الشيعة شبهات وردود

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الشيعة شبهات وردود

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


المترجم: احمد محمّد الحرز
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-6632-028-9
الصفحات: ٢٠٧

ولو كان النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله يريد بيان المعنى الذي استفاده بعض فقهاء أهل السنّة من الحديث لقال : «جعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً» ولكنه لم يقل ذلك.

والنتيجة : أنّه لا يوجد شك أنّ معنى (مسجد) هنا هو بمعنى مكان السجود ، ومكان السجود لا بدّ أن يكون من نفس الشيء الذي يجوز منه التيمم.

فعمل الشيعة ليس خطأ إذا تقيَّدوا بالسجود على الأرض ولم يجيزوا السجود على السجاد وغيرها ؛ لأنّهم يعملون بأوامر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ب) سيرة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله

كان النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله يسجد على الأرض أيضاً ، وليس على السجاد أو اللباس وغيرهما ؛ وذلك بالاستفادة من مجموع الروايات المتعددة :

حيث نقرأ الحديث الذي ينقله أبو هريرة يقول : «سجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم مطير حتّى أنّي لأنظر إلى أثر ذلك في جبهته وأرنبته» (١).

فإذا كان السجود على السِّجاد والثياب جائزاً ، فلا ضرورة أن يسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على الأرض في يوم ممطر.

تقول عائشة أيضاً : «مَا رَأيتُ رَسُولَ اللهِ مُتَّقِياً وَجْهَهُ بِشَيء» (٢) أي وقت السجود.

يقول ابن حجر في شرحه للحديث : «هذا الحديث يشير بأنّ الأصل في

__________________

(١). المعجم الأوسط للطبراني ، ج ١ ، ص ٣٦ ؛ ومجمع الزوائد ، ج ٢ ، ص ١٢٦.

(٢). مصنف ابن أبي شيبة ، ج ١ ، ص ٣٩٧.

١٢١

السجود هو ملامسة الجبهة للأرض ، ولكن مع عدم التمكن لا يجب تحقيق ذلك» (١).

وجاء في رواية أخرى عن ميمونة (إحدى زوجات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي على الخُمرة فيسجد» (٢) أي قطعة من الحصير.

والواضح من معنى الحديث أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد سجد على الحصير.

وجاءت روايات كثيرة ومتعددة في المصادر المعروفة لدى أهل السنّة أنّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلي على الحصير.

والعجيب في الأمر أنّه إذا قام الشيعة بوضع الحصير للصلاة ، كما فعل النبي يتهمون بالبدعة من قبل مجموعة من المتعصبين ، وينظرون إليهم نظرة غضب ، في الوقت الذي تذكر هذه الأحاديث أنّ النبي هو الذي سنّ هذا العمل. وكم هو مؤلم أن تعتبر هذه السنن بدعة!!!

ولا أنسى ذلك الموقف الذي حدث في إحدى زياراتي لبيت الله الحرام ، عند ما كنت في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأردت الصلاة على قطعة حصير ، أقبل حينها أحد الأشخاص المتعصبين من علماء الوهابية وأخذ الحصير ـ ووجهه مكفهر ـ وألقاه جانباً ، والظاهر أنّه كان يعتبر هذه السنّة بدعةً.

ج) سيرة الصحابة والتابعين

من الموضوعات الملفتة للنظر في هذا البحث هو التدقيق في حالات الصحابة والمجموعة التي جاءت بعدها والمعروفة باسم (التابعين) تشير إلى

__________________

(١). فتح الباري ، ج ١ ، ص ٤٠٤.

(٢). مسند أحمد ، ج ٦ ، ص ٣٣١.

١٢٢

أنّهم كانوا يسجدون على الأرض ، ونذكر على سبيل المثال :

١. يقول جابر بن عبد الله الأنصاري : «كُنْتُ أصَلِّي مَعَ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الظّهْرَ فَآخَذَ قَبْضَةً مِنَ الحَصَى فَأجْعَلها فِي كَفِّي ثُمَّ أحَوِّلُهَا إلى الكَفِّ الأُخْرَى حَتَّى تَبْرُدَ ثُمَّ أضَعُهَا لِجَبِينِي حَتَّى أسْجُدَ عَلَيْها مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ» (١).

