معالم المدرستين - ج ٣

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ٣

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٤١
٢٢١

الفصل الثاني

ثورات أهل الحرمين وغيرهم

بعد استشهاد الإمام الحسين (ع)

٢٢٢

قدوم عمر بن سعد على الحسين (ع)

قال الطبري وغيره واللّفظ للطبري (١) : فلما كان من الغد ؛ قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف ، قال : وكان سبب خروج ابن سعد إلى الحسين (ع) ان عبيد الله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبى وكانت الديلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليها ، فكتب إليه ابن زياد عهده على الريّ وأمره بالخروج ، فخرج معسكرا بالناس بحمّام أعين ، فلمّا كان من أمر الحسين ما كان وأقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال : سر إلى الحسين فإذا فرغنا ممّا بيننا وبينه سرت إلى عملك ، فقال له عمر بن سعد : إن رأيت رحمك الله أن تعفيني فافعل ، فقال له عبيد الله : نعم ، على ان تردّ لنا عهدنا. فلمّا قال له ذلك قال عمر بن سعد : امهلني اليوم حتى أنظر ، فانصرف عمر يستشير نصحاءه ، فلم يكن يستشير

__________________

(١) رجعنا إلى رواية المصادر التي ذكرناها في أول فصل «لقاء الإمام الحسين (ع) الحر» وما كان من غيرها ، صرحنا به في الهامش ، وهي تاريخ الطبري ٦ / ٢٣٢ ـ ٢٧٠ ، وابن الاثير ١٩ ـ ٣٨ ، وابن كثير ٨ / ١٧٢ ـ ١٩٨ ، والدينوري في الأخبار الطوال ص ٢٥٣ ـ ٢٦١ ، وهو يوجز الاخبار ، وأنساب الأشراف للبلاذري ص ١٧٦ ـ ٢٢٧ ، وسياقه غير سياق الطبري ، وارشاد المفيد ٢١٠ ـ ٢٣٦ ، وإعلام الورى ٢٣١ ـ ٢٥٠. وما تفرد به أحدهم صرحنا به وكذلك ما نقلناه عن غير هؤلاء.

٢٢٣

ثورة أهل الحرمين

غايتنا من إيراد خبر مقتل الإمام الحسين (ع)

لم أقصد في ما أوردت من أخبار مقتل الإمام الحسين (ع) استقصاء أخبار مقتله ولا تحقيق حوادثه ، ولا بيان زمانها وتحديد مكانها ، بل توخّيت في ما أوردت فهم آثار مقتله على مدرستي الإمامة والخلافة في الإسلام ، وكان يكفيني في هذا الصدد ما أوردته على سبيل التنبيه.

وكان من آثار مقتله على مدرسة الخلافة ثورات المسلمين المستمرّة على حكم آل أميّة وفي مقدّمتها ثورة أهل الحرمين كما نبينها في ما يلي :

قال المسعودي : لمّا شمل الناس جور يزيد وعمّاله ، وعمّهم ظلمه وما ظهر من فسقه من قتله ابن بنت رسول الله (ص) وأنصاره ، وما أظهر من شرب الخمور ، وسيره سيرة فرعون ، بل كان فرعون أعدل منه في رعيّته وأنصف منه لخاصّته وعامّته (١) ، امتنع ابن الزبير من بيعة يزيد ، وكان يسمّيه السكّير الخمّير ، وكتب إلى أهل المدينة ينتقصه ، ويذكر فسوقه ، ويدعوهم إلى معاضدته على حربه (٢).

__________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٦٨ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ٢١٩.

(٢) التنبيه والاشراف ص ٢٦٣.

٢٢٤

فقال مروان :

خذها فليست للعزيز بخطّة

وفيها مقال لامرئ متضعّف

ثم مضى من عنده حتّى قدم على ابن الزبير ، فأتى ابن الزبير فأخبره بممرّ البريد على مروان وتمثّل مروان بهذا البيت فقال ابن الزبير : لا والله! لا أكون أنا ذلك المتضعّف ، وردّ ذلك البريد ردّا رفيقا. وعلا أمر ابن الزبير بمكة وكاتبه أهل المدينة ، وقال الناس : أما إذ هلك الحسين (ع) فليس أحد ينازع ابن الزبير (١).

رسل يزيد مع ابن الزبير :

روى خبر رسل يزيد مع ابن الزبير ابن أعثم والدينوري وغيرهما واللفظ لابن أعثم قال : وتحرّك عبد الله بن الزبير ودعا الناس إلى نفسه (٢).

قال ولمّا بلغ يزيد بن معاوية ما فيه عبد الله بن الزبير من بيعة الناس له واجتماعهم عليه ؛ دعا بعشرة نفر من وجوه أصحابه منهم النعمان بن بشير الانصاري ، وعبد الله بن عضاءة الاشعري ...

