معالم المدرستين - ج ٣

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ٣

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٤١

ب ـ الحسن وهو ما اتّصل سنده إلى المعصوم بامامي ممدوح من غير نصّ على عدالته ، مع تحقق ذلك في جميع الطبقات.

ج ـ الموثّق ويقال له : القوي أيضا وهو ما دخل في طريقه من نصّ الاصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته بان كان من احدى الفرق الإسلامية المخالفة للامامية وان كان من الشيعة.

د ـ الضعيف : وهو ما لا تجتمع فيه شروط أحد الثلاثة المتقدمة ؛ بان يشتمل طريقه على مجروح بالفسق ونحوه ، أو مجهول الحال أو ما دون ذلك ، كالوضاع (١).

* * *

اشتهرت القاعدة الآنفة منذ عصر العلّامة فما بعد ، وغالى بعض العلماء في اعتمادهم على هذه القاعدة ، وعرض جميع الاخبار والاحاديث عليها.

فعدّوا مثلا أحاديث من السيرة لا يصدّق محتواها ولا يمكن أن يقع في الخارج ـ بموجب هذا الميزان ـ صحيحة (٢).

كما ضعف هذا البعض عن قبول أحاديث صحيحة لا يصحّحها هذا الميزان.

وقابل اولئك جماعة من الاخباريين ، فشذّوا في تصحيحهم جميع ما ورد في الموسوعات الحديثية الأربع وما شاكلها (٣) ووقع هؤلاء في تهافت عجيب ، وكلا الجانبين ابتعدا عن الصواب في معرفة الحديث ، وليس ثمّة مجال للخوض في هذا البحث.

ومن نتائج التصنيف الأخير للحديث واعتمادهم المطلق عليه ؛ انّهم

__________________

(١) دراية الشهيد الثاني ص ١٩ ـ ٢٤ ، الباب الأول في أقسام الحديث.

(٢) راجع فصل «عبد الله بن سبأ في كتب الحديث» من عبد الله بن سبأ ـ ج ٢.

(٣) راجع الفائدتين التاسعة والعاشرة من خاتمة وسائل الشيعة.

٣٤١

وزنوا أحاديث الكافي بالجملة عليه وقالوا : ان الكافي يشتمل على تسعة وتسعين ومائة حديث وستة عشر الف حديث ، منها : ٥٠٧٢ حديثا صحيح. ١٤٤ حديثا حسن. ١١١٨ حديثا موثق. ٣١٢ حديثا قويّ. ٩٤٨٥ حديثا ضعيف (١). ١٦١٢١ المجموع.

يعتمد هذا التقسيم على تصنيف الروايات بالنظر إلى درجة رواتها بحسب الميزان المشهور منذ عهد العلّامة الحلّي ، ثمّ اعتمادا على معرفة علماء تلكم العصور بحال الرواة ، ومع غضّ النظر عن الموازين الّتي نقلناها عن الأئمة قبل هذا.

ومع كلّ ذلك فانّ الحوزات العلمية بمدرسة أهل البيت لم توصد باب البحث العلمي في يوم من الأيّام ، بل استمر جهدها المثمر مدى العصور في جهتين من الحديث.

أ ـ في المحافظة على نصوص الروايات المبينة للأحكام.

ب ـ في طرح البحوث العلمية حول أسانيد الاحاديث ومتونها ومنطوقها ومدلولها و...

وأخيرا فانّها خضعت لنتيجة ما وعته من نصوص الكتاب والسنّة ولم تجتهد في مقابلهما بتاتا.

__________________

(١) قال الشيخ يوسف البحراني في لؤلؤة البحرين ص ٣٩٤ قال بعض مشايخنا المتأخرين : أما الكافي فجميع «أحاديثه ...» وهكذا نقله النوري عن لؤلؤة البحرين في شرح حال الكليني من خاتمة المستدرك ٣ / ٥٤١. وقال النوري : والظاهر ان المراد من القوي ما كان بعض رجال سنده ، او كله الممدوح من غير الإمامي ، ولم يكن فيه من يضعف به الحديث ، وله اطلاق آخر ...

ويختلف الجمع الذي ذكره البحراني والنوري مع حاصل جمع هذه الارقام كما أوردناه في المتن ، وينقص (تسعة) عن المجموع الذي ذكره صاحب الروضات بترجمة الكليني ٦ / ١١٦ ، ويختلف عما في الذريعة ١٧ / ٢٤٥ فقد ذكر المجموع ستة عشر ألف حديث ، والموثق ١٧٨ ، وأراه من الخطأ في النسخ. وقد يكون هذا الاختلاف ، والاختلاف في المجموع الوارد في المتن نتيجة لحذف المكررات عند البعض.

