معالم المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٤

انتهى ما قاله القضاة الثلاثة ، وفي ما يلي شرح بعض اقوالهم :

أ ـ قولهم : «صدقات رسول الله (ص)». اصطلح علماء مدرسة الخلفاء من محدّثين ومؤرّخين وفقهاء ولغويين إلى تسمية كلّ ما خلّفه الرسول (ص) من ضياع وعقار بالصدقات استنادا إلى ما رواه أبو بكر وحده عن رسول الله أنّه قال : «ما تركنا صدقة».

ب ـ ما ذكروا من املاك رسول الله. وفي ما يلي شرحها ومنشأ تملّكه اياها :

بيان ما تملكه الرسول ومنشؤه :

أ ـ وصية مخريق : كان مخيريق أيسر بني قينقاع ، وكان من أحبار اليهود وعلمائهم بالتوراة (١). وعند ما هاجر رسول الله الى المدينة ، ونزل قبا في أوّل الأمر ، أتى إليه مخيريق وأسلم (٢).

وفي يوم أحد خاطب قومه وقال : «يا معشر اليهود! والله إنّكم لتعلمون أنّ محمّدا نبيّ وأنّ نصره عليكم لحقّ».

قالوا : إنّ اليوم يوم السبت!

قال : لا سبت ، ثمّ أخذ سلاحه ثمّ حضر مع النبيّ (ص) فأصابه القتل ، فقال رسول الله : «مخيريق خير يهود» وقد كان مخيريق حين خرج إلى أحد قال : إن أصبت فأموالي لمحمّد (٣).

وكانت أمواله حوائط سبعة وهي : الأعواف والصافية والدلال والميثب وبرقة وحسنى ومشربة أمّ ابراهيم الّتي كانت تسكنها مارية جارية النبي (٤).

وتفصيل قصّة هذه الحوائط في وفاء الوفاء (٥) ، وكتابي الأحكام السلطانية

__________________

(١) طبقات ابن سعد ١ / ٥٠٢.

(٢) إمتاع الأسماع ص ٤٦.

(٣) مغازي الواقدي ص ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، وإمتاع الأسماع ص ١٤٦ ، والإصابة ٣ / ٣٧٣.

(٤) طبقات ابن سعد ١ / ٥٠١ ـ ٥٠٣ ، ومادة «ميثب» من معجم البلدان.

والحوائط جمع الحائط : البستان المسيّج. والمشربة : الغرفة. وجارية النبي مارية القبطية أهداها المقوقس صاحب الإسكندرية إلى النبيّ فأسكنها في أحد الحوائط السبعة وولدت لرسول الله ابنه إبراهيم في ذي الحجّة سنة ثمان من الهجرة ، وتوفي بعد ستة أو ثمانية عشر شهرا ودفنه الرسول بالبقيع. أسد الغابة ١ / ٣٨. وتوفيت مارية سنة ست عشرة. أسد الغابة ٥ / ٥٤٣ ووفاء الوفاء ١١٢٨ و ١١٩٠.

(٥) وفاء الوفاء ص ٩٤٤ ـ ٩٨٨.

١٤١

للماوردي ولأبي يعلى (١) ، والاكتفاء (٢).

وروى السمهودي عن الواقدي : انّ النبيّ وقف الأعواف وبرقة وميثب والدلال وحسنى ومشربة أمّ إبراهيم سنة سبع من الهجرة (٣).

ب ـ ما وهب الأنصار من أرضهم للنبي : عن ابن عباس ، قال : إنّ رسول الله لمّا قدم المدينة جعلوا له كلّ أرض لا يبلغها الماء يصنع بها ما يشاء (٤).

ج ـ أرض بني النضير : لمّا قدم اليهود المدينة نزل بنو النضير بطحان من العالية ، وبنو قريظة مهزورا منها وهما واديان يهبطان من حرّة هناك ، وكانت تنصبّ منها مياه عذبة (٥) ولمّا أفاء الله على رسوله هذه الأرض قال له عمر : ألّا تخمّس ما أصبت؟ فقال له الرسول : «لا أجعل شيئا جعله الله لي دون المسلمين بقوله تعالى (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ ...) كهيئة ما وقع فيه السهمان للمسلمين (٦).

وأجمع علماء السير (٧) والحديث (٨) والتفسير (٩) على أنّ أرض بني النضير (١٠) كانت خالصة لرسول الله ، صافية له ، يتصرّف فيها تصرّف الملّاك في أملاكهم ، ينفق منها على أهل بيته ، ولما ينتابه ، ويهب منها ما يشاء لمن يشاء. أقطع منها أبا بكر وعبد الرحمن بن عوف وأبا دجانة سماك بن خرشة الساعدي وآخرين وكان ذلك في سنة أربع من الهجرة(١١).

__________________

(١) كتابا الأحكام السلطانية : للماوردي ص ١٦٩ ، ولأبي يعلى ص ١٨٣.

(٢) الاكتفاء ٢ / ١٠٣.

(٣) وفاء الوفاء ص ٩٨٩. وفي البحار ج ٨ / ١٠٨ عن أبي الحسن الرضا : «ان رسول الله خلف حيطانا بالمدينة صدقة».

(٤) الأموال لابي عبيد ص ٢٨٢ باب الإقطاع من كتاب أحكام الأرضين.

(٥) معجم البلدان مادة «بطحان» بضم أوله او فتحه وسكون ثانيه وراجع «البويرة» منه.

(٦) راجع بحث الفيء من هذا الكتاب.

(٧) مغازي الواقدي ص ٣٦٣ ـ ٣٧٨ ، وإمتاع الأسماع للمقريزي ص ١٧٨ ـ ١٨٢.

(٨) سنن أبي داود ٣ / ٤٨ كتاب الخراج ، والنسائي باب قسم الفيء ٢ / ١٧٨ ، وشرح النهج ٤ / ٧٨.

(٩) تفسير سورة الحشر بتفسير الطبري ٢٨ / ٢٤ ـ ٢٥ ، والنيسابوري بهامش الطبري ٢٨ / ٣٨ ، والدر المنثور ٦ / ١٩٢.

(١٠) في كتابي الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٦٩ ، ولأبي يعلى ص ١٨٣ : إلّا ما كان ليامين بن عمير وأبي سعد بن وهب فإنهما أسلما قبل الظفر فأحرز لهما إسلامهما جميع أموالهما.

(١١) فتوح البلدان للبلاذري ١ / ١٨ ـ ٢٢.

١٤٢

د ـ أراضي خيبر : خيبر على ثمانية برد من المدينة لمن يريد الشام ، ويطلق هذا الاسم على الولاية ، وكانت تشتمل على سبعة حصون منيعة أو ثمانية (١) ، ومزارع ونخل كثير (٢) يقطنها عتاة اليهود وقد تحالفوا مع القبائل العربية.

قصدهم رسول الله (ص) بعد عودته من الحديبية في صفر سنة سبع أو هلال ربيع الأول منها (٣).

ولم يأذن لأحد تخلّف عن الحديبيّة أن يشهد معه خيبر إلّا جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري (٤) ، وكانوا قد تخلّفوا عنه في الحديبيّة وأرجفوا بالمسلمين (٥).

