معالم المدرستين - ج ٣

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ٣

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٤١

الجانية الفانية أحقر عباد الله محمّد باقر بن محمّد تقي عفي عنهما حامدا مصليا.

ب ـ الاجازة الثانية منه كذلك ، في آخر الجزء الثاني من الكافي المخطوط حسب تجزئتهم ، والذي يقابل ١ / ٣٦٧ ط. طهران مؤرّخة بتاريخ ستة أشهر بعد الأولى قال فيها : أنهاه ... في مجالس آخرها بعض أيّام شهر ذي القعدة سنة ثلاث وثمانين بعد الألف من الهجرة وأجزت له ـ دام تأييده ـ أن يروي ...

ج ـ والثالثة في آخر كتاب الحجّة منه وما يقابل ١ / ٥٤٨ ط. طهران مؤرخة بتاريخ خمسة أشهر بعد الثانية ، قال فيها : أنهاه ... في مجالس آخرها أواخر شهر ربيع الثاني ، سنة أربع وثمانين وأجزت له ـ زيد فضله ـ أن يروي ...

د ـ والرابعة بآخر كتاب الايمان منه وما يقابل ٢ / ٤٦٤ ط. طهران منحت بعد سنتين وعشرة أشهر من صدور الثالثة ، قال فيها : أنهاه ... في مجالس آخرها شهر محرّم الحرام من شهور سنة سبع وثمانين بعد الألف الهجرية.

ه ـ والخامسة في آخر كتاب العشرة منه وما يقابل ٢ / ٦٧٤ ط. طهران منحت بعد ثلاثة أشهر وثلاثة أيّام من تاريخ الرابعة ، قال فيها : انهاه ... في مجالس آخرها ثالث جمادى الاولى من شهور سنة سبع وثمانين بعد الألف هجرية ، فاجزت له ـ دام تأييده ـ أن يروي ...

في الاجازات السابقة وجدنا في بعضها تصريحا بتسلسل قراءة شيخ على شيخ حتى تنتهي القراءة على مؤلف الكتاب.

وفي بعضها تعبيرا عن ذلك حسب مصطلحهم في علم الحديث ، وفي بعضها تعيينا لزمان القراءة ومكانها وانّه أنهى الكتاب قراءة أو سماعا.

٣٢١

ووجدنا ذلك معمولا به منذ عصر أصحاب الكافي والفقيه والتهذيب وبقي معمولا به كذلك حتى عصر المجلسي صاحب البحار.

ومن كلّ ذلك ثبت عندنا تداول الكتب الأربعة في أيدي الطلبة بلا انقطاع منذ تأليفها حتّى اليوم.

وقلنا حتّى اليوم لاننا نعلم استمرار رجوع فقهاء مدرسة أهل البيت في استنباط الاحكام الشرعية إليها عبر القرون وإلى يومنا الحاضر.

فإذا أراد أحد فقهاء هذه المدرسة أن يصدر رسالة فقهيّة رجع إلى الكافي والتهذيب والاستبصار والوسائل واستند إلى أحاديثها في ما يصدر من فتوى.

وقد مرّ بنا كيف أخذ أولئك المشايخ الحديث من الاصول والمدوّنات الحديثية الصغيرة وألفوا منها كتبهم.

وانّ أصحاب تلك الاصول والمدوّنات كانوا قد أخذوا أحاديثها من أئمة أهل البيت.

وانّ أئمة أهل البيت حدّثوا عن الجامعة التي أملاها رسول الله وكتبها علي بخطّه.

* * *

هكذا أصبحت الموسوعات الحديثية الأربع منذ تأليفها وإلى عصرنا الحاضر محور البحوث الفقهية بمدرسة أهل البيت ، يرجع إليها فقهاؤهم لاستكشاف سنّة الرسول في الاحكام ومنها يستنبطون أحكام الاسلام بعد القرآن.

وقد مرّ بنا ان الموسوعات الحديثية الأربع أخذت الحديث من الاصول والمدوّنات الحديثية الصغيرة ، وانّ الاصول والمدوّنات الحديثية الصغيرة كانت قد أخذت الحديث من أئمة أهل البيت.