ثمّ قال لهم : إنّ عبد الله بن الزبير قد تحرّك بالحجاز وأخرج يده من طاعتي ودعا الناس إلى سبّي وسبّ أبي ، وقد اجتمعت إليه قوم يعينونه على ذلك ، صبروا إليه ، فإذا دخلتم عليه فعظّموا حقّه وحقّ أبيه ، وسلوه أن يلزم الطاعة ولا يفارق الجماعة ؛ فإن أجاب فخذوا بيعته ، وإن أبى فخوّفوه ما نزل بالحسين بن عليّ ، وليس الزبير عندي بأفضل من عليّ بن أبي طالب ولا ابنه عبد الله بأفضل من الحسين ، وانظروا أن لا تلبثوا عنده فاني متعلّق القلب بورود خبركم عليّ ، فخرج القوم إلى مكّة ودخلوا على ابن الزبير وأدوا

__________________

(١) الطبري ط. اوربا ٢ / ٣٩٦ ـ ٣٩٧ ، وط. مصر ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

(٢) الأخبار الطوال للدينوري ص ٢٦٣ ، وقد أوردتها ملخصة من فتوح ابن أعثم ٥ / ٢٦٢ ـ ٢٩٠.

٢٢٥

إليه رسالة يزيد فقال : وما الّذي يريد منّي يزيد؟ انّما أنا رجل مجاور هذا البيت عائذ من شر يزيد وغير يزيد ، فان تركني فيه والا انتقلت عنه إلى بلد غيره وكنت فيه إلى أن يأتيني الموت ، ثمّ أمر لهم بمنزل فصاروا إليه يومهم ذلك ولمّا كان من الغد خرج فصلّى بأصحابه الفجر ، ثمّ أقبل فجلس في الحجر واجتمع إليه أصحابه ، وأقبل إليه هؤلاء الوفد الّذين قدموا عليه من عند يزيد ، وتكلّموا كلاما يرجون به اتباعه ليزيد وطاعته له ، قال : فأقبل إليه النعمان بن بشير فقال : بلغ يزيد عنك أنّك تصعد المنبر فتذكره وتذكر أباه معاوية بكلّ قبيح ، وأنت تعلم أنّه امام وقد بايعه الناس ، ولا نحبّ لك أن تخرج يدك من الطاعة وتفارق الجماعة ، وبعد فانّ الغيبة لا خير فيها ، قال : فقطع عليه الكلام عبد الله بن الزبير ، ثمّ قال : يا ابن بشير! انّ الفاسق لا غيبة له ، وما قلت فيه إلّا ما قد علمه الناس منه ، ولو كان على ما كان عليه الائمة الاخيار سمعنا وأطعنا ولذكرناه بكلّ جميل ، وبعد فانّي أنا في هذا البيت بمنزلة حمامة من حمام مكّة ، أفتحلّ لكم أن تؤذوا حمام مكّة؟ قال : فغضب عبد الله بن عضاءة الاشعري ، فقال : نعم والله يا ابن الزبير ، نؤذي حمام مكّة ونقتل حمام مكّة ، وما حرمة حمام مكّة؟ يا ابن الزبير! أتصعد المنبر وتتكلم في أمير المؤمنين بكلّ قبيح ثم تشبه نفسك بحمام مكة؟ ثمّ قال : يا غلام ، ائتني بقوسي وسهمي. قال : فأتي بقوسه وسهامه فأخذ سهما فوضعه في كبد قوسه ثمّ سدّده نحو حمام مكّة وقال : يا حمامة! أيشرب أمير المؤمنين ويفجر؟ قولي نعم. أما والله لو قلت : نعم ، لما أخطأك سهمي هذا ، يا حمامة! أيلعب أمير المؤمنين بالقرود والفهود ويفسق في الدين؟ قولي : نعم. أما والله لئن قلت : نعم ، لا أخطأك سهمي هذا ، يا حمامة فتقتلين أم تخلعين الطاعة وتفارقين الجماعة وتقيمين في الحرم عاصية؟ قولي : نعم. قال : ثمّ أقبل عبد الله بن عضاءة على ابن الزبير فقال له : ما لي لا أرى الحمامة

٢٢٦

تنطق بشيء وأنت الناطق بجميع ما كلّمتها فيه على المنبر ، أما والله يا ابن الزبير إنّي خائف عليك ، وأقسم بالله قسما صادقا لتبايعنّ يزيد طائعا أو كارها أو لتعرفنّي في هذه البطحاء وفي يدي راية الاشعريّين (١).

وذكر ابن أعثم وقائع بين ابن الزبير وعمرو بن سعيد ، كانت الغلبة فيها لابن الزبير.

وذكر الطبري أنّه عزل عمرو بن سعيد وولى الوليد بن عتبة فأقام الحج سنة ٦١ ه‍ (٢).