حاصر النبيّ اليهود في حصونهم بخيبر قريبا من شهر ، وكانوا يخرجون كلّ يوم عشرة آلاف مقاتل (٦) ففتح بعضها عنوة وبعضها صلحا (٧) ، فخمّس ما أخذها عنوة ، وقسم أربعة أخماسها بين المسلمين ممّن كان شهد خيبر من أهل الحديبية (٨). ولمّا لم يكن له من العمّال من يكفيه عمل الأرض ، دفعها إلى اليهود يعملونها على نصف ما خرج منها (٩).

قالوا : قسّم النبي خيبر على ٣٦ سهما ، وجعل كل سهم مائة سهم : لرسول الله ١٨ سهما ، و ١٨ سهما للمسلمين اقتسموها بينهم ولرسول الله مثل سهم أحدهم (١٠).

وقالوا : قسم سهمان المسلمين بين من حضر الحديبية ، ومن قدم مع جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة (١١).

__________________

(١) في كتابي الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٦٩ ، ولأبي يعلي ص ١٨٤.

(٢) مادة خيبر من معجم البلدان ، وفيها أن خيبر بلسان اليهود الحصن وسميت خيابر لأنّها كانت تشتمل على عدة حصون.

(٣) و (٥) مغازي الواقدي ص ٦٣٤.

(٤) الدر المنثور للسيوطي ٦ / ١٩٢.

(٦) مغازي الواقدي ص ٦٣٧.

(٧) وفاء الوفاء ص ١٢١٠.

(٨) فتوح البلدان للبلاذري ١ / ٣١.

(٩) فتوح البلدان ١ / ٢٦ ـ ٢٨. وفي مغازي الواقدي ص ٦٨٨ ـ ٦٩٩ : لمّا توفي أبو بكر (رض) كان ولده ورثته يأخذون طعمته من خيبر مائة وسق في خلافة عمر وعثمان ـ إلى قوله ـ حتى كان زمن عبد الملك أو بعده فقطع.

(١٠) فتوح البلدان ١ / ٢٩. والأموال لأبي عبيد ص ٥٦.

(١١) فتوح البلدان ٢٨ ـ ٣٢.

١٤٣

قالوا : وكان سهم الخمس منها ، الكتيبة. وكان الشقّ والنطاة وسلالم والوطيح للمسلمين فأقرّها بيد يهود على الشطر ، ويقسّم ما يخرج الله منها بين المسلمين حتى كان عمر ، فقسّم رقبة الأرض بينهم على سهامهم (١).

وفي سيرة ابن هشام والاكتفاء وغيرهما واللفظ للأوّل : كانت الكتيبة خمس الله وسهم النبي وسهم ذوي القربى والمساكين وطعم أزواج النبيّ وطعم رجال مشوا بين رسول الله وأهل فدك بالصلح (٢).

وفي فتوح البلدان : وجعل لأزواج النبيّ فيها نصيبا وقال : «أيتكنّ شاءت أخذت الثمرة ، وأيتكنّ شاءت أخذت الضيعة لها ولورثتها» (٣).

وقد ورد في مغازي الواقدي تسمية سهمان الكتيبة بتفصيل واف (٤).

وفي وفاء الوفاء : انّ أهل الوطيح وسلالم صالحوا عليها النبيّ (ص) ، فكان ذلك له خاصّة وخرجت الكتيبة في الخمس وهي مما يلي الوطيح والسلالم فجمعت شيئا واحدا ، فكانت ممّا ترك رسول الله من صدقاته ، (٥) ، وهو يقتضي أنّ بعض خيبر فتح عنوة وبعضها صلحا. وبه يجمع بين الروايات المختلفات في ذلك (٦).

وقال القاضيان الماوردي وأبو يعلى : «وملك من هذه الحصون الثمانية ثلاثة حصون : الكتيبة والوطيح والسلالم. أمّا الكتيبة فأخذها بخمس الغنيمة ، وأما الوطيح والسلالم فهما ممّا أفاء الله عليه لأنّه فتحهما صلحا فصارت هذه الحصون الثلاثة بالفيء والخمس خالصة لرسول الله (ص)» (٧).

قال المؤلف : يؤيّد ما ذكروا أنّ سهام رسول الله في خيبر كانت ١٨ سهما ،

__________________

(١) فتوح البلدان ١ / ٢٨.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ / ٤٠٤ ، والاكتفاء في مغازي رسول الله ، والثلاثة الخلفاء ٢ / ٢٦٨ ، وراجع مغازي الواقدي ص ٦٩٢ ـ ٦٩٣ ، وإمتاع الأسماع ص ٣٢٩.

(٣) فتوح البلدان ١ / ٣٢.

(٤) مغازي الواقدي ص ٦٩٣ ، وراجع فتوح البلاذري ١ / ٢٧ وطبعة أخرى ١ / ٣٣.

(٥) اصطلحوا كما ذكرنا على تسمية كل ما ترك رسول الله من ضياع بالصدقة أخذا برواية أبي بكر عن النبي «ما تركنا صدقة».

(٦) وفاء الوفاء ص ١٢١٠ ، وراجع سيرة ابن هشام.

(٧) في كتابي الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٧٠ ، ولأبي يعلى ص ١٨٤ ـ ١٨٥ ، وراجع الأموال لأبي عبيد ص ٥٦.

١٤٤

وهي مثل مجموع سهام سائر الغزاة في خيبر ، وهذا يقتضي أن يكون قسم من خيبر ممّا أفاء الله على رسوله بلا إيجاف خيل ولا ركاب ، وأنّ ذلك أضيف إلى سهم الخمس ممّا فتح منها عنوة وبذلك صار مجموع سهام النبي مساويا لمجموع سهام المسلمين منها.

ه ـ فدك : قال ياقوت : فدك قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة ، وفيها عين فوّارة ونخيل كثير (١).

بعث رسول الله (ص) إلى أهل فدك وهو بخيبر أو منصرفه منه يدعوهم إلى الإسلام فابوا (٢). فلما فرغ رسول الله (ص) من خيبر ، قذف الله الرعب في قلوبهم فبعثوا إلى رسول الله (ص) يصالحونه على النصف فقبل ذلك منهم (٣).

وفي الأموال لأبي عبيد : كان أهل فدك قد أرسلوا إلى رسول الله (ص) فبايعوه على أنّ لهم رقابهم ونصف أراضيهم ونخلهم ، ولرسول الله شطر أراضيهم ونخلهم (٤).

وفي فتوح البلدان : فكان نصف فدك خالصا لرسول الله ، لأنّه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب وكان يصرف ما يأتيه منها (٥).

وفي شواهد التنزيل للحسكانيّ ، وميزان الاعتدال للذهبيّ ، ومجمع الزوائد للهيثمي ، والدّرّ المنثور للسيوطي ، ومنتخب كنز العمال ، واللفظ للأول عن أبي سعيد الخدري : لمّا

نزلت (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) دعا النبيّ فاطمة وأعطاها فدك (٦).

وفي تفسير الآية (٣٨) من سورة الروم عن ابن عباس كذلك (٧).

