معالم المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٤

وفي رواية اخرى قال : هو لنا أهل البيت ، وقد كان عمر دعانا إلى أن ينكح منه أيّمنا ويحذي منه عائلنا ويقضي منه عن غارمنا ، فأبينا إلّا أن يسلّمه لنا وأبى ذلك فتركناه عليه(١).

وفي رواية اخرى عن ابن عباس قال : كان عمر يعطينا من الخمس نحوا ممّا كان يرى أنّه لنا فرغبنا عن ذلك وقلنا : حقّ ذوي القربى خمس الخمس. فقال عمر : إنّما جعل الله الخمس لأصناف سمّاها. فأسعدهم بها أكثرهم عددا وأشدّهم فاقة.

قال : «فأخذ ذلك منّا ناس وتركه ناس» (٢).

وكذلك روي عن الإمام علي كما رواه البيهقي في سننه عن عبد الرحمن بن أبي يعلى قال : لقيت عليّا عند أحجار الزيت ، فقلت له : بأبي وأمّي ما فعل أبو بكر وعمر في حقّكم أهل البيت من الخمس ـ إلى قول علي ـ إنّ عمر قال : لكم حقّ ولا يبلغ علمي إذا كثر أن يكون لكم كلّه ، فإن شئتم أعطيتكم منه بقدر ما أرى لكم. فأبينا عليه إلّا كلّه ، فأبى أن يعطينا كلّه (٣).

ويظهر أنّ ما تذكره بعض الروايات ـ من أنّ الخليفة عمر دفع إلى عمّ النبيّ العبّاس والإمام عليّ بعض تركة النبيّ في المدينة ليتوّليا أمرها ـ كان في هذا العصر (٤).

ب ـ على عهد الخليفة عثمان

أعطى عثمان خمس فتوح إفريقيا مرّة لعبد الله بن سعد بن أبي سرح (٥) ، واخرى لمروان بن الحكم.

قال ابن الأثير في تاريخه : أعطى عبد الله خمس الغزوة الأولى ، وأعطى مروان خمس الغزوة الثانية الّتي افتتحت فيها جميع افريقيا (٦).

__________________

ـ البيهقي ٦ / ٣٤٤ و ٣٤٥.

(١) الخراج لأبي يوسف ص ٢٣ و ٢٤ بلفظ آخر ، ومغازي الواقدي ص ٦٩٧ ، والأموال لأبي عبيد ص ٣٣٣ ، وسنن النسائي ٢ / ١٧٨ ، وأحكام القرآن للجصاص ٣ / ٦٣ ، وبترجمة نجدة بلسان الميزان ، ٦ / ١٤٨.

(٢) الأموال ص ٣٣٥ ، وكنز العمال ٢ / ٣٠٥.

(٣) البيهقي ج ٦ / ٣٤٤ باب سهم ذي القربى ، ومسند الشافعي ص ١٨٧ باب قسم الفيء.

(٤) صحيح البخاري ج ٢ / ١٢٥ وج ٣ / ٣٨ كتاب المغازي باب غزوة خيبر ، وسنن أبي داود ج ٣ / ٤٧ كتاب الخراج في صفا يا رسول الله من الأموال ، ومسند أحمد ١ / ٦ ، وطبقات ابن سعد ٨ / ٢٨ ، ومنتخب الكنز ٣ / ١٢٨ باب ما يتعلق بميراثه.

(٥) راجع تاريخ الذهبي ج ٢ / ٧٩ ـ ٨٠.

(٦) تاريخ ابن الاثير ٣ / ٧١ ط. اروبا وط. مصر الأولى ٣ / ٣٥.

١٦١

وقال ابن أبي الحديد : أعطى عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح إفريقية بالمغرب وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين(١).

وقال الطبري : «لمّا وجّه عثمان عبد الله بن سعد إلى افريقية كان الّذي صالحهم عليه بطريق إفريقية جرجير ألفي ألف وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار».

وقال : «وكان الّذي صالحهم عليه عبد الله بن سعد ثلاثمائة قنطار ذهب. فأمر بها عثمان لآل الحكم ، أو لمروان (٢).

وروى ابن عبد الحكم في كتاب فتوح إفريقيا ، قال : غزا معاوية بن خديج افريقية ثلاث غزوات ، امّا الأولى فسنة أربع وثلاثين قبل قتل عثمان وأعطى عثمان مروان الخمس في تلك الغزوة وهي غزوة لا يعرفها كثير من الناس» (٣).

وروى البلاذري في ذكر ما أنكروا من سيرة عثمان ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء قال : وكتب لمروان خمس إفريقية (٤).

وروى عن عبد الله بن الزبير أنّه قال : أغزانا عثمان سنة سبع وعشرين إفريقية فأصاب عبد الله بن سعد بن أبي سرح غنائم جليلة فأعطى عثمان مروان بن الحكم خمس الغنائم(٥).

وروى أنّ مروان لمّا بنى داره بالمدينة دعا الناس إلى طعامه ، وكان المسور في من دعا ، فقال مروان وهو يحدّثهم : والله ما أنفقت في داري هذه من مال المسلمين درهما فما فوقه ، فقال المسور : لو أكلت طعامك وسكتّ لكان خيرا لك لقد غزوت معنا إفريقية وإنّك لأقلّنا مالا ورقيقا وأعوانا ، وأخفّنا ثقلا فأعطاك ابن عفّان خمس إفريقية وعمّلت على الصدقات فأخذت أموال المسلمين ... الحديث (٦).

وقال في ذلك أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي من الخزرج وهو الّذي منع ان

__________________

(١) شرح النهج ١ / ٦٧.

(٢) الطبري ط. أوروبا ١ / ٢٨١٨ ، وابن كثير ٧ / ١٥٢.

(٣) فتوح إفريقيا لابن عبد الحكم ٥٨ ـ ٦٠.

(٤) أنساب الأشراف للبلاذري ٥ / ٢٥ وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٥٦.

(٥) أنساب الأشراف للبلاذري ٥ / ٢٧.

(٦) أنساب الأشراف للبلاذري ٥ / ٢٨.

١٦٢

يدفن عثمان بالبقيع :

أقسم بالله ربّ العبا

د ما ترك الله خلقا سدى

دعوت اللعين فأدنيته

خلافا لسنّة من قد مضى

(يعنى باللعين : الحكم.)

وأعطيت مروان خمس العباد

ظلما لهم وحميت الحمى(١).

وفي الأغاني : وكان مروان قد صفق على الخمس بخمسمائة ألف فوضعها عنه عثمان فكان ذلك ممّا تكلّم فيه بسببه وقال فيه عبد الرحمن بن حنبل بن مليل ... الأبيات (٢).

كان ذلكم اجتهاد الخليفة عثمان في أمر الخمس ، أمّا اجتهاده في ما تركه الرسول فقد قال أبو الفداء وابن عبد ربّه واللفظ للأوّل : وأقطع مروان فدك وهي صدقة النبيّ الّتي طلبتها فاطمة من أبي بكر (٣).

وقال ابن أبي الحديد : وأقطع عثمان مروان فدك وقد كانت فاطمة (س) طلبتها بعد وفاة أبيها صلوات الله عليه تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها (٤).