وانّ أئمة أهل البيت كانوا يتبرّءون من القول بالرأي وانّما كانوا

٣٢٢

يعتمدون جامعة الإمام علي في بيان الاحكام.

وانّ جامعة الامام علي كان قد أملاه رسول الله على الإمام وكتبه الإمام علي بخطّه.

وفي مقابل هذا وجدنا مدرسة الخلفاء تعتمد الاجتهاد ، وانّ الخلفاء كانوا يتأوّلون في مقابل النصوص الواردة في الشرع الإسلامي ، ويعتمدون الرأي في بيان أحكام الإسلام.

ويوضح الجدول الآتي اتّجاه مدرسة أهل البيت في أخذ سنّة الرسول :

مدرسة أهل البيت

٣٢٣
٣٢٤

الفصل الثاني

تقويم كتب الحديث بمدرسة أهل البيت (ع)

٣٢٥
٣٢٦

أخطاء في نسخ كتب الحديث

ومع تسلسل الاسناد في جوامع الحديث بمدرسة أهل البيت إلى رسول الله (ص) كما شاهدنا فانّ فقهاء مدرستهم لم يسمّوا أيّ جامع من جوامع الحديث لديهم بالصحيح ـ كما فعلته مدرسة الخلفاء وسمّت بعض جوامع الحديث لديهم بالصحاح ـ ، ولم يحجروا بذلك على العقول ، ولم يوصدوا باب البحث العلمي في عصر من العصور ، وانّما يعرضون كلّ حديث في جوامعهم على قواعد دراية الحديث ، ويخضعون لنتائج تلك الدراسات ، ذلك لانّهم يعلمون انّ رواة تلك الاحاديث غير معصومين عن الخطأ والنسيان اللذين يعرضان لكلّ بشر لم يعصمه الله ، وفعلا قد وقع الخطأ في أشهر كتب الحديث بمدرسة أهل البيت وهو كتاب الكافي مثل ما ورد في الأحاديث الخمسة المرقمة : ٧ و ٩ و ١٤ و ١٧ و ١٨ من كتاب الحجّة بالكافي في باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم كما نشرحه في ما يلي :

أولا : الحديثان السابع والرابع عشر :

في كلا الحديثين في اصول الكافي : بسنده عن ابن سماعة ، عن عليّ بن الحسين بن رباط ، عن ابن اذينة ، عن زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر (ع)

٣٢٧

يقول : الاثنا عشر الإمام من آل محمّد (ع) كلّهم محدث من ولد رسول الله (ص) (١) ، ومن ولد علي ؛ فرسول الله وعليّ هما الوالدان.

وفي لفظ الحديث السابع بعده «فقال علي بن راشد ...» الحديث.

ومغزى هذين الحديثين : أن يكون عدد الأئمة من أهل البيت ثلاثة عشر : الإمام علي مع اثني عشر إماما من ولده.

بينما نقل هذه الرواية عن الكافي المفيد في الارشاد ، والطبرسي في إعلام الورى ولفظهما كما يلي : الاثنا عشر الأئمة من آل محمّد كلّهم محدّث : عليّ ابن أبي طالب ، وأحد عشر من ولده ، ورسول الله وعليّ هما الوالدان (ع).

وأخرج الرواية عن الكليني أيضا الصدوق في كتابه : عيون أخبار الرضا والخصال ولفظه كما يلي : اثنا عشر إماما من آل محمّد كلّهم محدّثون بعد رسول الله ، وعليّ بن أبي طالب منهم (٢).

نتيجة البحث والمقارنة :

يظهر من استعراضنا الحديث عن الكافي ومن أخذ منه ، أي الشيخ الصدوق والمفيد والطبرسي ، انّ النسّاخ قد أخطئوا في كتابة الحديث في الكافي بعد عصر الشيخ المفيد ، ولم نقل بعد عصر الطبرسي ، لانّ الطبرسي يأخذ اخباره في اعلام الورى من كتاب الارشاد للمفيد ، وينسج فيه على منواله.

__________________

(١) وجهه المجلسي في مرآة العقول ٦ / ٢٢٣ وقال : أي أكثرهم من ولد رسول الله.

