معالم المدرستين - ج ٣

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ٣

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٤١

جيش الخلافة يسوق حرم الرسول إلى الكوفة

في فتوح ابن أعثم ومقتل الخوارزمي وغيرهما ، قالوا : وساق القوم حرم رسول الله (ص) كما تساق الاسارى ، حتّى إذا بلغوا بهم الكوفة خرج الناس ينظرون إليهم ، وجعلوا يبكون ويتوجّعون ، وعلي بن الحسين مريض ، مغلول مكبّل بالحديد ، قد نهكته العلّة ، فقال : ألا إنّ هؤلاء يبكون ويتوجّعون من أجلنا ، فمن قتلنا إذن؟ (فأشرفت امرأة من الكوفة وقالت: من أيّ الاسارى أنتنّ؟ فقلن : نحن أسارى آل محمّد (ص) فنزلت وجمعت ملاء وأزرا ومقانع وأعطتهنّ) (١).

خطبة زينب (ع):

وقال بشير بن حذيم الأسدي : نظرت إلى زينب بنت علي يومئذ ـ ولم أر خفرة قطّ انطق منها كأنّما تنطق عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وتفرغ عنه ـ وأومأت إلى الناس أن اسكتوا فارتدّت الانفاس ، وسكنت الاجراس ، فقالت :

«الحمد لله ، والصلاة على أبي محمّد رسول الله وعلى آله الطيّبين

__________________

(١) ما بين القوسين في مثير الاحزان ص ٦٦ ثم رجعنا إلى رواية ابن أعثم.

١٨١

الاخيار آل الله ، وبعد! يا أهل الكوفة! ويا أهل الختل ، والخذل ، والغدر! أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنّة ، انّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثا. تتخذون أيمانكم دخلا بينكم! ألا وهل فيكم إلّا الصلف ، والطنف ، والشنف (١) ، وملق الاماء وغمز الاعداء ، أو كمرعى على دمنة ، أو كقصة (٢) على ملحودة ، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون ، أتبكون وتنتحبون؟! إي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا ، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم الأنبياء وسيّد شباب أهل الجنّة وملاذ خيرتكم ومفزع نازلتكم ، ومنار حجّتكم ومدره (٣) ألسنتكم ألا ساء ما تزرون وبعدا لكم وسحقا ، فلقد خاب السعي وتبت الايدي ، وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة.

ويلكم يا أهل الكوفة! أ

تدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم؟ وأيّ دم له سفكتم؟ وأيّ كريمة له أبرزتم؟ وأيّ حريم له أصبتم؟ وأيّ حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم شيئا إدّا ، تكاد السموات يتفطّرن منه ، وتنشقّ الأرض منه ، وتخرّ الجبال هدّا ، انّ ما جئتم بها لصلعاء ، وعنقاء سوءاء فقماء خرقاء شوهاء ، كطلاع الأرض وملاء السماء. أفعجبتم أن قطرت السماء دما؟ ولعذاب الآخرة أشدّ وأخزى وأنتم لا تنصرون ، فلا يستخفّنّكم المهل ، فانّه عزوجل لا يحفزه البدار ، ولا يخاف فوت الثار ، كلّا انّ ربّكم لبالمرصاد».

__________________

(١) الأول الوقاحة والثاني فساد الأخلاق والثالث الكراهة.

(٢) وهي الجص.

(٣) كمنبر ، المقدم من اللسان.

١٨٢

قال بشير : فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى ، كأنّهم كانوا سكارى ، يبكون ويحزنون ، ويتفجّعون ويتأسّفون ، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم. قال : ونظرت إلى شيخ من أهل الكوفة كان واقفا إلى جنبي ، قد بكى حتّى اخضلّت لحيته بدموعه وهو يقول : صدقت بأبي وأمّي ، كهولكم خير الكهول ، وشبّانكم خير الشبّان ، ونساؤكم خير النسوان ، ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى (١).

