معالم المدرستين - ج ٣

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ٣

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٤١

الفقهية ـ وكانوا بصدد جمع الأحاديث المناسبة لكلّ باب ، فقد اقتضت الامانة العلمية في النقل أن يدوّنوا كل ما انتهى إليهم من حديث في بابه ، مع غضّ النظر عن صحة الحديث لديهم أو عدمها ، كي تصل جميع أحاديث الباب إلى الباحثين في الاجيال القادمة كاملة ، مهما كان بعض الاحاديث مكروها لديهم وضعيفا بموازين النقد العلمي. وإنما كانوا يرون أنفسهم مسئولين أمام الله في تمحيص الاحاديث التي يعتمدونها في استخراج الأحكام الشرعيّة في تدوين كتبهم الفقهية فحسب.

إذا فانّ النقد يرد عليهم لو اعتمدوا على حديث ضعيف في كتبهم الفقهية ، وكذلك يرد النقد على كتب «منتقى الجمان» و «الدرّ والمرجان في الأحاديث الصّحاح والحسان» و «النهج الوضاح في الاحاديث الصحاح» و «صحيح الكافي» لو ورد فيها حديث ضعيف.

ومن كل ما سبق ذكره يتّضح جليّا انّ مدرسة أهل البيت لا تتسالم على صحة كتاب عدا كتاب الله جلّ اسمه ، وانّ المؤلفين منهم قد يوردون في غير الكتب الفقهية حديثا لا يعتقدون صحّته ويرونه ضعيفا ، لأن الامانة العلميّة تقتضيهم أن لا يكتموا الباحثين في الاجيال القادمة حديثا بدليل انهم يرونه ضعيفا ، فلا يتّجه إليهم نقد في غير ما دوّنوه في الابواب الفقهية ، ويرد النقد على مؤلفي الصحاح والحسان الأربعة لو وجد فيها حديث ضعيف.

* * *

بعد أن بلغ البحث إلى هنا رجعنا إلى معجم رجال الحديث (١) لاستاذ الفقهاء السيد الخوئي ، فوجدناه ـ مدّ ظله ـ قد أفاض في الحديث في ذلك تحت عنوان «روايات الكتب الأربعة ليست قطعية الصدور» و «النظر في

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١ / ٢٢ ـ ٣٦ ، ط. بيروت سنة ١٤٠٣ ه‍.

٣٦١

صحة روايات الكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيبين ...» (١).

وأثبت ان الشيخ الطوسي والصدوق وشيخه لم يكونوا يرون صحة جميع ما ورد في الكافي من حديث.

وأن الشيخ الطوسي لم يكن يرى صحة جميع ما ورد في «من لا يحضره الفقيه» من حديث.

والاهمّ من ذلك أن الكليني نفسه لم يكن يرى جميع ما أورده من حديث في كتابه الكافي صحيحا.

وكذلك الصدوق لم يكن يرى صحة جميع ما أورد من حديث في «من لا يحضره الفقيه».

والشيخ الطوسي لم يكن يرى صحة جميع ما أورد من حديث في «التهذيب» ، و «الاستبصار».

واستدلّ فيما أفاد بأدلّة قوية ؛ منها : أنه كيف يصحّ أن يقال ان الشيخ الكليني أو غيره يرى جميع ما في كتاب الكافي قطعيّ الصدور عن رسول الله (ص) أو أحد الائمة من أهل بيته (ع) ، وقد نقل فيه الشيخ الكليني أقوالا عن أشخاص أمثال :

أ ـ هشام بن الحكم.

ب ـ أبي أيوب النحوي.

ج ـ النظر بن سويد.

د ـ أسيد بن صفوان.

ه ـ ادريس بن عبد الله الاودي.

و ـ الفضيل.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١ / ٨٥ ـ ٩٧.

٣٦٢

ز ـ أبي حمزة.

ح ـ اليمان بن عبيد الله.

ط ـ اسحاق بن عمّار.

ي ـ يونس.

ك ـ إبراهيم بن أبي البلاد.

