معالم المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٤

ذراعا بذراع رسول الله وأملاه من فلق فيه وخطّ عليّ بيمينه فيها كلّ حلال وحرام وكلّ شيء يحتاج إليه الناس حتّى الأرش في الخدش وضرب بيده إليّ ، فقال : تأذن لي يا أبا محمّد! قال: قلت : جعلت فداك إنّما أنالك فاصنع ما شئت ، قال : فغمزني بيده وقال : حتى أرش هذه كأنّه مغض ـ قال : قلت : هذا والله العلم ... الحديث (١).

وعن سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبد الله يقول : إن عندنا لصحيفة يقال لها الجامعة ما من حلال وما من حرام إلّا وهو فيها حتى أرش الخدش (٢).

وفي رواية : إن عندنا لصحيفة سبعين ذراعا إملاء رسول الله وخط علي بيده ما من حلال ولا حرام إلّا وهو فيها حتى أرش الخدش (٣).

وعن علي بن رئاب عن أبي عبد الله إنه سئل عن الجامعة ، فقال تلك صحيفة سبعون ذراعا في عريض الأديم مثل فخذ الفالج ، فيها كلّ ما يحتاج الناس إليه وليس قضيّة إلّا وهي فيها حتّى أرش الخدش (٤).

وفي بصائر الدرجات أيضا عن أبي بصير عن أبي عبد الله ـ الإمام الصادق ـ قال : سمعته يقول وذكر ابن شبرمة في فتياه فقال : أين هو من الجامعة؟ أملى رسول الله (ص) وخطه علي بيده فيها جميع الحلال والحرام حتى أرش الخدش فيها؟ (٥)

وفي الكافي وبصائر الدرجات ، عن أبي شيبة قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : ضلّ علم ابن شبرمة عند الجامعة ، ملاء رسول الله وخطّ عليّ (ع) بيده إنّ الجامعة لم تدع لأحد كلاما ، فيها علم الحلال والحرام ، إن أصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس فلم يزدادوا إلّا بعدا ، إنّ دين الله لا يصاب بالقياس! (٦).

هكذا كان أئمة أهل البيت يتبرءون من القول بالرأي ، ويستندون في أقوالهم إلى

__________________

(١) أصول الكافي ج ١ / ٢٣٩ ح ١ ، وبصائر الدرجات ص ١٥١ ـ ١٥٢ ، والوافي ٢ / ١٣٥ والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

(٢) بصائر الدرجات ص ١٤٢ ـ ١٤٣.

(٣) بصائر الدرجات ص ١٤٣.

(٤) بصائر الدرجات ص ١٤٢ وفي ١٤٩ إلى : في عرض الأديم.

علي بن رئاب الطحان الكوفي روى عن الإمام الصادق. قاموس الرجال ٦ / ٤٨٩.

(٥) بصائر الدرجات ص ١٤٦ و ١٤٥ و ١٤٨.

(٦) أصول الكافي ١ / ٥٧ ، ح ١٤ وبصائر الدرجات ص ١٤٦ و ١٤٩ ـ ١٥٠ والوافي ١ / ٥٨. أبو شيبة الأسدي روى عن الإمام الصادق. قاموس الرجال ١٠ / ٩٩.

٣٢١

ما رووه عن رسول الله عن جبريل عن الباري عز اسمه.

امّا ابن شبرمة هذا فهو عبد الله بن شبرمة الضبي الشاعر الكوفي. كان قاضيا لأبي جعفر المنصور على سواد الكوفة (ت : ١٤٤ ه‍) (١).

كتاب الجفر ومصحف فاطمة

يظهر من بعض الأحاديث أنّه كان لدى الأئمة كتابان من أبيهم الإمام عليّ اسم أحدهما الجامعة فيه أحكام الحلال والحرام ، وآخر يسمونه بالجفر فيه أنباء الحوادث الكائنة.

وكتاب ثالث من أمهم فاطمة بنت رسول الله (ص) يسمّونه مصحف فاطمة ، فيه أنباء من الحوادث الكائنة والكتب الثلاثة كانت بخطّ الإمام عليّ ، وفي ما يلي بيان عنها من أحاديث وردت عن أئمة أهل البيت.

في بصائر الدرجات : عن أبي مريم قال قال لي أبو جعفر (ع) : عندنا الجامعة وهي سبعون ذراعا فيها كلّ شيء حتّى أرش الخدش إملاء رسول الله (ص) وخطّ عليّ (ع) وعندنا الجفر وهو أديم عكاظيّ قد كتب فيه حتّى ملئت أكارعه ، فيه ما كان وما هو كائن إلى يوم القيمة (٢).

وفي بصائر الدرجات : بأكثر من سند عن الإمام الصادق قال : قال أبو عبد الله (ع) لأقوام كانوا يأتونه ويسألونه عمّا خلّف رسول الله (ص) إلى عليّ (ع) وعمّا خلّف علي إلى الحسن : لقد خلّف رسول الله (ص) عندنا ما فيها كل ما يحتاج إليه حتى أرش الخدش والظفر وخلّفت فاطمة مصحفا ما هو قرآن ... الحديث (٣).

وفيه عن أبان بن عثمان عن علي بن الحسين عن أبي عبد الله ـ الصادق ـ قال : إنّ عبد الله بن الحسن يزعم أنّه ليس عنده من العلم إلّا ما عند الناس ، فقال : صدق والله عبد الله بن الحسن ما عنده من العلم إلّا ما عند الناس ، ولكن عندنا والله الجامعة فيها الحلال والحرام وعندنا الجفر ، أيدري عبد الله بن الحسن

__________________

(١) الكنى والألقاب ١ / ٣١٣.

(٢) بصائر الدرجات ص ١٦٠. والكراع من كل شيء طرفه.

أبو مريم مولى الإمام الصادق ويروى عنه. قاموس الرجال ١٠ / ١٨٥.

(٣) بصائر الدرجات ص ١٥٦ وأوردت موضع الحاجة من الحديث.

٣٢٢

ما الجفر؟ مسك معز أم مسك شاة؟ وعندنا مصحف فاطمة. أما والله ما فيه حرف من القرآن ولكنّه إملاء رسول الله وخطّ علي ، كيف يصنع عبد الله إذا جاء الناس من كلّ أفق يسألونه (١)؟

وفيه أيضا عن أبان بن عثمان عن علي بن أبي حمزة نظيره وفي آخره : أما ترضون أن تكونوا يوم القيامة آخذين بحجزتنا ، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا ، ونبيّنا آخذ بحجزة ربّه (٢).

سلاح رسول الله وكتبه

في بصائر الدرجات ، عن علي بن سعيد أنّ أبا عبد الله الصادق قال في حديثه : «إنّ عندنا سلاح رسول الله وسيفه ودرعه ، وعندنا والله مصحف فاطمة ما فيه آية من كتاب الله وإنّه لإملاء رسول الله وخطّه علي بيده ، وعندنا والله الجفر وما يدرون ما هو أمسك شاة أو مسك بعير؟ ثمّ أقبل إلينا وقال : أبشروا أما ترضون أنّكم تجيئون يوم القيامة آخذين بحجزة عليّ (ع) وعلي آخذ بحجزة رسول الله (ص) (٣).

