معالم المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٤

إنّ ما اعتذر به الخليفة في تحريمه متعة الحجّ (بأنّهم لو اعتمروا في أشهر الحج لرأوها مجزية عن حجّهم) لا يصدق على نهيه عن الجمع بين الحج والعمرة ، وإنّما الصحيح ما اعتذر به في حديث آخر له من أنّ أهل مكّة لا ضرع لهم ولا زرع وإنما ربيعهم في من يفد إلى هذا البيت ، إذن فليأتوا إلى هذا البيت مرّتين ، مرّة للحجّ المفرد ، وأخرى للعمرة المفردة ليربح منهم قريش ارومة المهاجرين.

وأمّا اعتذاره في تحريم نكاح المتعة من أنّ عهد رسول الله كان زمان ضرورة خلافا لما كان عليه عهده ، فإن جلّ الروايات الّتي صرّحت بوقوعها في عصر رسول الله وبإذن منه ذكرت أنّها كانت في الغزوات وحال السفر ، ولا فرق في ذلك بين عهد رسول الله وعهد عمر إلى زماننا الحاضر وإلى أبد الدهر.

فإنّ الإنسان لم يزل منذ أن وجد على ظهر هذا الكوك ب ـ الأرض ـ ولا يزال بحاجة إلى السفر والاغتراب عن أهله أسابيع وشهورا ، بل وسنين طويلة أحيانا ، فإذا سافر الرجل ما ذا يصنع بغريزة الجنس في نفسه؟ هل يستطيع أن يتركها عند أهله حتى إذا عاد إليهم عادت غريزته إليه فتصرف فيها مع زوجه؟ أم أنّها معه لا تفارقه في السفر والحضر؟ وإذا كانت غريزته غير مفارقة إياه فهل يستطيع أن يتنكر لها في السفر ويستعصم؟ وإذا كان الشاذّ النادر في البشر يستطيع أن يستعصم فهل الجميع يستطيعون ذلك أم أنّ الغالب منهم تقهره غريزته؟ وهذا الصنف الكثير من البشر إذا طغت عليه غريزته في المجتمع الذي يمنعه من التّصرف في غريزته ويطلب منه أن يخالف فطرته وما تقتضيه طبيعته ما ذا يفعل عند ذاك؟ وهل له سبيل غير أن يخون ذلك المجتمع؟!

والإسلام الذي وضع حلّا مناسبا لكلّ مشكلة من مشاكل الإنسان هل ترك هذه المشكلة بلا حلّ؟! لا. بل شرّع لحلّ هذه المشكلة : الزواج الموقّت ، ولو لا نهي عمر عنها لما زنى الّا شقيّ (أو : شفى) كما قاله الإمام علي ، أمّا المجتمعات البشرية فقد وضعت لها حلّا بتحليل الزنا في كلّ مكان.

ولا يقتصر الأمر في ما ذكرنا على من يسافر من وطنه ، فإن للبشر كثير من الحالات في وطنه تمنعه من الزواج الدائم أحيانا سواء في ذلك الرجل والمرأة ، فما ذا يصنع

__________________

ـ التي تنفلق عن فرخها والفرخ قوب ، ضرب هذا مثلا لخلو مكّة من المعتمرين في باقي السنة ، وقرع حجهم ، أي خلت أيام الحج من الناس. نهاية اللغة ، مادة قوب.

٢٦١

إنسان لم يتمكن من الزواج الدائم سنين كثيرة من عمره في وطنه إن لم يلتجئ إلى الزواج الموقّت؟ ما ذا يصنع هذا الإنسان والقرآن يقول له «ولا تواعدوهنّ سرّا» ويقول لها : «غير متخذات أخدان»؟!

أمّا ما ذكره الخليفة في مقام العلاج من تبديل نكاح المتعة بالنكاح الدائم على أن يفارق عن ثلاث بالطلاق ، فالأمر ينحصر فيه بين أمرين لا ثالث لهما ، إمّا أن يقع ذلك بعلم من الزوجين وتراض بينهما فهو الزواج الموقّت أو نكاح المتعة بعينه ، وإمّا أن يقع بتبييت نيّة من الزوج مع إخفائه عن الزوجة فهو غدر بالمرأة واستهانة بها بعد ان اتّفقا على النكاح الدائم وأخفى المرء في نفسه نيّة الفراق بعد ثلاث ، وكيف يبقى اعتماد للمرأة وذويها على عقد الزواج الدائم مع هذا؟!

وأخيرا فإنّه يرى بكلّ وضوح من هذه المحاورة ومن كل ما روي عن الخليفة من محاورات في هذا الباب أنّ كلّ تلك الروايات التي رويت عن رسول الله في تحريمه المتعتين ونهيه عنهما والتي حفلت بتدوينها أمّهات كتب الحديث والتفسير وضعت بعد عصر عمر فانّ واحدا من الصحابة على عهد عمر لو كانت عنده رواية عن رسول الله تؤيّد سياسة الخليفة في المتعتين والتي كان يجهر بها ويتهدّد على مخالفتها بقوله (وأعاقب عليهما) لو كان واحد من الصحابة على عهده عنده من رسول الله شيء يؤيد هذه السياسة لما احتاج إلى كتمانها عن الخليفة ولنشرها ، ولو كان الخليفة في كلّ تلك المدّة قد اطّلع على شيء يؤيّد سياسته لا ستشهد به ولما احتاج إلى كلّ هذا العنف بالمسلمين.

هكذا انتهى عهد الخليفة عمر. بعد أن كبت المعارضين لسياسة حكمه وكتم أنفاسهم ومنعهم حتى من نقل حديث الرسول ـ كما أشرنا إلى ذلك في فصل (في حديث الرسول) ـ واستمرّ الأمر على ذلك إلى ستّ سنوات من خلافة عثمان ، وانتشر الأمر متدرّجا بعد ذلك فنشأ جيل جديد لا يعرف من الإسلام إلّا ما سمحت سياسة الخلافة ، بنشره وبيانه كما سنعرفه في ما يأتي :

نكاح المتعة من بعد عمر

في النصف الثاني من خلافة عثمان انقسمت قوى الخلافة على نفسها ، وكانت أمّ المؤمنين عائشة وطلحة والزبير وابن العاص ومن تبعهم في جانب ، ومروان وأبناء بني العاص وسائر بني أميّة ومن تبعهم في الجانب الآخر فأنتج الصّدام بينهما فسحة للمسلمين استعادوا فيها بعض الحرية ، وانتشر بعض الحديث

٢٦٢

الممنوع نشره ، وعارض المسلمون الخلفاء في ما نهوا عنه ، فسمع الجيل الناشئ من الجيل المخضرم ما لم يكن يسمع ورأى بعض ما لم يكن يراه ومرّت علينا مخالفة الإمام عليّ الخليفة عثمان في متعة الحجّ. ونقرأ في ما يلي بعض المخالفات في متعة النساء :

في المصنّف لعبد الرزّاق : ابن جريج عن عطاء قال : لأوّل من سمعت منه المتعة صفوان بن يعلى ، قال : أخبرني أنّ معاوية استمتع بامرأة بالطائف فأنكرت ذلك عليه ، فدخلنا على ابن عبّاس ، فذكر له بعضنا ، فقال له : نعم فلم يقرّ في نفسي ، حتّى قدم جابر بن عبد الله ، فجئناه في منزله ، فسأله القوم عن أشياء ، ثمّ ذكروا له المتعة ، فقال : نعم ، استمتعنا على عهد رسول الله (ص) ، وأبي بكر ، وعمر حتّى إذا كان في آخر خلافة عمر ، استمتع عمرو بن حريث ... (١) وفيه أنّ معاوية بن أبي سفيان استمتع مقدمه الطائف على ثقيف بمولاة ابن الحضرميّ يقال لها : معانة ، قال جابر : ثمّ أدركت معانة خلافة معاوية حيّة ، فكان معاوية يرسل إليها بجائزة كلّ عام حتّى ماتت (٢).