ل ـ أبي نعيم الطحان.

م ـ اسماعيل بن جعفر (١).

كيف يصحّ وليس هؤلاء الرجال الّذين أخرج أحاديثهم في الكافي بالنبيّ والائمة من أهل بيته لتكون أقوالهم أحاديث صحيحة.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١ / ٨٩ ـ ٩١.

٣٦٣
٣٦٤

خلاصة وخاتمة

للبحثين الرابع والخامس

٣٦٥
٣٦٦

كانت نتيجة ما ذكرنا من انتشار اجتهادات الخلفاء وفق سياستهم أن غمّ أمر الأحكام الإسلامية الّتي جاء بها الرسول (ص) على المسلمين ونسيت ، واشتهرت بين المسلمين الأحكام التي اجتهد فيها الخلفاء ، وانتشرت باسم أحكام الإسلام في جميع بلاد الإسلام على وجه الأرض من اليمن إلى الحجاز والشام والعراق وأقاصي ايران ومصر إلى أقاصي إفريقيّة بعد أن نسيت الأحكام التي جاء بها سيّد الرسل في تلك المسائل ، ولو عرف أحيانا الحكم الذي جاء به الرسول وكان مخالفا لأوامر الخليفة فالتديّن عندهم في الاعراض عن حكم الله في سبيل طاعة الخليفة ؛ فقد مرّ علينا قول الشاميّ في رميه الكعبة إنّ الحرمة والطاعة اجتمعتا فغلبت الطاعة الحرمة. ونادى الحجاج : يا أهل الشام! الله الله في الطاعة! ولو لا طاعة الخليفة لاجتنبوا تلك المعاصي الكبيرة. ألم يكن قائد الحملة (الحصين بن نمير) يخاف الله في حمامة الحرم أن تطأها فرسه وهو غافل عنها!!؟

وكذلك كان شأن شمر في قتله الحسين (ع) فقد روى الذهبيّ وقال :

كان شمر بن ذي الجوشن يصلّي الفجر ثمّ يقعد حتّى يصبح ثمّ يصلّي ،

٣٦٧

ويقول في دعائه : اللهم اغفر لي! فقيل له : كيف يغفر الله لك وقد خرجت إلى ابن بنت رسول الله (ص) فأعنت على قتله؟! ، قال : ويحك! فكيف نصنع!؟ إنّ امراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم ولو خالفناهم كنّا شرا من هذه الحمر (١).

وكان كعب بن جابر ـ ممّن حضر قتال الحسين (ع) في كربلاء ـ يقول في مناجاته:

«يا ربّ! إنّا قد وفينا فلا تجعلنا يا ربّ كمن قد غدر» يقصد بمن قد غدر من خالف الخليفة وعصى أوامره.

ودنا عمرو بن الحجّاج يوم عاشوراء من أصحاب الحسين (ع) ونادى وقال : يا أهل الكوفة! الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام.

بلغوا في تديّنهم بطاعة الخليفة إلى حدّ أنّه كان أرجى عمل عندهم ليوم القيامة ارتكاب كبائر معاصي الله في سبيل طاعة الخليفة ، وقد مرّ علينا قول مسلم في حالة النزع :

اللهمّ إنّي لم أعمل عملا قطّ بعد شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله ـ أي بعد الإسلام ـ أحبّ إليّ من قتل أهل المدينة ولا أرجى عندي في الآخرة ، وان دخلت النار بعد ذلك إنّي لشقيّ.

أرأيت هذا التديّن؟! أرأيت أرجى عمل ليوم القيامة؟! أرأيت كيف استطاعت عصبة الخلافة أن تقلب الإسلام إلى ضدّه؟ فانّ الذين قتلوا الحسين (ع) كانوا يصلّون في صلاتهم حين يصلّون على محمّد وآل محمّد ثمّ يقتلونه؟! وإن الذين كانوا يرمون الكعبة بالمنجنيق كانوا يستقبلونها في

__________________

(١) تاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ١٨ ـ ١٩.