(٢) الحديث السابع في الكافي ١ / ٥٣١ عن محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد الخشاب ، عن ابن سماعة ... والحديث الرابع عشر ١ / ٥٣٣ ولفظ سنده : أبو علي الأشعري ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن علي بن سماعة ... ، وفي الارشاد ص ٣٢٨ بسند الحديث الرابع عشر ، وفي إعلام الورى ص ٣٦٩ ، وفي عيون أخبار الرضا ١ / ٥٦ ، والخصال ص ٤٨٠ كلاهما عن الكليني بسند حديثه الرابع عشر.

٣٢٨

ثانيا : الحديث التاسع :

بسنده عن محمّد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر (ع) ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : دخلت على فاطمة (ع) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها ، فعددت اثني عشر آخرهم القائم (ع) ثلاثة منهم محمّد وثلاثة منهم علي.

ونقل الحديث عن الكافي بهذا اللفظ المفيد في الارشاد وتبعه الطبرسي في اعلام الورى.

ومغزى الحديث بهذا اللفظ في الكتب الثلاثة أن يكون عدد الائمة أوصياء النبي ثلاثة عشر : الإمام علي مع اثني عشر من بنيه من ولد فاطمة.

بينا نرى الصدوق الذي يروي نفس الحديث باسناده ، ولا ينقله عن الكافي ، يخرجه في عيون أخبار الرضا بسندين ، وفي اكمال الدين بسند واحد ، عن محمّد بن الحسين ، ثمّ يجتمع سنده مع سند الكافي إلى جابر ثم يروي عنه انّه قال : دخلت على فاطمة (ع) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء ، فعددت اثني عشر ، آخرهم القائم ، ثلاثة منهم محمّد وأربعة علي (١).

__________________

(١) أ ـ الكافي ١ / ٥٣٢ وهذا لفظ السند عنده : محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين.

ب ـ الارشاد للمفيد ص ٣٢٨ ولفظ سنده أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، ... وفي لفظ أسماء الأوصياء والأئمة.

ج ـ إعلام الورى ص ٣٦٦ ، ولفظ رواه محمد بن يعقوب الكليني ... وآخره «وأربعة منهم علي».

د ـ عيون أخبار الرضا للصدوق ١ / ٤٦ و ٤٧ ، ولفظ سند الحديث الثاني. حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار (رض) ؛ قال : حدثنا أبي ، عن محمد بن الحسين ... ولفظ سند الحديث الثاني. حدثنا الحسين بن أحمد بن ادريس (رض) ، قال : حدثنا أبي ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم جميعا ، عن الحسن بن محبوب ... ، وبهذا السند في اكمال الدين ١ / ٢١٣. وفي مرآة العقول ٦ / ٢٢٨ من ولدها أي الأحد عشر أو على المجاز وأشار إلى التصحيف في «ثلاثة منهم علي».

٣٢٩

نتيجة البحث والمقارنة :

ظهر انّ في نسخة الكافي ورد «من ولدها» وهي زائدة ، وورد «ثلاثة منهم عليّ» محرّفة ، وانّ الشيخ المفيد نقل عنه في الارشاد كذلك ، وانّ الصواب ما ورد في لفظ الرواية عند الشيخ الصدوق في العيون والخصال «أربعة منهم علي» وبدون زيادة «من ولدها».

ثالثا ورابعا : الحديثان ١٧ و ١٨ من كتاب الحجّة :

وقد رواهما الكليني عن أبي سعيد العصفري : (ت : ١٥٠ ه‍) وبحثنا عن أبي سعيد العصفري فوجدنا الشيخ يقول عنه في الفهرست :

عباد أبو سعيد العصفري ، له كتاب أخبرنا به جماعة عن التلعكبري عن ابن همّام ، عن محمّد بن خاقان النهدي ، عن محمّد بن علي أبي سمينة ، عن أبي سعيد العصفري ، واسمه عبّاد.

وقال النجاشي : كوفي ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن عمران ، قال : حدّثنا محمّد بن همّام قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن أحمد بن خاقان النهدي ، قال : حدّثنا أبو سمينة بكتاب عبّاد (١).