وفيه ، عن محمّد بن عبد الملك قال : كنّا عند أبي عبد الله (ع) نحوا من ستّين رجلا وهو وسطنا ، فجاء عبد الخالق بن عبد ربّه فقال له : كنت مع إبراهيم بن محمّد جالسا فذكروا أنّك تقول : إنّ عندنا كتاب عليّ (ع) فقال : لا والله ما ترك عليّ كتابا وإن كان ترك علي كتابا ما هو إلّا اهاب ولوددت أنّه عند غلامي هذا فما أبالي عليه قال :

فجلس أبو عبد الله (ع) ثمّ أقبل علينا فقال : ما هو والله كما يقولون إنّهما جفران مكتوب فيهما ، لا والله إنّهما لإهابان عليهما أصوافهما وإشعارهما مدحوسين كتبا في أحدهما ، وفي

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ١٥٧ ـ ١٥٨. وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أمّه فاطمة بنت الحسين سجنه وبني أبيه المنصور بالمدينة عام ١٤٢ ه‍ وحملهم عام ١٤٤ ه‍ إلى مدينة الهاشمية وقتلهم في الحبس بضروب من القتل ، منهم من دفنه حيا وطرح على عبد الله بيتا.

ولد محمّدا الملقب بصاحب النفس الزكية وخرج هذا على أبي جعفر وقتل بالمدينة سنة ١٤٥ ه‍.

وولد إبراهيم الذي خرج في البصرة بعد أخيه محمّد وقتل في السنة نفسها. حوادث سنة ١٤٢ ـ ١٤٥ من تاريخ الطبري وابن الأثير وابن كثير.

(٢) بصائر الدرجات ص ١٦١ و ٥١ وأخذ بحجزته اعتصم به والتجأ إليه مستجيرا.

(٣) بصائر الدرجات ص ١٥٣.

وعلي بن سعيد البصري روى عن الإمام الصادق. قاموس الرجال ٧ / ٢.

٣٢٣

الآخر سلاح رسول الله (ص) ، وعندنا والله صحيفة طولها سبعون ذراعا ما خلق الله من حلال وحرام إلّا وهو فيها حتّى إنّ فيها أرش الخدش وقام بظفره على ذراعه فخطّ به ـ وعندنا مصحف أما والله ما هو بالقرآن (١).

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال : ذكر له وقيعة ولد الحسن وذكرنا الجفر فقال : والله إنّ عندنا لجلدي ماعز وضأن أملاها رسول الله وخطّه علي وانّ عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعا أملاها رسول الله وخطها علي بيده وإنّ فيها لجميع ما يحتاج إليه حتّى أرش الخدش (٢).

وفي رواية أبي القاسم الكوفي ، قال : ذكر ولد ـ الإمام ـ الحسن الجفر فقالوا ما هذا بشيء فذكر بشر ذلك لأبي عبد الله (ع) فقال : نعم هما إهابان إهاب ماعز وإهاب ضأن مملوءان علما ... الحديث (٣).

وفي حديث عبد الله بن سنان : خطّ علي وإملاء رسول الله (ص) من فلق فيه(٤).

وعن سليمان بن خالد قال : قال أبو عبد الله (ع) : إنّ في الجفر الّذي يذكرونه لما يسوؤهم لأنّهم لا يقولون الحقّ والحقّ فيه ، فليخرجوا قضايا عليّ وفرائضه إن كانوا صادقين ، وسلوهم عن الخالات والعمّات ، وليخرجوا مصحف فاطمة فإنّ فيه وصيّة فاطمة ومعه سلاح رسول الله ... الحديث (٥).

وعن معلّى بن خنيس عن أبي عبد الله إنّه قال في بني عمّه : لو أنكم سألوكم وأجبتموهم كان أحبّ إليّ أن تقولوا لهم : إنّا لسنا كما يبلغكم ولكنّا قوم نطلب هذا العلم ، عند من هو؟ ومن صاحبه؟ فإن يكن عندكم فإنّا نتّبعكم إلى من يدعونا إليه ، وإن يكن عند غيركم فإنا نطلبه حتّى نعلم من صاحبه ، وقال : إنّ الكتب كانت عند علي ابن أبي طالب (ع) فلمّا سار إلى العراق استودع الكتب أمّ سلمة ، فلمّا قتل كانت عند الحسن ، فلمّا هلك الحسن كانت عند الحسين ، ثمّ كانت عند أبيّ ... الحديث (٦).

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ١٥١.

(٢) بصائر الدرجات ص ١٤٥ و ١٥٩.

(٣) بصائر الدرجات ص ١٥٥.

(٤) بصائر الدرجات ص ١٥٥.

(٥) بصائر الدرجات ص ١٥٧ وفي ١٥٨ منه بإيجاز.

(٦) بصائر الدرجات ص ١٦٧ وفي ١٥٨ بإيجاز. معلى بن خنيس المدني مولى الإمام الصادق ويروي عنه. قاموس الرجال ٩ / ٥٦.

٣٢٤

وفيه عن علي بن سعد أو سعيد قال كنت قاعدا عند أبي عبد الله (ع) وعنده أناس من أصحابنا فقال له معلّى بن خنيس : جعلت فداك ، ما ذا لقيت من الحسن بن الحسن ثم قال له الطيّار : جعلت فداك بينا أمشي في بعض السكك إذ لقيت محمّد بن عبد الله بن الحسن على حمار له حوله بعض الزيدية.

ثم ذكر ما دار بينهما فقال الإمام في جوابه في الجفر : فإنّما هو جلد ثور مدبوغ كالجراب فيه كتب وعلم ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة من حلال وحرام ، إملاء رسول الله وخطّه علي (ع) بيده ، وفيه مصحف فاطمة ما فيه آية من القرآن ، وإنّ عندي خاتم رسول الله (ص) ودرعه وسيفه ولواؤه ، وعندي الجفر على رغم أنف من رغم (١).

وعن عنبسة بن مصعب قال كنّا عند أبي عبد الله ... وفي آخر الحديث قول الإمام عن الجفرين : ينطق أحدهما بصاحبه ، فيه سلاح رسول الله والكتب ومصحف فاطمة أما والله ما أزعم أنّه قرآن (٢).

ويظهر من بعض الأحاديث أن في مصحف فاطمة ـ بالإضافة إلى ما ورد في ما سبق ـ أحاديث من ملك كان يحدّثها بعد وفاة الرسول ليسلّيها ، كما في رواية حماد بن زيد في الكافي عن الإمام الصادق : إنّ الله تعالى لمّا قبض نبيّه (ص) دخل على فاطمة (ع) من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلّا الله عزوجل ، فأرسل الله إليها ملكا يسلّي غمّها ويحدثها ـ إلى قوله ـ فأعلمته بذلك أي أعلمت الإمام عليّا فجعل يكتب كلّما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفا. قال : ثم قال : أما إنّه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون (٣).

وعن أبي عبيدة قال سأل أبا عبد الله بعض أصحابنا عن الجفر فقال : هو جلد ثور ، مملوء علما قال له : فالجامعة؟ قال تلك صحيفة طولها سبعون ذراعا في عرض الأديم مثل فخذ الفالج ، فيها كلّ ما يحتاج الناس إليه وليس من قضية إلّا وهي فيها حتّى أرش الخدش.

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ١٥٦ و ١٦٠.

(٢) بصائر الدرجات ١٥٤ وكان في بقية الحديث خروج عن موضوع البحث وبحاجة إلى شرح وبيان لا يسع المقام إيرادهما ، ونوصي الباحثين بمطالعته لاهميته ، وفي ص ١٦١ منه عنه مختصرا. عنبسة بن مصعب العجلي الكوفي روى عن الإمام الباقر والصادق. قاموس الرجال ٧ / ٢٤٢.

(٣) أصول الكافي ١ / ٢٤٠ ح ٢ وحماد بن زيد بن عقيل الحارثي الكوفي روى عن الإمام الصادق (ع). قاموس الرجال ٣ / ٣٩٤.

