معالم المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٤

(فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) هو الاعتمار في أشهر الحجّ قبل الحجّ ، قال : ومن التمتّع أيضا القران لأنّه تمتّع بسقوط سفره للنسك الآخر من بلده ، قال: ومن التمتع أيضا فسخ الحجّ إلى العمرة. هذا كلام القاضي.

قلت : والمختار إنّ عمر وعثمان وغيرهما إنّما نهوا عن المتعة التي هي الاعتمار في أشهر الحجّ ثمّ الحجّ من عامه ، ومرادهم نهي أولوية للترغيب في الإفراد لكونه أفضل ...».

انتهى ما نقلناه من شرح النووي (١) بتلخيص.

قال المؤلف : كلّ هؤلاء العلماء وكثيرون غيرهم ممّن كتبوا آلاف الأوراق في هذا الباب ، قد قرءوا في كتاب الله «فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ» ، واطلعوا على تلك الروايات الكثيرة المتواترة الصحيحة عن رسول الله بتشديده الأمر بمتعة الحجّ ، وقرءوا كذلك نهي عمر عنها ومعاقبته عليها وتعليله بأنّ الإفراد أتمّ للعمرة وللحجّ وأن فيه ربيع أهل مكّة ، ومع كلّ ذلك نقرأ كلّ تلك الأقوال المتناقضة من أنّ الرسول أباح لجماعة بحجّ التّمتّع ، ولآخرين بالإفراد ، ولغيرهم بالقران ، ومن أجل اختلاف أقوال الرسول في حجّة الوداع اختلفت أقوال العلماء في هذا الصدد ، وأنّ عمر نهى عن فسخ الحجّ ولم ينه عن حجّ التّمتّع ، وإن نهي عمر وعثمان وغيرهما عن حجّ التّمتّع نهى أولويّة للترغيب في الإفراد لكونه افضل.

أرأيت كيف يصبح الحكم المخالف للكتاب والسنّة أفضل؟! ورأيت كيف يكون الترغيب إلى شيء بالعقوبة والضرب والحلق!!!؟

ومع كلّ هذا ليس لنا أن نشتط في القول على العلماء كما فعله ابن حزم ، بل ينبغي أن نعذرهم فإنّهم في ما فعلوا طلبوا الخير وأرادوا تبرير فعل الخلفاء ، وفي هذا السبيل وضعوا الأحاديث عن لسان رسول الله ولسان الأئمّة من أهل بيته والكبراء من صحابته ، وفي سبيل تبرير فعل الخلفاء أيضا سمّوا فعل الخلفاء اجتهادا وقالوا : إنّ الخلفاء تأوّلوا الخير ، والحقّ أنّ العلماء أيضا تأوّلوا الخير في ما فعلوا وقالوا.

* * *

__________________

(١) شرح النووي ٨ / ١٧٠ في الباب المذكور آنفا.

٢٤١

في ما سبق من البحوث يتضح لنا كيف نشأ الاختلاف بين الأحاديث المنسوبة إلى رسول الله (ص) وكيف انتشر الاختلاف بين المسلمين عبر العصور ، وفي ما يأتي بيان ذلك.

منشأ الخلاف والاختلاف وكيف يمكن رفعهما

لما كان المسلمون الأوائل قد سمعوا من فم رسول الله (ص) أحاديث أمرهم فيها بعمرة التمتع ـ الجمع بين الحج والعمرة ـ فقد تداولوا تلك الأحاديث ورووها كما سمعوها ، ولما كان رسول الله (ص) قد علّم أولئك المسلمين كيفية أداء سنته في عمرة التمتع فقد نقلوا سنتها كذلك ، ومن ثمّ تداول المسلمون الأوائل ومن جاء بعدهم أحاديث الرسول وسنته في عمرة التمتع ، وكان ذلك متداولا بين المسلمين إلى عصر الصحابي الخليفة عمر بن الخطاب ومنعه المسلمين عن أداء سنّته في عمرة التمتع ، وتبعه على ذلك الخليفة الصحابي عثمان بن عفان ، وحاكم مكّة الصحابي عبد الله بن الزبير ، والصحابي الخليفة معاوية بن أبي سفيان. بعد ذلك قام بعض أتباع مدرسة الخلفاء بوضع أحاديث رووها عن رسول الله (ص) بأنّه نهى عن عمرة التمتع أي : الجمع بين الحجّ والعمرة ، ووضعوا تلك الأحاديث تأييدا لسياسة بعض الخلفاء الراشدين واحتسابا للخير ، وتداول المسلمون كذلك هذه الأحاديث وانتشرت بينهم إلى جنب روايتهم المجموعة الأولى من الأحاديث ، ولما أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز بتدوين حديث الرسول (ص) دونت تلك المجموعتان من الحديث المروي عن رسول الله (ص) والمنسوب إليه في كتب صحاح الحديث بمدرسة الخلفاء وسننهم ومسانيدهم ، ومن هنا نشأ الاختلاف بين الأحاديث ، وانتشر الخلاف بين المسلمين ، ولا يمكن رفع الاختلاف بين الأحاديث المروية عن رسول الله (ص) والمنسوبة إليه دون طرح كلّ حديث يخالف سنّة الرسول (ص) وإن دخلت في كتب صحاح الحديث ، ولا يمكن كذلك رفع الخلاف من بين المسلمين وتوحيد كلمتهم دون رجوع المسلمين إلى سنّة الرسول وترك ما يخالفها وإن كانت من سنن الخلفاء الراشدين.

حديث اتّباع سنة الخلفاء الراشدين

ومما ذكرنا يحصل لنا العلم واليقين بأن الحديث المشهور أن رسول الله (ص) قال :

٢٤٢

«فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ» (١)

لا يمكن أن يكون صحيحا وإن دخل في كتب الصحاح والمسانيد بمدرسة الخلفاء لأنّنا وجدنا في سنن الخلفاء الراشدين ما يخالف سنّة الرسول (ص) والرسول (ص) لا يأمر بالعمل بما يخالف سنّته ، ولما في الحديث من علل أخرى نذكرها فيما يأتي

علل الحديث

بالإضافة إلى ما ذكرنا نجد في هذا الحديث المروي عن رسول الله (ص) العلل الآتية:

أ ـ وجدنا في باب مصطلحات بحث الإمامة والخلافة من الجزء الأوّل من هذا الكتاب أن لفظ الخليفة لم يستعمل في القرآن والحديث النبوي الشريف ومحاورات المسلمين وأحاديثهم في العصر الإسلامي الأول حتى عصر الخليفة الثاني بمعنى حاكم المسلمين العام كما يفهم منه في القرون الإسلامية الأخيرة ، وإنما استعمل لفظ الخليفة في القرآن والحديث النبوي ومحاورات المسلمين حتى عصر الخليفة عمر بمعناه اللغوي وأريد به الخليفة للشخص الذي يذكر في الكلام بعد لفظ الخليفة ويضاف إليه لفظ الخليفة.

وبناء على هذا إذا وجدنا لفظ الخليفة بمعنى الحاكم الإسلامي العام في حديث منسوب إلى رسول الله (ص) أو أي واحد من أهل ذلك العصر أيقنا بعدم صحّة ذلك الحديث.

