الشيعة شبهات وردود

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الشيعة شبهات وردود

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


المترجم: احمد محمّد الحرز
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-6632-028-9
الصفحات: ٢٠٧

إنّ مسألة وجود الزواج المؤقت في عصر النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله مسلّم به بين جميع علماء الإسلام ، سواء كانوا شيعة أم سنّة ، ولكن هناك مجموعة من فقهاء أهل السنّة يعتقدون بأن هذا الحكم قد نسخ فيما بعد ، وهناك اختلاف شديد فيما بينهم في تحديد زمان نسخه ، ومنها :

ما قاله العالم المعروف «النووي» في شرحه لصحيح مسلم :

١. البعض يقول : إنها كانت حلالاً في غزوة خيبر الأولى ، وحرّمت فيما بعد.

٢. كانت حلالاً في عمرة القضاء فقط.

٣. كانت حلالاً في اليوم الأول لفتح مكة ، وحرّمت فيما بعد.

٤. حرّمت في غزوة تبوك من السنة الثامنة للهجرة.

٥. كانت مباحةً في معركة أوطاس من السنة الثامنة للهجرة فقط.

٦. كانت حلالاً في حجة الوداع من السنة العاشرة للهجرة (١).

والملفت للنظر أنّه نقل في هذا الموضوع روايات متناقضة ومتعارضة ، وخصوصاً روايات التحريم في خيبر ، وروايات التحريم في حجة الوداع المعروفة ، حيث بذل مجموعة من فقهاء أهل السنّة جهداً في الجمع بين هذه الروايات ، ولكن لم يقدموا حلاً مناسباً (٢).

والأجمل من هذا ما نقل من كلام عن الشافعي ، حيث يقول : «لا أعلم شيئاً أحلّه اللهُ ثمّ حرّمه ثمّ أحلّه ثمّ حرّمه إلّا المتعة» (٣).

__________________

(١). أنظر شرح صحيح مسلم ، ج ٩ ، ص ١٩١.

(٢). أنظر نفس المصدر.

(٣). المغني لابن قدامة ، ج ٧ ، ص ٥٧٢.

١٠١

ونقل في نفس الوقت ابن حجر عن السهيلي : إنّه لم ينقل أحد من أرباب التاريخ ورواة الأخبار أنّ تحريم المتعة وقع في يوم خيبر (١).

٧. وهناك قول آخر يقول : إنّ المتعة كانت حلالاً في عصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد ذلك نهى عمر عنها ، كما نقرأ ذلك في صحيح مسلم الذي يعد من أكثر الكتب اعتباراً عند أهل السنّة : عن عن «أبي نضرة» قال : «كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال : إنّ ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين. فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما» (٢).

فهل يمكن القول مرة أخرى مع هذا النص الصريح والموجود في صحيح مسلم إنّ المتعة قد حرمت في عصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

من الذي حرم المتعة؟

يشير الكلام المذكور الذي نقلناه عن جابر بن عبد الله الأنصاري إلى الحديث المعروف الذي ينقله جمع كثير من المحدثين والمفسرين والفقهاء من أهل السنّة في كتبهم عن الخليفة الثاني ، ونص الحديث هو : «متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أنهى عنهما ، متعة الحج ومتعة النساء». وجاء في بعض الأحاديث «وأعاقب عليهما».

والمقصود من متعة الحج : هي العمرة الأولى التي يأتي بها الحاج للخروج من إحرامه ، وبعد فترة طويلة أو قصيرة يجدد إحرامه استعداداً للحج.

__________________

(١). فتح الباري ، ج ٩ ، ص ١٣٨.

(٢). صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ٥٩ ، ح ٣٣٠٧ دار الفكر بيروت.

١٠٢

هذا الحديث من الأحاديث المشهورة التي نقلت عن عمر مع اختلاف يسير ، حيث قام ببيانه في حضور الناس وهو على المنبر ، وسنشير إلى سبعة من المصادر الحديثية والفقهية والتفسيرية التي ذكرت هذا الحديث :

١. مسند أحمد ، ج ٣ ، ص ٣٢٥.