قال : (٣) وأقام الوليد يريد ابن الزبير فلا يجده إلا متحذّرا متمنّعا ، وأفاض بالناس من عرفة ثمّ أفاض ابن الزبير بأصحابه ، ثمّ انّ ابن الزبير عمل بالمكر في أمر الوليد فكتب إلى يزيد انّك بعثت إلينا رجلا أخرق لا يتجه لأمر رشد ، ولا يرعوي لعظة الحكيم ، فلو بعثت رجلا سهل الخلق رجوت أن يسهل من الامور ما استوعر منها ، وان يجتمع ما تفرّق ، فعزل يزيد الوليد وولى عثمان بن محمّد بن أبي سفيان.

وفد أهل المدينة عند يزيد :

قالوا : كان عثمان فتى غرا لم يجرّب الامور ولم يحنّكه السنّ فبعث إلى يزيد وفدا من أهل المدينة فيهم : عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة الانصاري ، وعبد الله بن أبي عمرو المخزومي ، والمنذر بن الزبير ، ورجالا كثيرا من أشراف أهل المدينة فقدموا على يزيد فأكرمهم وأحسن إليهم وأعظم جوائزهم ، فأعطى عبد الله بن حنظلة ـ وكان شريفا فاضلا عابدا سيّدا ـ مائة

__________________

(١) وقريب منه لفظ الاصبهاني في الاغاني ١ / ٣٣.

(٢) الطبري ٦ / ٢٧٣ ـ ٢٧٥ في آخر ذكر حوادث سنة احدى وستين.

(٣) الطبري ٨ / ٢ ـ ٥ في ذكر حوادث سنة اثنين وستين. وتخيرت اللفظ من تاريخ ابن الاثير ٤ / ٤٠ ـ ٤٢.

٢٢٧

ألف درهم ، وكان معه ثمانية بنين فاعطى كلّ ولد عشرة آلاف سوى كسوتهم وحملانهم ، فلمّا رجعوا قدموا المدينة وأظهروا شتم يزيد وعيبه وقالوا قدمنا من عند رجل ليس له دين ، يشرب الخمر ويضرب بالطنابير ، ويعزف عنده القيان ويلعب بالكلاب ويسمر عنده الخرّاب والفتيان! وإنّا نشهدكم أنّا خلعناه! وقام عبد الله بن حنظلة الغسيل ، فقال : جئتكم من عند رجل لو لم أجد إلّا بنيّ هؤلاء لجاهدته بهم ، قالوا : قد بلغنا أنّه أجداك وأعطاك وأكرمك ، قال : قد فعل وما قبلت منه عطاءه إلّا لأتقوى به ، فخلعه الناس وبايعوا عبد الله بن حنظلة على خلع يزيد ، وولّوه عليهم.

أمّا المنذر بن الزبير فكان قد أجازه بمائة ألف وكان قوله لمّا قدم المدينة : انّ يزيد والله لقد أجازني بمائة ألف درهم وإنّه لا يمنعني ما صنع إليّ أن أخبركم خبره وأصدقكم عنه. والله انّه ليشرب الخمر ، وانّه ليسكر حتّى يدع الصلاة. وعابه بمثل ما عابه به أصحابه الذين كانوا معه وأشدّ (١).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٧ / ٣ ـ ١٣ ، وابن الاثير ٤ / ٤٠ ـ ٤١ ، وابن كثير ٨ / ٢١٦ ، والعقد الفريد ٤ / ٣٨٨.

٢٢٨

ثورة الصحابة والتابعين

ثورة أهل المدينة وبيعتهم لعبد الله بن حنظلة

وقال الذهبي في تاريخ الإسلام : اجتمعوا على عبد الله بن حنظلة وبايعهم على الموت ، قال : يا قوم اتّقوا الله فو الله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ، إنّه رجل ينكح أمّهات الأولاد والبنات والاخوات ، ويشرب الخمر ويدع الصلاة (١).

وقال اليعقوبيّ : أتى ابن مينا عامل صوافي معاوية إلى عثمان بن محمّد والي المدينة من قبل يزيد فاعلمه أنّه أراد حمل ما كان يحمله في كلّ سنة من تلك الصوافي من الحنطة والتمر ، وانّ أهل المدينة منعوه من ذلك. فأرسل عثمان إلى جماعة منهم فكلّمهم بكلام غليظ فوثبوا به وبمن كان معه بالمدينة من بني أميّة ، وأخرجوهم من المدينة وأتبعوهم يرجمونهم بالحجارة(٢).

وفي الاغاني : وأقام ابن الزبير على خلع يزيد ومالأه على ذلك أكثر الناس ، فدخل عليه عبد الله بن مطيع وعبد الله بن حنظلة وأهل المدينة المسجد ، وأتوا المنبر فخلعوا يزيد ، فقال عبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن

__________________

(١) تاريخ الإسلام ٢ / ٣٥٦.

