معالم المدرستين - ج ٣

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ٣

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٤١

وصيّة الحسين (ع) (١)

بسم الله الرحمن الرحيم ـ هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمّد المعروف بابن الحنفيّة انّ الحسين يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وانّ محمّدا عبده ورسوله ، جاء بالحقّ من عند الحقّ ، وأنّ الجنّة والنار حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ، وانّي لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنّما خرجت لطلب الاصلاح في أمّة جدي (ص) ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين ، وهذه وصيّتي يا أخي إليك وما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

ثمّ طوى الحسين الكتاب ، وختمه بخاتمه ، ودفعه إلى أخيه محمّد ، ثمّ ودّعه وخرج في جوف الليل (٢).

__________________

(١) اخترنا لفظ محمد بن أبي طالب الموسوي حسب رواية المجلسي في البحار ٤٤ / ٣٢٩.

(٢) فتوح ابن أعثم ٥ / ٣٤ ، ومقتل الخوارزمي ١ / ١٨٨ وبعد سيرة جدي وأبي ، أضافت يد التحريف «وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم» وان الراشدين اصطلاح تأخر استعماله عن عصر الخلافة الاموية ولم يرد في نص ثبت وجوده قبل ذلك ، ويقصد بالراشدين الذين أتوا إلى الحكم بعد رسول الله متواليا من ضمنهم الإمام علي ، فلا يصح أن يعطف الراشدين على اسم الإمام ، كل هذا يدلنا على أن الجملة أدخلت في لفظ الإمام الحسين.

٦١

مسير الإمام الحسين (ع) إلى مكّة المكرّمة

وروى الطبري والمفيد : أنّ الوليد أرسل إلى ابن الزبير بعد خروج الحسين فطاوله حتى خرج في جوف الليل إلى مكة وتنكّب الطريق ، فلمّا أصبحوا سرّح في طلبه الرجال فلم يدركوه فرجعوا وتشاغلوا به عن الحسين (ع) فلمّا أمسوا ، أرسل إلى الحسين فقال لهم : اصبحوا ثم ترون ونرى ، فكفوا عنه فسار من ليلته إلى مكة وهو يتلو (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وأبى أن يتنكب الطريق الأعظم مثل ابن الزبير(١).

وفي تاريخ الطبري وغيره ، أنّ عبد الله بن عمر التقى بالحسين وابن الزبير في الطريق فقال لهما : اتّقيا الله ولا تفرّقا جماعة المسلمين (٢).

ولقي الحسين ـ أيضا ـ عبد الله بن مطيع ، فقال له : جعلت فداك اين تريد؟ قال : أمّا الآن فمكة وأمّا بعد فانّي استخير الله. قال : خار الله لك وجعلنا فداءك ، فإذا أتيت مكّة فإيّاك أن تقرب الكوفة فإنّها بلدة مشئومة ؛ بها قتل أبوك وخذل أخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه. الزم الحرم فانّك سيّد العرب لا تعدل بك أهل الحجاز أحدا ، ويتداعى إليك الناس من كلّ

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ١٩٠ ، وارشاد المفيد ص ١٨٤.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ١٩١.

٦٢

جانب. لا تفارق الحرم فداك عمّي وخالي فو الله لئن هلكت لنسترقنّ بعدك.

وسار الحسين حتى دخل مكّة يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان وهو يقرأ : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ ، قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) ، ودخل ابن الزبير مكة ولزم الكعبة ، يصلّي عندها عامّة النهار ، ويطوف ويأتي حسينا في من يأتيه ، ويشير عليه بالرأي ، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير ، قد عرف انّ أهل الحجاز لا يبايعونه أبدا ما دام الحسين بالبلد ، وأنّه أعظم في أعينهم وأنفسهم منه ، وأطوع في الناس منه (١).

فأقبل أهلها يختلفون إليه ويأتيه المعتمرون وأهل الآفاق (٢).