وكذلك أيضا بما أن وصف الخلفاء الأربعة الأوائل بالراشدين كان بعد استيلاء بعض الخلفاء الجبابرة من أمويين وعباسيين على الحكم ، وعند ذاك وصف أتباع مدرسة الخلفاء الخلفاء الأربعة الأوائل بالراشدين ، ومن ثم نعلم أن كل حديث ورد فيه وصف الأربعة بالراشدين وضع بعد عصر الخلفاء الأوائل.

ب ـ إن هذا الحديث يصرح بأن رسول الله (ص) جعل سنة الخلفاء الراشدين

__________________

(١) مسند أحمد ٤ / ١٢٦ و ١٢٧.

سنن الدارمي ، المقدمة ، باب اتّباع السنة (١ / ٤٤ ـ ٤٥).

سنن ابن ماجة ، المقدمة ، باب سنّة اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين (١ / ١٥ ـ ١٦) سنن أبي داود ، كتاب السنة ، باب لزوم السنة (ح ، ٤٦٠٧).

سنن الترمذي ، كتاب العلم ، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع (١٠ / ١٤٤ ـ ١٤٥).

إن كتب الحديث الأربعة المذكورة بعد مسند أحمد من كتب صحاح الحديث الستة بمدرسة الخلفاء

٢٤٣

مصدرا للتشريع الإسلامي في عداد كتاب الله وسنة رسوله ، وحاشا رسول الله من ذلك.

ج ـ لو كان رسول الله (ص) قد أمر باتّباع سنة الخلفاء الأربعة الراشدين إذا كان قد أمر بالمتناقضين ، لأن فيهم الإمام عليّا ، وقد خالف سنة الخليفتين عمر وعثمان في عمرة التمتع ، وأتى بها وحث عليها ، وعلى هذا كان رسول الله (ص) قد أمر بالعمل بشيء ونهى عن العمل به ، وحاشا رسول الله (ص) من ذلك.

وبسبب كل ما ذكرنا نرى أن هذا الحديث يأتي في مقدمة الأحاديث التي وضعت تأييدا لسياسة الخلفاء الراشدين.

* * *

وبما أن الخلفاء الأوائل إلى زمان معاوية وعبد الله بن الزبير كانوا من أصحاب رسول الله (ص) وهم الذين اختلفوا في اجتهاداتهم وسننهم أشدّ الاختلاف ، فإنه لا يصحّ ما قاله أتباع مدرسة الخلفاء في حقّ الصحابة أنه لا يتطرق الشكّ إلى أحدهم ويصحّ أخذ أحكام الإسلام من جميعهم ، كما مرّ بحثه في بحث عدالة الصحابة من الجزء الأول من هذا الكتاب.

ومن دراسة قصة عمرة التمتع بين عثمان والإمام عليّ اتّضح لنا أن أئمة أهل البيت كانوا يأمرون باتّباع سنة الرسول (ص) ويجاهدون في سبيل ذلك ويأمرون أتباع مدرستهم بذلك ، ومما جرى بين ابن عباس وابن الزبير في هذا الشأن وجدنا مثلا من النزاع والمخاصمة بين مدرسة أهل البيت ومدرسة الخلفاء وأن نزاعهم كان بسبب التزام مدرسة أهل البيت اتباع سنّة الرسول (ص) في مقابل عمل مدرسة الخلفاء باجتهادهم في مقابل سنّة الرسول (ص).

* * *

مما سبق من البحوث أدركنا كيف تكونت مدرستان في الإسلام مدرسة محافظة تعضّ على سنّة الرسول بالنواجذ وترى أنّه ليس لأحد أن يجتهد في مقابل سنّة الرسول (ص) وتجاهد في سبيل ذلك وهي مدرسة أهل البيت ، ومدرسة أخرى مجتهدة ترى أن للخلفاء وذوي السلطة من الصحابة أن يجتهدوا في مقابل سنّة الرسول (ص) وتعض على سننهم بالنواجذ وهي مدرسة الخلفاء.

وبما أن كل تلك المعارك قد جرت بين المدرستين حول سنّة الرسول (ص) فلا بدّ لنا في سبيل تمحيص سنّة الرسول (ص) ومعرفة سبل الوصول إلى الصحيح من سنّة

٢٤٤

الرسول (ص) ـ سيرة وحديثا ـ غير المشوبة باجتهادات المجتهدين ، أن نعقد فصول هذا الكتاب وغيره مما أصدرنا من كتب وبحوث زهاء أربعين سنة والله على ما أقول شاهد ووكيل.

إذا فليعذرنا العاتبون اللائمون.

خلاصة البحث :

في مبحثنا عن موارد اجتهاد الخليفة عمر بحثنا قصّة عمرة التّمتّع فوجدنا العمرة في العصر الجاهلي محرّمة عند قريش في أشهر الحجّ ويرونها من أفجر الفجور ويقولون : إذا انسلخ صفر حلّت العمرة لمن اعتمر. ووجدنا الرسول قد خالفهم فيها واعتمر أربع عمر كلهنّ في أشهر الحجّ ، أمّا عمرة التّمتّع فقد وجدنا الكتاب قد نصّ عليها في قوله تعالى : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ...) وسنّها الرسول في حجّة الوداع فإنّه (ص) مكث تسع سنين بعد الهجرة لم يحجّ وأجمع الخروج إلى الحجّ في ذي القعدة سنة عشر من مهاجره وقد أسلمت جزيرة العرب ومن شاء الله من أهل ، اليمن فأذّن بالحجّ فقدم المدينة بشر كثير يريدون ان يأتمّوا برسول الله ويعملوا بعمله ، وسار من المدينة ومعه أزواجه وأهل بيته وعامّة المهاجرين والأنصار ومن شاء الله من قبائل العرب وأفناء الناس (١) ، وكان معه جموع لا يحصيهم إلّا خالقهم ورازقهم (٢) ، ووافاهم في الطريق خلائق لا يحصون ، فكانوا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله مدّ البصر (٣).

قال جابر (٤) ورسول الله بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به.

ولمّا انتهى إلى وادي العقيق قال لعمر بن الخطّاب : أتاني آت من ربّي ـ وفي رواية أتاني جبرئيل (ع) ـ وقال : قل «عمرة في حجّة ، فقد دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة» وفي عسفان ، قال له سراقة : اقض لنا قضاء قوم كأنّما ولدوا اليوم ، فقال

__________________

(١) ما أوردنا هنا من أمر حج الرسول نقلناه من إمتاع المقريزي ص ٥١٠ ـ ٥١١.

(٢) سيرة ابن سيد الناس ٢ / ٢٧٣.

(٣) زاد المعاد ٢ / ٢١٣ فصل في حجه بعد هجرته قال ابن كثير في تاريخه ٥ / ١٠٩ ـ ١١٠ سميت حجة البلاغ لأنه «ع» بلغ الناس شرع الله في الحج قولا وفعلا ، وسميت حجّة الإسلام لأنّه لم يحج من المدينة غيرها.

(٤) راجع قبله ص ١٩٦.