وروى في سننه كلّ من أبي داود والبيهقي عن عمر بن عبد العزيز أنّه قال في ذكره شأن فدك : «فلمّا ولي عمر (رض) عمل فيه بمثل ما عملا حتّى مضى لسبيله ثمّ أقطعها ـ عثمان ـ مروان ..» (٥).

وقال البيهقي بعد إيراده تمام الحديث : «إنّما أقطع مروان فدكا في أيّام عثمان بن عفّان (رض) وكأنّه تأوّل في ذلك ما روي عن رسول الله (ص) : إذا أطعم الله نبيّا

__________________

(١) أنساب الأشراف ٥ / ٣٨ وسمّى الشاعر الخمس : خمس العباد ، لأنّهم اعتادوا في عصر الشيخين أن يحسبوا الخمس : خمس العباد وليس لله ولرسوله ولذوي قرباه!

(٢) الأغاني ٦ / ٥٧ وفي لفظ الأبيات عنده بعض الاختلاف مع رواية البلاذري والصفق : التبايع.

وكذلك رواه أبو الفداء في تاريخه ١ / ٢٣٢ ، وراجع المعارف لابن قتيبة ص ٨٤ ، والعقد الفريد ج ٢ / ٢٨٣.

(٣) تاريخ أبي الفداء ١١ / ٢٣٢ في ذكر حوادث سنة ٣٤ ، والعقد الفريد ٤ / ٢٧٣ كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم ، وإنما قالا : وهي صدقة النبي تبعا لرواية أبي بكر «ما تركنا صدقة».

(٤) شرح النهج ١ / ٦٧.

(٥) سنن أبي داود ٢ / ٤٩ ـ ٥٠ باب صفا يا رسول الله من كتاب الخراج كتاب قسم الفيء والغنيمة ، وسنن البيهقي ٦ / ٣١٠.

١٦٣

طعمة فهي للّذي يقوم من بعده وكان ـ أي الخليفة ـ مستغنيا عنها بماله فجعلها لأقربائه ووصل بها رحمهم ...»

وقال ابن عبد ربّه وابن أبي الحديد واللفظ للأوّل :

وتصدّق رسول الله بمهزور ـ موضع سوق المدينة ـ على المسلمين فأقطعها ـ عثمان ـ الحارث بن الحكم أخا مروان (١).

* * *

كان هذا ما انتهى إلينا من اجتهاد الخليفة عثمان في أمر الخمس وتركة الرسول على عهده ، أمّا سبب نقمة الناس عليه فيعود لأمرين :

أوّلا : لأنّ الخليفتين قبله كانا يضعان تلك الأموال في النفقات العامّة وخصّصها عثمان لأقر بائه.

ثانيا : موضع أقربائه من الإسلام وأهله وبيان ذلك كما يلي :

سيرة أقارب عثمان المذكورين أعلاه :

أ ـ عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامريّ القرشيّ ابن خالة عثمان (٢) وأخوه من الرضاعة (٣).

قال الحاكم : كان كاتبا لرسول الله فظهرت خياناته في الكتابة فعزله رسول الله (ص) (٤) فارتدّ عن الإسلام ولحق بأهل مكّة (٥) فقال لهم : إنّي كنت أصرف محمّدا حيث اريد ، كان يملي عليّ «عزيز حكيم» فأقول أو «عليم حكيم» فيقول : نعم كلّ صواب (٦) فأنزل الله فيه («وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ ، وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى

__________________

(١) العقد الفريد ٤ / ٢٨٣ ، وشرح النهج ١ / ٦٧ ، وفي لفظ شرح النهج «بهزور» تحريف. وراجع محاضرات الراغب ٢ / ٢١١ ، والمعارف لابن قتيبة ص ٨٤ ، وقال القاضيان الماوردي وأبو يعلى في باب بيان تركة الرسول : إن عثمان أقطع مهزور لمروان.

(٢) ذكر ذلك الحاكم فى المستدرك ٣ / ١٠٠.

(٣) ذكر ذلك جميع مترجميه.

(٤) أجمع مترجموه على ذلك.

(٥) مستدرك الحاكم ٣ / ١٠٠.

(٦) ترجمته بأسد الغابة ٣ / ١٧٣.

١٦٤

اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ، وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) ، سورة الأنعام الآية ٩٤ (١).

فأهدر الرسول دمه ولما فتح مكّة أمن الناس كلهم إلا أربعة نفر وامرأتين ، ولو وجدوا تحت أستار الكعبة ، أحدهم عبد الله ، ففرّ إلى عثمان فغيّبه عثمان حتّى أتى به رسول الله بعد ما اطمأنّ أهل مكة فاستأمنه له فصمت رسول الله (ص) طويلا ثمّ قال : نعم. فلمّا انصرف عثمان ، قال رسول الله (ص) لمن حوله : ما صمت إلّا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه ، فقال رجل من الأنصار : فهلا أومأت إليّ يا رسول الله ، فقال : انّ النبيّ لا ينبغى أن تكون له خائنة الأعين (٢).

هذا هو عبد الله بن سعد (٣) ، ولمّا استخلف عثمان كان عمرو بن العاص على مصر فعزله عن الخراج وأقرّه على الصلاة والجند ، واستعمل عبد الله على الخراج فتداعيا فعزل عمرا وأضاف الصلاة إلى ابن أبي سرح. وبعد مقتل عثمان اعتزل عبد الله وكره معاوية وقال : لم أكن لأجامع رجلا عرفته إن كان يهوى قتل عثمان ، وتوفّي في خلافة عليّ بالرملة ، قال الذهبي : له رواية حديث.

ب وج ـ مروان والحارث ابنا الحكم بن أبي العاص عمّ عثمان

روى البلاذري أنّ الحكم بن أبي العاص كان جارا لرسول الله في الجاهليّة ، وكان أشدّ أذى له في الإسلام وكان قدومه المدينة بعد فتح مكّة وكان مغموصا عليه في دينه فكان يمرّ خلف رسول الله فيغمز به ويخلج بأنفه وفمه ، وإذا صلّى قام خلفه فاشار باصابعه ، فبقي على تخليجه وأصابته خبلة ، واطّلع على رسول الله ذات يوم وهو في بعض حجر نسائه فعرفه وخرج إليه بعنزة وقال : من عذيري من هذا الوزغة اللعين ، ثمّ قال : لا يساكنني ولا ولده.

فغرّبهم جميعا إلى الطائف فلمّا قبض رسول الله كلّم عثمان أبا بكر فيهم وسأله ردّهم فابى ذلك وقال : ما كنت لآوي طرداء رسول الله ، ثمّ لمّا استخلف عمر كلّمه فيهم فقال مثل قول أبي بكر ، فلمّا استخلف عثمان ادخلهم المدينة (٤).

ويوم قدم المدينة كان عليه خزر خلق ، وهو يسوق تيسا والناس ينظرون إلى

__________________

(١) تفسير الكشاف ٢ / ٣٥ ، وأنساب الأشراف ٥ / ٤٩.

(٢) اجمع مترجموه على ذلك واللفظ بترجمته من أسد الغابة وسنن أبي داود ٤ / ١٢٨ ، وراجع تفسير الآية بتفسير القرطبي والرازي والبيضاوي والخازن والنسفي والشوكاني.