و ـ وادى القرى : وادي القرى واد بين المدينة والشام ، ما بين تيماء وخيبر ، وتيماء بليد بأطراف الشام (٨).

__________________

(١) بمادة «فدك» من معجم البلدان.

(٢) فتوح البلدان ١ / ٣١ و ٣٢ ـ ٣٤ منه ، وكتابا الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٧٠ ، ولأبي يعلى ص ١٨٥.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ٤٠٨ ، والاكتفاء ٢ / ٢٥٩ ، وراجع مغازي الواقدي ص ٧٠٦ ـ ٧٠٧ ، وإمتاع الأسماع ص ٣٣١ ، وشرح النهج ٤ / ٧٨.

(٤) الأموال لأبي عبيد ص ٩.

(٥) فتوح البلدان للبلاذري ، ١ / ٤١ ، ط. دار النشر للجامعيين ، بيروت ، ١٩٥٧ م.

(٦) بتفسير الآية ٢٦ من سورة بني إسرائيل في شواهد التنزيل ١ / ٣٣٨ ـ ٣٤١ بسبعة طرق ، والدرّ المنثور ٤ / ١٧٧ ، وميزان الاعتدال ٢ / ٢٢٨ ط. الأولى ، وكنز العمال ٢ / ١٥٨ ط. الأولى ومنتخبه ٢ / ١٥٨ ، ومجمع الزوائد ٧ / ٤٩ ، والكشاف ٢ / ٤٤٦ ، وتاريخ ابن كثير ٣ / ٣٦.

(٧) شواهد التنزيل للحسكاني ١ / ٤٤٣.

(٨) بمادة «تيماء» من معجم البلدان.

١٤٥

وسمّي وادي القرى ، لأنّ الوادي من أوّله إلى آخره قرى منظومة ، وفيه قرى كثيرة على طريق حاج الشام وكان اليهود يسكنونها (١).

خبر فتح وادى القرى : (٢)

أتى رسول الله (ص) منصرفه من خيبر في جمادي الآخرة سنة سبع وادي القرى ، فدعا أهلها إلى الإسلام فامتنعوا وقاتلوا ، ففتحها عنوة ، وغنّمه الله أموال أهلها ، واصاب المسلمون منها أثاثا ومتاعا ، فخمّس رسول الله ذلك وترك النخل والأرض في أيدي اليهود ، عاملهم على نحو ما عامل عليه أهل خيبر ، وكان له منها ـ أيضا ـ الخمس وأقطع حمزة بن النعمان العذري رمية سوط من وادي القرى (٣).

ولهذا قال القاضيان الماوردي وأبو يعلى : كان له الثلث من وادي القرى ، لأنّ الثلث كان لبني عذرة وثلثاها لليهود فصالحهم رسول الله على نصفه فصارت أثلاثا ثلثها لرسول الله (ص) ... (٤).

ز ـ مهزور : قال القاضيان الماوردي وأبو يعلى : الصدقة الثامنة موضع بسوق المدينة يقال له مهزور ، استقطعها مروان من عثمان فنقم الناس عليه (٥).

قال المؤلّف : كان مهزور واديا في العالية سكنته بنو قريضة ، ولعله اتّخذ سوقا بعد اتساع المدينة.

وسوى ما ذكرنا كان النبيّ قد ورث من أمّه آمنة بنت وهب دارها الّتي ولد فيها بمكة في شعب بني علي.

وورث من زوجته خديجة بنت خويلد دارها بمكة بين الصفا والمروة خلف سوق العطّارين ، فباعها عقيل بن أبي طالب بعد هجرة رسول الله (ص) إلى المدينة فلمّا قدم مكّة في حجّة الوداع قيل له : في أيّ داريك تنزل؟ فقال : هل ترك لنا عقيل من

__________________

(١) مادة «القرى» و «وادي القرى» من معجم البلدان.

(٢) فتوح البلدان ١ / ٣٩ ـ ٤٠ ، ومغازي الواقدي ص ٧١٠ ـ ٧١١ ، وإمتاع الأسماع ص ٣٣٢.

(٣) فتوح البلدان ١ / ٤٠.

وحمزة كان سيد بني عذرة وهو أول أهل الحجاز قدم على النبي بصدقة بنى عذرة. أسد الغابة ٢ / ٥٧.

(٤) الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٧٠ ، ولأبي يعلي ص ١٨٥.

(٥) الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٧٠ ـ ١٧١ ، ولأبي يعلي ص ١٨٥.

١٤٦

ربع (١).

وأمّا رحل رسول الله (ص) فقد روى هشام الكلبي عن عوانة بن الحكم أنّ أبا بكر الصدّيق (رض) دفع إلى علي (رض) آلة رسول الله (ص) ودابّته وحذاءه وقال ما سوى ذلك صدقة (٢).

* * *

كانت تلك أخبار ما تملّكه الرسول بالخمس والهبة والفيء من الضياع ، وهب شيئا منها إلى بعض صحابته وبعض ذوي قرباه في حياته ، وأمسك بعضها ضمن ما يملكه وفي ما يلي أخبار تركته من بعده :

خبر تركة الرسول وخبر شكوى فاطمة

استولى الصحابيان الخليفتان أبو بكر وعمر (رض) مرّة واحدة على كلّ ما تركه الرسول من ضياع من بعده ولم يتعرّضا لشيء ممّا أقطع منها للمسلمين عدا ما فعلا بفدك التي كان النبي قد أقطعها ابنته فاطمة في حياته ، فإنّهما استوليا عليها كما استوليا على سائر ضياع النبيّ ومن هنا نشأ الخلاف بين فاطمة وبينهما على ذلك ، وعلى إرثها من الرسول كما شرحته الروايات الآتية :

أ ـ رواية عمر :

عن عمر : لمّا قبض رسول الله (ص) جئت أنا وابو بكر إلى علي فقلنا : ما تقول في ما ترك رسول الله (ص)؟

قال : نحن أحقّ الناس برسول الله (ص).

قال : فقلت : والّذي بخيبر؟

قال : والّذي بخيبر.

قلت : والّذي بفدك؟

قال : والذي بفدك.

فقلت : أما والله حتّى تحزّوا رقابنا بالمناشير فلا (٣).

__________________

(١) الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٧١ ، ولأبي يعلى ص ١٨٥ ـ ١٨٦.

(٢) الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٧١ ، ولأبي يعلى ص ١٨٦.

(٣) مجمع الزوائد ج ٩ / ٣٩ باب «في ما تركه الرسول (ص)» عن الطبراني في الأوسط.

١٤٧

ب ـ رواية أمّ المؤمنين عائشة (رض):

في صحيح البخاري ومسلم ومسند أحمد وسنن أبي داود والنسائي وطبقات ابن سعد واللفظ للأوّل : عن أمّ المؤمنين عائشة : انّ فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبيّ (ص) في ما أفاء الله على رسوله (ص) تطلب صدقة النبيّ الّتي بالمدينة (١) ، وفدك وما بقي من خمس خيبر (٢).

فقال أبو بكر : إنّ رسول الله (ص) قال «لا نورث ما تركنا فهو صدقة ، إنّما يأكل آل محمّد من هذا المال يعني مال الله ليس لهم أن يزيدوا على المأكل» وإنّي والله لا أغيّر شيئا من صدقات النّبيّ الّتي كانت عليها في عهد النبيّ (ص) ، ولأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول الله (ص) (٣).

