معالم المدرستين - ج ٣

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ٣

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٤١

سيف رسول الله ذو النكال

وكاشف الخطوب والاهوال

فحمل وقاتل حتّى قتل (١).

وروى الطبري عن حميد بن مسلم قال : سمعت الحسين يومئذ وهو يقول : اللهمّ أمسك عنهم قطر السماء ، وامنعهم بركات الأرض ، اللهمّ فان متعتهم إلى حين ففرّقهم فرقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض عنهم الولاة أبدا. فانهم دعونا لينصرونا فعدوا علينا فقتلونا ، قال : وضارب الرجّالة حتّى انكشفوا عنه ، قال : ولمّا بقي الحسين في ثلاثة رهط أو أربعة ، دعا بسراويل محقّقة يلمع فيها البصر يمانيّ محقّق ففرزه ونكثه لكي لا يسلبه فقال له بعض أصحابه : لو لبست تحته تبّانا. قال ذلك ثوب مذلّة ولا ينبغي لي أن ألبسه قال : فلمّا قتل أقبل بحر بن كعب فسلبه ايّاه فتركه مجرّدا.

قال أبو مخنف : فحدّثني عمرو بن شعيب عن محمّد بن عبد الرحمن أنّ يدي بحر بن كعب كانتا في الشتاء ينضحان الماء وفي الصيف ييبسان كأنّهما عود.

مقتل العباس بن أمير المؤمنين (ع):

في مقاتل الطالبيّين : كان رجلا وسيما جميلا يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الأرض ، وكان يقال له : قمر بني هاشم ، وكان لواء الحسين معه يوم قتل ، وهو أكبر ولد أمّ البنين ، وهو آخر من قتل من إخوته لامّه وأبيه (٢)

وفي مقتل الخوارزمي : ثمّ خرج العباس وهو السقّاء فحمل وهو يقول :

__________________

(١) أورد الطبري ومن تبعه خبر مقتل إخوة الحسين (ع) بايجاز ، وفي مناقب ابن شهرآشوب أورد ارجاز أخوه العباس لأمه. وما أوردناه هنا نقلناه من مقتل الخوارزمي ٢ / ٢٨ ـ ٢٩ وبلفظه.

(٢) مقاتل الطالبيين ص ٨٤.

١٦١

أقسمت بالله الأعزّ الأعظم

وبالحجون صادقا وزمزم

وبالحطيم والفنا المحرّم

ليخضبنّ اليوم جسمي بدمي

دون الحسين ذي الفخار الاقدم

إمام أهل الفضل والتكرم (١)

وفي الارشاد ومثير الاحزان واللهوف (٢) : واشتدّ العطش بالحسين (ع) فركب المسنّاة يريد الفرات وبين يديه العباس أخوه فاعترضه خيل ابن سعد.

وفي مناقب ابن شهرآشوب : مضى يطلب الماء فحملوا عليه وحمل عليهم وهو يقول:

لا أرهب الموت إذا الموت رقى

حتّى أوارى في المصاليت لقا

نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا

إنّي أنا العبّاس أغدو بالسقا

ولا أخاف الشرّ يوم الملتقى

ففرّقهم فكمن له زيد بن الورقاء الجهني من وراء نخلة وعاونه حكيم ابن الطفيل السنبسي فضربه على يمينه فأخذ السيف بشماله وحمل عليه وهو يرتجز :

والله ان قطعتم يميني

إنّي أحامي أبدا عن ديني

وعن إمام صادق اليقين

نجل النبيّ الطاهر الأمين

فقاتل حتّى ضعف ، فكمن له حكيم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله ، فقال :

يا نفس لا تخشي من الكفّار

وأبشري برحمة الجبّار

مع النبيّ السيّد المختار

قد قطعوا ببغيهم يساري

فأصلهم يا ربّ حرّ النار

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ٢٩ ـ ٣٠.

(٢) الارشاد ص ٢٤ ، وإعلام الورى ص ٢٤٤ ، ومثير الاحزان ص ٥٣ ، واللهوف ص ٤٥.

١٦٢

فقتله الملعون بعمود من حديد (١).

وفي مقتل الخوارزمي : فقال الحسين : الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي (٢).