(٢) اليعقوبي ٢ / ٢٥٠.

٢٢٩

المغيرة المخزومي : خلعت يزيد كما خلعت عمامتي ، ونزعها عن رأسه ، وقال : انّي لأقول هذا وقد وصلني وأحسن جائزتي ، ولكنّ عدوّ الله سكّير خمّير. وقال آخر : خلعته كما خلعت نعلي. وقال آخر : خلعته كما خلعت ثوبي ، وقال آخر : قد خلعته كما خلعت خفّي ، حتّى كثرت العمائم والنعال والخفاف ، وأظهروا البراءة منه وأجمعوا على ذلك. وامتنع منه عبد الله بن عمر ، ومحمّد بن علي بن أبي طالب ـ (ع) ـ وجرى بين محمّد خاصّة وبين أصحاب ابن الزبير فيه قول كثير ، حتّى أرادوا اكراهه على ذلك ، فخرج إلى مكّة وكان هذا أوّل ما هاج الشرّ بينه وبين ابن الزبير ، واجتمع أهل المدينة لاخراج بني أمية عنها ، فأخذوا عليهم العهود ألّا يعينوا عليهم الجيش ، وأن يردّوهم عنهم فان لم يقدروا على ردّهم لا يرجعوا إلى المدينة معهم.

السجّاد (ع) يؤوي حريم بني أميّة :

قال : فأتى مروان عبد الله بن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن! انّ هؤلاء القوم قد ركبونا بما ترى ، فضمّ عيالنا ، فقال : لست من أمركم وأمر هؤلاء في شيء ، فقام مروان وهو يقول : قبّح الله هذا أمرا وهذا دينا. ثمّ أتى عليّ بن الحسين (ع) فسأله أن يضمّ أهله وثقله ففعل ، ووجّههم وامرأته أمّ أبان بنت عثمان إلى الطائف ومعها ابناه : عبد الله ومحمّد(١).

وقال الطبري وابن الأثير : وقد كان مروان بن الحكم كلّم ابن عمر لمّا أخرج أهل المدينة عامل يزيد وبني أميّة في أن يغيب أهله عنده فلم يفعل ، فكلّم عليّ بن الحسين وقال: يا أبا الحسن! انّ لي رحما ، وحرمي تكون مع حرمك. فقال : افعل. فبعث بحرمه إلى عليّ بن الحسين ، فخرج بحرمه

__________________

(١) الاغاني ١ / ٣٤ ـ ٣٥.

٢٣٠

وحرم مروان حتّى وضعهم بينبع (١).

وفي تاريخ ابن الاثير : فبعث بامرأته ـ وهي عائشة ابنة عثمان بن عفّان ـ وحرمه إلى علي بن الحسين ، فخرج عليّ بحرمه وحرم مروان إلى ينبع.

وفي الاغاني : واخرجوا بني أميّة فأراد مروان أن يصلّي بمن معه فمنعوه وقالوا : لا يصلّي والله بالناس أبدا ، ولكن إذا أراد أن يصلّي بأهله فليصلّ ، فصلّى بهم ومضى (٢).

استغاثة بني أميّة بيزيد :

قال الطبري وغيره : فخرج بنو أميّة بجماعتهم حتّى نزلوا دار مروان ، فحاصرهم الناس بها حصارا ضعيفا ، فارسل بنو أميّة بكتاب إلى يزيد يستغيثونه. فقال يزيد للرسول : أما يكون بنو أميّة ومواليهم ألف رجل بالمدينة؟ قال : بلى والله وأكثر ، قال : فما استطاعوا أن يقاتلوا ساعة من نهار؟! قالوا : فبعث إلى عمرو بن سعيد فأقرأه الكتاب وأخبره الخبر وأمره أن يسير إليهم فأبى ، وبعث إلى عبيد الله بن زياد يأمره بالمسير إلى المدينة ومحاصرة ابن الزبير فأبى وقال : والله لاجمعتها للفاسق. أقتل ابن بنت رسول الله (ص) وأغزو البيت. وكانت أمّه مرجانة قد عنّفته حين قتل الحسين وقالت له : ويلك ما ذا صنعت وما ذا ركبت؟!(٣).

فبعث إلى مسلم بن عقبة المرّي وكان معاوية قد قال ليزيد : انّ لك من أهل المدينة يوما ، فان فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فانّه رجل قد عرفت نصيحته ، فلمّا جاءه مسلم وجده شيخا ضعيفا مريضا (٤).

__________________

(١) الطبري ٧ / ٧ ، وابن الاثير ٤ / ٤٥.

(٢) الاغاني ١ / ٣٦.