٢. سنن البيهقي ، ج ٧ ، ص ٢٠٦.

٣. المبسوط للسرخسي ، ج ٤ ، ص ٢٧.

٤. المغني لابن قدامة ، ج ٧ ، ص ٥٧١.

٥. المحلى لابن حزم ، ج ٧ ، ص ١٠٧.

٦. كنز العمّال ، ج ١٦ ، ص ٥٢١.

٧. التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج ١٠ ، ص ٥٢.

وهذا الحديث يكشف الغطاء عن مسائل متعددة ، منها :

أ) حلية المتعة في مرحلة الخليفة الأوّل

إنّ المتعة أو الزواج المؤقت كانت مباحة طوال فترة حياة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وحتى في فترة الخليفة الأول ، وقام الخليفة الثاني بالنهي عنها.

ب) الاجتهاد في مقابل النص

لقد أجاز الخليفة الثاني لنفسه أن يضع قانوناً في مقابل النص الصريح للنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في الوقت الذي يقول تعالى في القرآن : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (١).

__________________

(١). سورة الحشر ، الآية ٧.

١٠٣

فهل هناك شخص له الحق في التصرف في الأحكام الإلهيّة غير النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فهل يمكن لشخص أن يقول : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل كذا ، وأنا أفعل كذا؟

فهل يجوز الاجتهاد مقابل النص الصريح للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والذي هو في الواقع كلام الله؟

وفي الحقيقة إنّه لأمر محير جدّاً أن يُترك قانون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جانباً مع هذا التصريح والوضوح!!!

إضافة إلى أن باب الاجتهاد إذا فتح في مقابل النص فبأي دليل لا يحق للآخرين فعل ذلك؟

فهل الاجتهاد مختص بشخص واحد ، والآخرون ليسوا مجتهدين؟ وهذه من المسائل المهمة ؛ لأنه مع فتح باب الاجتهاد في مقابل النص فلا تبقى للأحكام الإلهيّة أي حصانة ، وستعُمّ الفوضى في أحكام الإسلام الخالدة ، وستتعرض الأحكام الإلهيّة للخطر.

ج) لما ذا انبرى عمر لمخالفة هذين الحكمين؟

لقد كان تصوره في حج التمتع هو أنّه يجب على المسلم عند ما يأتي إلى الحج أن يتمّ حجّه وعمرته ليحلّ من إحرامه ويقارب زوجته ، أمّا أنّه يأتي بعمرة التمتع ، ويحلّ بعد أيّام من إحرامه ويصبح حرّ التصرف بعده. فهذا عمل غير صحيح ولا يتناسب مع روح الحج.

والواقع إنّ هذا الرأي غير صحيح ؛ لأنّ أعمال الحج منفصلة عن أعمال العمرة ، فمن الممكن أن يؤدي الإنسان العمرة قبل شهر من أعمال الحج ،

١٠٤

فالمسلمون في شهر شوال أو ذي القعدة يتشرفون بزيارة مكة ويؤدون أعمال العمرة ، وهم في حِلِّ إلى اليوم الثامن من ذي الحجّة ، وبعدها يُحرِمون لأعمال الحج ويذهبون إلى عرفات ، فأين المشكلة في هذا الأمر التي أثارت حفيظته.

وأمّا موضوع المتعة والزواج المؤقت فقد احتمل بعضهم أنّه إذا كان العقد المؤقت جائزاً فيصعب التفريق بين النكاح والزنا ، لأنّ أي رجل بإمكانه أن يدعي عند ما يضبط (١) مع امرأة أنّه متزوج منها زواجاً موقتاً ، وهذا يؤدّي إلى انتشار الزنا.