٣٤٢

وبذلك حافظت على الأحكام الإسلامية من الضياع ، وتسلسلت أسانيدها إلى أئمة أهل البيت (ع) ، ومنهم إلى جدهم الرسول (ص) ، ومنه إلى جبرئيل إلى الباري ، ولنعم ما قال الشاعر :

ووال أناسا قولهم وحديثهم

روى جدنا عن جبرئيل عن الباري

٣٤٣
٣٤٤

الفصل الثالث

رأيا المدرستين في تقويم كتب الحديث

٣٤٥
٣٤٦

نختم بحوث مصادر الشريعة الإسلاميّة لدى المدرستين ببيان تقويمهما لكتب الحديث ونقول :

أ ـ تقويم كتب الحديث بمدرسة الخلفاء :

مرّ بنا في البحوث السابقة أن الخلفاء الأوائل منعوا نشر حديث الرسول (ص) ونهوا المسلمين عن كتابته ، وان النهي استمرّ حتى عصر عمر ابن عبد العزيز حين رفع الحضر عن تدوين حديث الرسول (ص) وأمر به ، فتسابق محدّثو مدرستهم بتدوين ما كان متداولا بينهم من الحديث ، وألفوا مختلف كتب الحديث ، ثم اشتهرت عندهم الكتب الستّة الآتية بالصحاح :

أ ـ صحيح البخاري ، تأليف محمد بن اسماعيل (ت : ٢٥٦ ه‍).

ب ـ صحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت : ٢٦١ ه‍).

ج ـ سنن ابن ماجة ، تأليف محمد بن يزيد القزويني (ت : ٢٧٣ ه‍).

د ـ سنن أبي داود تأليف سليمان بن الاشعث السجستاني (ت : ٢٧٥ ه‍).

٣٤٧

ه ـ سنن الترمذي تأليف محمد بن عيسى الترمذي (ت : ٢٧٩ ه‍).

و ـ سنن النسائي تأليف أحمد بن شعيب النسائي (ت : ٣٠٣ ه‍).

وبعضهم يجعل بدل سنن النسائي سنن الدارمي تأليف عبد الله بن عبد الرحمن (ت: ٢٥٥ ه‍) من الصحاح الستّة.

وكان نتيجة ذلك أن علماء مدرسة الخلفاء بتقليدهم العلماء الستة في تقويم الحديث ، أوصدوا باب البحث العلمي في تمحيص الاحاديث على مدرسة الخلفاء وقلّدوا العلماء الستة المذكورين خاصّة البخاري ومسلم حتى اليوم ، كما فعلوا ذلك في سدّ باب الاجتهاد (١) على مدرسة الخلفاء بتقليدهم العلماء الأربعة الآتية أسماؤهم :

أ ـ أبو حنيفة عتيك بن زوطي (٢) المعروف بالنعمان بن ثابت (ت : ١٥٠ ه‍).

ب ـ مالك بن أنس (ت : ١٧٩ ه‍).

ج ـ محمد بن ادريس الشافعي (ت : ٢٠٤ ه‍).

د ـ أحمد بن حنبل (ت : ٢٤١ ه‍).

ومن الحنابلة تفرّعت السلفية أتباع ابن تيميّة أحمد بن عبد الحليم (ت : ٧٢٦ ه‍).

ومن السلفية تفرّعت الوهابية أتباع محمد بن عبد الوهاب (ت : ١٢٠٦ ه‍).

كان ذلكم تقويم الحديث بمدرسة الخلفاء وأثره.

__________________

(١) إنهم أوصدوا ـ بسدّ باب الاجتهاد ـ باب استنباط الأحكام من الكتاب والسنّة كما هو متداول لدى فقهاء مدرسة أهل البيت (ع).

(٢) بترجمته في تاريخ بغداد : النعمان بن ثابت بن زوطي ، وكان زوطي مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة ، فاعتق ، فولاؤه لبني تيم الله. أصله من كابل. وزاد ابن خلكان بعد زوطي ابن ماه. وذكر الخطيب ان أبا حنيفة اسمه عتيك بن زوطرة فسمى نفسه النعمان وأباه ثابتا.

