الشيعة شبهات وردود

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الشيعة شبهات وردود

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


المترجم: احمد محمّد الحرز
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-6632-028-9
الصفحات: ٢٠٧

القرآن والمسح على الأرجل :

المسح على الأرجل أحد الإشكالات التي يوردها بعض علماء أهل السنّة على الشيعة وأتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، حيث يرى أغلبهم وجوب غسل الأرجل ، وعدم كفاية المسح على الأرجل.

في الوقت الذي أمر فيه القرآن المجيد بوضوح بالمسح على الأرجل ، وعمل أتباع أهل البيت عليهم‌السلام موافق للقرآن وللكثير من أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التي تجاوزت ثلاثين حديثاً.

وكان المسح عمل الكثير من الصحابة والتابعين وليس الغسل.

ولكن للأسف أغمض بعض المخالفين أعينهم أمام هذه الأدلة ، ولم يكلفوا أنفسهم بالتدقيق بشكل كاف ، وشنوا هجومهم على أتباع هذا المذهب بالنقد والتجريح بألفاظ قاسية ، وغير لائقة ، وبعيدة عن الحق والاعتدال.

يقول ابن كثير وهو من العلماء المعروفين لدى أهل السنّة في كتابه «تفسير القرآن العظيم» : «قد خالفت الروافض في ذلك بلا مستند ، بل بجهل وضلال ... وكذلك هذه الآية الكريمة دالة على وجوب غسل الرجلين مع ما

١٤١

ثبت بالتواتر من فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على وفق ما دلت عليه الآية الكريمة وهم مخالفون لذلك كله وليس لهم دليل صحيح في الواقع ونفس الأمر» (١).

وتبعه على ذلك جمع آخر بعيون عمياء وآذان صمّاء بدون أن يحققوا في المسألة ، ولفقوا على الشيعة التهم كما يحلو لهم.

وتصوروا أن جميع مخاطبيهم من العوام ، ولم يفكروا أنّه سيقوم المحققون والعلماء يوماً بنقد كلامهم ، وسيندمون على ذلك أمام التاريخ الإسلامي.

والآن وقبل كل شيء نتجه للقرآن المجيد ، فالقرآن يحدثنا في سورة المائدة ـ آخر سورة نزلت على نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ حيث يقول تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (٢).

ومن الواضح أنّ كلمة (أَرْجُلَكُمْ) معطوفة على (بِرُؤُسِكُمْ) فيكون المسح على كليهما لازماً سواء قرأنا (أَرْجُلَكُمْ) بالنصب أم بالجر. تأملوا (٣).

__________________

(١). أنظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ ، ص ٥١٨.

(٢). سورة المائدة ، الآية ٦.

(٣). وللتوضيح هناك قراءتان معروفتان لكلمة (أَرْجُلَكُمْ) ، قراءة بالجر (كسر حرف اللام) برواية جمع من القراء المشهورين ، مثل حمزة وأبي عمر وابن كثير ، وحتى عاصم (موافق لرواية أبي بكر) ، وجمع آخر من المشهورين أيضاً قرءوها بالنصب ، وجميع المصاحف الحالية مكتوبة على وفقها.

ولكن لا يوجد أي فرق في المعنى بين هاتين القراءتين.

لأنّا إذا قرأناها بالكسر فواضح أنّها معطوفة على (بِرُؤُسِكُمْ) ومعناها أن تمسح القدمين في الوضوء ، (كما تمسح الرأس).

فهل يعاب على الشيعة العمل على وفق هذه القراءة التي يذهب إليها الكثيرون؟

وإذا تجاوزنا هذا وقرأناها بالفتح فهي معطوفة أيضاً ولكن على محل (بِرُؤُسِكُمْ) ، ومحلها

١٤٢

ومهما يكن ، فالقرآن المجيد يأمر بالمسح على القدمين.

توجيهات عجيبة :

ولكن هناك مجموعة عند ما رأت أن الأحكام المسبقة التي تبنوها لا تنسجم مع المنطق القرآني لجأت إلى تقديم توجيهات تجعل الإنسان في حيرة ، ومن جملتها :

١. إنّ هذه الآية قد نسخت من خلال سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأحاديث التي نقلت عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول «ابن حزم» في كتابه «الإحكام في أصول الأحكام» : «بما أنّ الغسل جاء في السنّة ، فلا بدّ من قبول أنّ المسح قد نسخ».

ويرد عليه :

أولاً : إنّ جميع المفسرين قالوا إنّ سورة المائدة هي آخر ما نزل على

__________________

النصب كما تعلمون ، لأنّه مفعول ل ـ (وَامْسَحُوا) فعليه يكون المعنى على كلا القراءتين المسح على القدمين.