وفي هذه السنة عزل يزيد الوليد وولى على الحرمين عمرو بن سعيد (٣) ، وبلغ أهل الكوفة موت معاوية وامتناع الحسين وابن الزبير وابن عمر عن البيعة ؛ فاجتمعوا وكتبوا إليه كتابا واحدا ... أمّا بعد : فالحمد لله الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد الذي انتزى على هذه الأمّة فابتزها أمرها وتآمر عليها بغير رضى منها ... فبعدا له كما بعدت ثمود. انّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ ، والنعمان بن بشير ـ الوالي ـ في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا عيد ، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت أخرجناه حتى نلحقه بالشام ... وبعثوا بالكتاب مع رجلين فأغذّا السير حتى قدما على الإمام الحسين لعشر مضين من شهر رمضان. ثمّ مكثوا يومين وسرّحوا إليه ثلاثة رجال معهم نحو من ثلاث وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والاربعة ، ثمّ لبثوا يومين آخرين وأرسلوا رسولين وكتبوا معهما ... إلى الحسين بن علي من شيعته المؤمنين والمسلمين ، أمّا بعد فحيّ هلا فانّ الناس ينتظرونك ولا رأي لهم في غيرك ، فالعجل العجل والسلام عليك.

وكتب إليه رءوس من رؤساء الكوفة كتابا ورد فيه : فأقدم على جند لك

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ١٩٦ ـ ١٩٧.

(٢) الطبري ٦ / ١٩٦.

(٣) الطبري ٦ / ١٩١.

٦٣

مجنّدة والسلام عليك (١).

وفي رواية الطبري : كتب إليه أهل الكوفة «أنّه معك مائة ألف» (٢).

__________________

(١) الطبري ٦ / ١٩٧ ، وراجع أنساب الأشراف ص ١٥٧ ـ ١٥٨.

(٢) الطبري ٦ / ٢٢١ ، ومثير الأحزان ص ١٦.

٦٤

ارسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة

وهكذا تلاقت الرسل وتكدّست الكتب لديه فكتب الإمام في جوابهم :

إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين. أمّا بعد ... قد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلّكم أنّه ليس علينا امام فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق ، وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي ، وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم ، فإن كتب إليّ أنّه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت عليّ به رسلكم وقرأت في كتبكم ، أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله فلعمري ما الإمام إلّا العامل بالكتاب ، والآخذ بالقسط ، والدائن بالحق ، والحابس نفسه على ذات الله. والسلام (١).

وأرسل إليهم مسلم بن عقيل (٢) ، فأقبل حتّى دخل الكوفة ، فاجتمع إليه الشيعة واستمعوا إلى كتاب الحسين وهم يبكون ، وبايعه ثمانية عشر ألفا (٣).

فكتب مسلم بن عقيل إلى الحسين :

__________________

(١) الطبري ٦ / ١٩٨ ، والاخبار الطوال للدينوري ٢٣٨.

(٢) الطبري ٦ / ١٩٨.

(٣) الطبري ٦ / ٢١١ ، ومثير الأحزان ص ٢١ ، واللهوف ص ١٠.

٦٥

أمّا بعد فإنّ الرائد لا يكذب أهله ، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا ، فعجّل الاقبال حين يأتيك كتابي ، فانّ الناس كلّهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى والسلام (١).

وفي رواية بايع مسلم بن عقيل خمسة وعشرون ألفا.

وفي رواية أخرى أربعون ألفا (٢).

قال المؤلف : ولعلّ أهل الكوفة استمرّوا على البيعة لمسلم بعد ارساله الكتاب إلى الامام الحسين حتى بلغوا خمسة وعشرين أو أربعين ألفا.

قال الطبري : اجتمع ناس من الشيعة بالبصرة وتذاكروا أمر الحسين ، والتحق بعضهم به وسار معه حتى استشهد ، وكتب إليهم الحسين يستنصرهم (٣).

قال : وعزل يزيد نعمان بن بشير عن ولاية الكوفة وولى عبيد الله بن زياد عليها (٤) بالإضافة إلى ولايته على البصرة ، وكتب إليه أن يطلب مسلم بن عقيل حتى يقتله فقدم الكوفة وتتبع الشيعة ، فثار عليه مسلم بن عقيل ، وخذله من بايعه من أهل الكوفة وبقي وحيدا يحارب جنود ابن زياد ، فضرب بسيف قطع شفته العليا ونصلت ثناياه وأخذوا يرمونه بالحجارة من فوق البيوت ، ويلهبون النار في أطنان القصب ثم يقلبونها عليه. فتقدّم إليه محمّد بن الأشعث وقال : لك الامان لا تقتل نفسك ، وكان قد أثخن بالحجارة وعجز عن القتال وانبهر وأسند ظهره إلى جنب الدار. فدنا منه ابن الاشعث فقال : لك الامان قال : آمن أنا؟ قال : نعم. وقال القوم : أنت آمن. فقال : أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم فاجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه من عنقه فقال : هذا

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢١١.

