الشيعة شبهات وردود

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الشيعة شبهات وردود

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


المترجم: احمد محمّد الحرز
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-6632-028-9
الصفحات: ٢٠٧

المسلمين من الآثار التاريخية للإسلام بشكل دائم ، وحصول هذه الحادثة بسبب سيطرة الوهابية على تلك البلاد.

فقبل ثمانين سنة في عام (١٣٤٤) عند ما سيطرت الوهابية على الحجاز ، قامت بحركة منسقة وغير واعية لتدمير جميع الآثار التاريخية للإسلام تحت ذريعة الشرك والبدعة ، وتسويتها بالأرض.

ولكن لم تكن لديهم الجرأة الكافية للاعتداء على القبر الطاهر للنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله تفادياً من قيام عامّة المسلمين ضدهم ، وبحسب الاصطلاح استفاد «مخالفو التقية» من التقية في مقابل المسلمين.

وقد طرحتُ سؤالاً على أحد كبارهم في إحدى سنوات الحج لبيت الله الحرام أثناء حديث ودّي ، عن السبب في الإبقاء على القبر الطاهر لنبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن دمرت جميع القبور هناك ؛ فلم يملك أي جواب على ذلك.

وعلى كل حال فحياة الأمم ترتبط بأمور عديدة ، ومن هذه الأمور حفظ الآثار الثقافية والتراث العلمي والديني ، ولكن وللأسف الشديد وقعت أرض الوحي وبالخصوص مكة والمدينة ـ بسبب سوء تدبير المسلمين ـ في أيدي مجموعة متخلفة وشاذة ومتعصبة فقامت بمحو جميع الآثار القيمة للثقافة الإسلاميّة بذرائع خاوية وواهية ، تلك الآثار التي يحكي كل واحد منها موقفاً من المواقف التاريخية والمهمّة والمشرفة للإسلام.

ومن القبور التي دمرت قبور أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في البقيع ، والظاهر أنّ هؤلاء القوم يقومون بإزالة كل أثر قيم في التاريخ الإسلامي ، وبواسطة هذا الطريق يوقعون خسائر غير قابلة للتعويض بالمسلمين.

٨١

هذه الآثار تأخذ الإنسان إلى أعماق التاريخ بسبب جاذبيتها وتأثيرها العجيب عليه. فمقبرة البقيع التي كانت مشهداً رائعاً ، تحكي كل زاوية منها حدثاً تاريخياً مهمّاً ، تحولت اليوم إلى صحراء قاحلة وموحشة المنظر ، وسط الفنادق الجميلة والبنايات الفخمة ، حيث تفتح أبوابها الحديدية غير المنظمة ـ بدون أقفال ـ أمام الزوار الرجال فقط لمدّة ساعة أو ساعتين في اليوم.

الذرائع التي يقدمها الوهابيون :

الذريعة الأولى : يجب ألّا تتخذ القبور مساجد :

تارة يقولون : إنّ البناء على القبور يؤدّي بالنتيجة إلى عبادتها والحديث النبوي شاهد على عدم جواز ذلك : «لَعنَ اللهُ اليَهودَ اتّخَذُوا قُبورَ أنْبِيَائِهِمْ مَساجِدِ» (١) ، ولكن هذا الأمر واضح لجميع المسلمين ، فلا يوجد أحد يقوم بعبادة قبور أولياء الله. وهناك فرق بيِّن وواضح بين «الزيارة» و «العبادة» ، فكما نذهب لزيارة الأحياء ونقدم الاحترام للكبار ونطلب منهم الدعاء ، نذهب لزيارة الأموات احتراماً لزعماء الدين وشهداء الإسلام ، ونطلب منهم الدعاء.

فهل هناك عاقل يقول : إنّ زيارة العظماء في حياتهم بالصورة التي ذكرت تكون عبادة ، وشركاً وكفراً؟ وزيارتهم بعد وفاتهم كذلك أيضاً؟

فنبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يذهب لزيارة قبور البقيع ، وهناك روايات كثيرة موجودة في مصادر أهل السنّة تشير إلى ذلك.

__________________

(١). صحيح البخاري ، ج ١ ، ص ١١٠. وجاء في صحيح مسلم ، ج ٢ ، ص ٦٧. أيضاً بإضافة «النصارى».