خطبة فاطمة ابنة الحسين (ع):

وفي مثير الاحزان واللهوف : وخطبت فاطمة الصغرى فقالت : الحمد لله عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش إلى الثرى ، أحمده وأومن به وأتوكّل عليه ، وأشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله وأنّ أولاده ذبحوا بشطّ الفرات من غير ذحل ولا ترات. اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب أو أن أقول خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيّه علي بن أبي طالب ، المقتول ـ كما قتل ولده بالأمس ـ في بيت من بيوت الله ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم ، تعسا لرءوسهم ما دفعت عنه ضيما في حياته وبعد وفاته ، حتّى قبضته أليك محمود النقيبة طيّب العريكة ، معروف المناقب مشهور المذاهب ، لم تأخذه فيك لومة لائم ، زاهدا في الدنيا ، مجاهدا في سبيلك ، فهديته إلى صراطك المستقيم.

أمّا بعد يا أهل الكوفة! يا أهل المكر والغدر والخيلاء! فإنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا ؛ فجعل بلاءنا حسنا وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، أكرمنا بكرامته ، وفضّلنا بمحمّد نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله على كثير ممّن خلق تفضيلا فكذّبتمونا ورأيتم قتالنا حلالا وأموالنا نهبا ،

__________________

(١) تاريخ ابن أعثم ٥ / ٢٢١ ـ ٢٢٦ ، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٤٠ ـ ٤٢. ولا يبزى : لا يقهر.

١٨٣

كأنّا أولاد ترك أو كابل ، فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ، ونالت أيديكم من أموالنا ، فكأنّ العذاب قد حلّ بكم ، وأتت نقمات ، ألا لعنة الله على الظالمين ، تبّا لكم يا أهل الكوفة! أيّ ترات لرسول الله صلّى الله عليه قبلكم وذحول له لديكم بما عندتم بأخيه علي بن أبي طالب جدي وبنيه وعترته وافتخر بذلك مفتخركم فقال :

نحن قتلنا عليا وبني علي

بسيوف هندية ورماح

وسبينا نساءهم سبي ترك

ونطحناهم فأي نطاح

بفيك الكثكث والأثلب ، افتخرت بقتل قوم زكّاهم الله في كتابه وطهرهم وأذهب عنهم الرجس فأقع كما أقعى أبوك ، وانّما لكل امرئ ما اكتسب ، أحسدتمونا على ما فضّلنا الله تعالى به؟ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. فضجّ الموضع بالبكاء والحنين وقالوا : حسبك يا ابنة الطيّبين فقد أحرقت قلوبنا وأضرمت أجوافنا فسكتت.

خطبة أم كلثوم :

وقال : وخطبت أمّ كلثوم بنت علي (ع) وقد غلب عليها البكاء فقالت : يا أهل الكوفة ، سوءة لكم! مالكم خذلتم حسينا وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وسبيتم نساءه ونكبتموه؟! فتبّا لكم وسحقا. ويلكم أتدرون أيّ دواه دهتكم! وأيّ دماء سفكتموها! وأيّ كريمة أصبتموها! وأيّ أموال انتهبتموها! قتلتم خير رجالات بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله! ألا انّ حزب الله هم الفائزون وحزب الشيطان هم الخاسرون ثمّ قالت :

١٨٤

قتلتم أخي صبرا فويل لامّكم

ستجزون نارا حرّها يتوقّد

سفكتم دماء حرم الله سفكها

وحرّمها القرآن ثمّ محمد

ألا فابشروا بالنار إنكم غدا

لفي سقر حقّا يقينا تخلدوا

وانّي لأبكي في حياتي على أخي

على خير من بعد النبي سيولد

بدمع غزير مستهلّ مكفكف

على الخدّ مني ذائبا ليس يجمد

فضجّ الناس بالبكاء والنوح (١).

__________________

(١) مثير الاحزان ٦٦ ـ ٦٩ ، واللهوف ، وابن شهراشوب في المناقب.

