث الورى ، وحتف العدى ، ومفتاح الندى ، ومصباح الدجى.

قطع يميني إمام الحقّ ، وسيّد الخلق ، فاروق الدين ، وسيّد العابدين ، وإمام المتّقين ، وخير المهتدين ، وأهل السابقين ، وحجّة الله على الخلق أجمعين.

قطع يميني إمام حطّة (٣) ، بدريّ حجازيّ ، مكّيّ مدنيّ ، بطحيّ أبطحيّ ، هاشميّ قرشيّ أريحيّ (٤) مولويّ ، طالبيّ جريّ ، قويّ لوذعيّ (٥) ، الوليّ الوصيّ.

قطع يميني داحي باب خيبر ، وقاتل مرحب ومن كفر ، وأفضل من حجّ واعتمر وهلّل وكبّر ، فصام وأفطر ، وحلق ونحر.

قطع يميني شجاع جريّ ، جواد سخيّ ، بهلول شريف الأصل ، ابن عمّ الرسول وزوج البتول ، وسيف الله المسلول ، المردودة له الشمس عند الأفول.

قطع يميني ، صاحب القبلتين ، الضارب بالسيفين ، الطاعن بالرمحين ، وارث

__________________

(١) في «س» «ه» زيادة : (وقال).

(٢) في «أ» «و» : (الشراف).

(٣) أي : إمام مغفرة (انظر لسان العرب ٧ : ٢٧٣).

(٤) رجل أريحي : مهتز للندى والمعروف والعطية ، واسع الخلق ، والاسم الأريحية والتريح ، ويقال : أريحي للرجل إذا كان سخيا (لسان العرب ٢ : ٤٦٠).

(٥) اللّوذعيّ : الحديد الفؤاد واللسان الظريف ، كأنّه يلذع من ذكائه ؛ قال الهذلي :

فما بال أهل الدّار لم يتفرّقوا

وقد خفّ عنها اللّوذعيّ الحلاحل

وقيل : الحديد النفس (لسان العرب ٨ : ٣١٧ ـ مادة : لذع).

١٥٦

المشعرين ، لم يشرك بالله طرفة عين ، أسمع كلّ ذي كفّين ، وأفصح كلّ ذي شفتين ، أبو السيّدين الحسن والحسين.

قطع يميني عين المشارق والمغارب ، تاج لؤي بن غالب ، أسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب ، عليه من الصلوات أفضلها ، ومن التحيّات أكملها.

فلمّا (١) فرغ الغلام من الثناء مضى لسبيله ، ودخل عبد الله بن الكوّاء على الإمام عليه‌السلام فقال له : السلام عليك يا أمير المؤمنين.

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : السلام على من اتّبع الهدى ، وخشي عواقب الردى ، فقال له : يا أبا الحسنين إنّك قطعت يمين غلام أسود وسمعته يثني عليك بكلّ جميل.

فقال : وما سمعته يقول (٢)؟

قال : يقول كذا وكذا ، وأعاد عليه جميع ما قال الغلام.

فقال الإمام عليه‌السلام لولديه الحسن والحسين عليهما‌السلام : أمضيا وائتياني بالعبد.

فمضيا في طلبه (٣) فوجداه في كندة ، فقالا له : أجب أمير المؤمنين يا غلام.

قال : فلمّا مثل بين يدي أمير المؤمنين ، قال له الإمام عليه‌السلام :

قطعت يمينك وأنت تثني عليّ بما قد بلغني!

فقال : يا أمير المؤمنين ما قطعتها إلّا بحقّ واجب أوجبه الله ورسوله.

فقال [الإمام عليه‌السلام] : أعطني الكف فأخذ الإمام الكفّ وغطّاه بالرداء ، وكبّر وصلّى ركعتين وتكلّم بكلمات ، وسمعته يقول في آخر دعائه : «آمين ربّ العالمين» وركّبه على الزند ، وقال لأصحابه : اكشفوا الرداء عن الكف (٤).

__________________

(١) في «أ» «س» «و» : (فإذا).

(٢) ليست في «س» «و».

(٣) في «أ» : (وطلباه) بدل من : (في طلبه).

(٤) قوله : (عن الكف) لم يرد في «أ».

١٥٧

فكشفوا الرداء ، فإذا الكفّ على الزند ، بإذن الله.

ثمّ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ألم أقل لك يا ابن الكوّاء؟ إنّ لنا محبّين لو قطّعناهم إربا إربا ما ازدادوا لنا إلّا حبّا ، ولنا (١) مبغضين لو ألعقناهم (٢) العسل ما ازدادوا لنا إلّا بغضا ، وهكذا من يحبّنا ينال شفاعتنا يوم القيامة (٣).

__________________

(١) في «أ» «و» : (وكذا).

(٢) في «س» «ه» : (ألعقنا لهم).

(٣) أورده ابن شاذان في الفضائل : ١٧٢ ، والروضة في المعجزات والفضائل : ١٥٩ ، وعنهما في بحار الأنوار ٤٠ : ٢٨١ / ٤٤ ، وابن طاوس في التحصين : ٦١٠ / الباب ١٢ ، بإسنادهم عن الأصبغ بن نباتة.

وانظره عن البرسي في مدينة المعاجز ٢ : ٦٨ / ٤٠٣ ، وأخرجه الراوندي في الخرائج والجرائح ٢ : ٥٦١ / ١٩ (مختصرا) وعنه في بحار الأنوار ٤١ : ٢٠٢ / ١٥ وج ٧٩ : ١٨٨ / ٢٤ ، ومستدرك الوسائل ١٨ : ٥١ / ١١ بإسنادهم عن الاصبغ بن نباتة.