٣٦٨

صلاتهم ثم يعقبون صلاتهم برميها بالنفط ومشاقّات الكتّان وأحجار المنجنيق؟!!

وقع كلّ ذلك في سبيل طاعة الخليفة. إذن أصبح الخليفة يوم ذاك مطاعا دون الله ، وكان الخليفة الذي يأمر برمي الكعبة بالمنجنيق أعتى وأطغى من فرعون! فانّ فرعون لم يأمر بهدم بيت عبادته كما فعل خليفة المسلمين يزيد وعبد الملك. هكذا ربّت مدرسة الخلافة المسلمين. فكيف أدرك المسلمون الحقيقة؟

كيف وعى المسلمون؟

أصاب شريعة سيّد المرسلين (ص) بسبب تلك الاجتهادات ما أصاب شرايع الأنبياء السابقين في تلك المسائل ، ولم يكن من الممكن إعادة أحكام الإسلام إلى المجتمع مع طاعة (١) أفراده لمقام الخلافة التي اجتهدت في تلك الأحكام. فلم يكن بدّ من كسر قدسية مقام الخلافة في نفوس المسلمين كي يتيسّر بعد ذلك إبعاد الأحكام التي انتشرت بسبب اجتهاداتهم ، ثمّ إعادة أحكام الإسلام التي جاء بها رسول الله إلى المجتمع بعد ذلك ، وقد أعدّ الله الإمام الحسين للقيام بهذه المهمّة كما يلي بيانه.

__________________

(١) ورد في لسان العرب وتاج العروس بمادة «عبد».

عبد عبادة وعبودة وعبودية اطاعه ، والعبادة : الطاعة مع الخضوع ، وعبد الطاغوت : أي اطاعه يعني الشيطان في ما سوّل له وأغواه ، واعبدوا ربكم أي أطيعوا ربكم ، واياك نعبد أي نطيع الطاعة التي يخضع معها.

٣٦٩

أعدّ الله ورسوله الإمام الحسين (ع) للقيام بالتغيير

قيّض الله الإمام الحسين (ع) لكسر قدسية مقام الخلافة في نفوس المسلمين بعد أن أعدّ له الاجواء النفسيّة في المجتمع الإسلامي بما أنزل في حقّه ضمن ما أنزل في حقّ أهل البيت عامة بقرآنه الكريم ، وفي ما بلّغ المسلمين على لسان رسوله في أهل البيت عامّة وفي الإمام الحسين (ع) خاصّة :

فانّه لما أنزل الله سبحانه : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى).

فسّر رسوله (القربى) بعلي وفاطمة والحسن والحسين (١).

ولمّا أراد الله سبحانه أن ينزل آية التطهير ، ورأى رسول الله أنّ الرحمة هابطة ، دعا عليّا وفاطمة والحسن والحسين وضمّهم إلى نفسه تحت الكساء ، فانزل الله تعالى :

(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، فقال رسول الله : اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي ، وبقي طول حياته

__________________

(١) بتفسير الآية من تفسير الطبري والزمخشري والسيوطي ، ومستدرك الصحيحين ٣ / ١٧٢ ، وذخائر العقبى للطبري ص ١٣٨ ، وأسد الغابة ٥ / ٣٦٧ ، وحلية الأولياء ٣ / ٢٠١ ، ومجمع الزوائد ٧ / ١٠٣ و ٩ / ١٤٦.

٣٧٠

بعد ذلك يقف على باب دارهم يوميا خمس مرّات أوقات الصلاة اليومية ويقول : السلام عليكم يا أهل البيت إنّما يريد الله ليذهب ... (١)

ولمّا نزلت الآية الكريمة : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (٦١ / آل عمران) وأراد أن يباهل نصارى نجران ؛ دعا رسول الله عليّا وفاطمة والحسن والحسين (٢)

وفي رواية : وقد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي يمشي خلفها ، وقال لهم النبي : إذا دعوت فأمّنوا ، فلمّا رآهم أسقف نجران ، قال : يا معشر النصارى! إنّي لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله ، فلا تبتهلوا فتهلكوا ، فصالحهم على دفع الجزية (٣). هذا بعض ما تلته أبناء الامّة في قرآنها وسمعته في تفسيره عن رسول الله له وشاهدته يفسّره بعمله.