في هذا الحديث سمّى أبو بكر تركة الرسول : «الصدقات» استنادا إلى الرواية الّتي رواها هو عن الرسول بأنّه قال : «ما تركنا فهو صدقة» ومنذ ذلك التاريخ وإلى يومنا هذا سمّيت تركة الرسول بالصدقات.

أمّا قوله : «لأعملنّ فيها بما عمل رسول الله فيها» وما هو قصده من العمل الّذي قال إنّه سيعمل فيها ، فإنّه يعرف من الحديث الآتي عن أمّ المؤمنين عائشة :

إنّ أوّل هذا الحديث كالحديث الماضي إلى قولها : «... فغضبت فاطمة بنت رسول الله (ص) ، فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتّى توفيت وعاشت بعد رسول الله (ص) ستّة أشهر ، قالت عائشة : فكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة (٤). فأبى أبو بكر عليها ذلك ، وقال : لست تاركا شيئا كان رسول الله يعمل به إلّا عملت به ، فإنّي أخشى إن تركت شيئا من أمره أن

__________________

(١) تقصد من صدقته بالمدينة الحوائط السبعة اللاتي وهبها مخيريق للنبيّ كما شرحناه سابقا.

(٢) تقصدها بقي من خمس خيبر : أن رسول الله أقطع شيئا من سهمه من الخمس إلى بعض صحابته فما بقي من خمس خيبر يعني ما عدا ما أقطع.

(٣) صحيح البخاري ٢ / ٢٠٠ باب مناقب قرابة رسول الله من كتاب المناقب ، سنن أبي داود ٢ / ٤٩ كتاب الخراج ، باب صفا يا رسول الله ، وسنن النسائي ٢ / ١٧٩ باب قسم الفيء ، ومسند أحمد ١ / ٦ و ٩ ، وطبقات ابن سعد ٢ / ٣١٥ ، وج ٨ منه ص ٢٨ ، ومنتخب الكنز باب ما يتعلق بميراثه ، ج ٣ / ١٢٨.

(٤) صحيح البخاري ٢ / ١٢٤ باب فرض الخمس من كتاب الخمس ، وصحيح مسلم ، الحديث ٥٤ من كتاب الجهاد. وراجع تاريخ الإسلام للذهبي ج ١ / ٣٤٦ وتاريخ ابن كثير ٧ / ٢٨٥ باب «بيان أنّه عليه‌السلام قال لا نورث» ، وسنن البيهقي ٦ / ٣٠٠ ، ومسند أحمد ١ / ٦ ، وطبقات ابن سعد ٨ / ١٨.

١٤٨

أزيغ.

فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعبّاس ، وأمّا خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال : هما صدقة رسول الله (ص) كانتا لحقوقه الّتي تعروه ونوائبه وأمرهما إلى من ولى الأمر ، قال : فهما على ذلك إلى اليوم (١).

في حديث عائشة الثاني هذا : يصرّح الخليفة بأن ضياع رسول الله كانت لحقوقه الّتي تعروه ونوائبه وأمرهما إلى من ولي الأمر من بعده ، إذن فهو الّذي ينفق منها لحقوقه الّتي تعروه ونوائبه وهذا هو معنى قول الخليفة في الحديث الأول : لأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول الله أي لأنفقنّ منها لحقوقي الّتي تعروني ونوائبي.

وإلى هذا ـ أيضا ـ يشير في حديث عائشة الثالث الآتي في صحيح البخاري ومسلم عن عائشة : أنّ فاطمة (س) بنت النبيّ (ص) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر (٢) فقال أبو بكر : إنّ رسول الله قال : «لا نورث ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمّد (ص) في هذا المال» ، وانّي لا اغيّر شيئا من صدقة رسول الله (ص) عن حالها الّتي كان عليها في عهد رسول الله (ص) ، ولأعملنّ فيها بما عمل به رسول الله (ص) فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفيّت وعاشت بعد النبيّ ستة اشهر فلمّا توفيت دفنها زوجها عليّ ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها ، وكان لعليّ من الناس وجه حياة فاطمة فلمّا توفّيت استنكر على وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن بايع تلك الأشهر ... الحديث (٣).

* * *

اقتصرت أمّ المؤمنين عائشة في ذكرها مورد نزاع فاطمة مع أبي بكر في أحاديثها المطوّلة بذكر مطالبتها إيّاهم إرث أبيها الرسول بينما كانت خصومتها معهم في ثلاثة أمور :

أ ـ مطالبتها إياهم بمنحة الرسول ، ب ـ مخاصمتها إياهم في إرث الرسول ، ج ـ مخاصمتها إياهم في سهم ذي القربى. وفي ما يلي بيان ذلك :

__________________

(١) و (٢) راجع الهامش ٤ من الصفحة السابقة.

(٣) صحيح مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب قول النبي لا نورث ، الحديث ٥٢ ص ١٣٨٠ ، والبخاري ٣ / ٣٨ باب غزوة خيبر ، وسنن البيهقي ٦ / ٣٠٠ ، ومشكل الآثار ١ / ٤٧.

١٤٩

أ ـ مطالبتها إياهم بمنحة الرسول

في فتوح البلدان : إنّ فاطمة (رض) قالت لأبي بكر الصدّيق (رض) : أعطني فدك فقد جعلها رسول الله لي ، فسألها البيّنة فجاءت بأمّ أيمن ورباح مولى النبيّ فشهدا لها بذلك ، فقال : إنّ هذا الأمر لا تجوز فيه إلّا شهادة رجل وامرأتين.

وفي رواية أخرى : شهد لها عليّ بن أبي طالب ، فسألها شاهدا آخر فشهدت لها أمّ أيمن (١).

من البديهي إنّ هذه الخصومة كانت بعد أن استولى أبو بكر على فدك كما استولى على ضياع رسول الله غير فدك. وبعد ردّ أبي بكر شهود فاطمة في شأن فدك ثنّت بخصومة أخرى في شأن إرث الرسول كما توضحه الروايات الآتية بالإضافة إلى أحاديث أمّ المؤمنين عائشة السالفة.

ب ـ مخاصمتها إياهم في إرث الرسول

١ ـ رواية أبي الطفيل (٢) : بمسند أحمد وسنن أبي داود ، وتاريخ الذهبيّ ، وتاريخ ابن كثير ، وشرح النهج ، واللفظ للأوّل ، عن أبي الطفيل قال : لما قبض رسول الله (ص) أرسلت فاطمة إلى أبي بكر : أنت ورثت رسول الله (ص) أم أهله؟

قال : فقال «لا ، بل أهله».

قالت : فأين سهم رسول الله (ص) (٣).

قال فقال أبو بكر : انّي سمعت رسول الله يقول : «إنّ الله عزوجل إذا أطعم

__________________

(١) فتوح البلدان ١ / ٣٤ ـ ٣٥.

