معالم المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٤

وعن حمّاد قال (١) : كنت جالسا في المسجد الحرام عند أبي حنيفة ، فجاءه رجل ، فقال : يا أبا حنيفة محرم لم يجد نعليه فلبس خفّا ، قال : عليه دم ، قال : قلت : سبحان الله! حدثنا أيّوب أنّ النبيّ قال في المحرم : إذا لم يجد نعليه فليلبس الخفّين وليقطعهما أسفل الكعبين.

وعن بشر بن مفضل ، قال : قلت لأبي حنيفة : نافع ، عن ابن عمر ، أنّ النبيّ (ص) قال : «البيعان بالخيار ما لم يتفرّقا» قال : هذا رجز ، وقلت : قتادة عن أنس : إن يهوديا رضخ رأس جارية بين حجرين فرضخ النبيّ رأسه بين حجرين ، فقال : هذيان (٢).

وعن عبد الصمد ، عن أبيه ، قال : ذكر لأبي حنيفة قول النبيّ : افطر الحاجم والمحجوم ، قال : هذا سجع (٣).

وعن عبد الوارث ، قال : كنت بمكّة وبها أبو حنيفة فأتيته وعنده نفر فسأله رجل عن مسألة فأجاب فيها ، فقال الرجل : فما رواية عن عمر بن الخطاب ، قال : ذلك قول شيطان ، قال : فسبحت ، فقال لي رجل : أتعجب؟ فقد جاء رجل قبل هذا فسأله عن مسألة فأجاب ، فقال ما رواية رويت عن رسول الله (ص) افطر الحاجم والمحجوم ، فقال : هذا سجع ، فقلت في نفسي : هذا مجلس لا أعود فيه أبدا (٤).

وعن يحيى بن آدم ، قال : ذكر لأبي حنيفة حديث النبيّ (ص) «الوضوء نصف الإيمان» قال : لنتوضّأ مرّتين لنستكمل الايمان.

قال يحيى : الإيمان هنا : الصلاة ، قال الله «وما كان ليضيع إيمانكم» يعني صلاتكم ، وقال النبيّ «لا صلاة إلّا بطهور» فالطهور نصف الإيمان أي نصف الصلاة إذ كانت الصلاة لا تتمّ إلّا به.

وقال سفيان بن عيينة : ما رأيت أجرأ على الله من أبي حنيفة ، كان يضرب الأمثال لحديث رسول الله فيردّه : بلغه إنّي أروي «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» فجعل يقول : أرأيت إن كان في سفينة؟ أرأيت إن كان في سجن؟! أرأيت إن كان في

__________________

(١) حديث حماد في ص ٣٩٢ منه.

(٢) حديث بشر في ص ٣٨٨ منه ، ورواية حماد وأيوب بتفصيل أوفي في المجروحين للبستي ٣ / ٦٧.

وحديث بشر في ص : ٧٠ منه.

(٣) حديث عبد الصمد في ص ٣٨٨ منه.

(٤) في ص ٣٨٨ منه.

٣٠١

سفر كيف يفترقان؟! (١).

* * *

في ما نقلوه عن إمام أهل الرأي المجتهد أبي حنيفة وأوردناه آنفا راجعنا أوّلا بشأن أحاديثه كتب الحديث الموثقة فوجدنا تلك الأحاديث فيها مروية عن رسول الله ، ثمّ راجعنا فتاوى أبي حنيفة فوجدناه قد أفتى بخلاف تلك الأحاديث.

أ ـ ففي صحيحي البخاري ومسلم ، وسنن أبي داود ، والترمذي ، وموطأ مالك ، ومسند أحمد :

إنّ رسول الله جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما (٢).

ومخالفة أبي حنيفة لهذا الحكم في بداية المجتهد لابن رشد (٣).

ب ـ في صحيحي البخاري ومسلم وسنن ابن ماجة والدارمي والترمذي ومسند أحمد: إن رسول الله أشعر الهدي في السنام الأيمن (٤).

وفي المحلّى : قال أبو حنيفة : «أكره الإشعار وهو مثلة».

قال ابن حزم : هذه طامّة من طوامّ العالم أن يكون مثلة شيء فعله النبيّ أفّ لكلّ عقل يتعقب حكم رسول الله (٥).

ج ـ البيّعان بالخيار ما لم يفترقا (٦).

وفي بداية المجتهد : قال الشافعي وأبو حنيفة : أجل الخيار ثلاثة أيّام (٧).

__________________

(١) في ٣٨٨ ـ ٣٨٩ منه.

(٢) في كتاب الجهاد من صحيح البخاري باب سهام الفرس ٢ / ٩٩ ، والمغازى باب غزوة خيبر ٣ / ٣٦ ، ومسلم كتاب الجهاد ، باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين ح ٥٧ ، وأبو داود ، كتاب الجهاد باب ١٤٣ و ١٤٧ ، والترمذي السير باب ٦ و ٨ والموطأ ، كتاب الجهاد ٢١ ومسند أحمد ٢ / ٢ و ٦٢ و ٨٠ و ٤ / ١٣٨.

(٣) بداية المجتهد ٢ / ٤١١.

(٤) كتاب الحج من البخاري باب ٥١ ، ومسلم ح ٢٠٥ ، والترمذي ٦٤ ، وكتاب المناسك من سنن ابن ماجة ، باب اشعار البدن ٩٦ ، والدارمي باب ٦٨ ومسند أحمد ١ / ٢١٦ و ٢٥٤ و ٢٨٠ و ٣٣٩ و ٣٣٤ و ٣٤٧ و ٣٧٢.

(٥) المحلى لابن حزم ٧ / ١١١.

(٦) كتاب البيوع من البخاري باب ١٩ و ٢٢ و ٤٢ و ٤٣ و ٤٤ و ٤٦ و ٤٧ ، ومسلم ح ٤٣ و ٤٦ و ٤٧ وسنن أبي داود باب ٥١ ، والترمذي ٣٦ ، والنسائي ٤ و ٧ و ٩ ، والدارمي باب ١٥ ، والموطأ ، ٧٩ وابن ماجه ، كتاب التجارات ١٧ ، ومسند أحمد ٢ / ٤ و ٩ و ٥٢ و ٥٤ و ٧٣ و ١٣٥ و ٣١١ و ٣ / ٤٠٢ و ٤٢٥ و ٤٣٤ و ٥ / ١٢ و ١٧ و ٢١ و ٢٢ و ٢٣.