وأيضا سمعت رسول الله يقول :

من صلّى صلاة لم يصلّ فيها عليّ ولا على أهل بيتي لم تقبل منه (٤).

ولمّا سألوه كيف يصلّون عليه قال :

قولوا : اللهمّ صلّى على محمد وعلى آل محمّد كما صلّيت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، اللهمّ بارك على محمّد وآل محمّد كما باركت

__________________

(١) مضت مصادر الخبر في ص ١٨ ـ ٢٣ من القسم الأول من هذا الكتاب.

(٢) صحيح مسلم ، باب فضائل علي من كتاب فضائل الصحابة ، وسنن الترمذي ، ومستدرك الصحيحين ٣ / ١٥٠ ، ومسند أحمد ١ / ١٨٥ ، وسنن البيهقي ٧ / ٦٣ ، وتفسير الآية بتفسير الطبري والسيوطي ، والواحدي في أسباب النزول ص ٧٤ و ٧٥.

(٣) بتفسير الآية بتفسير الكشاف للزمخشري ، والتفسير الكبير للفخر الرازي ، ونور الابصار للشبلنجي ص ١٠٠.

(٤) سنن البيهقي ٢ / ٣٧٩ ، وسنن الدار قطني ص ١٣٦.

٣٧١

على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد (١).

وسمعته يقول لعلي وفاطمة والحسن والحسين : أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم(٢).

وفي رواية : أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم (٣).

وأخذ بيد حسن وحسين ، فقال : من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة (٤).

ويقول : الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا (٥).

ويقول : ألا أخبركم بخير الناس جدا وجدّة؟ ألا أخبركم بخير الناس عمّا وعمّة؟ ألا أخبركم بخير الناس خالا وخالة؟ ألا أخبركم بخير الناس

__________________

(١) صحيح البخاري ، كتاب الدعوات في باب الصلاة على النبي ، وفي كتاب التفسير ، في باب تفسير قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) ، وصحيح مسلم ، في كتاب الصلاة ، باب الصلاة على النبي (ص) بعد التشهد ، ومسند أحمد ٢ / ٤٧ ، و ٥ / ٣٥٣ ، والادب المفرد للبخاري ص ٩٣ ، وسنن النسائي وابن ماجة والترمذي ، والبيهقي ٢ / ١٤٧ و ٢٧٩ ، والدار قطني ص ١٣٥ ، ومسند الشافعي ص ٢٣ ، ومستدرك الصحيحين ١ / ٢٦٩ ، وتفسير آية «ان الله وملائكته ...» من تفسير الطبري.

(٢) سنن الترمذي كتاب المناقب وابن ماجة المقدمة ، ومستدرك الصحيحين ٣ / ١٤٩ ، ومسند أحمد ٢ / ٤٤٢ ، وأسد الغابة ٣ / ١١ و ٥ / ٥٢٣ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٦٩ ، وتاريخ بغداد ٨ / ١٣٦ ، والرياض النضرة ٢ / ١٩٩ ، وذخائر العقبى ص ٢٣.

(٣) سنن الترمذي كتاب المناقب وابن ماجة المقدمة ، ومستدرك الصحيحين ٣ / ١٤٩ ، ومسند أحمد ٢ / ٤٤٢ ، وأسد الغابة ٣ / ١١ و ٥ / ٥٢٣ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٦٩ ، وتاريخ بغداد ٨ / ١٣٦ ، والرياض النضرة ٢ / ١٩٩ ، وذخائر العقبى ص ٢٣.

(٤) مسند أحمد ١ / ٧٧ ، وسنن الترمذي كتاب المناقب ، وتاريخ بغداد ٣ / ٢٨٧ ، وتهذيب التهذيب ١٠ / ٤٣٠ ، وكنز العمال.