٣٢٥

قال فمصحف فاطمة (ع)؟ قال : فسكت طويلا ثم قال : إنّكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لا تريدون إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله (ص) خمسة وسبعين يوما ـ إلى قوله ـ.

فيحسن عزاءها على أبيها ويطيّب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ، ومكانه ويخبرها ما يكون بعدها في ذريتها. وكان علي يكتب ذلك ... الحديث (١).

* * *

تواترت الأخبار بأنّ أئمّة أهل البيت ورثوا كتاب الإمام علي (الجامعة) في الأحكام ، والجفر ، ومصحف فاطمة ، وفيها أنباء الحوادث الكائنة ، ويظهر من بعض الأحاديث السابقة والآتية أنّ هذه الكتب كانت في وعاء من جلد ثور يسمّونه بالجفر الأبيض ، وما ورثوه من سلاح رسول الله (ص) كان في وعاء من جلد ثور يسمّونه بالجفر الأحمر :

وعاءان فيهما مواريث الإمامة

في الكافي وبصائر الدرجات : عن الحسين بن أبي العلاء ، قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : عندي الجفر الأبيض ، قال : قلت فأيّ شيء فيه؟ قال : زبور داود ، وتوراة موسى ، وإنجيل عيسى ، وصحف إبراهيم (ع) ، والحلال والحرام ، ومصحف فاطمة ما أزعم أنّ فيه قرآنا ، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلدة ، ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش ، وعندي الجفر الأحمر ، قال : قلت : وأيّ شيء في الجفر الأحمر؟ قال : السلاح ... الحديث (٢).

ويقصد الإمام من «وفيه ما يحتاج الناس إلينا ...» إن في الجفر كتاب علي ، وفي كتاب علي ما يحتاج الناس إليه.

وعن أبي حمزة عن أبي عبد الله قال : مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب الله وإنّما هو شيء ألقي عليها بعد موت أبيها (ص) (٣).

__________________

(١) أصول الكافي ١ / ٢٤١ ح ٥ ، وبصائر الدرجات ص ١٥٣ ، والوافي ٢ / ١٣٥ ، والفالج : الجمل العظيم ذو السنامين.

(٢) أصول الكافي ١ / ٢٤٠ ح ٣ ، وبصائر الدرجات ١٥٠ ـ ١٥١ ، والإرشاد للمفيد ص ٢٥٧ مع اختلاف في اللفظ. الحسين بن أبي العلاء أبو علي الخفاف الأعور ، يروي عن الإمام الصادق ، له كتاب. قاموس الرجال ٣ / ٢٦٢.

(٣) بصائر الدرجات ١٥٩.

٣٢٦

وفي رواية : عندي مصحف فاطمة ليس فيه شيء من القرآن (١)

وإنما يؤكد الإمام في حديث بعد حديث أنّه ليس في مصحف فاطمة قرآن لئلّا يلتبس على الناس لفظ المصحف كما التبس على بعضهم في عصرنا.

وفي بصائر الدرجات : عن علي بن سعيد قال : كنت قاعدا عند أبي عبد الله ـ الإمام الصادق ـ (ع) وعنده أناس من أصحابنا ، فقال له معلّى بن خنيس : جعلت فداك! ما لقيت من الحسن بن الحسن ، ثم قال له الطّيار : جعلت فداك! بينا أمشي في بعض السكك إذ لقيت محمّد بن عبد الله بن الحسن على حمار حوله أناس من الزيدية ـ إلى أن قال أبو عبد الله ـ.

وأمّا قوله في الجفر فإنما هو جلد ثور مدبوغ كالجراب فيه كتب ، وعلم ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة من حلال وحرام ، إملاء رسول الله وخطّه عليّ (ع) بيده وفيه مصحف فاطمة ما فيه آية من القرآن ، وإنّ عندي خاتم رسول الله ودرعه وسيفه ولواؤه وعندي الجفر على رغم أنف من رغم (٢).

روي هذا الحديث بسندين أوردنا أتمّهما (٣).

* * *

ما أوردناه في هذا الباب من شرح مصادر العلوم بمدرسة أهل البيت لم يكن من باب حصر مصادر علوم أئمة أهل البيت بها ، بل مصداقا لقاعدة : «إثبات الشيء لا ينفي ما عداه» وقد ورد عن الإمام موسى بن جعفر أنّه قال : مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه : ماض وغابر وحادث ، فأمّا الماضي فمفسّر ، وأمّا الغابر فمزبور ، وأمّا الحادث فقذف في القلوب ، ونقر في الأسماع ، وهو أفضل علمنا ولا نبيّ بعد نبيّنا (٤).

شرح الحديث :

ملخص ما ذكره المجلسي (ره) بمرآة العقول : «مبلغ علمنا» أي غايته وكماله أو محلّ بلوغه ومنشؤه. «ماض» ما تعلّق بالأمور الماضية. «غابر» ما تعلّق بالأمور

__________________

(١) بصائر ١٥٤. وأبو حمزة الثمالي ثابت بن أبي صفية دينار ، له كتاب. روى عن الأئمة علي بن الحسين والباقر والصادق. قاموس الرجال ٢ / ٢٧٠ و ١٠ / ٥٣.

(٢) بصائر الدرجات ١٥٦.

(٣) بصائر الدرجات ص ١٦٠ و ١٦١ وفيها الرواية الموجزة.

(٤) أصول الكافي ١ / ٢٦٤ باب جهات علوم الأئمة ، وشرحه بمرآة العقول ٣ / ١٣٦.

٣٢٧

الآتية والغابر : الباقي والماضي ، من الأضداد. «فأمّا الماضي فمفسّر» أي فسّره لنا رسول الله (ص) ، «وأمّا الغابر» أي العلوم المتعلقة بالأمور الآتية المحتومة ؛ «فمزبور» أي مكتوب لنا في الجامعة ومصحف فاطمة وغيرها ، والشرائع والأحكام داخل فيها أو في أحدهما ، «وأمّا الحادث» وهو ما يتجدّد من الله حتمه من الأمور أو العلوم والمعارف الربانية أو تفصيل المجملات ، «فقذف في القلوب» : بالإلهام من الله تعالى بلا توسّط ملك.

«أو نقر في الأسماع» بتحديث الملك إيّاهم ، وكونه من أفضل علومهم لاختصاصه بهم ولحصوله بلا واسطة بشر أو لعدم اختصاص العلمين الأوّلين بهم إذ قد اطّلع على بعضهما بعض خواصّ الصحابة مثل سلمان وأبي ذرّ بأخبار النبيّ (ص) وقد رأى بعض أصحابهم (ص) مواضع من تلك الكتب ، ولمّا كان هذا القول منه (ع) يوهم ادّعاء النبوّة فإنّ الأخبار عند الناس مخصوص بالأنبياء فقد نفى (ع) ذلك الوهم بقوله : «ولا نبيّ بعد نبيّنا» وذلك لأنّ الفرق بين النبيّ والمحدّث إنّما هو برؤية الملك عند إلقاء الحكم للنبيّ وعدمها بالأسماع من الملك للمحدّث. انتهى.

وفي الكافي عن الإمام محمّد الباقر (ع) قال : إنّ أوصياء محمّد عليه وعليهم‌السلام محدّثون.

وعن أبي الحسن موسى ، قال : الأئمّة علماء صادقون مفهّمون محدّثون.