(٧) بداية المجتهد ٢ / ٢٢٦ كتاب بيع الخيار.

٣٠٢

وفي المحلّي أورد الروايات المروية عن رسول الله في هذا الحكم ثم قال : شذّ عن هذا كلّه أبو حنيفة ومالك ومن قلّدهما وقالا : «البيع يتم بالكلام وإن لم يتفرّقا بأبدانهما ، ولا خيّر أحدهما الآخر» وخالفوا السنن الثابتة ... (١).

د ـ في صحيحي البخاري ومسلم ، والدارمي وابن ماجة وغيرها : المحرم إن لم يجد النعلين فليلبس الخفّين (٢). وذكر ابن حزم تفصيل الحكم ومخالفة أبي حنيفة إياه في المحلّى.(٣)

ه ـ في صحيحي البخاري ومسلم ، وسنن أبي داود وابن ماجة ، وغيرها : انّ رسول الله رضخ رأس يهودي كان رضخ رأس جارية بين حجرين (٤).

وفي بداية المجتهد لابن رشد : قال أبو حنيفة وأصحابه في القود : بأيّ وجه قتله لم يقتل إلّا بالسيف (٥).

وتفصيل الأحاديث في المحلى لابن حزم (٦).

و ـ في صحيح البخاري وسنن أبي داود والترمذي والدارمي وغيرها : أفطر الحاجم والمحجوم (٧).

وفي بداية المجتهد : قال أبو حنيفة وأصحابه : إنّها غير مكروهة ولا مفطرة (٨).

__________________

(١) أورد ابن حزم الروايات في المحلى ٨ / ٣٥١ ـ ٣٥٢ المسألة ١٤١٧.

(٢) راجع كتاب الحج من صحيح البخاري باب ٢١ ، وصحيح مسلم ح ١ ـ ٥ ، والترمذي ١٩ ، والنسائي ٥٢ و ٥٣ و ٥٥ و ٥٧ ـ ٥٩ و ٦١ ـ ٦٣ ، والموطأ ٨ و ٩ ، وكتاب المناسك من ابن ماجه ١٩ و ٢٠ ، والدارمي ٩ ، ومسند أحمد ١ / ٢١٥ و ٢٢٥ و ٢٢٨ و ٢٧٩ و ٢٨٥ و ٣٣٧ و ٢ / ٣ و ٤ و ٨ و ٢٩ و ٣٢ و ٣٤ و ٤١ و ٤٧ و ٥٠ و ٥٤ و ٦٦ و ٧٣ و ٧٤ و ٨١ و ١١١ و ١١٩ و ٣ / ٣٢٣ و ٣٩٥.

(٣) راجع تفصيله في المحلى ٧ / ٨١.

(٤) وجدته بلفظ «رض» في البخاري كتاب الخصومات ١ والوصايا ٥ والديات ٤ و ١٢ ، وصحيح مسلم ، كتاب القسامة ١٧ ، وكتاب الديات من سنن أبي داود ١ ، وابن ماجة ٢٤ ، والدارمي باب ٤ ، ومسند أحمد ٣ / ١٩٣ و ٢٦٢ و ٢٦٩.

(٥) بداية المجتهد ٢ / ٤٣٧.

(٦) المحلى لابن حزم ١٠ / ٣٦٠ فما بعد.

(٧) في كتاب الصوم من البخاري باب ٣٢ ، وسنن أبي داود باب ٢٨ ، والترمذي باب ٥٩ ، والدارمي باب ٢٦ ، وكتاب الصيام في سنن ابن ماجة ١٨ ، ومسند أحمد ٢ / ٣٦٤ و ٣ / ٤٦٥ و ٤٧٤ و ٤٨٠ و ٤ / ١٢٣ و ١٢٤ و ١٢٥ و ٥ / ٢١٠ و ٢٧٦ و ٢٧٧ و ٢٨٠ و ٢٨٢ و ٢٨٣ و ٦ / ١٢ و ١٥٧ و ٢٥٨.

(٨) بداية المجتهد ١ / ٣٠٠ ، وراجع المحلى لابن حزم ٦ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥ المسألة ٧٥٣.

٣٠٣

ز ـ في سنن الترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وغيرها : الوضوء نصف الإيمان(١).

ح ـ في صحيحي البخاري ومسلم ، وسنن أبي داود والدارمي وغيرها : انّ النبي إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها معه (٢).

* * *

إنّ الأحاديث الصحيحة الآنفة إلى مئات من أحاديث صحيحة أخرى زويت عن رسول الله (ص) ودونت في أمّهات كتب الحديث ، وخالفها الإمام أبو حنيفة وغيره من المجتهدين بآرائهم ، ولعل عددها يتعدى المائتين والأربعمائة ، كما أحصيت في تاريخ بغداد للخطيب ، ومن يراجع كتب الخلاف ـ أمثال المحلّى لابن حزم ـ يجد نصوصها ومخالفتهم إيّاها بتفصيل واف!

والأنكى من ذلك أنّهم بوضعهم قواعد الأصول لديهم كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة ، فتحوا بابا للتشريع في مقابل الكتاب والسنّة ومعهما ، رجعوا إلى تلك القواعد أحيانا لاستنباط الحكم الإسلامي ، وأخرى إلى الكتاب والسنّة ، وأحيانا قدموا قواعد الأصول عليها كما مرّت أمثلتها آنفا ، وهكذا تطوّرت الأحكام الإسلامية بمدرسة الخلفاء بعد رسول الله ، وهكذا نسبت جميعها إلى الشرع الإسلامي ، ومن ثمّ اعتقد خصوم الإسلام ـ مضافا إلى بعض أهله ـ (٣) أنّ الإسلام كان ناقصا على عهد الرسول وإنّما تكامل وتطوّر بعده ، مثل المستشرق اليهودي كولد زيهر في كتابه تطوّر العقيدة والشريعة في الإسلام.

وأدّى التمادي في الاعتماد على الرأي إلى أن يشرّع بعض المجتهدين بمدرسة الخلفاء ـ باسم الحيل الشرعية ـ أحكاما لا يوجد نظيرها في أيّ قانون على وجه الأرض

__________________

(١) سنن التّرمذي كتاب الدعاء باب ٨٥ ، والنسائي الزكاة باب ١ ، وابن ماجة الطهارة ٥ ، والدارمي الوضوء ـ باب ٢ ، ومسند أحمد ٥ / ٣٦٥.