وبحثنا عن كتابه فوجدنا صاحب الذريعة (٢) يقول :

أصل عباد العصفري أبي سعيد الكوفي هو من الاصول الموجودة ، ووجدناه يقول عن هذا الاصل وأصل عاصم : استنسخ من نسخة الوزير منصور بن الحسن الآبي ، وهو كتبها عن أصل محمّد بن الحسن القمي الذي رواه عن أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري سنة ٣٧٤ ه‍.

__________________

(١) مجمع الرجال ٣ / ٢٤٢.

(٢) الذريعة ٢ / ١٦٣ في بحثه عن الاصول.

٣٣٠

ووجدنا الشيخ النوري يبحث في مستدركه عن أصل أبي سعيد بتفصيل واف ، ويقول: فيه تسعة عشر حديثا ، ثمّ يصف أحاديثه ، وينقل تراجم أبي سعيد عن مختلف كتب الرجال (١).

ووجدنا نسخة خطية من أصل العصفري بنفس الاوصاف التي وردت عنه في المستدرك والذريعة بالمكتبة المركزية لجامعة طهران ضمن مجموعة باسم الاصول الاربعمائة (٢).

فقارنّا بين الحديثين في أصل العصفري هذا ، ونسخة الكافي الموجودة لدينا ، فوجدنا ما يلي :

أ ـ الحديث السابع عشر :

في الكافي :

١٧ ـ محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن الحسين ، عن أبي سعيد العصفوري (٣) عن عمرو بن ثابت ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «اني واثني عشر من ولدي (٤) وأنت يا علي زرّ الأرض ـ يعني أوتادها وجبالها ـ بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها ، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ، ولم ينظروا» (٥).

__________________

(١) مستدرك الوسائل ٣ / ٢٩٩ ـ ٣٠٠ في الفائدة الثانية في شرح حال الكتب.

(٢) نسخة «كتابخانه اهدائي مشكاة به كتابخانه مركزى دانشكاه تهران» ضمن المجموعة المسماة : الاصول الأربعمائة والمرقمة ٩٦٢ الرسالة الثانية.

(٣) في نسخة الكافي لدينا «العصفوري» تحريف.

(٤) وفي مرآة العقول ٦ / ٢٣٢ : روى الشيخ في كتاب الغيبة بسند آخر «إني واحد عشر من ولدي» وهو أظهر.

(٥) الكافي ١ / ٥٣٤.

٣٣١

وفي أصل العصفري : عبّاد ، عن عمرو ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر (ع) قال : قال رسول الله (ص) : اني وأحد عشر من ولدي وأنت يا علي زرّ الأرض ـ يعني أوتادها [و] (١) جبالها ـ [بنا أوتد الله] (٢) الأرض أن تسيخ بأهلها ، فإذا ذهب الأحد عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا (٣).

نتيجة المقارنة :

و «اثني عشر من ولدي» و «الاثنا عشر من ولدي» في نسخة الكافي تحريف والصواب ما ورد في أصل العصفري : و «أحد عشر من ولدي» و «والاحد عشر من ولدي» والذي يروي الكليني الحديث عنه.

ب ـ الحديث الثامن عشر :

ورد في الكافي : ١٨ ـ وبهذا الاسناد ، عن أبي سعيد رفعه ، عن أبي جعفر ، قال : قال رسول الله (ص) : من ولدي اثنا عشر نقيبا ، نجباء محدّثون ، مفهمون ، آخرهم القائم بالحق يملأها عدلا كما ملئت جورا (٤).

وفي اصل العصفري : عبّاد ، رفعه إلى أبي جعفر ، قال : قال رسول الله (ص) : من ولدي أحد عشر نقباء ، نجباء ، محدثون ، مفهمون ، آخرهم القائم بالحق ، يملؤها عدلا كما ملئت جورا (٥).

__________________

(١) في نسخة الاصول سقط [و].

(٢) في نسخة الاصل [وقال وتد] تحريف.

(٣) أصل العصفري ، الحديث ٦.

(٤) الكافي ١ / ٥٣٤.

(٥) أصل العصفري ، الحديث ٤.

٣٣٢

نتيجة المقارنة :

ما ورد في نسخة الكافي (اثنا عشر) تحريف وما ورد في أصل العصفري (أحد عشر) هو الصواب.

