معالم المدرستين - ج ٣

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ٣

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٤١

يخبره بقتل مسلم بن عقيل.

وفي الأخبار الطوال : لما وافى زبالة وافاه بها رسول محمّد بن الأشعث ، وعمر بن سعد بما كان سأله مسلم أن يكتب به إليه من أمره وخذلان أهل الكوفة ايّاه بعد أن بايعوه ، وقد كان مسلم سأل محمّد بن الأشعث ذلك. فلما قرأ الكتاب استيقن بصحة الخبر (١).

وروى الطبري : ان محمّد بن الأشعث أرسل اياس بن العثل الطائي ، وقال له : الق حسينا فأبلغه هذا الكتاب وكتب فيه الذي أمره مسلم بن عقيل فاستقبله بزبالة واخبره الخبر وبلّغه الرسالة ، فقال حسين : كلّ ما حمّ نازل ، وعند الله نحتسب أنفسنا وفساد أمّتنا (٢).

__________________

(١) الدينوري في الأخبار الطوال ص ٢٤٨ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٢٧٠ و ٣٤٤ ، وزبالة منزل مشهور كان به حصن وجامع لبني أسد.

(٢) الطبري ٦ / ٢١١.

٨١

الإمام يخبر الناس بقتل مسلم ويحلهم من بيعته

قال الطبري وغيره : كان الحسين لا يمرّ بأهل ماء إلّا اتبعوه حتى انتهى إلى زبالة وفيها جاءه خبر قتل ابن زياد ، عبد الله بن يقطر ـ وكان قد سرّحه إلى أهل الكوفة ـ فأخرج الحسين (ع) للناس كتابا فقرأه عليهم :

بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بعد ، فانّه قد أتانا خبر فظيع ؛ قتل مسلم ابن عقيل وهانئ بن عروة ، وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلتنا شيعتنا فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منّا ذمام ، فتفرّق الناس عنه يمينا وشمالا حتّى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة وانّما فعل ذلك لانّه ظنّ انّما اتبعه الأعراب لأنّهم ظنوا انّه يأتي بلدا استقامت له طاعة أهله فكره أن يسيروا معه إلّا وهم يعلمون على ما يقدمون وقد علم انّهم إذا بيّن لهم لم يصحبه الا من يريد مواساته.

رجل من بني عكرمة :

قال الراوي : فلما كان من السحر أمر فتيانه فاستقوا الماء وأكثروا ، ثم سار حتى نزل ببطن العقبة (١) ، وفي هذا المكان لقيه رجل من بني عكرمة فسأله :

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢٢٦ ، وأنساب الأشراف ص ١٦٨ ، وابن كثير ٨ / ١٦٨ ـ ١٦٩ وقد تخيرت لفظ الطبري في هذا الخبر وما قبله إلّا ما ذكرت مصدره والعقبة أيضا من منازل الطريق.

٨٢

أين تريد؟ فحدّثه الحسين فقال له : انّي أنشدك الله لما انصرفت ، فو الله لا تقدم إلّا على الأسنّة وحدّ السيوف ، فان هؤلاء الّذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مئونة القتال ووطّئوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا ، فاما على هذه الحال التي تذكرها فاني لا أرى لك ان تفعل. فقال له : يا عبد الله ، انّه ليس يخفى عليّ ، الرأي ما رأيت ، ولكن الله لا يغلب على أمره (١).

وفي الأخبار الطوال : واخبره بتوطيد ابن زياد الخيل ما بين القادسية إلى العذيب رصدا له ـ وفي لفظه ـ فلا تتكلن على الّذين كتبوا لك ؛ فانّ أولئك أوّل الناس مبادرة إلى حربك .. الحديث (٢).

وفي رواية ثمّ قال : والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا سلّط الله عليهم من يذلّهم حتى يكونوا أذلّ فرق الامم (٣).

نذير آخر :

وفي تاريخ ابن عساكر وابن كثير قال الراوي : رأيت أخبية مضروبة بفلاة من الأرض ، فقلت : لمن هذه؟ قالوا : هذه لحسين. قال : فأتيته فإذا شيخ يقرأ القرآن والدموع تسيل على خدّيه ولحيته ، قلت : بأبي وأمي يا ابن رسول الله! ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي ليس بها أحد! فقال : هذه كتب أهل الكوفة إليّ ، ولا أراهم إلّا قاتلي ، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلّا انتهكوها ، فيسلط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من فرم

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢٢٦ ، وابن الأثير ٣ / ١٧ ـ ١٨ ، وابن كثير ٨ / ١٦٨ ـ ١٧١.