ولكن توهّم بعضهم بأنّ قراءة (أَرْجُلَكُمْ) بالفتح تكون معطوفة على (وُجُوهَكُمْ) فيصبح المعنى اغسلوا وجوهكم وأيديكم وكذلك أرجلكم!

في الوقت الذي تكون هذه القراءة خلاف القواعد العربية ، ولا تتفق مع فصاحة القرآن.

فأمّا مخالفتها للقواعد العربية ، فهو أن لا يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بفاصل أجنبي ، وكما يقول العالم السني المعروف : إنّه يستحيل عطف (أَرْجُلَكُمْ) على (وُجُوهَكُمْ) لأنّه لم يسمع في الكلام العربي الفصيح أحد يقول «ضربت زيداً ومررت ببكر وخالداً» أي يكون «خالد» معطوف على «زيد» (شرح منية المصلي ، ص ١٦).

وحتى الأشخاص العاديين لا يتفوهون بهذا الكلام ، فكيف بالقرآن الكريم ، وهو مثال الفصاحة والكمال.

فعليه ، وكما قال بعض محققي أهل السنّة ، إنّه لا شك في أنّ كلمة (أَرْجُلَكُمْ) بناءً على النصب تكون معطوفة على محل (بِرُؤُسِكُمْ) ، وعلى كلا الوجهين يكون معنى الآية واحداً ، وهو المسح على الرأس والقدمين في الوضوء.

١٤٣

النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يوجد أي نسخ لآياتها.

ثانياً : وكما سيأتي ـ فيما بعد ـ بأنّه في مقابل الروايات الدالة على أنّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قد غسل قدميه عند ما توضأ ، هناك روايات أخرى متعددة لدينا تقول أنّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قد مسح على قدميه عند ما توضأ.

فكيف يمكن أن ينسخ هذا الأصل القرآني بروايات موضوعة هذا حالها؟

ولو تجاوزنا هذا ، فإنه قد ذكر في باب تعارض الروايات ، بأنّه إذا تعارضت الروايات يجب عرضها على القرآن ، فما وافق القرآن يؤخذ به ، وما خالفه فهو مردود.

٢. هناك البعض مثل : «الجصاص» في كتابه «أحكام القرآن» يقول : إنّ آية الوضوء مجملة ، ولا بدّ من العمل بالاحتياط ، فنغسل القدمين ، فيتحقق الغسل والمسح (١).

ونحن نعلم جميعاً أنّ هناك تبايناً بين مفهوم «الغسل» و «المسح» والغسل لا يشمل المسح بتاتاً.

ولكن ما العمل!! فالأحكام المسبقة التي تطلق قبل التحقيق لا تجيز لنا العمل بظاهر القرآن.

٣. يقول الفخر الرازي : حتى لو قرأنا «أرجلكم» بالجر ، معطوفاً على «رءوسكم» والتي تدلّ بوضوح على المسح ، إلّا أنّ المقصود ليس المسح على القدمين ، بل إنّ المقصود من المسح على القدمين عدم إراقة الماء الكثير عند غسل القدمين (٢).

__________________

(١). أحكام القرآن ، ج ٢ ، ص ٤٣٤.

(٢). تفسير الكشّاف ، ج ١ ، ص ٦١٠.

١٤٤

فإذا قبلنا بهذا النوع من الاجتهاد والتفسير بالرأي للآيات القرآنيّة ، فلن يبقى شيء من ظواهر القرآن نعمل به ، فإذا قلنا : إنّ المسح يعني عدم الإسراف في الغسل مجازاً ، لأمكننا تفسير جميع ظواهر الآيات بشكل آخر.

الاجتهاد والتفسير بالرأي مقابل النص :

هناك قرائن كثيرة تشير إلى قبح هذا النوع من الاجتهاد وعدم قبوله مقابل النص الرائج في عصرنا الحاضر. وهذا لم يكن موجوداً في العهد الأول للإسلام.

وبعبارة أخرى : إنّ هذا التعبد والتسليم المطلق الموجود عندنا اليوم لآيات القرآن المجيد وكلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن بهذه القوّة والشدّة في تلك العصور.

فمثلاً : عند ما تحدث عمر عن رأيه المعروف : «متعتان كانتا محللتان في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج» (١) ، لم نسمع أحداً من الصحابة انتقده أو وجّه الملامة له ، قائلاً إنّ هذا اجتهاد في مقابل النص.

وأمّا لو قال أحد العلماء الكبار من فقهاء الإسلام في زماننا : «إنّ العمل الفلاني كان حلالاً في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أحرمه» ، لتصدى له الجميع استغراباً من موقفه ، وأظهروا رفضهم ، وقالوا إنّه لا قيمة لهذا الرأي ، ولا يحق لأحد أن يحرم حلال الله ، ولا يحلل حرامه ؛ لأنّه لا معنى لأن يجتهد أحد أمام النص ، ولا أن ينسخ الأحكام.