٨٢

لعن الله اليهود بسبب اتخاذهم قبور الأنبياء مساجد ، لكن لا يوجد أي مسلم قد اتخذ أي قبر مسجداً.

والملفت للنظر أنّ قبة مرقد النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله تشق عنان السماء بجانب المسجد النبوي ، وجميع الشعوب المسلمة وحتى الوهابيون يصلّون الفرائض الواجبة في خمسة أوقات في الروضة المقدّسة التي تقع بجوار المسجد النبوي والمتصلة به ، ويصلُّون الصلوات المستحبة في أوقات أخرى.

فهل يعد هذا عبادة للقبور وحراماً؟ أو أنّ القبر الطاهر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مستثنى من ذلك ، فهل أدلة الشرك وحرمة عبادة غير الله قابلة للاستثناء؟!

فزيارة القبور لا علاقة لها بالعبادة يقيناً ، ولا يوجد أي إشكال في الصلاة بجوار قبر النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبور سائر الأولياء ، والحديث المذكور ناظر إلى هؤلاء الذين يعبدون القبور واقعاً.

فالذين يعرفون زيارة الشيعة في العالم لقبور أئمتهم عليهم‌السلام يعلمون أنّهم يتوجهون للقبلة عند ما يرتفع صوت المؤذن لإقامة الصلوات الواجبة جماعة ، ويبدءون بالتكبير عند ما يريدون الزيارة وبعد الانتهاء يصلّون ركعتين استحباباً باتجاه القبلة ، حتى يتضح أن العبادة هي لله خاصة ابتداءً وانتهاءً.

ولكن للأسف ولأجل دوافع خاصة أصبح باب التهمة والكذب والافتراء مفتوحاً ، حيث قامت الأقلية الوهابية باتهام جميع مخالفيها بأنواع التهم المختلفة.

وأفضل محمل على الصحة هو أن نقول : إنّهم غير قادرين على تحليل

٨٣

المسائل بشكل صحيح ؛ بسبب ضحالة مستواهم العلمي ، ولم يتمكنوا من إدراك حقيقة الشرك والتوحيد ، ولا يعرفون الفرق بين الزيارة والعبادة بشكل دقيق.

الذريعة الثانية :

نقلوا حديثاً عن صحيح مسلم : أنّ أبا الهيّاج روى عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الرواية : «قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ، ألّا تدع تمثالاً إلّا طمسْته ولا قبراً مشرفاً إلّا سوّيته» (١).

وبسبب الفهم الخاطئ لبعضهم للحديث رفعوا معاولهم ودمّروا جميع قبور عظماء الإسلام باستثناء القبر الطاهر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبر الخليفة الأول والثاني الموجودين بجوار قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث تركوها على حالها ، ولا يوجد أي دليل على هذا الاستثناء.

ولكن يرد على هذا الحديث أمور : أولاً : إنّ في سند هذا الحديث أشخاصاً غير موثقين من قبل رجال أهل السنّة ، وبعضهم كان من أهل التدليس وبالخصوص «سفيان الثوري» و «ابن أبي ثابت».

ثانياً : وعلى فرض كون الحديث صحيحاً ، فإنّ معناه أن يكون القبر مسطحاً (على شكل ظهر السمكة كما كان الكفّار يعملون ذلك) ، وهناك الكثير من فقهاء أهل السنّة أفتوا بوجوب كون القبر مسطحاً ، ولا علاقة لهذا الأمر بما نحن فيه.

ثالثاً : على فرض كون معنى الحديث أنّه يجب أن يكون القبر على

__________________

(١). صحيح مسلم ، ج ٣ ، ص ٦١. ونقل في مصادر أخرى لأهل السنّة. منها : مسند أبي يعلى ، ج ١ ، ص ٤٥٥ ، دار المأمون للتراث.

٨٤

مستوى سطح الأرض لا بروز فيه. وهذا الموضوع لا علاقة له بالبناء على القبور ، لنفرض أنّ هناك حجراً على قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوازي سطح الأرض ، وفي الوقت نفسه توجد قبة فوق ضريحه ـ كما نراها اليوم ـ فلا منافاة مع الحكم المذكور.