(٣) من هنا إلى آخر ترجمة عبد الله نقلناه بإيجاز من ترجمته بسير النبلاء للذهبي ٣ / ٢٣ ـ ٢٤.

(٤) أنساب الأشراف ٥ / ٢٧.

١٦٥

سوء حاله وحال من معه حتى دخل دار الخليفة ، ثم خرج وعليه جبّة خز وطيلسان (١).

وكان إذا أمسى عامل صدقات المسلمين على سوق المسلمين أتاه عثمان فقال له : ادفعها الى الحكم (٢) ، ثمّ ولاه صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمائة الف درهم فوهبها له حين أتاه (٣) ولمّا توفّي ضرب على قبره فسطاطا (٤).

وكان مروان صهر عثمان من ابنته أمّ أبان ، والحارث صهره من ابنته عائشة.

وقد وردت عن رسول الله (ص) أحاديث كثيرة في لعنهم وذمّهم. لعن رسول الله (ص) الحكم وأولاده (٥). وقال : «ويل لأمتي ممّا في صلب هذا» (٦).

وقال : لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنين وقليل هم (٧).

وقال : إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتّخذوا دين الله دغلا ، وعباد الله خولا ومال الله دولا (٨).

وقال : إنّي رأيت في منامي كأنّ بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري نزو القردة. فما رؤي النبيّ (ص) مستجمعا ضاحكا حتى توفّي (٩).

وروى الحاكم عن عبد الرحمن بن عوف قال : كان لا يولد لأحد مولود إلّا أتى به النبيّ (ص) فدعا له فادخل عليه مروان بن الحكم فقال : هو الوزغ بن الوزغ الملعون ابن الملعون (١٠).

هذا بعض ما ورد عن رسول الله فيهم ، وفي ما سبق ذكرنا بعض منح عثمان إيّاهم.

* * *

إلى هنا ذكرنا اجتهاد الخلفاء قبل الإمام عليّ في الخمس وفي تركة الرسول فما ذا فعل الإمام فيهما على عهده؟

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٤.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٨.

(٣) أنساب الأشراف ٥ / ٢٨.

(٤) أنساب الأشراف ٥ / ٢٧.

(٥) أنساب الأشراف للبلاذري ٥ / ١٢٦ ، ومستدرك الحاكم ٤ / ٤٨١.

(٦) ترجمة الحكم بأسد الغابة ٢ / ٣٤.

(٧) مستدرك الحاكم ٤ / ٤٧٩ ـ ٤٨١.

١٦٦

سيرة الإمام علي (ع) في الخمس وفي تركة الرسول (ص)

عن ابن عباس أنّ الخمس كان في عهد رسول الله (ص) على خمسة أسهم لله وللرسول سهم ، ولذي القربى سهم ، ولليتامى والمساكين وابن السبيل ثلاثة اسهم.

ثمّ قسّمه أبو بكر وعمر وعثمان (رض) على ثلاثة أسهم ، وسقط سهم الرسول وسهم ذوي القربى وقسم على الثلاثة الباقي ، ثمّ قسّمه عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه على ما قسّمه عليه أبو بكر وعمر وعثمان (رض) (١).

وسئل أبو جعفر الباقر ما كان رأي علي ـ كرم الله وجهه ـ في الخمس؟ قال : كان رأيه فيه رأي أهل بيته ، ولكنّه كره أن يخالف أبا بكر وعمر (رض) (٢).

وعن محمّد بن إسحاق قال سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ فقلت علي بن أبي طالب حيث ولي من أمر الناس ما ولي كيف صنع في سهم ذي القربى؟ قال : سلك به سبيل أبي بكر وعمر ، قلت : كيف وأنتم تقولون ما تقولون؟ فقال : ما كان أهله يصدرون إلّا عن رأيه. قلت : فما منعه؟ قال : كره ـ والله ـ أن يدعى عليه خلاف أبي بكر وعمر (٣).

وفي رواية أخرى بسنن البيهقي ، قال : ولكن كره أن يتعلق عليه خلاف أبي بكر وعمر (٤).

تدلنا هذه الروايات على أن الإمام عليّا لم يغير شيئا مما فعلوه قبله في الخمس وتركة الرسول ، ولم يكن ليستطيع أن يغير شيئا.

وفي سنن البيهقي عن جعفر بن محمّد عن أبيه : إن حسنا وحسينا وابن عبّاس وعبد الله بن جعفر (رض) سألوا عليّا (رض) نصيبهم من الخمس فقال : هو لكم حقّ ، ولكنّي محارب معاوية فان شئتم تركتم حقّكم منه (٥).

قال المؤلّف : تدلّ هذه الرواية على إنّ الإمام صرف الخمس في تجهيز الجيش لحرب معاوية.

__________________

(١) الخراج ص ٢٣.

(٢ و ٣) الخراج ص ٢٣ ، وأبو عبيد في الأموال ص ٣٣٢ ، وأحكام القرآن للجصاص ٣ / ٦٣.

(٤) سنن البيهقي ٦ / ٣٤٣.

(٥) سنن البيهقي الكبرى ٦ / ٣٤٣ ثم قال : قال الشافعي (ره) فأخبرت بهذا الحديث عبد العزيز بن محمد قال : صدق ـ أي الراوي ـ هكذا كان جعفر يحدثه ...

١٦٧

الخمس وتركة الرسول (ص) في عصر خلفاء بني أمية

يظهر ممّا ورد في الاخبار ان اجتهاد معاوية في منع بني هاشم من الخمس ومنع ذريّة الرسول من إرثه كان مشابها لاجتهاد الخلفاء الثلاثة قبله ، غير أنّه اضاف إلى ذلك ما أدّى إليه اجتهاده الخاصّ. أمّا منعهم من الخمس فيعلم من الروايتين التاليتين :

في طبقات ابن سعد : انّ عمر بن عبد العزيز لمّا أمر بدفع شيء من الخمس إلى بني هاشم اجتمع نفر منهم فكتبوا كتابا وبعثوا به مع رسول إليه يتشكرون له ما فعل بهم من صلة أرحامهم ، وأنّهم لم يزالوا مجفيّين منذ كان معاوية ... الحديث (١).

وفيه أيضا : إنّ عليّ بن عبد الله بن عبّاس وأبا جعفر محمّد بن علي قالا : «ما قسّم علينا خمس منذ زمن معاوية إلى اليوم» (٢).

أمّا ما أدّى إليه اجتهاده الخاصّ في ذلك ، فقد رواه بترجمة الحكم بن عمرو كلّ من الحاكم في مستدركه والذهبي في تلخيصه وابن سعد في طبقاته وابن عبد البرّ في الاستيعاب وابن الأثير في أسد الغابة ، وذكره في حوادث سنة خمسين من تاريخه كلّ من الطبري وابن الأثير والذهبي وابن كثير (٣) واللفظ للحاكم ثمّ للطبري.

قال الحاكم : بعث زياد الحكم بن عمرو الغفاري على خراسان فأصابوا غنائم كثيرة فكتب إليه زياد «أمّا بعد فإنّ أمير المؤمنين كتب أن يصطفي له البيضاء والصفراء ولا تقسّم بين المسلمين ذهبا ولا فضة».