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ٢ / ٢٢١ ـ ٢٢٢.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٠.

١٦٣

مقتل أطفال آل الرسول (ص)

قتل الطفل الرضيع :

في مقتل الخوارزمي وغيره : تقدّم الحسين إلى باب الخيمة وقال : ناولوني عليّا الطفل حتّى أودّعه ، فناولوه الصبيّ ، فجعل يقبّله ويقول : ويل لهؤلاء القوم إذ كان خصمهم جدّك ، فبينا الصبيّ في حجره إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي فذبحه في حجره فتلقّى الحسين دمه حتّى امتلأت كفّه ثمّ رمى به نحو السماء ، وقال : اللهمّ ان حبست عنّا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا ، وانتقم من هؤلاء الظالمين ، ثمّ نزل الحسين عن فرسه وحفر للصبي بجفن سيفه وزمّله بدمه وصلّى عليه (١).

مقتل طفل آخر للحسين (ع):

قال الطبري : ورمى عبد الله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين بن عليّ بسهم فقتله فلذلك يقول الشاعر وهو ابن أبي عقب :

وعند غنيّ قطرة من دمائنا

وفي أسد أخرى تعدّ وتذكر

معركة في طريق الفرات :

روى الطبري عمّن شهد الحسين في عسكره ، أنّ حسينا حين غلب على

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٢ ، وتاريخ الطبري ط. أوربا ، ٢ / ٣٦٠ ، وابن كثير ٨ / ١٨٨.

١٦٤

عسكره ، ركب المسنّاة ، يريد الفرات ، قال : فقال رجل من بني أبان بن دارم : ويلكم حولوا بينه وبين الماء لا تتامّ إليه شيعته ، قال : وضرب فرسه واتّبعه الناس حتّى حالوا بينه وبين الفرات فقال الحسين : اللهم أظمئه! قال : وينتزع الأبانيّ بسهم فأثبته في حنك الحسين.

وفي رواية : فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه ـ وفي رواية في حنكه ـ قال : فانتزع الحسين السهم ثم بسط كفّيه فامتلأتا دما فرمى به إلى السماء ، ثمّ حمد الله وأثنى عليه ثمّ جمع يديه فقال : اللهم انّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك ، اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا.

وروى الطبري وقال : فانتزع الحسين السهم ثمّ بسط كفّيه فامتلأتا دما ثم قال الحسين : اللهم انّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك قال : فو الله ان مكث الرجل إلّا يسيرا حتّى صبّ الله عليه الظمأ فجعل لا يروى ، قال القاسم بن الاصبغ. لقد رأيتني فيمن يروّح عنه ، والماء يبرّد له فيه السكّر وعساس فيها اللبن وقلال فيها الماء وانّه ليقول : ويلكم اسقوني قتلني الظمأ فيعطى القلّة أو العسّ كان مرويا أهل البيت فيشربه فاذا نزعه من فيه اضطجع الهنيهة ثمّ يقول : ويلكم اسقوني قتلني الظمأ قال : فو الله ما لبث إلّا يسيرا حتّى انقدّ بطنه انقداد بطن البعير.

مقتل طفل مذعور :

روى الطبري عن هانئ بن ثبيت الحضرميّ ، قال : كنت ممّن شهد قتل الحسين ، قال: فو الله انّي لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل إلّا على فرس وقد جالت الخيل وتصعصعت ؛ إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الابنية عليه إزار وقميص وهو مذعور يتلتف يمينا وشمالا فكأني أنظر

١٦٥

إلى درتين في أذنيه تذبذبان كلما التفت ، إذ أقبل رجل يركض حتّى إذا دنا منه مال عن فرسه ، ثمّ اقتصد الغلام فقطعه بالسيف ، قال : الراوي : هانئ بن ثبيت ، هو صاحب الغلام ، فلمّا عتب عليه كنّى عن نفسه.