__________________

(١). مصادر هذا الحديث مرت في بحث الزواج المؤقت.

١٤٥

ولكن العهد الأول لم يكن كذلك ، وبهذا الدليل نرى بعض الفقهاء قد أجاز لنفسه مخالفة الأحكام الإلهية ، وقد يكون إنكار المسح على القدمين وإبداله بالغسل ، من هذا القبيل.

ولعلّ بعضهم تصوّر أنّ من الأفضل غسل القدمين ؛ لأنّها معرضة للتلوث دائماً ، فما الفائدة من المسح؟ وخصوصاً أنّ بعض المسلمين كانوا حفاة في تلك الأعصار ، ولأجل هذا كان إحضار الماء لغسل أرجلهم من الآداب المتعارفة في وقتها عند استقبال الضيوف!.

والشاهد على هذا الكلام ما قاله صاحب كتاب «تفسير المنار» في ذيل آية الوضوء من توجيه لكلمات القائلين بالغسل حيث يقول : «إن مسح اليدين على القدمين الملوثة بالغبار أو المتسخة غالباً ، ليس فقط لا فائدة فيه ، بل قد يلوثها أكثر ممّا هي عليه ، وسينتقل التلوث إلى اليد أيضاً».

وينقل ابن قدامة الفقيه المعروف لدى أهل السنّة (المتوفى ٦٢٠ قمري) عن بعضهم قوله : «إنّ القدمين في معرض التلوث بخلاف الرأس ، فمن المناسب أن تغسل القدمين ويمسح على الرأس» (١). فنجد كيف رجّح هذا الاجتهاد والاستحسان في مقابل ظاهر الآية القرآنيّة ، وترك المسح ووجّه الآية توجيهاً غير سليم.

والظاهر أنّ هذه المجموعة قد نسيت أنّ الوضوء مركب من النظافة والعبادة ، فمسح الرأس لا علاقة له بنظافته ، وخصوصاً على بعض الفتاوى بكفاية المسح بالإصبع ، وكذلك مسح القدمين.

__________________

(١). المغني لابن قدامة ، ج ١ ، ص ١١٧.

١٤٦

وفي الواقع أنّ المسح على الرأس والقدمين إشارة إلى تسليم وطاعة الإنسان المتوضئ الأوامر الإلهيّة من الرأس إلى أخمص القدمين ، وإلّا فلا المسح على الرأس يحقق النظافة ولا المسح على القدمين.

وعلى كل حال ، فنحن تابعون للأحكام الإلهيّة ولا يحق لنا مع قصور عقولنا تغيير الأوامر الإلهيّة ، فعند ما نزلت آخر سورة من القرآن الكريم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرت بغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والقدمين فيجب أن لا نخالفها ، ونلجأ إلى توجيه تلك المخالفات بتفسير كلام الله سبحانه وتعالى بأسلوب غير وجيه مع قصور العقل الإنساني.

نعم ، إنّ التفسير بالرأي والاجتهاد مقابل النص بلاء عظيم ، أضر ـ وللأسف ـ بأصالة الفقه الإسلامي في بعض الموارد.

المسح على الأحذية :

ومن عجائب الدهر التي تحير كل محقق منصف أنّه في الوقت الذي يصرون فيه على عدم جواز المسح على القدمين في الوضوء ولزوم غسل القدمين ، يصرح أغلبهم بجواز المسح على الحذاء بدل غسل القدمين ، من دون أن يكون هناك اضطرار أو سفر ، بل في حال الاختيار والحضر وعلى كل حال.

وفي الحقيقة إنّ هذه الأحكام ـ إما غسل الأرجل أو المسح على الحذاء ـ تثير التعجب والدهشة.

طبعاً هناك مجموعة تعتبر قلة في نظر فقه أهل السنّة ، كعلي بن أبي طالب عليه‌السلام وابن عباس ومالك ـ أحد أئمّة أهل السنّة ـ في إحدى فتاواه ، لا

١٤٧

يجيزون المسح على الحذاء.

والملفت للنظر أنّ عائشة ـ التي يولي الإخوة أهل السنّة أهمية كبيرة لفتاواها ورواياتها ـ تقول في الحديث المعروف : «لئن تقطع قدماي أحبّ إليّ من أن أمسح على الخفّين» (١). وقد كانت تعيش مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليل نهار وترى وضوءه.

وعلى كل حال ، لو اتّبع هؤلاء الإخوة أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام والتي تتطابق مع ظواهر القرآن لما قبلوا إلّا بالمسح على القدمين.

يقول النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديث الصحيح : «إنِّي تَارِكٌ فيكم ما إن تمَسَّكْتمْ بِهما لَنْ تَضِلّوا كتَاب اللهِ وعِتْرَتِي أَهْلَ بَيتِي ، وإنَّهما لَنْ يَفْتَرِقَا حتّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْض» (٢).