(٢) تاريخ ابن عساكر ح ٦٤٩.

(٣) الطبري ٦ / ١٩٨ ـ ٢٠٠.

(٤) الطبري ٦ / ١٩٩ ـ ٢١٥.

٦٦

أوّل الغدر! أين أمانكم؟ ثمّ أقبل على ابن الاشعث وقال له : إنّي أراك والله ستعجز عن أماني فهل عندك خير؟ تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني يبلغ حسينا فانّي لا أراه إلّا قد خرج إليكم اليوم مقبلا أو هو خارج غدا هو وأهل بيته ، وإن ما ترى من جزعي لذلك فيقول : انّ ابن عقيل بعثني إليك وهو في أيدي القوم أسير لا يرى أن يمسي حتى يقتل ، ارجع بأهل بيتك ولا يغرّك أهل الكوفة فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل ، انّ أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لمكذوب رأي. فقال الأشعث : والله لأفعلنّ ولاعلمن ابن زياد انّي قد أمنتك.

وادخل مسلم على ابن زياد على تلك الحالة ، وجرت بينهما محاورة فقال له ابن زياد: لعمري لتقتلنّ.

قال : كذلك؟ قال : نعم. قال : فدعني أوص إلى بعض قومي. فنظر إلى جلساء عبيد الله وفيهم عمر بن سعد. فقال : يا عمر! انّ بيني وبينك قرابة ، ولي إليك حاجة ، وقد يجب لي عليك نجح حاجتي وهو سرّ ، فأبى أن يمكّنه من ذكرها. فقال له عبيد الله : لا تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمّك ، فقام معه فجلس حيث ينظر إليه ابن زياد فقال له : انّ عليّ بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم فاقضها عنّي ، وانظر جثّتي فاستوهبها من ابن زياد فوارها ، وابعث إلى حسين من يردّه فانّي قد كتبت إليه أعلمه انّ الناس معه ولا أراه إلّا مقبلا. فأخبر ابن سعد ابن زياد بما قال مسلم فقال ابن زياد : انّه لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن ، وأمر بمسلم أن يصعد به فوق القصر ويضرب عنقه. فقال لابن الاشعث : أما والله لو لا أنّك أمنتني ما استسلمت. قم بسيفك دوني فقد أخفرت ذمتك. فصعد به وهو يكبّر ويستغفر ويصلّي على ملائكة الله ورسله ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذبونا وأذلّونا. واشرف به وضربت عنقه وأتبع جسده رأسه.

٦٧

وأمر ابن زياد بهانئ بن عروة فاخرج إلى السوق فضربت عنقه ، وأرسل ابن زياد برأسيهما مع كتاب إلى يزيد ، فكتب إليه يزيد : أمّا بعد فانّك لم تعد ان كنت كما أحبّ ، عملت عمل الحازم ، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش ، فقد أغنيت وكفيت وصدّقت ظني بك ورأيي فيك ... الكتاب (١).

__________________

(١) الطبري ٦ / ١٩٩ ـ ٢١٥ ، وارشاد المفيد ١٩٩ ـ ٢٠٠.

٦٨

عزم الإمام الحسين (ع) على المسير إلى العراق

هكذا استشهد مسلم بن عقيل ، أمّا الإمام الحسين فقد استعدّ بعد تسلّمه كتاب سفيره مسلم ـ الآنف الذكر ـ للتوجّه إلى العراق ، ولمّا علم ابن الزبير بقصده قال له : أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها ، ثم خشي أن يتّهمه فقال : أما انّك لو أقمت بالحجاز ثمّ أردت هذا الأمر هاهنا ما خولف عليك ان شاء الله. ولمّا خرج من عند الإمام الحسين قال الإمام : انّ هذا ليس شيء يؤتاه من الدنيا أحبّ إليه من أن أخرج من الحجاز إلى العراق ، وقد علم أنّه ليس له من الأمر معي شيء وانّ الناس لم يعدلوه بي ؛ فودّ أنّي خرجت منها لتخلو له (١).

وفي يوم التروية التقيا بين الحجر والباب فقال له ابن الزبير : ان شئت أقمت فوليت هذا الأمر آزرناك وساعدناك ونصحناك وبايعناك. فقال له الحسين : انّ أبي حدّثني أنّ بها كبشا يستحلّ حرمتها ؛ فما أحبّ أن أكون ذلك الكبش. فقال له ابن الزبير : فاقم ان شئت وتوليني أنا الأمر فتطاع ولا تعصى ، فقال : وما أريد هذا. ثمّ انّهما أخفيا كلامهما(٢).