اعتمدنا في مصادر الأحاديث الواردة في هذا المقام على المعجم المفهرس لألفاظ الحديث.

(٢) صحيح البخاري كتاب الجهاد باب ٦٤ والهبة ١٥ والشهادات ١٥ و ٣٠ ، والمغازي ٣٤ وتفسير سورة ٣٤ / ٦ ، وصحيح مسلم كتاب التوبة ح ٥٦ ، وسنن أبي داود كتاب النكاح باب في القسم بين النساء ، والدارمي كتاب النكاح ٢٦ ، ومسند أحمد ٦ / ١١٧ و ١٩٥ و ١٥٧ و ٢٦٩ ، هذا ما روي عن أم المؤمنين عائشة بينا بحثنا عن ذلك فلم نجد رسول الله يخرج نساءه لغير الحج والعمرة.

(٣) راجع فصول المدخل إلى أصول الفقه للدواليبي مثلا.

٣٠٤

ويندى لها جبين المرء خجلا (١).

والأنكى من ذلك أن يوضع في مدح هؤلاء المجتهدين الحديث ويسند إلى رسول الله (ص) مثل ما رواه الخطيب عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) أنّه قال : يكون في أمتي رجل اسمه النعمان وكنيته أبو حنيفة ، هو سراج أمّتي ، هو سراج أمّتي ، هو سراج أمّتي (٢).

ولست أدري هل أقول : إنّ الملك الظاهر بيبرس البندقداري أحد ملوك المماليك بمصر أحسن إلى الإسلام حين أغلق باب هذا الاجتهاد في سنة ٦٦٥ ه‍ أم أساء (٣)؟! ومهما يكن الأمر فإنّ الاجتهاد أي العمل بالرأي فتحت بابه السلطة الحاكمة بمدرسة الخلفاء على عهد الخلفاء الراشدين وكذلك أغلق بابه على يد السلطة الحاكمة فيها وبقي كذلك حتّى اليوم!

* * *

كان ذلك شأن مدرسة الخلفاء في أمر الاجتهاد. أمّا أتباع مدرسة أهل البيت فإنهم تبعوا أئمتهم في التسمية وسمّوا هذا العلم بالفقه والمتخصص به بالفقيه.

قال الكشي في معرفة الرجال : تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (ع). اجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) وانقادوا لهم بالفقه ، وقالوا : أفقه الأوّلين ستّة : زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد العجلي ، وأبو بصير الأسديّ ، والفضيل بن يسار ، ومحمّد بن مسلم الطائفي.

قالوا : وأفقه الستّة زرارة ، ... (٤).

وقال : تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله (ع). أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه من دون هؤلاء الستّة الّذين عددناهم وكتبناهم ستّة نفر : جميل بن درّاج ، وعبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحمّاد بن عيسى ، وحمّاد بن عثمان ، وأبان بن عثمان ، قال :

__________________

(١) راجع المحلى لابن حزم ج ١١ / ٢٥١ ـ ٢٥٧ المسألة ٢٢١٣ المستأجرة للزنا.

(٢) تاريخ بغداد للخطيب ج ١٣ / ٣٣٥.

(٣) خطط المقريزي ٤ / ١٦١.

(٤) رجال الكشي ص ٢٣٨ في تسمية الفقهاء رقم ٤٣١.

٣٠٥

وزعم أبو إسحاق الفقيه ـ يعني ثعلبة بن ميمون ـ إنّ أفقه هؤلاء ، جميل بن درّاج وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله (١).

وقال : تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم ، وأبي الحسن الرضا : أجمع الأصحاب على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم فأقرّوا لهم بالفقه والعلم وهم ستة اخر ... (٢).

وألّف الشيخ الصدوق المتوفّى (٣٨١ ه‍) أوّل موسوعة فقهية بمدرسة أهل البيت تعتمد الحديث وسمّاه «فقيه من لا يحضره الفقيه» وألّف تلميذه الشيخ المفيد (ت : ٤١٣ ه‍) أصول الفقه ، وكان معروفا لدى الجميع أنّ فقهاء مدرسة أهل البيت لا يسمّون الفقه بالاجتهاد ؛ فقد قال الشيخ الطوسي في أوّل كتاب المبسوط : «أمّا بعد فإنّي لا أزال أسمع معاشر مخالفينا ... يقولون ... إنّ من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ...» ، ثم تسرّب مصطلح الاجتهاد والمجتهد إلى كتب أصول الفقه بمدرسة أهل البيت ، وإلى الإجازات الّتي يمنحها الشيوخ إلى تلامذتهم في رواية الحديث.

وذلك أنّ الإجازات كانت تمنح في بادئ الأمر من الأستاذ المانح لتلميذه برواية الحديث عن المعصومين (٣).

ثمّ تطورت وكانت تمنح برواية كتب الحديث الّتي قرأها التلميذ على الشيخ أو سمعها منه (٤).

ثمّ شملت الإجازات الإجازة برواية الكتب التي قرأها التلميذ على شيخه حديثا كان أو غير حديث (٥) ، وبذلك أصبحت تلك الإجازات شهادات علمية تمنح للخرّيجين (٦).

ووجدنا في القرن الثامن بعض تلك الإجازات تصف العلماء بالمجتهدين ، مثل ما وصف ابن العلّامة الحلي أباه في إجازته للشيخ محسن بن مظاهر المؤرخة (٧٤١ ه‍)

__________________

(١) رجال الكشي ص ٣٧٥ رقم ٧٠٥.

(٢) رجال الكشي ص ٥٥٦ رقم ١٠٥٠ ، وخاتمة الوسائل ط. أمير بهادر ٣ / ٥٣٨ ، والأصول الأصيلة للفيض ٥٦ ـ ٥٧.

(٣ ـ ٦) راجع : باب اتّصال سلاسل أسناد المشايخ في مدرسة أهل البيت (ع) بهم ، في الجزء الثالث من هذا الكتاب.

٣٠٦

فقد جاء فيها «والدي شيخ الإسلام إمام المجتهدين» (١).