١٨٥

آل رسول الله (ص) في دار الامارة

روى الطبري بسنده ، عن حميد بن مسلم ، قال : دعاني عمر بن سعد فسرحني إلى أهله لأبشّرهم بفتح الله عليه وبعافيته ، فأقبلت حتّى أتيت أهله فأعلمتهم ذلك ، ثمّ أقبلت حتّى أدخل فأجد ابن زياد قد جلس للناس ، وأجد الوفد قد قدموا عليه فأدخلهم وأذن للناس فدخلت فيمن دخل ، فإذا برأس الحسين موضوع بين يديه ، وإذا هو ينكت بقضيب بين ثنيّتيه ساعة ، فلمّا رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب ، قال له : أعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيّتين فو الّذي لا إله غيره ، لقد رأيت شفتي رسول الله (ص) على هاتين الشفتين يقبّلهما ، ثمّ انفضح الشيخ يبكي فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك فو الله لو لا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك ، قال : فنهض فخرج ، فلمّا خرج سمعت الناس يقولون : والله لقد قال زيد بن أرقم قولا لو سمعه ابن زياد لقتله فقلت : ما قال؟ قالوا : مرّ بنا وهو يقول ؛ ملّك عبد عبدا فاتّخذهم تلدا. أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم فرضيتم بالذلّ فبعدا لمن رضي بالذلّ ، قال : فلمّا دخل برأس حسين وصبيانه وأخواته ونسائه على عبيد الله بن زياد لبست زينب ابنة فاطمة أرذل ثيابها وتنكّرت

١٨٦

وحفّت بها إماؤها ، فلمّا دخلت جلست فقال عبيد الله بن زياد : من هذه الجالسة؟ فلم تكلّمه ، فقال ذلك ثلاثا ، كلّ ذلك لا تكلّمه ، فقال بعض إمائها : هذه زينب ابنة فاطمة قال : فقال لها عبيد الله : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم. فقالت : الحمد لله الذي أكرمنا بمحمّد (ص) وطهّرنا تطهيرا ، لا كما تقول أنت ، انّما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر ، قال : فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ قالت : كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّون إليه وتخاصمون عنده. قال : فغضب ابن زياد واستشاط. قال : فقال له عمرو بن حريث : أصلح الله الأمير انّما هي امرأة وهل تؤاخذ المرأة بشيء من منطقها؟ انّها لا تؤاخذ بقول ولا تلام على خطل ، فقال لها ابن زياد : قد أشفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك! قال : فبكت ، ثمّ قالت : لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبرت أهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فان يشفك هذا ، فقد اشتفيت ، فقال لها عبيد الله : هذه سجّاعة! قد لعمري كان أبوك شاعرا سجّاعا! قالت : ما للمرأة والسجاعة ان لي عن السجاعة (١) لشغلا ولكنّي نفثى ما أقول.

وروى عن حميد بن مسلم قال : انّي لقائم عند ابن زياد حين عرض عليه علي بن الحسين ، فقال له : ما اسمك؟ قال : أنا علي بن الحسين قال : أولم يقتل الله عليّ بن الحسين؟ فسكت. فقال له ابن زياد : ما لك لا تتكلّم؟ قال : قد كان لي أخ يقال له أيضا عليّ فقتلته الناس. قال : انّ الله

__________________

(١) السجع : الكلام المقفى أو موالاة الكلام على روي واحد ، وقد يطلق السجع على الكلام المسجع وسجع الخطيب سجعا نطق بكلام له فواصل فهو سجاع وسجاعة بتشديد الجيم وهذا ما أراده ابن زياد في قوله وأجابته زينب بأن لها ما يشغلها عن سجع الكلام وما ورد في النسخة (الشجاع والشجاعة) تحريف.