يقول الإمام الباقر عليه‌السلام في رواية معتبرة : «ثَلاثَةٌ لا أتَّقِي فِيهِنَّ أحَداً : شُرْبُ المُسْكِرِ ، وَمَسْحُ الخُفَّينِ ، وَمُتْعَةُ الحَجِّ» (٣).

الروايات الاسلامية والمسح على القدمين :

اتّفق فقهاء الإماميّة على عدم القبول بغير المسح على القدمين في الوضوء ، والروايات الواردة من طرق أهل البيت عليهم‌السلام صريحة في هذا المعنى ، وقد لاحظتم ذلك في حديث الإمام الباقر عليه‌السلام المذكور سابقاً ، وهناك أحاديث كثيرة في هذا المجال.

__________________

(١). المبسوط للسرخسي ، ج ١ ، ص ٩٨.

(٢). كمال الدين وتمام النعمة ، ص ٢٣٧.

(٣). اصول الكافي ، ج ٣ ، ص ٣٢.

١٤٨

ولكن الأحاديث التي جاءت في مصادر أهل السنّة مختلفة تماماً ، فهناك عشرات الأحاديث أشارت إلى مسألة المسح على القدمين ، أو تقول : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن مسح على رأسه مسح على قدميه ، وهناك أحاديث أخرى نسبوها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تقول بالغسل وبعضها بالمسح على الخفين.

فالطائفة من الأحاديث التي ذكرت المسح فقط مذكورة في الكتب المعروفة مثل :

١. صحيح البخاري.

٢. مسند أحمد.

٣. سنن ابن ماجة.

٤. مستدرك الحاكم.

٥. تفسير الطبري.

٦. الدر المنثور.

٧. كنز العمال ، وغيرها من الكتب المسلّم باعتبارها عند أهل السنّة.

ورواة هذه الأحاديث أشخاص مثل :

أ) أمير المؤمنين علي عليه‌السلام.

ب) ابن عباس.

ج) أنس بن مالك (الخادم الخاص للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله).

د) عثمان بن عفان.

ه ـ) بسر بن سعيد.

و) رفاعة.

وسنكتفي هنا بذكر خمس روايات ، وأعجب ما قيل من كلام ، ما قاله

١٤٩

بعضهم مثل الآلوسي المفسر المعروف : «لا يوجد أكثر من رواية واحدة لدى الشيعة دليلاً على ذلك» (١) :

والروايات هي :

١. عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : «كُنْتُ أرى بَاطِنَ القَدَمَيْنِ أَحَقُّ بالمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِما حَتَّى رَأيْتُ رَسُولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يَمْسَحُ ظَاهِرَهُما» (٢).

هذا الحديث ذكر وبشكل صريح أنّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قد مسح على القدمين ، وبواسطة شخص مثل الإمام علي عليه‌السلام.

٢. عن أبي مطر قال : «بينما نحن جلوس مع علي عليه‌السلام في المسجد إذ جاء رجل إلى علي عليه‌السلام وقال : أرني وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. فدعا قنبراً فقال : آتيني بكوز من ماء ، فغسل يده ووجهه ثلاثاً ، فأدخل بعض أصابعه في فيه واستنشق ثلاثاً ، وغسل ذراعيه ثلاثاً ، ومسح رأسه واحدة ... ورجليه إلى الكعبين» (٣).

٣. عن بسر بن سعيد قال : «أتى عثمان المقاعد فدعا بوضوء فتمضمض ، واستنشق ثمّ غسل وجهه ثلاثاً ، ويديه ثلاثاً ثلاثاً ، ثمّ مسح برأسه ورجليه ثلاثاً ثلاثاً ، ثمّ قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا توضأ ، يا هؤلاء أكذلك؟ قالوا : نعم ، لنفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنده» (٤).

يشير هذا الحديث بوضوح إلى أنّ طريقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الوضوء هي المسح ، وهذه الشهادة لا تنحصر بقول عثمان فقط ، بل جمع من الصحابة

__________________

(١). تفسير روح المعاني ، ج ٦ ، ص ٨٧.

(٢). مسند أحمد ، ج ١ ، ص ١٢٤.

(٣). كنز العمّال ، ج ٩ ، ص ٤٤٨.

(٤). مسند أحمد ، ج ١ ، ص ٦٧.

١٥٠

أيضاً يشهدون على ذلك ، وإن كانت قد ذكرت المسح على الرأس والقدمين ثلاثاً ، إلّا أنّه يمكن حمله على الاستحباب ، أو خطأ الراوي.