وفي تاريخ الطبري : إنّ أمير المؤمنين كتب إليّ : أن أصطفي له كلّ صفراء وبيضاء والروائع فلا تحركنّ شيئا حتّى تخرج ذلك.

فكتب إليه الحكم : أمّا بعد ، فإنّ كتابك ورد تذكر أنّ أمير المؤمنين كتب إليّ أن أصطفي له كلّ صفراء وبيضاء والروائع ولا تحركنّ شيئا ، فإنّ كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين ، وإنّه والله لو كانت السموات والأرض رتقا على عبد فاتّقى الله لجعل له سبحانه وتعالى مخرجا. وقال للناس اغدوا على غنائمكم فغدا الناس وقد عزل

__________________

(١) طبقات ابن سعد ط. اوروبّا ٥ / ٢٨٩.

(٢) المصدر نفسه ٥ / ٢٨٨.

(٣) مستدرك الحاكم وتلخيصه بهامشه ج ٣ / ٤٤٢ ، وطبقات ابن سعد ط. اوروبّا ٧ / ١ / ١٨ ، والاستيعاب ١ / ١١٨ ، وأسد الغابة ٢ / ٣٦ ، والطبري ط. اوروبّا ٢ / ١١١ ، وابن الأثير. اوروبّا ٣ / ٣٩١ ، والذهبي ٢ / ٢٢٠ ، وابن كثير ٨ / ٤٧.

١٦٨

الخمس فقسّم بينهم تلك الغنائم.

قال : كتب إليه زياد. والله لئن بقيت لك لأقطعنّ منك طابقا سحتا. انتهت رواية الطبري.

وقال الحاكم : إنّ معاوية لمّا فعل الحكم في قسمة الفيء ما فعل ، وجه إليه من قيّده وحبسه فمات في قيوده ودفن فيها وقال : إنّي مخاصم.

وفي ترجمته بتهذيب التهذيب : فأرسل معاوية عاملا غيره فحبس الحكم وقيّده فمات في قيوده (١)

وقال الطبري وغيره ، فقال الحكم : اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني فمات بخراسان بمرو.

قال المؤلّف : كره بعض العلماء هذا الخبر فأورده ناقصا محرّفا مثل الذهبي ، فإنه قال في تاريخه «فكتب إليه لا تقسّم ذهبا ولا فضة فكتب إليه أقسم بالله لو كانت السموات رتقا ... الحديث.

وكتب ابن كثير : فجاء كتاب زياد إليه على لسان معاوية أن يصطفي من الغنيمة لمعاوية ما فيها من الذهب والفضّة لبيت ماله.

وكتب ابن حجر بترجمته في التهذيب والإصابة واللفظ للأوّل : انّ معاوية وجّهه عاملا على خراسان ثمّ عتب عليه في شيء فأرسل عاملا غيره فحبس الحكم وقيّده فمات في قيوده.

كانت هذه القصّة للحكم بن عمرو كما ذكرنا ، ووهم من قال إنّها كانت للربيع بن زياد الحارثي ، فإنّ هذا لمّا أتاه مقتل حجر بن عدي قال : اللهم إن كان للربيع عندك خير فاقبضه. فلم يبرح من مجلسه حتّى مات. راجع ترجمته في أسد الغابة (٢ / ١٦٤).

هذا ما كان من شأن الخمس على عهد معاوية أمّا شأن تركة الرسول على عهده فقد ذكروا من شأن فدك ما رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج قال :

__________________

(١) نفس المصدر ٥ / ٢٨٨.

نسب الحكم إلى بني غفار وهو من بني عمّهم وفي ترجمته بطبقات ابن سعد ٧ / ١ / ١٨ صحب حتى توفي ، أي صحب الرسول حتى توفي الرسول. وفيه وفي الاستيعاب : أنه روى عن النبيّ. أخرج حديثه أصحاب الصحاح عدا مسلم تقريب التهذيب ١ / ١٩٢ ، وجوامع السيرة ص ٣٠٦.

١٦٩

أقطع معاوية بعد موت الحسن بن عليّ مروان بن الحكم ثلث فدك ، وأقطع عمرو بن عثمان بن عفّان ثلثها ، وأقطع يزيد بن معاوية ثلثها ، فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت كلها لمروان (١).

روى ابن سعد في طبقاته أنّ معاوية لمّا نزع مروان عن ولاية المدينة وغضب عليه قبض فدك منه فكانت بيد وكيله في المدينة ، فطلبها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان من معاوية فأبى معاوية أن يعطيه ، وطلبها سعيد بن العاص فأبى معاوية أن يعطيه ، فلمّا ولى معاوية مروان المدينة المرّة الأخيرة ردّها عليه بغير طلب من مروان وردّ عليه غلّتها في ما مضى فكانت بيد مروان (٢).

ووهم بعضهم فظنّ أنّ معاوية كان أول من أقطع فدك مروان في حين إنّ عثمان أقطعها إيّاه قبل معاوية ولعل سبب الوهم هو دفع معاوية فدك إلى مروان في المرة الأخيرة كما ذكرنا.

على عهد خلفاء بني أمية بعد معاوية

كان تصرّف سائر خلفاء آل أميّة في الخمس ـ عدا ابن عبد العزي ز ـ تصرّف المرء في ما يملكه ، يهبونه تارة لمن يشاءون كما يشاءون ، وأخرى يكتنزونها في كنوزهم مع غيرها ممّا يستولون عليه مثل الوليد بن عبد الملك حين دفعها إلى ابنه عمر كما في سنن النسائي قال :

كتب عمر بن عبد العزيز الى عمر بن الوليد كتابا فيه : وقسم أبيك لك الخمس كلّه ، وإنّما سهم أبيك كسهم رجل من المسلمين وفيه حقّ الله وحقّ الرسول وذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فما أكثر خصماء أبيك ، فكيف ينجو من كثرت خصماؤه؟ وإظهارك المعازف والمزمار ، بدعة في الإسلام ، ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جمتك جمّة السوء (٣).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ج ٤ / ٨٠.

(٢) طبقات ابن سعد ٥ / ٢٨٨.

(٣) النسائي ، باب قسم الفيء ٢ / ١٧٨.

وعمر هذا : هو ابن الوليد بن عبد الملك بن مروان. قال السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٢٢٣ ـ ٢٢٤: وكان الوليد جبارا ظالما ، وكان لحانا ، ولي الخلافة في شوال سنة ست وثمانين ، ومات في نصف جمادى الآخرة سنة ست وتسعين وله إحدى وخمسون سنة.

١٧٠

لم نجد في غير هذا الحديث ذكرا عن أمر الخمس وتركة الرسول بعد معاوية ولا تغييرا حصل فيها عمّا كان الأمر عليه على عهد معاوية حتى ولي عمر بن عبد العزيز.

على عهد عمر بن عبد العزيز

كتب عمر بن عبد العزيز (١) إلى أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم قاضي المدينة أن يفحص له عن الكتيبة أكانت خمس رسول الله من خيبر أم كانت لرسول الله خاصّة؟ ففحص عنها وأجاب : إن الكتيبة كانت خمس رسول الله ، فأرسل إليه عمر بن عبد العزيز أربعة آلاف دينار أو خمسة وأمره أن يضمّ إليها خمسة آلاف أو ستة آلاف دينار يأخذها من الكتيبة حتّى يبلغ مجموعها عشرة آلاف ويقسمها على بني هاشم ويسوي بينهم الذكر والانثى والصغير والكبير ففعل (٢).

