معالم المدرستين - ج ٣

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ٣

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٤١

نافع بن هلال الجملي :

قال : وكان نافع بن هلال الجملي قد كتب اسمه على أفواق نبله ، فجعل يرمي بها مسمومة وهو يقول : أنا الجملي ، أنا على دين عليّ.

وقال الخوارزمي : وكان يرمي ويقول :

أرمي بها معلمة أفواقها

والنفس لا ينفعها اشفاقها

مسمومة يجري بها أخفاقها

لتملأنّ أرضها رشاقها

ويقول :

أنا على دين علي

ابن هلال الجملى

أضربكم بمنصلي

تحت عجاج القسطل(١)

فلم يزل يرميهم حتّى فنيت سهامه ، ثم ضرب إلى قائم سيفه فاستلّه ، وحمل وهو يقول :

أنا الغلام اليمنيّ الجمليّ

ديني على دين حسين وعلي

إن أقتل اليوم فهذا أملي

وذاك رأيي وألاقي عملي

فقتل ثلاثة عشر رجلا ... (٢).

قال الطبري :

خرج إليه رجل يقال له مزاحم بن حريث فقال : أنا على دين عثمان ، فقال له : أنت على دين شيطان! ثم حمل عليه فقتله ، فصاح عمرو بن الحجّاج بالناس : يا حمقى! أتدرون من تقاتلون؟ فرسان المصر ، قوما مستميتين. لا يبرزنّ لهم منكم أحد! فانّهم قليل ، وقلّ ما يبقون ، والله لو

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ١٤ ـ ١٥.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢ / ٢٠ ـ ٢١.

١٤١

لم ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم. فقال عمر بن سعد : صدقت ، الرأي ما رأيت. وأرسل إلى الناس يعزم عليهم الّا يبارز رجل منكم رجلا منهم.

قال : ودنا عمرو بن الحجّاج من أصحاب الحسين يقول : يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الامام ، فقال له الحسين : يا عمرو بن الحجّاج! أعليّ تحرّض الناس؟! أنحن مرقنا ، وأنتم ثبتّم عليه؟! أما والله لتعلمنّ لو قد قبضت أرواحكم ومتم على أعمالكم ، أيّنا مرق من الدين! ومن هو أولى بصلي النار!

وقال الطبري : فقتل اثني عشر من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح. قال : فضرب حتّى كسرت عضداه وأخذ أسيرا. قال : فأخذه شمر بن ذي الجوشن ومعه أصحاب له يسوقون نافعا حتى أتي به عمر بن سعد ، فقال له عمر بن سعد : ويحك يا نافع! ما حملك على ما صنعت بنفسك؟! قال : انّ ربّي يعلم ما أردت ، قال : والدماء تسيل على لحيته وهو يقول : والله لقد قتلت منكم اثني عشر سوى من جرحت وما ألوم نفسي على الجهد ، ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني ، فقال له شمر : اقتله أصلحك الله ، قال : أنت جئت به فإن شئت فاقتله ، قال : فانتضى شمر سيفه ، فقال له نافع : أما والله ان لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا ، فالحمد لله الّذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه ، فقتله. قال : ثم أقبل شمر يحمل عليهم وهو يقول :

خلّوا عداة الله خلّوا عن شمر

يضربهم بسيفه ولا يفرّ

وهو لكم صاب وسمّ ومقرّ

قال فلمّا رأى أصحاب الحسين انهم قد كثروا وأنهم لا يقدرون على أن يمنعوا حسينا ولا أنفسهم ؛ تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه.