وهذا التصور أكثر ضعفاً من الأول ، لأنّه على العكس تماماً ، لأنّ منع عقد المتعة هو الذي يساعد على انتشار الزنا وعدم العفاف ؛ وذلك كما أشرنا إليه سابقاً ، فالكثير من الشبّان لا يملكون القدرة على الزواج الدائم ، أو أنّ أزواجهم بعيدات عنهم ، فهم على مفترق طريقين ، إمّا الزواج المؤقت أو الزنا ، فصدهم عن الزواج المؤقت ـ المنظم والمخطط له بشكل صحيح ـ سيؤدّي إلى سقوطهم في دائرة المعصية والانغماس في الزنا وعدم العفاف.

ولأجل هذا نقل عن الإمام علي عليه‌السلام الحديث المعروف : «لو لا أنّ عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلّا شقي» (٢).

د) الاختلاف الكبير في زمن التحريم

لقد روى مجموعة كبيرة من محدّثي ومفسّري وفقهاء أهل السنّة

__________________

(١). يمسك متلبساً بالفعل.

(٢). التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج ١٠ ، ص ٥٠.

١٠٥

الحديث المذكور ، ويمكن أن نستفيد منه وبشكل واضح أنّ تحريم المتعة كان في عهد عمر ، وليس في عصر النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نقلت روايات أخرى متعددة في نفس المصادر مؤيدة لذلك ، ونذكر منها على سبيل المثال :

١. ينقل الترمذي المحدّث المعروف : «إنّ رجلاً من أهل الشام سأل عبد الله بن عمر عن متعة النساء ، فقال : حلال ، فقال السائل : إنّ أباك عمر قد نهى عنها ، فقال عبد الله : أرأيت إن كان أبي قد نهى عنها وقد سنّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنترك السنّة ونتبع قول أبي»؟! (١)

٢. ونقرأ في حديث آخر عن جابر بن عبد الله يقول : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق لأيّام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبى بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث (٢).

٣. وفي حديث آخر من نفس الكتاب جاء : كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال : ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين. فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما (٣).

٤. كان ابن عباس وهو «حبر هذه الأمّة» ومن المنكرين لنسخ حكم المتعة في عصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشاهداً على المشاجرة التي دارت بينه وبين

__________________

(١). هذا الحديث ليس موجوداً في صحيح الترمذي المتوفر بين أيدينا اليوم ، فقد جاء بدلاً من لفظ متعة النساء متعة الحج ، ولكن ذكر كل من زين العابدين المعروف بالشهيد الثاني من علماء القرن العاشر في كتاب اللمعة الدمشقية ، والسيد ابن طاوس من علماء القرن السابع الهجري في كتاب الطرائف هذا الحديث في مورد متعة النساء ، ويظهر أنّ الحديث في النسخ القديمة لكتاب صحيح الترمذي كان بهذه الصورة ، ولكن النسخ التي جاءت فيما بعد ولأسباب معلومة قد تغيرت وكم له من نظير.

(٢). صحيح مسلم ، ج ٢ ، ص ١٣١.

(٣). نفس المصدر ، ص ١٣١.

١٠٦

عبد الله بن الزبير ، حيث جاء في صحيح مسلم : «إنّ عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال : إنّ ناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة ، يعرض برجل [مقصوده ابن عباس] فناداه فقال إنّك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين (يريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال له ابن الزبير : فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك (١). وهذا منطق الظلم والتهديد.

ويحتمل أن يكون هذا الحوار قد حصل أيّام سيطرة عبد الله بن الزبير على السلطة في مكة ، ولهذا تجرأ وتجاسر وتطاول على العالم الجليل ابن عباس ، وهو في سن أبيه ، ومن جهة العلم فغير قابل للمقايسة ، وعلى فرض أنّه على مستوى من العلم ، فلا يحق له أن يتحدث معه بهذه الصورة ، لأنّه إذا أقدم شخص على هذا العمل وفقاً لفتواه ، فأقصى ما يمكن أن يقال : إنّه اشتبه ، فيكون وطؤه «وطء شبهة» ، ووطء الشبهة لا حدّ له ، فتهديده بالرجم لا معنى له ، وكلام جهّال.