وفيه عن عبد الله بن عثمان بن خثيم قال : كانت بمكة امرأة عراقية تنسّك جميلة ، لها ابن يقال له : أبو أميّة ، وكان سعيد بن جبير يكثر الدخول عليها ، قال : قلت : يا أبا عبد الله! ما أكثر ما تدخل على هذه المرأة! قال : إنّا قد نكحناها ذلك النكاح ـ المتعة ـ قال : وأخبرني أنّ سعيدا قال له : هي أحلّ من شرب الماء ـ المتعة ـ (٣).

* * *

ومنذ هذا العصر انتشر القول بحليّة متعة النساء والإفتاء بها ففي المصنف لعبد الرزّاق: انّ عليا قال بالكوفة لو لا ما سبق من رأي عمر بن الخطّا ب ـ أو قال : رأي ابن الخطّا ب ـ لأمرت بالمتعة ثمّ ما زنى إلّا شقي (٤).

وفي تفسير الطبري والنيشابوري والفخر الرازي وأبي حيّان والسيوطي واللفظ للاوّل : لو لا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلّا شقي (٥).

__________________

(١) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٤٩٦ ـ ٤٩٧ باب المتعة.

(٢) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٤٩٩ باب المتعة.

(٣) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٤٩٦ باب المتعة.

(٤) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٥٠٠. اللفظ في كتب التفسير والحديث (إلّا شقيّ) وفي مادة شقى من نهاية اللغة (إلّا شفىّ) أي إلّا قليل من الناس من قولهم : غابت الشمس إلّا شفي أي : إلّا قليلا من ضوئها عند غروبها).

(٥) تفسير الطبري ٥ / ١٧ والنيشابوري ٥ / ١٧ ، والفخر الرازي في تفسير الآية بتفسيره الكبير ٣ / ٢٠٠ ، وتفسير ابي حيان ٣ / ٢١٨ ، والدر المنثور للسيوطي ٢ / ٤٠.

٢٦٣

وفي تفسير القرطبي. قال ابن عبّاس : ما كانت المتعة إلّا رحمة من الله تعالى ، رحم بها عباده ، ولو لا نهي عمر عنها ما زنى إلّا شقي (١).

وفي المصنف لعبد الرزاق ، وأحكام القرآن للجصّاص ، وبداية المجتهد لابن رشد ، والدرّ المنثور للسيوطي ، ومادّة «شفي» من نهاية اللغة لابن الأثير ولسان العرب وتاج العروس وغيرها واللفظ للجصّاص :

عن عطاء سمعت ابن عبّاس يقول : رحم الله عمر ما كانت المتعة إلّا رحمة من الله تعالى رحم الله بها أمّة محمّد (ص) ولو لا نهيه لما احتاج إلى الزنا إلا شفا (٢).

في لفظ المصنّف : «إلّا رخصة من الله» بدل «رحمة» وفي آخر الحديث.

«إلّا شقيّ ، قال عطاء : كأنّي والله اسمع قوله : إلّا شقيّ».

وفي لفظ بداية المجتهد «ولو لا نهي عمر عنها ما اضطرّ إلى الزنا إلّا شفي».

من بقي على القول بتحليل المتعة بعد تحريم عمر اياها :

قال ابن حزم في المحلّى : وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله جماعة من السلف (رض) منهم من الصحابة أسماء بنت أبي بكر ، وجابر بن عبد الله ، وابن مسعود وابن عبّاس ، ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن حريث وأبو سعيد الخدري وسلمة ومعبد ابنا أميّة بن خلف ، ورواه جابر عن جميع الصحابة مدّة رسول الله ومدّة أبي بكر وعمر الى قرب آخر خلافة عمر.

قال : وعن عمر بن الخطّاب إنّه إنّما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط وأباحها بشهادة عدلين.

قال : ومن التابعين طاوس ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وسائر فقهاء مكّة أعزّها الله ... (٣)

وروى القرطبي في تفسيره أنّه : لم يرخّص في نكاح المتعة إلّا عمران بن الحصين

__________________

(١) تفسير القرطبي ٥ / ١٣٠.

(٢) أحكام القرآن للجصاص ٢ / ١٤٧ ، وتفسير السيوطي للآية ج ٢ / ١٤١ ، وبداية المجتهد ٢ / ٦٣ ، ونهاية اللغة لابن الأثير ٢ / ٢٢٩ ، ولسان العرب ١٤ / ٦٦ ، وتاج العروس ١٠ / ٢٠٠ ، وراجع : الفائق للزمخشري ١ / ٣٣١ ، وراجع تفسير الطبري والثعلبي والرازي وأبي حيّان والنيسابوري وكنز العمال.

(٣) المحلى لابن حزم ٩ / ٥١٩ ـ ٥٢٠ المسألة ١٨٥٤ ، ويذكر رأي ابن مسعود النووي في شرح مسلم ١١ / ١٨٦.

٢٦٤

وبعض الصحابة وطائفة من أهل البيت.

وقال : قال أبو عمر : أصحاب ابن عبّاس من أهل مكّة واليمن كلّهم يرون المتعة حلالا على مذهب ابن عبّاس (١) ،

وفي المغني لابن قدامة : وحكي عن ابن عبّاس أنّها جائزة وعليه أكثر أصحابه عطاء وطاوس وبه قال ابن جريج وحكي ذلك عن أبي سعيد الخدري وجابر ، وإليه ذهب الشيعة لأنّه قد ثبت أنّ النبيّ أذن فيها (٢).

من تابع عمر في تحريم المتعة :

منهم عبد الله بن الزبير ، فقد روى ابن ابي شيبة في مصنّفه عن ابن ابي ذئب قال :

سمعت ابن الزبير يخطب وهو يقول : انّ الذئب يكنّي أبا جعدة ، ألا وإنّ المتعة هي الزنا (٣).

ومنهم ابن صفوان كما يأتي حديثه.

ومنهم عبد الله بن عمر في أحد قوليه كما يأتي شرحه.

وقد جرت بين من تابع الخليفة عمر في ذلك وبين من خالفه مناقشات نورد بعضها في ما يلي :

الخلاف بين المحللين والمحرمين

وقعت في تحليل المتعة مشادّة بين ابن عباس وجماعة ، منهم : عبد الله بن الزبير كما روى مسلم في صحيحه والبيهقي في سننه واللفظ للأوّل : عن عروة بن الزبير قال : إن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال : إنّ ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة. يعرّض بالرجل فناداه فقال : إنّك لجلف جافّ. فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين (يريد رسول الله). فقال له ابن الزبير : فجرّب بنفسك فو الله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك.