١٤٢

الغفاريان :

فجاءه عبد الله وعبد الرحمن ابنا عزرة الغفاريّان فقالا : يا أبا عبد الله! عليك السلام حازنا العدوّ إليك فأحببنا أن نقتل بين يديك ، نمنعك وندفع عنك ، قال : مرحبا بكما ، ادنوا منّي ، فدنوا منه فجعلا يقاتلان قريبا منه ، أحدهما يقول :

قد علمت حقّا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

لنضربنّ معشر الفجّار

بكلّ عضب صارم بتّار

يا قوم ذودوا عن بني الاحرار

بالمشرفيّ والقنا الخطّار

الجابريان وحنظلة :

قال : وجاء الفتيان الجابريّان سيف بن الحارث بن سريع ، ومالك بن عبد بن سريع ، وهما ابنا عمّ وأخوان لامّ فأتيا حسينا فدنوا منه وهما يبكيان ، فقال : أي ابني أخي ما يبكيكما؟! فو الله انّي لأرجو أن تكونا عن ساعة قريري عين ، قالا : جعلنا الله فداك ، لا والله ما على أنفسنا نبكي ، ولكنّا نبكي عليك ، نراك قد أحيط بك ، ولا نقدر على أن نمنعك ، فقال : جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما ايّاي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين.

قال : وجاء حنظلة بن أسعد الشبامي فقام بين يدي الحسين فأخذ ينادي : يا قوم! انّي أخاف عليكم مثل يوم الاحزاب ، مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والّذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد ، ويا قوم! إنّي أخاف عليكم يوم التناد يوم تولّون مدبرين مالكم من الله من عاصم ، ومن يضلل الله فما له من هاد ، يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من

١٤٣

افترى ، فقال له حسين : يا ابن أسعد! رحمك الله انّهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحقّ ، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك ، فكيف بهم الآن وقد قتلوا اخوانك الصالحين ، قال : صدقت جعلت فداك ، أنت أفقه منّي وأحقّ بذلك ، أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق باخواننا؟ فقال : رح إلى خير من الدنيا وما فيها ، وإلى ملك لا يبلى ، فقال : السلام عليك يا أبا عبد الله ، صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك ، وعرّف بيننا وبينك في جنّته ، فقال : آمين آمين ، فاستقدم فقاتل حتّى قتل.

ثمّ استقدم الفتيان الجابريّان يلتفتان إلى الحسين ويقولان : السلام عليك يا ابن رسول الله ، فقال : عليكما السلام ورحمة الله ، فقاتلا حتّى قتلا.

عابس بن أبي شبيب وشوذب :

قال وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري ومعه شوذب مولى شاكر ، فقال : يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟ قال : ما أصنع؟! أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله (ص) حتّى أقتل ، قال : ذلك الظنّ بك أملا ، فتقدّم بين يدي أبي عبد الله حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه وحتى أحتسبك أنا ، فانّه لو كان معي الساعة أحد أولى به منّي بك لسرّني أن يتقدّم بين يديّ حتى أحتسبه فانّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكلّ ما قدرنا عليه ، فانّه لا عمل بعد اليوم ، وانّما هو الحساب قال : فتقدّم فسلّم على الحسين ثمّ مضى فقاتل حتّى قتل ، ثم قال عابس بن أبي شبيب : يا أبا عبد الله أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ إليّ منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلته ، السلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد الله أنّي على هديك

١٤٤

وهدي أبيك ، ثم مشى بالسيف مصلتا نحوهم وبه ضربة على جبينه.

وروى عن ربيع بن تميم الهمدانيّ وقد شهد ذلك اليوم قال : لمّا رأيته مقبلا عرفته وقد شاهدته في المغازي وكان أشجع الناس فقلت : أيها الناس! هذا الأسد الاسود ، هذا ابن أبي شبيب ، لا يخرجنّ إليه أحد منكم. فأخذ ينادي : ألا رجل لرجل! فقال عمر بن سعد : ارضخوه بالحجارة. قال : فرمي بالحجارة من كلّ جانب ، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره ، ثم شدّ على الناس فو الله لرأيته يكرد أكثر من مائتين من الناس ، ثم انّهم تعطّفوا عليه من كلّ جانب فقتل ، قال : رأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدّة ، هذا يقول : أنا قتلته ، وهذا يقول : أنا قتلته ، فأتوا عمر بن سعد ، فقال : لا تختصموا ، هذا لم يقتله سنان واحد ففرّق بينهم.