٢٤٥

«انّ الله تعالى قد أدخل عليكم في حجّكم هذا عمرة ، فإذا قدمتم فمن تطوّف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حلّ إلّا من كان معه هدي. وفي سرف بلّغ ذلك عامة أصحابه فقال: من لم يكن معه هدي فأحبّ أن يجعلها عمرة فليفعل. قالت عائشة : فالآخذ بها والتارك لها من أصحابه ، وكرّر التبليغ بها في بطحاء مكّة وقال «من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها».

قال المؤلّف : يظهر ممّا سبق أنّ النبيّ تدرّج في تبليغهم حكم عمرة التّمتّع فإنّه أخبر في العقيق عمر خاصّة بنزول الوحي عليه يأمره أن يجمع هو بنفسه (ص) بين الحجّ والعمرة ، وفي عسفان بلّغ سراقة أنّ الله أدخل عليهم في حجّهم الّذي هم فيه عمرة وأنّ من تطوّف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حلّ إلّا من كان معه الهدي ، وفي سرف بلّغ عامّة أصحابه بالحكم فالآخذ بها والتارك لها من أصحابه ، ويظهر أنّ التارك لها من أصحابه كانوا من مهاجرة قريش الذين كانوا يرونها في الجاهلية من أفجر الفجور من أجل ذلك تدرّج الرسول في تبليغهم حكم التّمتّع بالعمرة.

حتّى إذا كان بين الصفا والمروة (١) وحان وقت الأداء نزل عليه القضاء فأمر أصحابه ـ وهو في آخر طوافه على المروة ـ من كان منهم أهلّ بالحجّ ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة وقال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولكنّي لبّدت رأسي وسقت هديي ولا يحلّ منّي حرام حتى يبلغ الهدي محلّه. فقام إليه سراقة وقال : اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم ؛ أعمرتنا لعامنا هذا أمّ للأبد؟ فقال «لا : بل للأبد» مرّتين وشبّك أصابعه واحدة في الأخرى وقال : «دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة» مرّتين.

هاهنا قامت قيامة من كان يرى العمرة محرّمة في أشهر الحجّ من أصحابه وتعاظم ذلك عندهم وضاقت به صدورهم فقالوا : يا رسول الله! أيّ الحلّ؟ قال : «الحلّ كلّه» «هذه عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن عنده الهدي فليحلّ الحلّ كلّه فانّ العمرة قد دخلت في الحجّ إلى يوم القيامة» وقال : «أقيموا حلالا حتّى إذا كان يوم التروية فأهلّوا بالحجّ واجعلوا الّتي قدمتم متعة» قالوا : كيف نجعلها متعة وقد سمّينا الحجّ؟! قال «افعلوا ما آمركم به فإنّي لو لا أنّي سقت الهدي لفعلت مثل الّذي أمرتكم به» وقال «أحلّوا وأصيبوا النساء» (٢) ففشت في ذلك القالة وبلغه أنّهم يقولون

__________________

(١) راجع قبله ١٩٥.

(٢) راجع قبله ص ٢٠٦.

٢٤٦

لمّا لم يكن بيننا وبين عرفة إلّا خمس أمرنا أن نحلّ إلى نسائنا فنأتي إلى عرفة تقطر مذاكيرنا ، هكذا ردّوا عليه القول فغضب فانطلق حتى دخل على عائشة غضبان فرأت الغضب في وجهه فقالت : من أغضبك أغضبه الله ـ وفي رواية قالت ـ أدخله الله النار قال : «ما لي لا أغضب وأنا آمر أمرا فلا أتّبع».

ثم قام خطيبا فقال «بلغني أنّ أقواما يقولون كذا وكذا والله لأنّا أبرّ وأتقى لله منهم ـ وفي رواية قال ـ قد علمتم أنّي أتقاكم لله وأصدقكم وأبرّكم ولو لا هديي لحللت» قالوا : يا رسول الله أيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيّا؟ قال «نعم» فأحلّوا ومسّوا الطيب ووطئوا النساء وفعلوا ما يفعل الحلال ، فلمّا كان يوم التروية أهلّوا بالحجّ.

هكذا أطاعوا الله ورسوله بكلّ صعوبة واعتمروا في أشهر الحج عدا أمّ المؤمنين عائشة الّتي حرمت منها لأنّها حاضت فأمرها النبيّ أن تحجّ ، فلمّا طهرت وأتمّت الحجّ أمر أخاها عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم كي لا ترجع بحجّ مفرد ، وتوفّي الرسول واستخلف أبو بكر فأفرد الحجّ ، واستخلف عمر فأفرد ، ورأى بعرفة رجلا مرجلا شعره فاستفهمه فقال قدمت متمتّعا وإنّما أحرمت اليوم فقال عند ذاك لا تتمتّعوا في هذه الأيّام فإنّي لو رخّصت في المتعة لهم لعرسوا بهنّ تحت الأراك ثمّ راحوا بهنّ حجّاجا.

وقال : افصلوا بين حجّكم وعمرتكم اجعلوا الحجّ في أشهر الحجّ واجعلوا العمرة في غير أشهر الحجّ ، أتمّ لحجّكم وعمرتكم. واستشهد على صحة فتواه لمّا سأله أبو موسى ما هذا الذي أحدثت بشأن النسك وقال : إن نأخذ بكتاب الله فإنّ الله قال (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وإن نأخذ بسنّة نبيّنا (ع) فإنّه لم يحلّ حتى نحر الهدي ، ذكر عمر في هذه الأحاديث وغيرها أنّ تمامهما في الفصل بينهما ، وجعل العمرة في غير أشهر الحجّ ، وقال : إنّ النبي لم يحلّ حتّى نحر الهدي ، ولم يجرؤ أبو موسى ولا غيره أن يقول له : إنّ الرسول صرّح غير مرّة بانّه لم يحلّ لأنه ساق الهدي ولا يحلّ حتى ينحر وأنّ التّمتّع بالعمرة في كتاب الله ، عدا ما كان من أمر الإمام عليّ فإنّه قال له : «من تمتّع فقد أخذ بكتاب الله وسنّة نبيّه» ولعلّ عمر اضطرّ بعد هذا الاعتراض إلى أن يجابههم بالواقع ويقول في خطبته : متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ...

ويقول : والله إنّي لأنها كم عن المتعة وإنّها لفي كتاب الله ولقد فعلتها مع رسول الله.

٢٤٧

لعلّ الخليفة صرّح بهذه الأقوال ليمنع سائر الصحابة من متابعة الإمام والرواية عن رسول الله بما يضعف موقفه ، ونرى أنّه قد كشف عن سبب نهيه في قوله : كرهت أن يظلّوا معرّسين بهنّ تحت الأراك ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رءوسهم ، وفي قوله :

إن أهل البيت ـ يعني أهل مكّة ـ ليس لهم ضرع ولا زرع وإنّما ربيعهم في من يطرأ عليهم (١).

إذا فالخليفة القرشي يعيد على عهده نفس الأقوال التي جابهوا الرسول بها لما امتنعوا عن عمرة التّمتّع في حجّة الوداع.