قال ابن شهاب : فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله ، أنّه بينا هو جالس

__________________

(١) القرطبي ٥ / ١٣٣.

(٢) المغني لابن قدامة ٧ / ٥٧١.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ٤ / ٢٩٣ في نكاح المتعة وحرمتها.

٢٦٥

عند رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فأمره بها ، فقال له أبو عمرة الأنصاري ، مهلا ، قال : ما هي؟ والله لقد فعلت في عهد إمام المتقين (١).

* * *

يبدو أنّ هذه المحاورة وقعت على عهد ابن الزبير وزمن حكمه بمكّة ، وكان الاجتماع يوم ذاك يقع في البيت الحرام ، وأغلب الظنّ انّ هذه المحاورة وقعت أثناء خطبة الجمعة وفي ملأ حاشد من المسلمين ، لأنّا نرى أنّ ابن عبّاس كان يربأ بنفسه أن يحضر خطبة ابن الزبير في غير صلاة الجمعة التي كانوا يلزمون حضورها ، وأيضا يبدو بكلّ وضوح أنّ ابن الزبير لم يكن لديه يوم ذاك ولا كان لدى عصبته عصبة الحكم والخلافة أيّ مستند من قول الرسول أو فعله أو تقريره في نهيهم عن المتعة ، وإلّا لقابل حجّة ابن عباس من «أنّها فعلت على عهد إمام المتقين» بها.

وعلى عكس الحاكمين الّذين كانوا يستندون إلى هذا العصر في تحريمهم المتعتين إلى منطق القوة فحسب نجد المحللين لها أبدا يقابلونهم بسنّة الرسول حين تتاح لهم الفرصة أن يتحدّثوا ويدلوا بحجتهم.

ففي صحيح مسلم. ومسندي احمد ، والطيالسي ، وسنن البيهقي ، وغيرها ، واللفظ للأوّل عن أبي نضرة ، قال : كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال : ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين. فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله (ص) ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما (٢).

وفي رواية : قلت لجابر أنّ ابن الزبير ينهى عن المتعة وابن عباس يأمر بها ، قال جابر على يدي دار الحديث ، تمتعنا على عهد رسول الله (ص) فلمّا كان عمر بن الخطّاب وقال : إنّ الله عزوجل كان يحلّ لنبيّه ما شاء ، وأنّ القرآن قد نزل منازله ، فافصلوا

__________________

(١) صحيح مسلم ، باب نكاح المتعة ص ١٠٢٦ ح ٢٧ ، وسنن البيهقي ٧ / ٢٠٥ ، ومحاججة أبي عمرة الأنصاري وردت في مصنف عبد الرزاق ٧ / ٥٠٢.

وعن سعيد بن جبير قال : سمعت عبد الله بن الزبير يخطب وهو يعرّض بابن عباس يعتب عليه قوله في المتعة فقال ابن عباس يسأل أمه أن كان صادقا. فسألها فقالت : صدق ابن عباس قد كان ذلك ، فقال ابن عباس لو شئت سميت رجالا من قريش ولدوا فيها ، يعني المتعة. الطحاوي في باب نكاح المتعة من شرح معاني الآثار.

(٢) صحيح مسلم ، باب نكاح المتعة ح ١٤٠٥ ص ١٠٢٣ ، ومسند احمد ١ / ٥٢ باختلاف في اللفظ ، وج ٣ / ٣٢٥ و ٣٥٦ ، وفي ٣٦٣ منه باختصار ، وسنن البيهقي ٧ / ٢٠٦ ، وراجع كتاب مناسك الحج من شرح معاني الآثار ص ٤٠١ ، وكنز العمال ٨ / ٢٩٣ و ٢٩٤.

٢٦٦

حجّكم عن عمرتكم وابتّوا نكاح هذه النساء فلن أوتى برجل تزوّج إلى أجل إلّا رجمته (١).

وفي لفظ البيهقي : تمتعنا مع رسول الله (ص) وأبي بكر (رض) فلمّا ولي عمر خطب الناس فقال : إنّ رسول الله (ص) هذا الرسول وأنّ القرآن ، هذا القرآن وأنّهما كانتا متعتان على عهد رسول الله (ص) وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما إحداهما متعة النساء ، ولا أقدر على رجل تزوّج امرأة إلى أجل إلّا غيّبته بالحجارة ، والأخرى متعة الحجّ ، افصلوا حجّكم عن عمرتكم فإنّه أتمّ لحجكم وأتمّ لعمرتكم (٢).

بين ابن عباس وآخرين

في مصنّف عبد الرزاق : وقال [ابن] صفوان هذا ابن عبّاس يفتي بالزنا فقال ابن عبّاس : إنّي لا أفتي بالزنا ، أفنسي [ابن] صفوان أم أراكة؟ فو الله إنّ ابنها لمن ذلك ، أفزنا هو واستمتع بها رجل من بني جمح (٣).

وفي رواية أخرى : عن طاوس قال : قال ابن صفوان : يفتي ابن عبّاس بالزّنا ، قال : فعدّد ابن عبّاس رجالا كانوا من أهل المتعة ، قال : فلا أذكر ممّن عدد غير معبد ابن أميّة(٤).

معبد هو معبد بن سلمة بن أميّة.

وفي رواية أخرى : عن ابن عباس لم يرع عمر أمير المؤمنين إلّا أمّ أراكة خرجت حبلى فسألها عمر عن حملها ، فقالت : استمتع بي سلمة بن أميّة بن خلف ، فلمّا أنكر [ابن] صفوان على ابن عباس ما يقول في ذلك ، قال : فسل عمّك (٥).

__________________

(١) صحيح مسلم ، باب في المتعة بالحج ص ٨٨٥ ح ١٤٥ ، ومسند الطيالسي ح ١٧٩٢ ص ٢٤٧ واللفظ له ، واحكام القرآن للجصاص ٢ / ١٧٨ ، وتفسير السيوطي ١ / ٢١٦ ، وراجع الكنز ٨ / ٢٩٤ ، وتفسير الرازي ٣ / ٢٦.

(٢) سنن البيهقي ٧ / ٢٠٦.

(٣) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٤٩٨ باب المتعة ، ورجل من جمح هو سلمة بن أمية ، وفي لفظه صفوان تحريف والصواب ابن صفوان كما ورد في الرواية الثانية فان صفوان كان قد توفي بمكة وسوى عليه التراب فوردها نعي عثمان وابن صفوان أراه عبد الله الأكبر الذي قتل مع ابن الزبير. راجع جمهرة أنساب ابن حزم ص ١٥٩ ـ ١٦٠ وإنما قلنا : هو ابن صفوان وليس بصفوان لأنّ مناقشات ابن عباس في شأن المتعتين كانت على عهد ابن الزبير وكان يوم ذاك قد توفي صفوان.

(٤) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٤٩٩.

(٥) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٤٩٩.