وعن محمّد بن مسلم ، قال : ذكر المحدّث عند أبي عبد الله (ع) فقال : إنّه يسمع الصوت ولا يرى الشخص فقلت : له : جعلت فداك ، كيف يعلم أنّه كلام الملك؟ قال : إنّه يعطى السكينة والوقار حتّى يعلم أنّه كلام ملك (١).

نجد في كتب الحديث بمدرسة الخلفاء أحاديث تثبت نظير هذه الصفات لبعض الخلفاء مثل ما روت أمّ المؤمنين عائشة في حقّ الخليفة عمر ، قالت : قال رسول الله (ص): «قد كان في الأمم قبلكم محدّثون فإن يكن في أمّتي منهم أحد فإنّ عمر بن الخطّاب منهم».

وروى أبو هريرة أيضا نظير هذا الحديث في حقّ الخليفة عمر (٢) ومهما ورد في

__________________

(١) الأحاديث الثلاثة : في أصول الكافي ١ / ٢٧٠ ـ ٢٧١ باب : إن الأئمة (ع) محدثون مفهمون.

(٢) رواية عائشة في صحيح مسلم ، باب فضائل الصحابة ح ٢ ، ومسند أحمد ٦ / ٥٥ ، ورواية أبي هريرة في صحيح البخاري ٢ / ١٧٣ و ١٩٦ ، ومسند الطيالسي ح ٢٣٤٨.

٣٢٨

مصادر مدرسة الخلفاء فإنّه لم يرد فيها أن أحدهم ورث عن رسول الله كتابا مثل ما ورد ذلك في حقّ أئمّة أهل البيت بكلّ وضوح وتفصيل وفي ما يلي كيفية تداول أئمة أهل البيت كتب العلم التي ورثوها عن رسول الله (ص).

كيف تداول الأئمة كتب العلم؟

الأئمة علي والحسنان والسجاد والباقر

في بصائر الدرجات : عن معلّى بن خنيس عن أبي عبد الله ـ الإمام الصادق (ع) ـ قال : إنّ الكتب كانت عند علي (ع) فلمّا سار إلى العراق استودع الكتب أمّ سلمة فلمّا مضى علي كانت عند الحسن ، فلمّا مضى الحسن كانت عند الحسين ، فلمّا مضى الحسين كانت عند علي بن الحسين ، ثم كانت عند أبي ـ الإمام الباقر ـ (١).

وفي بصائر الدرجات ثلاث روايات أخرى اثنتان منها عن أمّ سلمة قالت : إنّ رسول الله استودعها كتابا فسلّمته الإمام عليّا بعد رسول الله ، وثالثة عن ابن عباس أيضا بالمعنى نفسه (٢).

الكافي عن سليم بن قيس ، قال : شهدت وصية أمير المؤمنين حين أوصى إلى ابنه الحسن (ع) وأشهد على وصيته الحسين ومحمّدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ، ثمّ دفع إليه الكتاب والسلاح وقال لابنه الحسن : يا بني؟ أمرني رسول الله (ص) أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إليّ رسول الله ودفع إلى كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين ثمّ أقبل على ابنه الحسين ، فقال له : وأمرك رسول الله (ص) أن تدفعها إلى ابنك هذا ثمّ أخذ بيد عليّ بن الحسين ثمّ قال لعليّ بن الحسين : وأمرك رسول الله (ص) أن تدفعها إلى ابنك محمّد بن علي واقرأه من رسول الله (ص) ومنّي السلام (٣).

قال المؤلّف : ما سلّمه الإمام هنا إلى ابنه الحسن كتاب واحد وهو غير الكتب التي أودعها عند أمّ المؤمنين أمّ سلمة بالمدينة عند هجرته من المدينة ، والتي تسلّمها الإمام الحسن منها عند عودته إلى المدينة.

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ١٦٢.

(٢) بصائر الدرجات ص ١٦٣ ح ٤ ، وص ١٦٦ ح ١٦ ، وص ١٦٨ ح ٢٣.

(٣) الكافي والوافي ٢ / ٧٩.

٣٢٩

الإمام علي بن الحسين (ع) خاصة

وفي غيبة الشيخ الطوسي ، ومناقب ابن شهرآشوب ، والبحار : عن الفضيل قال : قال لي أبو جعفر ـ الإمام الباقر (ع) ـ : لما توجّه الحسين (ع) إلى العراق ، دفع إلى أمّ سلمة زوج النبي (ص) الوصيّة والكتب وغير ذلك ، وقال لها : إذا أتاك أكبر ولدي فادفعي إليه ما دفعت إليك ، فلمّا قتل الحسين (ع) أتى عليّ بن الحسين أمّ سلمة فدفعت إليه كلّ شيء أعطاها الحسين (ع) (١).

وفي الكافي وإعلام الورى ، ومناقب ابن شهراشوب ، والبحار واللفظ للأوّل ، عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله ـ الإمام الصادق (ع) ـ قال : إنّ الحسين (ع) لما سار إلى العراق استودع أمّ سلمة (رض) الكتب والوصيّة ، فلمّا رجع علي بن الحسين (ع) دفعتها إليه (٢).

وكان ذلك غير الوصية التي كتبها في كربلاء ودفعها مع بقية مواريث الإمامة إلى ابنته فاطمة فدفعتها إلى علي بن الحسين وكان يوم ذاك مريضا لا يرون أنّه يبقى بعده (٣).

الإمام محمّد الباقر خاصة

في الكافي وأعلام الورى وبصائر الدرجات والبحار واللفظ للأوّل : عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جدّه قال : التفت عليّ بن الحسين إلى ولده وهو في الموت وهم مجتمعون عنده ، ثمّ التفت إلى محمّد بن عليّ ابنه ، فقال : يا محمّد! هذا الصندوق ، فاذهب به الى بيتك ، ثمّ قال ـ أي علي بن الحسين ـ أما إنّه ليس فيه دينار ولا درهم ولكنّه كان مملوء علما (٤).

__________________

(١) غيبة الشيخ الطوسي ط تبريز سنة ١٣٢٣ ه‍ ، ومناقب ابن شهرآشوب ٤ / ١٧٢ ، والبحار ٤٦ / ١٨ ، ح ٣ وقد اخذنا اللفظ من الاخير.

(٢) أصول الكافي ١ / ٣٠٤ ، وأعلام الورى ص ١٥٢ ، والبحار ٤٦ / ١٦ ، ومناقب ابن شهرآشوب ٤ / ١٧٢. أبو بكر الحضرمي عبد الله بن محمّد روى عن الإمام الصادق (ع) قاموس الرجال ١٦ / ١٥.

(٣) أصول الكافي ١ / ٣٠٣ حديث ٣ ، وأعلام الورى ص ١٥٢ ، والبحار ٤٦ / ١٨ ح ٥ ، وفي بصائر الدرجات ص ١٤٨ و ١٤٩ و ١٦٣ و ١٦٨.

(٤) أصول الكافي ١ / ٣٠٥ ح ٢ ، وأعلام الورى ص ٢٦٠ ، وبصائر الدرجات باب ١ ص ٤٤ ، والبحار ٤٦ / ٢٢٩ ح ١ ، والوافي ٢ / ٨٣.

وعيسى بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب وقد يقال له : الهاشمي ، روى عن الصادق قاموس الرجال ٧ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦.

