معالم المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٤

أرسلاه» (١).

إن الرسول (ص) حين طلب من قبيلتي سعد وجذام أن تدفعا الصدقة والخمس إلى رسوليه أو لمن يرسلاه إليه ، لم يكن يطلب منهما خمس غنائم حرب خاضتاها مع الكفّار ، وإنّما قصد ما استحق عليهما من الصدقة وخمس أرباحهما.

د ـ وكذلك ما كتب لمالك بن أحمر الجذامي ، ولمن تبعه من المسلمين أمانا لهم ما أقاموا الصلاة واتّبعوا المسلمين وجانبوا المشركين وأدّوا الخمس من المغنم وسهم الغارمين وسهم كذا وكذا ، الكتاب (٢).

ه ـ وما كتب للفجيع ومن تبعه : «من محمّد النبيّ للفجيع ومن تبعه وأسلم وأقام الصلاة وآتى الزكاة [وأطاع] (٣) الله ورسوله ، وأعطى من المغانم خمس الله ، ونصر النبيّ وأصحابه ، وأشهد على إسلامه ، وفارق المشركين فإنّه آمن بأمان الله وأمان محمّد» (٤).

و ـ وما كتب للأسبذيين :

«من محمّد النبيّ رسول الله لعباد الله الأسبذيّين ملوك عمان ، من منهم بالبحرين أنّهم إن آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله ، وأعطوا حقّ النبيّ ، ونسكوا نسك المسلمين فإنّهم آمنون وإنّ لهم ما أسلموا عليه ، غير أنّ مال بيت النار ثنيا لله ولرسوله ، وأن عشور التمر صدقة ونصف عشور الحبّ ، وأن للمسلمين

__________________

(١) طبقات ابن سعد ١ / ٢٧٠ ، وجذام : حي كبير من القحطانية ، نسبهم بجمهرة ابن حزم ص ٤٢٠ ـ ٤٢١ ، وسعد هذيم من بطون قضاعة ينسبون الى قحطان ، نسبهم بجمهرة ابن حزم ص ٤٤٧ أما أبيّ وعنبسة ففي الصحابة عدد بهذين الاسمين ، ولم يميز ابن سعد رسولي النبيّ بكنية أو لقب أو نسب لنعرفهما.

(٢) بترجمة مالك من اسد الغابة ٤ / ٢٧١ ، والاصابة ٣ / ٧٥٩٣ ، ولسان الميزان ٣ / ٢٠ ، وفي الأخير ورد اسمه مبارك بدلا من مالك.

ومالك بن أحمر من جذام بن عدي ، بطن من كهلان وكانت مساكنهم بين مدين إلى تبوك ولما أسلم مالك سأل الرسول أن يكتب له كتابا يدعو قومه إلى الإسلام ، فكتب له في رقعة آدم عرضها أربعة أصابع وطولها قدر شبر.

(٣) هكذا في أسد الغابة ورجح عندنا هذا على ما في طبقات ابن سعد : «وأعطى».

(٤) بطبقات ابن سعد ١ / ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ، وأسد الغابة ٤ / ١٧٥ ، والإصابة ٤ / الترجمة ٦٩٦٠ واللفظ للأول في ذكر وفد بني البكاء وهم بطن من بني عامر من العدنانية والفجيع بن عبد الله البكائي. ترجمته في أسد الغابة والإصابة وذكرا وفادته إلى الرسول أيضا بترجمة بشر بن معاوية بن ثور البكائي. الإصابة ١ / ١٦٠.

١٢١

نصرهم ونصحهم وأن لهم أرحاؤهم يطحنون بها ما شاءوا» (١).

إنّ المقصود من حقّ النبيّ في هذا الكتاب هو الخمس وحده أو الخمس والصفيّ معا ، وقد سبق شرح الصفي.

ز ـ وكذلك المقصود من «حظ الله وحظّ الرسول» هو الخمس في ما كتب «لمن أسلم من حدس ولخم» وأقام الصلاة وأعطى الزكاة وأعطى حظّ الله وحظّ الرسول ، وفارق المشركين فإنّه آمن بذمّة الله وذمّة محمّد ، ومن رجع عن دينه فإنّ ذمّة الله وذمّة رسوله منه بريئة ...» (٢) الكتاب.

ح ـ وفي ما كتب لجنادة الأزدي وقومه ومن تبعه : «ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله وأعطوا من المغانم خمس الله وسهم النبيّ وفارقوا المشركين فإنّ لهم ذمّة الله وذمّة محمّد بن عبد الله» (٣).

