معالم المدرستين - ج ٣

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ٣

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٤١

يده فأتاه بتربة بيضاء فقال : في هذه الأرض يقتل ابنك هذا يا محمّد واسمها الطف ، فلما ذهب جبريل (ع) من عند رسول الله (ص) والتربة في يده يبكي فقال : يا عائشة ان جبريل (ع) أخبرني انّ الحسين ابني مقتول في أرض الطّف ، وأنّ أمّتي ستفتتن بعدي ، ثم خرج إلى أصحابه ، فيهم عليّ ، وأبو بكر وعمر وحذيفة وعمّار وأبو ذر ، رضي الله عنهم ، وهو يبكي فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال : أخبرني جبريل أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطّف ، وجاءني بهذه التربة ، وأخبرني أنّ فيها مضجعه (١).

ج ـ عن المقبري :

في طبقات ابن سعد وتاريخ ابن عساكر واللفظ للثاني ، عن عثمان بن مقسم عن المقبري عن عائشة قالت : بينا رسول الله (ص) راقد إذ جاء الحسين يحبو إليه فنحّيته عنه ثم قمت لبعض أمري ، فدنا منه فاستيقظ يبكي ، فقلت : ما يبكيك؟ قال : إنّ جبريل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين ، فاشتدّ غضب الله على من يسفك دمه ، وبسط يده فإذا فيها قبضة من بطحاء فقال : يا عائشة والذي نفسي بيده (٢)! انّه ليحزنني ، فمن هذا من أمتي يقتل حسينا بعدي (٣)؟

د ـ عن عبد الله بن سعيد :

في طبقات ابن سعد ومعجم الطبراني وغيرهما واللفظ للأخير ، عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن عائشة : انّ الحسين بن علي دخل على رسول الله (ص) فقال النبي (ص) : يا عائشة! ألا أعجبك! لقد دخل عليّ ملك

__________________

(١) بترجمة الحسين (ع) من معجم الطبراني ح ٤٨ وص ١٢٣ من المجموعة ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٧ ، وراجع أعلام النبوة للماوردي ص ٨٣ ، وأمالي الشجري ص ١٦٦.

(٢) في نسخة تاريخ ابن عساكر ؛ الكلمة غير واضحة.

(٣) ترجمة الحسين من طبقات ابن سعد ح ٢٧٠ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٢٨.

٤١

آنفا ما دخل عليّ قطّ فقال : إنّ ابني هذا مقتول ، وقال : إن شئت أريتك تربة يقتل فيها ، فتناول الملك بيده فأراني تربة حمراء (١).

ه ـ عن أم سلمة أو عائشة :

كما في مسند أحمد وفضائله ، وطبقات ابن سعد وتاريخ الإسلام ، وسير النبلاء للذهبي ، ومجمع الزوائد ، واللفظ للأول ، عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن عائشة أو أم سلمة ـ شكّ عبد الله ـ أنّ النبيّ قال لأحدهما : لقد دخل عليّ البيت ملك لم يدخل عليّ قبلها ، فقال لي : إنّ ابنك هذا حسينا مقتول ، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها ، قال : فأخرج تربة حمراء (٢).

١١ ـ رواية معاذ بن جبل :

في معجم الطبراني ، ومقتل الخوارزمي ، وكنز العمال ، واللفظ للأول ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنّ معاذ بن جبل أخبره قال : خرج علينا رسول الله (ص) متغيّر اللون فقال : أنا محمّد أوتيت فواتح الكلم وخواتمه ، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله عزوجل أحلّوا حلاله ، وحرّموا حرامه ، أتتكم الموتة ، أتتكم بالروح والراحة ، كتاب من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكا رحم الله من أخذها بخقها ،

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦٢٧ ، ومعجم الطبراني ح ٤٩ ص ١٢٤ من المجموعة ، وكنز العمال ١٣ / ١١٣ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ١٩٩. ولدى أتباع مدرسة أهل البيت بمثير الاحزان ص ٨ ، وعبد الله بن سعيد أبو هند الفزاري ولاء ، المدني (ت : ١٤٧ ه‍) من رجال الصحاح الستّة.

(٢) مسند أحمد ٦ / ٢٩٤ وبترجمة الحسين من فضائل أحمد ح ١٠ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٢٥ ، وقال الذهبي في تاريخ الإسلام ٣ / ١١ ، اسناده صحيح. وفي سير النبلاء ٣ / ١٩٥ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٧ ، وكنز العمال ١٣ / ١١١ ، والصواعق المحرقة ١١٥ وفي طبعة دار الطباعة المحمدية بالقاهرة : ص ١٩٠ ، وراجع طرح التثريب ١ / ٤١ للعراقي ، والروض النضير ١ / ٩٤ ، وأمالي الشجري ص ١٨٤.

٤٢

وخرج منها كما دخلها.

أمسك يا معاذ وأحص ، قال : فلما بلغت خمسة. قال : يزيد لا بارك الله في يزيد ، ثم ذرفت عيناه (ص) ، ثم قال : نعي إليّ حسين ، أتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله ، والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه (١) إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلّط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا ، ثم قال : واها لفراخ آل محمد (ص) من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف. الحديث (٢).