(٣) في أمالي الشجري ص ١٦٤.

(٤) الطبري ٧ / ٥ ـ ١٣ ، وابن الاثير ٤ / ٤٤ ـ ٤٥ ، وابن كثير ٨ / ٢١٩ ، والاغاني ١ / ٣٥ ـ ٣٦.

٢٣١

قال صاحب الاغاني : قال مسلم ليزيد : ما كنت مرسلا إلى المدينة أحدا إلّا قصّر ، وما صاحبهم غيري ، إنّي رأيت في منامي شجرة غرقد تصيح : على يدي مسلم ، فأقبلت نحو الصوت فسمعت قائلا : أدرك ثأرك ، أهل المدينة قتلة عثمان.

أوامر الخليفة لقائد جيشه :

قال الطبري : فانتدبه لذلك وقال له : ان حدث بك حدث فاستخلف على الجيش الحصين بن نمير السكوني ، وقال له : أدع القوم ثلاثا فان أجابوك وإلّا فقاتلهم فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا ، فما فيها من مال أو ورقة أو سلاح أو طعام فهو للجند فاذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس ، وانظر علي ابن الحسين فاكفف عنه واستوص به خيرا وادن مجلسه فانّه لم يدخل في شيء ممّا دخلوا فيه ، وأمر مناديه فنادى أن سيروا إلى الحجاز على أخذ أعطياتكم كملا ومعونة مائة دينار توضع في يد الرجل من ساعته ، فانتدب لذلك اثنا عشر ألف رجل.

وفي لفظ المسعودي في التنبيه والاشراف : وإذا قدمت إلى المدينة فمن عاقك عن دخولها أو نصب لك حربا فالسيف السيف ولا تبق عليهم وانتهبها عليهم ثلاثا وأجهز على جريحهم واقتل مدبرهم ، وان لم يعرضوا لك ؛ فامض إلى مكّة ، فقاتل ابن الزبير.

وفي لفظه في مروج الذهب : فسيّر إليهم يزيد ، مسلم بن عقبة الّذي سمّى المدينة نتنة وقد سمّاها رسول الله طيبة.

قال هو والدينوري :

ما أنشده خليفة المسلمين :

لمّا عرض على يزيد الجيش أنشأ يقول :

٢٣٢

أبلغ أبا بكر إذا الليل سرى

وهبط القوم على وادي القرى

عشرون ألفا بين كهل وفتى

أجمع سكران من الخمر ترى

أم جمع يقظان نفى عنه الكرى

كانت كنية ابن الزبير أبا بكر وأبا خبيب وكان ابن الزبير يسمّي يزيد : السكران الخمّير.

قال المسعودي : وكتب يزيد إلى ابن الزبير :

أدع إلهك في السماء فانّني

أدعو عليك رجال عكّ وأشعر

كيف النجاة أبا خبيب منهم

فاحتل لنفسك قبل أتي العسكر(١)

قال الطبري وغيره واللفظ لابن الأثير : ولمّا سمع عبد الملك بن مروان انّ يزيد قد سيّر الجنود إلى المدينة قال : ليت السماء وقعت على الأرض ، اعظاما لذلك ثمّ ابتلي بعد ذلك بأن وجّه الحجّاج فحصر مكّة ، ورمى الكعبة ، بالمنجنيق ، وقتل ابن الزبير.

__________________

(١) التنبيه والاشراف ص ٢٦٣ ، ومروج الذهب ٣ / ٦٨ ـ ٦٩ ، والأخبار الطوال ص ٢٦٥ ، والبيتان الاخيران وردا فيه ، وأوردت الشعر الأول بلفظ الطبري ٨ / ٦ ، وابن الأثير ، وراجع تاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٣٥٥.

٢٣٣

مسير جيش الخلافة إلى الحرمين :

لمّا أقبل مسلم بالجيش وبلغ أهل المدينة خبرهم ، اشتدّ حصارهم لبني أميّة بدار مروان وقالوا : والله لا نكفّ عنكم حتّى نستنزلكم ونضرب أعناقكم أو تعطونا عهد الله وميثاقه أن لا تبغونا غائلة ، ولا تدلوا لنا على عورة ، ولا تظاهروا علينا عدوّا فنكف عنكم ونخرجكم عنّا ، فعاهدوهم على ذلك ، فأخرجوهم من المدينة ، فساروا باثقالهم حتّى لقوا مسلم بن عقبة بوادي القرى ، فدعا بعمرو بن عثمان بن عفّان أوّل الناس فقال له : خبرني ما وراءك ، وأشر عليّ ، فقال : لا أستطيع. قد أخذ علينا العهود والمواثيق أن لا ندلّ على عورة ولا نظاهر عدوا. فانتهره ، وقال : والله لو لا أنّك ابن عثمان لضربت عنقك ، وايم الله لا أقيلها قرشيّا بعدك ، فخرج إلى أصحابه فأخبرهم خبره ، فقال مروان بن الحكم لابنه عبد الملك : أدخل قبلي لعلّه يجتزي بك عنّي فدخل عبد الملك فقال : هات ما عندك. فقال : نعم أرى أن تسير بمن معك فإذا انتهيت إلى ذي نخلة نزلت فاستظلّ الناس في ظلّه فأكلوا من صقره(١) ، فإذا أصبحت من الغد مضيت وتركت المدينة ذات اليسار ، ثم درت بها حتّى

__________________

(١) الصقر بكسر القاف : التمر الذي يصلح للدبس.