ط ـ وفي ما كتب لبني معاوية بن جرول الطائيين : «لمن أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من المغانم خمس الله وسهم النبيّ وفارق المشركين وأشهد على إسلامه أنّه آمن بأمان الله ورسوله وأنّ لهم ما أسلموا عليه» (٤).

وكتاب آخر لبني جوين الطائيين ، أو أنّه رواية اخرى للكتاب الأوّل مع

__________________

(١) مجموعة الوثائق السياسة لمحمد حميد الله نقلا عن الأموال لأبي عبيد ص ٥٢ ، وصبح الأعشى للقلقشندي ٦ / ٣٨٠.

والأسبذي نسبة إلى قرية بهجر كان يقال لها : الأسبذ ، وما قيل : إنّه نسبة إلى الأسبذيين الذين كانوا يعبدون الخيل لا يتفق وما ورد في كتاب الرسول «لعباد الله الاسبذيين» فإنّ الرسول قد نسبهم إلى عبودية الله وهذا ينافي أن ينسبهم بعده إلى عبادة الخيل. راجع فتوح البلدان ص ٩٥.

(٢) طبقات ابن سعد ١ / ٢٦٦. وحدس بن أريش بطن عظيم من لخم من القحطانية ، ونسبهم بجمهرة ابن حزم ص ٤٢٣.

(٣) طبقات ابن سعد ١ / ٢٧٠ باب ذكر بعثة رسول الله (ص) بكتبه ، وفي ترجمة جنادة بأسد الغابة ١ / ٣٠٠ وراجع كنز العمال ط. الأولى ج ٥ / ٣٢٠.

وذكروا لجنادة الأزدي أربع تراجم : ١ ـ لجنادة بن أبي أميّة. ٢ ـ لجنادة بن مالك ٣ ـ لجنادة الأزدي ، وهذا لم يذكروا اسم أبيه ٤ ـ جنادة غير منسوب ، وأوردوا هذا الخبر بترجمة الأخير ولعل الأربعة شخص واحد. راجع أسد الغابة ١ / ٢٩٨ ـ ٣٠٠.

(٤) طبقات ابن سعد ١ / ٢٦٩.

١٢٢

اختلاف يسير في اللفظ (١).

ي ـ وفي ما كتب لجهينة بن زيد : «إنّ لكم بطون الأرض وسهولها وتلاع الأودية وظهورها ، على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءها ، على أن تؤدّوا الخمس. وفي التيعة والصريمة ، شاتان إذا اجتمعتا ، فإن فرقتا فشاة شاة ، ليس على أهل المثير صدقة ...» (٢).

قال ابن الأثير في نهاية اللغة : «التيعة : اسم لأدنى ما يجب فيه الزكاة». و «الصريمة : القطيع من الإبل والغنم».

وقال : «المراد بها ـ أي بالصريمة ـ في الحديث في مائة وإحدى وعشرين شاة إلى المائتين ، إذا اجتمعت ففيها شاتان وإن كانت لرجلين وفرّق بينهما ففي كلّ واحدة منهما شاة» انتهى.

وأهل المثير : أهل بقر الحرث الذي يثير الأرض وليس عليهم فيه صدقة.

ك ـ وقد ورد في بعض كتب الرسول (ص) ذكر «الصفي» بعد لفظ سهم النبيّ مثل ما ورد في كتابه لملوك حمير الآتي : «أمّا بعد ، فانّ الله هداكم بهدايته إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة من المغانم ، خمس الله وسهم النبيّ وصفيه وما كتب الله على المؤمنين من الصدقة ...» الكتاب (٣).

__________________

(١) طبقات ابن سعد ١ / ٢٦٩.

وجرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طي ، نسبهم بجمهرة ابن حزم ص ٤٠٠ ـ ٤٠١.

(٢) روى هذا الكتاب محمد حميد الله في مجموعة الوثائق السياسية ص ١٤٢ رقم ١٥٧ عن جمع الجوامع للسيوطي.

وأورد بمادة «صرم» قسما من الكتاب كل من ابن الأثير في نهاية اللغة وابن منظور في لسان العرب.