وما ورد في وصف ابن العلامة بإجازة الشيخ علي النيلي لابن فهد والمؤرخة (٧٩١ ه‍) : «شيخنا المولى الإمام العلّامة خاتم المجتهدين» (٢).

وأخيرا كان يصرّح في بعض تلك الإجازات أحيانا شهادة ببلوغ الخرّيج درجة الاجتهاد ، كما كتب المجلسي محمّد باقر بتاريخ (١٠٨٥ ه‍) إجازة رواية مؤلّفاته لسبطه الخاتون آبادي ، وصرّح فيها ببلوغ درجة الاجتهاد (٣).

وفي العصور الأخيرة أخذ فقهاء مدرسة أهل البيت يصدرون أحيانا شهادة خاصّة لتلاميذهم ببلوغ درجة الاجتهاد.

هكذا تسرّب مصطلح الاجتهاد والمجتهدين إلى عرف أتباع مدرسة أهل البيت ولم يكن في حقيقته أكثر من اشتراك بين المدرستين في الاسم ، ومع ذلك فإنّ الاشتراك في الاسم هذا أوهم بعض الأخباريين من أتباع مدرسة أهل البيت فشذّوا في آراء لا مجال لذكرها. وإذا كان بين المدرستين اشتراك في الاسم فإنّهم يختلفون في المحتوى.

لأنّ فقهاء مدرسة أهل البيت لا يعتمدون أيّا من الأصول الفقهيّة الّتي ابتدعها أتباع مدرسة الخلفاء والمبنية على أساس رأي المجتهدين بمدرستهم وإنما يعتمدون الكتاب والسنة في استنباط الأحكام ، كما يتّضح ذلك مما يأتي في الباب التالي إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) البحار ج ١٠٧ / ٢١٥ ـ ٢١٦.

(٢) البحار ج ١٠٧ / ٢٢٢ ـ ٢٢٥.

(٣) البحار ج ١٠٥ / ٢٩.

٣٠٧
٣٠٨

الفصل الرابع

القرآن والسنّة هما مصدرا التشريع لدى مدرسة أهل البيت

ـ أئمة أهل البيت (ع) لا يعتمدون الرأي في بيان الأحكام

ـ أحاديث أئمة أهل البيت مسنده إلى الله ورسوله

ـ أمر النبيّ (ص) عليّا (ع) بأن يكتب لشركائه الأئمة

ـ كيف تداول الأئمة كتب العلم الذي توارثوه من

جدّهم الرسول (ص) ورجوعهم إليها لدى الحاجة

٣٠٩
٣١٠

إذا أردنا ان نبحث عن مصدر الأحكام في مدرسة أئمّة أهل البيت بعد القرآن فلا بدّلنا من الرجوع إلى مصادر الدراسة في مدرستهم خاصّة ، كما فعلنا ذلك في استكشاف اتّجاه مدرسة الخلفاء في هذا الصدد ورجعنا إلى مصادر الدراسة في مدرستهم خاصة ، وهذا ما تقتضيه الأمانة العلمية في البحث ، وإذا رجعنا إلى مصادر الدراسة بمدرسة أهل البيت ، وجدنا أنّ أئمة أهل البيت لم يعتمدوا في بيان الأحكام الإسلامية الرأي المسمّى بالاجتهاد في عرف مدرسة الخلفاء ، وإنّما استندوا إلى ما توارثوه عن رسول الله (ص) من حديث في كتب خاصة بهم ، كما يتضح ذلك في البحوث الآتية :

أئمة أهل البيت (ع) لا يعتمدون الرأي في بيان الأحكام

في الكافي : سأل رجل أبا عبد الله ـ الإمام جعفر الصادق ـ عن مسألة فأجابه فيها ، فقال الرجل : أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها؟ فقال له : مه ، ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله ، لسنا من (أرأيت) في شيء (١).

أحاديث أئمة أهل البيت مسندة إلى الله ورسوله

في بصائر الدرجات : مهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول الله لسنا نقول برأينا

__________________

(١) الكافي ١ / ٥٨ من أصول الكافي تأليف أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني الرازي (ت : ٣٢٨ أو ٢٩ ه‍) ط. طهران سنة ١٣٧٥ ه‍ ، والوافي ١ / ٥٩ تأليف محمد بن مرتضى المشهور بملا محسن الفيض الكاشاني (ت : ١٠٩١ ه‍) ط. سنة ١٣٢٤ ه‍.

٣١١

من شيء (١).

قال المجلسي : لمّا كان مراده ـ أيّ السائل ـ أخبرني عن رأيك الذي تختاره بالظنّ والاجتهاد ؛ فقد نهاه (ع) عن هذا الظنّ ، وبيّن له أنّهم لا يقولون شيئا إلّا بالجزم واليقين وبما وصل إليهم من سيّد المرسلين (ص) (٢).

وفي بصائر الدرجات ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر الإمام محمّد الباقر (ع) انّه قال : لو أنّا حدّثنا برأينا ضللنا كما ضلّ من كان قبلنا ، ولكنّا حدّثنا ببيّنة من ربّنا بيّنها لنبيّه فبيّنها لنا (٣).

وفيه أيضا عن الفضيل عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنّه قال : بيّنة من ربّنا بيّنها لنبيّه (ص) فبيّنها نبيّه لنا ، فلو لا ذلك كنّا كهؤلاء الناس (٤).

وفيه عن سماعة عن أبي الحسن (ع) قال قلت له : كلّ شيء تقول به في كتاب الله وسنّة «نبيه» أو تقولون فيه برأيكم؟ قال : بل كل شيء نقوله في كتاب الله وسنّة نبيّه(٥).

توارث أئمة أهل البيت (ع) علومهم

في بصائر الدرجات عن داود بن أبي يزيد الأحول عن أبي عبد الله ـ الإمام الصادق ـ قال : سمعته يقول : أنّا لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ولكنّها آثار من رسول الله أصل علم نتوارثها كابرا عن كابر ، نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم (٦).

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ٣٠١ تأليف محمّد بن الحسن الصفار (ت : ٢٩٠ ه‍) ط ١٢٨٥ ه‍.

(٢) بشرح الحديث من مرآة العقول للمجلسي محمد باقر (ت : ١١١١ ه‍).

(٣) بصائر الدرجات ص ٢٩٩ ح ٢.

(٤) بصائر الدرجات ص ٣٠١ ح ٩.