٢٣٤

تأتيهم بها من قبل الحرّة مشرقا ، ثم تستقبل القوم فإذا استقبلتهم وقد أشرقت عليهم الشمس طلعت بين أكتاف أصحابك فلا تؤذيهم وتقع في وجوههم فيؤذيهم حرّها ويصيبهم أذاها ، ويرون ـ ما دمتم مشرقين ـ من ائتلاق بيضكم وحرابكم وأسنّة رماحكم وسيوفكم ودروعكم ما لا ترونه أنتم ما داموا مغربين ، ثمّ قاتلهم واستعن بالله عليهم ، فقال له مسلم : لله أبوك أي امرئ ولد! ثمّ انّ مروان دخل عليه فقال له : إيه : فقال : أليس قد دخل عليك عبد الملك؟! قال : بلى وايّ رجل عبد الملك ، قلّما كلّمت من رجال قريش رجلا شبيها به ، فقال : إذا لقيت عبد الملك فقد لقيتني. ثمّ انّه صار في كلّ مكان يصنع ما أمر به عبد الملك. فجاءهم من قبل المشرق ، ثمّ أمهلهم ثلاثا ، فلمّا مضت الثلاث قال : يا أهل المدينة ما تصنعون؟ أتسالمون أم تحاربون؟ قالوا : بل نحارب ، فقال لهم : لا تفعلوا بل ادخلوا في الطاعة ونجعل حدّنا وشوكتنا على أهل هذا الملحد الذي قد جمع إليه المرّاق والفسّاق من كل أوب ـ يعني ابن الزبير ـ فقالوا له : يا أعداء الله لو أردتم أن تجوزوا إليه ما تركناكم ، نحن ندعكم أن تأتوا بيت الله الحرام وتخيفوا أهله وتستحلّوا حرمته؟! لا والله لا نفعل! (١).

قال المسعودي والدينوريّ واللفظ للأول : احتفر أهل المدينة خندق رسول الله (ص) الذي كان قد حفره يوم الاحزاب ، وشكوا المدينة بالحيطان ، وقال شاعرهم مخاطبا ليزيد :

انّ بالخندق المكلّل بالمجد

لضربا يبدي عن النشوات

لست منّا وليس خالك منّا

يا مضيع الصلاة للشهوات

فإذا ما قتلتنا فتنصّر

واشرب الخمر واترك الجمعات(٢)

__________________

(١) الطبري ٧ / ٦ ـ ٨ ، وابن الاثير ٤ / ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) التنبيه والاشراف ص ٢٦٤ ، والأخبار الطوال ص ٢٦٥.

٢٣٥

قال الذهبي : فكان ابن حنظلة يبيت تلك الليالي في المسجد ، وما يزيد على أن يشرب يفطر على شربة سويق ويصوم الدهر ، وما رؤي رافعا رأسه إلى السماء أحيانا ، فلمّا قرب القوم خطب أصحابه وحرّضهم على القتال ، وأمرهم بالصدق في اللقاء وقال : اللهم انّا بك واثقون. فصبّح القوم المدينة ، فقاتل أهل المدينة قتالا شديدا ، فسمعوا التكبير خلفهم من المدينة وأقحم عليهم بنو حارثة وهم على الحرة فانهزم الناس وعبد الله بن حنظلة متساند إلى بعض بنيه يغطّ نوما فنبّهه ابنه ، فلمّا رأى ما جرى أمر أكبر بنيه فقاتل حتى قتل ، ثمّ لم يزل يقدّمهم واحدا بعد واحد حتّى أتى على آخرهم!

قال : وبقي ابن حنظلة يمشي بها مع عصابة من الناس أصحابه ، فقال لمولى له : احم ظهري حتّى أصلّي الظهر ، فلمّا صلّى ، قال له مولاه : ما بقي أحد فعلام نقيم؟ ولواؤه قائم ، ما حوله إلّا خمسة ، فقال : ويحك انّما خرجنا على أن نموت ، قال : وأهل المدينة كالنعام الشرود ، وأهل الشام يقتلون فيهم. فلمّا هزم الناس طرح الدرع وقاتلهم حاسرا حتّى قتلوه. فوقف عليه مروان وهو مادّ إصبعه السبّابة ، فقال : والله لئن نصبتها ميّتا فطالما نصبتها حيّا (١).