مقتل غلام للإمام الحسن (ع):

قال الطبري : ثمّ ان شمر بن ذي الجوشن أقبل في الرجّالة نحو الحسين فأخذ الحسين يشدّ عليهم فينكشفون عنه ، ثمّ انّهم أحاطوا به إحاطة وأقبل إلى الحسين عبد الله بن الحسن (١) من عند النساء وهو غلام لم يراهق فأخذته أخته زينب ابنة علي لتحبسه ، فقال لها الحسين : احبسيه. فأبى الغلام وجاء يشتدّ إلى الحسين فقام إلى جنبه ، قال : وقد أهوى بحر بن كعب بن عبيد الله من بني تيم الله ابن ثعلبة بن عكابة إلى الحسين بالسيف فقال الغلام : يا ابن الخبيثة! أتقتل عمّي؟! فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده ، فأطنّها إلى الجلدة فإذا يده معلّقة فنادى الغلام يا أمتاه! فأخذه الحسين فضمّه إلى صدره وقال : يا ابن أخي! اصبر على ما نزل بك ، واحتسب في ذلك الخير ، فانّ الله يلحقك بآبائك الصالحين ... برسول الله (ص) وعلي بن أبي طالب وحمزة وجعفر والحسن بن علي صلى الله عليهم أجمعين!

مقتل الحسين (ع) وسلبه :

روى الطبري وقال : ومكث الحسين طويلا من النهار كلّما انتهى إليه رجل من الناس انصرف عنه ، وكره أن يتولّى قتله وعظيم اثمه عليه ، قال : وإنّ رجلا يقال له : مالك بن النسير من بني بدّاء ، أتاه فضربه على رأسه بالسيف وعليه برنس له فقطع البرنس وأصاب السيف رأسه فأدمى رأسه فامتلأ البرنس دما فقال له الحسين : لا أكلت بها ولا شربت ، وحشرك الله

__________________

(١) في الطبري ط. أوربا ، ٢ / ٣٦٣ : «غلام من أهله» والتصحيح من ارشاد المفيد ص ٢٢٥.

١٦٦

مع الظالمين ، قال : فألقى ذلك البرنس ثمّ دعا بقلنسوة فلبسها واعتمّ وقد أعيا وبلّد ، وجاء الكندي حتى أخذ البرنس وكان من خزّ فلما قدم به بعد ذلك على امرأته أمّ عبد الله ابنة الحرّ أخت حسين بن الحرّ البدّي ؛ أقبل يغسل البرنس من الدمّ فقالت له امرأته : أسلب ابن بنت رسول الله (ص) تدخل بيتي؟! أخرجه عنّي. فذكر أصحابه أنّه لم يزل فقيرا بشرّ حتّى مات (١).

رجالة جيش الخلافة تهجم على مخيم ذراري رسول الله (ص):

قال أبو مخنف في حديثه : ثمّ إن شمر بن ذي الجوشن أقبل في نفر نحو من عشرة من رجّالة أهل الكوفة قبل منزل الحسين الذي فيه ثقله وعياله فمشى نحوه ، فقال الحسين : ويلكم ان لم يكن لكم دين ولا تخافون يوم المعاد ، فكونوا في أمر دنياكم أحرارا ذوي أحساب ، امنعوا رحلي وأهلي من طغامكم وجهالكم! فقال ابن ذي الجوشن : ذلك لك يا ابن فاطمة. قال : وأقدم عليه بالرجّالة منهم أبو الجنوب واسمه عبد الرحمن الجعفي ، والقشعم بن عمرو بن يزيد الجعفي ، وصالح بن وهب اليزني ، وسنان بن أنس النخعي ، وخولي بن يزيد الاصبحي ، فجعل شمر بن ذي الجوشن يحرّضهم فمرّ بأبي الجنوب وهو شاك في السلاح فقال له : أقدم عليه قال : وما يمنعك أن تقدم عليه أنت؟ وقال له شمر : ألي تقول ذا؟ قال : وأنت لي تقول ذا؟ فاستبّا فقال له أبو الجنوب : وكان شجاعا : والله لهممت أن أخضخض السنان في عينك قال : فانصرف عنه شمر وقال : والله لئن قدرت على أن أضرّك لاضرّنك (٢).

__________________

(١) الطبري ٤ / ٤٤٨ ط. دار المعارف بمصر ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وط. اوربا ٢ / ٣٥٩ ٣٦٠.

(٢) الطبري ٢ / ٣٦٢ ـ ٣٦٣ ط. اوربا.