١٢ ـ رواية سعيد بن جمهان :

في تاريخ ابن عساكر ، والذهبي ، وابن كثير ، واللفظ للأول ، عن سعيد بن جمهان : أنّ النبي (ص) أتاه جبريل بتراب من تراب القرية التي يقتل بها الحسين ، فقال : اسمها كربلاء ، فقال رسول الله (ص) : كرب وبلاء (٣).

١٣ ـ روايات ابن عباس :

أ ـ أبو الضحى :

في مقتل الخوارزمي ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس قال : ما كنّا نشك أهل البيت وهم متوافرون انّ الحسين بن علي يقتل بالطف (٤).

ب ـ سعيد بن جبير :

في تاريخ ابن عساكر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال :

__________________

(١) في مجمع الزوائد ٩ / ١٨٩ ـ ١٩٠ «لا يمنعوه» وهو خطأ.

(٢) معجم الطبراني ح ٩٥ ص ١٤٠ ، ومقتل الخوارزمي ١٦٠ ـ ١٦١ ، وكنز العمال ١٣ / ١١٣ ، وأمالي الشجري ص ١٦٩ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٩ ـ ١٩٠.

(٣) تاريخ ابن عساكر ح ٦٣٢ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ١١ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ٢٠٠.

(٤) مقتل الخوارزمي ١ / ١٦٠.

٤٣

أوحى الله تعالى : يا محمّد ، إنّي قد قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وإنّي قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا ، وسبعين ألفا (١).

وسنذكر بقية رواياته في باب سبب استشهاد الحسين (ع) ان شاء الله تعالى.

وروى ابن قولويه في باب قول رسول الله (ص) : «إنّ الحسين (ع) تقتله أمّته من بعده» في كامل الزيارة سبع روايات عن رسول الله (ص) (٢).

١٤ ـ روايات الإمام علي (ع):

أ ـ عن أبي حبرة :

في ترجمة الإمام الحسين (ع) معجم الطبراني عن أبي حبرة ، قال : صحبت عليا (رض) حتى أتى الكوفة فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : كيف أنتم إذا نزل بذريّة نبيكم بين ظهرانيكم؟ قالوا : إذن نبلى الله فيهم بلاء حسنا ، فقال : والذي نفسي بيده لينزلنّ بين ظهرانيكم ولتخرجنّ إليهم فلتقتلنّهم. ثم أقبل يقول :

هم أوردوهم بالغرور وعرّدوا

أجيبوا نجاة لا نجاة ولا عذرا(٣)

ب ـ عن هانئ بن هانئ :

في معجم الطبراني ، وتاريخ ابن عساكر ، وتاريخ الإسلام للذهبي ، وغيرها ، واللفظ لابن عساكر عن هانئ بن هانئ عن عليّ ، قال : ليقتلنّ الحسين قتلا وإنّي لأعرف تربة الأرض التي يقتل بها ، يقتل بقرية (بتربة)

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦٨٤ ، وتهذيبه ٤ / ٣٤٢ ، وأمالي الشجري ص ١٦٠.

(٢) كامل الزيارة ، ص ٦٨ ـ ٧١ ، الباب ٢٢.

(٣) معجم الطبراني ح ٥٧ ص ١٢٨ ، وفي مجمع الزوائد ٩ / ١٩١ «اجيبوا دعاه» ، وأنساب الاشراف للبلاذري ص ٣٨ عن مجاهد بايجاز.

٤٤

قريبة من النهرين (١).

ج ـ في مقتل الخوارزمي :

انّ أمير المؤمنين عليا (ع) لما سار إلى صفّين نزل بكربلاء وقال لابن عباس : أتدري ما هذه البقعة؟ قال : لا ، قال : لو عرفتها لبكيت بكائي ، ثم بكى بكاء شديدا ، ثم قال: ما لي ولآل أبي سفيان؟ ثم التفت إلى الحسين. وقال : صبرا يا بنيّ فقد لقي أبوك منهم مثل الذي تلقى بعده (٢).

د ـ عن الحسن بن كثير ، في صفين :

عن الحسن بن كثير ، عن أبيه : انّ عليّا أتى كربلاء فوقف بها ، فقيل : يا أمير المؤمنين هذه كربلاء؟ قال : ذات كرب وبلاء ، ثم أومأ بيده إلى المكان فقال هاهنا موضع رحالهم ، ومناخ ركابهم ، وأومأ إلى موضع آخر فقال : هاهنا مهراق دمائهم (٣).

ه ـ عن الاصبغ بن نباتة :

وفي ذخائر العقبى وغيره ، عن الاصبغ بن نباتة قال : أتينا مع عليّ فمررنا بموضع قبر الحسين ، فقال علي (ع) : هاهنا مناخ ركابهم ، وهاهنا موضع رحالهم ، هاهنا مهراق دمائهم ، فتية من آل محمّد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض (٤).

و ـ عن غرفة الأزدي :

__________________

(١) معجم الطبراني ح ٥٧ ص ١٢٨ ، وفي لفظه : «ليقتلن الحسين قتلا ، وإنّي لأعرف التربة التي يقتل فيها قريبا من النهرين» ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ١١ ، وسير النبلاء له ٣ / ١٩٥ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٠ ، وكنز العمال ١٦ / ٢٧٩ ، ومن كتب حديث أهل البيت بكامل الزيارة ص ٧٢.

(٢) مقتل الخوارزمي ١ / ١٦٢.