١٨٧

قد قتله. قال : فسكت عليّ. فقال له : ما لك لا تتكلّم؟ قال : الله يتوفّى الأنفس حين موتها وما كان لنفس أن تموت إلّا باذن الله. قال : أنت والله منهم (ويحك انظروا هل أدرك والله انّي لاحسبه رجلا) (١) قال : فكشف عنه مرّيّ بن معاذ الأحمري فقال : نعم قد أدرك. فقال : أقتله. فقال عليّ بن الحسين من توكّل بهؤلاء النسوة؟ وتعلّقت به زينب عمّته فقالت: يا ابن زياد حسبك منّا أما رويت من دمائنا؟ وهل أبقيت منّا أحدا؟ قال : فاعتنقته فقالت : أسألك بالله ان كنت مؤمنا إن قتلته لمّا قتلتني معه. قال : وناداه عليّ فقال : يا ابن زياد إن كانت بينك وبينهم قرابة فابعث معهنّ رجلا تقيّا يصحبهنّ بصحبة الاسلام قال : فنظر إليها ساعة ثمّ نظر إلى القوم فقال : عجبا للرحم والله انّي لا ظنّها ودّت لو أنّي قتلته أنّي قتلتها معه. دعوا الغلام. انطلق مع نسائك.

قال حميد بن مسلم : لمّا دخل عبيد الله القصر ودخل الناس نودي الصلاة جامعة ؛ فاجتمع الناس في المسجد الأعظم فصعد المنبر ابن زياد فقال : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه ، وقتل الكذّاب الحسين بن عليّ وشيعته ، فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتّى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ثم الغامدي ثمّ أحد بني والبة ـ وكان من شيعة عليّ كرّم الله وجهه وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع عليّ فلمّا كان يوم صفّين ضرب على رأسه ضربة واخرى على حاجبه فذهبت عينه الأخرى ، فكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلّي فيه إلى الليل ثمّ ينصرف ـ قال : فلمّا سمع مقالة ابن زياد قال : يا ابن مرجانة! انّ

__________________

(١) ان علي بن الحسين السجاد كان قد ولد له محمد الباقر (ع) يوم ذاك ، ومع هذا لا يستقيم هذا القول وهذه الجملة زيادة في الرواية لم ترد ضمن رواية الطبرسي في إعلام الورى.

١٨٨

الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك والذي ولّاك وأبوه! يا ابن مرجانة! أتقتلون أبناء النبيّين وتكلّمون بكلام الصدّيقين! فقال ابن زياد : عليّ به. قال : فوثبت عليه الجلاوزة فأخذوه قال : فنادى بشعار الأزد : يا مبرور! قال : وعبد الرحمن بن مخنف الأزدي جالس ، فقال : ويح غيرك! أهلكت نفسك وأهلكت قومك ، قال : وحاضر الكوفة يومئذ من الأزد سبعمائة مقاتل ، قال : فوثب إليه فتية من الأزد ، فانتزعوه فأتوا به أهله ، فأرسل إليه من أتاه به فقتله ، فأمر بصلبه في السبخة فصلب هناك.

رأس الإمام يدار به في سكك الكوفة :

قال أبو مخنف : ثمّ إن عبيد الله بن زياد نصب رأس الحسين بالكوفة فجعل يدار به في الكوفة.

١٨٩

اخبار مدينة الرسول (ص) بقتل سبط الرسول (ع):

وروى الطبري بسنده عن عوانة بن الحكم قال : لمّا قتل عبيد الله بن زياد الحسين بن علي ، وجيء برأسه إليه ، دعا عبد الملك بن أبي الحارث السلمي فقال : انطلق حتّى تقدم المدينة على عمرو بن سعيد بن العاص ، فبشّره بقتل الحسين ، وكان عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة يومئذ. قال : فذهب ليعتل له فزجره وكان عبيد الله لا يصطلى بناره ، فقال : انطلق حتّى تأتي المدينة ولا يسبقك الخبر ، وأعطاه دنانير وقال : لا تعتلّ وان قامت بك راحلتك فاكتر راحلة قال عبد الملك : فقدمت المدينة فلقيني رجل من قريش فقال : ما الخبر؟ فقلت : الخبر عند الأمير. فقال : انّا لله وإنّا إليه راجعون ، قتل الحسين بن علي ، قال : فدخلت على عمرو بن سعيد فقال : ما وراءك؟ فقلت : ما سرّ الأمير ، قتل الحسين بن علي ، فقال : ناد بقتله ، فناديت بقتله ، فلم أسمع والله واعية قطّ مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنّ على الحسين! فقال عمرو بن سعيد وضحك :

عجّت نساء بني زياد عجّة

كعجيج نسوتنا غداة الارنب

والأرنب وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب من رهط عبد المدان وهذا البيت لعمرو بن معدي كرب ثمّ قال عمرو : هذه

١٩٠

واعية بواعية عثمان بن عفّان ، ثمّ صعد المنبر فأعلم الناس قتله.