وأبو القاسم الفضيل بن يسار مولى بني نهد من أصحاب الإمامين الباقر والصادق ، كوفي انتقل إلى البصرة ـ قاموس الرجال ٧ / ٣٤٣.

(٥) بصائر الدرجات ص ٣٠١ ح ١ ، وفي نسختنا «نقول به في كتاب الله وسنته» ولكنه بين الخطأ ويعرف الصواب من جواب الإمام «وسنة نبيه» وأبو محمد سماعة بن مهران ، بياع القزّ ، حضرمي ، كوفي روى عن الإمام الصادق ، وله كتاب ، قاموس الرجال ٥ / ٣.

(٦) بصائر الدرجات ص ٢٩٩.

وداود بن فرقد أبو يزيد الأسدي مولى أبي سمان الكوفي ، روى عن الإمامين الصادق والكاظم (ع) قاموس الرجال ٤ / ٥٦.

٣١٢

وفيه عن جابر بثلاثة اسانيد قال أبو جعفر ـ الإمام الباقر (ع) ـ : يا جابر والله لو كنّا نحدّث الناس أو حدّثنا هم برأينا لكنّا من الهالكين ، ولكنّا نحدّثهم بآثار عندنا من رسول الله (ص) يتوارثها كابر عن كابر نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم (١).

وفيه عن محمّد بن شريح بثلاثة أسانيد : قال : قال أبو عبد الله (ع) : لو لا أنّ الله فرض طاعتنا وولايتنا وأمر بمودتنا ما أوقفناكم على أبوابنا ولا أدخلناكم بيوتنا ، إنّا والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا ولا نقول إلّا ما قال ربنا ، أصول عندنا نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم (٢).

إسناد أحاديثهم إلى جدهم الرسول (ص)

في الأحاديث السابقة صرّح الأئمة من أهل البيت بأنّهم لا يرجعون إلى رأيهم في ما يقولون بل يحدّثون عن رسول الله (ص) وفي ما يلي أسناد أحاديثهم إلى جدّهم الرسول :

عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله ـ الإمام الصادق (ع) ـ قال : إنّ الله علم رسوله الحلال والحرام والتأويل ، وعلّم رسول الله علمه كلّه عليّا (٣).

وروى مثله عن حمران بن أعين بأربعة أسانيد ، وعن كلّ من أبي بصير وأبي الأعزّ وحمّاد بن عثمان أيضا مثله (٤).

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ٢٩٩ ح ١ ، وص ٣٠٠ ح ٤ و ٦ ، وجابر الجعفي ابن يزيد بن الحرث روى عن الإمامين الباقر والصادق (ع) ت : ١٢٨ ه‍).

(٢) بصائر الدرجات ٣٠٠ ـ ٣٠١ ح ٥ و ٧ و ١٠.

ومحمد بن شريح : أبو عبد الله الحضرمي. روى عن الإمام الصادق. قاموس الرجال ٨ / ٢١٣.

(٣) بصائر الدرجات ص ٢٩٠ «باب في أمير المؤمنين (ع) إن النبي علمه العلم» ، والوسائل ط سنة ١٣٢٣ ـ ١٣٢٤ ه‍ ج ٣ / ٣٩١ ح ١٩ ، ومستدرك الوسائل ط. سنة ١٣٢١ ه‍ ج ٣ / ١٩٢ ح ٢٨ عن تفسير العياشي.

(٤) بصائر الدرجات ص ٢٩٠ ـ ٢٩٢ حديث مهران رقم ٦ و ٧ و ١١ ، وحديث أبي بصير رقم ٨ وحديث ابي الاعز رقم ١٠ وحديث حماد رقم ١٢.

وفي حديث حمران رقم ٦ ان الرسول ناجاه في الطائف وأبو حمزة أو أبو الحسن حمران بن أعين الشيباني مولاهم تابعي ثقة ، روى عن الإمامين الباقر والصادق. قاموس الرجال ٤ / ٤١٣.

وأبو بصير اثنان : أ ـ يحيى بن أبي القاسم مولى بني أسد المكفوف المكنى بأبي محمّد ، من أصحاب الإمامين الباقر والصادق ، ويقال له : أبو بصير (مطلقا بلا قيد). ب ـ أبو يحيى ليث بن البختري المرادي ويقال له أبو بصير ـ

٣١٣

وعن يعقوب بن شعيب بسندين عن أبي عبد الله (ع) قال : إنّ الله تعالى علم رسول الله القرآن وعلّمه شيئا سوى ذلك فما علم الله رسوله فقد علم رسوله عليّا (١).

وعن محمّد الحلبي عن أبي عبد الله قال : كان عليّ يعلم كلّ ما يعلم رسول الله ولم يعلّم الله رسوله شيئا إلّا وقد علّمه رسول الله أمير المؤمنين (٢).

وعن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين (ع) قال كنت إذا سألت رسول الله (ص) أجابني وإن فنيت مسائلى ابتدأنى فما نزلت عليه آية في ليل ولا نهار ولا سماء ولا أرض ولا دنيا ولا آخرة ولا جنّة ولا نار ولا سهل ولا جبل ولا ضياء ولا ظلمة إلّا أقرأنيها وأملاها عليّ وكتبتها بيدي وعلّمني تأويلها وتفسيرها ومحكمها ومتشابهها وخاصّها وعامّها وكيف نزلت وأين نزلت وفيمن أنزلت إلى يوم القيامة دعا الله لي أن يعطيني فهما وحفظا فما نسيت آية من كتاب الله ولا على من أنزلت إلّا أملاه عليّ (٣).

يؤيد الحديث الماضي الأحاديث الثلاثة : بطبقات ابن سعد من مصادر مدرسة الخلفاء :

أ ـ عن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب ، قال : قيل لعلي : مالك أكثر أصحاب رسول الله (ص) حديثا؟ فقال : إنّي كنت إذا سألته أنبأني ، وإذ سكتّ ابتدأني.

ب ـ عن سليمان الأحمسي عن أبيه ، قال : قال علي : والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت في ما نزلت ، وأين نزلت ، وعلى من نزلت ، إنّ ربّي وهب لي قلبا عقولا ولسانا طلقا.