كما أننا نقرأ في القرآن المجيد أيضاً عند ما انكشف سر الكهف ، فقال الناس لنبني على قبورهم ، وبعدها قالوا : (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) (١).

فالقرآن المجيد ذكر القصّة ولم يعترض عليهم ، وهذا يعني أنّه لا مانع من بناء المسجد بجوار قبور العظماء.

الآثار الإيجابية لزيارة قبور العظماء :

إذا استطعنا أن نرشد الناس بشكل مناسب ليتجنبوا أي إفراط أو تفريط ، وأن يذكروا الله سبحانه وتعالى بجوار هذه القبور الطاهرة ، ويتوبوا إلى الله ، وأن يستلهموا الدروس والأفكار من أولياء الله ، فيقيناً ستكون هذه المراقد المطهرة الموجودة مركزاً للتربية والتعليم والتوبة والإنابة إلى الله وتهذيب النفوس.

ولقد علمتنا التجارب أنّ الملايين من الأشخاص الذين يأتون لزيارة القبور الطاهرة لأئمّة الدين أو لقبور شهداء طريق الحق يرجعون إلى ديارهم بروحية عالية ، وبنفوس أكثر صفاءً ونورانيةً ، وبقلوب أكثر طهارةً ، وهذه الآثار تبقى فيهم لمدّة طويلة.

__________________

(١). سورة الكهف ، الآية ٢١.

٨٥

وفي الوقت الذي يطلب فيه هؤلاء الشفاعة منهم عند الحضرة الإلهيّة لغفران الذنوب وحلّ مشاكلهم الدينية والدنيوية ، لا بدّ أن يقيموا علاقة معنوية مع أولياء الله ، حتى يبتعدوا عن المعاصي قدر الإمكان ، والتوجه لفعل الخير.

إضافة إلى أنّ توجههم لأولياء الله والتوسل بهم وطلب الشفاعة منهم عند الله يرفع من معنوياتهم وقدرتهم على مواجهة المشاكل التي يتعرضون لها ، ويمنع حصول حالات اليأس والقنوط ، ويقلل من آلامهم الروحية والجسدية ، وهناك آثار وبركات أخرى كثيرة.

فلما ذا نحرم هؤلاء الناس من كل هذه البركات المعنوية والروحية والجسدية بسبب الفهم الخاطئ لمسألة الزيارة والشفاعة والتوسل؟

أي عقل يجيز هذا الأمر؟

إنّ التصدي لهذه المائدة المعنوية يؤدّي إلى خسارة عظيمة ، إضافة إلى أنّ الوسواس غير الطبيعي في مسألة التوحيد والشرك يؤدّي إلى حرمان مجموعة كبيرة من هذه البركات.

الذريعة الثالثة : التبرك :

الذريعة الأخرى هي أنّ الذين يذهبون لزيارة قبور العظماء يذهبون طلباً للتبرك وتقبيل الأضرحة ، وهذا العمل فيه شائبة الشرك ، ولهذا يرى زوار بيت الله الحرام جنوداً غلاظاً وأشداء يقفون حول القبر الطاهر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يمنعون الناس من الاقتراب منه ، والبعض ينسب هذا الأمر إلى «ابن تيمية» و «محمّد بن عبد الوهاب».

ويقيناً إنّ هذين الشخصين المؤسسين للمذهب الوهابي لو كانا في عصر

٨٦

نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله ورأيا بعيونهما حوادث صلح الحديبية أو فتح مكة عند ما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوضأ فينطلق أصحابه وأتباعه يتسابقون للفوز بقطرات من ماء وضوئه حتى لا تسقط أي قطرة على الأرض (١) ، لقالا في سرهما إنّ هذا لا يتناسب مع شأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن فيه شائبة الشرك ، إن لم يتمكنا من التصريح بذلك.

وكذلك لو كانا في المدينة بعد رحيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ورأيا بعيونهما كيف وضع أبو أيوب الأنصاري المضيّف الأول لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجهه على قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله طلباً للتبرك (٢).