وطبعاً لا يستبعد صدور هذا الموقف القبيح من شاب جاهل وسيئ الخلق مثل عبد الله بن الزبير.

والملفت للنظر أنّ الراغب الاصفهاني في كتابه (المحاضرات) نقل هذه الحادثة : عيّر عبد الله بن الزبير عبد الله بن عباس بتحليله المتعة ، فقال له (ابن عباس) : سل أمّك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك؟! فسألها ، فقالت : «ما ولدتك إلّا في المتعة». وقال ابن عباس : أول مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير (٢).

__________________

(١). صحيح مسلم ، ج ٢ ، ص ١٣٣.

(٢). المحاضرات ، ج ٢ ، ص ٢١٤. انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٢٠ ، ص ١٣٠.

١٠٧

٥. نقرأ في مسند أحمد : إنّ «ابن الحصين» يقول : «نزلت آية المتعة في كتاب الله وعملنا بها ، ولم تنزل أية آية ناسخة لها حتى أغمض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عينيه عن الدنيا» (١).

هذه نماذج من الروايات التي تنفي بشكل صريح عدم نسخ حكم المتعة.

***

وفي مقابل هذه الروايات نقلوا روايات أخرى تشير إلى أنّ حكم المتعة نسخ في عصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن ليست على وتيرة واحدة وليست متّفقة ، ومع الأسف أنّها تختلف مع بعضها من ناحية الزمان :

١. جاء في بعض الروايات أنّ حكم تحريم المتعة صدر في معركة خيبر من السنة السابعة للهجرة (٢).

٢. وهناك روايات أخرى ذكرت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أجاز المتعة في عام الفتح من السنة الثامنة للهجرة في مكة ، ونهى عنها بعد فترة وجيزة من نفس العام (٣).

٣. وجاء في روايات أخرى أيضاً : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أجازها لمدّة ثلاثة أيّام في غزوة أوطاس التي حدثت بعد فتح مكة في منطقة هوازن التي تقع بالقرب من مكة ، ونهى عنها بعد ذلك.

ولو كان لدينا سعة صدر لمناقشة الأقوال المختلفة في هذا البحث ، لكانت المسألة أوسع من ذلك ؛ لأنّ الفقيه المعروف من أهل السنّة «النووي»

__________________

(١). مسند أحمد ، ج ٤ ، ص ٤٣٦.

(٢). تفسير الدر المنثور ، ج ٢ ، ص ٤٨٦.

(٣). صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ١٣٣.

١٠٨

في شرح صحيح البخاري نقل ستة أقوال في هذه المسألة ، وذكر لكل رأي روايات تناسبه ، والأقوال هي :

١. حللت المتعة في معركة خيبر وحرّمت بعد أيّام.

٢. أجيزت في عمرة القضاء وبعد ذلك حرّمت.

٣. أجيزت في يوم فتح مكة وحرّمت فيما بعد.

٤. حرّمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة تبوك.

٥. أجيزت في معركة أوطاس في أرض هوازن.

٦. كانت حلالاً في حجّة الوداع ، في السنة الأخيرة من عمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

والأكثر حيرة من ذلك كلام الشافعي حيث يقول : «لا أعلم شيئاً أحلّه اللهُ ثمّ حرّمه ثمّ أحلّه ثمّ حرّمه إلّا المتعة» (٢).

وكل محقّق حينما يرى هذا التناقض والتضاد في الروايات يتأكد أنّ هذه الروايات وضعت لتحقيق أغراض سياسية.

الطريق الأمثل للحل :

إنّ هذه الأقوال المختلفة والمتعارضة تجبر الإنسان على المطالعة الجدية ، وإلّا فما هو الداعي لهذا القدر من التناقض في الروايات ، ولما ذا ينتخب كل محدّث أو فقيه رأياً خاصاً به؟

وكيف يمكن الجمع بين هذه الروايات المتعارضة؟

ألا يكون هذا الكم من الاختلاف دليلا على أنّ هذه المسألة المطروحة

__________________

(١). شرح صحيح مسلم للنووي ، ج ٩ ، ص ١٩١.