(٢) الأخبار الطوال ص ٢٤٨.

(٣) ارشاد المفيد ص ٢٠٦ ، وقد روى كلام الحسين هذا أيضا غيره ولم يذكروا أين خطب ، مثل الطبري في ٦ / ٢٢٣ ، وابن الأثير ٣ / ١٦ ، وابن كثير ٨ / ١٦٩ وفي لفظهما «حتى يكونوا أذل من فرام الامة» أو فرمة الامة. قال ابن الاثير بعده «والفرام خرقة تجعلها المرأة في قبلها إذا حاضت» وطبقات ابن سعد ح ٢٦٨.

٨٣

الأمة ـ يعني مقنعتها ـ (١).

ويبدو من مقارنة الروايات بعضها ببعض انّ الامام كان قد أخبر بأنهم سيقتلونه ويذلّهم الله ويسلط عليهم ، في محاورته مع ثلاثة أشخاص وفي ثلاثة أماكن.

وكذلك كان يكرّر التصريح بأمثال هذه الاقوال. قال علي بن الحسين : خرجنا مع الحسين (ع) فما نزل منزلا ولا ارتحل منه إلّا ذكر يحيى بن زكريّا ومقتله ، وقال يوما : ومن هوان الدنيا على الله انّ رأس يحيى بن زكريّا أهدي إلى بغيّ من بغايا بني اسرائيل (٢).

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦٦٥ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٣٤٥ وفي هامشه (فرم الأمة أي خرقة حيضها) ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ١٦٩.

(٢) ارشاد المفيد ص ٢٣٦ ، واعلام الورى ص ٢١٨.

٨٤

لقاء الإمام الحسين (ع) الحرّ

سار الحسين حتى نزل شراف (١) ، فلمّا كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فاكثروا (٢).

وسار الحسين من شراف ، فلما انتصف النهار كبّر رجل من أصحابه فقال له : مما كبرت؟ قال : رأيت النخل. فقال رجلان من بني أسد : ما بهذه الأرض نخلة قط. فقال الحسين فما هو؟ فقالا : لا نراه إلّا هوادي الخيل. فقال وأنا أيضا أراه ذلك وقال لهما : أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد؟ فقالا : بلى هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فان سبقت القوم إليه فهو كما تريد. فمال إليه فما كان باسرع من ان طلعت الخيل وعدلوا إليهم فسبقهم الحسين إلى الجبل فنزل. وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي ثمّ اليربوعي فوقفوا مقابل الحسين

__________________

(١) بين شراف والواقصة ميلان كان بها ثلاثة آبار كبار.

(٢) خبر لقاء الحسين مع الحر إلى آخره من تاريخ الطبري ٦ / ٢٢٧ ، وابن الاثير ٤ / ٩ ـ ٢١ ، وابن كثير ٨ / ١٧٢ ـ ١٧٤ ، وقد بدأ هذا الفصل بقوله : وهذه صفة مقتله (رض) مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن ، لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب والبهتان ، ثم جاء بسياق الطبري الذي سنلتزمه ان شاء الله ، والاخبار الطوال للدينوري ص ٢٤٨ ـ ٢٥٣ ، وأنساب الأشراف ص ١٦٩ ـ ١٧٦ ، وارشاد المفيد ٢٠٥ ـ ٢١٠ ، وإعلام الورى ٢٢٩ ـ ٢٣١ ، وقد تخيرت اللفظ من الطبري وأوجزته.

٨٥

وأصحابه في نحر الظهيرة ، فقال الحسين لأصحابه وفتيانه : اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشّفوا الخيل ترشيفا فسقوا القوم من الماء حتى ارووهم ، واقبلوا يملئون القصاع والاتوار والطساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس ، فاذا عبّ فيه ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلوها عنه وسقوا آخر حتى سقوا الخيل كلها ، قال علي بن الطعان المحاربي : كنت آخر من جاء من أصحاب الحرّ فلمّا رأى الحسين ما بي وبفرسي من العطش قال : أنخ الراوية ، والراوية عندي السقاء ، ثمّ قال : يا ابن أخي أنخ الجمل فأنخته ، فقال : اشرب فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقاء ، فقال الحسين اخنث السقاء أي اعطفه قال : فجعلت لا أدري كيف أفعل ، قال : فقام الحسين فخنثه فشربت وسقيت فرسي.