أو ما فعله بلال مؤذّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث جلس بجوار قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله يرفع صوته بالبكاء ويعفر وجهه بترابه (٣) ، لقاما بأخذ بلال وأبي أيوب من تلابيبهما وقذفاً بهما جانباً ؛ لأنّ هذا العمل شرك عندهما ، كما يفعل أتباع هذا المذهب اليوم مع زوّار قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

في الوقت الذي لا يوجد أقل علاقة بين طلب التبرك والعبادة ، بل التبرك هو نوع من الاحترام مع أدب ، على أمل أن ينزل الله سبحانه وتعالى على زوّار رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بركاته لأجل هذا الاحترام.

الوظيفة الخطيرة لعلماء الإسلام :

يجب على جميع العلماء الأعلام ومفكري الإسلام التصدي للأعمال

__________________

(١). وهذا الأمر وقع وتكرر عدّة مرات طوال حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، راجع صحيح مسلم ، ج ٤ ، ح ١٩٤٣ ؛ وكنز العمال ، ج ١٦ ، ص ٢٤٩.

(٢). مستدرك الصحيحين ، ج ٤ ، ص ٥٦٠.

(٣). تاريخ ابن عساكر ، ج ٧ ، ص ١٣٧.

٨٧

التي تصدر من بعض العوام غير المناسبة بجوار قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أئمّة البقيع وسائر الأئمّة المعصومين وقبور الشهداء وعظماء الإسلام ، وتعليمهم المفهوم الواقعي للزيارة والتوسل والتبرك وطلب الشفاعة ، حتى لا يتخذها المخالفون ذريعة.

قولوا للناس : إنّ كل الأمور هي بيد الله سبحانه ، وهو مسبب الأسباب وقاضي الحاجات وكاشف الكربات وكافي المهمات ، وإذا توسلتم بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام فيستجيب الله تعالى بهم ويشفعون عنده ؛ لأجل مكانتهم المقدّسة وذواتهم الطاهرة وتُقضى حاجاتكم لكرامتهم عنده تعالى.

إنّ سجود بعض العوام أمام القبور المقدسة ، وإطلاق بعض العبارات التي بها شائبة التألية لهم ، وربط العقد على أضرحتهم وأمثالها أعمال غير صحيحة ، وتخلق المشاكل ، وتشوه تلك الصورة الجميلة والبنّاءة للزيارة ، لتصبح ذريعة لهذا وذاك لحرمان النّاس من بركات الزيارة.

٨٨

المبحث الخامس

الزواج المؤقت

٨٩
٩٠

جميع علماء الإسلام يعتقدون بأنّ الزواج المؤقت كان موجوداً في عصر نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله لمدّة من الزمن. وبعضهم يقول : إنّ التحريم وقع في عصر الخليفة الثاني بأمر من الخليفة نفسه ، ويقول بعضهم : إنّ التحريم وقع في عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن أتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام نعتقد بأنّه لم يحرم مطلقاً ، وهو باق على حاله (طبقاً للشروط).

وهناك مجموعة قليلة من أهل السنّة توافقنا على هذا الاعتقاد ، والأغلبية تخالفنا الرأي ، وكانوا دائماً يشكلون علينا ، وهو ليس محلاً للنقد ، بل هو نقطة قوّة لحل الكثير من المشاكل الاجتماعية.

وستقرءون شرح هذه المطالب في المباحث الآتية :

الضرورات والاحتياجات :

إنّ الكثير من الناس وخصوصاً الشبّان لا يتمكنون من الزواج الدائم ، إضافة إلى أنّ الزواج الدائم يحتاج إلى مقدمات وإمكانيات وتحمل مسئوليات مختلفة ، وهي غير متوفرة لدى البعض ، وعلى سبيل المثال :

٩١

أ) إنّ الكثير من الشبّان لا يستطيعون الزواج في فترة الدراسة ـ وخصوصاً في زماننا ، حيث تستمر الدراسة لفترة طويلة ـ لعدم وجود العمل والمسكن المناسب ولا الإمكانيات الأخرى ، حتى ولو حاول الاقتصار على ما هو ضروري في حفلة الزواج (زواج بسيط) مع ذلك لا بدّ من بعض الإمكانيات كحد أدنى وهي غير متوفرة.