وأمّ أيمن بركة الحبشية مولاة رسول الله وحاضنته ، أعتقها رسول الله وأسلمت قديما وهاجرت إلى الحبشة والمدينة تزوجها عبيد الحبشي ومن بعده زيد بن حارثة. توفيت بعد رسول الله بخمسة أشهر أو ستة أو في خلافة عثمان ، أخرج ابن ماجة لها خمسة أحاديث في سننه. أسد الغابة ٥ / ٥٦٧. جوامع السيرة ص ٢٨٩ ، وتقريب التهذيب ٢ / ٦١٩ ، ورباح كان مولى أسود لرسول الله يستأذن عليه وصيره بعد قتل يسار مكانه يقوم بلقاحه أسد الغابة ٢ / ١٦٠ ، وجوامع السيرة ص ٢٧ ، والإصابة ١ / ٤٩٠.

(٢) أبو الطفيل : عامر بن واثلة الكناني الليثي عد في صغار الصحابة ولد عام أحد وكان من أصحاب على المحبين له وشهد معه مشاهده كلها ، وكان ثقة مأمونا إلا أنه كان يقدم عليا وهو آخر من مات ممن رأى النبي مات سنة ١٠٠ أو ١١٦. أسد الغابة ، ٣ / ٩٦ أخرج له أصحاب الصحاح للستة تسعة أحاديث. جوامع السيرة ص ٢٨٦ ، وتقريب التهذيب ١ / ٣٨٩.

(٣) لعل هذا الاحتجاج كان في أمر سهم رسول الله من خمس خيبر ووادي القرى.

١٥٠

نبيّا طعمة ثمّ قبضه جعله للّذي يقوم من بعده ، فرأيت أن أردّه على المسلمين».

قالت : فأنت وما سمعت من رسول الله أعلم (١).

وفي شرح النهج بعد هذا : ما أنا بسائلتك بعد مجلسي!

٢ ـ رواية أبي هريرة :

أ ـ في سنن الترمذي عن أبي هريرة : انّ فاطمة جاءت إلى أبي بكر وعمر (رض) تسأل ميراثها من رسول الله (ص) فقالا : سمعنا رسول الله يقول «إنّي لا أورث».

قالت : والله لا أكلّمكما أبدا ، فماتت ولا تكلّمهما (٢).

ب ـ في مسند أحمد وسنن الترمذي وطبقات ابن سعد وتاريخ ابن كثير واللفظ للأوّل عن أبي هريرة قال : إنّ فاطمة قالت لأبي بكر : من يرثك إذا متّ؟

قال : ولدي وأهلي.

قالت : فما لنا لا نرث النبيّ (ص)؟!

قال : سمعت النبيّ (ص) يقول : «إنّ النبيّ لا يورث» ولكنّي أعول من كان رسول الله (ص) يعول وأنفق على من كان رسول الله ينفق عليه (٣).

٣ ـ رواية عمر :

في طبقات ابن سعد عن عمر قال : لمّا كان اليوم الّذي توفّي فيه رسول الله (ص) بويع لأبي بكر في ذلك اليوم ، فلمّا كان من الغد جاءت فاطمة لأبي بكر معها عليّ فقالت : ميراثي من رسول الله أبي (ص) فقال أبو بكر : أمن الرثة أو من العقد؟

قالت : فدك ، وخيبر وصدقاته بالمدينة أرثها كما ترثك بناتك إذا متّ.

فقال أبو بكر : أبوك والله خير منّي وأنت والله خير من بناتي وقد قال رسول الله (ص) : «لا نورث ما تركنا صدقة» يعني هذه الأموال القائمة (٤).

__________________

(١) مسند احمد ١ / ٤ الحديث ١٤ ، وسنن أبي داود ٣ / ٥٠ كتاب الخراج ، وتاريخ ابن كثير ٥ / ٢٨٩ ، وشرح النهج ٤ / ٨١ نقلا عن أبي بكر الجوهري والتتمة من ص ٨٧ منه ، وتاريخ الذهبي ١ / ٣٤٦.

(٢) رواية أبي هريرة الأولى في سنن الترمذي ٧ / ١١١ أبواب السير ما جاء في تركة الرسول.

(٣) رواية ابي هريرة الثانية بمسند أحمد ١ / ١٠ الحديث ٦٠ ، والحديث فيه مروي عن أبي سلمة ، وفي سنن الترمذي ٧ / ١٠٩ باب ما جاء في تركة الرسول ، وطبقات ابن سعد ٥ / ٣٧٢ ، وابن كثير ٥ / ٢٨٩.

(٤) رواية عمر في طبقات ابن سعد ٢ / ٣١٦ ، والرثة بوزن الهرة : متاع البيت الدون. والعقد : أصحاب الولايات على الأمصار من عقد الالوية للأمراء ، كذا فسرهما ابن الأثير في نهاية اللغة.

١٥١

نرى أنّ تحديد عمر زمن مجيء فاطمة إلى أبي بكر ، لا يستقيم مع مجرى الحوادث بعد السقيفة ، وإنّما الصواب ما قاله ابن أبي الحديد :

«حديث فدك وحضور فاطمة عند أبي بكر كان بعد عشرة أيّام من وفاة رسول الله»(١).

ومهما كان من أمر زمان ذلك ، فإنّ أبا بكر منعها إرثها من الرسول بما روى هو عن الرسول «إنّا لا نورث ما تركنا صدقة» كما صرّحت بذلك أمّ المؤمنين حيث قالت : واختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد من ذلك علما ، فقال أبو بكر : سمعت رسول الله (ص) يقول : «إنّا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة» (٢).

وكذلك قال ابن أبي الحديد في شرح النهج «المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلّا أبو بكر وحده» (٣).

وقال : «إنّ اكثر الروايات أنّه لم يرو هذا الخبر إلّا أبو بكر وحده ، ذكر ذلك أعظم المحدّثين حتّى أنّ الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد ، وقال شيخنا أبو عليّ : لا يقبل في الرواية إلّا رواية اثنين كالشهادة ، فخالفه المتكلمون والفقهاء كلهم ، واحتجوا بقبول الصحابة رواية أبي بكر وحده : نحن معاشر الأنبياء لا نورث (٤).

وفي تعداد السيوطى لروايات أبي بكر قال : «التاسع والعشرون حديث لا نورث ، ما تركناه صدقة» (٥).

قال المؤلّف : مع كلّ هذا وضعوا أحاديث أسندوا فيها إلى غير أبي بكر أنّه روى ذلك عن الرسول (٦).

ج ـ مخاصمتها إياهم في سهم ذي القربى

لمّا منعوا ابنة الرسول من إرث ابيها بحديث أبي بكر ، طالبتهم بسهم ذي القربى كما روى أبو بكر الجوهريّ ذلك في ثلاث روايات :

__________________

(١) شرح النهج ٤ / ٩٧.

(٢) كنز العمال ج ١٤ / ١٣٠ ، الفضائل (الأقعال) فضل الصديق.

(٣) شرح النهج ٤ / ٨٢.

(٤) شرح النهج ٤ / ٨٥.

(٥) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٨٩.

(٦) راجع شرح النهج ٤ / ٨٥.