٣٤٨

ب ـ تقويم كتب الحديث بمدرسة أهل البيت :

نلخّص هنا ما سبق ذكره في هذا الباب ونضيف إليه ونقول :

انّ أوّل من دوّن الحديث في مدرسة أهل البيت هو الإمام علي (ع) حيث دوّن ما أملاه عليه رسول الله (ص) في كتب منها الجامعة التي كان طولها سبعون ذراعا في عرض الاديم ، ما على الأرض شيء يحتاج إليه الناس من أحكام الإسلام إلّا وهو فيه. ثم توارث الأئمة من ولده كتبه ورووا منها عن رسول الله (ص) لتلاميذهم ، ودوّنها من أصحابهم من دوّن ما سمعه في رسائل صغار ، وكان الشيخ الكليني (ت : ٣٢٩ ه‍) أوّل من ألّف بمدرسة أهل البيت موسوعة حديثية عامّة جمع فيها ما أمكنه من تلكم الرسائل ، ثم تلاه الشيخ الصدوق (ت : ٣٨١ ه‍) وألف كذلك مدينة العلم وهي مفقودة على أثر إحراق كتب أتباع مدرسة أهل البيت ومكتباتهم ومطاردتهم وتشريدهم. وختم تأليف الموسوعات الحديثية العامّة بمدرسة أهل البيت بموسوعة المجلسي (ت : ١١١١ ه‍) في الحديث وهو البحار ، والعوالم للبحراني (من تلامذة المجلسي) واهتمّ علماء مدرسة أهل البيت باحاديث الاحكام وعنوا بها عناية فائقة. وكان الشيخ الصدوق أوّل من ألّف موسوعة فقهية من الحديث سمّاها «من لا يحضره الفقيه» ، وتلاه في ذلك الشيخ الطوسي (ت : ٤٦٠ ه‍) وألّف الاستبصار والتهذيب. ثم اشتهر الكافي ومن لا يحضره الفقيه ، والتهذيب والاستبصار من الموسوعات الحديثية اشتهارا واسعا ، على انّ الذي ألّف بعدها جاء أوسع منها وأفضل تبويبا مثل الوسائل للشيخ الحرّ العاملي (ت : ١١٠٤ ه‍) وجامع أحاديث الشيعة للسيد حسين ابن علي البروجردي (ت : ١٣٨٠ ه‍). وهذا الأخير أكثر إتقانا وشمولا من كل ما سبقه ، غير انّ الفضل للمتقدّم.

٣٤٩

علماء أهل البيت (ع)

لا يقلدون السلف في الفقه ولا في دراية الحديث

تمتاز مدرسة أهل البيت (ع) على مدرسة الخلفاء بأنها لا تعتبر أيّ كتاب عدا كتاب الله من أوله إلى آخره صحيحا ، ولا تقلّد أيّ واحد من السلف الصالح من العلماء في ما اتّخذه من رأي فقهي أو ما اعتبره صحيحا من حديث مروي ، خلافا لما عليه مدرسة الخلفاء من تقليدهم العلماء الأربعة في الفقه وسدّهم باب الاجتهاد على غيرهم إلى اليوم ، وكذلك اعتبارهم ما ورد في الكتب الستة من الحديث صحيحا وخاصة ما في صحيح مسلم والبخاري ، وسدّهم بذلك باب البحث العلمي في دراية الحديث على أنفسهم إلى اليوم.

ويدلّك على ما ذكرنا بالنسبة إلى مدرسة أهل البيت انّ ما انتخبه العلامة الحلي الحسن بن يوسف (ت : ٧٢٦ ه‍) من حديث ، ودوّنه في عشرة أجزاء ، وسمّاه «الدرّ والمرجان في الاحاديث الصحاح والحسان» (١) ، وكذلك ما انتخبه من حديث صحيح حسب اجتهاده وجمعه في تأليف وسمّاه «النهج الوضاح في الاحاديث الصحاح» (٢) ، وما انتخبه الشيخ حسن

__________________

(١) راجع ترجمة الكتاب في حرف الدال من الذريعة.

(٢) راجع ترجمة الكتاب في حرف النون من الذريعة.