هذا الحديث يشير بشكل واضح إلى أنّ صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا متقيدين بالسجود على الأرض ، حتى المواضع شديدة الحرارة ، فإذا لم يكن السجود على الأرض لازماً فلا داعي لتحمل كل هذه المشقّة.

٢. يقول أنس بن مالك : «كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله فِي شِدّةِ الحَرِّ فَيَأخُذُ أحَدُنَا الحَصْبَاءَ فِي يَدِهِ فإذَا بَردَ وَضَعَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ» (٢).

هذا التعبير يشير أيضاً بأنّ هذا العمل كان رائجاً بين الصحابة.

٣. ينقل أبو عبيدة : «أنّ ابنَ مَسْعُود لا يَسْجُدَ ـ أو قال : لا يصلي ـ إلّا عَلَى الأرْضِ» (٣).

فإذا كان المقصود من الأرض السجاد فلا حاجة لهذا البيان ، وعليه فالمقصود من الأرض هو التراب والحصى والرمل وما شابهها.

٤. جاء في ذكر حالات مسروق بن جدعان من أتباع ابن مسعود أنّه : «كان لا يرخّص في السجود على غير الأرض حتى في السفينة ، وكان يحمل في السفينة شيئاً يسجد عليه» (٤).

__________________

(١). مسند أحمد ، ج ٣ ، ص ٣٢٧ ؛ سنن الكبرى للبيهقي ، ج ١ ، ص ٤٣٩.

(٢). السنن الكبرى للبيهقي ، ج ٢ ، ص ١٠٦.

(٣). مصنف ابن أبي شيبة ، ج ١ ، ص ٣٩٧.

(٤). الطبقات الكبرى لابن سعد ، ج ٦ ، ص ٥٣.

١٢٣

٥. كتب علي بن عبد الله بن عباس إلى «رزين» : «ابعث إليّ بلوح من أحجار المروة عليه أسجد» (١).

٦. وجاء في كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري : «كان عمر بن عبد العزيز لا يكتفي بالخمرة بل يضع عليها التراب ويسجد عليه» (٢).

فما ذا نفهم من مجموع هذه الأخبار؟ لا نفهم إلّا أنّ سيرة الصحابة وما بعد الصحابة كانت قائمة على السجود على الأرض أي على التراب والحصى والرمل في القرون الأولى.

فإذا أراد شخص من المسلمين في عصرنا أن يحيي هذه السنّة ، فهل يجب أن نعتبرها بدعة؟!

ألا يجب على فقهاء أهل السنّة أن يتقدموا لإحياء هذه السنّة النبوية ، هذا العمل الذي يحكي عن كمال الخضوع في حضرة الله ، ويتناسب مع حقيقة السجود. نأمل أن يأتي ذلك اليوم.

__________________

(١). أخبار مكة للأزرقي ، ج ٢ ، ص ١٥١.

(٢). فتح الباري ، ج ١ ، ص ٤١٠.

١٢٤

المبحث السابع

الجمع بين الصلاتين

١٢٥
١٢٦

طرح البحث :

الصلاة أهم صلة عبادية بين الخلق والخالق ، وأفضل الوسائل التربوية ، وهي وسيلة لتهذيب النفوس وتزكيتها ، فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ومعراج إلى الله ، والصلاة جماعة تعطي القوّة والقدرة للمسلمين ، وتوحّد صفوفهم ، وترفع من شأن المجتمع الإسلامي.

وتؤدّى الصلاة خمس مرّات في اليوم والليلة ، لكي يطهر قلب الإنسان وروحه باستمرار من هذا النبع الصافي للفيض الإلهي ، حيث يقول النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاةِ» (١) ، و «الصَّلاةُ مِعْرَاجُ المُؤْمِن» (٢). و «الصّلاة قُرْبانُ كُلُّ تَقِيّ» (٣).

والكلام في المقام هو : هل الفصل بين الصلوات الخمس في الأوقات الخمسة حكم إلزامي ، وبدونه تكون الصلاة باطلة؟ كما هو الحال في الصلاة قبل الوقت ، أو أنّه يمكن أن يأتي بالصلاة في ثلاثة أوقات بأن تؤدى صلاة

__________________

(١). مكارم الأخلاق ، ص ٤٦١.