٣٣٠

وفي بصائر الدرجات والبحار : عن عيسى بن عبد الله بن عمر ، عن جعفر بن محمّد ـ الإمام الصادق (ع) ـ قال : لمّا حضر علي بن الحسين الموت قبل ذلك أخرج السفط او الصندوق عنده فقال : يا محمّد احمل هذا الصندوق ، قال : فحمل بين أربعة [رجال] فلمّا توفّي جاء أخوته يدّعون في الصندوق ، فقالوا : أعطنا نصيبنا من الصندوق ، فقال : والله ما لكم فيه شيء ، ولو كان لكم فيه شيء ما دفعه إليّ ، وكان في الصندوق سلاح رسول الله وكتبه (١).

الإمام جعفر الصادق

في بصائر الدرجات عن زرارة عن أبي عبد الله قال : ما مضى أبو جعفر حتّى صارت الكتب إليّ (٢).

وفيه ـ أيضا ـ عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله يقول : ما مات أبو جعفر حتى قبض ـ أي أبو عبد الله ـ مصحف فاطمة (٣).

وفيه ـ أيضا ـ عن عنبسة العابد قال : كنّا عند الحسين ابن عمّ جعفر بن محمّد وجاءه محمّد بن عمران فسأله كتاب أرض فقال : حتّى آخذ ذلك من أبي عبد الله (ع). قال : قلت له : وما شأن ذلك عند أبي عبد الله (ع)؟ قال : إنّها وقعت عند الحسن ثمّ عند الحسين ثمّ عند عليّ بن الحسين ثمّ عند أبي جعفر (ع) ثمّ عند جعفر فكتبناه من عنده (٤).

في الكافي وبصائر الدرجات : عن حمران عن أبي جعفر (ع) قال : سألته عمّا يتحدّث الناس أنّه دفعت إلى أمّ سلمة صحيفة مختومة فقال : إنّ رسول الله (ص) لمّا قبض ورث علي (ع) علمه وسلاحه وما هناك ، ثم صار إلى الحسن (ع) ، ثم صار إلى الحسين (ع) ، فلمّا خشينا أن نغشى استودعها أمّ سلمة ، ثمّ قبضها بعد ذلك علي بن الحسين (ع) قال : فقلت : نعم ثمّ صار إلى أبيك ، ثمّ انتهى إليك وصار بعد ذلك أليك؟

__________________

(١) أصول الكافي ١ / ٣٠٥ ، ح ١ ، والوافي ٢ / ٨٢ ، وبصائر الدرجات ج ٤ باب ٤ ص ١٦٥ ، وأعلام الورى ص ٢٦٠ ، والبحار ٤٦ / ٢٢٩.

(٢) بصائر الدرجات ص ١٥٨ ، وراجع ص ١٨٦ و ١٨٠ و ١٨١. زرارة أبو الحسن واسمه عبد ربه ابن أعين مولى بني شيبان ، كوفي روى عن الإمام الصادق (ت : ١٥٠ ه‍). قاموس الرجال ٤ / ١٥٤.

(٣) بصائر الدرجات ص ١٥٨.

(٤) بصائر الدرجات ص ١٦٥ و ١٦٦ منه مع حذف وإسقاط. وعنبسة بن بجاد العابد مولى بني أسد كان قاضيا روى عن الإمام الصادق. قاموس الرجال ٧ / ٢٤٢.

٣٣١

قال : نعم (١).

عن عمر بن أبان : قال : سألت أبا عبد الله (ع) عمّا يتحدّث النّاس أنّه دفع إلى أمّ سلمة صحيفة مختومة فقال : إنّ رسول الله (ص) لمّا قبض ورث عليّ (ع) علمه وسلاحه وما هناك ثمّ صار إلى الحسن ثمّ صار إلى الحسين (ع) قال : قلت : ثمّ صار إلى علي بن الحسين ، ثمّ صار إلى ابنه ، ثمّ انتهى إليك ، فقال : نعم (٢).

الإمام موسى بن جعفر (ع)

في غيبة النعماني والبحار عن حمّاد الصائغ قال : سمعت المفضّل بن عمر يسأل أبا عبد الله ـ الإمام الصادق ـ إلى قول حمّاد : ثم طلع أبو الحسن موسى ـ الإمام الكاظم ـ فقال له أبو عبد الله (ع) : يسرّك أن تنظر إلى صاحب كتاب عليّ ، فقال المفضّل : وأيّ شيء أعظم من ذلك؟ فقال : هو هذا صاحب كتاب علي ... الحديث (٣).

الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

عن علي بن يقطين قال قال لي أبو الحسن : يا علي هذا أفقه ولدي وقد نحلته كتبي وأشار بيده إلى ابنه علي.

وفي رواية : سمعته يقول : إنّ ابني عليا سيّد ولدي وقد نحلته كتبي (٤).

في الكافي (٥) وإرشاد الشيخ المفيد ، وغيبة الشيخ الطوسي والبحار : عن نعيم القابوسي ، عن أبي الحسن موسى ـ الإمام الكاظم (ع) ـ قال : ابني علي أكبر ولدي وأبرّهم عندي وأحبّهم إليّ ، هو ينظر معي في الجفر ولم ينظر فيه إلّا نبيّ أو وصيّ.

__________________

(١) الكافي كتاب الحجة ج ٣ / ٤٨ ، والوافي ٢ / ١٣٣ ، وبصائر الدرجات ١٧٧ و ١٨٦ و ١٨٨.

(٢) الكافي ٣ / ٤٨ ، وبصائر الدرجات ص ١٨٤ و ١٧٧ ، والوافي ٢ / ١٣٣.

(٣) غيبة النعماني ص ١٧٧ ، والبحار ٤٨ / ٢٢ ح ٣٤. والمفضل بن عمر الجعفي الكوفي روى عن الإمام الصادق والكاظم. قاموس الرجال ٩ / ٩٣.

(٤) لرواية علي بن يقطين ثلاثة أسانيد في بصائر الدرجات ص ١٦٤ ح ٧ و ٨ و ٩ ، وفي الإرشاد ص ٢٨٥ : نحلته كنيتي بدل كتبي ، وفي الوافي ٢ / ٨٦. وعلي بن يقطين ، مولى بني أسد ، وله كتب (ت : ١٨٢ ه‍) روى عن الصادق. قاموس الرجال ٧ / ٨٣.

(٥) أصول الكافي ١ / ٣١١ ـ ٣١٢ ح ٢ ، وإرشاد الشيخ المفيد ص ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ، وغيبة الشيخ الطوسي ـ

٣٣٢

وفي رجال الكشي والبحار عن نصر بن قابوس قال : إنّه كان في دار الإمام الكاظم فأراه ابنه الإمام الرضا وهو ينظر في الجفر ، فقال : هذا ابني علي ، والّذي ينظر فيه الجفر(١).

هكذا توارثوا الكتب كابرا عن كابر ، وكانوا يرجعون إليها جيلا بعد جيل يستخرجون منها العلوم والأحكام كما يتّضح ذلك من الأحاديث الآتية :

رجوع أئمة أهل البيت (ع) إلى الكتب التي توارثوها

أمّا الجفر ومصحف فاطمة فقد وجدنا الإمام الصادق يرجع إليهما للاستعلام عن تملك أبناء الحسن السبط الأكبر ، كما في الكافي وبصائر الدرجات عن فضيل بن سكرة قال : دخلت على أبي عبد الله ـ الإمام الصادق ـ (ع) فقال : يا فضيل! أتدري في أيّ شيء كنت أنظر قبيل؟ قلت : لا ، قال : كنت أنظر في كتاب فاطمة (ع) ليس من ملك بملك الأرض إلّا وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه وما وجدت لولد الحسن فيه شيئا(٢).

وعن الوليد بن صبيح قال : قال لي أبو عبد الله : يا وليد إنّي نظرت في مصحف فاطمة فلم أجد لبني فلان إلّا كغبار النعل (٣).