وحقّ القول في هذه الواقعة أنّ الخليفة تأوّل وطلب الخير لذوي أرومته من قريش سكان مكّة حين نهى عن عمرة التّمتّع ، وأراد تمام الحجّ والعمرة حين أمر بفصل الحجّ عن العمرة وإتيان العمرة في غير أشهر الحجّ وإن خالف في ذلك كتاب الله وسنّة نبيّه ، واستنّ بسنّته المسلمون على عهده وأفردوا الحجّ ، وتبعه في ذلك الخليفة القرشيّ عثمان فإنّه قال على عهده أتمّ للحجّ والعمرة أن لا يكونا معا في أشهر الحجّ فلو أخّرتم هذه العمرة حتى تزوروا البيت زورتين كان أفضل ، فعارضه الإمام وقال : أعمدت إلى سنّة سنّها رسول الله تنهى عنها وقد كانت لذي الحاجة ولنائي الدار ثم أهلّ بحجّة وعمرة فأنكر عثمان في هذه المرّة أن يكون قد نهى عنها وقال : إنّما كان رأيا أشرت به.

وفي أخرى قال له الإمام : إنّك تنهى عن التّمتّع؟ قال : بلى! قال : ألم تسمع رسول الله تمتّع قال : بلى ، فلبّى عليّ وأصحابه بالعمرة.

وفي أخرى قال : لقد علمت إنّا تمتعنا مع رسول الله فقال : أجل ولكنّا كنّا خائفين.

وفي أخرى قال له : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله تنهى عنه فقال عثمان دعنا منك ، قال : لا أستطيع أن أدعك منّي. فلمّا رأى عليّ ذلك أهلّ بهما جميعا.

وفي أخرى لمّا رأى الإمام عثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، أهل بهما : لبّيك بعمرة وحجّة معا فقال عثمان : أتفعلها وأنا أنهى عنها؟ فقال عليّ : لم أكن لأدع سنّة رسول الله لقول أحد من الناس.

وتشدّد الخليفة على من لم يكن في منزلة الإمام ، وأمر بمن لبّى منهم بالعمرة في أشهر الحجّ أن يضرب ويحلق!

__________________

(١) وبالتعليل الذي ذكرناه يرتفع ما يظهر من تناقض في ما روي عنه من التعليل.

٢٤٨

وعلى عهد معاوية ، قال سعد لمعاوية : إنّ عمرة التّمتّع حسنة جميلة. فقال معاوية : إنّ عمر كان ينهى عنها.

وقال قائد جلاوزة معاوية : لا يفعل ذلك إلّا من جهل أمر الله ، واستشهد بنهي عمر عنها.

ووضع معاوية رواية عن لسان النبيّ (ص) أنّه نهى أن يقرن بين الحجّ والعمرة واستنشد الصحابة فأنكروا عليه فأصرّ عليها.

ويبدو أنّ الإرهاب كان شديدا على عهد معاوية فإنّ الصحابي عمران بن حصين كتم أنفاسه حتّى إذا كان في مرض موته أسرّ إلى من ائتمنه بعد أن أخذ عليه العهد أن يكتم عليه إن عاش ، وأخبره بأنّ الرسول جمع بين الحجّ والعمرة ثم لم ينه عنها ولم ينزل كتاب ينسخها حتّى إذا توفي (ص) قال فيها رجل برأيه ما شاء أن يقول.

* * *

يوضح مجموع ما أوردناه عن هذا العهد أنّه امتاز على ما سبقه من العهود بأمرين :

أوّلهما بأنّهم اتّخذوا سنّة عمر دينا يدينون به وأنّهم أعلنوا ذلك فإنّ جلواز معاوية الضحّاك يقول «لا يفعل ذلك إلا من جهل أمر الله» واستشهد هو ومعاوية بنهي عمر عنها في مقابل استشهاد سعد بفعل رسول الله إيّاها.

ثانيهما : بوضع الحديث عن لسان رسول الله في ما يؤيّد سنّة عمر. وبعد عهد معاوية استمرّ أتباع مدرسة الخلفاء على الأمرين مثل ما فعله ابنا الزبير بمكّة فإنّهما نهيا عن عمرة التّمتّع واستشهدا بنهي أبي بكر وعمر عنها في مقابل ابن عبّاس من أتباع مدرسة الأئمّة الذي كان يأمر بها ، ولمّا قالوا له : حتّى متى تضلّل الناس وتأمر بالعمرة في أشهر الحجّ وقد نهى عنها أبو بكر وعمر؟ قال ابن عبّاس : أراهم سيهلكون ، أقول : قال النبيّ ، ويقولون : نهى أبو بكر وعمر ، وتجري بين الطرفين خصومة شديدة وسباب ، ويضع عروة حديثا يكذب فيه على رسول الله ومن صحبه ويقول : إنّهم أفردوا الحجّ أبدا في حجة الوداع وغيرها ، ويستشهد بأمّه وخالته ، غير أنهما تقولان : اعتمرنا في حجّة الوداع ، ويضع أتباع مدرسة الخلفاء بعد هذا العه د ـ أيضا ـ أحاديث على رسول الله وعلى عليّ بن أبي طالب أنّهما أفردا الحجّ وأمرا بإفراده وعلى أبي ذر انّه قال : إنّ عمرة التّمتّع كانت لنا أصحاب رسول الله خاصّة ، إلى غير ذلك من الحديث الموضوع بإتقان عجيب

٢٤٩

في صنعة الوضع والافتراء ، فإنّهم مثلا يروون عن أبي ذر وهو في الربذة ، وعن الإمام علي وهو ينصح ابنه محمّدا ، وعن واحد من أصحاب النبيّ بأنّه أخبر عمر بنهي النبيّ عنها وهو في مرض موته ، ولكن مع كلّ هذا الجهد تعلّقت قلوب الناس بعمرة التمتع كما قيل ذلك لابن عبّاس ولم يكن سببه عدم اتباعهم لسنّة عمر ، بل كان سببه عدم تمكنهم من إطاعته فيها ، فإنّه لم يكن بمقدور المسلمين أن يشدّوا الرحال من أقاصي البلاد الإسلاميّة مرّتين ، مرّة للعمرة في غير أشهر الحجّ ، وأخرى للحجّ في أشهر الحجّ مثل الخراساني الّذي استفتى الحسن البصري في مكّة وقال : إنّي رجل بعيد الشقّة ... والآخر الّذي سأل مجاهدا وقال : هذا أوّل ما حججت فلا تشايعني نفسي ، فأيّ ذلك ترى أتمّ ، أن أمكث كما أنا أو أجعلها عمرة؟ (١)

لم يكن مسكن أمثال هؤلاء في الحجاز ليستطيعوا المجيء من بيوتهم إلى مكة مرّتين كما كان يأمر به عمر وعثمان وأتباعهم. وما ذا يصنع الذي قد يتاح له المجيء إلى الحجّ مرّة واحدة في حياته؟ وكيف يعمل مثل هذا بسنّة عمر؟ وقديما قيل : إذا أردت ألّا تطاع فاطلب ما لا يستطاع. من أجل هذا اضطر المسلمون إلى أن يتركوا من سنّة عمر ما لم يتمكّنوا من فعله وهو إفراد الحجّ من العمرة ، وأخذ بعضهم منها ما أمكنه فعله وهو عدم الإحلال بين العمرة والحجّ ، وبعضهم ترك سنّة عمر بالمرّة مثل أتباع مدرسة أحمد إمام الحنابلة.