جيش الخلافة يستبيح حرم الرسول (ص):

قال الطبري وغيره : وأباح مسلم المدينة ثلاثا يقتلون الناس ويأخذون الاموال (٢).

قال اليعقوبي : فلم يبق بها كثير أحد إلّا قتل ، وأباح حرم رسول الله

__________________

(١) تاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧.

(٢) تاريخ الطبري ٧ / ١١ ، وابن الاثير ٣ / ٤٧ ، وابن كثير ٨ / ٢٢٠.

٢٣٦

حتى ولدت الابكار لا يعرف من أولدهن (١).

وفي تاريخ ابن كثير : قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن ، وكان فيهم ثلاثة من أصحاب رسول الله!

وقال : قتل بشر كثير حتّى كاد لا يفلت أحد من أهلها (٢).

وقال : ووقعوا على النساء ، حتّى قيل : إنّه حبلت ألف امرأة في تلك الأيّام من غير زوج!!

وروى عن هشام بن حسّان أنّه قال : ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرّة من غير زوج!

وروى عن الزهري أنّه قال : كان القتلى سبعمائة من وجوه المهاجرين والانصار ، ووجوه الموالي ، وممّن لا أعرف من حرّ أو عبد وغيرهم عشرة آلاف (٣).

وفي تاريخ السيوطي : وكانت وقعة الحرّة بباب طيبة ؛ قتل فيها خلق من الصحابة ومن غيرهم ، ونهبت المدينة وافتضّ فيها ألف بكر! (٤)

قال الدينوري والذهبي واللفظ للأوّل : وذكر أبو هارون العبدي ، قال : رأيت أبا سعيد الخدري ، ولحيته بيضاء ، وقد خفّ جانباها وبقي وسطها ، فقلت : «يا أبا سعيد! ما حال لحيتك؟» فقال : «هذا فعل ظلمة أهل الشام يوم الحرّة ، دخلوا عليّ بيتي ، فانتبهوا ما فيه حتّى أخذوا قدحي الذي كنت أشرب فيه الماء ثمّ خرجوا ، ودخل عليّ بعدهم عشرة نفر ، وأنا قائم أصلّي ، فطلبوا البيت ، فلم يجدوا فيه شيئا ، فأسفوا لذلك ، فاحتملوني

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٦ / ٢٥١.

(٢) تاريخ ابن كثير ٦ / ٢٣٤.

(٣) تاريخ ابن كثير ٨ / ٢٢.

(٤) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٠٩ ، وراجع تاريخ الخميس ٢ / ٣٠٢.

٢٣٧

من مصلّاي ، وضربوا بي الأرض ، وأقبل كلّ رجل منهم على ما يليه من لحيتي ، فنتفه ، فما ترى منها خفيفا فهو موضع النتف ، وما تراه عافيا فهو ما وقع في التراب ، فلم يصلوا إليها ، وسأدعها كما ترى حتّى أوافي بها ربّي (١).

هكذا انتهت الأيّام الثلاثة على مدينة الرسول (ص).

أخذ البيعة من أهل المدينة على أنهم عبيد للخليفة يزيد :

قال الطبري وغيره : فدعا الناس للبيعة على أنّهم خول ليزيد بن معاوية يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء (٢).

وقال المسعودي : وبايع من بقي من أهلها على أنهم قنّ ليزيد ، غير علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ؛ لأنّه لم يدخل فيما دخل فيه أهل المدينة ، وعلي بن عبد الله بن العبّاس فان من كان في الجيش من أخواله من كندة منعوه. وقال : ومن أبى أمره على السيف(٣).

وفي طبقات ابن سعد : إنّ مسلم بن عقبة لمّا قتل الناس وسار إلى العقيق سأل عن علي بن الحسين أحاضر فقيل له : نعم ، فقال : ما لي ما أراه؟ فجاءه مع ابني عمّه محمّد بن الحنفيّة فلمّا رآه رحّب به وأوسع له على سريره (٤).

وفي تاريخ الطبري : قال : مرحبا وأهلا ، ثمّ أجلسه معه على السرير والطنفسة ، ثمّ قال : انّ أمير المؤمنين أوصاني بك قبلا ، وانّ هؤلاء الخبثاء شغلوني عنك وعن وصلتك ، ثمّ قال لعليّ : لعلّ أهلك فزعوا ، قال : اي

__________________

(١) الدينوري في الأخبار الطوال ص ٢٦٩ ، والذهبي في تاريخ الإسلام ٢ / ٣٥٧.

(٢) تاريخ الطبري ٧ / ١٣.