(٣) صفين ، لنصر بن مزاحم ص ١٤٢ ، وشرح نهج البلاغة ١ / ٢٧٨.

(٤) ذخائر العقبى ص ٩٧ ، وراجع دلائل النبوة لابي نعيم ٣ / ٢١١ ، وفي تذكرة خواص الامة ص ١٤٢ «هذا مصرع الرجل ثم ازداد بكاؤه».

٤٥

في أسد الغابة ، عن غرفة الأزدي قال : دخلني شكّ من شأن علي خرجت معه على شاطئ الفرات فعدل عن الطريق ووقف ، ووقفنا حوله ، فقال بيده : هذا موضع رواحلهم ومناخ ركابهم ومهراق دمائهم ، بأبي من لا ناصر له في الأرض ولا في السماء إلّا الله ، فلما قتل الحسين خرجت حتّى أتيت المكان الذي قتلوا فيه فإذا هو كما قال ما أخطأ شيئا. قال: فاستغفرت الله ممّا كان منّي من الشكّ ، وعلمت أنّ عليّا رضي الله عنه لم يقدم إلّا بما عهد إليه فيه (١).

ز ـ عن أبي جحيفة :

في صفين لنصر بن مزاحم عن أبي جحيفة قال : جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب ، فسأله وأنا أسمع ، فقال : حديث حدّثتنيه عن علي بن أبي طالب ، قال : نعم ، بعثني مخنف بن سليم إلى عليّ فأتيته بكربلاء ، فوجدته يشير بيده ويقول : «هاهنا ، هاهنا» فقال له رجل : وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال : «ثقل لآل محمّد ينزل هاهنا فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم» فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين قال : «ويل لهم منكم تقتلونهم ، وويل لكم منهم : يدخلكم الله بقتلهم النار».

وقد روي هذا الكلام على وجه آخر : أنّه (ع) قال : «فويل لكم منهم وويل لكم عليهم» قال الرجل : أما ويل لنا منهم فقد عرفت وويل لنا عليهم ما هو؟ قال ترونهم يقتلون ولا تستطيعون نصرهم (٢).

ح ـ عون بن أبي جحيفة :

__________________

(١) أسد الغابة ٤ / ١٦٩ قال في ترجمة غرفة الازدي : «يقال له صحبة وهو معدود في الكوفيين ، روى عنه أبو صادق قال : وكان من أصحاب النبي (ص) ومن أصحاب الصفة ، وهو الذي دعا له النبي (ص) ان يبارك في صفقته» ثم أورد الخبر الذي أوردناه في المتن ، ثم قال بعد انتهائه «أخرجه ابن الدباغ مستدركا على أبي عمر». وأشار إليه ابن حجر في ترجمته بالاصابة.

(٢) صفين لنصر بن مزاحم ص ١٤٢.

٤٦

في تاريخ ابن عساكر ، عن عون بن أبي جحيفة ، قال : انّا لجلوس عند دار أبي عبد الله الجدلي ، فأتانا ملك بن صحار الهمدانيّ ، فقال : دلّوني على منزل فلان ، قال : قلنا له : ألا ترسل إليه فيجيء؟ إذ جاء فقال : أتذكر إذ بعثنا أبو مخنف إلى أمير المؤمنين وهو بشاطئ الفرات ، فقال : ليحلنّ هاهنا ركب من آل رسول الله (ص) يمرّ بهذا المكان فيقتلونهم ، فويل لكم منهم وويل لهم منكم (١).

ط ـ في تاريخ ابن كثير :

روى محمّد بن سعد وغيره من غير وجه ، عن عليّ بن أبي طالب : أنّه مرّ بكربلاء عند أشجار الحنظل وهو ذاهب إلى صفين ، فسأل عن اسمها فقيل : كربلاء. فقال : كرب وبلاء ، فنزل وصلّى عند شجرة هناك ثم قال : يقتل هاهنا شهداء هم خير الشهداء غير الصحابة ، يدخلون الجنة بغير حساب ـ وأشار إلى مكان هناك ـ فعلّموه بشيء ، فقتل فيه الحسين (٢).

ي ـ عن نجي الحضرمي :

في مسند أحمد ، ومعجم الطبراني ، وتاريخ ابن عساكر ، وغيرها ، واللفظ للأول ، عن عبد الله بن نجيّ عن أبيه : أنّه سار مع عليّ رضي الله عنه ، فلما جاءوا نينوى وهو منطلق إلى صفين ، فنادى عليّ : اصبر أبا عبد الله ، اصبر أبا عبد الله! بشط الفرات ، قلت : وما ذا؟ قال : دخلت على رسول الله (ص) ذات يوم وعيناه تفيضان. قلت : يا نبيّ الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال : بل قام من عندي جبريل قبل ، فحدثني : أنّ الحسين يقتل بشط الفرات ، قال فقال : هل لك إلى أن أشمّك من تربته؟

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦٣٥ وتهذيبه ٤ / ٣٢٥.

(٢) تاريخ ابن كثير ٨ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩١.

٤٧

قال : قلت : نعم ، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عينيّ أن فاضتا(١).

وفي رواية : «وكان صاحب مطهرته ، فلمّا حاذوا نينوى وهو منطلق إلى صفين نادى عليّ : صبرا أبا عبد الله ، صبرا أبا عبد الله بشط الفرات ، قلت : ومن ذا أبو عبد الله؟ ... ، هل لك أن أشمك من تربته؟ ...» (٢).