ب) هناك أشخاص متزوجون يتعرضون لضغوط جنسية في سفرهم للخارج ، وخصوصاً عند ما يطول بهم السفر ، وهم لا يستطيعون اصطحاب أزواجهم معهم ، وليس لهم القدرة على الزواج الدائم مرّة أخرى في تلك الديار.

ج) هناك أشخاص تعاني أزواجهم من أمراض مختلفة ومشاكل أخرى ، وليس لديهن القدرة على رفع حاجات أزواجهن الجنسية.

د) هناك جنود يذهبون في مهمّات طويلة الأمد لحفظ الحدود وغيرها ، فقد يتعرضون إلى ضغوط جنسية بسبب بعدهم عن نسائهم. كما سنرى وقوع ذلك في عصر النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث حصلت نفس هذه المشكلة لكثير من جنود الإسلام ممّا أدى إلى تشريع الزواج المؤقت.

ه) قد يتعرض بعض الرجال ـ وخصوصاً الشبّان ـ إلى مشاكل نفسية بسبب عدم اقترابهم من أزواجهم طيلة فترة الحمل ؛ للظروف الخاصّة التي تصاحبها عادة.

إنّ هذه الضرورات والمشاكل الاجتماعية كانت موجودة دائماً ، وستستمر ، وهي لا تختص بعصر النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله فقط ، بل قد تكون في عصرنا أشد ؛ وذلك بسبب تعدد العوامل المهيجة التي تحيط بالمجتمع الحالي.

٩٢

فالأشخاص في هذه الحالات يقفون على مفترق طريقين : إمّا التورط بالفحشاء (والعياذ بالله) ، أو الاستفادة من الزواج المؤقت البسيط الذي لا يترتب عليه ما يترتب على الزواج الدائم من تكاليف ماديّة ، ويلبي الحاجات الجنسية للشخص.

واقتراح الزهد وغض النظر عن كليهما اقتراح جيد ، ولكنّه خارج عن قدرة الكثيرين ، وعلى الأقل هؤلاء الذين يرونه أمراً خيالياً.

زواج المسيار :

الملفت للنظر أنّ أكثر المنكرين للزواج المؤقت من أهل السنّة ، اضطرّوا تدريجياً وبسبب وقوع بعض الضغوطات على الشبّان وغيرهم من الأشخاص المحرومين ، إلى القبول بنوع يشبه الزواج المؤقت يسمى «زواج المسيار» ومع أنّهم لم يطلقوا عليه الزواج المؤقت ، إلّا أنّه لا يوجد أي اختلاف معه ، وبالتالي فهو يجيز للشخص المضطر ، الزواج من امرأة بشكل دائم حتى وإن نوى الطلاق بعد فترة قصيرة ، واشترط سقوط النفقة وحق المبيت والإرث ، وهو في الواقع يشبه الزواج المؤقت بشكل كبير ، باستثناء الانفصال ، فإنّه هنا يتحقق بالطلاق ، وفي الزواج المؤقت يتحقق إمّا بهبة المدّة المتبقية أو انتهاء المدّة المقررة ، ولكلا النوعين من الزواج زمان محدد قد أخذ بعين الاعتبار منذ البداية.

والجميل في الأمر أنّ بعض الشبّان من أهل السنّة قاموا أخيراً وبسبب المشاكل والضغوط التي تواجههم في طريق الزواج الدائم بالاتصال بنا من خلال الشبكة العنكبوتية (الانترنيت) ووجهوا لنا هذا السؤال : هل هناك مانع

٩٣

في مسألة الزواج المؤقت من الأخذ بفتوى الشيعة؟

وقلنا : إنّه لا مانع أبداً.

فهؤلاء الذين ينكرون الزواج المؤقت ، يقبلون بزواج المسيار ، فهم وإن لم يقبلوا بعنوانه ، ولكنهم في الواقع قد قبلوا به.

نعم الضرورات التي تواجه الإنسان قد تجبره على قبول الأمور الواقعية ، حتى وإن اختلفت العناوين.

وبناءً على هذه النتيجة ومع إصرارهم ومخالفتهم للزواج المؤقت فهم يقومون ـ من حيث يعلمون أو لا يعلمون ـ بتمهيد الطريق للفحشاء ، إلا إذا اقترحوا نوعاً آخر مشابهاً كما هو الحال في زواج المسيار ، ولأجل هذا جاءت روايات أهل البيت عليهم‌السلام «لو لا مخالفتهم للزواج المؤقت الإسلامي لما ابتليَ أحد بالزنا» (١).