فرار الضحاك المشرقي :

وروى عن عبد الله المشرقي ، قال : لمّا رأيت أصحاب الحسين قد أصيبوا وقد خلص إليه وإلى أهل بيته ولم يبق معه غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي ، قلت له : يا ابن رسول الله! قد علمت ما كان بيني وبينك ، قلت لك : أقاتل عنك ما رأيت مقاتلا فإذا لم أر مقاتلا فانا في حلّ من الانصراف ، فقلت لي : نعم قال : فقال : صدقت وكيف لك بالنجاء؟ ان قدرت على ذلك فأنت في حلّ. قال : فأقبلت إلى فرسي وقد كنت حيث رأيت خيل أصحابنا تعقر أقبلت بها حتى أدخلتها فسطاطا لاصحابنا بين البيوت وأقبلت اقاتل معهم راجلا فقتلت يومئذ بين يدي الحسين رجلين وقطعت يد آخر ، وقال لي الحسين يومئذ مرارا : لا تشلل ، لا يقطع الله يدك ، جزاك الله خيرا عن أهل بيت نبيّك (ص) فلمّا أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط ثمّ استويت على متنها ، ثمّ ضربتها حتّى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم فأفرجوا لي واتبعني منهم خمسة

١٤٥

عشر رجلا حتّى انتهيت إلى شفيّة ، قرية قريبة من شاطئ الفرات ، فلمّا لحقوني عطفت عليهم فعرفني كثير بن عبد الله الشعبي وأيوب بن مشرح الخيواني ، وقيس بن عبد الله الصائدي وقالوا : هذا الضحّاك بن عبد الله المشرقي ، هذا ابن عمّنا ننشدكم الله لما كففتم عنه. فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم : بلى والله لنجيبنّ اخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبّوا من الكفّ عن صاحبهم ، قال : فلمّا تابع التميميون أصحابي كفّ الآخرون قال : فنجاني الله.

قال الطبري : وكان آخر من بقي مع الحسين من أصحابه سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي.

قال المؤلف : إلى هنا أوردنا أخبار تاريخ الطبري في مقتل أصحاب الحسين دون أن نلتزم بسياقه في ترتيب ذكر الحوادث لما يظهر منه عدم الاكتراث بذكر الحوادث كما وقعت ، ولم يكن ترتيبنا أيضا بنتيجة البحث العلمي في غير أخبار الطبري وإنّما لاحظنا القرائن الدالّة في أخباره على الترتيب الّذي أوردناه وصرّحنا بمصادر الأخبار التي أضفناها إلى أخباره ، وبما أن الطبري لم يستوعب في تاريخه جميع أخبار أصحاب الحسين وكان في بعضها مزيد إيضاح لما نحن بصدده من إدراك سبب استشهاد الحسين ؛ فإنّا نورد يسيرا منها في ما يلي.

١٤٦

شهداء آخرون

عمرو بن خالد :

قال الخوارزمي : وبرز عمرو بن خالد الأزدي وهو يقول :

اليوم يا نفس إلى الرحمن

تمضين بالروح وبالريحان

اليوم تجزين على الاحسان

قد كان منك غابر الازمان

ما خط باللوح لدى الديّان

فاليوم زال ذاك بالغفران

لا تجزعي فكل حيّ فان

والصبر أحظى لك بالامان

فقاتل حتى قتل.

سعد بن حنظلة :

ثمّ خرج من بعده سعد بن حنظلة التميمي وهو يقول :

صبرا على الأسياف والاسنّة

صبرا عليها لدخول الجنّة

وحور عين ناعمات هنّه

لمن يريد الفوز لا بالظنّة

يا نفس للراحة فاطرحنّه

وفي طلاب الخير فارغبنّه

ثم حمل فقاتل قتالا شديدا فقتل (١).

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ١٤.

١٤٧

عبد الرحمن بن عبد الله اليزني :

قال : ثمّ خرج عبد الرحمن بن عبد الله اليزني وهو يقول :

أنا ابن عبد الله من آل يزن

ديني على دين حسين وحسن

اضربكم ضرب فتى من اليمن

أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن

ثمّ حمل فقاتل حتّى قتل.