قال المؤلف : الا يجد الباحث في أمر الإمام بارواء الف فارس وفرسه في هذا اليوم تعليلا لما أمر به فتيانه في سحر هذا اليوم أن يستقوا وانهم استقوا وأكثروا؟ الا يجوز أن يكون الإمام الحسين قد سمع من جده الرسول في هذا الشأن خاصّة أنباء تلقاها الرسول عن علّام الغيوب؟

قال الطبري وغيره : وكان مجيء الحرّ من القادسية ، أرسله الحصين بن نمير في هذه الألف ، وذلك ان عبيد الله بن زياد لما بلغه اقبال الحسين بعث الحصين التميمي وكان على شرطه فأمره أن ينزل القادسية ويضع المسالح ما بين القطقطانة إلى خفّان فارسل الحصين الحرّ ليستقبل الحسين. فلم يزل موافقا الحسين حتى حضرت صلاة الظهر فأمر الحسين مؤذنه بالأذان فأذّن ، فخرج الحسين إليهم ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أيها الناس! انها معذرة إلى الله عزوجل وإليكم إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ان أقدم علينا فانه ليس لنا امام لعل الله يجمعنا بك على الهدى ، فان كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فإن تعطوني ما اطمئنّ إليه من عهودكم

٨٦

ومواثيقكم أقدم مصركم وان لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين ، انصرف عنكم إلى المكان الّذي أقبلت منه إليكم. قال : فسكتوا عنه وقالوا للمؤذن أقم فأقام الصلاة فقال الحسين (ع) للحر : أتريد أن تصلي بأصحابك ؛ قال : لا ، بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك قال فصلّى بهم الحسين. ثمّ إنه دخل واجتمع إليه أصحابه وانصرف الحر إلى مكانه الذي كان به فدخل خيمة قد ضربت له فاجتمع إليه جماعة من أصحابه وعاد أصحابه إلى صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه ، ثمّ أخذ كل رجل منهم بعنان دابّته وجلس في ظلّها فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيئوا للرحيل ثمّ إنه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر وأقام فاستقدم الحسين فصلّى بالقوم ثمّ سلّم وانصرف إلى القوم بوجهه ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال :

أمّا بعد أيّها الناس : فانكم ان تتّقوا وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله ، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، وان أنتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم وقدمت به عليّ رسلكم انصرفت عنكم.

فقال له الحرّ بن يزيد : إنّا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر؟

فقال الحسين : يا عقبة بن سمعان (١)! أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ. فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنثرها بين أيديهم.

فقال الحرّ : فانّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك ، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ألّا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله بن زياد. فقال له الحسين : الموت أدنى إليك من ذلك. ثمّ قال لأصحابه قوموا فاركبوا فركبوا وانتظروا حتى

__________________

(١) كان عقبة بن سمعان مولى الرباب بنت امرئ القيس الكلبية أم سكينة بنت الحسين ، أنساب الأشراف بترجمة الحسين ص ٢٠٥.

٨٧

ركبت نساؤهم فقال لاصحابه : انصرفوا بنا ، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين للحرّ : ثكلتك أمّك ، ما تريد؟ قال أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال الّتي أنت عليها ما تركت ذكر أمّه بالثكل ان أقوله كائنا من كان ، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمّك من سبيل إلّا بأحسن ما يقدر عليه ، فقال له الحسين : فما تريد؟ قال الحرّ : أريد والله أن أنطلق بك إلى عبيد الله بن زياد. قال له الحسين : اذن والله لا اتبعك فقال له الحرّ : إذن والله لا أدعك. فترادّا القول ثلاث مرّات ، ولمّا كثر الكلام بينهما قال له الحرّ : إنّي لم أومر بقتالك وانما أمرت ان لا أفارقك حتى اقدمك الكوفة ؛ فإذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردّك إلى المدينة تكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى ابن زياد وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية ان أردت أن تكتب إليه أو إلى عبيد الله بن زياد ان شئت ، فلعلّ الله إلى ذاك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك. قال فخذ هاهنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسيّة وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا. ثمّ ان الحسين سار في أصحابه والحرّ يسايره.