ك ـ عن عامر الشعبي :

في طبقات ابن سعد ، وتاريخ ابن عساكر ، والذهبي وتذكرة خواص الأمة ، عن عامر الشعبي : أنّ عليا قال وهو بشط الفرات : صبرا أبا عبد الله ، ثم قال : دخلت على رسول الله (ص) وعيناه تفيضان ، فقلت : أحدث حدث؟ قال : «أخبرني جبريل أنّ حسينا يقتل بشاطئ الفرات ثم قال : أتحبّ أن أريك من تربته؟ قلت : نعم ، فقبض قبضة من تربتها فوضعها في كفّي فما ملكت عينيّ أن فاضتا (٣).

ل ـ عن كدير الضّبي :

في تاريخ ابن عساكر عن كدير الضّبي قال : بينا أنا مع عليّ بكربلاء ، بين أشجار الحرمل ـ إذ ـ أخذ بعرة ففركها ، ثمّ شمّها ، ثم قال : ليبعثنّ الله

__________________

(١) في مسند أحمد ١ / ٨٥ ، وقال بهامشه : اسناده صحيح ، ومعجم الطبراني ح ٤٥ ص ١٢١ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦١١ ـ ٦١٢ ، وتهذيبه ٤ / ٣٢٥ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٧ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ١٠ ، والنبلاء ٣ / ١٩٣ ، وتهذيب التهذيب ٢ / ٣٤٧ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ١٩٩ ، وتذكرة خواص الامة بلفظ آخر في ص ١٤٢ ، ومقتل الخوارزمي ١ / ١٧٠ ، والصواعق لابن حجر ص ١١٥ ، وفي ذخائر العقبى ص ١٤٨ من «دخلت ...» إلى آخر الحديث ، وراجع الخصائص الكبرى للسيوطي ٢ / ١٢٦ ، ولدى أتباع مدرسة أهل البيت بمثير الأحزان ص ٩ ، وأمالي الشجري ص ١٥٠.

(٢) كما في أحاديث تاريخ ابن كثير ، والروض النضير ١ / ٩٢.

(٣) طبقات ابن سعد ح ١٧٣ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦١٤ ص ٣٩٣ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ١٠ ، والنبلاء ٣ / ١٩٤ ، وأشار إليه ابن كثير في ٨ / ١٩٩ من تاريخه ، وتذكرة خواص الامة ص ١٤٢.

٤٨

من هذا الموضع قوما يدخلون الجنّة بغير حساب (١).

م ـ عن هرثمة :

في معجم الطبراني عن هرثمة ، كنت مع علي (رض) بنهر كربلاء فمرّ بشجرة تحتها بعر غزلان فأخذ منه قبضة فشمّها ، ثم قال : يحشر من هذا الظهر سبعون ألفا يدخلون الجنّة بغير حساب (٢).

قد روى عن هرثمة حضوره مع الإمام عليّ بكربلاء وما تبع ذلك غير واحد وكلّ راو يؤيّد ما قاله الآخر كما نذكره في ما يأتي :

١ ـ رواية نشيط مولى هرثمة :

في مقتل الخوارزمي بسنده إلى نشيط أبي فاطمة قال : جاء مولاي هرثمة من صفين فأتيناه فسلّمنا عليه فمرّت شاة وبعرت فقال : لقد ذكرتني هذه الشاة حديثا : أقبلنا مع عليّ ونحن راجعون من صفين فنزلنا كربلاء ، فصلّى بنا الفجر بين شجرات ثم أخذ بعرات من بعر الغزال ففتها في يده ، ثمّ شمّها فالتفت إلينا وقال : يقتل في هذا المكان قوم يدخلون الجنّة بغير حساب (٣).

٢ ـ رواية أبي عبد الله الضبي :

في طبقات ابن سعد ، وتاريخ ابن عساكر ، بسنده عن أبي عبد الله الضبي قال : دخلنا على هرثمة الضبي (٤) حين أقبل من صفين ، وهو مع عليّ ، وهو جالس على دكّان له ، وله امرأة يقال لها جرداء وهي أشدّ حبا لعليّ وأشدّ لقوله تصديقا ، فجاءت شاة له فبعرت ، فقال لها : لقد ذكرني بعر هذه الشاة

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦٣٨ ، وتهذيبه ٤ / ٣٢٦.

(٢) معجم الطبراني ح ٥٩ ص ١٢٨.

(٣) مقتل الخوارزمي ١ / ١٦٥ ـ ١٦٦ وفي لفظ أبو هرثمة.

(٤) في الاصل «أبي هرثمة» تحريف. وان اعلام هذا الحديث وغير هذا الحديث الذين ذكروا في هذا البحث بحاجة إلى تحقيق لم يتسن لنا القيام به.

٤٩

حديثا لعلي ، قالوا وما علم بهذا «قال : أقبلنا مرجعنا من صفين فنزلنا كربلاء ، فصلّى بنا عليّ صلاة الفجر بين شجيرات ودوحات حرمل ، ثمّ أخذ كفّا من بعر الغزلان فشمّه ، ثم قال : «اوه ، اوه ، يقتل بهذا الغائط قوم يدخلون الجنّة بغير حساب» قال : قالت جردا : وما تنكر من هذا؟ هو أعلم بما قال منك ، نادت بذلك وهي في جوف البيت (١).