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢١٦.

(٢) الطبري ٦ / ٣١٧ ، وراجع أنساب الأشراف ص ١٦٤.

٦٩

وفي رواية : فسارّ ابن الزبير الحسين فالتفت إلينا الحسين ، فقال : يقول ابن الزبير : أقم في هذا المسجد أجمع لك الناس ، ثم قال : والله لأن أقتل خارجا منها أحبّ إليّ من أن أقتل داخلا منها بشبر ، وأيم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا فيّ حاجتهم ، وو الله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت (١).

وفي تاريخ ابن عساكر وابن كثير : لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن تستحلّ بي ـ يعني مكة (٢) ـ.

ثم طاف الحسين بالبيت وبين الصفا والمروة ، وقصّ من شعره ، وأحلّ من احرامه وجعلها عمرة (٣).

الحسين مع ابن عباس :

وفي تاريخ الطبري وغيره : لما عزم على الخروج أتاه ابن عباس وقال له في ما قال : أقم في هذا البلد فانّك سيّد أهل الحجاز ، فان كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب إليهم فلينفوا عاملهم وعدوّهم ثم اقدم عليهم ، فان أبيت إلّا أن تخرج ؛ فسر إلى اليمن فانّ بها حصونا وشعابا ، وهي أرض عريضة طويلة ولأبيك بها شيعة وأنت عن الناس في عزلة ، فتكتب إلى الناس وترسل وتبثّ دعاتك ، فاني أرجو أن يأتيك عند ذلك الذي تحبّ. فقال له الحسين : يا ابن عمّ : إنّي والله أعلم أنك ناصح مشفق ، وقد أزمعت وأجمعت المسير ، فقال له ابن عباس : فان كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك ، فاني خائف أن تقتل كما قتل عثمان ، ونساؤه وولده ينظرون إليه.

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢١٧ ، وابن الاثير ٤ / ١٦ ، وقوله «ليعتدن علي ...» في طبقات ابن سعد ح ٢٧٨ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٦٤ ، وابن كثير ١٦٦٠٨.

(٢) تاريخ ابن عساكر ح ٦٤٨ ، وابن كثير ٨ / ١٦٦.

(٣) ارشاد المفيد ص ٢٠١ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ١٦٦.

٧٠

وفي الاخبار الطوال بعده : قال الحسين : يا ابن عمّ ما أرى الخروج إلّا بالأهل والولد(١).

وفي رواية : فقال الحسين : لأن اقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن أقتل بمكة وتستحلّ بي ، فبكى ابن عباس (٢). وفي رواية فقال : فذلك الذي سلا بنفسي عنه (٣).

كتابه إلى بني هاشم :

في كامل الزيارة قال : كتب الحسين بن عليّ من مكة إلى محمّد بن علي :

بسم الله الرحمن الرحيم ... من الحسين بن عليّ إلى محمّد بن علي ومن قبله من بني هاشم ، أما بعد : فانّ من لحق بي استشهد ومن تخلّف لم يدرك الفتح والسلام (٤).

قال ابن عساكر : وبعث حسين إلى المدينة فقدم عليه من خفّ معه من بني عبد المطّلب ... وتبعهم محمّد بن الحنفية بمكة ... (٥).

الإمام الحسين مع أخيه محمد بن الحنفية :

في اللهوف : سار محمّد بن الحنفية إلى الحسين (ع) في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها عن مكة ، فقال : يا أخي : انّ أهل الكوفة من عرفت

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢١٦ ـ ٢١٧ ، وابن الاثير ٤ / ١٦ ، والاخبار الطوال ص ٢٤٤.

(٢) تاريخ ابن عساكر بترجمة الإمام الحسين ، الحديث ٦٤٢ ـ ٦٤٤ ، وابن كثير ٨ / ١٦٥ ، وذخائر العقبى ص ١٥١ ، ومقتل الخوارزمي ١ / ٢١٩.

(٣) معجم الطبراني ح ٩٣ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٢.

(٤) كامل الزيارة ص ٧٥ باب ٧٥ ، وفي اللهوف عن الكليني : ان هذا الكتاب كتبه إليهم لما فصل من مكة ولفظه من الحسين بن علي إلى بني هاشم أما بعد ، فانه من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح ، اللهوف ص ٢٥ ، ومثير الاحزان ص ٢٧.