وفي الأغاني : أمر عمرو صاحب شرطته على المدينة بعد خروج الحسين أن يهدم دور بني هاشم ففعل وبلغ منهم كلّ مبلغ (١).

وروى الطبري بسنده وقال : لمّا بلغ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب مقتل ابنيه مع الحسين ، دخل عليه بعض مواليه والناس يعزّونه قال : ـ ولا أظنّ مولاه ذلك إلّا أبا اللسلاس ـ ؛ فقال : هذا ما لقينا ودخل علينا من الحسين. قال : فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله ، ثمّ قال : يا ابن اللخناء! أللحسين تقول هذا؟! والله لو شهدته لا حببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه ، والله انّه لممّا يسخي بنفسي عنهما ، ويهون عليّ المصاب بهما ، أنّهما أصيبا مع أخي وابن عمّي مواسيين له صابرين معه. ثمّ أقبل على جلسائه ، فقال : الحمد لله! عزّ عليّ بمصرع الحسين. إلّا يكن آست حسينا يدي فقد آساه ولدي قال : ولمّا أتى أهل المدينة مقتل الحسين خرجت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها وهي حاسرة تلوي بثوبها وهي تقول :

ما ذا تقولون إن قال النبيّ لكم

ما ذا فعلتم وأنتم آخر الامم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم

دفن أجساد آل الرسول وأنصارهم :

وفي اثبات الوصيّة للمسعودي : أقبل زين العابدين في اليوم الثالث عشر من المحرّم لدفن أبيه (٢). وقال المفيد في الارشاد : لمّا رحل ابن سعد خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضريّة إلى الحسين وأصحابه فصلّوا عليهم ودفنوا الحسين (ع) حيث قبره الآن ، ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجله

__________________

(١) الاغاني ٤ / ١٥٥.

(٢) اثبات الوصية للمسعودي ص ١٧٣.

١٩١

وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الذين صرعوا حوله ، ممّا يلي رجلي الحسين (ع) ، وجمعوهم فدفنوهم جميعا معا ، ودفنوا العبّاس بن علي (ع) في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضريّة حيث قبره الآن (١).

إخبار الخليفة يزيد بقتل الحسين (ع):

روى الطبري بسنده وقال : لمّا قتل الحسين وجيء بالاثقال والاسارى حتّى وردوا بهم الكوفة إلى عبيد الله ، فبينا القوم محتبسون ، إذ وقع حجر في السجن معه كتاب مربوط وفي الكتاب : خرج البريد بأمركم في يوم كذا وكذا إلى يزيد بن معاوية وهو سائر كذا وكذا يوما ، وراجع في كذا وكذا ، فان سمعتم التكبير فأيقنوا بالقتل ، وان لم تسمعوا تكبيرا فهو الامان ان شاء الله ، قال : فلمّا كان قبل قدوم البريد بيومين أو ثلاثة إذا حجر ألقي في السجن ، ومعه كتاب مربوط وموسى ، وفي الكتاب أوصوا واعهدوا فانّما ينتظر البريد يوم كذا وكذا ، فجاء البريد ولم يسمع التكبير ، وجاء كتاب بأن سرّح الأسارى إليّ. (٢)

إرسال أسارى آل البيت (ع) إلى عاصمة الخلافة الشام :

روى الطبري أيضا وقال : إنّ عبيد الله أمر بنساء الحسين وصبيانه فجهزن وأمر بعليّ بن الحسين فغلّ بغلّ إلى عنقه ، ثمّ سرّح بهم مع محفّز بن ثعلبة العائذيّ عائذة قريش ، ومع شمر بن ذي الجوشن ، فانطلقا بهم حتّى قدموا على يزيد ، فلم يكن عليّ بن الحسين يكلّم أحدا منهما في الطريق كلمة حتّى بلغوا.