٣ ـ عن هرثمة بن سليم :

عن أبي عبيدة ، عن هرثمة بن سليم قال : غزونا مع عليّ بن أبي طالب غزوة صفين ، فلمّا نزلنا بكربلاء صلّى بنا صلاة ، فلما سلّم رفع إليه من تربتها فشمّها ثمّ قال : واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب. فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته ـ وهي جرداء بنت سمير ـ وكانت شيعة لعليّ فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجبك من صديقك أبي الحسين؟ لمّا نزلنا كربلاء رفع إليه من تربتها فشمّها وقال : واها لك يا تربة ، ليحشرنّ منك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب ، وما علمه بالغيب؟ فقالت : دعنا منك أيّها الرجل ، فإنّ أمير المؤمنين لم يقل إلّا حقّا. فلمّا بعث عبيد الله ابن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن عليّ وأصحابه ، قال : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلمّا انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه عرفت المنزل الذي نزل بنا علي فيه والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري ، فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين ، فسلّمت عليه ، وحدّثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل ، فقال الحسين : معنا أنت أو علينا؟ فقلت اي ابن رسول الله لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي

__________________

(١) في طبقات ابن سعد ح ٢٧٦ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٣٦ ، وفي مقتل الخوارزمي ١ / ١٦٥ عن نشيط أبي فاطمة قال : جاء مولاي أبو هرثمة من صفين ، فأتيناه فسلمنا عليه فمرت شاة فبعرت ... وليس في لفظه «وما علم بهذا».

٥٠

وعيالي أخاف عليهم من ابن زياد. فقال الحسين : فولّ هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فو الذي نفس محمّد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلّا أدخله الله النار. قال : فأقبلت في الأرض هاربا حتّى خفي عليّ مقتلهم (١).

٤ ـ عن جرداء بنت سمير :

عن زوجها هرثمة بن سلمى ، قال : خرجنا مع عليّ في بعض غزواته ، فسار حتى انتهى إلى كربلاء ، فنزل إلى شجرة فصلّى إليها فأخذ تربة من الأرض فشمّها ، ثم قال : واها لك تربة ليقتلنّ بك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب. قال : فقفلنا من غزوتنا وقتل عليّ ونسيت الحديث ، قال : وكنت في الجيش الذين ساروا إلى الحسين فلمّا انتهيت إليه نظرت إلى الشجرة ، فذكرت الحديث ، فتقدّمت على فرس لي فقلت : أبشّرك ابن بنت رسول الله (ص) ، وحدّثته الحديث ، قال : معنا أو علينا؟ قلت لا معك ولا عليك ، تركت عيالا وتركت ـ كذا وكذا ـ (٢) قال : أمّا لا فولّ في الأرض ، فوالذي نفس حسين بيده ، لا يشهد قتلنا اليوم رجل إلّا دخل جهنّم. فانطلقت هاربا مولّيا في الأرض حتّى خفي عليّ مقتله (٣).

ن ـ عن شيبان بن مخرم :

في معجم الطبراني ، وتاريخ ابن عساكر ، ومجمع الزوائد ، وغيرها ، واللفظ لابن عساكر ، عن ميمون عن شيبان بن مخرم ـ وكان عثمانيا يبغض عليا ـ قال :

__________________

(١) صفين ، لابن مزاحم ، ص ١٤٠ ـ ١٤١ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٣٦ و ٦٣٨ باختصار. وأمالي الشجري ص ١٨٤.

(٢) تهذيب ابن عساكر ٤ / ٣٢٨.

(٣) تاريخ ابن عساكر ح ٦٧٧ ، وأمالي الشجري ص ١٨٤ ، وفي لفظ «عن جرد ابنة شمير» ، والأمالي للصدوق (ره) ط. الاسلامية طهران سنة ١٣٩٦ ه‍ ص ١٣٦.

٥١

رجعنا مع علي إلى صفين فانتهينا إلى موضع ، قال : فقال : ما سمّي هذا الموضع؟ قال : قلنا : كربلاء قال : كرب وبلاء. قال : ثمّ قعد على دابّته ، وقال : يقتل هاهنا قوم أفضل شهداء على ظهر الأرض لا يكون شهداء رسول الله (ص). قال : قلت بعض كذباته وربّ الكعبة. قال : فقلت لغلامي ، وثمّة حمار ميّت : جئني برجل هذا الحمار فأوتدته في المقعد الذي كان فيه قاعدا ، فلمّا قتل الحسين قلت لاصحابنا : انطلقوا ننظر ، فانتهينا إلى المكان فإذا جسد الحسين على رجل الحمار وإذا أصحابه ربضة حوله (١).

وأخرج ابن قولويه في باب قول أمير المؤمنين في قتل الحسين من كامل الزيارة أربعة أحاديث (٢).

١٥ ـ رواية أنس بن الحارث واستشهاده :

في تاريخ البخاري ، وابن عساكر ، والاستيعاب ، وغيرها ؛ انّ أنس ابن الحارث بن نبيه قتل مع الحسين ، قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : «انّ ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يقتل بأرض يقال لها كربلاء ، فمن شهد ذلك فلينصره» ، فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء فقتل بها مع الحسين.