(٥) في باب مناقب الحسن والحسين من كتاب بدء الخلق من صحيح البخاري أن رجلا سأل ابن عمر عن دم البعوض فقال : ممن أنت؟ قال : من أهل العراق ، قال : انظروا إلى هذا! يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النبي (ص) وسمعت النبي (ص) يقول : هما ريحانتاي من الدنيا.

وباب رحمة الولد وتقبيله ، والادب المفرد له ص ١٤ ، وسنن الترمذي ، ومسند أحمد ٢ / ٨٥ و ٩٣ و ١١٤ و ١٥٣ ، ومسند الطيالسي ٨ / ١٦٠ ، وخصائص النسائي ص ٣٧ ، ومستدرك الحاكم ٣ / ١٦٥ ، والرياض النضرة ٢ / ٢٣٢ ، وحلية أبي نعيم ٣ / ٢٠١ و ٥ / ٧٠ ، وفتح الباري ٨ / ١٠٠ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨١.

٣٧٢

أبا وأمّا : الحسن والحسين (١).

ويقول : هذان ابناي وابنا ابنتي ، اللهمّ انّي أحبّهما فأحبّهما وأحبّ من يحبّهما (٢).

ويقول : من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني (٣).

ويقول : كلّ بني آدم ينتمون إلى عصبتهم إلّا ولد فاطمة فانّي أنا أبوهم وأنا عصبتهم(٤).

وكان يصلّي في مسجده فإذا سجد وثب الحسن والحسين (ع) على ظهره ، وإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعا رفيقا فإذا عاد عادا ... (٥)

وكان يخطب في مسجده إذ جاء الحسن والحسين يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله (ص) من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ... (٦)

* * *

__________________

(١) مجمع الزوائد للهيثمي ٩ / ١٨٤ ، وذخائر العقبى ص ١٣٠ ، وكنز العمال ١٣ / ١٠٣ ـ ١١٤ ، ط. الثانية.

(٢) الترمذي ، كتاب المناقب ، وخصائص النسائي ص ٢٢٠ ، وكنز العمال. ١٣ / ٩٩ ، ط الثانية.

(٣) سنن ابن ماجة ، في فضائل الحسن والحسين ، ومسند أحمد ٢ / ٢٨٨ و ٤٤٠ و ٥٣١ ، و ٥ / ٣٦٩ ، وتاريخ بغداد ١ / ١٤١ ، وكنوز الحقائق ، ط. اسلامبول ص ١٣٤ ، ومسند الطيالسي ١٠ / ٣٢٧ و ٣٣٢ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٠ و ١٨١ و ١٨٥ ، وسنن البيهقي ٢ / ٢٦٣ ، و ٤ / ٢٨ ، وحلية الأولياء ٨ / ٣٠٥ ، ومستدرك الصحيحين ٣ / ١٦٦ و ١٧١.

(٤) مستدرك الصحيحين ٣ / ١٦٤ ، وتاريخ بغداد ١١ / ٢٨٥ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٧٢ ، وذخائر العقبى ص ١٢١ ، وكنز العمال ٦ / ٢٦٦ و ٢٢٠.

(٥) مستدرك الصحيحين ٣ / ١٦٣ و ١٦٥ و ٦٢٦ ، ومسند أحمد ٢ / ٥١٣ ، و ٣ / ٤٩٣ ، و ٥ / ٥١ ، وسنن البيهقي ٢ / ٢٦٣ ، ومجمع الزوائد للهيثمي ٩ / ٢٧٥ و ١٨١ و ١٨٢ ، وذخائر العقبى ص ١٣٢ ، وأسد الغابة ٢ / ٣٨٩ ، والرياض النضرة ص ١٣٢.

(٦) مسند أحمد ٤ / ٣٨٩ ، و ٥ / ٣٥٤ ، ومستدرك الحاكم ١ / ٢٨٧ ، و ٤ / ١٨٩ ، وسنن البيهقي ٣ / ٢١٨ ، و ٦ / ١٦٥ ، وسنن ابن ماجة ، باب لبس الأحمر للرجال من كتاب اللباس ، وسنن النسائي ، باب صلاة الجمعة والعيدين ، وسنن الترمذي ، كتاب المناقب.