٣٥٠

(ت : ١٠١١ ه‍) ابن الشهيد الثاني من حديث مقتفيا أثر العلامة وسمّاه «منتقى الجمان في الاحاديث الصحاح والحسان» (١) لم تتداول في الحوزات العلمية ، ولم يعتدّ بها العلماء ، وانما اعتبروا عملهما اجتهادا شخصيا ، رغم اشتهار سائر مؤلفاتهما لديهم وتداولها بينهم حتى اليوم ، مثل كتاب معالم الأصول للشيخ حسن الذي بقي منذ عصر مؤلفه إلى اليوم أول كتاب دراسي يدرسه طلاب اصول الفقه ، ودرسه عامّة الفقهاء في سلّم الدراسات الاصولية ، ومن جرّاء ذلك اشتهر مؤلفه بين العلماء بصاحب المعالم ، ومع ذلك نسيت مؤلفاتهم في صحاح الاحاديث وحسانها ، ولعلّ في العلماء بمدرسة أهل البيت من لم يسمع بأسماء كتبهم في صحاح الاحاديث وحسانها فضلا عن التمسّك بما ورد فيها من حديث بعنوان الصحيح والحسن.

__________________

(١) راجع رجال المامقاني ، ط. النجف الأولى ١ / ٢٨١ وترجمة الكتاب في حرف الميم من الذريعة.

٣٥١
٣٥٢

باب استنباط الأحكام الفقهية

من السنّة النبوية

٣٥٣
٣٥٤

تقويم أحاديث الكتب الأربعة

انّ مدرسة أهل البيت لم تعتبر جميع أحاديث الكتب الأربعة : الكافي والفقيه والاستبصار والتهذيب ، صحيحة كما هو الشأن لدى مدرسة الخلفاء بالنسبة إلى صحيحي مسلم والبخاري ، وانّ أقدم الكتب الأربعة زمانا وأنبهها ذكرا وأكثرها شهرة هو كتاب الكافي للشيخ الكليني ، وقد ذكر المحدّثون بمدرسة أهل البيت انّ فيها خمسة وثمانين وأربعمائة وتسعة آلاف حديث ضعيف من مجموع ١٦١٩٩ حديثا ، وإذا رجعت إلى شرح الكافي المسمّى بمرآة العقول وجدت مؤلفه المجلسي ـ أحد كبار علماء الحديث ـ يذكر لك في تقويمه أحاديث الكافي ضعف ما يراه منها ضعيفا ، وصحة ما يرى منها صحيحا ، ووثاقة ما يرى منها موثقا أو قويا باصطلاح أهل الحديث.

وقد ألّف أحد الباحثين في عصرنا صحيح الكافي (١) واعتبر من مجموع

__________________

(١) صحيح الكافي ، تأليف محمد باقر البهبودي ، ط. بيروت سنة ١٤٠١ ه‍.

ولمّا كان المؤلف قد اعتمد في عمله على الأقوال المنقولة عن كتاب الرجال المنسوب إلى ابن الغضائري أبي الحسين أحمد بن الحسين (كان معاصرا للنجاشي والطوسي) وعلماء الدراية والرجال ينكرون وجود كتاب كهذا لابن الغضائري ، لهذا لم يلق عمله المذكور القبول في الحوزات العلمية.

راجع حرف الراء من الذريعة بترجمة رجال ابن الغضائري ١٠ / ٨٧ ـ ٨٩ ، وحرف التاء بترجمة كتاب تفسير العسكري ٤ / ٢٨٨ ـ ٢٩١ ، وفصل «التشكيك في نسبة الرجال إلى ابن الغضائري» الحكم ـ

٣٥٥

١٦١٢١ حديثا من أحاديث الكافي ٤٤٢٨ حديثا صحيحا وترك ١١٦٩٣ حديثا منها لم يرها حسب اجتهاده صحيحة.

وما ذكرناه يدلّك على أن مدرسة أهل البيت لا تعتبر أيّ كتاب حديث لديها صحيحا ، سواء الكافي منها وما دونه شهرة ، وبعده زمانا.

وانها تؤمن بأن كتاب الله القرآن وحده صحيح من الجلد إلى الجلد ولا شريك له في الصحة.

قول مجهول قائله

أما ما قيل من أنّ المهدي (ع) قال : انّ الكافي كاف لشيعتنا ، فانّه قول مجهول راويه ولم يسمّ أحد اسمه ، ويدلّ على بطلانه تأليف مئات كتب الحديث بمدرسة أهل البيت بعد الكافي مثل : من لا يحضره الفقيه ، ومدينة العلم ، والتهذيب ، والاستبصار والبحار ، ووسائل الشيعة ، وجامع أحاديث الشيعة ، إلى غيرها.