وفي مثير الاحزان : خرج انس بن الحارث الكاهلي وهو يقول :

قد علمت كاهلنا وذودان

والخندفيون وقيس عيلان

بأنّ قومي آفة للأقران

يا قوم كونوا كأسود خفّان

__________________

(١) ترجمة الحسين من طبقات ابن سعد ح ٢٧٥ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٧٥ ، وتهذيب ابن عساكر ٤ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ، وقريب منه لفظ الحديث ٦٧٦ في التأريخ وأسقطه في التهذيب ، والطبراني ح ٦٠ ص ١٢٨ ، والمقتل للخوارزمي ١ / ١٦١ ، وكنز العمال ١٦ / ٢٦٥ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٠ ـ ١٩١. وفي الاصل «رجع» تحريف ، وربضة : الجثة الجاثمة ، ومن الناس الجماعة ، والجاثم : الذي لزم الأرض. لسان العرب وغيره.

(٢) كامل الزيارة ، باب ٢٣ ص ٧١ ـ ٧٢.

٥٢

واستقبلوا القوم بضرب الآن

آل عليّ شيعة الرحمن

وآل حرب شيعة الشيطان (١)

١٦ ـ رجل من بني أسد :

روى كلّ من ابن سعد ، وابن عساكر ، عن العريان بن هيثم بن الأسود النخعي الكوفي الأعور ، قال : كان أبي يتبدّى (٢) فينزل قريبا من الموضع الّذي كان فيه معركة الحسين ، فكنّا لا نبدو (٣) إلّا وجدنا رجلا من بني أسد هناك ، فقال له أبي : انّي أراك ملازما هذا المكان؟ قال : بلغني انّ حسينا يقتل هاهنا ، فأنا أخرج لعلّي أصادفه ، فاقتل معه ، فلمّا قتل الحسين ، قال أبي : انطلقوا ننظر ، هل الاسدي في من قتل؟ وأتينا المعركة فطوّفنا فإذا الأسدي مقتول (٤).

* * *

أوردنا في ما سبق من الأحاديث التي فيها إنباء باستشهاد الإمام الحسين قبل وقوعه ، ما رواها الفريقان أو ما تفرّد بروايتها أتباع مدرسة الخلفاء ، وتركنا إيراد ما تفرّد بروايتها أتباع مدرسة أهل البيت (٥) وتخيّرنا في ما رواها الفريقان لفظ روايات مدرسة الخلفاء ، وينبغي أن نبحث بعد هذا عن سبب استشهاد

__________________

(١) ترجمة أنس بن الحارث في الجرح والتعديل للرازي ١ / ٢٨٧ ، وفي تاريخ البخاري الكبير ١ / ٣٠ رقم الترجمة ١٥٨٣ ، وابن عساكر ح ٦٨٠ ، وتهذيبه ٤ / ٣٣٨ ، والاستيعاب ، وأسد الغابة ١ / ١٢٣ ، والاصابة ومقتل الخوارزمي ١ / ١٥٩ ـ ١٦٠ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ١٩٩ ، والروض النضير ١ / ٩٣ ، ومثير الاحزان ص ٤٦ ـ ٤٧.

(٢) يتبدّى : أي يقيم في البادية وفي الاصل «يبتدى» تحريف.

(٣) نبدو : أي نخرج إلى البادية.

(٤) بترجمة الحسين من كل من طبقات ابن سعد ح ٢٨٠ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٦٦.

(٥) مثل ما روى الصدوق في أماليه ط. النجف ، ص ١١٢ ، وط. دار الكتب الإسلامية طهران سنة ١٣٥٥ ش. ه ص ١٢٦ ـ ١٢٧ عن ميثم رواية مفصّلة ، وما ورد في أمالي الشيخ الطوسي (ره) ١ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤ ، ومثير الأحزان ص ٩ ـ ١٣.

٥٣

الإمام الحسين ونرجع في هذا البحث في ما يلي إلى كتب الفريقين المشهورة دون ما تخيّر رواية فريق على آخر.

٥٤

سبب استشهاد الإمام الحسين (ع)

ينبغي أن نبحث في هذا المقام في أمرين :

أ ـ قاتل الإمام الحسين لما ذا أقدم على قتله؟

ب ـ الإمام الحسين لما ذا اختار القتل؟

لقد روى الطبري وغيره واللفظ للطبري (١) في بيان ذلك وقال : بويع ليزيد بن معاوية بالخلافة بعد وفاة أبيه في رجب سنة ستين وأمير المدينة الوليد ابن عتبة بن أبي سفيان ، ولم يكن ليزيد همّة ـ حين ولي ـ إلّا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية الاجابة إلى بيعة يزيد حين دعا الناس إلى بيعته وانّه ولي عهده بعده والفراغ من أمرهم ، فكتب إلى الوليد يخبره بموت معاوية ، وكتب إليه في صحيفة كأنّها أذن فأرة : أمّا بعد. فخذ حسينا وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام.

فأشار عليه مروان أن يبعث إليهم في تلك الساعة ويدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة ، فان فعلوا قبل منهم وكفّ عنهم ، وإن أبوا قدّمهم

__________________

(١) الطبري ، باب خلافة يزيد بن معاوية ٦ / ١٨٨.

٥٥

فضرب أعناقهم فإنّهم ان علموا بموت معاوية وثب كل منهم في جانب وأظهر الخلاف والمنابذة ، ودعا إلى نفسه ، عدا ابن عمر فانّه لا يرى القتال إلا أن يدفع الأمر إليه عفوا.