وخطب الحسين أصحابه وأصحاب الحرّ بالبيضة فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس! ان رسول الله (ص) قال من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ، ناكثا لعهد الله ، مخالفا لسنّة رسول الله (ص) ، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ؛ كان حقّا على الله أن يدخله مدخله ، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ من غيّر ، وقد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم انّكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فان تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم فأنا الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله (ص) نفسي

٨٨

مع أنفسكم ، وأهلي مع أهليكم فلكم فيّ أسوة ، وان لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم ، والمغرور من اغتر بكم فحظّكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيّعتم ، ومن نكث فانّما ينكث على نفسه ، وسيغني الله عنكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وخطب بدي حسم فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : انّه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، وان الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها واستمرّت جذّاء فلم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الاناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل. الا ترون ان الحقّ لا يعمل به وان الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فانّي لا أرى الموت إلّا شهادة ولا الحياة مع الظالمين إلّا برما.

فقام زهير بن القين البجليّ فقال لاصحابه : تكلّمون أم أتكلّم؟ قالوا لا بل تكلّم فحمد الله فأثنى عليه ، ثمّ قال : قد سمعنا ـ هداك الله يا ابن رسول الله ـ مقالتك ، والله لو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلّدين إلّا انّ فراقها في نصرك ومواساتك ، لآثرنا الخروج معك على الاقامة فيها. فدعا له الحسين ثمّ قال له خيرا ، وأقبل الحرّ يسايره وهو يقول له : يا حسين إنّي أذكرك الله في نفسك فإنّي اشهد لئن قاتلت لتقتلنّ ، ولئن قوتلت لتهلكنّ فيما أرى ، فقال له الحسين : أفبالموت تخوّفني؟! وهل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني؟! ما أدري ما أقول لك! ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه ولقيه وهو يريد نصرة رسول الله (ص) فقال له : اين تذهب فانك مقتول! فقال :

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

وآسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا يغش ويرغما

فلمّا سمع ذلك منه الحرّ تنحّى عنه ، وكان يسير باصحابه في ناحية وحسين في ناحية اخرى ، حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات وكان بها هجائن

٨٩

النعمان ترعى هنالك فإذا هم بأربعة نفر قد اقبلوا من الكوفة على رواحلهم يجنبون فرسا لنافع بن هلال يقال له الكامل ومعهم دليلهم الطرمّاح بن عدي على فرسه وهو يقول :

يا ناقتي لا تذعري من زجري

وشمّري قبل طلوع الفجر

بخير ركبان وخير سفر

حتّى تحلي بكريم النجر

الماجد الحرّ رحيب الصدر

أتى به الله لخير أمر

ثمّت ابقاه بقاء الدهر

قال فلمّا انتهوا إلى الحسين انشدوه هذه الأبيات فقال : أما والله انّي لارجو أن يكون خيرا ما أراد الله بنا ؛ قتلنا أم ظفرنا.

وأقبل إليهم الحرّ بن يزيد فقال : إنّ هؤلاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك وأنا حابسهم أو رادّهم. فقال له الحسين : لأمنعنّهم مما أمنع منه نفسي انما هؤلاء أنصاري وأعواني وقد كنت اعطيتني أن لا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب من ابن زياد. فقال : أجل لكن لم يأتوا معك. قال : هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي فان تممت على ما كان بيني وبينك وإلّا ناجزتك ، فكفّ عنهم الحرّ ، ثمّ قال لهم الحسين : أخبروني خبر الناس وراءكم؟

فقال له مجمّع بن عبد الله العائذي ، وهو أحد النفر الأربعة الذين جاءوه : أمّا أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائرهم ، يستمال ودّهم ، ويستخلص به نصيحتهم ، فهم ألب واحد عليك ، وأمّا سائر الناس بعد فان أفئدتهم تهوي إليك وسيوفهم غدا مشهورة عليك. قال : أخبروني فهل لكم برسولي إليكم ؛ قالوا : من هو؟ قال : قيس بن مسهر الصيداويّ ، فقالوا : نعم أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك ؛ فصلّى عليك وعلى أبيك ولعن ابن زياد وأباه ، ودعا إلى

٩٠

نصرتك ، وأخبرهم بقدومك ، فأمر به ابن زياد فألقي من طمار القصر ، فترقرقت عين الحسين (ع) ولم يملك دمعه ثمّ قال : (منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا) ، اللهم اجعل لنا الجنّة نزلا ، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك.