١٥٢

١ ـ عن أنس بن مالك أنّ فاطمة (س) أتت أبا بكر فقالت : لقد علمت الذي ظلمتنا أهل البيت من الصدقات (١) وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن الكريم من سهم ذوي القربى. ثمّ قرأت عليه قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) الآية ، فقال لها أبو بكر : بأبي أنت وأمي ووالد ولدك ، السمع والطاعة لكتاب الله ولحقّ رسول الله (ص) وحقّ قرابته ، وأنا أقرأ من كتاب الله الّذي تقرئين منه ، ولم يبلغ علمي منه أنّ هذا السهم من الخمس مسلّم إليكم كاملا ، قالت : أفلك هو ولأقربائك؟ قال : لا ، بل انفق عليكم منه وأصرف الباقي في مصالح المسلمين ، قالت : ليس هذا حكم الله ... الحديث.

٢ ـ عن عروة قال : أرادت فاطمة أبا بكر على فدك وسهم ذوي القربى فأبى عليها وجعلها في مال الله تعالى.

٣ ـ عن الحسن بن محمّد بن علي بن أبي طالب (ع) أنّ أبا بكر منع فاطمة وبني هاشم سهم ذوي القربى ، وجعله في سبيل الله ، في السلاح والكراع (٢).

وفي كنز العمال عن أمّ هاني قالت : انّ فاطمة اتت أبا بكر تسأله سهم ذوي القربى ، فقال لها أبو بكر : سمعت رسول الله يقول : «سهم ذوي القربى لهم في حياتي وليس لهم بعد موتي» (٣).

وفي رواية أخرى لأمّ هاني جمعت في الذكر بين مخاصمتها إيّاهم في الإرث ومخاصمتها في سهم ذوي القربى كما يأتي :

في فتوح البلدان ، وطبقات ابن سعد ، وتاريخ الإسلام للذهبي ، وشرح النهج واللفظ للأوّل ، عن أمّ هاني قالت : إنّ فاطمة بنت رسول الله أتت أبا بكر (رض) فقالت : من يرثك إذا متّ؟

قال : ولدي وأهلي.

قالت : فما بالك ورثت رسول الله دوننا!؟

__________________

(١) لعل المقصود بالصدقات منها بعض الحوائط السبعة التي ذكر في بعض الروايات أن الرسول تصدق بها.

(٢) الروايات الثلاث في شرح النهج ٤ / ٨١ والرواية الأولى في تاريخ الإسلام للذهبي ١ / ٣٤٧.

(٣) رواية أمّ هاني الأولى بكنز العمال ٥ / ٣٦٧ كتاب الخلافة مع الإمارة قسم الأفعال ، أمّ هاني بنت أبي طالب أسلمت عام الفتح وماتت في خلافة معاوية أخرج لها أصحاب الستة ٤٦ حديثا. اسد الغابة ٥ / ٦٢٤ ، وجوامع السيرة ص ٢٨٠ ، وتقريب التهذيب ٢ / ٦٢٥.

١٥٣

قال : يا بنت رسول الله! ما ورثت أباك ذهبا ولا فضّة.

فقالت : سهمنا بخيبر و «صدقتنا» (١) فدك.

ولفظ طبقات ابن سعد : «قال ما ورثت أباك أرضا ولا ذهبا ولا فضّة ولا غلاما ولا مالا».

قالت : فسهم الله (٢) الذي جعله لنا وصافيتنا بيدك.

قال : يا بنت رسول الله سمعت رسول الله يقول : «إنّما هي طعمة أطعمني الله حياتي فإذا متّ فهي بين المسلمين» (٣). وفي لفظ ابن أبي الحديد وتاريخ الإسلام للذهبي : قال : ما فعلت يا بنت رسول الله (ص).

فقالت : بلى إنّك عمدت إلى فدك وكانت صافية لرسول الله (ص) فأخذتها ، وعمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنّا!

فقال : يا بنت رسول الله! لم أفعل ، حدّثني رسول الله (ص) أنّ الله تعالى يطعم النبيّ (ص) الطعمة ما كان حيّا فإذا قبضه إليه رفعت.

فقالت : أنت ورسول الله أعلم ، ما أنا بسائلتك بعد مجلسي ، ثمّ انصرفت.

تقصد من سهم الله سهامهم من الخمس ، ومن الصافية صوافي رسول الله ، ومن قولها «عمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا» سهم ذوي القربى الّذي نزل في القرآن ، وحكم الإرث الذي يعمّ المسلمين كافّة رسول الله ومن عداه.

وذكرت بعض الروايات أنّ العبّاس اشترك معها في مطالبة إرث الرسول مثل ما رواه ابن سعد في طبقاته ، وتابعه المتّقي في كنز العمّال واللفظ للأوّل قال : جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها ، وجاء العبّاس بن عبد المطّلب يطلب ميراثه ، وجاء معه علي فقال أبو بكر : قال رسول الله : «لا نورث ما تركناه صدقة» وما كان النبيّ يعول فعلي. فقال عليّ : «وورث سليمان داود» وقال «يرثني ويرث من آل يعقوب».

قال أبو بكر : هو هكذا وأنت والله تعلم مثل ما أعلم.

__________________

(١) «صدقتنا» تحريف والصواب ما في طبقات ابن سعد «صافيتنا» وذلك لأن فدك كانت صافية لرسول الله قبل أن يمنحها لفاطمة.

(٢) فتوح البلدان ١ / ٣٥ ـ ٣٦ ، وطبقات ابن سعد ٢ / ٣١٤ ـ ٣١٥ ، وشرح النهج ٤ / ٨١ ، والتتمة في ص ٨٧ منه ، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ١ / ٣٤٦.

(٣) طبقات ابن سعد ٢ / ٣١٥ ، وكنز العمال ٥ / ٣٦٥ كتاب الخلافة مع الإمارة من قسم الأفعال.

١٥٤

فقال علي : هذا كتاب الله ينطق! فسكتوا وانصرفوا (١).

نرى في هذه الرواية وهما من الرواة وأن العباس لم يأت مع علي ليطلبا إرثا ، وإنّما جاءا ليعينا فاطمة. ولعلّ العباس طالب بسهمه من الخمس ، فالتبس الأمر على الرواة ، وذكروا أنّه جاء يطلب الميراث.

* * *

لمّا أدلت فاطمة بكلّ ما لديها من دليل وشهود وأبى أبو بكر أن يقبل منها ويعطيها شيئا من تركة الرسول ومنحته ، رأت أن تبسط الخصومة على ملاء من المسلمين ، وتستنصر أصحاب أبيها ، فذهبت إلى مسجده كما رواه المحدّثون والمؤرخون.