فأرسل الوليد عبد الله بن عمرو بن عثمان إلى الحسين وابن الزبير يدعوهما فوجدهما في المسجد فدعاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس. فقالا : انصرف ، الآن نأتيه. فقال حسين لابن الزبير : أرى طاغيتهم قد هلك فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر. فقال : وأنا ما أظنّ غيره. فقام الحسين وجمع إليه مواليه وأهل بيته وسار إلى باب الوليد وقال لهم : إنّي داخل فإن دعوتكم أو سمعتم صوته قد علا فاقتحموا عليّ ، وإلّا فلا تبرحوا حتّى أخرج إليكم ، فدخل على الوليد ومروان جالس عنده فأقرأه الوليد الكتاب ودعاه إلى البيعة ، فاسترجع الحسين وقال : انّ مثلي لا يعطي بيعته سرا ولا أراك تجتزئ بها منّى سرا دون أن تظهرها على رءوس الناس علانية ، قال : أجل. قال : فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرا واحدا. فقال له الوليد ، وكان يحبّ العافية : انصرف على اسم الله ، فقال له مروان : والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه ؛ احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه. فوثب عند ذلك الحسين ، فقال : يا ابن الزرقاء (١)! أنت تقتلني أم هو؟ كذبت والله وأثمت (٢).

__________________

(١) قال ابن الاثير في تاريخه الكامل ٤ / ١٦٠ ط. اوربا وكان يقال له ـ أي لمروان ـ ولولده : بنو الزرقاء. يقول ذلك من يريد ذمهم وعيبهم وهي الزرقاء بنت موهب جدة مروان بن الحكم لأبيه وكانت من ذوات الرايات التي يستدل بها على بيوت البغاء فلهذا كانوا يذمون بها ، وقال البلاذري : اسمها مارية ابنة موهب وكان قينا. أنساب الأشراف ٥ / ١٢٦.

(٢) الطبري ٦ / ١٩٠.

٥٦

وفي تاريخ ابن أعثم ، ومقتل الخوارزمي ومثير الأحزان (١) ، واللهوف ، واللفظ للاخير(٢) ، كتب يزيد إلى الوليد يأمره بأخذ البيعة على أهلها عامّة وخاصّة على الحسين (ع) ويقول له : إن أبى عليك فاضرب عنقه ، ثم أوردوا الخبر نظير ما ذكره الطبري إلى قولهم ، فغضب الحسين وقال : ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي؟ كذبت ولؤمت ، نحن أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ويزيد فاسق شارب الخمر وقاتل النفس ومثلي لا يبايع مثله.

قال الطبري : فقال له الوليد ـ وكان يحبّ العافية ـ : انصرف على اسم الله. وفي الرواية الأولى : فلمّا أصبح الحسين لقيه مروان فقال أطعني ترشد ، قال : قل ، قال : بايع أمير المؤمنين يزيد فهو خير لك في الدارين. فقال الحسين : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٣) وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمّة براع مثل يزيد (٤).

أمّا ابن الزبير فانّهم ألحوا عليه وتعلّل ولم يحضر دار الوليد ، وبعث الوليد إلى عبد الله بن عمر فقال : بايع ليزيد. فقال : إذا بايع الناس بايعت ، فانتظر حتى جاءت البيعة من البلدان فتقدّم إلى الوليد فبايعه (٥).

وفي رواية : أنّ الحسين خرج من منزله بعد ذلك وأتى قبر جدّه فقال : السلام عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك وسبطك والثقل الذي خلّفته في أمّتك ، فاشهد عليهم يا نبي الله انّهم قد

__________________

(١) مثير الأحزان ، لابن نما ؛ نجم الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء (ت : ٦٤٥ ه‍) ط. المطبعة الحيدرية في النجف سنة ١٣٦٩ ه‍ ص ١٤ ـ ١٥.

(٢) اللهوف في قتلى الطفوف ط. مكتبة الأندلس بيروت ص ٩ ـ ١٠ تأليف علي بن موسى ابن جعفر بن طاوس الحسيني (ت : ٦١٤ ه‍) ، وفتوح ابن أعثم ٥ / ١٠ ، ومقتل الخوارزمي ١ / ١٨٠ ـ ١٨٥.

(٣) لم أجد الاسترجاع في اللهوف.

(٤) مثير الأحزان ص ١٤ ـ ١٥ ، اللهوف ص ٩ ـ ١٠ ، وفتوح ابن أعثم ومقتل الخوارزمي.

(٥) الطبري ٦ / ١٩٠ ـ ١٩١.

٥٧

خذلوني وضيّعوني ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك صلّى الله عليك.

ثمّ صفّ قدميه فلم يزل راكعا ساجدا (١) إلى الفجر.