قرة بن أبي قرة :

ثمّ قرة خرج بن أبي قرّة الغفاري وهو يقول :

قد علمت حقا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

بأنني الليث الهزبر الضاري

لأضربنّ معشر الفجّار

بحدّ عضب ذكر بتّار

يشعّ لي في ظلمة الغبار

دون الهداة السادة الابرار

رهط النبي أحمد المختار

ثمّ حمل فقاتل حتى قتل.

عمر بن مطاع :

وبرز عمر بن مطاع الجعفي وهو يقول :

أنا ابن جعفي وأبي مطاع

وفي يميني مرهف قطّاع

واسمر سنانه لمّاع

يرى له من ضوئه شعاع

قد طاب لي في يومي القراع

دون حسين وله الدفاع

ثمّ حمل فقاتل حتّى قتل (١).

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ١٧ ـ ١٨.

١٤٨

جون مولى أبي ذر :

في مثير الاحزان واللهوف : ثم تقدّم جون مولى أبي ذرّ وكان عبدا أسود فقال له : أنت في اذن منّي فإنّما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل بطريقنا ، فقال : يا ابن رسول الله! أنا في الرخاء الحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم؟ والله انّ ريحي لمنتن ، وحسبي للئيم ولوني لأسود ؛ فتنفّس عليّ بالجنّة فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيضّ وجهي ، لا والله لا افارقكم حتّى يختلط هذا الدم الاسود مع دمائكم ، ثمّ قاتل حتّى قتل (١).

وفي مقتل الخوارزمي : فجعل يقول وهو يحمل عليهم :

كيف يرى الفجار ضرب الأسود

بالمشرفيّ القاطع المهنّد

احمي الخيار من بني محمّد

أذبّ عنهم باللسان واليد

أرجو بذاك الفوز عند المورد

من الاله الواحد الموحّد(٢)

فقتل خمسة وعشرين وقتل ، فوقف عليه الحسين وقال : اللهم بيّض وجهه وطيّب ريحه ، واحشره مع محمّد (ص) ، وعرّف بينه وبين آل محمّد (٣).

أنيس بن معقل :

وفي مقتل الخوارزمي : ثمّ خرج من بعده أنيس بن معقل الاصبحي ، فجعل يقول :

أنا أنيس وأنا ابن معقل

وفي يميني نصل سيف فيصل

__________________

(١) مثير الاحزان ٤٧ ، واللهوف ٤١.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢ / ١٩.

(٣) راجع : مقتل العوالم ص ٨٨.

١٤٩

أعلوا به الهامات بين القسطل

حتى أزيل خطبه فينجلي

عن الحسين الفاضل المفضّل

ابن رسول الله خير مرسل

الحجاج بن مسروق :

قال : وبرز الحجّاج بن مسروق وهو مؤذن الحسين (ع) فجعل يقول :

أقدم حسين هاديا مهديا

اليوم نلقى جدّك النبيّا

ثمّ أباك ذا العلى عليّا

والحسن الخير الرضا الوليّا

وذا الجناحين الفتى الكميّا

وأسد الله الشهيد الحيّا

ثمّ حمل فقاتل حتى قتل.

جنادة بن الحرث :

قال : وبرز جنادة بن الحرث الانصاري وهو يقول :

أنا جنادة أنا ابن الحارث

لست بخوّار ولا بناكث

عن بيعتي حتّى يقوم وارثي

من فوق شلو في الصعيد ماكث

فحمل ولم يزل يقاتل حتى قتل.

عمرو بن جنادة :

ثمّ خرج من بعده عمرو بن جنادة وهو ينشد ويقول :

اضق الخناق من ابن هند وارمه

في عقره بفوارس الانصار

ومهاجرين مخضبين رماحهم

تحت العجاجة من دم الكفّار

خضبت على عهد النبي محمّد

فاليوم تخضب من دم الفجّار

واليوم تخضب من دماء معاشر

رفضوا القران لنصرة الاشرار

طلبوا بثأرهم ببدر وانثنوا

بالمرهفات وبالقنا الخطّار

والله ربّي لا أزال مضاربا

للفاسقين بمرهف بتّار

هذا عليّ اليوم حقّ واجب

في كل يوم تعانق وحوار

١٥٠

ثم حمل فقاتل حتّى قتل.