على أنّ المسلمين في كلّ تلك القرون لم يألوا جهدا في تبرير فعل الخلفاء ، من روايتهم الحديث عن النبيّ وآله وأصحابه في تأييد رأي الخلفاء ، إلى تأييد فعلهم بما يستطاع قوله ، مثل قولهم : إنّ الخلفاء ضربوا وحلقوا للترغيب لأنّهم رأوا الإفراد أفضل! إلى تسمية فعل الخلفاء بالاجتهاد وأنّ المسألة اجتهادية وأنّ الخليفة اجتهد في هذه المسألة! إذا فقد قال الله ، وقال رسوله ، واجتهد عمر واتّخذ من اجتهاده حكما من أحكام الشرع الإسلامي!!!

__________________

(١) المحلى ٧ / ١٠٣.

٢٥٠

مثال وعبرة

لقد عمل بعمرة التمتع ـ بعد مشاكسة وممانعة ـ ما ينوف على سبعين ألفا إلى مائة ألف أو أكثر ممن كانوا مع رسول الله (ص) في حجّة الوداع ، أي إنّ هذه السنّة النبويّة رواها عن رسول الله (ص) هذا العدد الكثير رواية من شاهدها بالعيان وعمل بالأركان ، ومع ذلك استطاع الخليفة الصحابي عمر بن الخطاب أن ينهى المسلمين عنها ويعاقب عليها.

وكان من تأييد المسلمين ـ صحابة وتابعين ـ له فيها في رواية روايات عن رسول (ص) أنّه نهى عنها إلى غير ذلك مما شاهدناه ، في هذه القصة ، مثال لغيرها من موارد اجتهادهم في مقابل نصوص الكتاب والسنّة ، وطاعة المسلمين لهم فيها صحابة وتابعين إلى غيرهم ، وعبرة لنا نعرف منها أنّه ليس بغريب منهم مخالفتهم الرسول (ص) في ما نصّ بحقّ الإمام عليّ (ع) في الحكم يوم الغدير في تلك السفرة وفي أحاديث أخرى نظيره ، فإنّ الداعي للعمل باجتهادهم في قضية الإمرة والحكم أقوى من دواعيهم إلى تغيير سنّة عمرة التمتع ، فاعتبروا بها يا أولي الألباب!!!

٢٥١

«ب»

متعة النّساء

تواتر عن الخليفة عمر قوله : متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، متعة الحجّ ومتعة النساء (١) وسبق البحث في متعة الحجّ وكيفية اجتهاده في النهي عنها ، وفي ما يلي نبحث متعة النساء وسبب تحريمه إيّاها واجتهاده فيها ، بدء بإيراد تعريفها من مصادر مدرسة الخلفاء ثمّ من فقه مدرسة أهل البيت ثمّ نبحثها في الكتاب والسنة بحوله تعالى.

نكاح المتعة في مصادر مدرسة الخلفاء :

في تفسير القرطبي : لم يختلف العلماء من السلف والخلف في أنّ المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه ، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق. وقال ابن عطيّة : وكانت المتعة أن يتزوّج الرجل المرأة بشاهدين وإذن الوليّ إلى أجل مسمّى ، وعلى أن لا ميراث بينهما ، ويعطيها ما اتّفقا عليه ، فإذا انقضت المدّة فليس عليها سبيل وتستبرئ رحمها ، لأنّ الولد لا حقّ فيه بلا شكّ ، فإن لم تحمل حلّت لغيره (٢).

وفي صحيح البخاري عن رسول الله (ص). «أيّما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فإن أحبّا أن يتزايدا أو يتتاركا» (٣).

__________________

(١) أوردنا في أول بحث متعة الحج بعض مصادر هذا الخبر ونضيف إليها هنا ما يلي :

تفسير القرطبي ٢ / ٣٨٨ ، وتفسير الفخر الرازي ٢ / ١٦٧ و ٣ / ٢٠١ و ٢٠٢ ، وكنز العمال ٨ / ٢٩٣ و ٢٩٤ ، والبيان والتبيين للجاحظ ٢ / ٢٢٣.

(٢) تفسير القرطبي ٥ / ١٣٢.

(٣) صحيح البخاري ٣ / ١٦٤ باب نهى رسول الله عن نكاح المتعة أخيرا.

٢٥٢

وفي المصنف لعبد الرزاق عن جابر قال : إذا انقضى الأجل فبدا لهما أن يتعادوا فليمهرها مهر آخر ، فسئل كم تعتدّ؟ قال : حيضة واحدة ، كنّ يعتددنها للمستمتع منهنّ(١).

وفي تفسير القرطبي عن ابن عباس قال : عدّتها حيضة ، وقال : لا يتوارثان (٢).

وفي تفسير الطبري ، عن السّدي (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) إلى أجل مسمّى (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) النساء / ٢٤ فهذه المتعة ، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمّى ويشهد شاهدين وينكح بإذن وليّها وإذا انقضت المدّة فليس له عليها سبيل وهي منه بريّة وعليها أن تستبرئ ما في رحمها وليس بينهما ميراث ، ليس يرث واحد منهما صاحبه (٣).

وفي تفسير الكشّاف للزمخشري : وقيل : نزلت في المتعة الّتي كانت ثلاثة أيّام حتّى فتح الله مكّة على رسوله عليه الصلاة والسلام ثمّ نسخت ، كان الرجل ينكح المرأة وقتا معلوما ليلة أو ليلتين أو أسبوعا بثوب أو غير ذلك ويقضي منها وطره ثمّ يسرحها ، سمّيت متعة لاستمتاعه بها أو لتمتيعه لها بما يعطيها ... (٤).

* * *

هكذا ورد تعريف متعة النساء أو نكاح المتعة في مصادر مدرسة الخلفاء ، وورد تعريفها في فقه مدرسة أهل البيت (ع) كما يأتي :

نكاح المتعة في فقه مدرسة أهل البيت (ع):

نكاح المتعة أو متعة النساء : أن تزوج المرأة نفسها أو يزوجها وكيلها أو وليها إن كانت صغيرة لرجل تحلّ له ، ولا يكون هناك مانع شرعا من نسب أو سبب أو رضاع أو عدّة أو إحصان ، بمهر معلوم إلى أجل مسمّى. وتبين عنه بانقضاء الأجل أو أن يهب الرجل ما بقي من المدة ، وتعتد المرأة بعد المباينة مع الدخول وعدم بلوغها سن اليأس بقرأين إذا كانت ممّن تحيض ، وإلّا فبخمسة وأربعين يوما. وإن لم يمسسها فهي كالمطلقة قبل الدخول لا عدّة عليها.

__________________

(١) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٤٩٩ باب المتعة.

(٢) تفسير القرطبي ٥ / ١٣٢ ، والنيسابوري ٥ / ١٧.