وفي فتوح ابن أعثم : قال : دعا ابن زياد زحر بن قيس الجعفي ، فسلّم

__________________

(١) ارشاد المفيد ص ٢٢٧.

(٢) الطبري ط. اوربا ٢ / ٣٨٠.

١٩٢

إليه رأس الحسين بن عليّ رضي الله عنهما ، ورءوس اخوته ورأس علي بن الحسين ورءوس أهل بيته وشيعته ، رضي الله عنهم أجمعين. ودعا علي بن الحسين (أيضا) فحمله وحمل أخواته وعمّاته وجميع نسائهم إلى يزيد بن معاوية قال : فسار القوم بحرم رسول الله (ص) من الكوفة إلى بلاد الشام على محامل بغير وطاء من بلد إلى بلد ، ومن منزل إلى منزل ، كما تساق أسارى الترك والديلم (١).

__________________

(١) فتوح أعثم ٥ / ٢٣٦ ، وقريب منه نص الطبري ط. اوربا ٢ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥.

١٩٣

استقبال الخليفة وعاصمته لآل الرسول (ص)

استقبال خليفة المسلمين رءوس آل رسول الله (ع) وأنصارهم :

في تذكرة سبط ابن الجوزي : روى عن الزهري ، قال : لمّا جاءت الرءوس كان يزيد في منظرة على ربى جيرون فأنشد لنفسه :

لمّا بدت تلك الحمول وأشرقت

تلك الشموس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح

فلقد قضيت من الغريم ديوني(١)

حاجة أمّ كلثوم إلى شمر :

في مثير الاحزان واللهوف ، انهم لمّا قربوا من دمشق دنت أم كلثوم من شمر وقالت له : ـ لي إليك حاجة. فقال : ما حاجتك؟ قالت : ـ إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظّارة ، وتقدّم إليهم أن يخرجوا هذه الرءوس من بين المحامل وينحّونا عنها ، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ونحن في مثل هذه الحال.

__________________

(١) تذكرة الخواص ٢ / ١٤٨ ، وجيرون كان خارج دمشق. راجع مادة جيرون من معجم البلدان.

١٩٤

فأمر في جواب سؤالها أن يجعل الرءوس على الرماح في أوساط المحامل وسلك بهم بين النظارة حتى أتى بهم باب دمشق (١).

عيد بعاصمة الخلافة :

في مقتل الخوارزمي عن سهل بن سعد قال : خرجت إلى بيت المقدس حتّى توسّطت الشام فاذا أنا بمدينة مطّردة الانهار كثيرة الأشجار قد علّقوا الستور والحجب والديباج ، وهم فرحون مستبشرون ، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول ، فقلت في نفسي : لعلّ لأهل الشام عيدا لا نعرفه نحن ، فرأيت قوما يتحدّثون ، فقلت : يا هؤلاء ألكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟! قالوا : يا شيخ! نراك غريبا؟ فقلت : أنا سهل بن سعد ، قد رأيت رسول الله (ص) وحملت حديثه ، فقالوا : يا سهل! ما أعجبك السماء لا تمطر دما! والأرض لا تخسف بأهلها! قلت : ولم ذاك؟ فقالوا هذا رأس الحسين عترة رسول الله (ص) يهدى من أرض العراق إلى الشام وسيأتي الآن. قلت : وا عجبا! أيهدى رأس الحسين والناس يفرحون؟! فمن أي باب يدخل؟ فأشاروا إلى باب يقال له : باب الساعات ، فسرت نحو الباب ، فبينما أنا هنالك ، إذ جاءت الرايات يتلو بعضها بعضا ، وإذا أنا بفارس بيده رمح منزوع السنان ، وعليه رأس من أشبه الناس وجها برسول الله ، وإذا بنسوة من ورائه على جمال بغير وطاء.