غلام يتيم :

ثم خرج من بعده شابّ قتل أبوه في المعركة ، وكانت أمّه عنده ، فقالت : يا بني اخرج فقاتل بين يدي ابن رسول الله حتّى تقتل ، فقال : أفعل ، فخرج ، فقال الحسين : هذا شاب قتل أبوه ولعل أمّه تكره خروجه ، فقال الشاب : أمّي أمرتني يا ابن رسول الله. فخرج وهو يقول :

أميري حسين ونعم الأمير

سرور فؤاد البشير النذير

عليّ وفاطمة والداه

فهل تعلمون له من نظير

ثمّ قاتل فقتل وحزّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين ، فأخذت أمّه رأسه وقالت له : أحسنت يا بنيّ! يا قرّة عيني! وسرور قلبي! ثمّ رمت برأس ابنها رجلا فقتلته واخذت عمود خيمة وحملت على القوم وهي تقول :

أنا عجوز في النسا ضعيفه

بالية خالية نحيفه

أضربكم بضربة عنيفه

دون بني فاطمة الشريفة

فضربت رجلين فقتلتهما فأمر الحسين (ع) بصرفها ودعا لها (١).

قال الخوارزمي : وكان يأتي الحسين الرجل بعد الرجل ، فيقول : السلام عليك يا ابن رسول الله. فيجيبه الحسين : وعليك السلام ونحن خلفك ، ويقرأ : فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا ، ثمّ يحمل فيقتل! هكذا استمرّ القتال حتّى قتلوا عن آخرهم (٢).

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ١٩ ـ ٢٢.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢ / ٢٥.

١٥١

مقتل عترة الرسول

وقال : لمّا لم يبق مع الحسين إلّا أهل بيته. اجتمعوا وودّع بعضهم بعضا وعزموا على الحرب (١).

أول شهيد من عترة رسول الله :

قال الطبري : وكان أوّل قتيل من بني أبي طالب يومئذ عليّ الأكبر بن الحسين بن علي ، وأمّه ليلى ابنة أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي (٢) ، وكانت أمّ أمّة ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب (٣) ومن هذا اعطي له الأمان يوم ذاك ، وقالوا له كما ذكره المصعب الزبيري : «انّ لك قرابة بأمير المؤمنين ـ يعني يزيد ابن معاوية ـ ونريد أن يرعى هذا الرحم ، فان شئت آمنّاك».

فقال عليّ : «لقرابة رسول الله (ص) أحق أن ترعى» وحمل وهو يقول ... (٤).

قال الخوارزمي : فلمّا رآه الحسين رفع شيبته نحو السماء ، وقال : اللهمّ

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ٢٦.

(٢) مقاتل الطالبيين ص ٨٠ ، وتاريخ الطبري ، ط. أوربا ٢ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧.

(٣) مقاتل الطالبيين ص ٨٠ ، ونسب قريش لمصعب ص ٥٧ ، والاصابة ٤ / ١٧٨ ترجمة أبي مرة.

(٤) نسب قريش ص ٥٧.

١٥٢

اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك محمّد (ص) وكنّا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه ، اللهمّ فامنعهم بركات الأرض ، وفرقهم تفريقا ومزّقهم تمزيقا ، واجعلهم طرائق قددا ، ولا ترض الولاة عنهم أبدا ، فانّهم دعونا لينصرونا ، ثمّ عدوا علينا يقاتلونا.

ثمّ صاح بعمر بن سعد : مالك قطع الله رحمك ، ولا بارك لك في أمرك وسلّط عليك من يذبحك على فراشك ، كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله. ثمّ رفع صوته وقرأ : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

وحمل علي بن الحسين وهو يقول :