(٢). مع أنّه لا يوجد في الجوامع الحديثية هذه الجملة ، ولكن العلّامة المجلسي يستشهد بها في طيات كلامه. بحار الأنوار ، ج ٧٩ ، ص ٢٤٩ و ٣٠٣.

(٣). أصول الكافي ، ج ٣ ، ص ٢٦٥ ، ح ٢٦.

١٢٧

الظهر مع العصر وكذلك صلاة المغرب مع العشاء أيضاً.

اتفق علماء الشيعة أتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام على جواز أداء الصلاة في ثلاثة أوقات ، مع أفضلية إتيانها في أوقاتها الخمسة.

ولكن فقهاء أهل السنّة أوجبوا إتيان الصلاة في أوقاتها الخمسة غالباً إلّا عدّة قليلة ، وأجازوا الجمع بين صلاة الظهر والعصر في يوم عرفة ، والجمع بين المغرب والعشاء ليلة عيد الأضحى في المشعر الحرام فقط ، وكثير منهم أيضاً أجاز الجمع في السفر أو في الأيّام الممطرة التي يصعب فيها التردد على المسجد لأداء الصلاة جماعة ، أمّا من وجهة نظر فقهاء الشيعة فكما قلنا : إنّهم في الوقت الذي يؤكدون فيه على أفضلية أداء الصلوات في الأوقات الخمسة ، إلّا أنّهم أجازوا ورخصوا في أدائها في ثلاثة أوقات ، وهي تعتبر عطية إلهيّة لتسهيل أمر الصلاة والتوسعة على الناس ، ويرون أنّها تنسجم مع روح الإسلام ، فالشريعة سمحة سهلة.

والتجربة تثبت بأنّ التأكيد على أداء الصلوات في أوقاتها الخمسة قد يؤدّي إلى نسيان أصل الصلاة ، وترك الصلاة من قبل بعض الناس.

آثار الإصرار على الأوقات الخمسة في المجتمعات الإسلاميّة :

لما ذا أجاز الإسلام الجمع بين صلاة الظهر والعصر في يوم عرفة ، وصلاة المغرب والعشاء ليلة عيد الأضحى؟

لما ذا يرون الجمع جائزاً بين الصلاتين في السفر ، أو في اليوم الممطر بناءً على الروايات النبوية؟ لا شك في أنّه للتسهيل على الأمّة.

هذا التسهيل يوجب جواز الجمع بين الصلاتين عند الاضطرار أيضاً

١٢٨

سواء كان في الماضي أو في الحال الحاضر.

لقد تغيرت حياة الناس في هذا العصر ، والوضع الفعلي لا يساعد على أداء الصلوات في الأوقات الخمسة لوجود الكثير من العمال في المصانع والموظفين في الدوائر والطلاب والجامعيين في الصفوف ؛ لأنّ العمل صعب ومعقد كثيراً.

إنّ العمل على وفق الروايات ـ المنقولة عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتأكيد أئمّة الشيعة عليهم‌السلام على ذلك ـ التي تجيز للناس الجمع بين الصلاتين سيؤدّي إلى التوسعة عليهم في أداء الصلاة ، مما يزيد في عدد المصلين وإقبالهم على أدائها وإلّا سيؤدي ذلك إلى ترك الصلاة بشكل أكثر ، وسيرتفع عدد تاركي الصلاة ، ولعل هذا ما يفسّر ترك الكثير من شباب أهل السنّة الصلاة كما يقولون ، بخلاف ما عليه الحال في صفوف شباب الشيعة فالنسبة فيهم أقلّ.

والحق : إنّ مقتضى «وبُعِثْتُ بالشَّرِيعَةِ السّمْحَةِ السَّهلَةِ» ومقتضى الروايات المتعددة التي نقلت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه في الوقت الذي يؤكد فيه على فضيلة الصلاة في الأوقات الخمسة ، بل وفضلها جماعة ، أجاز للناس أن يؤدوا صلاتهم في الأوقات الثلاثة ، حتى وإن كانت على شكل فرادى ، لتحول دون ترك الناس للصلاة بسبب مشاكل الحياة.

والآن نعود للقرآن المجيد ولروايات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والمعصومين عليهم‌السلام لتحقيق المسألة بدون تطرف ، ومبتعدين عن التعصب.