١٦٧

آخر قتال الحسين (ع):

وروى الطبري عن أبي مخنف عن الحجاج بن عبد الله بن عمّار بن عبد يغوث البارقي أنّه عتب على عبد الله بن عمّار مشهده قتل الحسين فقال عبد الله بن عمّار : انّ لي عند بني هاشم ليدا ، قلنا له : وما يدك عندهم؟ قال : حملت على حسين بالرمح فانتهيت إليه فو الله لو شئت لطعنته ، ثمّ انصرفت عنه غير بعيد وقلت : ما أصنع بأن أتولّى قتله ؛ يقتله غيري ، قال : فشدّ عليه رجّالة ممّن عن يمينه وشماله ، فحمل على من عن يمينه حتّى ابذعرّوا ، وعلى من عن شماله حتّى ابذعرّوا ، وعليه قميص له من خزّ وهو معتمّ ، قال : فو الله ما رأيت مكثورا قطّ قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا منه ولا أجرأ مقدما ، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله ان كانت الرجّالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب.

صرخة زينب :

قال : فو الله انّه لكذلك إذ خرجت زينب ابنة فاطمة أخته وهي تقول : ليت السماء تطابقت على الأرض ، وقد دنا عمر بن سعد من حسين فقالت : يا عمر بن سعد! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟! قال : فكأني أنظر إلى دموع عمر وهي تسيل على خديه ولحيته قال : وصرف بوجهه عنها (١).

__________________

(١) الطبري ٢ / ٣٦٤ ـ ٣٦٥ ط. اوربا.

١٦٨

مقتل سبط النبي (ص) (١)

قال أبو مخنف : حدّثني الصقعب بن الزبير عن حميد بن مسلم قال : كانت عليه جبة من خزّ ، وكان معتمّا وكان مخضوبا بالوسمة قال : سمعته يقول قبل أن يقتل وهو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع يتّقي الرمية ويفترص العورة ، ويشدّ على الخيل وهو يقول : أعلى قتلي تحاثّون! أما والله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله الله أسخط عليكم لقتله منّي! وأيم الله انّي لارجو أن يكرمني الله بهوانكم ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون ، أما والله ان لو قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم ، ثمّ لا يرضى لكم بذلك حتّى يضاعف لكم العذاب الأليم ، قال : ولقد مكث طويلا من النهار ولو شاء الناس أن يقتلوه لفعلوا ، ولكنّهم كان يتّقي بعضهم ببعض ، ويحبّ هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء قال : فنادى شمر في الناس : ويحكم ما ذا تنظرون بالرجل؟ اقتلوه ثكلتكم أمّهاتكم قال : فحمل عليه من كلّ جانب فضربت كفّه اليسرى ضربة ضربها شريك التميمي ، وضرب على عاتقه ، ثمّ انصرفوا وهو ينوء ويكبو ، قال : وحمل عليه في تلك الحال سنان

__________________

(١) الطبري ٢ / ٣٦٥ ـ ٣٦٨ ط. اوربا.

١٦٩

بن أنس بن عمرو النخعي فطعنه بالرمح فوقع ، ثمّ قال لخوليّ بن يزيد الاصبحي احتزّ رأسه ، فأراد أن يفعل فضعف فأرعد فقال له سنان بن أنس : فتّ الله عضديك وأبان يديك فنزل إليه فذبحه واحتزّ رأسه ثمّ دفع إلى خوليّ بن يزيد وقد ضرب قبل ذلك بالسيوف.

قال أبو مخنف عن جعفر بن محمّد بن علي قال : وجد بالحسين (ع) حين قتل ثلاث وثلاثون طعنة ، وأربع وثلاثون ضربة ، قال : وجعل سنان ابن أنس لا يدنو أحد من الحسين إلّا شدّ عليه مخافة أن يغلب على رأسه حتّى أخذ رأس الحسين (ع) فدفعه إلى خوليّ.

جيش الخلافة يسلب ذراري رسول الله (ص):

قال : وسلب الحسين ما كان عليه ؛ فأخذ سراويله بحر بن كعب ، وأخذ قيس بن الاشعث قطيفته وكانت من خزّ وكان يسمّى بعد قيس قطيفة ، وأخذ نعليه رجل من بني أود يقال له الاسود وأخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم فوقع بعد ذلك إلى أهل حبيب بن بديل ، قال : ومال الناس على الورس والحلل والابل وانتهبوها ، قال : ومال الناس على نساء الحسين وثقله ومتاعه فان كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتّى تغلب عليه فيذهب به منها.