في سقيفة أبي بكر الجوهري برواية ابن أبي الحديد وبلاغات النساء لأحمد بن أبي طاهر البغدادي واللفظ للأوّل : لمّا بلغ فاطمة إجماع أبي بكر على منعها فدك ، لاثت خمارها على رأسها ، واشتملت جلبابها ، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (ص) حتّى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت دونها ملاءة ثمّ أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء وارتجّ المجلس ، ثمّ أمهلت هنيئة حتّى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم ، افتتحت كلامها بالحمد لله عزوجل والثناء عليه ، والصلاة على رسول الله ، ثمّ قالت : أنا فاطمة ابنة محمّد ، أقول عودا على بدء ، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم ، فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم وأخا ابن عمّي دون رجالكم ، ثم استرسلت في خطبتها إلى قولها :

ثمّ أنتم الآن ، تزعمون أن لا إرث لنا (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، يا ابن أبي قحافة! أترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريّا فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم محمّد (ص) والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون. ثمّ انكفأت إلى قبر أبيها (ع) تقول : قد كان بعدك أنباء وهنبثة ... الأبيات (٢)

قال : ولم ير الناس أكثر باك ولا باكية منهم يومئذ ، ثم عدلت إلى مسجد الأنصار ، فقالت :

__________________

(١) راجع الهامش ٣ من الصفحة السابقة.

(٢) شرح النهج ٤ / ٧٨ ـ ٧٩ ، وص ٩٣ منه وبلاغات النساء ص ١٢ ـ ١٥.

١٥٥

يا معشر البقيّة وأعضاد الملّة وحضنة الإسلام! ما هذه الفترة عن نصرتي ، والونية عن معونتي ، والغمزة في حقّي ، والسنة عن ظلامتي؟! أما كان رسول الله (ص) يقول : «المرء يحفظ في ولده»؟ سرعان ما أحدثتم وعجلان ما أتيتم ، ألأن مات رسول الله (ص) أمتم دينه!؟ ها ، إنّ موته لعمري خطب جليل ، استوسع وهنه ، واستبهم فتقه ، وفقد راتقه ، واظلمت الأرض له ، وخشعت الجبال ، وأكدت الآمال ، اضيع بعده الحريم ، وهتكت الحرمة ، وازيلت المصونة ، وتلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته ، وأنبأكم بها قبل وفاته ، فقال : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ).

إيها بني قيلة اهتضم تراث أبي وأنتم بمرأى ومسمع تبلغكم الدعوة ، ويشملكم الصوت ، وفيكم العدّة والعدد ، ولكم الدار والجنن ، وأنتم نخبة الله الّتي انتخب ، وخيرته الّتي اختار. باديتم العرب ، وبادهتم الأمور ، وكافحتم البهم ، حتّى دارت بكم رحي الإسلام ، ودرّ حلبه وخبت نيران الحرب ، وسكنت فورة الشرك ، وهدأت دعوة الهرج واستوثق نظام الدين ، أفتأخرتم بعد الإقدام؟! ونكصتم بعد الشدّة ، وجبنتم بعد الشجاعة عن قوم نكصوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم «فقالوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون».

ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض ، وركنتم إلى الدعة ، فجحدتم الّذي وعيتم ودسعتم الّذي سوغتم ، وإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإنّ الله لغنيّ حميد.

ألا وقد قلت لكم ما قلت على معرفة منّي بالخذلة الّتي خامرتكم ، وخور القناة وضعف اليقين ، فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر ، ناقبة الخفّ ، باقية العار ، موسومة الشعار موصولة بنار الله الموقدة الّتي تطلع على الأفئدة ، فبعين الله ما تعملون ، وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.

قال : وحدّثني محمّد بن زكريا ، قال : حدثنا محمّد بن الضحاك ، قال : حدثنا هشام بن محمّد ، عن عوانة بن الحكم ، قال لمّا كلّمت فاطمة (ع) أبا بكر بما كلمته به ، حمد الله أبو بكر وأثنى عليه وصلّى على رسول ثمّ قال : يا خيرة النساء وابنة خير الآباء ، والله ما عدوت رأي رسول الله (ص) ، وما عملت إلّا بامره ، وإنّ الرائد لا يكذب أهله ، وقد قلت فأبلغت وأغلظت فأهجرت فغفر الله لنا ولك ، أما بعد فقد دفعت آلة رسول الله ودابّته وحذاءه إلى علي (ع) ، وأمّا ما سوى ذلك فإنّي سمعت

١٥٦

رسول الله (ص) يقول : «إنا معشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا أرضا ولا عقارا ولا دارا ، ولكنا نورث الإيمان والحكمة والعلم والسنّة» فقد عملت بما أمرني ونصحت له ، وما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

وفي رواية بلاغات النساء : ثمّ قالت : أيّها الناس! أنا فاطمة وأبي محمّد (ص) أقولها عودا على بدأ لقد جاءكم رسول من أنفسكم ... ثمّ ساق الكلام على مثل ما أوردناه إلى قوله :

ثمّ قالت أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول الله تبارك وتعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) ، وقال الله عزوجل في ما قصّ من خبر يحيى ابن زكريّا : ربّ (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) ، وقال عزّ ذكره : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) ، وقال : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، وقال : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) ، وزعمتم أن لا حقّ ولا إرث لي من أبي ولا رحم بيننا أفخصّكم الله بآية أخرج نبيّه (ص) منها أم تقولون : أهل ملّتين لا يتوارثون. أو لست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة لعلّكم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من النبيّ (ص) (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) ...(١).

قال ابن أبي الحديد : وحديث فدك وحضور فاطمة عند أبي بكر كان بعد عشرة أيّام من وفاة رسول الله (ص) ، والصحيح أنه لم ينطق أحد بعد ذلك من النّاس من ذكر أو أنثى بعد عود فاطمة (ع) من ذلك المجلس بكلمة واحدة في الميراث (٢).

الخلاصة :

دلّت الأحاديث الواردة في هذا الباب على أنّ خصومة ابنة الرسول معهم كانت في ثلاثة أمور :

١ ـ في منحة الرسول

منح الرسول ابنته فاطمة فدك بعد نزول آية (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) ، ولمّا توفي استولوا عليها مع ما استولوا عليه من تركة الرسول فخاصمتهم فاطمة في ذلك

__________________

(١) بلاغات النساء ص ١٦ ـ ١٧.

(٢) شرح النهج ٤ / ٩٧.

١٥٧

واستشهدت على صحّة تصرّفها بشاهد وشاهدة يشهد ان على أنّ الرسول كان قد منحها إيّاها في حياته ، ولم يقبلوا الشهادة لأنها لم تبلغ النصاب ، ويدلّ على أنّ فدك كانت بيدها ـ بالإضافة إلى ما أوردناه في ما سبق ـ قول الإمام عليّ في كتابه إلى عثمان بن حنيف واليه على البصرة :

«بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلته السماء فشحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين ، ونعم الحكم الله» (١).

٢ ـ في إرث الرسول

ترك الرسول من الضياع ما يلي :

أ ـ الحوائط السبعة اللاتي وهبهنّ مخيريق إيّاه.

ب ـ ما وهب الأنصار إيّاه وهي كلّ ما ارتفع من أراضيهم الزراعية.

ج ـ أراضي بني النضير الزراعية ونخيلها.

د ـ ١٨ سهما من مجموع ٣٦ سهما من أراضي خيبر وكانت ريف الحجاز.

ه ـ أراضي وادي القرى الزراعية ونخيلها.

وبعد وفاة الرسول استولى الخليفة عليهنّ جميعا واحتجّ بحديث رواه هو وحده عن الرسول أنه قال : «لا نورث ما تركنا صدقة». وأنّه قال : «إنّ الله عزوجل إذا أطعم نبيّا طعمة ، جعله للذي يقوم من بعده».