ج ـ عن أبي الطفيل ، قال : قال على : سلوني عن كتاب الله فإنّه ليس من آية

__________________

ـ الأصغر روى عن الإمامين الصادقين ـ راجع المكنيين بأبي بصير لصاحب قاموس الرجال. وحماد بن عثمان الفزاري روى عن الأئمّة الصادق والكاظم والرضا. قاموس الرجال ٣ / ٣٩٧.

(١) بصائر الدرجات ص ٢٩٠ ـ ٢٩١ ح ٣ و ٩. وأبو محمد يعقوب بن شعيب بن ميثم مولى بني أسد روى عن الإمامين الباقر والصادق قاموس. الرجال ٩ / ٣٦٣.

(٢) بصائر الدرجات ص ٢٩٢ ح ١٣. ومحمد الحلبي ابو جعفر بن علي بن أبي شعبة ، روى عن الإمام الصادق وتوفي في عصره. قاموس الرجال ٨ / ٢٧٦.

(٣) بصائر الدرجات ص ١٩٨ ح ٣. وسليم بن قيس أبو صادق الهلالي العامري من أصحاب أمير المؤمنين وأدرك الأئمة حتى السجاد ، له كتاب. قاموس الرجال ٤ / ٤٤٥.

٣١٤

إلّا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار في سهل نزلت أم في جبل (١).

وفي بصائر الدرجات : عن زيد بن عليّ قال قال أمير المؤمنين (ع) : ما دخل راسي نوم ولا عهد إليّ رسول الله (ص) حتّى علمت من رسول الله (ص) ما نزل به جبرئيل في ذلك اليوم من حلال أو حرام أو سنّة أو أمر أو نهي فيما نزل فيه وفيمن نزل فخرجنا فلقيتنا المعتزلة ، فذكرنا ذلك لهم فقالوا إنّ هذا الأمر عظيم كيف يكون هذا وقد كان أحدهما يغيب عن صاحبه فكيف يعلم هذا؟ قال فرجعنا إلى زيد فأخبرناه بردّهم علينا فقال : يتحفّظ على رسول الله (ص) عدد الأيّام الّتي غاب بها فإذا التقيا قال له رسول الله (ص) يا عليّ نزل عليّ في يوم كذا ، كذا وكذا وفي يوم كذا ، كذا حتّى يعدّهما عليه إلى آخر اليوم الّذي وافى فيه ، فأخبرناهم بذلك (٢).

تؤيد رواية زيد الماضية ثلاث روايات في سنن النسائي وابن ماجة ومسند أحمد من مصادر الدراسات بمدرسة الخلفاء واللفظ للنسائي :

أ ـ عن عبد الله بن نجيّ قال ، قال علي : كانت لي منزلة من رسول الله (ص) لم تكن لأحد من الخلائق ، فكنت آتيه كلّ سحر ، فأقول : السلام عليك يا نبيّ الله ، فإن تنحنح انصرفت إلى أهلي وإلّا دخلت عليه.

ب ـ قال علي : كان لي من رسول الله (ص) ساعة آتيه فإذا أتيته فيها استأذنت ، إن وجدته يصلّي تنحنح وإن وجدته فارغا أذن لي.

ج ـ قال علي : كان لي على رسول الله مدخلان مدخل بالليل ومدخل بالنهار ، فكنت إذا دخلت بالليل تنحنح لي (٣).

* * *

استعرضنا آنفا بعض ما ورد عن أخذ الإمام علي من رسول الله وفي ما يلي

__________________

(١) طبقات ابن سعد بترجمة الامام على ٢ / ٢ / ١٠١ ط. اروبا والحديث الاول اورده احمد بن حنبل في كتابه : (فضائل علي بن أبي طالب) المخطوط.

(٢) بصائر الدرجات ص ١٩٧ ح ٤. وزيد بن علي بن الحسين خرج على عهد هشام يدعو للرضا من آل محمّد وقتل في الكوفة لليلتين خلتا من صفر سنة ١٢٠ ه‍. قاموس الرجال ٤ / ٢٥٩.

(٣) الروايات الثلاث في سنن النسائي ١ / ١٧٨ باب التنحنح في الصلاة وفي لفظه في الحديث الثاني «تنحنح دخلت» و «دخلت» زائدة.

الرواية الثالثة في سنن ابن ماجة ح ٣٧٠٨ من باب الاستئذان بكتاب الأدب.

٣١٥

أحاديث تبين كيفية أخذ أئمة أهل البيت من أبيهم الإمام على (ع) وإنّ ذلك كان بأمر من رسول الله (ص).

أمر النبي (ص) عليّا (ع) بأن يكتب لشركائه الأئمة (ع)

في أمالي الشيخ الطوسي وبصائر الدرجات وينابيع المودّة واللفظ للأوّل عن أحمد بن محمّد بن علي الباقر عن آبائه (ع) قال : قال رسول الله (ص) لعلي : «أكتب ما أملي عليك» قال : يا نبي الله! أتخاف عليّ النسيان؟ قال «لست أخاف عليك النسيان وقد دعوت الله لك أن يحفظك ولا ينسيك ، ولكن أكتب لشركائك» قال : قلت : ومن شركائي يا نبي الله؟ قال : «الأئمة من ولدك بهم تسقى أمتي الغيث ، وبهم يستجاب دعاؤهم ، وبهم يصرف الله عنهم البلاء ، وبهم تنزل الرحمة من السماء ،» وأومئ إلى الحسن وقال : «هذا أوّلهم» وأومى إلى الحسين (ع) وقال : «الأئمة من ولده» (١).

وإلى هذا أشار الإمام علي في حديثه بمسكن كما رواه أبو أراكة قال : كنّا مع علي (ع) بمسكن فحدّثنا أنّ عليّا ورث من رسول الله السيف ، وبعض يقول : البغلة ، وبعض يقول : ورث صحيفة في حمائل السيف إذ خرج عليّ (ع) ونحن في حديثه ، فقال : أيم الله لو أنشط ويؤذن لي لحدّثتكم حتّى يحول الحول لا أعيد حرفا وأيم الله عندي لصحف كثيرة قطائع رسول الله وأهل بيته وإن فيها لصحيفة يقال لها العبيطة ، وما ورد على العرب أشدّ منها ، وإنّ فيها لستين قبيلة مهرجة ما لها في دين الله من نصيب (٢).