روايات الجمع بين الصلاتين :

ذكرت المصادر المعروفة مثل صحيح مسلم ، صحيح البخاري ، سنن

١٢٩

الترمذي ، موطأ مالك ، مسند أحمد ، سنن النسائي ، مصنف عبد الرزاق ، ومصادر أخرى وكلها من المصادر المشهورة والمعروفة لدى أهل السنّة ذكرت ثلاثين رواية تقريباً حول الجمع بين صلاتي الظهر والعصر أو المغرب والعشاء بدون عذر كالسفر أو المطر أو خوف الضرر. وتعود هذه الروايات في الأصل إلى خمسة رواة وهم :

١. ابن عباس.

٢. جابر بن عبد الله الأنصاري.

٣. أبو أيوب الأنصاري.

٤. عبد الله بن عمر.

٥. أبو هريرة.

وسنعرض للقارئ المحترم مجموعة من تلك الروايات فيما يلي :

١. حدثنا أبو الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : «صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر ، قال أبو الزبير : فسألت سعيداً : لم فعل ذلك؟ فقال : سألت ابن عباس كما سألتني فقال : أراد ان لا يحرج أحداً من أمّته» (١) أي : لا يريد أن يشقّ على أمّته.

٢. نقرأ في حديث آخر عن ابن عباس : «جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المدينة في غير خوف ولا مطر».

وجاء في ذيل الرواية : وسئل ابن عباس : ما مقصود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من هذا العمل؟ فأجاب : «أراد أن لا يحرج» (٢) أي : لا يشقّ على أمّته.

__________________

(١). صحيح مسلم ، ج ٢ ، ص ١٥١.

(٢). نفس المصدر ، ص ١٥٢.

١٣٠

٣. يقول عبد الله بن شقيق : «خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة!»

قال : فجاءه رجل من بنى تميم لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة ، فقال ابن عباس : أتعلمني بالسنّة ، لا أمّ لك ، ثمّ قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، قال عبد الله بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته : فصدّق مقالته» (١).

٤. حدثنا جابر بن زيد عن ابن عباس قال : «صلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعاً جميعاً وثمانياً جميعاً» (٢) ، إشارة إلى الجمع بين صلاة المغرب والعشاء وصلاة الظهر والعصر.

٥. حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : «جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر ، قال : فقيل لابن عباس : ما أراد بذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أمّته» (٣).

٦. نقل أحمد بن حنبل قريباً منه في مسنده (٤).

٧. نقل مالك ، الإمام المعروف لدى أهل السنّة في كتابه «الموطأ» حديثاً عن ابن عباس أنّه : «صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر» (٥).

٨. جاء في كتاب «مصنف عبد الرزاق» عن عمر بن شعيب قال ، قال

__________________

(١). صحيح مسلم ، ج ٢ ، ص ١٥١.

(٢). صحيح البخاري ، ج ١ ، ص ١٤٠ ، باب وقت المغرب.

(٣). سنن الترمذي ، ج ١ ، ص ١٢١ ، ح ١٨٧.

(٤). مسند أحمد ، ج ١ ، ص ٢٢٣.

(٥). موطأ مالك ، ج ١ ، ص ١٤٤.

١٣١

عبد الله : «جمع لنا رسول الله ، مقيماً غير مسافرين بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، فقال رجل لابن عمر : لم تر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل ذلك؟ قال : لأنّ لا يحرج أمّته إن جمع رجل» (١).

٩. حدثنا جابر بن عبد الله قال : «جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المدينة للرخص من غير خوف ولا علة» (٢).

١٠. يقول أبو هريرة أيضاً : «جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين الصلاتين في المدينة من غير خوف» (٣).

١١. ينقل عبد الله بن مسعود أيضاً : «جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين الأولى والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، فقيل له ، فقال : صنعته لئلا تكون أمتي في حرج» (٤). وأحاديث أخرى.

وهنا يطرح سؤالان :

١. خلاصة الروايات السابقة

تؤكد جميع الأحاديث التي ذكرناها وهي من المصادر المعروفة ومن كتب الدرجة الأولى لدى أهل السنّة ، وأسانيدها تنتهي إلى مجموعة من كبار الصحابة ، على نقطتين :

النقطة الأولى : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد جمع بين الصلاتين من دون أن يكون هناك أي وضع خاص ، مثل السفر ، أو الخوف ، أو وجود عدو.