ثمّ دنا الطرمّاح بن عديّ من الحسين فقال له : والله انّي لا نظر فما أرى معك أحدا ، ولو لم يقاتلك إلّا هؤلاء الّذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم ، وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم تر عين في صعيد واحد جمعا أكثر منه ، فسألت عنهم فقيل اجتمعوا ليعرضوا ثمّ يسرّحون إلى الحسين ، فأنشدك الله إن قدرت على أن لا تقدم عليهم شبرا إلّا فعلت ، فان أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به حتى ترى من رأيك ويستبين لك ما أنت صانع ، فسر حتى أنزلك مناع جبلنا الّذي يدعى أجأ ، امتنعنا والله به من ملوك غسّان وحمير ، ومن النعمان بن المنذر ، ومن الأسود والأحمر ، والله ان دخل علينا ذلّ قطّ ، فأسير معك حتى أنزلك القرية ثمّ نبعث إلى الرجال ممن بأجأ وسلمى من طيّئ فو الله لا يأتي عليك عشرة أيّام حتى يأتيك طيئ رجالا وركبانا ، ثمّ أقم فينا ما بدا لك ، فان هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائيّ يضربون بين يديك بأسيافهم والله لا يوصل إليك أبدا ومنهم عين تطرف. فقال : له : جزاك الله وقومك خيرا ، انّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف ولا ندري على ما تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة. ومضى الحسين حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به فاذا هو بفسطاط مضروب ، فقال : لمن هذا الفسطاط؟ فقيل : لعبيد الله بن الحرّ الجعفيّ ، قال : ادعوه لي. وبعث إليه فلمّا اتاه الرسول ، قال : هذا الحسين بن علي يدعوك ، فقال عبيد الله بن الحرّ : إنّا لله وإنا إليه راجعون ، والله ما خرجت من الكوفة إلّا كراهة أن يدخلها الحسين

٩١

وأنابها ، والله ما أريد أن أراه ولا يراني ، فأتاه الرسول فأخبره ، فأخذ الحسين نعليه فانتعل ، ثمّ قام فجاءه حتى دخل عليه ، فسلّم وجلس ، ثمّ دعاه إلى الخروج معه ، فأعاد إليه ابن الحرّ تلك المقالة ، فقال : فإلّا تنصرنا فاتّق الله أن تكون ممن يقاتلنا ، فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا إلّا هلك ، قال : أمّا هذا فلا يكون أبدا إن شاء الله ، ثمّ قام الحسين من عنده حتى دخل رحله.

قال المؤلّف : لعل الباحث يجد بادئ ذي بدء تناقضا بين موقف الإمام ممّن تجمع عليه في منزل زبالة يفرّقهم من حوله ، وموقف الإمام هنا مع ابن الحرّ وقبله مع ابن القين ، وكذلك مع غيرهما ، حيث كان يدعوهم فرادى وجماعات إلى نصرته ، ولكنه إذا تدبّر خطب الإمام وكلامه في كل مكان ومع أيّ إنسان كان ، أدرك ان الإمام كان يبحث عن أنصار ينضمّون تحت لوائه ويبايعونه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستنكار بيعة ائمة الضلالة أمثال يزيد على الحكم ، أنصارا واعين لاهداف قيامه ، يقاومون الاغراء بالدنيا ، يصارعون الحكم الغاشم حتى يقتلوا في سبيل ذلك!

استقاء مرة اخرى :

روى الطبري وغيره واللفظ للطبري (١) ، عن عقبة بن سمعان ، قال : لمّا كان في آخر اللّيل أمر الحسين بالاستقاء من الماء ثمّ أمرنا بالرحيل ففعلنا. قال : فلمّا ارتحلنا من قصر بني مقاتل وسرنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة ثمّ انتبه وهو يقول : انّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين.

قال : ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا.

قال : فأقبل إليه ابنه عليّ بن الحسين على فرس له ، فقال : يا أبت جعلت فداك ممّ حمدت الله واسترجعت؟ قال : يا بنيّ ، إنّي خفقت برأسي

__________________

(١) المصادر لا تزال هي التي ذكرناها في أول فصل «لقاء الإمام الحسين (ع) الحر».