وعن سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبد الله يقول : إنّ عندي لصحيفة فيها اسم الملوك ما لولد الحسن فيها شيء (٤).

وعن عمر بن أذينة (٥) عن جماعة سمعوا أبا عبد الله (ع) يقول ـ وقد سئل عن

__________________

ـ ص ٢٨ ، والوافي ٢ / ٨٣.

ونعيم القابوسي ، لعله نعيم بن القابوس أخو نصر بن قابوس الأتي ذكره ، وهو من ثقات الرواة عن الإمام الكاظم. قاموس الرجال : ٩ / ٢٢٥.

(١) رجال الكشي ص ٣٨٢ ، والبحار ٤٩ / ٢٧ ح ٤٦.

نصر بن قابوس اللخمي الكوفي ، روى عن الأئمة الصادق والكاظم والرضا. قاموس الرجال ٩ / ١٩٥.

(٢) اصول الكافي ١ / ٢٤٢ ح ٨ ، وبصائر الدرجات ص ١٦٩ ح ٣ ، والوافي ٢ / ١٣٦.

وفضيل بن سكرة أبو محمّد الأسدي ، روى عن الإمام الصادق. قاموس الرجال ٧ / ٣٣٧.

(٣) بصائر الدرجات ص ١٧٠ وص ١٦١ ح ٣٢ نظيره.

والوليد بن صبيح الكوفي الأسدي مولاهم ، روى عن الإمام الصادق. قاموس الرجال ٩ / ٢٥٤.

(٤) بصائر الدرجات ص ١٦٩ ح ٥.

(٥) بصائر الدرجات ص ١٦٩ ح ٢. وقريب منه في الكافي والوافي كما يأتي.

٣٣٣

محمّد : إنّ عندي لكتابين فيهما اسم كلّ نبي وكلّ ملك يملك ، والله ما محمّد بن عبد الله في أحدهما.

يقصد الإمام من «الكتابين» : الجفر ومصحف فاطمة ، ومن «اسم كلّ نبيّ» : اسم كلّ نبيّ قبل جدّه خاتم الأنبياء ، كما يظهر ذلك من الحديث الآتي :

في بصائر الدرجات عن معلّى بن خنيس ، قال : قال أبو عبد الله : ما من نبيّ ولا وصيّ ولا ملك إلّا في كتاب عندي ، لا والله ما لمحمّد بن عبد الله بن الحسن فيه اسم (١).

ونظيره عن العيص بن القاسم (٢).

وعن معلّى بن خنيس قال : كنت عند أبي عبد الله (ع) إذ أقبل محمّد بن عبد الله بن الحسن فسلّم ثمّ ذهب ، ورقّ له أبو عبد الله ودمعت عينه ، فقلت له : لقد رأيتك صنعت به ما لم تكن تصنع! قال : رققت له لأنّه ينسب في أمر ليس له ، لم أجده في كتاب علي من خلفاء هذه الأمّة ولا ملوكها (٣).

وعن عنبسة بن بجاد العابد ، قال : كان جعفر بن محمّد إذا رأى محمّد بن عبد الله بن الحسن تغرغرت عيناه ثمّ يقول : بنفسي هو ، إنّ الناس ليقولون فيه أنّه المهديّ ، وإنّه لمقتول ، ليس هذا في كتاب أبيه عليّ من خلفاء هذه الأمّة (٤).

يقصد الإمام من كتاب على : الجفر الذي ورثوه من علي.

وفي الكافي عن فضيل بن يسار وبريد بن معاوية وزرارة : إنّ عبد الملك بن أعين قال لأبي عبد الله : انّ الزيديّة قد أطافوا بمحمّد بن عبد الله فهل له سلطان؟ فقال : والله إنّ عندي لكتابين فيهما تسمية كلّ نبيّ وكلّ ملك يملك الأرض. لا والله ما محمّد بن عبد الله في واحد منهما (٥).

__________________

ـ وعمر بن أذينة اسمه محمّد بن عمر غلب عليه اسم أبيه ، فهو محمّد بن عمر بن عبد الرحمن بن أذينة من عبد القيس ، روى عن الإمامين الصادق والكاظم. قاموس الرجال ٧ / ١٧٩.

(١) بصائر الدرجات ص ١٦٩ ح ٤.

(٢) بصائر الدرجات ص ١٦٩ ح ٦. أبو القاسم عيص بن القاسم البجلي ابن أخت سليمان بن خالد روى عن الإمامين الصادق والكاظم. قاموس الرجال ٧ / ٢٧٤ ، والكافي والوافي ١ / ٥٧ ، وبصائر الدرجات.

(٣) الكافي ص ١٦٨ ـ ١٦٩ ح ١.

(٤) مقاتل الطالبين ص ٢٠٨ ، وإرشاد المفيد ص ٢٦٠.

(٥) أصول الكافي ١ / ٢٤٢ ح ٨ ، والوافي ٢ / ١٣٦. بريد بن معاوية أبو القاسم العجلي ، روى عن الإمامين الباقر والصادق (ت : ١٥٠ ه‍). قاموس الرجال ٢ / ١٦٤.

٣٣٤

اتّخذ الإمام الصادق موقفه من حركة بني عمومته أبناء الحسن استنادا إلى ما دوّن في الجفر الأبيض ومصحف فاطمة ، وكان ينبئ أحيانا بني عمومته نتيجة أمرهم كما وجدها في ما ورث من كتب غير أنّ أبناء عمومته لم يكونوا ليقبلوا نصحه وقوله ، مثل ما رواه أبو الفرج في مقاتل الطالبين ، قال : إنّ جماعة بني هاشم اجتمعوا بالأبواء وفيهم إبراهيم بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس ، وأبو جعفر المنصور ، وصالح بن علي ، وعبد الله بن الحسن بن الحسن ـ السب ط ـ وابناه محمّد وإبراهيم ، ومحمّد بن عبد الله ابن عمرو بن عثمان(١).

فقال صالح بن علي : قد علمتم أنّكم الّذين تمدّ الناس أعينهم إليهم ، وقد جمعكم الله في هذا الموضع فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إيّاها من أنفسكم وتواثقوا على ذلك حتّى يفتح الله وهو خير الفاتحين.

فحمد الله عبد الله بن الحسن ، وأثنى عليه ، ثمّ قال : قد علمتم إنّ ابني هذا هو المهدي فهلمّوا فلنبايعه.

وقال أبو جعفر ـ المنصور ـ : لأيّ شيء تخدعون أنفسكم ، وو الله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أطول أعناقا ، ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى ـ يريد محمّد بن عبد الله ـ

قالوا : ق د ـ والله ـ صدقت إنّ هذا لهو الّذي نعلم فبايعوا جميعا محمّدا ، ومسحوا على يده. وأرسل إلى جعفر بن محمّد ـ الصادق ـ (٢).

وجاء جعفر بن محمّد فأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه ، فتكلّم بمثل كلامه فقال جعفر لا تفعلوا! فإنّ هذا الأمر لم يأت بعد أن كنت ترى أنّ ابنك هذا هو المهدي فليس به ، ولا هذا أوانه ، وإن كنت إنّما تريد أن تخرجه غضبا لله وليأمر

__________________

(١) إبراهيم بن محمّد بن علي بن عبد الله بن العباس الملقب بالإمام. كان صاحب دعوة بني العباس وسجنه مروان الحمار آخر الخلفاء الأمويين بحران ، وقتله سنة ١٣٢ ه‍ تاريخ ابن الأثير ٥ / ١٥٨ ، ومروج الذهب للمسعودي ٣ / ٢٤٤. وأخوه أبو جعفر المنصور بويع بعد موت أخيه السفاح سنة ١٣٦ ه‍ وتوفي سنة ١٥٨ ه‍ في طريقه إلى مكة ودفن بمكة مروج الذهب للمسعودي.