ومع هذا قاموا بتشويه موضوع الزواج المؤقت الذي شرّع للضرورات وتلبية حاجة المحرومين ، وأظهروه بصورة قبيحة ، وبهذا مهدوا لانتشار الفساد بالزنا في المجتمع الإسلامي ، فهم في الواقع شركاء المذنبين في ارتكاب المعصية ؛ لأنّهم منعوا الناس من الاستفادة الصحيحة من الزواج المؤقت.

وعلى كل حال فالإسلام وضع قانوناً يتطابق مع فطرة البشر ، ليلبّي جميع الحاجات الواقعية له ، ولا يمكن أن لا تدرج مسألة الزواج المؤقت في

__________________

(١). يقول الإمام الصادق عليه‌السلام : «لو لا ما نهى عنه عمر ما زنى إلّا شقي» ، وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٤٤٠ ، ح ٢٤. وجاء هذا الحديث كثيراً في كتب أهل السنّة وهو قال الإمام علي عليه‌السلام : «لو لا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلّا شقي» ، تفسير الطبرى ، ج ٥ ، ص ١١٩ ؛ وتفسير الدر المنثور ، ج ٢ ، ص ١٤٠ ؛ وتفسير القرطبي ، ج ٥ ، ص ١٣٠.

٩٤

أحكامه ، وسيتضح فيما بعد أنّ الزواج المؤقت جاء في القرآن الكريم والأخبار النبوية ، وعمل به مجموعة من الأصحاب ، إلّا أنّ مجموعة أخرى تدّعي أنّ هذا الحكم الإسلامي قد نسخ ، وسنرى أنّهم لا يملكون أي دليل مقنع على هذا النسخ.

ما هو الزواج المؤقت؟

قام بعضهم وبدون علم ، بتعريف الزواج المؤقت تعريفاً غير مناسب ، وما زالوا ، حيث جعلوه مرادفاً «للاعتراف الرسمي بالفحشاء والإباحية والحرية الجنسية»!!

ولو كان هؤلاء من العوام لكان الأمر سهلاً ، ولكن للأسف هناك بعض علماء الدين من أهل السنّة من يؤيّد هذه التهمة الخطيرة. وأنا على يقين من أنّهم لم يكلفوا أنفسهم بقراءة كتب الموافقين للزواج المؤقت ، ولعلهم لم يقرءوا حتى سطراً واحداً ، وهذا ممّا يؤسف له كثيراً.

ونحن مضطرون في هذا المختصر لبيان شروط الزواج المؤقت ، وبيان الفرق بينه وبين الزواج الدائم بشكل واضح ، حتى تتم الحجة الإلهيّة على الجميع :

إنّ أغلب الشروط والأحكام الموجودة في الزواج المؤقت هي نفسها موجودة في الزواج الدائم :

١. يجب حصول الرضا من قبل الرجل والمرأة بالزواج مع كامل الحرية ، وبدون إجبار أحد الطرفين للآخر.

٢. يجب أن تكون الصيغة في العقد بلفظ" أنكحت" أو" زوجت" أو بلفظ

٩٥

«متعت» ولا يصح بألفاظ أخرى.

٣. يشترط إذن الولي إذا كانت الزوجة باكراً ، ولا يشترط ذلك إذا لم تكن باكراً ، أي ثيباً.

٤. لا بدّ من تعيين المدّة والمهر بشكل دقيق ، وإذا لم تذكر المدّة لنسيان سيتحول العقد إلى عقد دائم ، بناءً على فتوى الكثير من الفقهاء ، وهذا دليل على أنّ ماهية كلا النوعين من النكاح واحدة باستثناء الفرق الوحيد ، وهو ذكر المدة أو عدم ذكرها. فتأمّلوا.

٥. انتهاء المدّة بمنزلة الطلاق ، ويجب على المرأة أن تعتد بعدها مباشرة ، هذا إذا دخل بها.