(٥) بترجمة الإمام الحسين في تاريخ ابن عساكر ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٣٤٣.

٧١

غدرهم بأبيك وأخيك وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى ، فان رأيت أن تقيم فانّك أعزّ من في الحرم وأمنعه ، فقال : يا أخي : خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم ، فأكون الذي تستباح به حرمة هذا البيت (١).

خروج الإمام الحسين من مكة وممانعة رسل الوالي اياه :

خرج الإمام الحسين من مكّة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة (٢) ، فاعترضه رسل الوالي من قبل يزيد عمرو بن سعيد ، وتدافع الفريقان واضطربوا بالسياط ، وامتنع الحسين وأصحابه منهم امتناعا قويا ، ومضى ، فنادوه : يا حسين : ألا تتّقي الله! تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الامّة. فتأوّل حسين قول الله عزوجل : (لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٣).

مع عبد الله بن جعفر وكتاب الوالي :

فكتب إليه عبد الله بن جعفر مع ابنيه عون ومحمّد : أمّا بعد ، فإني أسألك بالله لمّا انصرفت حين تنظر في كتابي فانّي مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، وان هلكت اليوم طفئ نور الأرض ، فإنّك علم المهتدين ، ورجاء المؤمنين ، فلا تعجل بالسير ، فإني في أثر الكتاب والسلام.

وطلب من عمرو بن سعيد أن يكتب له أمانا ويمنّيه البرّ والصلة ويبعث به إليه ، فكتب : أمّا بعد ، فإنّي أسأل الله أن يصرفك عمّا يوبقك ، وان يهديك لما يرشدك ، بلغني أنّك توجهت إلى العراق ، وإنّي أعيذك بالله

__________________

(١) اللهوف ص ٢٤ ـ ٢٥.

(٢) الطبري ٦ / ٢١١.

(٣) الطبري ٦ / ٢١٧ ـ ٢١٨ ، وابن الاثير ٤ / ١٧ ، وابن كثير ٨ / ١٦٦ ، وأنساب الأشراف ص ١٦٤.

٧٢

من الشقاق ، فإني أخاف عليك فيه الهلاك ، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ، ويحيى بن سعيد ـ أخا الوالي ـ فأقبل إليّ معهما ، فإنّ لك عندي الامان ، والصلة والبرّ وحسن الجوار .. فذهبا بالكتاب ولحقا الإمام الحسين ، واقرأه يحيى الكتاب فجهدا به. وكان ممّا اعتذر به أن قال : إني رأيت رؤيا فيها رسول الله (ص) ، وأمرت فيها بأمر أنا ماض له عليّ كان أو لي ، فقالا : فما تلك الرؤيا؟ قال : ما حدثت بها أحدا وما أنا محدث بها حتّى ألقى ربّي (١).

وكتب الإمام الحسين (ع) في جواب عمرو بن سعيد : أمّا بعد فانّه لم يشاقق الله ورسوله من دعا إلى الله عزوجل وقال إنّني من المسلمين ، وقد دعوت إلى الأمان والبرّ والصلة ، فخير الامان أمان الله ، ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا ، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمانه يوم القيامة ، فان كنت نويت بالكتاب صلتي وبرّي ، فجزيت خيرا(٢).

كتاب عمرة بنت عبد الرحمن :

وفي تاريخ ابن عساكر : كتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظّم عليه ما يريد أن يصنع ، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة ، وتخبره أنّه إنّما يساق إلى مصرعه ، وتقول : اشهد لحدّثتني عائشة انّها سمعت رسول الله (ص) يقول : يقتل حسين بأرض بابل ، فلما قرأ كتابها ، قال : فلا بدّ لي إذا من مصرعي ، ومضى (٣).

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢١٩ ـ ٢٢٠ ، وابن الأثير ٤ / ١٧ ، وابن كثير ٨ / ١٦٧ ، وفي ١٦٣ منه بايجاز ، وارشاد المفيد ص ٢٠٢ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٣٤٣.

(٢) في الطبري وابن الاثير ، وابن كثير تتمة للخبر السابق.

(٣) تاريخ ابن عساكر بعد الحديث ٦٥٣. وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الانصارية المدنية أكثرت عن عائشة ، ثقة ، من الثالثة ، ماتت قبل المائة. تقريب التهذيب ٢ / ٦٠٧.