وروى ابن سعد عن جعفر بن محمّد : انّ عمر بن عبد العزيز قسّم سهم ذي القربى بين بني عبد المطلب ولم يعط نساءهم اللّاتي كنّ من غير بني عبد المطلب.

وروى ـ أيضا ـ أنّ كتاب عمر بن عبد العزيز لما وصل إلى والي المدينة أن يقسم الخمس على بني هاشم أراد الوالي أن ينحي بني المطلب عن الخمس فقالت بنو عبد المطلب: لا نأخذ درهما واحدا حتّى يأخذوا. فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بذلك ، فأجابه : إنّي ما فرقت بينهم وما هم إلّا من بني عبد المطلب في الحلف القديم العتيق فأجعلهم كبنى عبد المطّلب فأعطوا (٣).

وروى أبو يوسف في كتاب الخراج قال : إنّ عمر بن عبد العزيز بعث بسهم الرسول وسهم ذوي القربى إلى بني هاشم (٤).

قال ابن سعد : فكتبت فاطمة بنت حسين تشكر له ما صنع وتقول : لقد أخدمت من كان لا خادم له واكتسى من كان عاريا ، فسر بذلك عمر (٥).

__________________

(١) أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي ولد سنة ٦٣ وبويع بالخلافة في صفر سنة تسع وتسعين ومكث فيها سنتين وخمسة أشهر وتوفي في رجب سنة إحدى ومائة بدير سمعان في سفح قاسيون بدمشق ترجمته بطبقات ابن سعد ج ٥ / ٢٤٣ ، وتاريخ السيوطي ٢٢٨ ، والعبر ج ١ / ١٢٠.

وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري النجاري مات سنة عشرين ومائة وأخرج حديثه أصحاب الصحاح. تقريب التهذيب ٢ / ٣٩٩.

(٢) طبقات ابن سعد ج ٥ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨ وقد أوردتها وما يليها بإيجاز.

(٣) طبقات ابن سعد ٥ / ٢٨٩.

(٤) الخراج ص ٢٥.

(٥) طبقات ابن سعد ٥ / ٢٨٨.

١٧١

وقال : قال عمر بن عبد العزيز : إن بقيت لكم أعطيتكم جميع حقوقكم (١).

أمر فدك

قال ياقوت : لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى عامله بالمدينة يأمره بردّ فدك إلى ولد فاطمة (رض) (٢).

وبعد هذا في شرح النهج : فكتب إليه أبو بكر بن حزم : إن فاطمة عليها‌السلام قد ولدت في آل عثمان وآل فلان وفلان فعلى من أرد منهم؟

فكتب إليه : أما بعد فإنّي لو كتبت إليك آمرك أن تذبح شاة لكتبت إليّ أجمّاء أم قرناء؟ أو كتبت إليك أن تذبح بقرة لسألتني ما لونها فإذا ورد عليك كتابي هذا فاقسمها في ولد فاطمة (ع) من علي (ع) ، والسلام.

قال : فنقمت بنو أميّة ذلك على عمر بن عبد العزيز وعاتبوه فيه وقالوا : هجنت فعل الشيخين. وخرج إليه جماعة من أهل الكوفة فلمّا عاتبوه على فعله قال إنّكم جهلتم وعلمت ونسيتم وذكرت أنّ أبا بكر بن عمر بن حزم حدثني عن أبيه عن جدّه أنّ رسول الله (ص) قال : فاطمة بضعة منّي يسخطها ما يسخطني ، ويرضيني ما أرضاها ، وإنّ فدك كان صافية على عهد أبي بكر وعمر ثم صار أمرها إلى مروان ، فوهبها لعبد العزيز أبي فورثتها أنا وإخوتي عنه فسألتهم أن يبيعوني حصتهم منها فمن بائع وواهب حتى استجمعت لي فرأيت أن أردّها على ولد فاطمة.

قالوا : فإن أبيت إلّا هذا ، فأمسك الأصل واقسم الغلّة ففعل (٣).

وفي رواية أخرى : لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة ، كانت أوّل ظلامة ردّها دعا حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وقيل بل دعا علي بن الحسين (ع) فردّها عليه وكانت بيد أولاد فاطمة (ع) مدّة ولاية عمر بن عبد العزيز (٤).

بعد عمر بن عبد العزيز

لا ذكر للخمس بعد ابن عبد العزيز ، أمّا فدك فقد قال ياقوت وابن أبي الحديد :

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٥ / ٢٨٩.

(٢) بمادة فدك من معجم البلدان.

(٣) شرح النهج ٤ / ١٠٣.

(٤) شرح النهج ٤ / ٨١.

١٧٢

لمّا ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم فصارت في ايدي بني مروان كما كانت ، يتداولونها حتّى انتقلت الخلافة عنهم ، فلما ولي أبو العباس السفاح ردّها على عبد الله بن الحسن بن الحسن ، ثمّ قبضها أبو جعفر لما حدث من بني حسن ما حدث ، ثمّ ردّها المهدي ابنه على ولد فاطمة (ع) ، ثمّ قبضها موسى بن المهدي وهارون أخوه ، فلما تزل في أيديهم حتّى ولي المأمون فردّها على الفاطميين.

قال أبو بكر حدثني محمّد بن زكريا ، قال حدثني مهدي بن سابق قال : جلس المأمون للمظالم فأوّل رقعة وقعت في يده نظر فيها وبكى وقال للذي على رأسه ، ناد : أين وكيل فاطمة؟ فقام شيخ عليه دراعة وعمامة وخف ثغري فتقدم فجعل يناظره في فدك والمأمون يحتجّ عليه وهو يحتجّ على المأمون ، ثم أمر أن يسجل لهم بها فكتب السجل وقرئ عليه فأنفذه. فقام دعبل إلى المأمون فأنشد الأبيات الّتي أولها :

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

برد مأمون هاشم فدكا (١)

وتفصيل الكتاب ورد في فتوح البلدان قال : ولما كانت سنة عشر ومأتين أمر أمير المؤمنين المأمون عبد الله بن هارون الرشيد ، فدفعها إلى ولد فاطمة وكتب بذلك إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة.

«أما بعد فإنّ أمير المؤمنين بمكانه من دين الله وخلافه رسول الله (ص)

__________________

(١) شرح النهج ٤ / ٨١ ، وفتوح البلدان بمادة فدك.