آخر شهيد :

وروى عن زهير بن عبد الرحمن الخثعمي ، أنّ سويد بن عمرو بن أبي المطاع كان صرع فأثخن فوقع بين القتلى مثخنا فسمعهم يقولون : قتل الحسين فوجد افاقة فإذا معه سكّين وقد أخذ سيفه ، فقاتلهم بسكينه ساعة ثمّ انّه قتل ، قتله عروة بن بطار التغلبي وزيد بن رقاد الجنبي وكان آخر شهيد.

وعن حميد بن مسلم قال : انتهيت إلى عليّ بن الحسين بن علي ،

١٧٠

الأصغر (١) وهو منبسط على فراش له وهو مريض وإذا شمر بن ذي الجوشن في رجّالته يقولون: ألا نقتل هذا؟ قال : فقلت : سبحان الله أنقتل الصبيان؟! إنّما هذا صبيّ. قال : فما زال ذلك دأبي أدفع عنه كل من جاء حتّى جاء عمر بن سعد فقال : ألا لا يدخلنّ بيت هؤلاء النسوة أحد ، ولا يعرضنّ لهذا الغلام المريض ، ومن أخذ من متاعهم شيئا فليردّه عليه ، قال : فو الله ما ردّ أحد شيئا ، قال : فقال علي بن الحسين : جزيت من رجل خيرا فو الله لقد دفع الله عنّي بمقالتك شرا (٢).

قاتل الحسين يطلب الجائزة :

قال : فقال الناس لسنان بن أنس : قتلت حسين بن علي وابن فاطمة ابنة رسول الله ، قتلت أعظم العرب خطرا ؛ جاء إلى هؤلاء يريد أن يزيلهم عن ملكهم ، فأت أمراءك فاطلب ثوابك منهم ، وانّهم لو أعطوك بيوت أموالهم في قتل الحسين كان قليلا. فأقبل على فرسه وكان شجاعا وكانت به لوثة ، فأقبل حتى وقف على باب فسطاط عمر بن سعد ثمّ نادى بأعلى صوته :

أوقر ركابي فضّة وذهبا

أنا قتلت الملك المحجّبا

قتلت خير الناس أمّا وأبا

وخيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال عمر بن سعد : أشهد إنّك لمجنون ما صححت قطّ ، أدخلوه عليّ. فلمّا أدخل حذفه بالقضيب ، ثمّ قال : يا مجنون أتتكلّم بهذا الكلام! أما والله لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك.

نجاة عقبة بن سمعان وأسر المرقع :

قال : وأخذ عمر بن سعد عقبة بن سمعان ، وكان مولى للرباب بنت

__________________

(١) لم يكن بعلي الأصغر ، وكان قد ولد له محمد الباقر يوم ذاك ، بل هو علي الأوسط.

(٢) الطبري ٢ / ٣٦٧ ط. اوربا.

١٧١

امرئ القيس الكلبيّة ، وهي أمّ سكينة بنت الحسين ، فقال له : ما أنت؟ قال : أنا عبد مملوك فخلّى سبيله ، فلم ينج منهم أحد غيره ، إلّا ان المرقع بن ثمامة الأسدي كان قد نثر نبله وجثا على ركبتيه فقاتل ، فجاءه نفر من قومه فقالوا له : أنت آمن ، أخرج إلينا ، فخرج إليه فلمّا قدم بهم عمر بن سعد على ابن زياد وأخبره سيّره إلى الزارة (١).

يوطئون الخيل جسد الحسين (ع):

قال : ثمّ إنّ عمر بن سعد نادى في أصحابه ، من ينتدب للحسين ويوطئه فرسه؟ فانتدب عشرة ، منهم اسحاق بن حياة الحضرمي وهو الذي سلب قميص الحسين فبرص بعد ، وأحبش بن مرثد بن علقمة بن سلامة الحضرمي ، فأتوا فداسوا الحسين بخيولهم حتّى رضّوا ظهره وصدره ، فبلغني أنّ أحبش بن مرثد بعد ذلك بزمان أتاه سهم غرب وهو واقف في قتال ففلق قلبه فمات (٢).