٢٦٧

في جمهرة أنساب ابن حزم : فولد أميّة بن خلف الجمحي : عليّ وصفوان وربيعة ومسعود وسلمة. فولد سلمة بن أمية : معبد بن سلمة ، أمّه أم أراكة نكحها سلمة نكاح متعة في عهد عمر أو في عهد أبي بكر فولد له منها معبد فولد صفوان بن امية : عبد الله الأكبر ... (١)

ونرى أنّ المحاورة جرت بين ابن عباس وابن صفوان عبد الله هذا فقال له سل عمّك سلمة. وقال له : أفنسي أم أراكة فو الله إنّ ابنها ـ يعنى معبدا ـ من ذلك ، أفزنا هو؟! ولمّا عدّد رجالا ولدوا من المتعة عدّ منهم معبدا هذا.

بين عبد الله بن عمرو ابن عبّاس

اختلف ما روي عن عبد الله بن عمر في هذا الباب : فمنه ما رواه أحمد في مسنده قال : عن عبد الرحمن بن نعيم الأعرجي قال : سأل رجل ابن عمر ، وأنا عنده ، عن المتعة متعة النساء ، فغضب وقال : والله ما كنّا على عهد رسول الله زنّائين ولا مسافحين ... (٢)

وفي مصنف عبد الرزاق ، قيل لابن عمر : انّ ابن عبّاس يرخّص في متعة النساء ، فقال : ما أظنّ ابن عبّاس يقول هذا ، قالوا بلى! والله إنّه ليقوله ، قال : أما والله ما كان ليقول هذا في زمن عمر ، وإن كان عمر لينكلكم عن مثل هذا ، وما أعلمه إلّا السفاح (٣).

وفي مصنّف ابن أبي شيبة والدرّ المنثور واللفظ للأوّل : عن عبد الله بن عمر (رض) أنّه سئل عن متعة النساء فقال : حرام. فقيل له : ابن عباس يفتي بها. فقال : هلّا تزمزم بها في زمان عمر. الزمزمة : صوت خفي لا يكاد يفهم (٤).

وفي سنن البيهقي بعد حرام : أما إنّ عمر بن الخطّاب (رض) لو أخذ فيها أحدا لرجمه بالحجارة (٥).

__________________

(١) جمهرة أنساب العرب لابن حزم ٢ / ١٥٩ ـ ١٦٠. وفي ط أخرى : ص ١٥٠.

(٢) مسند أحمد ٢ / ٩٥ ، الحديث ٥٦٩٤ ، و ٢ / ١٠٤ الحديث ٥٨٠٨ واخترت لفظ الأخير ، وأورده في مجمع الزوائد ٧ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، وأيضا في مجمع الزوائد ٤ / ٢٦٥ ، وعن ابن عمر أنه سئل عن المتعة فقال : حرام. فقيل إن ابن عباس لا يرى بها بأسا فقال : والله لقد علم ابن عباس أنّ رسول الله نهى عنها يوم خيبر وما كنّا مسافحين. قال : رواه الطبراني وفيه منصور بن دينار وهو ضعيف. قال المؤلف : يبدو أنه حرف حديث ابن عمر.

(٣) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٥٠٢.

(٤) مصنف ابن أبي شيبة ٤ / ٢٩٣ ، وتفسير السيوطي ٢ / ١٤٠.

(٥) سنن البيهقي ٧ / ٢٠٦.

٢٦٨

نشاط أتباع مدرسة الخلفاء في شأن المتعة أخيرا

وجدنا اعتماد المحرّمين للمتعة من الخلفاء على القوّة إلى عهد ابن الزبير ، وبعد ذلك تغيّر نشاط أتباع مدرسة الخلفاء واعتمدوا على الوضع والتحريف. وفي ما يلي بعض الأمثلة على ذلك :

أ ـ في سنن البيهقي : إنّ ابن عبّاس كان يفتي بالمتعة ويغمص ذلك عليه أهل العلم فأبى ابن عباس أن ينتكل عن ذلك حتّى طفق بعض الشعراء يقول :

يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس

هل لك في ناعم خود مبتّلة

تكون مثواك حتى مصدر الناس

قال : فازداد أهل العلم بها قذرا ، ولها بغضا حين قيل فيها الأشعار (١).

وفي مصنف عبد الرزاق عن الزهري قال : ازدادت العلماء لها استقباحا حين قال الشاعر : يا صاح هل لك في فتيا ابن عبّاس (٢).

في هذه الرواية : إنّ ابن عبّاس أبى أن ينتكل عنها مهما غمص عليه الناس وأنشدوا فيه الشعر.

ب ـ حرّفوا الرواية الآنفة ورووا عن سعيد بن جبير أنه قال : قلت لابن عبّاس أتدري ما صنعت وبما أفتيت؟ سارت بفتياك الركبان ، وقالت فيه الشعراء ، قال : وما قالوا : قلت: قالوا :

أقول للشيخ لما طال مجلسه

يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس

يا صاح هل لك في بيضاء بهكنة

تكون مثواك حتى مصدر الناس

فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون! والله ما بهذا أفتيت ولا هذا أردت ولا أحللت منها إلّا ما أحلّ الله من الميتة والدم ولحم الخنزير (٣).

وفي المغني لابن قدامة ، فقام خطيبا وقال : إن المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير فأمّا إذن رسول الله فقد ثبت نسخه (٤).

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ / ٢٠٥.

(٢) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٥٠٣.

(٣) سنن البيهقي ٧ / ٢٠٥.

(٤) المغني لابن قدامة ٧ / ٥٧٣.

٢٦٩

علّة الحديث :

هكذا تسابقوا في نقل هذه الرواية عن سعيد بن جبير (١) ، ونسوا أن سعيد بن جبير هو الّذي تمتّع بمكّة (٢) ، ونسوا أنّ أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن كلّهم كانوا يرون المتعة حلالا على مذهب ابن عبّاس (٣) ، ولو كان ابن عبّاس قد رجع عن فتواه لما استمرّ أصحابه عطاء وطاوس وغيرهما على ذلك (٤) وقد أبان الهيثمي في مجمع الزوائد عن علّة هذا الحديث حيث قال : وفيه ـ أي في سند الحديث ـ الحجّاج بن أرطاة مدلّس (٥) ، وفي ترجمه الحجّاج راوي هذا الحديث بتهذيب التهذيب : كان يرسل عن يحيى بن ابي كثير ومكحول ولم يسمع منهما وإنما يعيب الناس منه التدليس ، ليس يكاد له حديث إلّا فيه زيادة ، وقال ابن المبارك : كان الحجّاج يدلّس فكان يحدّثنا بالحديث عن عمرو بن شعيب ممّا يحدّثه العرزمي. متروك.

وقال يعقوب بن أبي شيبة : واهي الحديث ، في حديثه اضطراب كثير (٦).

ج ـ روى الترمذي والبيهقي عن موسى بن عبيدة عن محمّد بن كعب عن ابن عباس أنه قال : إنّما كانت المتعة في أوّل الإسلام ، فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيزوّج المرأة بقدر ما يرى أنّه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتّى إذا نزلت الآية إلّا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ، قال ابن عبّاس فكلّ فرج سوى هذين فهو حرام (٧).

علّة الحديث :

في سند الحديث موسى بن عبيدة وفي ترجمته من تهذيب التهذيب قال أحمد : منكر الحديث ، لا تحلّ الرواية عندي عنه ، حدّث بأحاديث منكرة (٨).