٣٧٣

أعدّ الله ورسوله الامّة في الآيات والأحاديث الآنفة لتنظر إلى أهل البيت عامّة بعد رسول الله (ص) نظرة إجلال وإكبار وحبّ وولاء ، وكذلك في آيات أخرى مثل : آية الخمس وسورة هل أتى ، وآية وآت ذا القربى حقّه ، وفي أحاديث عن النبي في تفسير تلك الآيات وغيرها (١).

وخصّ بالذكر من بينهم الإمام الحسين في مثل إخبار الله نبيّه باستشهاد الإمام الحسين في يوم مولده وبعده ، واخبار رسوله أمّته بذلك مرّة بعد أخرى (٢).

وكذلك في ما فعل الإمام علي (ع) بعد رسول الله (ص) مثل روايته عن رسول الله (ص) في طريقه إلى صفين وغيره باستشهاد الإمام الحسين (ع).

وقوله في بعض أيّام صفّين :

إنّني أنفس بهذين ـ يعني الحسن والحسين (ع) ـ على الموت لئلّا ينقطع بهما نسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

هكذا وجّهت الامّة إلى حبّ الإمام الحسين وإجلال مقامه ، أضف إلى ذلك ما كان عند بعض أبناء الأمّة من نصوص عن الرسول في إمامة الأئمة الاثني عشر ، وأنّهم حملة الإسلام وحفظته وأن الإمام الحسين ثالثهم.

ومهما يكن من أمر فان الإمام الحسين كان الرجل الوحيد الذي ورث حب المسلمين لجده الرسول (ص) في عصره.

ولهذا رغب المسلمون يوم ذاك في أن يبايعوه بالخلافة ليصبح بتلك البيعة

__________________

(١) أسباب النزول للواحدي ص ٣٣١ ، وأسد الغابة ٥ / ٥٣٠ ، والرياض النضرة ٢ / ٢٢٧ ، ونور الأبصار ، للشبلنجي ، وتفسير الآية بتفسير السيوطي.

(٢) راجع قبله فصل «انباء باستشهاد الحسين».

(٣) نهج البلاغة ، العدد ٢٠٥ من خطبه.

٣٧٤

الخليفة الشرعي بعد معاوية ، يتبوّأ عرش الخلافة بحقوقها ، ولو أتيح له ذلك وأصبح خليفة المسلمين ببيعتهم ايّاه لما استطاع أن يعيد إلى المجتمع الأحكام الإسلاميّة التي بدّلها الخلفاء وغيّروها باجتهاداتهم ، كما لم يستطع الإمام علي (ع) أن يفعل ذلك بالنسبة إلى اجتهادات الخلفاء الثلاثة من قبله (١) ، وكان على الإمام الحسين لو بويع أن يقرّ أحداث معاوية ـ اجتهاداته ـ على حالها بما فيها لعن أبيه الإمام علي (ع) على جميع منابر المسلمين بالإضافة إلى اجتهادات الخلفاء السابقين ، ولمّا لم يقدّر للمسلمين أن يبايعوه بالخلافة أصبحت حاله لدى المسلمين حال الحرمين الشريفين ، له الحرمة في نفوسهم ولكنّهم انتهكوها في سبيل طاعة الخليفة. وصحّ ما قال له الفرزدق في هذا الصدد (قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أميّة).

في ضوء الدراسات السابقة نستطيع أن نعرّف مشكلة ذلك العصر كما يلي.