٦. عدّة العقد الدائم ثلاثة قروء ، وبرؤية القرء الثالث تكتمل العدّة ، ولكن عدة العقد المؤقت قرءان لا أكثر.

٧. الأولاد المولودون من العقد المؤقت هم أولاد شرعيون ، ولهم جميع أحكام الأولاد المولودين من العقد الدائم ـ بلا استثناء ـ ويرثون من الأب والأم والأخوة وجميع الأقرباء ، ولا يوجد أي فرق بين أولاد هذين النوعين من ناحية الحقوق.

٨. أولاد العقد المؤقت يجب أن يكونوا تحت كفالة الأب والأم ، ويجب دفع النفقة وجميع مصاريفهم ـ كما هي الحال مع أولاد العقد الدائم ـ.

***

ولعلّ بعضهم عند ما يسمع هذا الكلام يستغرب كثيراً ، إنّهم على حق ؛ لأنّ أذهانهم غير سليمة وعامية فيما يتعلق بالعقد المؤقت ، ولعلهم يعتقدون بأنّه زواج غير رسمي وغير كامل ، وهو خارج عن حدود القوانين.

٩٦

وبعبارة أخرى : هو شبيه بالزنا ، وفي الواقع هو ليس كذلك مطلقاً.

نعم هناك فوارق بين هذين العقدين من جهة الزوج والزوجة ، فالواجبات على كل واحد منهما تجاه الأخر في العقد المؤقت تكون أقل كثيراً منها في العقد الدائم ؛ لأنّ الهدف من الزواج المؤقت التسهيل وعدم التقييد ، ومن هذه الفوارق :

١. إنّ المرأة في الزواج المؤقت ليس لها نفقة ولا إرث. هذا إذا لم تشترط ذلك ، كما ذكره مجموعة من الفقهاء ، فإذا اشترطت ذلك ، فيجب حينه العمل على طبقه.

٢. المرأة في العقد المؤقت حرّة في انتخاب العمل خارج المنزل ، ولا يشترط إذن الزوج إذا لا يعارض حقّه ، ولكن في الزواج الدائم لا يجوز ذلك إلّا بالموافقة.

٣. لا يجب على الرجل في الزواج المؤقت المبيت عند زوجته.

***

وستتضح ـ بالتأمل في الأحكام التي ذكرناها ـ الأجوبة على الكثير من التساؤلات والأحكام المتعجرفة والشبهات والافتراءات ، وستزول الذهنيات الكاذبة والسقيمة عن هذا الحكم الإسلامي المقدس والحكيم ، وفي الحقيقة أنّه لا يوجد أي تشابه بين الزواج المؤقت وبين الزنا والأعمال المنافية للعفة. ويقيناً أنّ هؤلاء الأشخاص الذين قاسوا بين هذين النوعين من الزواج مغفلون وليس لديهم أي معرفة بحقيقة النكاح المؤقت وشرائطه.

***

٩٧

الاستغلال السلبي :

الاستغلال السلبي للأمور الحقّة يمنح الفرصة لأصحاب الألسن البذيئة ويقدم الذرائع والحجج لمن يبحث عنها ، ويستند إليها في الطعن بتلك الأمور الحقّة والشرعية.

***

والزواج المؤقت هو من المصاديق الواضحة لمثل هذا البحث.

ولكن للأسف الشديد قام بعض المغرضين وأتباع الهوى بتشويه هذا الزواج وتحريفه ـ والذي شرع في الأصل ليكون حلاً لبعض المعضلات الاجتماعية المهمّة والضرورات ـ ليعطوا المخالفين الذرائع لنقد هذا التشريع الحكيم.

ولكن السؤال هنا هو : أي حكم لم تنله يد الاستغلال إلى يومنا هذا ، وأي مبدأ قيّم لم تستغله جماعات غير مؤهلة؟

فإذا وضعت المصاحف يوماً على رءوس الرماح كذباً وخداعاً لتوجيه حكم الظالمين والمتعصبين ، فهل معناه أن يوضع القرآن جانباً؟

وإذا قامت مجموعة من المنافقين ببناء مسجد ضرار ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بتدميره أو إحراقه ، فهل هذا يعني أنّ تترك المساجد بشكل كلي؟

وعلى كل حال ، نحن نعترف أنّ بعضهم استغل هذا الحكم الإسلامي المهم ، ولكننا لا يمكن أن نغلق أبواب المسجد لأجل مجموعة تاركة للصلاة ، أو نشعل الحريق لأجل منديل قيصري.