__________________

(١) مثل البيهقي في سننه ٧ / ٢٠٥.

(٢) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٤٩٦.

(٣) القرطبي ٥ / ١٣٣.

(٤) المغني لابن قدامة ٧ / ٥٧١.

(٥) مجمع الزوائد ٤ / ٢٦٥.

(٦) تهذيب التهذيب ٢ / ١٩٦ ـ ١٩٨.

(٧) الترمذي ٥ / ٥٠ باب نكاح المتعة ، وسنن البيهقي ٧ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦.

(٨) تهذيب التهذيب ١٠ / ٣٥٦ ـ ٣٦٠.

٢٧٠

وفي متن الحديث : كانت المتعة في أوّل الإسلام ... حتّى نزلت : إلّا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم. فكل فرج سوى هذين حرام.

لست أدري إذا كان هذا قوله فما باله يخاصم ابن الزبير بعد نزول هذه الآية بنصف قرن؟ ثمّ أليس نكاح المتعة زواجا موقتا ومن مصاديق الزواج؟ وأيضا إن صحّت هذه الرواية وكان ابن عباس قد ترك فتواه بعد نزول هذه الآية وفي عصر النبيّ ، إذا متى قال له الإمام عليّ إنّك امرؤ تائه حين رآه يليّن في المتعة؟ كما تفيده الرواية الّتي سنوردها في باب الأحاديث الصحاح.

د ـ رووا عن جابر أنّه قال : خرجنا ومعنا النساء الّتي استمتعنا بهنّ فقال رسول الله (ص) : «هنّ حرام إلى يوم القيامة» فودّعننا عند ذلك ، فسمّيت عند ذلك ثنية الوداع ، وما كانت قبل ذلك إلّا ثنيّة الركاب (١).

علّة الحديث :

قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط وفيه صدقة بن عبد الله : في سند الحديث : صدقة ، وقد قال أحمد بن حنبل فيه «ليس يسوى شيئا ، أحاديثه مناكير»

وقال مسلم : «منكر الحديث» (٢).

وفي متن الحديث : يروي عن جابر أن رسول الله قال «هنّ حرام إلى يوم القيامة» وقد تواترت الروايات الصحاح عن جابر أنّه قال : (تمتعنا على عهد النبي وأبي بكر وعمر حتى نهانا عمر في شأن عمرو بن حريث ،) وقال نظير هذا القول.

ه ـ روى البيهقي في سننه ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، واللفظ للأوّل ، عن أبي هريرة قال : خرجنا مع رسول الله (ص) في غزوة تبوك فنزلنا بثنية الوداع فرأى نساء يبكين ، فقال : «ما هذا؟» قيل : نساء تمتّع بهنّ أزواجهنّ ، ثمّ فارقوهنّ ، فقال رسول الله : حرّم او هدم المتعة النكاح والطلاق والعدّة والميراث.

وفي مجمع الزوائد : فرأى رسول الله مصابيح ورأى نساء يبكين (٣).

__________________

(١) مجمع الزوائد ٤ / ٢٦٤ ، وفتح الباري ١١ / ٣٤.

(٢) نقلنا قول أحمد ومسلم عن ترجمة صدقة من تهذيب التهذيب ٤ / ٤١٦.

(٣) سنن البيهقي ٧ / ٢٠٧ ، ومجمع الزوائد ٤ / ٢٦٤ ، وفتح الباري ١١ / ٧٣.

٢٧١

علّة الحديث :

في سند الحديث : مؤمّل بن إسماعيل ، وهو ابو عبد الرحمن العدوي ، مولاهم نزيل مكّة ، مات سنة خمس اوست ومائتين ، في ترجمته بتهذيب التهذيب ، قال البخاري : «منكر الحديث».

وقال غيره : دفن كتبه فكان يحدّث من حفظه فكثر خطاؤه.

وقد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه فإنّه يروى المناكير عن ثقات شيوخه. وهذا أشدّ! فلو كانت هذه المناكير عن الضعفاء لكنّا نجعل له عذرا (١).

وفي متن الحديث : إنّهم نزلوا ثنية الوداع ، وثنية الوداع ـ كما في معجم البلدان ـ ثنية مشرقة على المدينة يطأها من يريد مكة ، وقال : والصحيح إنّه اسم جاهلي ، قديم ، سمّي لتوديع المسافرين (٢).

ويؤيد ذلك أنّ رسول الله لما ورد المدينة في الهجرة لقيته نساء الأنصار يقلن :

طلع البدر علينا

من ثنيات الوداع (٣)

وعلى هذا فثنيّة الوداع محلّ توديع المسافرين منذ العصر الجاهلي وسمّي بهذا الاسم قبل الإسلام وليس بعده.

أضف إليه : أنّه ما سبب خروج نساء المتعة لتوديع أزواجهنّ دون نساء النكاح الدائم؟ وما سبب بكائهنّ وليس الأزواج ذاهبين إلى غير رجعة؟

و ـ روى البيهقي عن عليّ بن أبي طالب (رض) قال : نهى رسول الله (ص) عن المتعة ، قال : وإنّما كانت لمن لم يجد ، فلمّا أنزل النكاح والطلاق والعدّة والميراث بين الزوج والمرأة ، نسخت (٤).

علّة الحديث :

في سند الحديث موسى بن ايّوب ، ذكره العقيلي في الضعفاء ، وقال عنه يحيى ابن معين والساجي : منكر الحديث (٥).

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١٠ / ٣٨٠ ـ ٣٨١.

(٢) بمادة ثنية الوداع من معجم البلدان.

(٣) بمادة «ثنيّة الوداع من الروض المعطار للحميري».

(٤) سنن البيهقي ٧ / ٢٠٧.

(٥) بترجمة موسى بن أيوب من تهذيب التهذيب ١ / ٣٣٦.

٢٧٢

وفي متن الحديث ينسب إلى علي أنّه قال : نهى رسول الله عن المتعة في حين أنّه القائل لو لا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب لأمرت بالمتعة ثمّ ما زنى إلّا شقي.

ز ـ روى البيهقي عن عبد الله بن مسعود قال : المتعة منسوخة نسخها الطلاق والصداق والعدّة والميراث.

علّة الحديث :

في سند رواية منه الحجّاج بن أرطاة عن الحكم عن أصحاب عبد الله ، والحجّاج بن أرطاة سبق تعريفه أنّه مدلس متروك يزيد في الحديث ، ولا ندري من أي واحد من أصحاب عبد الله روى الحكم؟!

وسند الأخرى «قال بعض أصحابنا عن الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن مسعود» ولم ندر من هو بعض الأصحاب هذا ، وكيف روى الحكم بن عتيبة المتوفى سنة ثلاث عشرة بعد المائة او بعدها وله نيف وستون عن عبد الله بن مسعود المتوفى سنة اثنتين وثلاثين (١).

ويناقض متن الحديث ما ثبت عن عبد الله بن مسعود انّه ثبت على تحليل المتعة بعد رسول الله وكان يقرأ الآية «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل» (٢).