أبو خالد يزيد بن عبد الملك بن مروان وأمّه عاتكة بنت يزيد بن معاوية. ولد بدمشق وولي الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز سنة ١٠١ ه‍ بعهد من أخيه سليمان في مرآة الجنان ١ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥ قال : سيروا بسيرة عمر بن عبد العزيز فأتوه بأربعين شيخا شهدوا له أن الخلفاء لا حساب عليهم ولا عذاب. وغلبت جاريته حبابة في تولية الولاة وغيرها. وطرب يوما فقال دعونى أطير فقالت على من تدع الأمّة؟ قال عليك. ولما ماتت تركها ثلاثة أيّام حتى أنتنت وهو يشمّها ويقبلها ويبكي ، ومات بعدها بأيام سنة خمس ومائة. قيل مات عشقا ولا يعلم خليفة مات عشقا غيره. راجع فهرست الأغاني وابن الاثير ٥ / ٩٠ ـ ٩٣ ، وتاريخ الخميس ٢ / ٣١٨. والسفاح أبو العباس بن محمّد بن علي بن عبد الله بن العباس أول الخلفاء العباسيين. ولد ونشأ بالشرارة وبويع له بالخلافة في الكوفة سنة ١٣٢ ه‍ توفي بالجدري بالأنبار سنة ١٣٦ ه‍. راجع تاريخ ابن الأثير ٥ / ١٢٥ ، وغيره في حوادث سنة ١٣٦ ه‍.

ولي بعده أخوه أبو جعفر المنصور عبد الله وتوفي سنة ١٥٨ ه‍ في طريق مكة ودفن بالحجون من مكة. راجع حوادث سنة ١٥٨ ه‍ من كتب التاريخ.

ولي بعده ابو عبد الله محمّد المهدي بن المنصور وتوفي سنة ١٦٩ ه‍. ثم ولي بعده أبو محمّد موسى الهادي بن المهدي وتوفي سنة ١٧٠ ه‍. ثم ولي بعده أبو جعفر أخوه هارون الرشيد وتوفي سنة ١٩٣ ه‍. وولي المأمون أبو جعفر عبد الله بن الرشيد سنة ١٩٨ ه‍ بعد قتل أخيه الأمين وتوفي سنة ٢١٨ ه‍.

١٧٣

والقرابة به أولى ، من استنّ سنته ونفّذ أمره وسلّم لمن منحه منحة وتصدق عليه بصدقة منحته وصدقته وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته وإليه في العمل بما يقرّبه إليه رغبته. وقد كان رسول الله (ص) أعطى فاطمة بنت رسول الله (ص) فدك وتصدق بها عليها وكان ذلك أمرا ظاهرا معروفا لا اختلاف فيه بين آل رسول الله (ص) ، ولم تزل تدعي منه ما هو أولى به من صدّق عليه فرأى أمير المؤمنين أن يردها إلى ورثتها ويسلمها إليهم تقربا إلى الله تعالى بإقامة حقّه وعدله وإلى رسول الله (ص) بتنفيذ أمره وصدقته فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتاب به إلى عماله.

فلئن كان ينادي في كلّ موسم ـ بعد أن قبض الله نبيه (ص) ـ أن يذكر كلّ من كانت له صدقة أو هبة أو عدة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدته ، إنّ فاطمة (رض) لأولى بأن يصدّق قولها فيما جعل (ص) لها وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين يأمره بردّ فدك على ورثة فاطمة بنت رسول الله (ص) بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها وما فيها من الرقيق والغلات وغير ذلك وتسليمها إلى محمّد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ومحمّد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لتولية أمير المؤمنين إيّاهما القيام بها لأهلها.

فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين وما ألهمه الله من طاعته ووفقه له من التقرب إليه وإلى رسوله (ص) وأعلمه من قبلك وعامل محمّد بن يحيى ومحمّد بن عبد الله بما كنت تعامل به المبارك الطبري ، وأعنهما على ما فيه عمارتها ومصلحتها ووفور غلاتها إن شاء الله ، والسلام.

وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلت من ذي القعدة سنة عشر ومأتين : فلما استخلف المتوكل على الله رحمه‌الله أمر بردها على ما كانت عليه قبل المأمون رحمه‌الله (١).

وذكر بقية الخبر ابن أبي الحديد وقال : فلم تزل في أيديهم حتّى كان أيّام المتوكل فأقطعها عبد الله بن عمر البازيار وفيها إحدى عشرة نخلة غرسها رسول الله (ص) بيده فكان بنو فاطمة يأخذون تمرها فإذا كان أقدم الحاج اهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم فيصير إليهم من ذلك مال جزيل جليل فصرم عبد الله بن عمر البازيار ذلك التمر ، وجه رجلا يقال له بشران بن أبي أميّة الثقفي إلى المدينة فصرمه ثمّ عاد إلى البصرة

__________________

(١) خبر فدك في فتوح البلدان ص ٣٧ و ٣٨.

١٧٤

ففلج (١).

كان هذا آخر العهد باخبار فدك والخمس من قبل خلفاء المسلمين. أمّا آراء علمائهم فكما يلي :

* * *

استعرضنا في ما سبق رأي الخلفاء في الخمس وفعلهم جيلا بعد جيل ورأينا كيف ناقض بعضه الآخر. وتضاربت كذلك آراء فقهاء مدرسة الخلفاء في الخمس تبعا لما فعله الخلفاء.

قال ابن رشد : واختلفوا في الخمس على أربعة مذاهب مشهورة :

أحدها : أنّ الخمس يقسم على خمسة أقسام على نصّ الآية وبه قال الشافعي.

والقول الثاني : أنّه يقسم على أربعة أخماس ...

والقول الثالث : أنّه يقسّم اليوم ثلاثة أقسام ، وأنّ سهم النبي وذي القربى سقطا بموت النبي.

والقول الرابع : أنّ الخمس بمنزلة الفيء يعطى منه الغنيّ والفقير.

والذين قالوا يقسم أربعة أخماس أو خمسة اختلفوا فيما يفعل بسهم رسول الله (ص) وسهم القرابة بعد موته ، فقال قوم : يردّ على سائر الأصناف الّذين لهم الخمس ، وقال قوم: بل يردّ على باقي الجيش ، وقال قوم : بل سهم رسول الله (ص) للإمام ، وسهم ذوي القربى لقرابة الإمام. وقال قوم : بل يجعلان في السلاح والعدّة.

واختلفوا في القرابة من هم؟ (٢).

وقال ابن قدامة في المغني بعد ما روى أنّ أبا بكر قسّم الخمس على ثلاثة أسهم :

وهو قول أصحاب الرأي ـ أبي حنيفة وجماعته ـ قالوا : يقسّم الخمس على ثلاثة : اليتامى والمساكين وابن السبيل وأسقطوا سهم رسول الله بموته وسهم قرابته أيضا.

وقال مالك : الفيء والخمس واحد يجعلان في بيت المال».

وقال الثوري والحسن يضعه الإمام حيث أراه الله عزوجل.

__________________

(١) شرح النهج ج ٤ / ٨١.

(٢) ابن رشد في الفصل الأول في حكم الخمس ج ١ / ٤٠٧ من بداية المجتهد.

١٧٥

وما قاله أبو حنيفة فمخالف لظاهر الآية فإنّ الله تعالى سمّى لرسوله وقرابته شيئا وجعل لهما في الخمس حقّا كما سمّى الثلاثة الاصناف الباقية فمن خالف ذلك فقد خالف نصّ الكتاب ، وأما حمل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على سهم ذي القربى في سبيل الله فقد ذكر لأحمد فسكت وحرّك رأسه ولم يذهب إليه ، ورأى أنّ قول ابن عبّاس ومن وافقه أولى ، لموافقته كتاب الله وسنّة رسول الله (ص) ...» (١)

ورأى أبو يعلى والماوردي أنّ تعيين مصرف الخمس منوط باجتهاد الخلفاء (٢).