٧٣

مع ابن عمر :

وفيه أيضا : ان عبد الله بن عمر كان بمال له فبلغه ان الحسين بن علي قد توجه إلى العراق ، فلحقه على مسيرة ثلاث ليال ، ونهاه عن المسير إلى العراق فأبى الحسين ، فاعتنقه ابن عمر ، وقال : استودعك الله من قتيل (١).

وفي فتوح ابن أعثم ، ومقتل الخوارزمي ، ومثير الاحزان ، وغيرها ، واللفظ للأخير : انّ ابن عمر لمّا بلغه توجّه الحسين إلى العراق لحقه وأشار عليه بالطاعة والانقياد ، فقال له الحسين : يا عبد الله! أما علمت أنّ من هوان الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريّا أهدي إلى بغيّ من بغايا بني اسرائيل ـ إلى قوله ـ فلم يعجّل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر ، ثمّ قال : اتّق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعنّ نصرتي (٢).

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦٤٥ و ٦٤٦ ، وتهذيبه ٤ / ٣٢٩ ، وقد أوردنا موجزا من الحديث. وأنساب الأشراف ح ٢١ ص ١٦٣.

(٢) الفتوح لابن أعثم ٥ / ٤٢ ـ ٤٣ ، والمقتل ١ / ١٩٢ ـ ١٩٣ ، ومثير الاحزان ٢٩ ، واللهوف ص ١٣ ، ويبدو أنّ ابن عمر حاور الحسين في هذا الأمر مرتين : أولاهما عند توجهه إلى مكة ، والثانية بعد خروجه منها متوجها إلى العراق.

٧٤

توجّه الإمام الحسين (ع) إلى العراق

خطبة الإمام (ع):

وفي مثير الاحزان بعد المحاورة السابقة : ثمّ قام خطيبا فقال : الحمد لله وما شاء الله ، ولا قوّة إلّا بالله ، خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن منّي أكراشا جوفا وأحوية سغبا ، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين ، لن تشذّ عن رسول الله لحمته ، وهي مجموعة له في حظيرة القدس ، تقرّبهم عينه وينجز بهم وعده ، من كان باذلا فينا مهجته ، وموطّنا على لقاء الله نفسه ، فليرحل معنا فإنّي راحل مصبحا إن شاء الله (١).

لفت نظر :

لم نتوخّ في إيراد هذه المحاورات تسجيلها حسب تسلسلها الزماني أو المكانيّ كي نبحث عنها ثمّ نرتّب تدوينها حسبما يؤدي إليه البحث لانّا

__________________

(١) مثير الاحزان ص ٢٩ ، وفي اللهوف ص ٢٣ انه خطب بها في مكة لما عزم على الخروج وفي لفظه «أجربة سغبا».

٧٥

استهدفنا في هذا البحث اعطاء صورة عن رؤية الإمام الحسين (ع) ورؤيّة معاصريه لواقعة استشهاده ، لنتمكّن من معرفة حكمة استشهاده وآثارها ، وكان يكفينا في هذا المقام إيراد المحاورات والحوادث حسبما أدّى إليه ظنّنا ، وهكذا فعلنا.

أوامر الخليفة يزيد :

ولما بلغ يزيد نبأ مسير الإمام كتب إلى ابن زياد : انّه قد بلغني انّ حسينا قد سار إلى الكوفة ، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان ، وبلدك من بين البلدان ، وابتليت به أنت من بين العمّال ، وعندها تعتق أو تعود عبدا كما تعتبد العبيد (١).

لعلّ يزيد يشير في كتابه إلى أنّ زيادا والد عبيد الله بن زياد ، ولد من أبوين عبدين وهما عبيد وسميّة ، وبعد أن ألحقه معاوية بأبيه أبي سفيان ، أصبح أمويا (٢) ومن الأحرار في حساب العرف القبلي الجاهلي ، وانّ يزيد يهدّد ابن زياد انّه ان لم يقم بواجبه في القضاء على الحسين فانّه سينفيه من نسب آل أبي سفيان فيعود عبدا.

وفي رواية : انّ عمرو بن سعيد أيضا كتب إلى ابن زياد نظير هذا الكتاب (٣).