__________________

(١). مصنف عبد الرزاق ، ج ١ ، ص ٥٥٦.

(٢). معانى الآثار ، ج ١ ، ص ١٦١.

(٣). مسند البزاز ، ج ١ ، ص ٢٨٣.

(٤). المعجم الكبير للطبراني ، ج ١٠ ، ص ٢١٩ ، ح ١٠٥٢٥.

١٣٢

النقطة الثانية : إنّ الهدف كان هو التوسعة على الأمّة ورفع الحرج والعسر.

فهل هذا يتناسب مع الإشكالات الواهية ، والقول إنّ هذا الجمع خاص بالحالات الاضطرارية؟ فلما ذا تغلقون أعينكم أمام هذه الحقائق ، وتقدّمون آراءكم غير المحقّقة على كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الصريح؟

الله سبحانه وتعالى ورسوله قد عفوا وأصفحا ، ولكن هناك مجموعة متعصبة من الأمة لا تعفو ولا تصفح ، لما ذا؟

لما ذا لا نفسح المجال للشاب المسلم أن يؤدي أهمّ وظيفة إسلاميّة وهي الصلاة اليوميّة ، مهما كانت حالته ، وفي أي مكان كان ، سواء في البلاد الإسلاميّة أم في خارجها ، في الجامعة كان أم في الدوائر أم في المصانع؟

نحن نعتقد بأنّ الإسلام صالح للتطبيق في جميع الأزمنة ، وفي جميع الأماكن حتى نهاية العالم.

ومن المتيقن أنّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قد لاحظ بنظره الثاقب أوضاع جميع المسلمين في العالم على مرّ العصور ، فلو أراد أن يقيد الجميع بأداء الصلاة في الأوقات الخمسة ، لأصبحت هناك مجموعة من تاركي الصلاة ، وهذا ما نراه اليوم ، ولأجل هذا منّ على أمّته ووسّع عليها ، حتى تستطيع أن تؤدي الصلوات اليومية دائماً ، وبشكل مريح في كل زمان ومكان.

يقول القرآن الكريم : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١).

٢. القرآن وأوقات الصلاة الثلاثة

ومن الأمور المحيرة في هذه المسألة هي : أن القرآن المجيد عند الحديث

__________________

(١). سورة الحج ، الآية ٧٨.

١٣٣

عن أوقات الصلاة ذكر ثلاثة أوقات فقط للصلوات اليوميّة ، والعجيب في الأمر لما ذا تصر مجموعة من هؤلاء الإخوة على وجوب الأوقات الخمسة؟ نحن لا ننكر فضيلة الأوقات الخمسة ، فنحن نراعي الأوقات الخمسة إذا حالفنا التوفيق ، ولكن المشكلة في وجوبها!!

وإليك الآيات التي تتحدث عن أوقات الصلاة :

الآية الأولى : في سورة هود : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) (١) ، يشير التعبير (طَرَفَيِ النَّهارِ) إلى صلاة الصبح التي تقام في أول النهار ، وإلى صلاة الظهر والعصر والتي يمتد وقتها إلى الغروب. وبعبارة أخرى : أنّه يستفاد من الآية بوضوح أنّ وقت صلاة الظهر والعصر يمتد إلى غروب الشمس.

أمّا عبارة (زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) فمع الالتفات إلى ما قاله الراغب في كتابه «المفردات» و «مختار الصحاح» فإنّ كلمة «زلف» جمع «زلفة» وهي تعني القسم الأول من الليل ، إشارة إلى وقت المغرب والعشاء.

فإذا كان النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله يؤدي الصلاة عادة في الأوقات الخمسة فلمراعاة وقت الفضيلة ، وهذا ما نعتقد به جميعاً ، فلما ذا نلجأ إلى التأويلات ولا نلاحظ ظاهر الآية؟!

الآية الثانية : في سورة الإسراء : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (٢).

«الدلوك» يعني الميل ، وهنا يشير إلى ميلان الشمس عن خط نصف

__________________

(١). سورة هود ، الآية ١١٤.

(٢). سورة الإسراء ، الآية ٧٨.

١٣٤

النهار ، أي زوال الظهر.

(غَسَقِ اللَّيْلِ) يعني ظلام الليل ، وبعضهم فسّره بأوائل الليل ، وبعضهم فسّره بنصف الليل ، لأنّ ما قاله الراغب في «المفردات» يعني شدّة الظلام وهو نفسه نصف الليل.