(٣) تفسير الطبري ٥ / ٩ ..

(٤) تفسير الكشاف ١ / ٥١٩.

٢٥٣

وشأن المولود من الزواج الموقّت شأن المولود من الزواج الدائم في جميع أحكامه (١).

نكاح المتعة في كتاب الله :

قال الله سبحانه : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) النساء / ٢٤.

١ ـ روى عبد الرزاق في مصنّفه عن عطاء : إنّ ابن عباس كان يقرأ : «فما استمتعتم به منهنّ ـ إلى أجل ـ فآتوهنّ أجورهنّ» (٢).

٢ ـ في تفسير الطبري عن حبيب بن أبي ثابت قال : أعطاني ابن عبّاس مصحفا فقال : هذا على قراءة أبيّ قال : وفيه فما استمتعتم به منهنّ ـ إلى أجل مسمّى (٣).

٣ ـ في تفسير الطبري عن أبي نضرة بطريقين ، قال : سألت ابن عبّاس عن متعة النساء ، قال : أما تقرأ سورة النساء قال : قلت : بلى. قال : فما تقرأ فيها «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى»؟ قلت : لو قرأتها كذلك ما سألتك قال : فإنّها كذلك.

٤ ـ عن أبي نضرة قال : قرأت هذه الآية على ابن عبّاس «فما استمتعتم به منهنّ» قال ابن عباس «إلى أجل مسمى» قال : قلت : ما أقرؤها كذلك. قال : والله لأنزلها الله كذلك. ثلاث مرّات.

٥ ـ عن عمير وأبي إسحاق أنّ ابن عبّاس قرأ : «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى».

٦ ـ عن مجاهد «فما استمتعتم به منهنّ» قال : يعني نكاح المتعة.

٧ ـ عن عمرو بن مرّة ، أنّه سمع سعيد بن جبير يقرأ : «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى».

٨ ـ عن قتادة قال : في قراءة أبيّ بن كعب : «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى».

__________________

(١) راجع أحكام نكاح المتعة في الفقه الإمامي مثل : شرح اللمعة الدمشقية وشرايع الإسلام وغيرهما.

(٢) المصنف ٧ / ٤٩٧ و ٤٩٨ باب المتعة ، تأليف عبد الرزاق بن همام الصنعاني مولى حمير ، (١٢٦ ـ ٢١١ ه‍) ط. ١٣٩٠ ـ ١٣٩٢ ه‍ من منشورات المجمع العلمي ببيروت ـ أخرج حديثه أصحاب الصحاح الستة راجع ترجمته في الجمع بين رجال الصحيحين وتقريب التهذيب. وراجع بداية المجتهد لابن رشد ٢ / ٦٣.

(٣) في تفسير الآية بتفسير الطبري ٥ / ٩.

٢٥٤

٩ ـ عن شعبة عن الحكم قال سألته عن هذه الآية أمنسوخة هي؟ قال : لا. أخرجنا الأحاديث (٢ ـ ٩) من تفسير الطبرى وأوجزنا بعضها.

١٠ ـ وفي أحكام القرآن للجصّاص أيضا وردت رواية أبي نضرة وأبي ثابت عن ابن عبّاس وحديث قراءة أبيّ بن كعب (١).

١١ ـ روى البيهقي في سننه الكبرى عن محمّد بن كعب أنّ ابن عباس قال : كانت المتعة في أوّل الإسلام وكانوا يقرءون هذه الآية «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى»(٢).

١٢ ـ وفي شرح النووى علي صحيح مسلم : وفي قراءة ابن مسعود فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل ... (٣)

١٣ ـ وفي تفسير الزمخشري : وقيل نزلت في المتعة التي كانت ثلاثة أيّام ... وقال : سمّيت متعة لاستمتاعه بها. وقال : وعن ابن عبّاس هي محكمة يعني لم تنسخ ، وكان يقرأ «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى» (٤).

١٤ ـ قال القرطبي : وقال الجمهور : المراد نكاح المتعة الّذي كان في صدر الإسلام ، وقرأ ابن عباس وأبيّ وابن جبير «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهنّ أجورهنّ» (٥).

١٥ ـ وفي تفسير ابن كثير : وكان ابن عبّاس وأبيّ بن كعب وسعيد بن جبير والسدّي يقرءون «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى فآتوهنّ أجورهن فريضة» وقال مجاهد : نزلت في نكاح المتعة (٦).

١٦ ـ وفي تفسير السيوطي حديث أبي ثابت وأبي نضرة ورواية قتادة وسعيد ابن جبير عن قراءة أبيّ ، وحديث مجاهد والسديّ ، وعطاء عن ابن عباس ، وحديث الحكم أن الآية غير منسوخة ، وعن عطاء عن ابن عبّاس أنّه قال : وهي الّتي في سورة النساء : فما استمتعتم به منهنّ إلى كذا وكذا من الأجل على كذا وكذا قال : وليس بينهما

__________________

(١) أحكام القرآن ٢ / ١٤٧.

(٢) سنن البيهقي ٧ / ٢٠٥.

(٣) شرح النووي على صحيح مسلم ٩ / ١٧٩.

(٤) الكشاف للزمخشري ١ / ٥١٩.

(٥) تفسير القرطبي ٥ / ١٣٠.

(٦) تفسير ابن كثير ١ / ٤٧٤.

٢٥٥

وراثة فإن بدا لهما أن يتراضيا بعد الأجل فنعم ، وإن تفرّقا فنعم ... (١)

قال المؤلف : كلّ هؤلاء المفسّرين وغيرهم (٢) أوردوا ما ذكرناه في تفسير الآية ونرى أنّ ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وغيرهم ممّن نقل عنهم أنهم كانوا يقرءون «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى» كانوا يقرءون إلى أجل مسمّى على سبيل التفسير ويشهد على ذلك ما ورد في الرواية الأخيرة عن ابن عبّاس أنّه قال : «فما استمتعتم به منهنّ إلى كذا وكذا من الأجل على كذا وكذا.»

وإنّ أبيّا مثلا قصد أنّه سمع هذا التفسير من رسول الله أي أنّ رسول الله لما قال «إلى أجل مسمّى» فسّر الآية بهذه الجملة.

نكاح المتعة في السنة :

في باب نكاح المتعة من صحيحي مسلم والبخاري ، ومصنّفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة ومسند أحمد وسنن البيهقي وغيرها عن عبد الله بن مسعود ، قال : كنّا نغز ومع رسول الله (ص) ليس لنا نساء. فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى اجل ، ثمّ قرأ عبد الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) المائدة ـ ٨٧ (٣).

في صحيحي البخاري ومسلم ومصنف عبد الرزاق واللفظ لمسلم عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا : خرج علينا منادي رسول الله (ص) فقال : إنّ رسول الله قد أذن لكم ان تستمتعوا ، يعني متعة النساء (٤).

__________________

(١) الدر المنثور للسيوطي ٢ / ١٤٠ ـ ١٤١ ، وما ورد عن عطاء في المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٤٩٧ ، وراجع بداية المجتهد لابن رشد ٢ / ٦٣.