* * *

__________________

والرواية الأولى بمسند أحمد ١ / ٨٥ ح ٦٤٧ والثانية في ج ١ / ١٠٧ منه رقم الحديث ٨٤٥ ولفظه كنت آتي رسول الله (ص) كل غداة فإذا تنحنح دخلت فإذا سكت لم أدخل.

والثالثة في ج ١ / ٨٠ منه رقم الحديث ٦٠٨ ، وحذف البخاري صدر الحديث وأورد آخره بترجمة نجي من تاريخه ٤ / ٢ / ١٢١.

(١) الأمالي للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت : ٤٦٠ ه‍) ط. مطبعة النعمان ، النجف سنة ١٣٨٤ ه‍ ج ٢ / ٥٦.

وبصائر الدرجات ص ١٦٧ عن أبي الطفيل عن أبي جعفر ، وينابيع المودة للشيخ سليمان الحنفي (ت : ١٢٩٤ ه‍) ص ٢٠.

ورجعنا إلى النسخة المطبوعة بدار الخلافة العثمانية سنة ١٣٠٢ ه‍.

(٢) بصائر الدرجات ص ١٤٩ وقريب منه في ص ١٥٩ ح ١٥ وأبو أراكة كان من سكان الكوفة على ـ

٣١٦

ثم توارث الأئمة من ولد الإمام عليّ تلك الصحف كابرا عن كابر كما صرّحت بذلك الروايات التالية :

في بصائر الدرجات عن جابر بن يزيد ، قال : قال أبو جعفر الباقر : إن عندي لصحيفة فيها تسعة عشر صحيفة قد حبأها رسول الله (١).

وعن الفضيل بن يسار ، قال : قال أبو جعفر (ع) : يا فضيل! عندنا كتاب عليّ سبعون ذراعا ما على الأرض شيء يحتاج إليه ألا وهو فيه حتى أرش الخدش (٢) ثمّ خطّه بيده على إبهامه (٣).

وعن حمران بن أعين عن أبي جعفر (ع) قال : أشار إلى بيت كبير وقال : يا حمران إنّ في هذا البيت صحيفة طولها سبعون ذراعا بخطّ عليّ وإملاء رسول الله ، ولو ولينا الناس لحكمنا بما أنزل الله لم نعد ما في هذه الصحيفة (٤).

وعن محمّد بن مسلم قال : قال أبو جعفر : إنّ عندنا صحيفة من كتب علي طولها سبعون ذراعا فنحن نتبع ما فيها لا نعدوها وسألته عن ميراث العلم ما بلغ! أجوامع هو من العلم أم فيه تفسير كلّ شيء من هذه الأمور التي تتكلّم فيه الناس مثل الطلاق والفرائض؟ فقال : إنّ عليّا كتب العلم كلّه القضاء والفرائض فلو ظهر أمرنا لم يكن شيء إلا فيه ، نمضيها (٥).

وفي رواية أخرى : فلو ظهر أمرنا فلم يكن شيء إلّا وفيه سنّة نمضيها (٦).

وفيه عن محمّد بن مسلم عن أحدهما أي الإمام الباقر أو الإمام الصادق (ع). قال:

__________________

ـ عهد الإمام حتى عصر زياد بن أبيه كما يعلم ذلك من ترجمته بقاموس الرجال ج ١٠ / ٧.

ومسكن موضع على نهر دجيل في العراق ، وقصد الإمام من (قطائع رسول الله وأهل بيته) مختصّاتهم ، ومبهرجة : باطلة ورديئة.

(١) بصائر الدرجات ص ١٤٤.

(٢) دية الجراحات.

(٣) بصائر الدرجات ص ١٤٧ أرى في الحديث تقديما وتأخيرا والصواب «ثم خطّ بابهامه على يده».

(٤) بصائر الدرجات ص ١٤٣.

(٥) بصائر الدرجات ص ١٤٣. أبو جعفر الأوقص محمد بن مسلم بن رباح الطحان الثقفي مولاهم روى عن الباقر (ع) ، له كتاب : «الأربعمائة مسألة في أبواب الحلال والحرام» (ت : ١٥٠ ه‍) ، قاموس الرجال ٨ / ٣٧٨.

(٦) بصائر الدرجات ص ١٦٤.

٣١٧

إن عندنا صحيفة من كتاب علي أو مصحف علي (ع) طولها سبعون ذراعا فنحن نتبع ما فيها فلا نعدوها (١).

وعن عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه قال : في كتاب عليّ (ع) كلّ شيء يحتاج إليه حتّى الخدش والأرش والهرش (٢).

الهرش بسكون الراء الاشتداد وبكسرها سوء الخلق.

وفيه عن مروان قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : عندنا كتاب علي (ع) سبعون ذراعا (٣).

وفي رواية قال : ما ترك علي شيئا إلّا كتبه حتى أرش الخدش (٤).

وعن أبي عبد الله قال : والله إنّ عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه الناس حتّى أرش الخدش أملاه رسول الله (ص) وكتبه عليّ بيده (٥).

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ، قال : سمعته يقول : إنّ عندنا جلدا سبعون ذراعا أملى رسول الله وخطه عليّ بيده وإنّ فيه جميع ما يحتاجون إليه حتّى أرش الخدش (٦).

وعن منصور بن حازم قال سمعت أبا عبد الله يقول : عندنا صحيفة فيها ما يحتاج إليه حتّى إن فيها أرش الخدش (٧).

وعن عثمان بن زياد قال : دخلت على أبي عبد الله (ع) فقال لي : اجلس فجلست فضرب يده بإصبعه على ظهر كفّي فمسحها عليه ثم قال : عندنا أرش هذا فما

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ١٤٦.

(٢) بصائر الدرجات ص ١٦٤ و ١٤٨.

وعبد الله بن سنان بن طريف مولى بني هاشم كان خازنا للمنصور والمهدي والهادي والرشيد كوفي ثقة روى عن الإمام الصادق وقيل عن الإمام الكاظم. له عدة كتب. قاموس الرجال ٥ / ٤٧٥.

(٣) بصائر الدرجات ص ١٤٧.

(٤) بصائر الدرجات ص ١٤٨.

(٥) بصائر الدرجات ص ١٤٥.

(٦) بصائر الدرجات ص ١٤٧ وفي ص ١٤٣ أخصر لفظا وعبد الله بن ميمون القداح مولى مخزوم مكي روى عن الامام الصادق ، عده ابن النديم من فقهاء الشيعة قاموس الرجال ٦ / ١٥٨.