فالنتيجة : إنّ «دلوك الشمس» إشارة إلى بداية وقت صلاة الظهر ، و «غسق الليل» إشارة إلى نهاية وقت صلاة المغرب والعشاء ، و «(قُرْآنَ الْفَجْرِ») إشارة إلى صلاة الصبح.

وعلى كل حال فالآية الشريفة بيّنت ثلاثة أوقات للصلاة اليوميّة وليس خمسة أوقات ، وهذا دليل على جواز الأوقات الثلاثة.

لدى الفخر الرازي بيان جميل عند تفسيره للآية حيث يقول : «إن فسّرنا الغسق بظهور أول الظلمة ـ وحكاه عن ابن عباس وعطاء والنضر بن شميل ـ كان الغسق عبارة عن أول المغرب ، وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات ، وقت الزوال ووقت أول المغرب ووقت الفجر ، وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر ، فيكون هذا الوقت مشتركاً بين الصلاتين ، وأن يكون أول المغرب وقتاً للمغرب والعشاء ، فيكون هذا الوقت مشتركاً أيضاً بين هاتين الصلاتين ، فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء مطلقاً» (١).

ونلاحظ أنّ الفخر الرازي قد طوى البحث إلى هنا بشكل جيد ، وفهم معنى الآية بشكل صحيح وبينه بصورة واضحة ، ولكنه بعد ذلك يقول : «وبما أنّ لدينا دليلا على عدم جواز الجمع بين الصلاتين إلّا في عذر أو سفر» (٢).

__________________

(١). التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج ٢١ ، ص ٢٧.

(٢). نفس المصدر.

١٣٥

ويجب أن نذكر أنّه ليس فقط لا يوجد لدينا دليل على الاختصاص بحال العذر ، بل لدينا روايات متعددة ـ وقد أشرنا سابقاً إليها ـ تفيد أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في بعض الأوقات يجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، وصلاتي المغرب والعشاء ، بدون عذر وبدون سفر ، حتى يوسع على أمّته ، وتستفيد الأمّة من هذه الرخصة ، إضافة إلى أنّه كيف يتم تحديد إطلاق الآية بمصاديق محدودة جدّاً ، مع أن تخصيص الأكثر قبيح في علم الأصول.

وعلى كل حال فلا يمكن رفع اليد عن المعنى الواضح للآية في بيان الأوقات الثلاثة.

ونستنتج من المقالة التي ذكرناها ما يلي :

١. إنّ القرآن أجاز وببيان واضح أداء الصلوات الخمس في الأوقات الثلاثة.

٢. أشارت الروايات الإسلاميّة من كتب الفريقين إلى أنّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قد جمع بين الصلاتين عدّة مرّات ، من دون أن يكون في سفر أو أي عذر آخر ، وهذا يعتبر رخصة للمسلمين حتى لا يقعوا في الحرج.

٣. مع أنّ الصلاة في الأوقات الخمسة تعد فضيلة ، ولكن الإصرار على الفضيلة في مقابل الرخصة ، سيؤدي بالكثير من الناس ـ وخصوصاً جيل الشباب ـ إلى إهمال الصلاة ، ويتحمل هذه المسئولية أولئك المخالفون للرخصة. لا أقل على علماء أهل السنّة أن يدعوا شبابهم تلاحظ صياغة الجملة يعملون على وفق فتوانا نحن أتباع أهل البيت عليهم‌السلام ، كما أجاز العالم الكبير شيخ الأزهر «الشيخ محمود شلتوت» العمل بفتوى المذهب الجعفري.

١٣٦

نؤكد مجدداً على أنّه لا بدّ من القبول بأنه من الصعب جدّاً في عصرنا الحاضر أداء الصلوات في الأوقات الخمسة بالنسبة للكثير من العمّال والموظفين والطلاب والجامعيين والفئات الأخرى ، ألا يجب أن نستفيد من رخصة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله التي اقترحها لهذه الأيّام ، حتى لا يشجع الشبّان والفئات الأخرى على ترك الصلاة؟

فهل يصح الإصرار على السنّة في مقابل ترك الفريضة؟

١٣٧
١٣٨

المبحث الثامن

المسح على الأرجل في الوضوء

١٣٩
١٤٠