(٢). المغني لابن قدامة ، ج ٧ ، ص ٥٧٢.

١٠٩

حساسة سياسياً ، ممّا أدى إلى تحريك بعض واضعي الحديث لوضع بعض الأحاديث ، باستغلال بعض أسماء أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأتباعه ، ونسبتها لهم ، وهم بالتالي ينقلون عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال كذا وكذا.

إنّ المسألة السياسية ليست إلّا ما قاله الخليفة الثاني «متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أنهى عنهما ، متعة الحج ومتعة النساء».

وهذا الحديث له نتائج سلبية عجيبة ، فإذا استطاع آحاد الأمّة أو الخلفاء أن يغيروا الأحكام الإسلاميّة بشكل صريح ، ـ ولا يوجد دليل على اختصاص هذا الأمر بالخليفة الثاني ـ فالآخرون أيضاً من حقّهم أن يجتهدوا في مقابل نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيؤدّي هذا إلى حصول الفوضى والاختلاف العجيب في الأحكام الإسلاميّة ، فهناك واجبات ومحرمات ، ولكن مع مرور الزمان لا يبقى من الإسلام شيء.

واضطروا لتفادي الآثار السلبية لهذا الأمر أن يوظفوا مجموعة لتقول : إنّ تحريم المتعتين كان في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووضعوا أحاديث ونسبوها إلى صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبسبب عدم واقعيتها وقع بينها التناقض والتضاد وانكشف الأمر.

وإلّا كيف يمكن أن يفسّر كل هذا التناقض والتضاد في الروايات ، حتى إنّ بعض الفقهاء ولأجل الجمع بينها قال : «كانت المتعة مباحة لفترة ، وبعد ذلك حرّمت ، ثمّ أبيحت ، ثمّ حرّمت»!!

فهل أصبحت الأحكام الإلهيّة لعباً ولهواً؟!

وإذا تجاوزنا كل هذا ، نقول : إنّ إباحة المتعة في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت للضرورة حتماً ، وهذه الضرورة قد تحصل في العصور اللاحقة أيضاً ،

١١٠

وخصوصاً في عصرنا الحاضر إن لم تكن أشدّ ، فلما ذا تصبح حراماً؟ وهذه الضرورة تشمل بعض الشبّان أو المسافرين إلى بلاد بعيدة وبخاصة بلاد الغرب سفراً طويلاً.

ولم يكن الوضع في العالم الإسلامي في ذلك الزمان بهذه الصورة المهيجة ، فلم توجد النساء السافرات وغير المحجبات والأفلام السيئة في التلفاز والإنترنت والصحون اللاقطة للمحطات الفضائية والمجالس المفسدة والإعلام المضلل الذي يؤثر على الكثير من الشبّان مورداً للابتلاء.

فهل يمكن القبول بهذا الكلام : بأنّ المتعة كانت مباحة في ذلك العصر لضرورة ثمّ تحرم تحريماً أبدياً؟

وإذا تجاوزنا هذا أيضاً ، ولنفرض أنّ هناك مجموعة كثيرة من فقهاء الإسلام ترى حرمة الزواج المؤقت ، وهناك مجموعة أخرى أيضاً ترى حلّيته ، وإنّ المسألة خلافية ، فإذاً ليس من اللائق أن يتهم من يقول بالحلّية مخالفيه بأنّهم غير ملتزمين بالأحكام الدينية ، وكذلك أن يتهم المحرّمون من أباحها بإشاعة الزنا ـ والعياذ بالله ـ. بما ذا سيجيبون الله يوم القيامة؟

وأقصى ما يمكن قوله في هذا الموضوع : إنّه اختلاف في الاجتهاد.