ولا يحتاج هذا البيان إلى استدلال عليه لانّ الكليني انّما روى في الكافي عن أصل العصفري ، ونرى انّ الخطأ من قلم النسّاخ.

ولفظ سندي الحديثين من التلعكبري راوي هذا الاصل عن عباد العصفري فهو الذي يقول في صدري الحديثين (عبّاد) وهو الذي يقول : في سند الحديث الثاني (عبّاد ، رفعه) كما ورد في الاصل ، وفي نسخة الكافي.

٣٣٣

أئمة أهل البيت يعيّنون مقاييس لمعرفة الحديث

هكذا يقع الخطأ في رواية الحديث وغيره ، ولم يعصم الله أي كتاب من الباطل عدا كتابه العزيز الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) (١).

أضف إليه انّه قد كذب على رسول الله ، وكذلك كذب على الأئمة من أهل بيته ، وانتشر الحديث المكذوب على رسول الله والأئمة من أهل بيته في كتب الحديث واختلط الحقّ بالباطل والصحيح بالزائف ، فعالج أئمة أهل البيت هذا وذاك بأمرين :

أولا ـ التشهير بالكذابين ممّن يروون الحديث وطردهم ولعنهم أمثال أبي الخطّاب محمّد بن أبي زينب الكوفي (٢) ، والمغيرة بن سعيد (٣) ، وبنان بن بيان (٤) ، وغيرهم.

ثانيا ـ وضع قواعد وموازين خاصّة لمعرفة سليم الحديث من سقيمه ،

__________________

(١) سورة فصلت / ٤٢.

(٢) مجمع الرجال ٥ / ١٠٦ ـ ١١٥.

(٣) مجمع الرجال ٦ / ١١٧ ـ ١٢١.

(٤) مجمع الرجال ٦ / ١١٧.

٣٣٤

مثل :

أ ـ ما رواه الإمام أبو عبد الله الصادق (ع) عن جدّه الرسول (ص) ، قال : خطب النبيّ بمنى فقال «أيّها الناس! ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فانا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم اقله» (١).

ب ـ ما ورد في كتاب الإمام علي لمالك الاشتر : .. «فان تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول» فالرّاد إلى الله الآخذ بمحكم كتابه والرّاد إلى الرسول الآخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة (٢).

ج ـ ما قاله الإمام الباقر (ع) : إذا جاءكم عنّا حديث فوجدتم عليه شاهدا ، أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به ، وإلّا فقفوا عنده ، ثمّ ردّوه إلينا حتّى يستبين لكم (٣).

د ـ ما ورد عن الإمام الصادق (ع) :

١ ـ إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردّوه ... (٤).

٢ ـ كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة ، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف (٥).

٣ ـ أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ، انّ الكلمة لتنصرف على وجوه (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ / ٧٩ ، ح ١٥ من الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، عن المحاسن.

(٢) نهج البلاغة في كتاب الإمام لمالك الاشتر ، والوسائل ١٨ / ٨٦ ، ح ٣٨. غير المفرقة : أي السنّة التي اجتمعت عليها الأمة.

(٣) الكافي ٢ / ٢٢٢ ، ح ٤ ، ووسائل الشيعة ١٨ / ٨٠ ، ح ١٨.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ / ٨٤ ، ح ٢٩.

(٥) وسائل الشيعة ١٨ / ٧٩ ، ح ١٤ ، والزخرف : الباطل المموّه.

(٦) معاني الأخبار ص ١ ، ح ١ ، ووسائل الشيعة ١٨ / ٨٤.

٣٣٥

ورد أمثال هذا أحاديث كثيرة عن أئمة أهل البيت ، ووردت عنهم أيضا أحاديث يشيرون فيها إلى : الأخذ بما يخالف رأي مدرسة الخلفاء.

ورد عن الإمام الصادق (ع) في تعليل ذلك أنّه قال : أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامّة؟ فقلت : لا أدري فقال : إنّ عليّا (ع) لم يكن يدين الله بدين إلّا خالف عليه الأمّة إلى غيره إرادة لابطال أمره وكانوا يسألون أمير المؤمنين (ع) عن الشيء الّذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّا من عندهم ليلبسوا على النّاس (١).