ولم يجد نفعا ما احتجّ به الإمام علي وفاطمة من تصريح القرآن بأنّ الأنبياء ورثوا ، وأنّ آيات الإرث عامّة وغير ذلك فاستنهضت الأنصار كذلك بلا جدوى فغضبت على أبي بكر وعمر ولم تكلّمهما حتّى توفيت واجدة عليهما.

٣ ـ في سهم ذي القربى

طلبت فاطمة من أبي بكر سهم ذي القربى وقالت له : لقد علمت الّذي ظلمتنا ... وقرأت عليه «واعلموا أنّما غنمتم ...» فأبى عليها ، وجعل سهم ذي القربى في السلاح والكراع ، أي صرفه على حرب الممتنعين من أداء الزكاة إليه ، فقالت له : عمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنّا.

__________________

(١) عثمان بن حنيف الأنصاري ثم الأوسي ولاه عمر مساحة الأرض وجبايتها بالعراق ، وولاه علي البصرة فأخرجه طلحة والزبير منها حين قدماها في وقعة الجمل ، وسكن الكوفة ومات بها في زمان معاوية. شرح النهج ٤ / ٧٧.

١٥٨

كان هذا خلاصة ما سبق وسيأتي مزيد بيان له في ما يلي :

تصرف الخلفاء في الخمس وفي تركة الرسول وفي فدك منحته لابنته :

أ ـ على عهد أبي بكر وعمر

في كتاب الخراج لأبي يوسف ، وسنن النسائي ، وكتاب الأموال لأبي عبيد ، وسنن البيهقي وتفسير الطبري وأحكام القرآن للجصّاص ، واللفظ للأوّل ، عن الحسن بن محمّد بن الحنفيّة قال : اختلف الناس بعد وفاة رسول الله (ص) في هذين السهمين :

سهم الرسول (ع) وسهم ذوي القربى ، فقال قوم : سهم الرسول للخليفة من بعده.

وقال آخرون : سهم ذوي القربى لقرابة الرسول (ص).

وقالت طائفة : سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة من بعده ، فأجمعوا على أن جعلوا هذين السهمين في الكراع والسلاح!

وفي سنن النسائي ، والأموال لأبي عبيد : فكانا في ذلك خلافة أبي بكر وعمر (١).

وفي رواية ابن عباس ، قال : جعل سهم الله وسهم رسوله واحدا ولذي القربى فجعل هذان السهمان في الخيل والسلاح ، وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعطى غيرهم (٢).

وفي رواية اخرى قال : فلمّا قبض الله رسوله ردّ أبو بكر نصيب القرابة في المسلمين فجعل يحمل به في سبيل الله (٣).

وعن قتادة لمّا سئل عن سهم ذي القربى ، قال : كان طعمة لرسول الله (ص) فلما توفي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله (٤).

ولعلّ هذا ما عناه جبير بن مطعم في روايته حيث يقول : لم يكن يعطي

__________________

(١) كتاب الخراج ص ٢٤ ـ ٢٥ ، وسنن النسائي ٢ / ١٧٩ ، وكتاب الأموال لأبي عبيد ص ٣٣٢ ، وتفسير الطبري ج ١٠ / ٦ ، وأحكام القرآن للجصاص ٣ / ٦٢ ، وسنن البيهقي ٦ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

(٢) تفسير الطبري ١٠ / ٦.

(٣) تفسير الطبري ١٠ / ٦ ، وأحكام القرآن للجصاص ج ٣ / ٦٠ باب قسمة الخمس قال : وقتادة عن عكرمة مثله.

(٤) تفسير الطبري ج ١٠ / ٦.

١٥٩

ـ أبو بكر ـ قربى رسول الله (ص) ما كان النبي يعطيهم (١).

* * *

كان ما ورد في هذه الروايات في أول الأمر وخاصّة في عصر أبي بكر حيث اتّجهت سياسة الخلافة إلى إرسال الجيوش لإخضاع الفئات المعارضة لبيعة أبي بكر ، والّتي امتنع قسم منهم من أداء الزكاة إلى السلطة أمثال مالك بن نويرة (٢) أو الّذين اختلفوا مع المصدّق على بعض مال الصدقة ، مثل بعض قبائل كندة (٣) وهؤلاء سمّوا بالمرتدّين ، وبعد إخضاع أمثال هؤلاء ، جهّزت الخلافة الجيوش للفتوح ومن بعد اتّساع الفتوح وازدياد الثروة وزّعوا الخمس على المسلمين بني هاشم وغيرهم ، ودفعوا إلى بني هاشم بعض تركة الرسول على أنّها صدقات ليتولوا توزيعها.

روى جابر قال : كان يحمل الخمس في سبيل الله تعالى ، ويعطي نائبة القوم فلمّا كثر المال جعله في غير ذلك (٤).

ويظهر من كثير من الروايات أنّ هذا التغيير حصل في عصر عمر ... وأنّ عمر أراد أن يعطي بني هاشم شيئا من الخمس فأبوا إلّا أن يأخذوا كلّ سهمهم كما جاء في جواب ابن عباس لنجدة الحروري حين سأله عن سهم ذوي القربى لمن هو.

قال : قد كنّا نقول «إنّا هم فأبى ذلك علينا قومنا (٥) وقالوا : قريش كلّها ذو قربى»(٦).

وفي رواية اخرى : قال ابن عباس : سهم ذي القربى لقربى رسول الله قسّمه لهم رسول الله (ص) وقد كان عمر عرض من ذلك علينا عرضا فرأيناه دون حقّنا فرددناه عليه وأبينا أن نقبله (٧).

__________________

(١) سنن أبي داود ، باب بيان مواضع الخمس ، وسنن البيهقي ج ٦ باب سهم ذوي القربى ، ومسند أحمد ٤ / ٨٣ ، ومجمع الزوائد ٥ / ٣٤١.

(٢) راجع فصل قصة مالك بن نويرة في «عبد الله بن سبأ» ج ١.

(٣) راجع فصل خاتمة الكتاب من (عبد الله بن سبأ) ٢ / ٢٨٩ ـ ٣٠٤.

(٤) الخراج لأبي يوسف ص ٢٣ ، وأحكام القرآن للجصاص ص ٣ / ٦١.

(٥) بصحيح مسلم ٥ / ١٩٨ باب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم ولفظ «وزعم قومنا أنه ليس لنا» من كتاب الجهاد ، ومسند أحمد ١ / ٢٤٨ و ٢٩٤ و ٣٠٤ و ٣٠٨ ، وسنن الدارمي ٢ / ٢٢٥ كتاب السير ، والطحاوي في مشكل الآثار ٢ / ١٣٦ و ١٧٩ ، ومسند الشافعي ١٨٣ ، وحلية أبي نعيم ٣ / ٢٠٥.

(٦) هذه الزيادة بتفسير الطبري ج ١٠ / ٥ ، والأموال لأبي عبيد ص ٣٣٣.

(٧) مسند احمد ١ / ٢٢٤ و ٣٢٠ ، وسنن أبي داود ٢ / ٥١ كتاب الخراج ، وسنن النسائي ٢ / ١٧٧ ، وسنن ـ

١٦٠