قال الفخر الرازي في تفسيره وبعصبية خاصة في هذا النوع من المسائل : «ذهب السواد الأعظم من الأمّة إلى أنّها صارت منسوخة ، وقال السواد منهم أنّها بقيت كما كانت» (١) ، وبعبارة أخرى : إنّ المسألة خلافية.

وهنا نختم بحث الزواج المؤقت ، ونأمل من الجميع أن لا يحكموا قبل البحث ، ولا ينسبوا الأقوال بشكل غير صحيح ، فلا بدّ من إعادة البحث

__________________

(١). التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج ١٠ ، ص ٤٩.

١١١

والتدقيق ثمّ الحكم ، وسيطمئنوا بأنّ المتعة ما زالت حكماً إلهيّاً ، ومع مراعاة الشروط ستحلّ الكثير من المشاكل يقيناً.

١١٢

المبحث السادس

السجود على الأرض

١١٣
١١٤

١. أهمية السجود من بين العبادات

يعتبر السجود لله أهم العبادات في نظر الإسلام ، أو من أهم العبادات ، وكما جاء في الروايات : إنّ أقرب ما يكون الإنسان من ربّه وهو ساجد. وكان لقادتنا العظماء سجدات طويلة ، وخاصة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام.

إنّ السجود الطويل لله تعالى يربي الروح الإنسانيّة ، وهو من أجلى مصاديق العبودية والخضوع للذات الإلهية ، ولهذا السبب جاءت الشريعة بالسجدتين في كل ركعة من الصلاة ، ومن أبرز مصاديق السجود : سجدة الشكر ، إضافة إلى سجدات تلاوة القرآن الواجبة والمستحبة.

الإنسان في حال السجود ينسى كل شيء ما عدا الله سبحانه ، ويرى نفسه قريباً جدّاً منه ، وقد أخذ مكانه على بساط القرب.

وأساتذة السير والسلوك والعرفان ، ومعلمو الأخلاق يؤكدون كثيراً على مسألة السجود.

إنّ مجموع ما ذكرناه دليل واضح على الحديث المشهور : إنّه لا يوجد عمل يزعج الشيطان أكثر من سجود الإنسان لربّه. ونقرأ في حديث آخر أنّ

١١٥

النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأحد أصحابه : «وإذا أردتَ أن يَحْشُرَكَ اللهُ مَعِي يَوْمَ القيَامة فَأطِلِ السُّجُودَ بَيْنَ يَدَي اللهِ الوَاحِد القَهَّار» (١).

٢. لا يجوز السجود لغير الله

نحن نعتقد أنّه لا يجوز السجود لغير الذات المقدّسة لله الواحد الأحد الفرد الصمد ؛ لأنّ السجود نهاية الخضوع ، والمصداق البارز للعبادة ، فالعبودية مختصة بالله سبحانه وتعالى.

والتعبير بقوله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢). ومع الالتفات إلى تقديم كلمة (لِلَّهِ) في بداية الجملة المذكورة يستفاد منه الحصر. وهذا يعني أن جميع من في السماء والأرض لا يسجدون إلّا لله تعالى.

وكذلك جملة (لَهُ يَسْجُدُونَ) (٣) إشارة أخرى إلى انحصار السجود لله تعالى.

وفي الواقع يمثل السجود أقصى درجة من الخضوع ، وهو مختص بالله سبحانه وتعالى ، وإذا سجدنا لشخص أو لشيء آخر ، فهذا يعني : أن نجعله كفواً لله ، وهو عمل غير صحيح.

ونحن نعلم أنّ أحد معاني التوحيد «التوحيد في العبادة» يعني : أن تكون العبادة خالصة لله ، وبدونه لا يكتمل التوحيد. وبعبارة أخرى : إنّ عبادة غير الله شعبة من شعب الشرك ، والسجود نوع من أنواع العبادة ، أمّا سجود

__________________

(١). سفينة البحار ، مادة (سجود).

(٢). سورة الرعد ، الآية ٥.