(٧) بصائر الدرجات ص ١٥٤ وفي ١٤٦ زيادة في آخر الحديث ومنصور بن حازم الكوفي أسدي أو مولى بجيلة روى عن الإمام الصادق. قاموس الرجال ٩ / ١٢٧.

٣١٨

دونه (١).

وعن منصور بن حازم وعبد الله بن أبي يعفور قال ، قال أبو عبد الله : إنّ عندي صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها ما يحتاج إليه حتى أن فيها ارش الخدش (٢).

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قال : سمعته يقول : إن في البيت صحيفة طولها سبعون ذراعا ما خلق الله من حلال ولا حرام إلّا وفيها حتى أرش الخدش (٣).

وعن محمّد بن عبد الملك قال : كنّا عند أبي عبد الله (ع) نحوا من ستين رجلا ، قال فسمعته يقول : عندنا والله صحيفة طولها سبعون ذراعا ما خلق الله من حلال أو حرام إلّا وهو فيها حتّى إنّ فيها أرش الخدش (٤).

وعن سليمان بن خالد : قال : سمعت أبا عبد الله يقول. إنّ عندنا لصحيفة سبعين ذراعا إملاء رسول الله (ص) وخطّ علي (ع) بيده ما من حلال ولا حرام إلّا وهو فيها حتّى أرش الخدش (٥).

وعن حمّاد قال : سمعت أبا عبد الله يقول : ما خلق الله حلالا ولا حراما إلّا وله حدّ كحدّ الدار ، وإنّ حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة وإنّ عندنا صحيفة طولها سبعون ذراعا ، ما خلق الله حلالا ولا حراما إلّا فيها ، فما كان من الطريق فمن الطريق وما كان من الدور فمن الدور حتّى أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة (٦).

وعن عبد الله بن أيوب عن أبيه قال : سمعت أبا عبد الله يقول : ما ترك عليّ

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ١٥٩ وفي ص ١٤٨ مع اختلاف يسير في اللفظ.

(٢) بصائر الدرجات ص ١٤٤.

(٣) بصائر الدرجات ص ١٤٥.

عبد الرحمن بن أبي عبد الله ميمون بصري من أهل الكوفة ممن روى عن الصادق. قاموس الرجال ٥ / ٢٧٥.

(٤) بصائر الدرجات ص ١٤٤. ومحمد بن عبد الملك لعله أحد اثنين : أنصاري كوفي نزل بغداد ـ أو أبو جعفر الواسطي الدقيقي. قاموس الرجال ٨ / ٢٥٧.

(٥) بصائر الدرجات ص ١٤٤. وأبو الربيع سليمان بن خالد الكوفي الهلالي مولاهم ممن روى عن الإمام الباقر والصادق وتوفي في حياة الصادق. قاموس الرجال ٤ / ٤٦٣.

(٦) بصائر الدرجات ص ١٤٨ ، وفي أصول الكافي ١ / ٥٩ ، والوافي ١ / ٦١ وليس فيهما من «وإن حلال» إلى ولا حراما إلّا فيها.

٣١٩

شيعته وهم يحتاجون إلى أحد في الحلال والحرام حتّى إنّا وجدنا في كتابه أرش الخدش قال : ثم قال : أما إنّك إن رأيت كتابه لعلمت أنّه من كتب الأولين (١).

وعن محمّد بن حكيم عن أبي الحسن (ع) قال : إنّما هلك من كان قبلكم بالقياس ، وأنّ الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيّه حتى أكمله جميع دينه في حلاله وحرامه فجاءكم بما تحتاجون إليه في حياته وتستغيثون به وبأهل بيته بعد موته وإنّها صحيفة عند أهل بيته حتّى إنّ فيها أرش الخدش ثم قال : إنّ أبا حنيفة ممّن يقول : قال علي (ع) وقلت أنا (٢).

وفي بصائر الدرجات والكافي واللفظ للأوّل : عن بكر بن كرب الصيرفي قال : سمعت أبا عبد الله يقول : ما لهم ولكم وما يريدون وما يعيبونكم؟ يقولون : الرافضة ، نعم والله رفضتم الكذب واتّبعتم الحقّ ، أما والله إنّ عندنا ما لا نحتاج إلى أحد والناس يحتاجون إلينا ، إنّ عندنا الكتاب بإملاء رسول الله (ص) وخطّه عليّ بيده صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها كلّ حلال وحرام (٣).

اسم كتاب علي (ع) في الأحكام

وقد سمّى الأئمة من أهل البيت اسم كتاب علي الذي أملى عليه رسول الله فيه الأحكام : الجامعة ، كما ورد في الروايات التالية :

في الكافي وبصائر الدرجات واللفظ للأوّل ، عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي عبد الله فقلت له : جعلت فداك إني أسألك عن مسألة هاهنا أحد يسمع كلامي؟ قال : فرفع أبو عبد الله (ع) سترا بينه وبين بيت آخر فاطّلع فيه ثم قال : يا أبا محمّد سل عمّا بدا لك. قال : قلت : جعلت فداك إنّ شيعتك يتحدّثون أنّ رسول الله علّم عليّا (ع) بابا يفتح منه ألف با ب ـ إلى قوله ـ : قال : يا أبا محمّد! إن عندنا الجامعة ، وما يدريهم ما الجامعة ، قال : قلت جعلت فداك وما الجامعة؟ قال : صحيفة طولها سبعون

__________________

(١) بصائر الدرجات ١٦٦. وعبد الله بن أيوب روى عن الإمام الصادق. قاموس الرجال ٥ / ٣٩١.

(٢) بصائر الدرجات ص ١٥٠ ، وفي ص ١٤٦ مع زيادة يسيرة ومحمّد بن حكيم ممن روى عن الإمام الكاظم (ع) قاموس الرجال ٨ / ١٥١.

(٣) بصائر الدرجات ص ١٤٩ ح ١٤ ، وص ١٥٤ ح ٧ ، وفي ص ١٤٢ ح ١ باختلاف في اللفظ ، واصول الكافي ج ١ / ٢٤١ ح ٦٠ ، والوافي ٢ / ١٣٥. وبكر بن كرب الصيرفي كوفي روى عن الإمامين الصادقين. قاموس الرجال ٢ / ٢٢٥.

٣٢٠