حاجة سكينة :

قال سهل : فدنوت من احداهنّ فقلت : يا جارية من أنت؟ فقالت : سكينة بنت الحسين. فقلت لها : ألك حاجة إليّ؟ فأنا سهل بن سعد ممّن

__________________

(١) مثير الاحزان ص ٧٧ ، واللهوف ص ٦٧.

١٩٥

رأى جدّك وسمع حديثه. قالت : يا سهل قل لصاحب الرأس : أن يتقدّم بالرأس أمامنا حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه فلا ينظرون إلينا! فنحن حرم رسول الله ، قال : فدنوت من صاحب الرأس وقلت له : هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ منّي أربعمائة دينار؟! قال : وما هي؟ قلت : تقدّم الرأس أمام الحرم ، ففعل ذلك ودفعت له ما وعدته (١).

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ٦٠ ـ ٦١.

١٩٦

دخول أسرى آل الرسول (ص) عاصمة الخلافة الإسلاميّة

روى ابن أعثم وغيره (١) واللفظ لابن أعثم ، قال : وأتي بحرم رسول الله (ص) حتى أدخلوا مدينة دمشق من باب يقال له : باب توما ، ثم أتي بهم حتّى وقفوا على درج باب المسجد حيث يقام السبي وإذا شيخ قد أقبل حتّى دنا منهم وقال : الحمد لله الّذي قتلكم وأهلككم وأراح الرجال من سطوتكم وأمكن أمير المؤمنين منكم! فقال له عليّ بن الحسين : يا شيخ هل قرأت القرآن؟ فقال : نعم قد قرأته ، قال : فعرفت هذه الآية (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٢)؟ قال الشيخ : قد قرأت ذلك ، قال علي بن الحسين رضي الله عنه : فنحن القربى يا شيخ. قال : فهل قرأت في سورة بني اسرائيل (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (٣)؟ قال الشيخ : قد قرأت ذلك ، فقال عليّ رضي الله عنه : نحن القربى يا شيخ ، ولكن هل قرأت هذه الآية : (وَاعْلَمُوا

__________________

(١) في تاريخ ابن أعثم ٥ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، وأوردها الطبري متفرقة في تفسير الآيات بتفسيره وبعضه بتفسير ابن كثير ٤ / ١١٢ ، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٦١ ، ويختلف سياق اللهوف ص ٦٧ ، وأمالي الصدوق ص ١١٦ مع هذا السياق. كان باب توما في الشمال الشرقي من مدينة دمشق ، راجع الخريطة الملحقة بالمجلدة الثانية من تاريخ دمشق.

(٢) سورة الشورى الآية ٢٣.

(٣) سورة الاسراء الآية ٢٦.

١٩٧

أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) (١)؟ [قال الشيخ : قد قرأت ذلك ، قال علي : (٢)] فنحن ذو القربى يا شيخ ، ولكن هل قرأت هذه الآية : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣)؟ قال الشيخ : قد قرأت ذلك ، قال علي : فنحن أهل البيت الذين خصّصنا بآية التطهير. قال : فبقي الشيخ ساعة ساكتا نادما على ما تكلّمه ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إنّي تائب إليك ممّا تكلمته ومن بغض هؤلاء القوم ، اللهم إنّي أبرأ إليك من عدوّ محمّد وآل محمّد من الجنّ والانس.

ادخال آل الرسول مجلس الخلافة :

روى الطبري وقال : جلس يزيد بن معاوية ودعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله ثمّ دعا بعليّ بن الحسين وصبيان الحسين ونساءه فأدخلوا عليه والناس ينظرون.

وروى سبط ابن الجوزي وغيره وقالوا : انّ الصبيان والصبيات من بنات رسول الله كانوا موثقين في الحبال (٤).