(٣). سورة الأعراف ، الآية ٢٠٦.

١١٦

الملائكة لآدم الذي جاء في بعض الآيات ، فهو كما قال بعض المفسرين : إنّه بمعنى التعظيم والاحترام والتكريم لآدم ، وليس بمعنى العبادة.

أو يكون السجود بمعنى العبودية لله ؛ لأنّهم أطاعوا الله ونفذوا ما يؤمرون ، أو يكون السجود شكراً لله.

وسجود يعقوب عليه‌السلام وزوجته وأولاده ليوسف عليه‌السلام كما جاء في القرآن (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) (١) إمّا أن يكون سجود شكر لله تعالى ، أو هو نوع من الاحترام والتعظيم.

والجدير بالذكر : أنّه ورد في كتاب «وسائل الشيعة» ـ وهو من المصادر المعروفة عندنا ـ تحت عنوان «عدم جواز السجود لغير الله» من باب السجود في الصلاة ، سبعة أحاديث عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة المعصومين عليهم‌السلام مفادها عدم جواز السجود لغير الله (٢) ، وأوردنا هذا الكلام هنا للاستفادة منه في الأبحاث التالية.

٣. على أي شيء يجب السجود؟

اتفق أتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام على عدم جواز السجود على غير الأرض ، ويعتقدون أيضاً بجواز السجود على ما تنبته الأرض ، بشرط أن لا يكون من المأكول والملبوس ، مثل : أوراق وأغصان الأشجار والحصير والقصب وأمثالها.

في الوقت الذي يعتقد فيه عموم فقهاء السنّة بجواز السجود على كل

__________________

(١). سورة يوسف ، الآية ١٠٠.

(٢). وسائل الشيعة ، ج ٤ ، ص ٩٨٤.

١١٧

شيء ، نعم هناك مجموعة استثنت من ذلك العموم تقول : لا يجوز السجود على كم الثياب وأطراف العمامة وأمثالها.

ويصر أتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام على هذا الاعتقاد ، استناداً إلى الروايات المنقولة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، ولذا يرجحون عدم السجود على السجاد الموجود في المسجد الحرام ومسجد النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا بدّ من السجود على الحجر أو على الحصير الذي يجلبونه معهم عادة.

إنّ جميع المساجد الموجودة في إيران والعراق والبلاد الشيعية الأخرى مفروشة بالسجاد ، لذلك قاموا بإعداد قرص من التراب يطلق عليه (التربة) ووضعها فوق السجاد في حالة الصلاة ليسجدوا عليها ، ولتلامس الجبهة ـ وهي من أشرف أعضاء الإنسان ـ التراب في حضرة الله تعالى ، ليظهر تمام الخضوع والتذلل له تعالى ، وتنتخب هذه التربة عادة من تراب الشهداء ، ليستحضر تضحيات هؤلاء في سبيل الله ليكون دافعاً لحضور القلب في الصلاة ، ويرجحون تربة شهداء كربلاء على غيرها ، وهم غير مقيدين دائماً بهذه التربة ، أو هذا التراب ، كما ذكرنا سابقاً بجواز السجود على الأحجار التي تغطي أرض المسجد كما هو الحال في المسجد الحرام والمسجد النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وعلى كل حال فأتباع أهل البيت عليهم‌السلام لديهم أدلة كثيرة لإثبات وجوب السجود على الأرض ، ومن جملتها أحاديث مروية عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرة الصحابة التي سنذكرها في الأبحاث التالية ، والروايات المروية عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام والتي سنأتي على ذكرها عاجلاً.

١١٨

والعجيب في الأمر هنا هو لما ذا اتخذ بعض أهل السنّة ردة فعل سلبية اتجاه هذه الفتوى ، حيث اعتبروها بدعة تارة وكفراً وعبادة للأصنام تارة أخرى.

فإذا أثبتنا من خلال الكتب التي هي مورد قبول هؤلاء الإخوة بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه قد سجدوا على الأرض ، فهل يكون هذا بدعة أيضاً؟!