٩٢

خفقة فعنّ لي فارس على فرس ، فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت انّها أنفسنا نعيت إلينا قال له : يا أبت ، لا أراك الله سوءا! ألسنا على الحقّ؟ قال : بلى والّذي إليه مرجع العباد. قال : يا ابت : إذا لا نبالي ، نموت محقّين ، فقال له : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده.

٩٣

نزول ركب آل الرسول (ص) أرض كربلاء

قال أبو مخنف : فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة ثمّ عجّل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم فيأتيه الحرّ بن يزيد فيردّهم فيردّه ، فجعل إذا ردّهم إلى الكوفة ردّا شديدا امتنعوا عليه ، فارتفعوا فلم يزالوا يتسايرون حتى انتهوا إلى نينوى المكان الّذي نزل به الحسين.

قال : فإذا راكب على نجيب له وعليه السلاح ، متنكّب قوسا ، مقبل من الكوفة فوقفوا جميعا ينتظرونه ، فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ بن يزيد وأصحابه ولم يسلّم على الحسين (ع) وأصحابه ، فدفع إلى الحرّ كتابا من عبيد الله بن زياد فإذا فيه : أمّا بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي ، فلا تنزله إلّا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك أمري والسلام.

قال : فلمّا قرأ الكتاب ، قال لهم الحرّ : هذا كتاب الأمير عبيد الله بن زياد يأمرني فيه أن أجعجع بكم في المكان الّذي يأتيني فيه كتابه ، وهذا رسوله ، وقد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره ، فنظر إلى رسول عبيد الله ، يزيد بن زياد بن المهاصر أبو الشعثاء الكنديّ ثمّ البهدلي فعنّ له

٩٤

فقال : أمالك بن النسير البديّ؟ قال : نعم ، وكان احد كندة ، فقال له يزيد بن زياد : ثكلتك أمّك! ما ذا جئت فيه؟! قال : وما جئت فيه ، أطعت امامي ووفيت ببيعتي ، فقال له أبو الشعثاء : عصيت ربّك وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، كسبت العار والنار ، قال الله عزوجل : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) فهو إمامك.

قال : وأخذ الحرّ بن يزيد القوم بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية فقالوا دعنا ننزل في هذه القرية ـ يعنون نينوى ـ أو هذه القرية ـ يعنون الغاضرية ـ أو هذه الأخرى ـ يعنون شفية ـ فقال : لا والله ما استطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث إليّ عينا. فقال له زهير بن القين : يا ابن رسول الله! ان قتال هؤلاء أهون من قتال من يأتينا من بعدهم فلعمري ليأتينا من بعد من ترى ما لا قبل لنا به ، فقال له الحسين : ما كنت لأبدأهم بالقتال. وفي الاخبار الطوال بعده :

فقال له زهير : فها هنا قرية بالقرب منا على شطّ الفرات ، وهي في عاقول (١) حصينة ، الفرات يحدق بها إلّا من وجه واحد.

قال الحسين : وما اسم تلك القرية؟

قال : العقر.

قال الحسين : نعوذ بالله من العقر (٢).

فقال الحسين للحرّ : سر بنا قليلا ، ثم ننزل.

فسار معه حتى أتوا كربلاء ، فوقف الحرّ وأصحابه أمام الحسين ومنعوهم من المسير ، وقال : انزل بهذا المكان ، فالفرات منك قريب.

__________________

(١) عاقول الوادي ما اعوج منه ، والأرض العاقول التي لا يهتدى إليها.

(٢) مكان قرب كربلاء من نواحي الكوفة.

٩٥

قال الحسين : وما اسم هذا المكان (١)؟

قالوا له : كربلاء.

قال : ذات كرب وبلاء ، ولقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفّين ، وأنا معه ، فوقف ، فسأل عنه ، فأخبر باسمه ، فقال : «هاهنا محط ركابهم ، وهاهنا مهراق دمائهم» ، فسئل عن ذلك ، فقال : «ثقل لآل بيت محمّد ، ينزلون هاهنا» (٢). وقبض قبضة منها فشمّها وقال هذه والله هي الأرض الّتي أخبر بها جبرئيل رسول الله أنّني أقتل فيها ، أخبرتني أمّ سلمة ، قالت : كان جبرئيل عند رسول الله (ص) وأنت معي فبكيت. فقال رسول الله دعي ابني ، فتركتك فأخذك ووضعك في حجره. فقال جبرئيل : أتحبّه؟ قال : نعم ، قال : فانّ أمّتك ستقتله ، وان شئت أريتك تربة أرضه الّتي يقتل فيها ، قال : نعم. فبسط جبرئيل جناحه على أرض كربلاء فأراه ايّاها (٣).