وفي رواية أخرى : فصلّى ركعات فلمّا فرغ من صلاته جعل يقول : اللهم هذا قبر نبيّك محمّد (ص) وأنا ابن بنت نبيّك وقد حضرني من الأمر ما قد علمت ، اللهم إنّي أحبّ المعروف وأنكر المنكر وإنّي أسألك يا ذا الجلال والاكرام بحق هذا القبر ومن فيه الّا اخترت من أمري ما هو لك رضى ولرسولك رضى وللمؤمنين رضى ، ثمّ جعل يبكي عند القبر حتى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى فإذا هو برسول الله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يديه ومن خلفه فجاء وضمّ الحسين إلى صدره وقبّل بين عينيه وقال «حبيبي يا حسين كأنّي أراك عن قريب مرمّلا بدمائك ، مذبوحا بأرض كربلاء ، بين عصابة من أمّتي ، وأنت في ذلك عطشان لا تسقى ، وظمآن لا تروى ، وهم في ذلك يرجون شفاعتي ، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي. ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، وما لهم عند الله من خلاق ، حبيبي يا حسين! انّ أباك وأمّك وأخاك قدموا عليّ وهم إليك مشتاقون ، وانّ لك في الجنّة لدرجات لن تنالها إلّا بالشهادة (٢). الحديث.

وذهب إلى قبر أمّه وأخيه وودّعهما (٣).

وروى عمر بن علي الاطرف وقال :

لمّا امتنع أخي الحسين (ع) عن البيعة ليزيد بالمدينة دخلت عليه فوجدته خاليا ، فقلت له : جعلت فداك يا أبا عبد الله : حدّثني أخوك أبو محمّد الحسن عن أبيه (ع). ثمّ سبقتني الدمعة ، وعلا شهيقي ، فضمّني

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ١ / ١٨٦.

(٢) فتوح ابن أعثم ٥ / ٢٩ ، ومقتل الخوارزمي ١ / ١٨٧.

(٣) اللهوف ، ص ١١.

٥٨

إليه ، وقال : أحدّثك أنّي مقتول؟ فقلت : حوشيت يا ابن رسول الله. فقال : سألتك بحقّ أبيك ، بقتلي خبّرك أبي؟ فقلت نعم ، فلولا تأوّلت وبايعت. فقال : حدّثني أبي : أنّ رسول الله (ص) أخبره بقتله وقتلي وأنّ تربتي تكون بقرب تربته ، فتظنّ أنك علمت ما لم أعلمه؟! وانّي لا أعطي الدنيّة من نفسي أبدا ، ولتلقينّ فاطمة أباها شاكية ما لقيت ذريّتها من أمّته ولا يدخل الجنّة أحد آذاها في ذريتها (١).

* * *

كان حكّام ذلك العصر وأشياعهم قد اعتادوا على تسمية تغيير أحكام الله بالتأويل ـ كما شرحناه في بحث الاجتهاد ـ حتّى أصبح المتبادر إلى الذهن من لفظ التأويل هو التغيير ، وأصبح ذلك شائعا وسائغا ، ومن ثمّ كان معاصر والإمام الحسين (ع) الذين بلغهم نبأ استشهاد الحسين في العراق عن رسول الله يلحّون على الإمام الحسين أن يؤوّل قضاء الله هذا ، أي يغيّره بعدم ذهابه إلى العراق ، وبعضهم كان يضيف إلى ذلك طلبه من الإمام أن يؤوله بالبيعة ، أي يغيّره بالبيعة ، وهذا ما عناه عمر بن علي بقوله : (فلولا تأوّلت وبايعت) أي فلولا أوّلت قضاء الله بقتلك ببيعتك ، وكذلك كان قصد محمّد بن الحنفية في ما حاور أخاه الحسين وان لم يصرّح به.

كما روى الطبري والمفيد وغيرهما واللفظ للمفيد : انّ محمّد بن الحنفية قال للحسين (ع) لمّا عزم على الخروج من المدينة : يا أخي أنت أحبّ الناس إليّ وأعزّهم عليّ ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق ، إلّا لك وأنت أحقّ بها. تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الامصار ما استطعت ، ثمّ ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك فان بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك ، وان اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ، ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك إنّي أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الامصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك

__________________

(١) اللهوف ، ص ١١.

٥٩

وأخرى عليك فيقتتلون فتكون لأوّل الأسنّة غرضا ، فإذا خير هذه الأمّة كلها نفسا وأبا وأما أضيعها دما وأذلها أهلا. فقال له الحسين (ع) : فاين أذهب يا أخي؟ قال : انزل مكّة فإن اطمأنّت بك الدار بها فسبيل ذلك ، وان نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس إليه ، فانّك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الأمر استقبالا (١).

وفي فتوح ابن أعثم ومقتل الخوارزمي بعده : فقال له الحسين : يا أخي : والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية أبدا ، وقد قال (ص) : اللهم لا تبارك في يزيد. فقطع محمد بن الحنفية الكلام وبكى ، فبكى معه الحسين ساعة ثم قال : جزاك الله يا أخي عنّي خيرا لقد نصحت وأشرت بالصواب ، وأنا أرجو أن يكون ان شاء الله رأيك موفّقا مسدّدا ، وإني قد عزمت على الخروج إلى مكة ، وقد تهيّأت لذلك أنا وإخوتي وبنو اخوتي وشيعتي وأمرهم أمري ورأيهم رأيي وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا عليهم ، ولا تخف عليّ شيئا من أمورهم. ثمّ دعا بدواة وبياض وكتب (٢) هذه الوصية لاخيه محمّد.

__________________

(١) ارشاد الشيخ المفيد ص ١٨٣.

(٢) الفتوح لابن أعثم ٥ / ٣٢ ـ ٣٣.

٦٠