أنا علي بن الحسين بن عليّ

نحن وبيت الله أولى بالنبي

والله لا يحكم فينا ابن الدعيّ

أطعنكم بالرمح حتّى ينثني

أضربكم بالسيف حتّى يلتوي

ضرب غلام هاشميّ علويّ

فلم يزل يقاتل حتى ضجّ أهل الكوفة ، ثمّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة ، فقال : يا أبة! العطش قد قتلني وثقل الحديد أجهدني ، فهل الى شربة من ماء سبيل أتقوّى بها على الاعداء؟ فبكى الحسين وقال : يا بنيّ عزّ على محمّد ، وعلى عليّ ، وعلى أبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك وتستغيث بهم فلا يغيثونك. ودفع إليه خاتمه ، وقال له : خذ هذا الخاتم في فيك وارجع إلى قتال عدوّك ، فانّي لارجو أن لا تمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا ، فرجع علي بن الحسين إلى القتال وحمل وهو يقول :

الحرب قد بانت لها حقائق

وظهرت من بعدها مصادق

١٥٣

والله ربّ العرش لا نفارق

جموعكم أو تغمد البوارق (١)

قال الطبري : ففعل ذلك مرارا فبصر به مرّة بن منقذ بن النعمان العبديّ ثمّ الليثيّ فقال : عليّ آثام العرب ان مرّ بي يفعل مثل ما كان يفعل ان لم أثكله أباه ، فمرّ يشدّ على الناس بسيفه فاعترضه مرّة بن منقذ فطعنه فصرع واحتوشه (٢) الناس فقطّعوه بأسيافهم.

وقال الخوارزمي : ضربه منقذ بن مرّة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعه فيها ، وضربه الناس بأسيافهم ، فاعتنق الفرس فحمله الفرس إلى عسكر عدوّه ، فقطعوه بأسيافهم اربا اربا ، فلمّا بلغت روحه التراقي نادى باعلى صوته : يا أبتاه! هذا جدّي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا وهو يقول لك : العجل فانّ لك كأسا مذخورة ، فصاح الحسين ... (٣).

وروى الطبري : عن حميد بن مسلم الأزدي قال : سماع أذني يومئذ من الحسين يقول: قتل الله قوما قتلوك يا بنيّ ، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعدك العفاء. قال : وكأنّي أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنّها الشمس الطالعة تنادي : يا أخيّاه ويا ابن أخاه! قال : فسألت عنها فقيل : هذه زينب ابنة فاطمة بنت رسول الله ، فجاءت حتّى أكبّت عليه ، فجاءها الحسين ، فأخذ بيدها فردّها إلى الفسطاط ، وأقبل الحسين إلى ابنه ، وأقبل فتيانه إليه فقال : احملوا أخاكم. فحملوه من مصرعه حتّى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٠ ـ ٣١.

(٢) في الطبري : واحتوله.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣١.

١٥٤

مقتل آل أبي طالب :

عبد الله بن مسلم بن عقيل :

ثمّ برز من بعده عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب (١) ، وأمّه رقيّة الكبرى بنت الإمام علي (ع) (٢) وهو يقول :

اليوم ألقى مسلما وهو أبي

وفتية بادوا على دين النبي(٣)

قال الطبري : ثم إن عمرو بن صبيح الصدائيّ رمى عبد الله بن مسلم ابن عقيل بسهم فوضع كفّه على جبهته يتّقيه فأصاب السهم كفّه ونفذ إلى جبهته فسمّرها به (٤). فأخذ لا يستطيع أن يحرّك كفّيه ، ثمّ انتحى له بسهم آخر ففلق قلبه ، قال : فاعتورهم الناس من كل جانب.

جعفر بن عقيل :

قال الخوارزمي وابن شهرآشوب : برز جعفر بن عقيل بن أبي طالب وهو يقول :

أنا الغلام الأبطحيّ الطالبي

من معشر في هاشم من غالب

ونحن حقّا سادة الذوائب

هذا حسين أطيب الأطايب

فقاتل حتّى قتل ، قتله بشر بن سوط الهمداني (٥).

__________________

(١) ذكره الطبري بعد مقتل على الأكبر ط. أوربا ، ٢ / ٣٥٧.

(٢) نسب قريش للمصعب الزبيري ص ٤٥ ، ومقاتل الطالبيين ٩٤.

(٣) مناقب ابن شهرآشوب ٢ / ٢٢٠ ، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٢٦.

(٤) هذه الزيادة في سياق الارشاد ص ٢٢٣.