__________________

(١) و (٢) الطبري ٢ / ٣٦٨ ط. اوربا.

١٧٢

من نعى الإمام في المدينة

أ ـ أم سلمة :

في سنن الترمذي ، وسير النبلاء ، والرياض النضرة ، وتاريخ ابن كثير ، وتاريخ الخميس ، وغيرها ، واللفظ للأول ، عن سلمى ، قالت :

دخلت على أمّ سلمة وهي تبكي فقلت : ما يبكيك؟ قالت : رأيت رسول الله (ص) ـ تعني في المنام ـ وعلى رأسه ولحيته التراب فقلت : ما لك يا رسول الله؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفا (١).

وقال اليعقوبي : وكان أوّل صارخة صرخت في المدينة أمّ سلمة زوج رسول الله ، كان دفع إليها قارورة فيها تربة وقال لها : (انّ جبريل أعلمني انّ أمتي تقتل الحسين) وأعطاني هذه التربة ، وقال لي : (إذا صارت دما عبيطا فاعلمي أنّ الحسين قد قتل) ، وكانت عندها ، فلمّا حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كلّ ساعة ، فلمّا رأتها قد صارت دما صاحت ، وا حسيناه! يا ابن رسول الله! وتصارخت النساء في كلّ ناحية حتى ارتفعت المدينة

__________________

(١) سنن الترمذي ١٣ / ١٩٣ ـ ١٩٤ ، ومستدرك الحاكم ٤ / ١٩ ، وسير النبلاء ٣ / ٢١٣ ، والرياض النضرة ص ١٤٨ ، وتاريخ ابن الاثير ٣ / ٣٨ ، وابن كثير ٨ / ٢٠١ ، وتاريخ السيوطي ص ٢٠٨ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٧٢٦ ، وتهذيبه ٤ / ٢٤٠.

١٧٣

بالرجّة التي ما سمع بمثلها قطّ (١).

ب ـ ابن عباس :

في مسند أحمد بن حنبل ، وفضائله ، والمعجم الكبير للطبراني ، والمستدرك للحاكم والرياض النضرة ، وغيرها واللفظ للأول : عن عمار بن أبي عمّار عن ابن عباس ، قال : رأيت رسول الله (ص) في المنام نصف النهار أشعث أغبر ، معه قارورة فيها دم ، فقلت بأبي وأمي يا رسول الله ما هذا؟ قال : «هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم» قال عمّار : فأحصينا ذلك اليوم فوجدناه قد قتل فيه (٢).

وفي تاريخ ابن عساكر وابن كثير : عن علي بن زيد بن جدعان قال : استيقظ ابن عباس من نومه فاسترجع ، وقال : قتل الحسين والله! فقال له أصحابه : لم يا ابن عباس؟ فقال : رأيت رسول الله (ص) ومعه زجاجة من دم ، فقال : «أتعلم ما صنعت أمّتي من بعدي؟ قتلوا الحسين! وهذا دمه ودم أصحابه أرفعهما إلى الله».

فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه وتلك الساعة ، فما لبثوا إلّا أربعة وعشرين يوما حتّى جاءهم الخبر بالمدينة انّه قتل في ذلك اليوم وفي تلك الساعة (٣).

ج ـ ناع ثالث :

روى الطبري وغيره واللفظ للطبري ، عن عمرو بن عكرمة ، قال :

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨.

(٢) مسند أحمد ١ / ٢٤٢ و ٢٨٢ ، وفضائل أحمد ، الحديث ٢٠ و ٢٢ و ٢٦ ، والمعجم للطبراني ح ٥٦ ، ومستدرك الحاكم ٤ / ٣٩٨ ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، وسير النبلاء ٣ / ٣٢٣ ، والرياض النضرة ١٤٨ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٣ و ١٩٤ ، وتذكرة سبط ابن الجوزي ص ١٥٢ ، وتاريخ ابن الاثير ٣ / ٣٨ ، وابن كثير ٦ / ٢٣١ و ٨ / ٢٠٠ ، وقال اسناده قوي ، وتاريخ الخميس ٢ / ٣٠٠ ، والاصابة ١ / ٣٣٤ ، وتاريخ السيوطي ص ٢٠٨ ، وأمالي الشجري ص ١٦٠.