(٢) مثل القاضي أبي بكر الاندلسي (ت ٥٤٢ ه‍) في أحكام القرآن ١ / ١٦٢ والبغوي الشافعي (ت ٥١٠ أو ٥١٦ ه‍) في تفسيره بهامش الخازن ١ / ٤٢٣ ، والآلوسي (ت ١٢٧٠ ه‍) في ٥ / ٥ من تفسيره.

(٣) صحيح مسلم ، كتاب النكاح ح ١٤٠٤ ص ١٠٢٢ بأسانيد متعددة ، وفي صحيح البخاري ٣ / ٨٥ بتفسير سورة المائدة ، باب قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) ، وفي كتاب النكاح منه ٣ / ١٥٩ باب ما يكره من التبتل ، باختلاف يسير في اللفظ ، وفي مصنف عبد الرزاق ٧ / ٥٠٦ مع إضافة إلى آخر الحديث ، وفي مصنف ابن أبي شيبة ٤ / ٢٩٤ ، وفي مسند أحمد ١ / ٤٢٠ ، وقال بهامشه «وكان ابن مسعود يأخذ بهذا ويرى أنّ نكاح المتعة حلال ، وفي ٤٣٢ منه باختصار ، وفي سنن البيهقي ٧ / ٢٠٠ و ٢٠١ و ٢٠١ وعلق على الحديث ، وفي تفسير ابن كثير ٢ / ٨٧.

(٤) صحيح مسلم ص ١٠٢٢ ح ١٤٠٥ ، وفي البخاري ٣ / ١٦٤ باب نهي رسول الله عن نكاح المتعة ـ

٢٥٦

في صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن البيهقي عن سبرة الجهني قال : أذن لنا رسول الله (ص) بالمتعة. فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر. كأنّها بكرة عيطاء فعرضنا عليها أنفسنا. فقالت : ما تعطي؟ فقلت : ردائي. وقال صاحبي ردائي. وكان رداء صاحبي أجود من ردائي. وكنت أشبّ منه. فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها. وإذا نظرت إليّ أعجبتها. ثمّ قالت : أنت ورداؤك يكفيني. فمكثت معها ثلاثا. ثمّ إنّ رسول الله (ص) قال «من كان عنده شيء من هذه النساء الّتي يتمتع ، فليخلّ سبيلها» (١).

في مسند الطيالسي عن مسلم القرشي قال : دخلنا على أسماء بنت أبي بكر فسألناها عن متعة النساء فقالت : فعلناها على عهد النبي (ص) (٢).

في مسند أحمد وغيره عن أبي سعيد الخدري ، قال : كنّا نتمتّع على عهد رسول الله (ص) بالثوب (٣).

وفي مصنف عبد الرزّاق : لقد كان أحدنا يستمتع بملء القدح سويقا (٤).

وفي صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما واللفظ للأوّل قال عطاء : قدم جابر بن عبد الله معتمرا. فجئناه في منزله. فسأله القوم عن أشياء. ثمّ ذكروا المتعة. فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر (٥).

وفي لفظ أحمد بعده : «حتّى إذا كان في آخر خلافة عمر.»

وفي بداية المجتهد : ونصفا من خلافة عمر ثم نهى عنها عمر الناس (٦).

__________________

ـ آخرا ولفظه : كنا في جيش فأتانا رسول رسول الله ... ، وكذلك لفظ أحمد في مسنده ج ٤ / ٥١ وفي ٤٧ منه باختصار ، وفي المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٤٩٨ باختلاف يسير.

(١) صحيح مسلم ، كتاب النكاح ، ح ١٤٠٦ ص ١٠٢٤ ، وسنن البيهقي ٧ / ٢٠٢ و ٢٠٣ ، ومسند أحمد ٣ / ٤٠٥ وبعده قال : ففارقتها. والبكرة الفتية من الإبل أي الشابة القوية ، والعيطاء الطويلة العنق في اعتدال وحسن قوام.

(٢) الطيالسي ، ح ١٦٣٧.

(٣) مسند أحمد ج ٣ / ٢٢ ، وفي مجمع الزوائد ٤ / ٢٦٤ رواه أحمد والبزار.

(٤) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٤٥٨.

(٥) صحيح مسلم ، كتاب النكاح ، ح ١٤٠٥ ص ١٠٢٣ ، وبشرح النووي ٩ / ١٨٣ ، ومسند أحمد ٣ / ٣٨٠ ورجال أحمد رجال الصحيح ، وأبو داود في باب الصداق : تمتعنا على عهد رسول الله وأبي بكر ونصفا من خلافة عمر ثم نهى عنها عمر ، وراجع عمدة القاري للعيني ٨ / ٣١٠.

(٦) بداية المجتهد لابن رشد ٢ / ٦٣.

٢٥٧

سبب نهي عمر عن المتعة

في صحيح مسلم ، والمصنف لعبد الرزاق ، ومسند أحمد ، وسنن البيهقي ، وغيرها واللفظ لمسلم عن جابر بن عبد الله قال : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق ، الأيّام ، على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر ، حتى نهى عنه عمر ، في شأن عمرو بن حريث(١).

وفي لفظ المصنف لعبد الرزاق عن عطاء عن جابر : استمتعنا على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر حتّى اذا كان في آخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حريث بامرأة ـ سمّاها جابر فنسيتها ـ فحملت المرأة فبلغ ذلك عمر فدعاها فسألها ، فقالت : نعم. قال : من أشهد؟ قال عطاء : لا أدري قالت : أمّي ، أم وليّها ، قال : فهلّا غيرهما ، قال : خشي أن يكون دغلا ... (٢)

وفي رواية اخرى قال جابر : قدم عمرو بن حريث من الكوفة فاستمتع بمولاة فأتي بها عمرو هي حبلى فسألها ، فقالت : استمتع بي عمرو بن حريث ، فسأله فأخبره بذلك أمرا ظاهرا ، قال : فهلّا غيرها ، فذلك حين نهى عنها (٣).

وفي أخرى عن محمّد بن الأسود بن خلف : إنّ عمرو بن حوشب استمتع بجارية بكر من بني عامر بن لؤي : فحملت ، فذكر ذلك لعمر فسألها ، فقالت : استمتع منها عمرو بن حوشب ، فسأله فاعترف ، فقال عمر : من أشهدت؟ قال ـ لا أدري أقال : أمّها أو أختها أو أخاها وأمها ، فقام عمر على المنبر ، فقال : ما بال رجال يعملون بالمتعة ولا يشهدون عدولا ولم يبيّنها إلّا حددته ، قال : أخبرني هذا القول عن عمر من كان تحت منبره ، سمعه حين يقوله ، قال : فتلقاه الناس منه (٤).