ومن بحث سيرة معاوية وجد فيها الادلة الكافية على ما قاله الإمام وبالإضافة إلى ذلك ، فانّ في ما مضى من بحوث موارد الاجتهاد بمدرسة الخلفاء من هذا الكتاب أدلّة وافرة على اعتماد مدرسة الخلفاء في بيان أحكام الإسلام على الرأي والاجتهاد في مقابل سنّة الرسول.

ومر علينا ـ أيضا ـ في أول الجزء الثاني تحت عنوان «كيف وجد الحديثان المتناقضان» وفي آخر باب «المجتهدون في القرن الأوّل وموارد اجتهادهم» كيف كانوا يضعون الاحاديث تأييدا لمواقف الخلفاء ، وكذلك نجد مزيد إيضاح لذلك في ما ورد بآخر الجزء الأول ، في بحث اتجاه السلطة زهاء ثلاثة عشر قرنا.

وعلى ما ذكرنا في هذه البحوث من الصحيح أن نترك من الحديثين المتعارضين ما وافق اتجاه مدرسة الخلفاء (٢).

ولمّا كان أتباع مدرسة الخلفاء كثيرا ما يسألون أئمة أهل البيت عن تلك المسائل في مجالس عامّة حيث لم يكن بمقدور الأئمة حينذاك ان يبيّنوا حكم

__________________

(١) علل الشرائع ٢ / ٢١٨ ، ح ١ ، ووسائل الشيعة ١٨ / ٨٣ ، ٨٤.

(٢) لا يفهم هذا البحث حق الفهم ما لم تراجع البحوث الثلاثة المذكورة في المتن.

٣٣٦

الله وسنّة الرسول في مورد السؤال والّذي كان مخالفا لاجتهاد مدرسة الخلفاء ، صونا لدمائهم ودماء شيعتهم ، وكانوا مكرهين أحيانا على الاجابة بما يوافق رأي مدرسة الخلفاء ، حتّى إذا أتيحت لهم فرصة الاجابة دون ما تقيّة ، بيّنوا حكم الله وسنّة الرسول في المسألة ، فمن ثمّ ورد بعض الاحاديث عنهم في مسألة واحدة مختلفة في بيان الحكم كما صرّح به الإمام الصادق (ع) وقال : ما سمعته منّي يشبه قول الناس فيه التقية ، وما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه (١).

وقال : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردّوه ، فان لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامّة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه (٢).

هكذا ذكر الأئمة هذه القاعدة مع بيان علتها وأحيانا غير معلّلة ، وورد عنهم أيضا قواعد أخرى لمعرفة الحديث ، مثل حديث الإمام الرضا (ع).

وقد سئل يوما وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول الله (ص) في الشيء الواحد فقال (ع) : إنّ الله حرّم حراما وأحلّ حلالا وفرض فرائض ، فما جاء في تحليل ما حرّم الله أو في تحريم ما أحلّ الله أو دفع فريضة في كتاب الله رسمها بين قائم بلا ناسخ نسخ ذلك فذلك ما لا يسع الأخذ به ، لأنّ رسول الله (ص) لم يكن ليحرّم ما أحلّ الله ولا ليحلّل ما حرّم الله ولا ليغيّر فرائض الله وأحكامه ، كان في ذلك كلّه متّبعا مسلّما مؤدّيا عن الله ، وذلك قول الله : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) فكان (ع) متّبعا لله مؤدّيا عن الله ما أمره به من تبليغ الرّسالة ، قلت : فانه يرد

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ / ٨٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ / ٨٤ ، ح ٢٩.