٤. عن رفاعة بن رافع أنّه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إنّه لا تتم صلاة لأحد حتّى يسبغ الوضوء ، كما أمر الله عزوجل ، يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين» (١).

٥. عن أبي مالك الأشعري أنّه قال لقومه : «اجتمعوا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما اجتمعوا ، قال : هل فيكم أحد من غيركم؟ قالوا : لا ، إلّا ابن أخت لنا ، قال : ابن أخت القوم منهم ، فدعا بجفنة فيها ماء ، فتوضأ ومضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثاً ، وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً ، ومسح برأسه وظهر قدميه ثمّ صلّى بهم» (٢).

وما ذكرناه يمثل قسماً بسيطاً من الروايات الموجودة في كتب أهل السنّة المعروفة ، والتي نقلها رواة معروفون.

فأمّا الأشخاص والأفراد الذين ذكروا : أنّه لا يوجد أي حديث يدلّ على المسح على الرجلين ، أو لا يوجد أكثر من حديث واحد على ذلك ، فهم أناس غير واعين ومتعصبون ، حيث تصورا أنّ بإغماض العين وإنكار الواقعيات سيتم إلغاء الواقعيات.

فهم كمن أراد أن ينكر وجوب المسح المستفاد من دلالة الآية في سورة المائدة ، حتى وصل بهم الأمر إلى أن قالوا إنّ الآية صريحة في الغسل ، كما بيّناه سابقاً.

__________________

(١). سنن ابن ماجة ، ج ١ ، ص ١٥٦.

(٢). مسند أحمد ، ج ٥ ، ص ٣٤٢.

١٥١

روايات المخالفين :

لا ننكر وجود مجموعتين من الروايات المتعارضة مع الروايات التي ذكرناها سابقاً في مصادر أهل السنّة المعروفة.

مجموعة من الروايات ، تقول : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يغسل رجليه عند الوضوء ، وروايات أخرى ، تقول : لا تغسل الأرجل ولا تمسح ، بل يمسح على الخفين!!

ولكن يجب أن لا ننسى القاعدة الأصولية المسلّمة التي تقول : إذا تعارضت مجموعتان من الروايات حول مسألة واحدة ، يجب أولاً معالجتها بالجمع الدلالي لحلّ التعارض طبقاً لموازين الفهم العرفي.

وإذا لم نتمكن من ذلك ، فيجب عرضها على كتاب الله ، لنرى أيّهما مطابق للقرآن فنأخذ بها ، وما خالفه نتركها ، وهذه الطريقة ثابتة بأدلة معتبرة.

فإذاً يمكن الجمع بين روايات المسح والغسل ، بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أدى وظيفة المسح في الوضوء ، وبعد ذلك قام بتنظيف الرجلين بغسلهما ، من دون أن يكون الغسل جزءاً من الوضوء ، وقد تخيل بعض من رأى هذا المشهد أن غسل الرجلين جزءٌ من أفعال الوضوء.

وهذه الطريقة تستخدم كثيراً بين الشيعة ، فبعد أن يؤدوا وظيفتهم بمسح الرجلين للوضوء ، يقومون بغسل الأرجل كاملاً للتنظيف.

هذا العمل وبسبب حرارة الهواء في تلك البيئة يكون ضرورياً عند استخدامهم النعال المكشوفة وليس الأحذية ، لأنّ النعال لا تقي من التلوث بشكل كامل.

وعلى كلّ حال ، فالمسح على الرجلين هو الوظيفة الواجبة المتعينة ، وهو

١٥٢

أمر منفصل عن الغسل المتعارف للرجلين.

واحتمال اجتهاد بعض الفقهاء مقابل النص وارد ، وذلك بالإفتاء بلزوم غسل الرجلين ؛ لأنّهم يعتقدون بأنّ إزالة تلوث الرجلين لا يحصل إلّا بالغسل ، ويتنصلون من وجوب المسح المستفاد من ظاهر الآية الموجودة في سورة المائدة ، كما جاء ذلك في كلمات بعض علماء أهل السنّة في البحوث السابقة ، حيث قالوا : إنّه من الأفضل غسل الرجلين بسبب التلوث ، والمسح لا يفي بالغرض.

الشريعة سهلة سمحاء :

نحن نعتقد بأنّ الإسلام دين عالمي ، لجميع بقاع العالم على مر العصور والقرون ، وهو في الوقت نفسه شريعة سمحاء سهلة تماماً ، فكّروا بأنّ الالتزام بوجوب غسل الرجلين في الوضوء خمس مرات يومياً يخلق بعض المشاكل المهمّة في العالم ، ممّا يؤدّي الى نفور البعض من الدين وترك الوضوء والصلاة بسبب الحرج وهو خلاف مبدأ الشريعة السهلة السمحاء.

وهذه هي نتيجة الاجتهاد مقابل النص وترك روايات المسح.