وفي رواية : لمّا أحيط بالحسين بن علي ، قال : ما اسم هذه الأرض؟ قيل : كربلاء. فقال : صدق النبيّ (ص) انّها أرض كرب وبلاء (٤).

قال المؤرّخون : ثمّ أمر بأثقاله فحطّت بذلك المكان يوم الاربعاء غرّة محرم سنة ٦١ ه‍ (٥) ، أو يوم الخميس الثاني من المحرّم (٦).

ولمّا نزل كربلاء كتب إلى ابن الحنفيّة وجماعة من بني هاشم : أمّا

__________________

(١) و (٢) روى هذه المحاورة الدينوري في الاخبار الطوال ص ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، وراجع تاريخ الخميس ٢ / ٢٩٧ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٢.

(٣) أوردتها بلفظ سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الامة ١٤٢.

(٤) ترجمة الحسين بمعجم الطبراني ح ٤٦ ، وكنز العمال ٢٦ ـ ٢٦٦ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٢ ذيل الرواية التي أوردناها آنفا بلفظ سبط ابن الجوزي.

(٥) الدينوري في الأخبار الطوال ص ٢٥٣.

(٦) الطبري ٦ / ٢٣٢ ، وابن كثير ٨ / ١٧٤ ، وأنساب الأشراف للبلاذري ص ١٧٦ ، وارشاد المفيد ص ٢١٠.

٩٦

بعد : فكأنّ الدنيا لم تكن ، وكأنّ الآخرة لم تزل (١).

__________________

(١) كامل الزيارة لابن قولويه ص ٧٥ باب ٢٣. وقد استفاد بعد الإمام الحسين الحسن البصري منه وكتب به إلى عمر بن عبد العزيز كما يبدو ، وراجع الأغاني ط. ساسي ٨ / ١٠٥.

٩٧

قدوم عمر بن سعد على الحسين (ع)

قال الطبري وغيره واللّفظ للطبري (١) : فلما كان من الغد ؛ قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف ، قال : وكان سبب خروج ابن سعد إلى الحسين (ع) ان عبيد الله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبى وكانت الديلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليها ، فكتب إليه ابن زياد عهده على الريّ وأمره بالخروج ، فخرج معسكرا بالناس بحمّام أعين ، فلمّا كان من أمر الحسين ما كان وأقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال : سر إلى الحسين فإذا فرغنا ممّا بيننا وبينه سرت إلى عملك ، فقال له عمر بن سعد : إن رأيت رحمك الله أن تعفيني فافعل ، فقال له عبيد الله : نعم ، على ان تردّ لنا عهدنا. فلمّا قال له ذلك قال عمر بن سعد : امهلني اليوم حتى أنظر ، فانصرف عمر يستشير نصحاءه ، فلم يكن يستشير

__________________

(١) رجعنا إلى رواية المصادر التي ذكرناها في أول فصل «لقاء الإمام الحسين (ع) الحر» وما كان من غيرها ، صرحنا به في الهامش ، وهي تاريخ الطبري ٦ / ٢٣٢ ـ ٢٧٠ ، وابن الاثير ١٩ ـ ٣٨ ، وابن كثير ٨ / ١٧٢ ـ ١٩٨ ، والدينوري في الأخبار الطوال ص ٢٥٣ ـ ٢٦١ ، وهو يوجز الاخبار ، وأنساب الأشراف للبلاذري ص ١٧٦ ـ ٢٢٧ ، وسياقه غير سياق الطبري ، وارشاد المفيد ٢١٠ ـ ٢٣٦ ، وإعلام الورى ٢٣١ ـ ٢٥٠. وما تفرد به أحدهم صرحنا به وكذلك ما نقلناه عن غير هؤلاء.

٩٨

أحدا إلّا نهاه وجاء حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن اخته ، فقال : أنشدك الله يا خال أن تسير إلى الحسين فتأثم بربّك ، وتقطع رحمك ، فو الله لأن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلّها لو كان لك ؛ خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين ، فقال له عمر بن سعد : فانّي أفعل ان شاء الله.