(٣) التنبيه والأشراف ص ٢٦٤ ، ومروج الذهب ٣ / ٧١.

(٤) طبقات ابن سعد ٥ / ٢١٥. وفيه (مسرف) وهو خطأ.

٢٣٨

والله! فأمر بدابّته فاسرجت ثمّ حمله فردّه عليها (١).

قال الدينوري : فلمّا كان اليوم الرابع جلس مسلم بن عقبة ، فدعاهم إلى البيعة ، فكان أوّل من أتاه يزيد بن عبد الله بن ربيعة بن الأسود ، وجدّته أمّ سلمة زوج النبي (ص). فقال له مسلم : بايعني. قال : أبايعك على كتاب الله وسنّة نبيه (ص). فقال مسلم : بل بايع على أنّك فيء لامير المؤمنين ، يفعل في أموالكم وذراريكم ما يشاء. فأبى أن يبايع على ذلك ، فأمر به ، فضربت عنفه (٢)

وقال الطبري : دعا الناس مسلم بن عقبة بقبا إلى البيعة وطلب الامان لرجلين من قريش ليزيد بن عبد الله بن زمعة ومحمّد بن أبي الجهم فأتي بهما بعد الوقعة بيوم فقال : بايعا. فقالا : نبايعك على كتاب الله وسنة نبيّه ، فقال : لا والله لا أقيلكم هذا أبدا ، فقدّمهما فضرب أعناقهما ، فقال له مروان : سبحان الله أتقتل رجلين من قريش أتيا ليؤمنا فضربت أعناقهما ، فنخس بالقضيب في خاصرته ، ثمّ قال : وأنت والله لو قلت بمقالتهما ما رأيت السماء إلّا برقة.

قال : وأتي بيزيد بن وهب بن زمعة ، فقال : بايع. قال : ابايعك على سنّة عمر ، قال : اقتلوه. قال : أنا أبايع : قال : لا والله لا أقيلك عثرتك ، فكلّمه مروان بن الحكم لصهر كان بينهما فأمر بمروان فوجئت عنقه ثمّ قال : بايعوا على أنكم خول ليزيد بن معاوية ، ثمّ أمر به فقتل (٣).

ارسال الرءوس إلى الخليفة يزيد :

قال ابن عبد ربّه : وبعث مسلم بن عقبة برءوس أهل المدينة إلى يزيد ،

__________________

(١) تاريخ الطبري ٧ / ١١ ـ ١٢ ، وط. اوربا ٢ / ٤٢١ ، وفتوح ابن أعثم ٥ / ٣٠٠.

(٢) تاريخ الطبري ٧ / ١١ ـ ١٢ وط. اوربا ٢ / ٤١٨ ـ ٤٢٠.

(٣) الأخبار الطوال ص ٢٦٥.

٢٣٩

فلمّا ألقيت بين يديه ، جعل يتمثّل بشعر ابن الزّبعرى يوم أحد :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل

لاهلّوا واستهلّوا فرحا

ثمّ قالوا : يا يزيد لا تشل

فقال له رجل من أصحاب رسول الله (ص) : ارتددت عن الاسلام يا أمير المؤمنين! قال : بلى! نستغفر الله ، قال : والله لا أساكنك أرضا أبدا ، وخرج عنه (١).

وفي رواية ابن كثير ، جاء بعد البيت الأول :

حين حلّت بقباء بركها

واستحرّ القتل في عبد الاشل

قد قتلنا الضعف من أشرافهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

ثمّ قال : وزاد بعض الروافض فيها فقال :

لعبت هاشم بالملك فلا

ملك جاء ولا وحي نزل

قال ابن كثير بعده : فهذا ان قاله يزيد بن معاوية فلعنة الله عليه ولعنة اللاعنين وان لم يكن قاله فلعنة الله على من وضعه عليه (٢).

قال المؤلّف : قد وهم ابن كثير وظنّ أنّهم قالوا : أضاف يزيد هذا البيت على شعر ابن الزبعرى في هذا المقام فأنكره بينما هم لم ينقلوا ذلك وانّما روى الشعبي وغيره أنّ يزيد أضاف هذا البيت على شعر ابن الزبعرى عند ما تمثّل بشعره ورأس الحسين بين يديه ، ولم يكن الشعبي رافضيّا ولا شيعيّا ، وانما كان من كبار المتعصبين لمدرسة الخلافة. ولست أدري لما ذا لم يعتذر ابن كثير عن يزيد ويقول : انّه مجتهد ، وانّه أنشد هذا البيت باجتهاده؟!

__________________

(١) العقد الفريد ٤ / ٣٩٠.

(٢) ابن كثير ٨ / ٢٢٤ ، وفي رواية الدينوري في الأخبار الطوال ص ٢٦٧.

٢٤٠