٣٣٧

عنكم الحديث في الشيء عن رسول الله (ص) ممّا ليس في الكتاب وهو في السنّة ثمّ يرد خلافه فقال : كذلك قد نهى رسول الله (ص) عن أشياء نهي حرام فوافق في ذلك نهيه نهي الله ، وأمر بأشياء فصار ذلك الأمر واجبا لازما كعدل فرائض الله فوافق في ذلك أمره أمر الله ، فما جاء في النّهي عن رسول الله (ص) نهي حرام ثمّ جاء خلافه لم يسع استعمال ذلك ، وكذلك فيما أمر به ، لأنّا لا نرخّص فيما لم يرخّص فيه رسول الله (ص) ، ولا نأمر بخلاف ما أمر به رسول الله (ص) إلّا لعلّة خوف ضرورة ، فأمّا أن نستحلّ ما حرّم رسول الله (ص) أو نحرّم ما استحلّ رسول الله (ص) فلا يكون ذلك أبدا ، لأنّا تابعون لرسول الله (ص) مسلّمون له كما كان رسول الله (ص) تابعا لأمر ربّه مسلّما له ، وقال الله عزوجل : (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وإنّ الله نهى عن أشياء ليس نهي حرام بل إعافة وكراهة ، وأمر بأشياء ليس بأمر فرض ولا واجب بل أمر فضل ورجحان في الدّين ، ثمّ رخّص في ذلك للمعلول وغير المعلول ، فما كان عن رسول الله (ص) نهي إعافة أو أمر فضل فذلك الّذي يسع استعمال الرّخصة فيه ، إذا ورد عليكم عنّا الخبر فيه باتّفاق يرويه من يرويه في النّهي ولا ينكره وكان الخبران صحيحين معروفين باتّفاق النّاقلة فيهما يجب الأخذ بأحدهما أو بهما جميعا أو بأيّهما شئت وأحببت ، موسّع ذلك لك من باب التّسليم لرسول الله (ص) والردّ إليه وإلينا ، وكان تارك ذلك من باب العناد والانكار وترك التّسليم لرسول الله (ص) مشركا بالله العظيم ، فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتّبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله (ص) فما كان في السنّة موجودا منهيّا عنه نهي حرام ومأمورا به عن رسول الله (ص) أمر إلزام فاتّبعوا ما وافق نهي رسول الله (ص) وأمره ، وما كان في

٣٣٨

السنّة نهى إعافة أو كراهة ثمّ كان الخبر الأخير خلافه فذلك رخصة فيما عافه رسول الله (ص) وكرهه ولم يحرّمه ، فذلك الّذي يسع الأخذ بهما جميعا وبأيّهما شئت وسعك الاختيار من باب التّسليم والاتّباع والردّ إلى رسول الله (ص) ، وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه بآرائكم ، وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف ، وأنتم طالبون باحثون حتّى يأتيكم البيان من عندنا (١)

__________________

(١) عيون الأخبار. ط. قم ج ٢ ص ٢٠ ، ح ٤٥. والوسائل ١٨ / ٨١ ـ ٨٦ ، ح ٢١.

٣٣٩

مقاييس العلماء لمعرفة الحديث

هكذا وضع أئمة أهل البيت قواعد لمعرفة صحيح الحديث من سقيمه ، واتخذها فقهاء مدرستهم ميزانا في فقه الحديث جيلا بعد جيل ، وقد جمعها بعض العلماء ونسّقها مثل الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي في الفائدتين التاسعة والعاشرة من خاتمة وسائل الشيعة ، والشيخ حسين النوري في الفائدة الرابعة من مستدركه (١).

وفي اخريات القرن السابع الهجري راجت قاعدة جديدة لمعرفة الحديث ، نسب كشفها (٢) لابن طاوس أحمد بن موسى الحلي (ت : ٦٧٣ ه‍) (٣) والعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر (ت : ٧٢٦ ه‍) (٤) حيث صنّف الحديث بالنظر إلى راويه منذ عصرهما إلى أربعة أصناف :

أ ـ الصحيح : وهو ما اتّصل سنده إلى المعصوم بنقل الإمامي العدل ، عن مثله في جميع الطبقات.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٠ / ٩٦ الفائدة التاسعة من الخاتمة ، ومستدركه ٣ / ٥٣٥ الفائدة الرابعة.

(٢) وسائل الشيعة ٢٠ / ٩٦ ـ ١١٢ ، وخاصة ص ١٠٢ منه.

(٣) ترجمته بمصفى المقال ص ٧١.

(٤) ترجمته بالكنى والالقاب للقمّي ٢ / ٤٣٦.

٣٤٠