وفي كنز العمّال : عن أمّ عبد الله ابنة أبي خيثمة أنّ رجلا قدم من الشام فنزل عليها فقال : انّ العزبة قد اشتدّت عليّ فابغيني امرأة أتمتّع معها قالت : فدللته على

__________________

(١) صحيح مسلم ، باب نكاح المتعة ، ح ١٤٠٥ ص ١٠٢٣ ، وبشرح النووي ٩ / ١٨٣. والمصنف لعبد الرزاق ٧ / ٥٠٠ ، وفي لفظه «أيام عهد النبي» ، وسنن البيهقي ٧ / ٢٣٧ باب ما يجوز أن يكون مهرا ، ومسند أحمد ٣ / ٣٠٤ ، وفي لفظه حتى نهانا عمر اخيرا ... ، وأورده موجزا صاحب تهذيب التهذيب بترجمة موسى بن مسلم ١٠ / ٣٧١ ، وفتح الباري ١١ / ٧٦ ، وزاد المعاد لابن القيم ١ / ٢٠٥ ، وراجع كنز العمال ٨ / ٢٩٣.

(٢) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٤٩٦ ـ ٤٩٧ باب المتعة.

(٣) المصنّف لعبد الرزاق ٧ / ٥٠٠ ، وفتح الباري ١١ / ٧٦ وفي لفظه : فسأله فاعترف قال : فذلك حين.

(٤) المصنّف لعبد الرزاق ٧ / ٥٠٠ ـ ٥٠١ وأرى عمرو بن حوشب تحريفا والصواب عمرو بن حريث. وكذلك سقط من الكلام بعد لا يشهدون : عدولا.

٢٥٨

امرأة فشارطها وأشهدوا على ذلك عدولا فمكث معها ما شاء الله أن يمكث ثمّ إنّه خرج ، فأخبر بذلك عمر بن الخطّاب ؛ فأرسل إليّ فسألني أحقّ ما حدّثت؟ قلت : نعم ، قال : فإذا قدم فآذنينى به ، فلمّا قدم أخبرته فأرسل إليه ، فقال : ما حملك على الّذي فعلته؟ قال : فعلته مع رسول الله (ص) ثمّ لم ينهنا عنه حتّى قبضه الله ، ثمّ مع أبي بكر فلم ينهنا حتّى قبضه الله ، ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهيا ، فقال عمر : أما والّذي نفسي بيده لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك ، بيّنوا (١) حتّى يعرف النكاح من السفاح (٢).

وفي مصنف عبد الرزّاق : عن عروة : إنّ ربيعة بن أميّة بن خلف تزوّج مولّدة من مولّدات المدينة بشهادة امرأتين إحداهما خولة بنت حكيم ، وكانت امرأة صالحة ، فلم يفجأهم إلا الوليدة قد حملت ، فذكرت ذلك خولة لعمر بن الخطاب ، فقام يجرّ صنفة ردائه (٣) من الغضب حتى صعد المنبر ، فقال : إنّه بلغني أنّ ربيعة بن أميّة تزوّج مولّدة من مولّدات المدينة بشهادة امرأتين ، وإنّي لو كنت تقدّمت في هذا لرجمت (٤).

وفي موطّأ مالك ، وسنن البيهقي ، واللفظ للأوّل : إنّ خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطّاب. فقالت : إنّ ربيعة بن أميّة استمتع بامرأة فحملت منه ، فخرج عمر يجرّ رداءه ، فقال : هذه المتعة. ولو كنت تقدّمت فيها لرجمت (٥).

وفي الإصابة : إنّ سلمة بن أميّة استمتع من سلمى مولاة حكيم بن أميّة بن الأوقص الأسلمي فولدت له فجحد ولدها فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة (٦).

وفي المصنف لعبد الرزاق ، عن ابن عباس قال : لم يرع أمير المؤمنين إلّا أمّ أراكة قد خرجت حبلى ، فسألها عمر عن حملها ، فقالت : استمتع بي سلمة بن أميّة بن خلف ...(٧)

__________________

(١) لعل الصواب «بتوا».

(٢) كنز العمال ٨ / ٢٩٤ ط. دائرة المعارف حيدرآباد دكن سنة ١٣١٢. وط الثانية ٢٢ / ٩٥.

(٣) صنفة ردائه ، صنفة الإزار بكسر النون : طرفه ـ نهاية اللغة.

(٤) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٥٠٣ ، وراجع مسند الشافعي ص ١٣٢ ، وترجمة ربيعة بن اميّة من الإصابة ١ / ٥١٤.

(٥) موطأ مالك ص ٥٤٢ ح ٤٢ باب نكاح المتعة ، وسنن البيهقي ٧ / ٢٠٦ وفي لفظه : لرجمته ، وراجع كتاب الأمّ للشافعي ٧ / ٢١٩ ، وتفسير السيوطي ٢ / ١٤١.

(٦) ترجمة سلمى غير منسوبة من الإصابة ج ٤ / ٣٢٤ وترجمة سلمة من الإصابة ج ٢ / ٦١.

(٧) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٤٩٩.

٢٥٩

وفي المصنّف لابن أبي شيبة عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال : قال عمر : لو أتيت برجل تمتّع بامرأة لرجمته إن كان احصن فإن لم يكن احصن ضربته (١).

* * *

في الروايات السابقة وجدنا الصحابة يقولون : إنّ آية (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) وردت في نكاح المتعة ، وأنّ رسول الله أمر به ، وأنّهم كانوا يستمتعون بالمرأة بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله وأبي بكر ونصف من خلافة عمر حتّى نهى عنها في شأن عمرو بن حريث ، ووجدنا نكاح المتعة متفشيا على عهد عمر قبل أن ينهى عنه ، ولعلّه تدرّج في تحريمه بدءا بالتشديد في أمر شهود نكاح المتعة وطلب أن يشهده عدول المؤمنين كما يظهر ذلك من بعض الروايات السابقة ، ثمّ نهيه عنه بتاتا حتى قال لو تقدّمت في نهى لرجمت ، وبعد هذا أصبح نكاح المتعة محرّما في المجتمع الإسلامى ، وبقي الخليفة مصرّا على رأيه إلى آخر عهده لم يؤثر فيه نصح الناصحين. فقد روى الطبري في سيرة عمر عن عمران بن سوادة أنّه استأذن ودخل دار الخليفة ثمّ قال : نصيحة :

فقال : مرحبا بالناصح غدوّا وعشيّا.

قال : عابت أمتك منك أربعا.

قال : فوضع رأس درّته في ذقنه ووضع أسفلها على فخذه ، ثم قال : هات :

قال : ذكروا أنّك حرّمت العمرة في أشهر الحجّ ولم يفعل ذلك رسول الله ولا أبو بكر (رض) وهي حلال.

قال : هي حلال ، لو أنّهم اعتمروا في أشهر الحجّ رأوها مجزية من حجّهم فكانت قائبة قوب عامها فقرع حجّهم وهو بهاء من بهاء الله وقد أصبت.

قال : ذكروا انّك حرّمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث.

قال : إن رسول الله (ص) أحلّها في زمان ضرورة ثمّ رجع الناس إلى سعة ثمّ لم أعلم أحدا من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها ، فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد أصبت ... (٢)

* * *

__________________

(١) المصنف لابن أبي شيبه ٤ / ٢٩٣.

(٢) الطبري ج ٥ / ٣٢ في باب شيء من سيره مما لم يمض ذكرها من حوادث سنة ٢٣ والقائبة : البيضة ـ

٢٦٠