وإنّ احتمال وضع بعض روايات الغسل ـ وليست كلها ـ في عصر بني أمية غير مستبعد ؛ وذلك لأنّ وضع الأحاديث في ذلك الزمان كان له رواج واسع بسبب المبالغ الضخمة التي كانت تقدم لواضعي الحديث من قبل معاوية ؛ لأنّ الجميع يعلم أنّ الإمام علياً عليه‌السلام كان من المؤيدين لمسح الرجلين ، ومعاوية كان يصر على مخالفة الإمام في كل عمل.

ونرجو التدقيق في هذين الحديثين :

١٥٣

١. جاء في صحيح مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب ، فقال : «أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلن أسبه ، لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إلي من حمر النعم» ، وبعد ذلك ذكر قصّة غزوة تبوك ، وجملة : «أمّا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» وبين كذلك قصّة غزوة خيبر ، والجملة المهمّة التي قالها النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في حق علي عليه‌السلام وذكر قصّة المباهلة أيضاً» (١).

هذا الحديث يبيّن بوضوح مدى إصرار معاوية على مخالفة الإمام علي عليه‌السلام وإلى أي حد.

٢. نستفيد من خلال الروايات الكثيرة أنّ هناك مجموعتين أقدموا على وضع الأحاديث في القرن الأول من تاريخ الإسلام :

المجموعة الأولى : هم مجموعة من الأشخاص ظاهرهم الصلاح والزهد ، ولكنهم بسطاء وساذجون ، فقاموا بوضع الأحاديث بنية القربة ، ومن جملتهم مجموعة متدينة في الظاهر قاموا بوضع أحاديث عجيبة وغريبة في فضائل السور لترغيب الناس على تلاوة القرآن ، ونسبوها إلى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وللأسف لم يكونوا قليلي العدد.

يقول القرطبي العالم المعروف عند أهل السنّة في كتابه التذكار : «لا اعتبار للروايات التي وضعها الوضّاعون كذباً في فضيلة سور القرآن ، ارتكب هذا العمل جماعة كثيرة في فضائل السور القرآنيّة ، بل في فضائل بعض الأعمال ، فوضعوا الأحاديث بنية قصد القربة لترغيب الناس

__________________

(١). صحيح مسلم ، ج ٧ ، ص ١٢٠.

١٥٤

وتشجيعهم على الأعمال الفاضلة ، ويرى أنّه لا يوجد أي منافاة بين الكذب ـ وهو أقبح الذنوب ـ والزهد والفقاهة» (١).

ذكر العالم (القرطبي) نفسه في الصفحة التالية لنفس الكتاب نقلاً عن «الحاكم» وبعض الشيوخ المحدثين : «أنّ أحد الزهاد قام بوضع بعض الأحاديث بقصد القربة في فضيلة القرآن وسوره ، وعند ما سألوه : لما ذا قمت بهذا العمل؟

قال : رأيت قلة اهتمام الناس بالقرآن ، فأحببت أن أشجع الناس أكثر على القرآن.

وعند ما قالوا له : إنّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِداً فَلْيَتَبَوأ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّار» (٢). فأجاب : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ ...» وأنا لم أكذب ضد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بل كذبي كان لمصلحة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ولم يقتصر الأمر على ما نقله القرطبي ، بل نقل هذه الأحاديث مجموعة أخرى من علماء أهل السنّة أيضاً ، ولأجل التوسع في البحث يراجع كتاب (الغدير) القيم ، الجزء الخامس ، باب الكذّابين والوضّاعين.

المجموعة الثانية : هم الأشخاص الذين يأخذون مبالغ طائلة مقابل وضع الأحاديث لصالح معاوية وبني أمية ، وذم أمير المؤمنين علي عليه‌السلام.

ومن جملتهم : سمرة بن جندب الذي أخذ مبلغاً قدره أربعمائة ألف درهم من معاوية لوضع حديث في ذم الإمام علي عليه‌السلام ومدح قاتله ، وقال إنّ الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ...) (٣) نزلت في عبد

__________________

(١). التذكار للقرطبي ، ص ١٥٥.

(٢). وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٤٩ ، ح ٥.

(٣). سورة البقرة ، الآية ٢٠٧.

١٥٥

الرحمن بن ملجم قاتل الإمام علي عليه‌السلام ، وأنّ الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ...) (١). نزلت في الإمام علي عليه‌السلام (٢) ، نعوذ بالله من هذه الأكاذيب.

وعلى هذا فليس بعيداً أن توضع روايات غسل الأرجل في الوضوء لمخالفة الإمام علي عليه‌السلام.

المسح على الأحذية في نظر العقل والشرع!!