__________________

(١) راجع قبله ، شكوى الإمام علي من تغيير الولاة قبله أحكام الإسلام بباب : «شكوى الإمام علي (ع) من تغيير السنّة النبوية» في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

٣٧٥

حال المسلمين في عصر الإمام الحسين (ع)

كان المسلمون في عاصمتي الإسلام مكة والمدينة وعاصمتي الخلافة الكوفة والشام يرون التمسك بالدين في طاعة الخليفة مهما كانت صفاته وفي كلّ ما يأمر ، ويرون في الخروج عليه شقا لعصا المسلمين ومروقا من الدين ، هذه كانت حالتهم وفيهم بقية ممن رأى رسول الله وسمع حديثه ، وفيهم التابعون باحسان ، وفيهم عليّة المسلمين.

وبالقياس إلى هؤلاء ، كيف كانت حال المسلمين في سائر الحواضر الإسلاميّة وبلاده النائية مثل من كان في أقاصي إفريقيا وإيران والجزيرة العربية ممّن لم يروا رسول الله (ص) ولم يصاحبوا أهل بيته أو خريجي مدرسته؟ أولئك المسلمين الذين كانوا يعرفون الإسلام من خلال ما يرونه في عاصمة الخلافة وبلاط الخليفة خاصة ويمثّل الإسلام في عرفهم الخليفة وسيرته!

وما أدراك ما الخليفة وما سيرته! الخليفة الذي لا يردعه رادع من دين عن نيل ما يشتهيه! الخليفة الذي يشرب الخمر ، ويترك الصلاة! ويضرب بالطنابير ويعزف عنده القيان ويلعب بالكلاب ويسمر عنده الخرّاب والفتيان.

٣٧٦

الخليفة الذي ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات (١).

الخليفة الذي يأمر بقتل سبط الرسول ويسبي بناته ويبيح حرم الرسول ويرمي الكعبة بالمنجنيق وينشد :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل (٢)

هذا هو الإسلام الذي كانوا يجدونه لدى خليفة الله وخليفة رسوله (٣).

وكان يقال للمسلمين في كل مكان : انّ التمسّك بالدين في طاعة هذا الخليفة.

إذا فقد تبيّن ان المشكلة يوم ذاك لم تكن مشكلة تسلط الحاكم الجائر كي يعالج بتبديله بحاكم عادل ، بل كانت مشكلة ضياع الأحكام الإسلاميّة ، وتديّن المسلمين بطاعة الخليفة مهما كانت أوامره ، ورؤيتهم لمقام الخلافة ، ومع هذه الحالة كان العلاج منحصرا بتغيير رؤية المسلمين هذه وعقيدتهم تلك كي تتيسّر بعد ذلك اعادة الأحكام الإسلاميّة من جديد ، وكان الانسان الوحيد الذي يستطيع أن ينهض بعبء هذا التغيير هو الإمام الحسين (ع) لمنزلته من رسول الله (ص) ومقامه منه ، ولما ورد في حقه من الآيات والأحاديث.

كان على هذا الإنسان مع تلك الميزات أن يختار يومئذ أحد أمرين لا ثالث لهما :

__________________

(١) هكذا وصفه أماثل أهل المدينة الذين وفدوا إليه وشاهدوه من قريب مع انه برهم وأكرمهم.

(٢) ذكرنا مصادر هذه الأخبار في ما سبق من هذا الكتاب.

(٣) كانت عصبة الخلافة تسمي الخليفة بخليفة الله كما مرّت الاشارة إليه ، وقد قال مروان بن أبي حفصة في وصف دفاع معن عن المنصور يوم الهاشمية :

ما زلت يوم الهاشمية معلنا

بالسيف دون خليفة الرحمن

مروج الذهب ٣ / ٢٨٦.

٣٧٧

إمّا أن يبايع يزيد ويحظى بعيش رغيد في الدنيا مع بقاء حبّ المسلمين واحترام كافّة الناس ايّاه وهو يعلم أنّ بيعته :

أولا ـ اقرار منه ليزيد على كلّ فجوره وكفره وتظاهره بهما!

وثانيا ـ إقرار منه للمسلمين في ما يعتقدونه في أمثال يزيد ممّن تربّع على دست الخلافة بالبيعة بأنّهم الممثّلون الشرعيون لله ورسوله وأنّ طاعتهم واجبة على كلّ حال وفي كل ما يأمرون!