وفي متن الأحاديث ه ، و ، ز : إنّ النكاح والطلاق والعدّة والميراث حرّمت أو هدمت أو نسخت المتعة ، ومعنى هذا أنّ نكاح المتعة كان قد شرّع قبل تشريع النكاح الدائم وما يتعلّق به ، وأنّه كان الزواج بالمتعة إلى أنّ شرّع النكاح الدائم ، ونسخت المتعة به ، ويلزم من هذا القول أن تكون جميع أنكحة الرسول والصحابة في البدء بالمتعة إلى وقت نزول حكم النكاح الدائم!!

ح ـ في مجمع الزوائد عن زيد بن خالد الجهني ، قال : كنت أنا وصاحب لي نماكس امرأة في الأجل وتماكسنا ، فأتانا آت فأخبرنا أنّ رسول الله (ص) حرّم نكاح المتعة وحرّم أكل كلّ ذي ناب من السباع والحمر الإنسية (٣).

__________________

(١) راجع ترجمة الحكم وابن مسعود في تقريب التهذيب ج ١ / ١٩٢ و ٤٥٩.

(٢) راجع فصل من بقي على القول بتحليل المتعة بعد تحريم عمر.

(٣) بمجمع الزوائد ٤ / ٢٦٦.

٢٧٣

علّة الحديث :

في سند الحديث : قال الهيثمي : رواه الطبراني ، وفيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف (١) انتهى. وسبق قولنا في ضعفه.

في متن الحديث : يبدو أنّ مخترع هذه الرواية قد جمع بين رواية سبرة الجهني في فتح مكّة وما روى عن يوم خيبر ، وأضاف إليهما حكم تحريم أكل لحم كلّ ذي ناب ، وركّب عليهن سندا واحدا ورواهنّ في سياق واحد.

ط ـ في مجمع الزوائد عن الحارث بن غزيّة ، قال : سمعت النبيّ (ص) يوم فتح مكة يقول : «متعة النساء حرام» ثلاث مرّات.

علّة الحديث :

قال الهيثمي : رواه الطبراني ، وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة (٢). هذا ما قاله الهيثمي ، وقال غيره من العلماء في ترجمته : يروي أحاديث منكرة. لا يحتجّون بحديثه. تركوه. لا تحلّ الرواية عنه. لا يكتب حديثه ... (٣)

ي ـ في مجمع الزوائد عن كعب بن مالك ، قال : نهى رسول الله (ص) عن متعة النساء.

قال الهيثمي : رواه الطبراني وفيه يحيى بن أنيسة (٤).

وقال العلماء في ترجمته : كان ضعيفا. أصحاب الحديث لا يكتبون حديثه. إنّه كذّاب. متروك الحديث ... (٥)

ك ـ روى البيهقي في سننه الكبرى عن عبد الله بن عمر قال : صعد عمر على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما بال رجال ينكحون هذه المتعة وقد نهى رسول الله (ص) عنها؟ ألا لا أوتي بأحد نكحها إلّا رجمته (٦).

__________________

(١) بمجمع الزوائد ٤ / ٢٦٦.

(٢) الحديث وتعريف الراوي بمجمع الزوائد ٤ / ٢٦٦.

(٣) بترجمة اسحاق من تهذيب التهذيب ١ / ٢٤٠.

(٤) الحديث واسم الراوي بمجمع الزوائد ٤ / ٢٦٦.

(٥) بترجمة يحيى من تهذيب التهذيب ١١ / ١٨٣ ـ ١٨٤.

(٦) سنن البيهقي ٧ / ٢٠٦.

٢٧٤

علّة الحديث :

في سند الحديث : منصور بن دينار قال فيه يحيى بن معين : ضعيف الحديث ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال البخاري : في حديثه نظر ، وذكره العقيلى في الضعفاء (١).

* * *

إلى هنا تعرّضنا لذكر الأحاديث التي في سندها ضعف حسب تعريف علماء الرجال ، وفي ما يلي نتعرّض لذكر الأحاديث التي تسالموا على صحّتها لوجودها في الكتب الموسومة بالصحّة ، أو ما لم يطعنوا في صحة إسنادها :

الحديث الأوّل : في صحيح مسلم ، وسنن النسائي ، والبيهقي ، ومصنف عبد الرزاق واللفظ للمصنف ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عبد الله والحسن ابني محمّد بن عليّ ، عن أبيهما أنّه سمع أباه علي بن أبي طالب يقول لابن عباس : إنّك امرؤ تائه ، إنّ رسول الله نهى عنها يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسيّة (٢).

وردت هذه الرواية بهذا السند مع اختلاف يسير في صحيح البخاري ، وسنن أبي داود ، وابن ماجة ، والترمذي ، والدارمي ، والموطّأ ، ومصنّف ابن أبي شيبة ، ومسند أحمد والطيالسي وغيرها (٣).

الحديث الثاني : رووا عن أبي ذرّ أنّه قال : إنّما أحلّت لنا أصحاب رسول الله (ص) متعة النساء ثلاثة أيّام ، ثمّ نهى عنها رسول الله (ص) (٤).

وأنّه قال : كانت المتعة لخوفنا ولحربنا (٥).

__________________

(١) ترجمة منصور بن دينار في الجرح والتعديل للرازي (٤ / ق ١ / ١٧١) وميزان الاعتدال ٦ / ١٨٤ ، ولسان الميزان ٤ / ٩٥.

(٢) صحيح مسلم ، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح ص ١٠٢٨ ، ح ٣١ ، ٣٢ وسنن النسائي باب تحريم المتعة ، وسنن البيهقي ٧ / ٢٠١ ، ومصنف عبد الرزاق ٧ / ٥٠١ ، ومجمع الزوائد ٤ / ٢٦٥.

(٣) صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ٣ / ٣٦ ، ٣ / ١٦٤ باب ، نهى رسول الله عن نكاح المتعة أخيرا وباب ، لحوم الحمر الإنسية ٣ / ٢٠٨ ، و ٤ / ١٥٣ باب الحيلة في النكاح. وسنن أبي داود ٢ / ٩٠ باب تحريم المتعة وفيه قال ابن المثنى : «يوم حنين» ، وسنن ابن ماجة ص ٦٣ ح ١٩٦١ ، وسنن الترمذي ٥ / ٤٨ ـ ٤٩ والموطأ ص ٥٤٢ ح ٤١ من باب نكاح المتعة. ومصنف ابن أبي شببة ٤ / ٢٩٢ ، وسنن الدارمي ٢ / ١٤٠ باب النهي عن متعة النساء ، ومسند الطيالسي ح ١١١ ، ومسند أحمد ١ / ٧٩ و ١٣٠ و ١٤٢ والأبواب المذكورة في فتح الباري.

(٤) سنن البيهقي ٧ / ٢٠٧.

(٥) سنن البيهقي ٧ / ٢٠٧.