ومحمّد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان المعروف بالديباج قتله أبو جعفر المنصور عام ١٤٢ ه‍ بحران وبعث برأسه إلى خراسان.

(٢) وفي رواية قال لهم عبد الله بن الحسن : لا نريد جعفرا لئلا يفسد عليكم أمركم.

٣٣٥

بالمعروف وينهى عن المنكر ؛ فإنّا والله لا ندعك وأنت شيخنا ، ونبايع ابنك.

فغضب عبد الله ، وقال : لقد علمت خلاف ما تقول ، وو الله ما اطلعك الله على غيبه ، ولكن يحملك على هذا الحسد لابني.

فقال : والله ما ذاك يحملني ، ولكن هذا وإخوته وأبناؤهم دونكم ، وضرب بيده على ظهر أبي العباس ، ثمّ ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن ، وقال : إنّها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك ، ولكنّها لهم ، وإنّ ابنيك لمقتولان.

ثمّ نهض ، وتوكّأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري ، فقال : أرأيت صاحب الرداء الأصفر ـ يعني أبا جعفر ـ قال : فإنّا والله نجده يقتله. قال له عبد العزيز : أيقتل محمّدا؟!

قال : نعم. قال : فقلت في نفسي : حسده وربّ الكعبة! قال : ثمّ والله ما خرجت من الدنيا حتّى رأيته قتلهما.

قال : فلمّا قال جعفر ذلك ؛ انفض القوم فافترقوا ولم يجتمعوا بعدها. وتبعه عبد الصمد ، وأبو جعفر ، فقالا : يا أبا عبد الله! أتقول هذا؟ قال : أقوله والله ، واعلمه(١).

وفي لفظ رواية أخرى : قال الصادق لعبد الله بن الحسن : إنّ هذا الأمر ليس أليك ولا إلى ولديك ، وإنما هو لهذا ـ يعني السفا ح ـ ثمّ لهذا ـ يعنى المنصور ـ ثم لولده من بعده ، لا يزال فيهم حتّى يؤمّروا الصبيان ويشاوروا النساء.

فقال عبد الله : والله يا جعفر ما أطلعك الله على غيبه ، ...

فقال ـ الصادق ـ : لا والله ما حسدت ابنك ، وإنّ هذا ـ يعني أبا جعفر ـ يقتله على أحجار الزّيت ، ثمّ يقتل أخاه بعده بالطفوف ، وقوائم فرسه بالماء ... الحديث (٢).

وروى الطبري وأبو الفرج عن أمّ حسين بنت عبد الله بن محمّد بن علي بن الحسين ـ السب ط ـ قالت : قلت لعمّي جعفر بن محمّد : إني فديتك! ما أمر محمّد بن عبد الله؟ قال : فتنة يقتل فيها محمّد عند بيت رومي ويقتل أخوه لأبيه وأمّه بالعراق وحوافر فرسه بالماء(٣).

__________________

(١) مقاتل الطالبين ص ٢٠٦ ـ ٢٠٨ ، وارشاد المفيد ص ٢٥٩ ـ ٢٦٠.

(٢) مقاتل الطالبين ٢٥٣ ـ ٢٥٦.

(٣) الطبري ٩ / ٢٣٠ وط. اوروبا ٣ / ٢٥٤ ، ومقاتل الطالبين ص ٢٤٨.

٣٣٦

وروي أن عيسى قائد المنصور لما دخل المدينة قال جعفر بن محمّد : أهو هو؟ قيل : من تعنى يا أبا عبد الله؟ قال المتلعب بدمائنا ، أما والله لا يحلأ منها شيء ، يعني محمّدا وإبراهيم (١).

وقال : خرج مع محمّد حمزة بن عبد الله بن محمّد بن عليّ وكان عمّه جعفر ينهاه ، يقول له : هو والله مقتول (٢).

اشتهار إنباء الإمام الصادق (ع) عن نهاية أمر بني الحسن

اشتهر عن الإمام الصادق إنباؤه عن نهاية أمر بني الحسن ، وعرف ذلك القريبون منه والبعيدون عنه ، ولذلك قال الفضيل بن يسار أحد أصحاب الإمام الصادق لمن أخبره بخروج محمّد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن : «ليس أمرهما بشيء!» قال الراوي : فصنعت ذلك مرارا كلّ ذلك يردّ علي مثل هذا الردّ ، قال : قلت : رحمك الله قد أتيتك غير مرّة أخبرك فتقول : ليس أمرهما بشيء ، أفبرأيك تقول هذا؟ قال فقال : لا والله ولكن سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إن خرجا قتلا (٣).

ولهذا لمّا أخبر المنصور بهزيمة قائدة في حرب محمّد قال : كلّا ، فاين لعب صبياننا بها على المنابر ومشاورة النساء (٤).

ولمّا خرج إبراهيم بالبصرة وهزم جيش المنصور حتّى دخل أوائلهم الكوفة أمر أبو جعفر المنصور باعداد الإبل والدوابّ على جميع أبواب الكوفة ليهرب عليها (٥).

وجعل يقول : يا ربيع! ويلك فكيف ولم ينلها أبناؤنا فأين إمارة الصبيان (٦) يشير أبو جعفر المنصور في المقامين إلى قول الإمام الصادق «يؤمّروا الصبيان ويشاوروا النساء».

نهاية أمر الأخوين

روى الطبري وأبو الفرج وقال : قتل محمّد عند أحجار الزيت بالمدينة (٧).

__________________

(١) مقاتل الطالبين ص ٢٧٢.

(٢) الطبري ٩ / ٢٣٠ وقد أوردته بإيجاز.

(٣) ترجمة الفضيل بن يسار من اختيار معرفة الرجال للكشي ط. جامعة مشهد ص ٢١٤.

(٤) الطبري ٩ / ٢٢٨ ، ومقاتل الطالبين ص ٢٧٤.

(٥) الطبري ٩ / ٢٥٩ ، ومقاتل الطالبين ص ٣٤٦.

(٦) مقاتل الطالبين ص ٣٤٧ ، وتاريخ ابن الاثير ٥ / ٢٣٠.

(٧) الطبري ٩ / ٢٢٧ ، ومقاتل الطالبين ص ٢٧٢.

٣٣٧

وفي الأغاني : وجاء إبراهيم سهم وهو راكب على فرسه في مسناة يتعقب المنهزمين من جيش المنصور فقتل (١).

وهكذا كانت نهاية أمر الأخوين كما أنبأ بها الإمام الصادق (ع) قبل ذلك بمدة.

* * *

إلى هنا استعرضنا بعض الأحاديث التي ذكرت رجوع الإمام الصادق إلى الجفر ومصحف فاطمة في استعلام تملّك أبناء الحسن وفي ما يلي حديث عن علي بن الحسين السجّاد في شأن حكم ابن عبد العزيز رواه عبد الله بن عطاء التميمي قال : كنت مع عليّ بن الحسين في المسج د ـ أي مسجد الرسول (ص) ـ فمرّ عمر بن عبد العزيز عليه شراكا فضّة ، وكان من أحسن الناس وهو شابّ ، فنظر إليه عليّ بن الحسين ، فقال : يا عبد الله بن عطاء أترى هذا المترف ، إنّه لن يموت حتّى يلي الناس ، قلت : هذا الفاسق ، قال : نعم ، لا يلبث فيهم إلّا يسيرا ... الحديث (٢).