* * *

لقد طال بنا الحديث عن اجتهاد الخلفاء في الخمس وحقّ ابنة الرسول وتشعّب ولا بدّ لنا من أجل استيعاب الفكرة وأخذ النتيجة أن نلخّص البحث ونضيف إليه بعض الإيضاحات في ما يلي :

خلاصة البحث :

من أجل فهم مغزى اجتهاد الخلفاء في الخمس وفي حقّ ابنة الرسول بعد ما لابسهما الغموض خلال أحقاب طويلة ، اضطررنا أوّلا إلى درس المصطلحات الإسلامية : الزكاة والصدقة والفيء والصفيّ والأنفال والغنيمة والخمس فوجدنا :

أ ـ إنّ الزكاة في الشرع الإسلامي بمعنى : عامّة حقّ الله في المال.

ب ـ وأنّ الصدقة : اسم لما يجب إخراجه من النقدين والغلّات والأنعام إذا بلغ أحدها النصاب ، وما فرض دفعه يوم عيد الفطر. وممّا يدلّ على ما ذكرنا ؛ أنّ الخمس والصدقة والصفيّ ذكرت في كتاب رسول الله لبيان أنواع الزكاة. إذا فالصدقة صنف من أصناف الزكاة وليست مرادفة لها ، وبالإضافة إلى ذلك لنا أن نقول : كيف تكون الزكاة بمعنى الصدقة وقد وردت في الآيات المكيّة وقبل أن ينزل تشريع الصدقة في المدينة (٣)؟ وعلى ضوء ما ذكرنا تفسّر الزكاة في الحديث الشريف «إذا أدّيت زكاة مالك

__________________

(١) المغني لابن قدامة ج ٧ / ٣٠١ باب تسمية الفيء والغنيمة. وابن قدامة هو موفق الدين ، أبو محمد عبد الله بن محمّد بن أحمد بن محمود بن قدامة (ت ٦٣٠ ه‍).

(٢) باب قسم الفيء من الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٢٦ ، وص ١٢٠ من الأحكام السلطانية لأبي يعلى.

(٣) مثل قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) الآية ٤ سورة «المؤمنون» ، وقوله تعالى : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) الآية ١٥٦ من الأعراف ، وكذلك الزكاة في الآيات ١٣ و ٣١ و ٥٥ ـ

١٧٦

فقد قضيت حقّ الله في المال» : بأنّه إذا أدّيت المفروض عليك في مالك فقد قضيت حقّ الله ، وأمّا الدفع المستحبّ من المال فهو نفل وليس بحقّ ، وكذلك تفسّر في الحديث «من استفاد مالا فلا زكاة حتّى يحول الحول» بانّه لا حقّ لله في ماله حتّى يحول الحول. وكذلك الشأن في نظائرهما.

الصدقة مشتركة في ما ذكرناه آنفا وفي ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة نفلا كان أو فرضا ، والفرق بينهما أنّ الحقّ المفروض في النقدين والغلّات والأنعام اذا اخذها الحاكم قهرا يكون زكاة وصدقة واجبة وليس بالصدقة التي يخرجها الإنسان على وجه القربة.

ج ـ وأنّ الفيء : ما حصل من أموال الكفّار من غير حرب. وأجمعوا على أنّ أموال بني النضير كانت من الفيء ، وأنّ النبي تصرّف فيها تصرّف الملّاك في أملاكهم.

د ـ الأنفال ، جمع النفل : العطيّة والهبة ، والنفل : الزيادة على الواجب ، وانفله : أعطاه زيادة واستعمل الأنفال في القرآن الكريم في غزاة بدر حين سلب الله عن المسلمين تملّك ما حازوه من المشركين يوم ذاك. واستعمل في أحاديث أئمة أهل البيت وأريد به كلّ ما أخذ من دار الحرب بغير قتال وكلّ أرض انجلى عنها أهلها بغير حرب وعلى قطائع الملوك والآجام والأرضين الموات وما شابهها.

ه ـ وأن الغنيمة والمغنم : كانت العرب في الجاهلية والإسلام تقول : غنم الشيء غنما إذا فاز به بلا مشقّة ، والاغتنام : انتهاز المغنم ، والمغنم ما يغنم ، وتقول لما يحصل من جهة العدى ـ وهو ما لا يخلو من مشقة ـ : سلبه ، إذا أخذ ما على المسلوب وما معه من ثياب وسلاح ودابّة ، وتقول : حربه ، إذا أخذ كلّ ماله ، وكانت النهيبة والنهبى عندهم تساوق الغنيمة والمغنم في عصرنا. وأوّل ما استعمل مادّة «غنم» في كسب المال مطلقا وبلا لحاظ «الفوز بلا مشقّة» كان في القرآن الكريم ، وفي ما جمع من مال العدوّ ببدر ، وبعد أن سلب الله ملكية الإفراد عنه وسمّاه الأنفال وجعله لله ولرسوله ثمّ جعله مغنما للجماعة ، وشرع الله في الآية دفع الخمس من مطلق المغانم لله ولرسوله ولذوي قرباه بعد أن كان في الجاهلية المرباع للرئيس خاصّة ، وعمّم مورد الأخذ وجعله من مطلق المغانم ونزّل الفرض من الربع إلى الخمس ووزّعه على ستة سهام بدل أن يكون

__________________

ـ من سورة مريم ، و ٧٣ من سورة الأنبياء ، وفرضت الصدقة في السنة السابعة أو الثامنة أو التاسعة من بعد هجرة الرسول إلى المدينة.

١٧٧

سهما واحدا وخاصّا بالرئيس.

وممّا يدلّ على أنّ الخمس فرض دفعه من مطلق المغانم ـ بالإضافة إلى ما ذكرنا ـ : إجماع المسلمين على أنّ الرسول أخذ الخمس من المال المستخرج من الأرض معدنا أو كنزا وهو ليس ممّا حازه المسلمون من العدى في الحرب.

ويدلّ على ذلك من السنّة ـ أيضا ـ أمر الرسول وفد عبد القيس أن يدفعوا «الخمس من المغنم» ، قال لهم ذلك عند ما سألوه أن يعلّمهم أحكام الإسلام كي يعلموا قبيلتهم فانهم لا يستطيعون الخروج من حيّهم في غير الاشهر الحرم خوفا من مضر ولا يتصور لهذه القبيلة أن تكون غازية ليكون المراد من المغنم هنا غنائم الحرب ، فلا بدّ إذا أن يكون المراد من المغنم مطلق المال المكتسب.

وكذلك الشأن في ما ورد في كتب الرسول لسائر القبائل العربية الّتي أسلمت ، وكذلك في عهوده لولاته ، مثل ما ورد في كتاب عهده لولاته الّذين بعثهم إلى اليمن بعد إسلام أهل اليمن «أن يأخذ ـ الوالي ـ من المغانم خمس الله وما كتب على المؤمنين الصدقة».

وكذلك ما ورد في كتاب الرسول لقبيلة سعد «أن يدفعوا الخمس والصدقة لرسوليه» فإنّ هذه القبيلة لم تكن قد خاضت حربا ليطلب النبيّ منها أن تدفع إلى رسوليه خمس غنائم حربهم ، وإنّما طلب منهم دفع الصدقة من مواردها ودفع خمس أرباحهم.