كما أشرنا سابقاً إلى إصرار هؤلاء على عدم جواز المسح على الرجلين في الوضوء ، ووجوب الغَسل ، في الوقت الذي يجيزون المسح على الحذاء في الوضوء اعتماداً على بعض الأحاديث المنقولة عن نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله.

مع أنّ أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام تخالف ذلك عموماً ، وكذلك هناك روايات معتبرة من طرق أهل السنّة صريحة في مخالفة ذلك.

وتوضيح ذلك : أجمع فقهاء الإمامية تبعاً لروايات أهل البيت عليهم‌السلام على عدم جواز المسح على الحذاء مطلقاً ، ولكن أغلب فقهاء أهل السنّة يجيزون ذلك مطلقاً في الحضر والسفر ، إلّا أنّ بعضهم يقيد ذلك بموارد الضرورة.

وهنا تطرح مجموعة ، من أسئلة ، منها :

١. كيف يكون المسح على الأرجل غير جائز؟ بينما يجوز المسح على الحذاء ، مع أنّهم عند ما ذكروا غسل الأرجل ، قالوا إنّ الغَسل لأجل التلوث أفضل من المسح.

__________________

(١). سورة البقرة ، الآية ٢٠٤.

(٢). ابن أبي الحديد المعتزلي ، نقلا عن منتهى المقال ، في شرح حال «سمرة».

١٥٦

فهل المسح على الحذاء المتلوث يمكن أن يحل محل الغسل؟

وهناك الكثير ممن قال بالتخيير بين غسل الأرجل والمسح على الحذاء.

٢. لما ذا تركتم التمسك بظاهر القرآن المجيد الذي يقول بمسح الرأس والرجلين ، وذهبتم إلى المسح على الحذاء؟

٣. لما ذا لا تأخذون بروايات أهل البيت عليهم‌السلام التي اتفقت على عدم جواز المسح على الحذاء ، الذين اعتبرهم النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيلة للنجاة بجوار كتاب الله؟

٤. صحيح أنّ هناك روايات وردت عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله تقول : إنّه مسح على الحذاء ، ولكن بالمقابل لدينا روايات معتبرة أيضاً تقول : إنّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قال بالمسح على الرجلين ، فلما ذا لا نلجأ إلى الآية القرآنيّة عند تعارض الروايات ، ونجعلها حاكمة ومرجعاً في هذه الروايات المختلفة؟

وكلما تعمقنا أكثر في هذه المسألة تزداد حيرتنا :

حيث نقرأ في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة : «إنّ المسح على الخفين واجب في حالات الضرورة والاضطرار ، وأمّا بدون الضرورة فهو جائز ، والغَسل أفضل من المسح».

وبعدها نقل عن الحنابلة قولهم : إنّ المسح على الخف أفضل من نزعه وغسل الرجلين ؛ لأنّ الله تعالى يحب للناس أن يأخذوا برخصه كي يشعروا بنعمته عليهم ، فيشكروه عليها ، وقد وافق بعض الحنفية على هذا» (١).

بعدها ادعى أنّه قد ثبت المسح على الخفين بأحاديث كثيرة صحيحة تقرب من حد التواتر (٢).

__________________

(١). انظر الفقه على المذاهب الأربعة ، ج ١ ، ص ١٣٥.

(٢). نفس المصدر ، ص ١٣٦.

١٥٧

والملفت للنظر أكثر أنّه تعرض بشكل مفصّل إلى شروط هذا النوع من الخفين ، ومقدار المسح ومدته ، (والمدّة المعتبرة في جواز ذلك) ومستحباته ومكروهاته ، ومبطلات المسح على الخفين وأحكام الخفين ، وما يلبس فوق الخفين ، ونوعهما ، وأنّه هل يجب أن يكونا مصنوعين من الجلد ، أو يكفي غير الجلد أيضاً ، وحكم الخفين المفتوحين وغير المفتوحين و... الذي يأخذ حيزاً كبيراً من هذا الكتاب (١).

٥. لما ذا لا نحمل روايات المسح على الحذاء على موارد الضرورة أو السفر أو الحرب ، أو في الموارد التي لا يمكن نزع الحذاء فيها ، أو استلزام ذلك الحرج الشديد؟

وهذه الأسئلة لا جواب لها إلّا الأحكام المسبقة ، وغير المدروسة المسببة للفوضى في مسألة بسيطة.

كنت ذات يوم في مطار جدة وشاهدت أحد هؤلاء الإخوة عند ما أقبل للوضوء ، فقام بغسل رجليه بشكل جيد بدل المسح ، وجاء آخر وغسل وجهه ويديه ، ثمّ مسح بيده على حذائه ، وذهب للصلاة. فأثار ذلك استغرابي وحيرتي ، وقلت : هل يمكن لشخص حكيم مثل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يعطي مثل هذه الأوامر التي لا يمكن توجيهها؟

وبعد هذه الأسئلة من اللازم أن نأتي على ذكر الأدلة الرئيسية ، ومن خلال استعراض هذه الأدلة نستكشف المنشأ الأساسي لهذه الفتوى ، وكذلك الطريق العقلائي للحل.