(٥) نقلنا في مقتل ابني عقيل وابني جعفر بعدهما الأراجيز من مقتل الخوارزمي ومناقب ابن شهرآشوب وكان الطبري قد أسقط أراجيزهم من خبر مقتلهم على عادته في حذف الأراجيز في أغلب ما ـ

١٥٥

وقال الطبري : ورمى عبد الله بن عزرة الخثعمي جعفر بن عقيل بن أبي طالب فقتله.

عبد الرحمن بن عقيل :

وبرز بعده أخوه عبد الرحمن بن عقيل وهو يرتجز :

أبي عقيل فاعرفوا مكاني

من هاشم وهاشم إخواني

كهول صدق سادة الأقران

هذا حسين شامخ البنيان

وسيّد الشباب في الجنان

فقاتل حتّى قتل قتله عثمان بن خالد الجهني.

وقال الطبري : وشدّ عثمان بن خالد الجهني وبشر بن سوط الهمداني ثم القابضي على عبد الرحمن بن عقيل فقتلاه.

محمد بن عبد الله بن جعفر :

قال الخوارزمي وابن شهرآشوب : ثمّ برز محمّد بن عبد الله بن جعفر وهو ينشد :

أشكو إلى الله من العدوان

فعال قوم في الردى عميان

قد بدّلوا معالم القرآن

ومحكم التنزيل والتبيان

وأظهروا الكفر مع الطغيان

فقاتل قتالا شديدا حتّى قتل. قتله عامل بن نهشل التميميّ.

عون بن عبد الله بن جعفر :

ثم برز أخوه عون فحمل وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن جعفر

شهيد صدق في الجنان أزهر

__________________

ـ يروي من أخبار الحروب.

١٥٦

يطير فيها بجناح أخضر

كفى بهذا شرفا في محشر

فقاتل حتّى قتل. قتله عبد الله بن قطبة الطائيّ (١).

نجلا السبط الأكبر :

ثمّ برز عبد الله بن الحسن بن عليّ وهو يقول :

إن تنكروني فأنا فرع الحسن

سبط النبي المصطفى المؤتمن

هذا حسين كالأسير المرتهن

بين أناس لا سقوا صوب المزن

فقاتل حتى قتل. قتله هاني بن شبيب الحضرميّ (٢).

ثمّ برز أخوه القاسم بن الحسن وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم فلمّا نظر إليه الحسين اعتنقه وجعلا يبكيان ، ثمّ استأذن الغلام للحرب فأبى عمّه الحسين أن يأذن له ، فلم يزل الغلام يقبّل يديه ورجليه ويسأله الاذن حتّى أذن له ، فخرج ودموعه تسيل على خدّيه (٣) عليه ثوب وازار ونعلان فقط وكأنّه فلقة قمر وأنشأ يقول :

إنّي أنا القاسم من نسل عليّ

نحن وبيت الله أولى بالنبي

من شمر ذي الجوشن أو ابن الدعي (٤)

وروى الطبري عن حميد بن مسلم ، قال : خرج إلينا غلام كأن وجهه شقّة قمر في يده السيف ، عليه قميص وإزار ، ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسى انّها اليسرى ، فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الازدي : والله

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ٢ / ٢٢٠ ، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٢٧ ، ويتفق سياق رواية الطبري معهما فيما عدا حذفه الرجزين.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب ٢ / ٢٢٠ ، وفي مقتل الخوارزمي ٢ / ٢٧ نسب البيتين إلى القاسم أو عبد الله ، وفي إعلام الورى ص ٢١٣ : وكان عبد الله بن الحسن قد زوجه الحسين ابنته سكينة فقتل قبل أن يبني بها.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢ / ٢٧.

(٤) مناقب ابن شهرآشوب ٢ / ٢٢١.