٢٧٥

الحديث الثالث : في صحيح مسلم ، وسنن الدارمي ، وابن ماجة ، وابي داود وغيرها ، واللفظ لمسلم ، عن سبرة الجهني : انّه غزا مع رسول الله (ص) فتح مكّة قال : فأقمنا بها خمس عشرة (ثلاثين بين ليلة ويوم) فأذن لنا رسول الله في متعة النساء فخرجت أنا ورجل من قومي (ولي عليه فضل في الجمال ، وهو قريب من الدمامة) مع كلّ واحد منّا برد ؛ فبردي خلق. وأمّا برد ابن عمي فبرد جديد. غضّ. حتّى إذا كنّا بأسفل مكة ، أو بأعلاها. فتلقّتنا فتاة مثل البكرة العطنطنة. فقلنا : هل لك ان يستمتع منك أحدنا؟ قالت : وما تبذلان؟ فنشر كلّ واحد منّا برده. فجعلت تنظر إلى الرجلين. ويراها صاحبي تنظر إلى عطفها ، فقال : إن برد هذا خلق وبردي جديد غض فتقول : برد هذا لا بأس به ـ ثلاث مرار أو مرّتين ـ ثم استمتعت منها فلم أخرج حتّى حرّمها رسول الله (ص) (١).

وفي رواية : قال رسول الله (ص) : «يا أيّها الناس! إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإنّ الله قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة» (٢).

وفي رواية قال : رأيت رسول الله قائما بين الركن والباب وهو يقول ... (٣)

وفي رواية : أمرنا رسول الله بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكّة ثمّ لم نخرج حتّى نهانا عنها (٤).

وفي رواية : قد كنت استمتعت في عهد رسول الله امرأة من بني عامر ببردين أحمرين ، ثم نهانا رسول الله عن المتعة (٥).

وفي رواية : إن رسول الله نهى يوم الفتح عن متعة النساء (٦).

وفي رواية : أن رسول الله نهى عن المتعة وقال : إنها حرام من يومكم هذا إلى

__________________

(١) صحيح مسلم ، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح ص ١٠٢٤ ، ومجمع الزوائد ٤ / ٢٦٤ ، وسنن البيهقي ٧ / ٢٠٢ ، والعطنطنة كالعيطاء : الطويلة العنق في اعتدال وحسن قوام.

(٢) صحيح مسلم ، كتاب نكاح المتعة ص ١٠٢٥ ، وسنن الدارمي ٢ / ١٤٠ ، وسنن ابن ماجة ص ٦٣١ ح ١٩٦٢ مع اختلاف في لفظ الحديث في طبقات ابن سعد ٤ / ٣٤٨ نزل آخر عمره ذا المروة ، وتوفي في خلافة معاوية.

(٣) صحيح مسلم ، كتاب النكاح باب المتعة ص ١٠٢٥ ، ومصنف ابن أبي شيبة ٤ / ٢٩٢.

(٤) صحيح مسلم ، كتاب النكاح باب المتعة ص ١٠٢٥ ، وسنن البيهقي ٧ / ٢٠٢ و ٢٠٤.

(٥) صحيح مسلم ، كتاب النكاح باب المتعة ص ١٠٢٧ ، وسنن البيهقي ٧ / ٢٠٥ ، وقريب منه في صحيح مسلم ص ١٠٢٦.

(٦) صحيح مسلم ، كتاب النكاح باب المتعة ص ١٠٢٨ ، ومصنف ابن أبي شيبة ٤ / ٢٩٢.

٢٧٦

يوم القيامة ... (١)

وفي سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما ـ واللفظ للأوّل ـ عن ربيع بن سبرة. قال : اشهد على أبي إنّه حدّث أنّ رسول الله نهى عنها في حجّة الوداع (٢).

الحديث الرابع : في صحيح مسلم ، ومصنف ابن أبي شيبة ، ومسند أحمد ، وغيرها واللفظ للأوّل عن سلمة بن الأكوع ، قال : رخّص رسول الله عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها (٣). (أوطاس واد بالطائف).

علل هذه الاحاديث :

١ ـ في حديث الإمام علي والّذي حفلت به أمّهات كتب الحديث من صحاح ومسانيد وسنن ومصنفات وقد أخرجناه من أربعة عشر مصدرا منها ، فيه نصّ على أنّ رسول الله حرّم في غزوة خيبر شيئين : أ ـ نكاح المتعة. ب ـ أكل لحوم الحمر الأهلية أو الإنسية ، وقد انحصر سند تحريم نكاح المتعة في خيبر بهذا الحديث ، بينما ورد تحريم رسول الله لحوم الحمر الأهلية بخيبر في روايات أخرى متعددة وليس في أحدها أيّ ذكر أو إشارة إلى تحريم المتعة فيها ، ونبحث في ما يلي كلا التحريمين :

أ ـ تحريم المتعة في خيبر :

إنّ تحريم رسول الله متعة النساء في غزوة خيبر غير موافق للواقع التاريخي يوم ذاك كما صرّح به جماعة من العلماء مثل ابن القيّم في فصل بحث زمن تحريم المتعة من كتابه زاد المعاد ، قال : وقصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات ، ولا استاذنوا في ذلك رسول الله ، ولا نقله أحد قطّ في هذه الغزوة ، ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة لا فعلا ولا تحريما(٤).

وقال : فإنّ خيبر لم يكن فيها مسلمات ، وإنّما كنّ يهوديات ، وإباحة نساء أهل

__________________

(١) صحيح مسلم ، كتاب النكاح باب المتعة ص ٢٠٢٧ وأكثر تفصيلا منه في المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٥٠٦ ، وسنن البيهقي ٧ / ٢٠٣.

(٢) سنن أبي داود ٢ / ٢٢٧ باب في نكاح المتعة وسنن البيهقي ٧ / ٢٠٤ و ٢٠٥ ، وطبقات ابن سعد ٤ / ٣٤٨.

(٣) صحيح مسلم. كتاب النكاح باب المتعة ص ١٠٢٣ ح ١٤٠٥ ، ومصنف ابن أبي شيبة ٤ / ٢٩٢ ، ومسند أحمد ٤ / ٥٥ ، وسنن البيهقي ٧ / ١٠٤ ، وفتح الباري ١١ / ٧٣.

(٤) زاد المعاد ج ٢ / ١٥٨ فصل في بحث زمن تحريم المتعة.

٢٧٧

الكتاب لم يكن ثبت بعد ، إنّما أبحن بعد ذلك في سورة المائدة بقوله : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ... وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ...) الآية (١). وهذا كان في آخر الأمر بعد حجّة الوداع أو فيها ، فلم تكن إباحة نساء أهل الكتاب ثابته زمن خيبر ... (٢)

وقال ابن حجر في شرح الحديث في باب غزوة خيبر : وليس يوم خيبر ظرفا لمتعة النساء لأنّه لم يقع في غزوة خيبر تمتّع بالنساء (٣).

ونقل في شرح الحديث من «باب نهى رسول الله عن نكاح المتعة آخرا» عن السهيلي أنّه قال : ويتّصل بهذا الحديث تنبيه على إشكال لأنّ فيه النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر ، وهذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر (٤).

ونقل ابن حجر ـ أيضا ـ قول ابن القيّم الآنف الذكر (٥).

هذا ما ذكروا عن تحريم متعة النساء يوم خيبر.

ب ـ تحريم لحوم الحمر الأهلية بخيبر :

روى ابن حجر عن ابن عبّاس أنّه استدلّ على إباحة الحمر الأهلية بقوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ...) (٦).