وكذلك المراد من خمس المغنم في سائر كتبه إلى القبائل العربية المسلمة ، خمس أرباح مكاسبها

ويؤكّد ما ذكرنا ، أنّ حكم الحرب في الإسلام يخالف ما كانت عليه العرب في الجاهلية حيث كان لكلّ قبيلة الحقّ في الإغارة على غير حلفائها ونهب أموالهم كيف ما اتفق ، وعند ذاك يملك كلّ فرد ما نهب وسلب وحرب وما عليه شيء عدا دفع المرباع للرئيس ، ليس الأمر هكذا في الإسلام لتصحّ مطالبة النبيّ القبائل بخمس غنائم حروبهم بدل الربع بل إنّ الحاكم الأعلى في الإسلام هو الّذي يقرّر الحرب وفق قوانين الإسلام ، والمسلمون ينفّذون أوامره ، ثم إنّ الحاكم هو الّذي يلي بعد الفتح قبض الغنائم أو يلي ذلك نائبه ، ولا يملك أحد من الغزاة غير سلب القتيل شيئا ، بل يأتي كلّ غاز بما سلب حتّى الخيط والمخيط وإلّا عدّ من الغلول الّذي هو عار وشنار على أهله ونار

١٧٨

يوم القيامة ، ثمّ إنّ الحاكم هو الّذي يقبض الخمس من الغنائم ويقسّم الباقي على المجموعة.

إذا فالحاكم هو الذي يعلن الحرب في الإسلام ، وهو الّذي يقبض الغنائم ويأخذ خمسها بنفسه ، ثمّ يقسّم الباقي ، وليس غيره الّذي يدفع الخمس إليه ، وإذا كان الأمر هكذا في الإسلام وكان إخراج الخمس على عهد النّبي من شئون النبيّ في هذه الامّة فما معنى طلب النبيّ الخمس من الناس وتأكيده ذلك في كتاب بعد كتاب إن لم يكن الخمس في تلك الكتب مثل الصدقة ممّا يجب على المخاطبين دفعه من أموالهم ، وليس خاصّا بغنائم الحرب؟

وبناء على ما ذكرنا فقد كان النبيّ يطلب ممّن أسلم أن يؤدّي الخمس من كل ما غنم عدا ما فرضت فيه الصدقة ، وكان مدلول الغنائم والمغانم يوم ذاك مساوقا لمطلق ما ظفر به من المال ، ثم تطوّر مدلول هذه المادّة عند المسلمين من بعد انتشار الفتوح ومنع الخلفاء الخمس من أهله ونسيان المسلمين هذا الحكم.

أمّا مواضع الخمس فقد نصّت آية الخمس على أن الخمس لله ولرسوله ولذوي قربى الرسول ويتاماهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم. فالخمس إذا يقسّم ستة أسهم وما ورد في بعض الروايات من أنّ سهم الله وسهم الرسول واحد إن كان المقصود إن سبيلهما واحدا وإنّ الرسول يتصرف فيهما فهو صواب ، وإلّا فهو مخالف لظاهر الآية.

وتواترت الروايات عن أئمة اهل البيت بأن سهم ذي القربى لأهل البيت في عصر الرسول ومن بعده لهم ولسائر الائمة الاثني عشر من أهل البيت ، وأنّ السهام الثلاثة لله ولرسوله ولذي قرباه للعنوان ، وأنّ سهم الله لرسوله يضعه حيث يشاء ، والسهمان بعد الرسول للإمام القائم مقامه. وعلى هذا فنصف الخمس في هذه العصور لإمام العصر من حيث إمامته ، والنصف الآخر من الخمس لغير أهل بيت النبيّ من أيتام أقرباء النبيّ ومساكينهم وأبناء سبيلهم وهم يستحقّونه بقرابتهم من النبيّ من جهة الأب وحاجتهم إليه في مئونتهم وأن فضل عنهم شيء فللوالي ، وإن نقص فعلى الوالي أن يسدّ عوزهم ، وما قبضه أحدهم من الخمس وتملّكه ينتقل بعد وفاته لورثته وأقرباء النبيّ من غير أهل البيت الّذين يستحقّون نصف الخمس بالفقر ، هم ذكور أولاد عبد المطّلب وذكور أولاد المطّلب الّذين حرمت عليهم الصدقة ، ولم يرض الرسول أن يلي أحدهم على الصدقات ويصيب من سهم العاملين عليها حتّى مولاهم ، فإنّه منع مولاه

١٧٩

من الاشتراك مع عامل الصدقة كي لا يصيب منها (١) ، وتابعه على ذلك أهل بيته.

ومن هنا يتّضح خطأ من زعم أنّه بعث ابن عمّه الإمام عليّا إلى اليمن لقبض الصدقة مثل ابن هشام ، بل بعثه لقبض الخمس كما صرّح به غيره.

قال ابن هشام في باب خروج الأمراء والعمّال على الصدقات من سيرته : وكان رسول الله (ص) قد بعث أمراءه وعمّاله على الصدقات إلى قوله : وبعث عليّ بن أبي طالب الى نجران ليجمع صدقتهم ويقدم عليه بجزيتهم.

ثم قال في باب موافاة عليّ رضوان الله عليه رسول الله (ص) في الحجّ : لما اقبل عليّ (رض) من اليمن ليلقى رسول الله (ص) بمكّة تعجّل الى رسول الله (ص) واستخلف على جنده الّذين معه رجلا من أصحابه فعمد ذلك فكسى كلّ رجل من القوم حلّة من البزّ الّذي كان مع عليّ (رض) فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل ، قال : ويلك ما هذا؟ قال : كسوت القوم ليتجمّلوا به إذا قدموا في الناس ، قال : ويلك انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله (ص) ، قال : فانتزع الحلل من الناس فردّها في البزّ. قال : وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم.

قال : فاشتكى الناس عليّا (رض) ، فقام رسول الله فينا خطيبا فسمعته يقول : «أيّها الناس لا تشكوا عليّا ، فو الله أنّه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله من أن يشكى» (٢).

وقال في فصل السرايا والبعوث :

وغزوة عليّ بن أبي طالب (رض) إلى اليمن ، غزاها مرّتين. قال : بعث رسول الله (ص) علي بن أبي طالب إلى اليمن ، وبعث خالد بن الوليد في جند آخر وقال : إن التقيتما فالأمير عليّ بن أبي طالب (٣).

إذا فقد ذكروا ثلاث خرجات للإمام إلى اليمن غازيا في اثنتين ، وجابيا في

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٧٣ ـ ٢٧٥ ، والإمتاع ص ٥٠٩ ، فقد روى البيهقي في سننه الكبرى : إنّ أم كلثوم منعت من إعطاء مواليها الصدقة ، وروت عن جدها الرسول أنه قال : «إنّا أهل بيت نهينا عن الصدقة ، وإن موالينا من أنفسنا» ، وقال : فلا تأكلوا الصدقة.

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٧٥.

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ٣١٩ ، وابن كثير ٧ / ٣٤٣ ، وراجع طبقات ابن سعد ٢ / ١٦٩ ، وعيون الأثر ٢ / ٢٧١.

١٨٠