١٥٧

لاشدّنّ عليه ، فقلت له : سبحان الله وما تريد إلى ذلك ، يكفيك قتله هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوهم (١) قال : فقال : والله لاشدّنّ عليه ، فشدّ عليه فما ولى حتّى ضرب رأسه بالسيف ، فوقع الغلام لوجهه ، فقال : يا عمّاه! قال : فجلّى الحسين كما يجلّي الصقر ، ثمّ شدّ شدّة ليث أغضب ، فضرب عمرا بالسيف ، فاتّقاه بالساعد فأطنّها من لدن المرفق ، فصاح ـ صيحة سمعها أهل العسكر ـ (٢) ثمّ تنحى عنه ، وحملت خيل لأهل الكوفة ليستنقذوا عمرا من حسين ، فاستقبلت عمرا بصدورها فحركت حوافرها وجالت الخيل بفرسانها عليه ، فتوطّأته حتّى مات ، وانجلت الغبرة فإذا أنا بالحسين قائم على رأس الغلام ، والغلام يفحص برجليه ، وحسين يقول : بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدّك ثمّ قال : عزّ والله على عمّك ، أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك. صوت والله كثر واتره وقلّ ناصره. ثمّ احتمله فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان في الأرض وقد وضع حسين صدره على صدره ، قال : فقلت في نفسي : ما يصنع به ، فجاء به حتّى القاه مع ابنه عليّ بن الحسين وقتلى قد قتلت حوله من أهل بيته ، فسألت عن الغلام فقيل : هو القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب.

__________________

(١) في الطبري : احتولهم.

(٢) الطبري ٢ / ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، وارشاد المفيد ص ٢٢٣.

١٥٨

مقتل إخوة الحسين (١)

أبو بكر بن علي (ع):

ثمّ تقدّم اخوة الحسين (ع) عازمين على أن يقتلوا من دونه ، فأوّل من تقدّم منهم أبو بكر بن علي ، واسمه عبد الله ، وأمّه ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعي بن مسلم بن جندل بن نهشل بن دارم التميميّة ، فبرز أبو بكر وهو يقول :

شيخي عليّ ذو الفخار الاطول

من هاشم الصدق الكريم المفضل

هذا الحسين ابن النبيّ المرسل

نذود عنه بالحسام الفيصل

تفديه نفسي من أخ مبجّل

يا ربّ فامنحني الثواب المجزل

فحمل زحر بن قيس النخعي فقتله.

عمر بن علي (ع):

ثمّ خرج من بعد أبي بكر بن علي ، أخوه عمر بن علي ، فحمل وهو يقول :

أضربكم ولا أرى فيكم زحر

ذاك الشقيّ بالنبي قد كفر

__________________

(١) إلى آخر هذا الفصل أوردناه بلفظ الخوارزمي ٢ / ٢٨ ـ ٢٩.

١٥٩

يا زحر يا زحر تدان من عمر

لعلّك اليوم تبوء بسقر

شرّ مكان في حريق وسعر

فانّك الجاحد يا شرّ البشر

ثمّ قصد قاتل أخيه فقتله ، وجعل يضرب بسيفه ضربا منكرا ويقول في حملاته :

خلّوا عداة الله خلّوا عن عمر

خلّوا عن الليث العبوس المكفهرّ

يضربكم بسيفه ولا يفر

وليس يغدو كالجبان المنجحر

ولم يزل يقاتل حتّى قتل.

عثمان بن علي (ع):

ثمّ خرج من بعده عثمان بن عليّ وأمّه أمّ البنين بنت حزام بن خالد ، من بني كلاب وهو يقول :

إنّي أنا عثمان ذو المفاخر

شيخي عليّ ذو الفعال الطاهر

صنو النبيّ ذو الرشاد السائر

ما بين كلّ غائب وحاضر

ثمّ قاتل حتّى قتل.

جعفر بن علي (ع):

ثمّ خرج أخوه جعفر بن علي وأمّه أمّ البنين أيضا فحمل وهو يقول :

إنّي أنا جعفر ذو المعالي

نجل عليّ الخير ذو النوال

أحمي حسينا بالقنا العسّال

وبالحسام الواضح الصقّال

ثمّ قاتل حتّى قتل.

عبد الله بن علي (ع):

ثم خرج من بعده أخوه عبد الله بن علي ، وأمّه أمّ البنين أيضا ، فحمل وهو يقول :

أنا ابن ذي النجدة والافضال

ذاك عليّ الخير في الفعال

١٦٠