وروى الطبري وغيره قالوا : لمّا وضعت الرءوس بين يدي يزيد ، رأس الحسين وأهل بيته وأصحابه قال يزيد :

يفلّقن هاما من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال يحيى بن الحكم أخو مروان :

__________________

(١) سورة الأنفال الآية ٤١.

(٢) هكذا ورد في النسخة.

(٣) الاحزاب ٣٣.

(٤) تذكرة خواص الامة ص ١٤٩ ، وفي اللهوف ، ومثير الأحزان ص ٧٩ واللفظ للتذكرة.

١٩٨

لهام بجنب الطفّ أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل

سميّة أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل

فضرب يزيد في صدر يحيى وقال : اسكت. (١)

بين السجاد (ع) ويزيد :

وفي مثير الاحزان وغيره ، فقال عليّ بن الحسين : أتأذن لي في الكلام؟ فقال : قل ولا تقل هجرا! فقال عليّ بن الحسين : لقد وقفت موقفا لا ينبغي لمثلي أن يقول الهجر ، ما ظنّك برسول الله لو رآني في غلّ؟ فقال لمن حوله : حلّوه (٢).

وفي تاريخ الطبري وغيره : قال يزيد لعلي بن الحسين : أبوك الّذي قطع رحمي وجهل حقّي ونازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت.

قال عليّ : ما أصابكم من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلّا في كتاب من قبل أن نبرأها.

فقال يزيد لابنه خالد : أردد عليه ، قال : فما درى خالد ما يردّ عليه ، فقال له يزيد: قل : ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ، ثمّ سكت عنه.

حبر من اليهود يستنكر على يزيد :

في فتوح ابن أعثم ، قال : فالتفت حبر من أحبار اليهود وكان حاضرا فقال : من هذا الغلام يا أمير المؤمنين؟ فقال : هذا ، صاحب الرأس أبوه.

__________________

(١) الطبري ، ط. اوربا ٢ / ٣٧٧.

(٢) مثير الأحزان ص ٧٨.

١٩٩

قال : ومن هو صاحب الرأس يا أمير المؤمنين؟ قال : الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، قال: فمن أمّه؟ قال : فاطمة بنت محمّد (ص).

فقال الحبر : يا سبحان الله هذا ابن (بنت) نبيّكم قتلتموه في هذه السرعة؟ بئس ما خلّفتموه في ذريته ، والله لو خلّف فينا موسى بن عمران سبطا من صلبه لكنّا نعبده من دون الله ، وأنتم إنّما فارقكم نبيّكم بالامس فوثبتم على ابن نبيّكم فقتلتموه. سوءة لكم من أمّة! قال : فأمر يزيد بكرّ (١) في حلقه ، فقال الحبر : ان شئتم فاضربوني أو فاقتلوني أو قرّروني ، فانّي أجد في التوراة أنه من قتل ذريّة نبي لا يزال مغلوبا أبدا ما بقي ، فإذا مات يصليه الله نار جهنّم (٢).

شاميّ يطلب عترة الرسول (ص) جارية له :

روى الطبري عن فاطمة بنت الحسين انّها قالت : انّ رجلا من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد ، فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه ـ أتخذها أمة ـ (٣) يعنيني وكنت جارية وضيئة فأرعدت وفرقت ، وظننت انّ ذلك جائز لهم وأخذت بثياب عمّتي (٤) زينب ، قالت : وكانت عمتي زينب أكبر منّي وأعقل ، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون ، فقالت : كذبت والله ولؤمت ، ما ذلك لك وله. فغضب يزيد فقال : كذبت والله ان ذلك لي ، ولو شئت ان أفعله لفعلت. قالت : كلا والله! ما جعل الله ذلك لك إلّا أن تخرج من ملّتنا ، وتدين بغير ديننا ، قالت : فغضب يزيد واستطار ثم قال : ايّاي

__________________

(١) أي : بضرب في حلقه.

(٢) فتوح ابن أعثم ٥ / ٢٤٦.

(٣) ما بين الخطين في مقاتل الطالبيين ص ١٢٠.

(٤) في الأصل : أختي محرف.

٢٠٠