فيجب أن نغلق الباب أمام أتباع الهوى والاستغلاليين ، وأن نضع ضوابط صحيحة للزواج المؤقت ، وخصوصاً في عصرنا الحاضر ، حيث لا يمكن

٩٨

تطبيق هذه القضية من دون تخطيط دقيق وصحيح. فلا بدّ من قيام مجموعة من المختصين وأهل الخبرة بكتابة وتدوين قانون لتنظيمه وتطبيقه ، لقطع الأيادي الشيطانيّة عنه ، والحفاظ على الجانب المشرق لهذا التشريع الحكيم ، وسد المنافذ على كلا المجموعتين : أي : أتباع الهوى ، والمنتقدين الحاقدين.

الزواج المؤقت في الكتاب والسنّة وإجماع الأمة :

جاء الزواج المؤقت في كتاب الله العزيز بلفظ «المتعة» حيث يقول : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (١).

والنقطة المهمّة هنا أن هناك روايات كثيرة تنقل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جاء فيها لفظ المتعة بمعنى الزواج المؤقت ، وسنعرض على القارئ المحترم هذه الروايات في الأبحاث الآتية. إضافة إلى أنّه جاء في كتب فقهاء الإسلام ـ أعم من الشيعة والسنّة ـ التعبير عن الزواج المؤقت بالمتعة. وإنكار هذا الموضوع من قبيل إنكار المسلّمات وسنعرض لكم مجموعة من كلمات الفقهاء في البحوث التالية أيضاً.

ومع هذا يصرّ بعضهم على تفسير «الاستمتاع» في الآية بالتلذذ ، وقالوا : إنّ معنى الآية هو إعطاء المهر للمرأة التي يراد الاستمتاع بها جنسياً.

وهنا نذكر ردّان على هذا القول :

أولاً : إنّ وجوب دفع المهر هو مقتضى العقد ، بمعنى : أنه بمجرد تحقق

__________________

(١). سورة النساء ، الآية ٢٤.

٩٩

العقد يمكن للمرأة المطالبة بالمهر كاملاً ، حتى وإن لم يتحقق الدخول ، أو قبل حصول أي ملاعبة. نعم لو وقع الطلاق قبل الدخول ، يصبح المهر نصفاً بعد الطلاق. فتأمل.

ثانياً : إن مصطلح «المتعة» كما ذكرنا في العرف الشرعي وكلمات الفقهاء من الشيعة والسنّة وما جاء في الروايات هو بمعنى العقد المؤقت ، وسنرى كثرة الأدلة المؤيدة لذلك.

فهذا المرحوم الشيخ الطبرسي المفسّر المعروف صاحب تفسير «مجمع البيان» في تفسيره لهذه الآية يصرح بأنّ هناك نظريتين في تفسير هذه الآية :

أ) نظرية من فسر الاستمتاع هنا بمعنى التلذذ ، وذكر مجموعة من الصحابة والتابعين وغيرهم.

ب) نظرية من فسّر الاستمتاع بعقد المتعة والزواج المؤقت ، وهذا رأي ابن عباس والسدي وابن مسعود وجماعة من التابعين.

ويستمر الشيخ في حديثه ويقول : والنظرية الثانية واضحة ؛ لأنّ لفظ المتعة والاستمتاع في العرف الشرعي يعني الزواج المؤقت ، إضافة إلى أنّ وجوب المهر للمرأة غير مشروط بالتلذذ (١).

وهذا القرطبي في تفسيره قال : المقصود من الآية في نظر الجمهور هو النكاح المؤقت الذي كان موجوداً في صدر الإسلام (٢).

وأشار كل من السيوطي في الدر المنثور وأبي حيان وابن كثير والثعالبي في تفاسيرهم إلى هذا المعنى.

__________________

(١). أنظر مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٦٠.

(٢). أنظر تفسير القرطبى ، ج ٥ ، ص ١٢٠ ؛ وفتح الغدير ، ج ١ ، ص ٤٤٩.

١٠٠