مع الفرزدق :

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦٥٧ ، وفي ح ٦٥٦ أمر بمحاربته ، وفي تهذيبه ٤ / ٣٣٢ ، ومعجم الطبراني ح ٨٠ ، وأنساب الأشراف للبلاذري بترجمة الحسين ح ١٨٠ ص ١٦٠ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٣٤٤ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ١٦٥.

(٢) راجع كتاب «عبد الله بن سبأ» ج ١ فصل استلحاق زياد.

(٣) تاريخ ابن عساكر ح ٦٥٣ ، وتهذيبه ٤ / ٣٢٦ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ١٦٥ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٣٤٣.

٧٦

سار الإمام الحسين (ع) حتى انتهى إلى الصفاح (١) فلقيه الفرزدق بن غالب الشاعر فقال للإمام : بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحجّ. فقال : لو لم أعجل لأخذت.

ثم سأل الفرزدق عن نبأ الناس خلفه فقال له الفرزدق : قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية والقضاء ينزل من السماء.

فقال له الحسين : صدقت ، لله الأمر ، والله يفعل ما يشاء ، وكلّ يوم ربّنا في شأن ان نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه ، وهو المستعان على اداء الشكر وان حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد من كان الحق نيته ، والتقوى سريرته ، ثم حرّك الحسين راحلته فقال : السلام عليك (٢).

ولمّا بلغ الحاجر أرسل إلى أهل الكوفة بكتاب يخبرهم فيه انه خرج من مكة يوم التروية متجها إليهم (٣).

مع عبد الله بن مطيع (٤) :

وفي بعض المياه التقى بعبد الله بن مطيع العدوي فقال ابن مطيع : بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أقدمك؟ فأخبره الحسين بخبره فقال ابن مطيع : أذكّرك الله يا ابن رسول الله وحرمة الإسلام أن تنتهك ، أنشدك الله في حرمة رسول الله (ص) ، أنشدك الله في حرمة العرب ، فو الله لئن طلبت ما

__________________

(١) الصفاح بين حنين وأنصاب الحرم يسرة الداخل إلى مكة.

(٢) الطبري ٦ / ٢١٨ ، وابن الاثير ٤ / ١٦ ، وارشاد المفيد ص ٢٠١ ، وابن كثير ٨ / ١٦٧ ، وأنساب الأشراف ص ١٦٥ ـ ١٦٦.

(٣) الطبري ٦ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، والأخبار الطوال للدينوري ص ٢٤٥ ، وكان الحاجر ببطن الرمة ، ويجتمع فيه أهل الكوفة والبصرة بطريق مكة ـ مادة الحاجر وبطن الرمة بمعجم البلدان ، وراجع أنساب الأشراف ص ١٦٦.

(٤) عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي المدني ، له رؤية ، وكان رأس قريش يوم الحرة ، وأمّره ابن الزبير على الكوفة ثمّ قتل معه سنة ثلاث وسبعين. أخرج حديثه البخاري ومسلم. تقريب التهذيب ١ / ٤٥٢.

٧٧

في أيدي بني أميّة ليقتلنّك ، ولئن قتلوك لا يهابون بعدك أحدا أبدا ، والله انّها لحرمة الإسلام تنتهك ، وحرمة قريش وحرمة العرب ، فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرّض لبني أميّة ، فأبى إلّا أن يمضي (١).

وفي رواية ، فقال الحسين : لن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا ، ثم ودّعه ومضى (٢).

من رأى ان الحسين (ع) لا يجوز فيه السلاح :

خلافا لمن سبق ذكر رأيه كان عبد الله بن عمرو بن العاص من عصبة الخلافة من الصحابة يأمر الناس باتّباع الإمام الحسين (ع) ، قال الفرزدق بعد ذكره لقاءه للإمام الحسين (ع) :

ثمّ مضيت فإذا بفسطاط مضروب في الحرم وهيئته حسنة فأتيته فإذا هو لعبد الله بن عمرو بن العاص ، فسألني فأخبرته بلقاء الحسين بن علي ، فقال لي : ويلك فهلّا اتبعته ؛ فو الله ليملكنّ ولا يجوز السلاح فيه ولا في أصحابه.

قال : فهممت والله ان الحق به ووقع في قلبي مقالته ، ثمّ ذكرت الأنبياء وقتلهم فصدّني ذلك عن اللحاق بهم ... الحديث (٣).