__________________

(١). الفقه على المذاهب الأربعة ، ص ١٣٥ ـ ١٤٧.

١٥٨

والأدلة هي مجموعة من الروايات : يمكن تقسيمها إلى عدّة طوائف :

أ) الروايات التي نقلت من مصادر أهل البيت عليهم‌السلام والتي تنفي بشكل عام المسح على الحذاء ، وعلى سبيل المثال :

١. ينقل الشيخ الطوسي عن أبي الورد قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام إنّ أبا ظبيان حدثني أنّه رأى علياً عليه‌السلام أراق الماء ثمّ مسح على الخفين ، فقال : كذب أبو ظبيان : أمَا بَلَغَكُم قَوْلُ عَلِيّ عليه‌السلام فِيكُمْ : سَبَقَ الْكِتَابُ الخُفَّيْنِ؟

فقلتُ : هَلْ فِيهِمَا رُخْصَةٌ؟

فَقَالَ : لَا ، إلّا مِنْ عَدُوّ تَتَّقِيهِ أو ثَلْج تُخَافُ عَلَى رِجْلَيْكَ» (١).

ونستفيد من هذا الحديث عدّة نقاط :

أولاً : أنّ المشهور في روايات أهل السنّة أنّ الإمام علياً عليه‌السلام لا يجيز المسح على الخفين ، ومع هذا كيف يجيز أبو ظبيان وأمثاله لأنفسهم أن يكذبوا على الإمام عليه‌السلام ، فهل كانت هناك مؤامرة؟

سيتضح الجواب عن هذا السؤال فيما بعد.

ثانياً : الإمام علي عليه‌السلام يشير إلى الطريق ويقول : القرآن المجيد مقدم على كل شيء ، ولا يقدم على القرآن شيء ، فإذا رأينا رواية تخالف القرآن يجب تأويلها ، هذا مع أنّ آية الوضوء في سورة المائدة من الآيات التي لم تنسخ قطعاً.

ثالثاً : الإمام الباقر عليه‌السلام يشير إلى أنّ الروايات التي جاءت بالمسح على الخفين محمولة على الضرورة أيضاً ، مثل : البرد الشديد الذي فيه خوف على الأرجل.

__________________

(١). التهذيب ، ج ١ ، ص ٣٤٧ ، ح ١٠٩٢.

١٥٩

٢. ينقل المرحوم الصدوق في كتابه (من لا يحضره الفقيه) حديثاً عن أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : «إنَّا أَهْلُ بَيْت ... لا نَمْسَحُ عَلَى الخُفَّيْنِ ، فَمَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا فَلْيَقْتَدِ بِنَا وَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِنَا» (١).

٣. نقل في حديث آخر عبارة عجيبة عن الإمام الصادق عليه‌السلام يقول : «مَنْ مَسَحَ عَلَى الخُفَّينِ فَقَدْ خَالَفَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَكِتَابَهُ ، ووضُوؤُهُ ، لَمْ يَتُمَّ ، وَصَلاتُهُ غَيْرَ مُجْزِيَة» (٢).

في حين الالتفات إلى الروايات الواردة عن الإمام علي عليه‌السلام فيما يتعلق بعدم جواز المسح على الخُفين ، يذكرني بكلام للفخر الرازي تعليقاً على مسألة الجهر والاخفات في البسملة ، ـ فهناك مجموعة تقول بلزوم قراءتها إخفاتاً ، والإمام علي عليه‌السلام يرى لزوم الجهر بقراءتها ـ يقول فيه : «من اتخذ علياً إماماً لدينه (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) في دينه ونفسه» (٣).

ومع هذا الوضع نأتي إلى ذكر الروايات الأُخرى.

ب) الروايات التي تجيز المسح على الخُفين تنقسم إلى فئتين :

الفئة الأولى : الروايات المطلقة ، مثل : مرفوعة سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حول المسح على الخُفين قال : «إنَّه لَا بَأسَ بِالوُضُوءِ عَلَى الخُفَّينِ» (٤).

وفي حديث آخر نقله البيهقي عن أبي حذيفة قال : «مشى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى سباطة قوم فبال قائماً ثمّ دعا بماء ، فجئته بماء فتوضأ ومسح على خفّيه»

__________________

(١). من لا يحضره الفقيه ، ج ٤ ، ص ٤١٥.

(٢). وسائل الشيعة ، ج ١ ، ص ٢٧٩.

(٣). التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج ١ ، ص ٢٠٧.

(٤). السنن الكبرى ، ج ١ ، ص ٢٦٩.

١٦٠