الأحاديث الصحيحة لدى فقهاء مدرسة أهل البيت

بما انّ أتباع مدرسة أهل البيت لم يسدّوا باب الاجتهاد ـ أي استنباط الأحكام من الكتاب والسنّة ـ ، كما فعل ذلك أتباع مدرسة الخلفاء ، فانهم بحاجة مستمرة إلى دراسة آيات الاحكام من كلام الله ، ودراسة أحاديث الأحكام المنتهية إلى رسول الله (ص).

وفي صدد ذلك جمعوا آيات الأحكام في رسائل خاصة مثل : كنز العرفان في فقه القرآن للسيوري (ت : ٨٢٦ ه‍) ، ومسالك الافهام إلى آيات الأحكام لجواد الكاظمي (توفي أواسط القرن الحادي عشر الهجري) ، ثم

__________________

ـ عليه بالوضع والاختلاق من المقدّمة السادسة بمعجم رجال الحديث ١ / ١٠٢.

٣٥٦

عنوا بدراستها لدراية منطوقها ومفهومها ، خاصها وعامها ، محكمها ومتشابهها ، إلى غير ذلك من الدراسات ، واستنبطوا منها الاحكام الشرعية التي دوّنوها في كتبهم الفقهية.

وكذلك جمعوا الاحاديث المروية بواسطة الصحابة المؤمنين وأئمة أهل البيت الاطهار في موسوعات كبيرة مثل الفقيه والاستبصار والتهذيب والوسائل وجامع أحاديث الشيعة ، ثم عنوا بدراسة أسانيد أحاديثها لمعرفة قويها من ضعيفها وصحيحها من سقيمها ، ودراسة متونها لمعرفة عامها وخاصها ، مجملها ومبيّنها ورجحان ما تعارض منها ، ثم أثبتوا الأحكام التي استخرجوها مما صحّ عندهم من تلك الاحاديث في كتب فقهيّة ، مثل النهاية للشيخ الطوسي ، والمختصر النافع وشرايع الإسلام للمحقق الحلي (ت : ٦٧٦ ه‍) ، واللمعة للشهيد الأول (ت : ٧٨٦ ه‍) ، وشرحها للشهيد الثاني (ت : ٩٦٥ ه‍) وجواهر الكلام في شرح شرايع الإسلام للشيخ محمد حسن (ت : ١٢٦٦ ه‍) إلى نظائرها.

ويتّضح ممّا ذكرنا انّ علماء مدرسة أهل البيت لم يجروا في دراستهم الرسميّة الحوزوية على غير أحاديث الأحكام دراسات لتمحيص الأحاديث ، وأن الأحاديث التي جمعوها (في مثل الوسائل وجامع أحاديث الشيعة) انّما جمعوها ليجري الفقيه عليها دراساته لمعرفة الاحاديث الصحيحة منها ، ثم استنباط الأحكام ممّا ثبت عندهم صحّتها منها.

إذا فالأحاديث الصحيحة عند فقهاء الشيعة هي التي استخرجوا منها المسائل الفقهية المدوّنة في الكتب الفقهية المذكورة آنفا ، ومن ثمّ ثبت انّ العلماء لم يجروا أي دراسة حوزوية على أحاديث السيرة ، سواء سيرة الأنبياء السابقين ، أو خاتم الأنبياء وصحابته ، أو الأئمة وأصحابهم ، وروايات التاريخ الإسلامي العام ، ولا على أحاديث تفسير القرآن الكريم والادعية والأخلاق ،

٣٥٧

وكذلك أغلب أحاديث الأعمال المستحبّة ، وتجدهم يعوّلون في هذه المباحث على روايات ورواة لا يعوّلون عليها ولا عليهم في المباحث الفقهية ، بل يطرحونها ويسقطونها من الاعتبار. ولو سألت أحدهم : هل صحّ عندك جميع ما أوردت في هذا البحث غير الفقهي من حديث؟ لأجابك بالنفي وقال : انه ليس من مباحث الأحكام الشرعيّة وانّما هو من أبواب المعارف الإسلاميّة ، والأمر فيه هيّن.

ومن ثمّ يخرجون في مباحث التفسير والسيرة والأدعية والأخلاق والاعمال المستحبة روايات عن رواة لا يروون عنهم في أبواب الفقه ، وقد أكثروا في هذه المباحث من ايراد روايات مدرسة الخلفاء ممّا تخالف الواقع وانتقدوا عليها ، دون أن يعلم الناقد ان النقد انما يتّجه إلى روايات مدرسة الخلفاء فيها وليس إلى روايات مدرسة أهل البيت. وإليك ثبتا بذلك فيما يأتي.