مع زهير بن القين :

سار الإمام الحسين حتى نزل زرود فالتقى فيها بزهير بن القين ـ وكان عثمانيا (٤) ـ قال الراوي الذي كان مع زهير : أقبلنا من مكة نساير الحسين فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نسايره في منزل ، فإذا سار الحسين تخلّف زهير

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢٢٤ ، وارشاد المفيد ص ٢٠٣ ، وأنساب الأشراف ص ١٥٥.

(٢) الأخبار الطوال للدينوري ٢٤٦.

(٣) الطبري ٦ / ٢١٨ ـ ٢١٩.

(٤) في أنساب الأشراف ط. الأولى ، ١٣٩٧ ص ١٦٨ وص ١٦٧ وتاريخ ابن الاثير ٤ / ١٧ انه كان عثمانيا ، وزرود في وسط رمال عالج كان منزلا للحاج العراقي.

٧٨

وإذا نزل تقدّم ، حتى نزلنا منزلا لم نجد بدّا من أن ننازله فيه ، فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب ، فبينا نحن جلوس نتغدّى إذ أقبل رسول الحسين فسلّم ، وقال : يا زهير بن القين! انّ أبا عبد الله الحسين بن علي بعثني إليك لتأتيه ، قال : فطرح كلّ انسان ما في يده حتّى كانّنا على رءوسنا الطير.

فقالت له زوجته : أيبعث إليك ابن رسول الله ثمّ لا تأتيه؟ سبحان الله! لو أتيته فسمعت من كلامه! فأتاه زهير بن القين ، فما لبث أن جاء مستبشرا قد أسفر وجهه ، فأمر بفسطاطه ومتاعه فحمل إلى الحسين ، ثمّ قال لامرأته : أنت طالق. الحقي بأهلك ، فانّي لا أحبّ أن يصيبك من سببي إلّا خير ، ثمّ قال لاصحابه : من أحبّ منكم أن يتبعني وإلّا فانّه آخر العهد. [وفي رواية : من أحبّ منكم الشهادة فليقم ومن كرهها فليتقدّم] (١). انّي سأحدّثكم حديثا ، غزونا بلنجر ؛ ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان الباهلي : أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من المغانم؟ فقلنا : نعم. فقال لنا : إذا أدركتم شباب آل محمّد ـ وفي رواية : سيد شباب أهل محمّد (٢) ـ فكونوا أشدّ فرحا بقتالكم معهم بما اصبتم من الغنائم ، فاما أنا فاستودعكم الله (٣). فقالت له زوجته : خار الله لك ، وأسألك أن تذكرني يوم القيامة عند جدّ الحسين (ع).

__________________

(١) الأخبار الطوال ص ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، وأنساب الأشراف ص ١٦٨.

(٢) ابن الاثير ٤ / ١٧.

(٣) نقلنا الرواية من الطبري ٦ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ، وسلمان المذكور في الخبر هو ابن ربيعة الباهلي أرسله الخليفة عثمان لغزو اران من آذربايجان ففتح كورها صلحا وحربا وقتل خلف نهر بلنجر. فتوح البلدان ص ٢٤٠ ـ ٢٤١ ، وراجع ترجمته في أسد الغابة ٢ / ٢٢٥.

٧٩

وصول خبر قتل مسلم وهانئ

لما وصل الإمام إلى الثعلبيّة (١) أخبره أسديّان عن صاحبهم أنّه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ورآهما يجرّان في الأسواق بأرجلهما.

فقال الإمام : انّا الله وانّا إليه راجعون ، رحمة الله عليهما ، وردّد ذلك مرارا ، فقالا : ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك الّا انصرفت من مكانك هذا فانّه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل نتخوف أن تكون عليك ، فوثب عند ذلك بنو عقيل ، وقالوا : لا والله لا نبرح حتّى ندرك ثارنا أو نذوق ما ذاق أخونا. فنظر الحسين إلى الأسديّين وقال : لا خير في العيش بعد هؤلاء.

قالا : فعلمنا انّه عزم له رأيه على المسير ، فقلنا : خار الله لك ، فقال : رحمكما الله(٢).

رسولا ابن الاشعث وابن سعد إلى الحسين (ع):

في تاريخ الإسلام للذهبي : أرسل ابن سعد رجلا على ناقة إلى الحسين

__________________

(١) الثعلبية من منازل طريق الحاج من العراق ، مثير الأحزان ص ٣٣ ، واللهوف ص ٢٧.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٢٥ ، وابن الاثير ٤ / ١٧ ، والدينوري ص ٢٤٧ باختصار ، وابن كثير ٨ / ١٦٨.

٨٠