استشهاد الإمام الرضا (ع) بالجفر

في أحوال الإمام الرضا (ع) من كتاب كشف الغمة للإربلي (ت : ٦٩٣ ه‍) (٣) : قال الفقير إلى الله تعالى عبد الله علي بن عيسى أثابه الله : وفي سنة سبعين وستمائة وصل من مشهده الشريف (ع) أحد قوامه ، ومعه العهد الذي كتبه المأمون بخط يده وبين سطوره ، وفي ظهره بخط الإمام (ع) ما هو مسطور ، فقبّلت مواقع أقلامه ، وسرحت طرفي في رياض كلامه ، وعددت الوقوف عليه من منن الله وإنعامه ، ونقلته حرفا فحرفا.

وما هو بخط المأمون :

بسم الله الرحمن الرحيم.

هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد أمير المؤمنين بيده لعلي بن موسى ابن جعفر ولي عهده ، أمّا بعد فإن الله عزوجل اصطفى الإسلام دينا ، واصطفى له من

__________________

(١) مقاتل الطالبين ص ٣٤٧.

(٢) بصائر الدرجات ص ١٧٠ باب نادر ، أوردنا من الحديث موضع الحاجة وفي بقية الحديث عبرة.

(٣) كشف الغمة في معرفة الأئمة ط. مطبعة النجف سنة ١٣٨٥ ه‍ تأليف أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي.

٣٣٨

عباده رسلا دالين عليه ، وهادين إليه ، يبشر أوّلهم بآخرهم ، ويصدق تاليهم ماضيهم حتى انتهت نبوة الله إلى محمّد (ص) على فترة من الرسل ، ودروس من العلم ، وانقطاع من الوحي ، واقتراب من الساعة ، فختم الله به النبيين ، وجعله شاهدا لهم ومهيمنا عليهم ، وأنزل عليه كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد. بما أحلّ وحرم ، ووعد وأوعد ، وحذر وأنذر ، وأمر به ونهى عنه ، لتكون له الحجّة البالغة على خلقه ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بيّنة ، وأنّ الله لسميع عليم ، فبلّغ عن الله رسالته ، ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالّتي هي أحسن ، ثم بالجهاد والغلظة ، حتّى قبضه الله إليه واختار له ما عنده.

فلما انقضت النبوة ، وختم الله بمحمد (ص) الوحي والرسالة ، جعل قوام الدين ونظام أمر المسلمين بالخلافة ، وإتمامها وعزّها والقيام بحقّ الله فيها بالطاعة التي بها تقام فرائض الله وحدوده وشرائع الإسلام وسننه ، ويجاهد بها عدوه ، فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده ، وعلى المسلمين طاعة خلفائهم ومعاونتهم على إقامة حقّ الله وعدله ، وأمن السبيل وحقن الدماء وصلاح ذات البين وجمع الألفة ، وفي خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين واختلالهم ، واختلاف ملّتهم وقهر دينهم واستعلاء عدوّهم وتفرّق الكلمة وخسران الدنيا والآخرة ، فحقّ على من استخلفه الله في أرضه ، وائتمنه على خلقه ، أن يجهد لله نفسه ، ويؤثر ما فيه رضا الله وطاعته ، ويعتمد لما الله مواقفه عليه ومسائله عنه ، ويحكم بالحق ويعمل بالعدل فيما حمله الله وقلّده ، فإنّ الله عزوجل يقول لنبيه داود (ع) :

«يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحقّ ولا تتبع الهوى فيضلّك عن سبيل الله إن الّذين يضلّون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب» وقال الله عزوجل : «فو ربك لنسألنّهم أجمعين عما كانوا يعملون» وبلغنا أن عمر بن الخطاب قال : لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات لتخوّفت أن يسألني الله عنها ، وأيم الله إن المسئول عن خاصّة نفسه ، الموقوف على عمله فيما بينه وبين الله ليتعرّض على أمر كبير وعلى خطر عظيم ، فكيف بالمسئول عن رعاية الأمّة ، وبالله الثقة وإليه المفزع والرغبة في التوفيق والعصمة ، والتسديد والهداية ، إلى ما فيه ثبوت الحجّة والفوز من الله بالرضوان والرحمة.

٣٣٩

وأنظر الأمّة لنفسه وأنصحهم لله في دينه وعباده من خلائقه في أرضه ؛ من عمل بطاعة الله وكتابه وسنة نبيه (ص) في مدّة أيّامه وبعدها ، وأجهد رأيه ونظره فيمن يولّيه عهده ويختاره لإمامة المسلمين ورعايتهم بعده ، وينصبه علما لهم ومفزعا في جمع ألفتهم ولمّ شعثهم ؛ وحقن دمائهم والأمن بإذن الله من فرقتهم ، وفساد ذات بينهم واختلافهم ، ورفع نزغ الشيطان وكيده عنهم ، فإنّ الله عزوجل جعل العهد بعد الخلافة من تمام أمر الإسلام وكماله ، وعزّه وصلاح أهله ، وألهم خلفاءه من توكيده لمن يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النعمة ، وشملت فيه العافية ، ونقضه الله بذلك مكر أهل الشقاق والعداوة ، والسعي في الفرقة والتربّص للفتنة.

ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة فاختبر بشاعة مذاقها وثقل محملها وشدّة مئونتها ، وما يجب على من تقلّدها من ارتباط طاعة الله ومراقبته فيما حمله منها ، فأنصب بدنه وأسهر عينه وأطال فكره فيما فيه عزّ الدين وقمع المشركين وصلاح الأمّة ، ونشر العدل وإقامة الكتاب والسنّة ، ومنعه ذلك من الخفض والدعة ومهنأ العيش علما بما الله سائله عنه ، ومحبّة أن يلقى الله مناصحا له في دينه وعباده ، ومختارا لولاية عهده ورعاية الأمّة من بعد أفضل من يقدر عليه في ورعه ودينه وعلمه ، وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقّه ، مناجيا لله تعالى بالاستخارة في ذلك ومسألته الهامة ما فيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره ، معملا في طلبه والتماسه في أهل بيته من ولد عبد الله بن العبّاس وعلي بن أبي طالب فكره ونظره ، مقتصرا لمن علم حاله ومذهبه منهم على علمه ، وبالغا في المسألة عمّن خفي عليه أمره جهده وطاقته.

حتّى استقصى أمورهم معرفة ، وابتلى أخبارهم مشاهدة ، واستبرأ أحوالهم معاينة ، وكشف ما عندهم مساءلة فكانت خيرته بعد استخارته لله وإجهاده نفسه في قضاء حقّه في عباده وبلاده في البيتين جميعا عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ ابن الحسين بن عليّ بن أبي طالب لما رأى من فضله البارع ، وعلمه الناصع ، وورعه الظاهر ، وزهده الخالص وتخلّيه من الدنيا ، وتسلّمه من الناس ، وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطية ، والألسن عليه متّفقة ، والكلمة فيه جامعة ، ولما لم يزل يعرفه من الفضل يافعا وناشئا ، وحدثا ومكتهلا ، فعقد له بالعهد والخلافة من بعده ، واثقا بخيرة الله في ذلك ، إذ علم الله أنّه فعله إيثارا له وللدين ، ونظرا للإسلام والمسلمين ، وطلبا للسلامة وثبات الحقّ ، والنجاة في اليوم الّذي يقوم الناس فيه لربّ العالمين.

٣٤٠