٣٥٨

انتشار أحاديث مدرسة الخلافة

لدى أتباع مدرسة أهل البيت

أوردنا في الجزء السابع من «نقش ائمه در احياء دين» (١) الأحاديث التي خرجها الشيخ المفيد (ت : ٤١٣ ه‍) من أحاديث سيف بن عمر الزنديق من رواة أحاديث السيرة والتاريخ بمدرسة الخلفاء.

وذكرنا بعض ما اعتمده الشيخ الطوسي من رواياتهم بترجمة القعقاع من رجاله وانتشر منه إلى رجال الاردبيلي (ت : ١١٠١ ه‍) والقهبائي (كان حيّا سنة ١٠١٦ ه‍) والمامقاني (ت : ١٣٥١ ه‍).

وانّ بعض ما أخرجه الشيخ الطوسي ـ أيضا ـ من رواياتهم في تفسيره التبيان انتشرت منه إلى تفسير : أبي الفتوح الرازي (ت : ٥٥٤ ه‍) ومنه إلى تفسير كازر (ت : ٧٢٢ ه‍) ومنه إلى تفسير الكاشاني (ت : ٩٨٨ ه‍).

وانّ من «إحياء علوم الدين» للغزالي (ت : ٥٠٥ ه‍) انتشر حديث موضوع عن سيرة رسول الله إلى «جامع السعادات» لمهدي النراقي (ت : ١٢٠٩ ه‍) ومنه إلى «معراج السعادة» لابنه أحمد النراقي

__________________

(١) راجع في ما نقلناه إلى هنا : «نقش ائمه» فارسى ٧ / ٦١ ـ ٧٥ ، ط. طهران سنة ١٤٠٤ ه‍ ١٣٦٣ ش. وقد ترجم إلى العربية باسم «قيام الأئمة باحياء السنة».

٣٥٩

(ت : ١٢٤٥ ه‍).

وانّ ابن طاوس (ت ٦٦٤ ه‍) اعتمد في كتاب دعائه «المجتنى» على رواية نقلها من تاريخ ابن الاثير (ت : ٦٣٠ ه‍) والتي كان قد نقلها من رواية سيف الزنديق بتاريخ الطبري.

وان المجلسي الكبير (ت : ١١١١ ه‍) أخرج في أبواب سيرة رسول الله (ص) ومقتل الإمام علي ووفاة فاطمة بكتاب البحار ٢٦٤ صفحة من روايات كتب أبي الحسن البكري (ت : منتصف القرن الثالث الهجري) (١).

واستنسخ الشيخ الحرّ العاملي (ت : ١١٠٤ ه‍) كتاب البكري المذكور وألحقه بآخر كتاب «عيون المعجزات» (٢) للشيخ حسين بن عبد الوهاب.

* * *

هكذا انتشر في غير الأبواب الفقهية من كتب علماء مدرسة أهل البيت لشيء الكثير

من الأحاديث الضعيفة ، وسبّب ايراد النقد الكثير عليهم ، ومن ثمّ يرد هذا السؤال : انه ما المبرر لهم في تدوين الأحاديث الضعيفة في غير أبواب الفقه من كتبهم؟ وفي ما يأتي جوابهم على هذا السؤال :

الأمانة العلمية لدى علماء مدرسة أهل البيت

لمّا لم يكن علماء مدرسة أهل البيت بصدد تدوين الحديث الصحيح في كتبهم ـ كما هو شأن مؤلفي الصحاح بمدرسة الخلفاء وخاصة في غير الأبواب

__________________

(١) هو أحمد بن عبد الله بن محمد من أولاد الخليفة الأول أبي بكر قال الذهبي بترجمته : «واضع القصص التي لم تكن قطّ» وهو غير أبي الحسن البكري محمد بن محمد بن عبد الرحمن المتوفى ٩٥٤ ه‍ ، وترجمته في الاعلام للزركلي ٧ / ٢٨٥.

راجع ترجمة أحمد بن عبد الله في ميزان الاعتدال رقم الترجمة ٤٤٠ ولسان الميزان رقم الترجمة ٦٣٩ والاعلام للزركلي ١ / ١٤٨.

(٢) راجع «نقش أئمة» ٧ / ٧٠.

٣٦٠