وهو أيضا في مناقب آل ابي طالب ٢ : ١٦٠ بسنده عن الحاتمي عن ابن عباس.

وفي نهاية الحديث نقل ابن شهرآشوب شعرا عن المشتاق ، قال فيه :

فقال له إنّي جنيت فحدّني

ومن بعد الله مولاي فاقتلني

مجز يمين العبد من حدّ قطعها

ومرّ بها راض على المرتضى يثني

فقال له تمدح لمن لك قاطع

وذا عجب يسري به الناس في المدن

فقال لهم ما كان مولاي جائرا

أقام حدود الله بالعدل وأنصفني

فمروا بنحو المرتضى يخبرونه

فقال نعم استبشروا شيعتي منّي

ولو أنّني قطعتهم في محبتي

لما زال عنهم بالولاء أحد عنّي

فألزق كفّ العبد مع عظم زنده

وعاد كأيّام الرفاهة يستثني

ومرّ ينادي إنّني عبد حيدر

على ذاك يحييني الإله ويقبرني

وعنه في نهج الايمان : ٦٤٥ ، وبحار الأنوار ٤١ : ٢١٠ / ضمن الحديث ٢٤.

وأخرجه الحرّ العاملي في إثبات الهداة ٢ : ٥١٨ / ٤٥٤ ، عن مفاتيح الغيب للفخر الرازي.

١٥٨

[خبر الشاميّ ودخوله جهنّم]

[٢٧ / ٢٧] ـ ومنها : وقد ذكر أنّ أعثم الكوفيّ ـ وهو رجل معاند ـ أنّه قال :

لمّا كان يوم صفّين برز رجل من أهل الشام فقال [له] أمير المؤمنين عليه‌السلام : ارجع فلا يدخلنّك ابن آكلة الأكباد نار جهنّم.

قال الشامي : الساعة يبيّن (١) أيّ منّا يدخل نار جهنّم.

فطعنه أمير المؤمنين عليه‌السلام برمحه ودفعه إلى (٢) الهواء ، فصاح اللعين ، وقال : يا أمير المؤمنين! لقد رأيت نار جهنّم وأصبحت من النادمين.

فقال عليه‌السلام : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (٣).

[خبر الذئب]

[٢٨ / ٢٨] ـ ومنها : روى ابن جرير الطبريّ بإسناده (٤) رفعه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : لمّا فعل أولاد يعقوب عليه‌السلام بيوسف عليه‌السلام ما فعلوه ، وعادوا إليه فسألهم عنه؟

فقالوا : أكله الذئب.

فلم يصدّقهم ، وخرجوا من عنده إلى الصحراء فأصابوا ذئبا وقبضوا عليه (٥) وأحضروه بين يدي يعقوب عليه‌السلام فنطق الذئب بالسلام عليه.

__________________

(١) يبيّن : يتضح ويظهر.

(٢) في «س» «و» «ه» : (على).

(٣) يونس : ٩١. ولم أوفق فعلا على مصدر للحديث.

(٤) في «س» «و» «ه» : (بإسناد).

(٥) من قوله : (فلم يصدّقهم) إلى هنا ساقط من «أ».

١٥٩

فقال له يعقوب عليه‌السلام : لم أكلت ابني؟ فقال : يا نبيّ الله! والله (١) ما أكلت لحم إنسي (٢) قطّ وإنّك لتعلم أنّ لحوم الأنبياء ولحوم أولادهم تحرم (٣) على الوحش ، ولست من بلادكم (٤) هذه ، وإنّما قدمتها الساعة.

فقال له : ومن أين أنت؟ وما (٥) أقدمك هذه البلاد؟

فقال : أنا (٦) من أرض مصر ، اجتزت بهذه البلاد قاصدا لزيارة أخ لي بخراسان.

فقال يعقوب (٧) عليه‌السلام : وما قصدك بهذه الزيارة؟

فقال الذئب : كنت مع أبيك نوح عليه‌السلام في السفينة ، فأخبرني عن جبرئيل عليه‌السلام ، عن الله سبحانه وتعالى أنّه «من زار أخا له في الله تعالى لا لرياء (٨) أو سمعة ولا طلب محمدة كتب له بكلّ خطوة عشر حسنات ، ومحى عنه عشر سيّئات ، ورفع له عشر درجات» (٩).

فقال يعقوب عليه‌السلام : وما تصنع أيّها الذئب بهذه الزيارة ، وأنتم معشر (١٠) الوحوش لا تثابون على إطاعة (١١) ولا تعاقبون على معصية؟!

__________________

(١) كلمة (والله) ليست في «أ».

(٢) في «أ» : (آدمي).

(٣) في «أ» «و» : (محرم) والصواب (محرمة).

(٤) في «س» «ه» : (بلاك).

(٥) في «أ» : (ومن).

(٦) ليست في «أ» «و».

(٧) ليست في «أ» «و».

(٨) في «س» «ه» : (للرياء).

(٩) انظر في ذلك وسائل الشيعة ١٤ : ٥٨١ / الباب ٩٧ في استحباب زيارة المؤمنين.

(١٠) في «أ» «و» : (معاشر) وكذا في المورد الآتي.

(١١) في «س» «ه» : (طاعة).

١٦٠