وفي كلا الاقرارين قضاء على شريعة جدّه سيّد المرسلين ، وتؤول شريعته بعد ذاك مآل شريعة موسى وعيسى وشرايع سائر النبيين ، وبذلك كان سبط رسول الله يحمل آثام أهل عصره وآثام من جاء بعدهم إلى يوم القيامة ، فإنّه لم يكن قد بقي من الرسول سبط غير الحسين ، ولم يمهد لاحد ما مهّد له كما ذكرنا ، ولم يكن يأتي بعده من يصبح له شأن عند المسلمين كشأن الإمام الحسين (ع).

إذن فهو الإنسان الوحيد الذي أنيطت به تلك المهمّة الخطيرة مدى الدهر وعليه أن يختار أحد أمرين : إمّا أن يبايع ، وإمّا أن ينكر على يزيد أعماله ، وينكر على المسلمين كافّة اقرارهم أعمال يزيد ، وبذلك يغيّر ما كانوا عليه ويمكّن الأئمّة من بعده من أن يقوموا باحياء ما اندرس من شريعة جدّه. وهذا ما اختاره الإمام الحسين (ع) واستهدفه في قيامه واتّخذه شعارا لنفسه ، وسلك سبيلا يوصله إليه. كما نبيّنه في ما يلي.

٣٧٨

هدف الإمام الحسين (ع) وشعاره وسبيله

رفع الإمام شعار بطلان حكم الخلافة القائم وانّ فيه خطرا على الإسلام حيث قال :

«وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الامّة براع مثل يزيد».

قال ذلك في جواب من قال له :

بايع أمير المؤمنين يزيد فهو خير لك في الدارين.

قال ذلك في ظرف كان يقال له :

يا حسين ألا تتّقي الله تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الامّة! قال ذلك في ظرف قال له ابن عمر :

اتّق الله ولا تفرّق جماعة المسلمين (١).

في هذا الظرف قال الإمام الحسين (ع) :

والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية أبدا.

وكان مؤدّى هذا الشعار صحّة أمر الإمامة وبطلان أمر الخلافة القائمة ويتّضح ذلك بأجلى من هذا في وصيّته لأخيه محمّد ابن الحنفيّة حيث كتب

__________________

(١) الطبري ٦ / ١٩١.

٣٧٩

فيها :

«انّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي (ص) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب. فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين».

أسقط الإمام الحسين في هذه الوصيّة ذكر الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية وذكر سيرتهم ، وصرّح بأنّه يريد أن يسير بسيرة جدّه وأبيه.

وتتلخص سيرة الخلفاء في :

مجيئهم إلى الحكم استنادا إلى بيعة المسلمين ايّاهم كيف ما كانت البيعة ، ثمّ حكمهم المسلمين وفق اجتهاداتهم الخاصّة في الأحكام الإسلاميّة.

وتتلخّص سيرة أبيه وجدّه في :

حملهما الإسلام إلى الناس ، ودعوتهما الناس إلى العمل به ، ووقوفهما عند أحكام الإسلام ؛ كانت هذه سيرتهما في جميع الأحوال ، سواء أكانا حاكمين مثل عهد الرسول في المدينة والإمام عليّ بعد مقتل عثمان ، أو غير حاكمين مثل حالهما قبل ذلك ، فقد كان للرسول سيرة في مكة وللامام عليّ سيرة قبل أن يلي الحكم ، وسيرتهما في كلتا الحالين حمل الإسلام إلى الامّة ، أحدهما بلّغه عن الله والآخر عن رسوله.

في كلتا الحالين دعوا إلى الإسلام وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر.

والإمام الحسين (ع) يريد أن يسير بسيرتهما كذلك ، ولا يريد أن يسير بسيرة الخلفاء ، فمن قبله بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ، ومن ردّ عليه ذلك صبر حتّى يقضي الله بينه وبين عصبة الخلافة بالحق.

* * *

٣٨٠