وإذا أثبتنا أنّ بعض أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كجابر بن عبد الله الأنصاري ، إنّه كان يأخذ قبضة من الحصى في يده ويضعها في يده الأخرى لتبرد ـ وذلك لشدّة الحرارة وسخونة الحصى والرمل ـ ليتمكن من وضع جبهته عليها حين الصلاة ، فهل يعتبرون جابر بن عبد الله عابداً للأصنام أو سانّاً لبدعة؟!

فهل من يسجد على الحصير أو يرجح السجود على الأحجار التي تغطي أرضية المسجد الحرام أو المسجد النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يصبح عابداً للحصير ، أو لتلك الأحجار؟!

أفلا يجب على هؤلاء الإخوة قراءة كتبنا الفقهية العديدة ، ـ باب ما يمكن السجود عليه ـ ، ليروا أنّ ما ينسب إلينا عار عن الحق والصحة.

فهل يعفو الله سبحانه وتعالى يوم القيامة عن الذين يتهمون الآخرين بالبدعة والكفر وعبادة الأصنام بسهولة؟

وبعد الالتفات إلى هذا الحديث المروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام يتضح لما ذا يسجد الشيعة على الأرض؟

وهو : عن هشام بن الحكم ـ وهو من الحكماء وأتباع الإمام عليه‌السلام ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعمّا لا يجوز؟ قال : «السّجودُ لا يَجُوزُ إِلّا على الأَرْضِ أوْ مَا أنْبَتَتِ الأرضُ إلّا مَا اكِلَ أوْ لُبِسَ» ،

١١٩

فقلت له : جعلت فداك ، ما العلة في ذلك؟ قال : «لأَنّ السّجُودَ هُوَ الخُضُوعُ لِلّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ عَلَى مَا يُؤْكَلُ وَيُلْبَسُ ؛ لأنَّ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا عَبِيدُ مَا يَأكُلُونَ وَيَلْبَسُونَ ، وَالسَّاجِدُ فِي سُجُودِهِ فِي عِبَادَةِ اللهِ تَعَالى فَلَا يَنْبَغِي أنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ فِي سُجُودِهِ عَلَى مَعْبُودِ أبْنَاءِ الدُّنيَا الَّذِينَ اغْتَرُّوا بِغُرُورِهَا ، والسُّجُودُ عَلَى الأَرْضِ أفْضَلُ ؛ لأَنهُ أبْلَغُ في التَّواضُعِ وَالخُضُوعِ لِلّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (١).

٤. أدلة المسألة

والآن نأتي على ذكر الأدلة ، ونبدأ أولاً بكلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

أ) الحديث النبوي المعروف المرتبط بالسجود على الأرض

هذا الحديث نقله الشيعة والسنّة عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «جُعِلَتْ لِي الأرْضُ مَسْجِداً وَطَهُورَاً» (٢).

وظنّ بعضهم أنّ معنى الحديث هو أنّ الأرض وما عليها مكان لعبادة الله والتعبد ، ولا يوجد مكان خاص ومعين للعبادة ، كما يقول به اليهود والنصارى : من أنّ العبادة لا بدّ أن تكون في الكنيسة أو المعابد الخاصّة. ولكن مع أدنى تأمل يتضح أنّ هذا التفسير لا ينسجم مع المعنى الواقعي للحديث ؛ لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» ونعلم أنّ ما هو طهور يمكن التيمم منه ، كالتراب والحصى من الأرض ، وعلى هذا لا بدّ أن يكون مكان السجود من نفس التراب والحصى.

__________________

(١). علل الشرائع للصدوق ، ج ٢ ، ص ٣٤١.

(٢). صحيح البخاري ، ج ١ ، ص ٩١ ؛ وسنن البيهقي ، ج ٢ ، ص ٤٣٣ ، وهناك كتب أخرى كثيرة نقلت هذا الحديث.

١٢٠