(٣) تاريخ ابن كثير ٨ / ٢٠٠ ، وتاريخ ابن عساكر الحديث ٧٢٣ ـ ٧٢٥.

١٧٤

أصبحنا صبيحة قتل الحسين بالمدينة فإذا مولى لنا يحدّثنا ، قال : سمعت البارحة مناديا ينادي وهو يقول :

أيّها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم

من نبيّ وملئك وقبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود

وموسى وحامل الإنجيل

وهناك روايات أخرى عن أم سلمة وغيرها أنهم سمعوا نوح الجنّ على الحسين وهم يقولون :

أيّها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم

ونبيّ ومرسل وقبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الإنجيل(١)

__________________

(١) تاريخ ابن كثير ٨ / ٢٠١ ، وراجع سير النبلاء ٣ / ٢١٤ ، وتاريخ السيوطي ص ٢٨٠ ، وتاريخ ابن عساكر ، الحديث ٧٣٣ ـ ٧٣٩.

١٧٥

ما وقع بعد استشهاد الإمام الحسين (ع)

قتل من أصحاب الحسين (ع) اثنان وسبعون رجلا ، ودفن الحسين وأصحابه أهل الغاضرية من بني أسد بعد ما قتلوا بيوم ، وقتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلا سوى الجرحى ، فصلى عليهم عمر بن سعد ودفنهم. قال : وما هو إلّا أن قتل الحسين فسرّح برأسه من يومه ذلك مع خوليّ ابن يزيد وحميد بن مسلم الازدي إلى عبيد الله بن زياد ، فأقبل به خوليّ فأراد القصر فوجد باب القصر مغلقا فأتى منزله فوضعه تحت اجّانة في منزله وله امرأتان امرأة من بني أسد والاخرى من الحضرميّين يقال لها : النوّار ابنة مالك بن عقرب ، وكانت تلك الليلة ليلة الحضرميّة ، قال هشام : فحدثني أبي عن النوّار بنت مالك قالت : أقبل خوليّ برأس الحسين فوضعه تحت اجّانة في الدار ثمّ دخل البيت فأوى إلى فراشه فقلت له : ما الخبر؟ ما عندك؟! قال جئتك بغنى الدهر ، هذا رأس الحسين معك في الدار! قالت : فقلت ويلك! جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن رسول الله (ص)؟ لا والله لا يجمع رأسي ورأسك بيت أبدا ، قالت : فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار ، فدعا الاسديّة فأدخلها إليه ، وجلست أنظر ، قالت : فو الله ما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الاجّانة

١٧٦

ورأيت طيرا بيضا ترفرف حولها قال : فلمّا أصبح غدا بالرأس إلى عبيد الله بن زياد وأقام عمر بن سعد يومه ذلك والغد ثم أمر حميد بن بكير الاحمري فأذّن في الناس بالرحيل إلى الكوفة وحمل معه بنات الحسين واخواته ، ومن كان معه من الصبيان وعلي بن الحسين مريض (١).

وروى الطبري عن قرّة بن قيس التميمي قال : نظرت إلى تلك النسوة لمّا مررن بحسين وأهله وولده صحن ولطمن وجوههن ... قال : فما نسيت من الأشياء لا أنسى قول زينب ابنة فاطمة حين مرّت بأخيها الحسين صريعا وهي تقول : يا محمّداه يا محمّداه! ، صلّى عليك ملائكة السماء ، هذا حسين بالعراء ، مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، يا محمّداه! وبناتك سبايا ، وذرّيّتك مقتّلة تسفي عليها الصبا. قال : فأبكت والله كلّ عدوّ وصديق قال : وقطف رءوس الباقين فسرّح باثنين وسبعين رأسا مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج وعزرة بن قيس فأقبلوا حتّى قدموا بها على عبيد الله بن زياد(٢).

__________________

(١) الطبري ٢ / ٣٦٨ ـ ٣٦٩ ط. اوربا.

(٢) الطبري ٢ / ٣٧٠ ط. اوربا.