وروى عن عبد الله بن يسار الجهنيّ قال : دخلت على عمر بن سعد وقد أمر بالمسير إلى الحسين فقال لي : انّ الأمير أمرني بالمسير إلى الحسين ، فأبيت ذلك عليه. فقلت له : أصاب الله بك ، أرشدك الله ، أجل فلا تفعل ، ولا تسر إليه ، قال : فخرجت من عنده فأتاني آت وقال : هذا عمر بن سعد يندب الناس إلى الحسين ، قال : فأتيته فإذا هو جالس ، فلمّا رآني أعرض بوجهه ، فعرفت انّه قد عزم على المسير إليه ، فخرجت من عنده.

وروى الطبري وقال : فأقبل عمر بن سعد إلى ابن زياد ، فقال : أصلحك الله انّك وليتني هذا العمل وكتبت لي العهد وسمع به الناس ، فإن رأيت أن تنفذ لي ذلك فافعل ، وابعث إلى الحسين في هذا الجيش من أشراف الكوفة من لست بأغنى ولا أجزأ عنك في الحرب منه ، فسمّى له اناسا فقال له ابن زياد : لا تعلمني بأشراف أهل الكوفة ، ولست أستأمرك فيمن أريد ان أبعث ، ان سرت بجندنا وإلّا فابعث إلينا بعهدنا ، فلمّا رآه قد لجّ ، قال : فإنّي سائر ، قال : فأقبل في أربعة آلاف حتى نزل بالحسين من الغد من يوم نزل الحسين نينوى.

ابن سعد يسأل الحسين عن الذي جاء به

قال : فبعث عمر بن سعد إلى الحسين (ع) عزرة بن قيس الأحمسي ، فقال : ائته فسله ما الذي جاء به؟ وما ذا يريد؟ وكان عزرة ممّن كتب إلى الحسين ، فاستحيا منه ان يأتيه ، قال : فعرض ذلك على الرؤساء الّذين كاتبوه

٩٩

فكلّهم أبى وكرهه ، قال : وقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي ، وكان فارسا شجاعا ليس يردّ وجهه شيء ، فقال : أنا أذهب إليه ، والله لئن شئت لأفتكنّ به ، فقال له عمر بن سعد : ما أريد أن يفتك به ، ولكن ائته فسله ما الذي جاء به؟ فأقبل إليه فلمّا رآه أبو ثمامة الصائديّ قال للحسين : أصلحك الله أبا عبد الله قد جاءك شرّ أهل الأرض وأجرأه على دم وأفتكه ، فقام إليه ، فقال : ضع سيفك : قال : لا والله ولا كرامة ، انّما أنا رسول فإن سمعتم منّي أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ، وإن أبيتم انصرفت عنكم ، فقال له : فانّي آخذ بقائم سيفك ، ثم تكلّم بحاجتك ، قال : لا والله لا تمسّه! فقال له : أخبرني ما جئت به وأنا أبلغه عنك ولا أدعك تدنو منه ، فانّك فاجر! قال : فاستبّا ثم انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر ، فدعا عمر قرّة بن قيس الحنظليّ فقال له : ويحك يا قرّة! الق حسينا ، فسله ما جاء به؟ وما ذا يريد؟ قال فأتاه قرّة ابن قيس ، فلمّا رآه الحسين مقبلا ، قال : أتعرفون هذا؟ فقال حبيب بن مظاهر : نعم هذا رجل من حنظلة تميميّ وهو ابن اختنا ، ولقد كنت أعرفه بحسن الرأي ، وما كنت أراه يشهد هذا المشهد! قال : فجاء حتى سلّم على الحسين ، وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه ، فقال له الحسين : كتب إليّ أهل مصركم هذا ان اقدم فأمّا إذ كرهوني فأنا أنصرف عنهم. قال : ثم قال له حبيب بن مظاهر : ويحك يا قرّة بن قيس! أنّى ترجع إلى القوم الظالمين! انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيّدك الله بالكرامة وايّانا معك! فقال له قرّة : أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي ، قال : فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر ، فقال له عمر بن سعد : إني لأرجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله.

المكاتبة بين ابن سعد وابن زياد :

قال : كتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد : بسم الله الرحمن

١٠٠