قال المؤلف : لعلّ نهي رسول الله عن أكل لحوم الحمر الأهلية كان خاصّا بالحمر الأهلية التي كانت في خيبر ولأحد الأسباب المذكورة في الروايات التالية :

في صحيح البخاري عن أبي أوفى ، قال : أصابتنا مجاعة يوم خيبر فإنّ القدور لتغلي ، قال : وبعضها نضجت فجاء منادي النبيّ (ص) : لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئا وأهريقوها قال ابن أبي أوفى ، فتحدّثنا انّه إنّما نهى عنها لانّها لم تخمّس. وقال بعضهم نهى عنها البتّة لأنّها كانت تأكل العذرة (٧).

ولعلّ السبب ما رواه أبو داود في كتاب الخراج من سننه ، باب تعشير أهل الذمّة

__________________

(١) زاد المعاد ٢ / ٢٠٤ في فصل في إباحة متعة النساء ثم تحريمها.

(٢) فتح الباري ٩ / ٢٢.

(٣) فتح الباري ١١ / ٧٢ باب نهى رسول الله عن نكاح المتعة آخرا.

(٤) فتح الباري ١١ / ٧٤.

(٥) فتح الباري ١٢ / ٧٠ باب لحوم الخيل.

(٦) البخاري ، باب لحوم الخيل ، شرح فتح الباري ٩ / ٢٢.

٢٧٨

عن العرباض بن سارية السلمي (١) قال : نزلنا خيبر ومعه من معه من أصحابه ، وكان صاحب خيبر رجلا ماردا منكرا ، فأقبل إلى النبي (ص) فقال : يا محمّد! ألكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمرنا وتضربوا نساءنا؟ فغضب ـ يعنى النبيّ ـ وقال «يا ابن عوف! اركب فرسك ، ثم ناد : الا إنّ الجنّة لا تحلّ إلا لمؤمن ، وأن اجتمعوا للصلاة» قال : فاجتمعوا ، ثمّ صلّى بهم النبيّ (ص) ثمّ قام ، فقال : «أيحسب أحدكم متّكئا على أريكته قد يظنّ الله لم يحرّم شيئا إلّا ما في هذا القرآن ، ألا وإنّي وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء إنّها لمثل القرآن أو أكثر ، وإنّ الله لم يحلّ لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا باذنهم ولا ضرب نسائهم ، ولا أكل اثمارهم اذا اعطوكم الذي عليهم (٢).

على ما روى ابن أبي أوفى تحدّث أصحاب رسول الله عن سبب نهي رسول الله عن أكل لحوم الحمر الأهلية يوم ذاك فقال بعضهم ممّن حضر الواقعة : إنّ النهي كان بسبب أنّهم لم يدفعوا خمسها ويؤيد ذلك ما ورد في الغلول من أحاديث أو أنها كانت نهبى كما ذكر ذلك في الحديث الآتي :

في سنن أبي داود عن رجل من الأنصار ، قال : خرجنا مع رسول الله (ص) في سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد ، وأصابوا غنما فانتهبوها فإنّ قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله (ص) يمشي على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه ، ثمّ جعل يرمّل اللحم بالتراب ، ثمّ قال «انّ النهبة ليست بأحلّ من الميتة» (٣).

وقال آخرون : إن النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية كان بسبب أنّها كانت تأكل العذرة. وعلى أي فإنّ النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية كان خاصّا بالحمر الأهلية الّتي كانت معهم في تلك الغزوة.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى تحريم نكاح المتعة في خيبر فانّ عرباض بن سارية حدّث أنّ اليهودي المارد المنكر شكا إلى رسول الله وقال : ألكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمرنا وتضربوا نساءنا؟ فجمعهم رسول الله وقال لهم : «إنّه لم يحلّ لكم أن تدخلوا

__________________

(١) أبو نجيح عرباض بن سارية السلمي روى عن طريقه عن رسول الله (ص) ٣١ حديثا أخرجها أصحاب الصحاح غير البخاري ومسلم (ت : ٧٥ ه‍) او في فتنة ابن الزبير ، أسد الغابة ٣ / ٣٩٩ ، وجوامع السيرة ص ٢٨١ ، وتقريب التهذيب ٢ / ١٧.

(٢) سنن أبي داود ٢ / ٦٤.

(٣) سنن أبي داود ٣ / ٦٦ باب في النهى عن النهبى.

٢٧٩

بيوت أهل الكتاب إلّا بإذنهم ، ولا ضرب نسائهم ، ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم ..»

وعلى هذا فإنّ نهي رسول الله (ص) عن ضرب نساء أهل الكتاب الّذين دفعوا الجزية خاصّة ، ولم يكن نهيا عن مطلق نكاح المتعة.

يبدو أنّ الأمر كان هكذا في غزوة خيبر ، غير أن أحدهم ابتكر رواية رواها عن حفيدي الإمام عليّ ابني محمّد عن أبيهم محمّد عن أبيه الإمام علي أنّه قال لابن عبّاس حين رخّص في المتعة : «إنك امرؤ تائه» ، وأخبره بأنّ الرسول نهى يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية ؛ ونسي هذا المبتكر أنّ الإمام عليّا هو الذي كان يقول : لو لا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلّا شقي (١).

والبديع في الأمر أنّهم رووا هنا عن ابني محمّد عن محمّد عن الإمام عليّ رواية تحريم متعة النساء ، وأنّهم ركّبوا نفس السند على روايتهم أمر الإمام بإفراد الحجّ عن العمرة ، ولعلّ مبتكر الروايتين واحد.

٢ ـ وكذلك الأمر بالنسبة إلى ما رووا عن أبي ذر فإنّهم رووا عنه أنّه قال : كانت المتعة في الحجّ لأصحاب محمّد خاصّة ، وقال : كانت لنا رخصة. ورووا عنه في متعة النساء أنّه قال : إنّما حلّت لنا أصحاب رسول الله (ص) متعة النساء ثلاثة أيّام ثمّ نهى عنها رسول الله (ص).

وأنّه قال : إن كانت المتعة لخوفنا ولحربنا.

ومن الغريب في روايتي أبي ذرّ هنا وهناك أنّ في طريق كلتيهما إبراهيم التيمي وعبد الرحمن بن الأسود ، وشأن روايتي أبي ذرّ في السند شأن روايتي الإمام.

٣ و ٤ ـ أمّا رواية سبرة الجهني فالصحيح فيها ما أوردناه في أوّل الباب عن مسلم وأحمد والبيهقي : أنّ رسول الله أذن لهم بالمتعة وأنّه تمتع من امرأة من بني عامر بردائه وكان معها ثلاثا ثمّ أنّ رسول الله قال : «من كان عنده شيء من هذه النساء الّتي يتمتع بها فليخلّ سبيلها». أي أنّ الرسول أمرهم بفراق النسوة اللاتي تمتعوا بهنّ استعدادا للرحيل من مكّة. ثمّ جاء «المعذّرون» للخليفة عمر فحرّفوا لفظ هذه الرواية من «ليخلّ سبيلها» إلى «أنّها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة» وما شابهها من ألفاظ تدلّ على تأبيد الحرمة ، منذ يوم فتح مكّة ، ولمّا كانت هذه الرواية تناقض روايات أخرى

__________________

(١) سبق ذكر مصادره.

٢٨٠