١٧٧

رءوس الشهداء يتقاسمها القتلة من جيش الخلافة

وروى الطبري عن أبي مخنف ، قال : ولمّا قتل الحسين بن علي (ع) جيء برءوس من قتل معه من أهل بيته وشيعته وأنصاره إلى عبيد الله بن زياد ، فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث ، وجاءت هوازن بعشرين رأسا وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن ، وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا ، وجاءت بنو أسد بستة أرؤس ، وجاءت مذحج بسبعة أرؤس ، وجاء سائر الجيش بسبعة أرؤس ، فذلك سبعون رأسا قال : وقتل الحسين وأمّه فاطمة بنت رسول الله (ص) قتله سنان بن انس النخعي ثمّ الاصبحي ، وجاء برأسه خوليّ بن يزيد ، وقتل العبّاس بن علي بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين ابنة حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد ، قتله زيد بن رقاد الجنبي وحكيم بن الطفيل السنبسي ، وقتل جعفر بن علي بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين أيضا ، وقتل عبد الله بن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين أيضا وقتل عثمان بن علي بن أبي طالب وأمّه أم البنين أيضا رماه خولي بن يزيد بسهم فقتله ، وقتل محمد بن علي بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد ، قتله رجل من بني أبان بن دارم ، وقتل أبو بكر بن علي بن أبي طالب وأمّه ليلى ابنة مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم ، وقد شرك

١٧٨

في قتله ، وقتل علي بن الحسين بن علي وأمّه ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود بن معتب الثقفي وأمّها ميمونة ابنة أبي سفيان بن حرب قتله مرّة بن منقذ بن النعمان العبدي ، وقتل عبد الله بن الحسين بن علي وأمّه الرباب ابنة امرئ القيس بن عديّ بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم من كلب ، قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي ، واستصغر علي بن الحسين بن عليّ فلم يقتل (١) ، وقتل أبو بكر بن الحسن بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد قتله عبد الله بن عقبة الغنويّ ، وقتل عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد ، قتله حرملة بن كاهل رماه بسهم ، وقتل القاسم بن الحسن بن عليّ ، وأمّه أمّ ولد ، قتله سعد بن عمرو بن نفيل الازدي ، وقتل عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وأمّه جمّانة ابنة المسيب بن نجبة بن ربيعة بن رياح من بني فزارة قتله عبد الله بن قطبة الطائي ثمّ النبهاني ، وقتل محمّد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وأمّه الخوصاء ابنة خصفة بن ثقيف بن ربيعة بن عائذ بن الحارث بن تيم الله بن ثعلبة من بكر بن وائل ، قتله عامر ابن نهشل التيمي ، وقتل جعفر بن عقيل بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين ابنة الشقر بن الهضاب ، قتله بشر بن حوط الهمداني ، وقتل عبد الرحمن بن عقيل وأمّه أمّ ولد قتله عثمان بن خالد بن أسير الجهني ، وقتل عبد الله بن عقيل بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد رماه عمرو بن صبيح الصدائي فقتله ، وقتل مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد بالكوفة ، وقتل عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأمّه رقيّة ابنة علي بن أبي طالب وأمّها أمّ ولد قتله عمرو بن صبيح الصدائي ، وقيل : قتله أسيد بن مالك الحضرمي ، وقتل محمّد بن أبي سعيد بن عقيل ، وأمّه أمّ ولد قتله لقيط بن ياسر الجهني ،

__________________

(١) لم يكن صغيرا بل كان مريضا فلم يقتل وكان له من الاولاد محمد الباقر كما ذكرناه غير مرة.

١٧٩

واستصغر الحسن بن الحسن بن علي ، وأمّه خولة ابنة منظور بن ريّان بن سيّار الفزاري ، واستصغر عمرو بن الحسن بن علي فترك فلم يقتل وأمّه أمّ ولد ، وقتل من الموالي سليمان مولى الحسين بن علي قتله سليمان بن عوف الحضرمي ، وقتل منجح مولى الحسين بن علي ، وقتل عبد الله بن يقطر ؛ رضيع الحسين ابن علي (١).

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠ ط. المطبعة الحسينية المصرية.

١٨٠