وجهينة بن زيد من قضاعة من القحطانية ، نسبهم بجمهرة ابن حزم ص ٤٤٤ ـ ٤٤٦ ، وذكرت المصادر الثلاثة الآنفة انّ الرسول كتب الكتاب مع عمرو بن مرة الجهني ثم الغطفاني وكنيته أبو مريم. وفد إلى النبيّ وشهد أكثر غزواته ، وسكن الشام وأدرك حكومة معاوية أسد الغابة ٤ / ١٣٠ ، وفي الإصابة ٣ / ١٦ : انّه رجع إلى قومه فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا ووفدوا إلى رسول الله ، وأنه توفي في خلافة معاوية.

(٣) فتح البلدان ١ / ٨٥ ، وفي سيرة ابن هشام ٤ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩ بلفظ آخر ، وكذلك في مستدرك الحاكم ١ / ٣٩٥ ، وراجع تهذيب تاريخ ابن عساكر ٦ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ، وكنز العمال ط. الأولى ٦ / ١٦٥ ، وص ١٣ من الأموال لأبي عبيد.

١٢٣

ل ـ وما ورد في كتابه لبني ثعلبة بن عامر : «من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وخمس المغنم وسهم النبيّ والصفي فهو آمن بأمان الله» الكتاب (١).

م ـ وما ورد في كتابه لبني زهير العكليين : «... إنّكم إن شهدتم أن لا إله إلّا الله وأن محمّدا رسول الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأدّيتم الخمس من المغنم وسهم النبي وسهم الصفي. أنتم آمنون بأمان الله ورسوله» ، الكتاب (٢).

ن ـ وما ورد في كتابه لبعض أفخاذ جهينة : «من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من الغنائم الخمس وسهم النبي الصفي» (٣).

إنّ الصفي في هذه الكتب ويجمع على الصفايا ، هو كل ما كانت خالصة لرسول الله من اموال وضياع وعقار بالإضافة إلى سهمه من الخمس كما شرحناه سابقا.

* * *

وعدا ما أوردنا في ما سبق ورد ذكر الخمس أيضا في كتابين آخرين نسبا إلى رسول الله لم نعتمدهما لما ورد في الأوّل أنّه كتبه لعبد يغوث من بلحارث (٤).

__________________

وحمير بطن عظيم من القحطانية من بني سبأ بن يشجب ، سكنوا اليمن قبل الإسلام. ترجمتهم بجمهرة ابن حزم ص ٤٣٢ ـ ٤٣٨ ، وفدوا إلى النبي في السنة التاسعة للهجرة ، والكتاب إلى الحارث بن عبد كلال والنعمان من ملوك حمير.

(١) ورد الكتاب بترجمة صيفي بن عامر من الإصابة ٢ / ١٨٩ الترجمة ٤١١١ ، وأشار إليه بترجمته في كلّ من الاستيعاب بهامش الإصابة ٢ / ١٨٦ ، وأسد الغابة ٣ / ٣٤ ووصفه ابن الأثير بسيد بني ثعلبة وبنو ثعلبة بن عامر بطن من بكر بن وائل من العدنانية ونسبهم بجمهرة ابن حزم ص ٣١٦ وذكرت وفادة لبني ثعلبة على رسول الله في السنة الثامنة ولست أدري أكان صيفي هذا فيهم أم لا؟ راجع طبقات ابن سعد ١ / ٢٩٨ ، وعيون الأثر ٢ / ٢٤٨.

(٢) سنن ابي داود ٢ / ٥٥ باب ما جاء في سهم الصفي من كتاب الخراج ، وطبعة دار إحياء السنة النبوية (د. ت) ٣ / ١٥٣ ـ ١٥٤. وسنن النسائي ٢ / ١٧٩ ، وطبقات ابن سعد ١ / ٢٧٩ ، ومسند أحمد ٥ / ٧٧ و ٧٨ و ٣٦٣ ، وأسد الغابة ٥ / ٤ و ٣٨٩ ، والاستيعاب واللفظ للأوّل ، وفي بعض الروايات : «أعطيتم من المغانم الخمس» وص ١٣ من الأموال لأبي عبيد. وزهير بن أقيش في تاج العروس ٤ / ٢٨٠ حي من عكل ، كتب لهم رسول الله ، وفي جمهرة ابن حزم ص ٤٨٠ : «بنو عكل بن عوف بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر».

(٣) طبقات ابن سعد ١ / ٢٧١.

(٤) ذكره ابن سعد في الطبقات ١ / ٢٦٨.

١٢٤

ولم يكن الرسول (ص) يكتب «لعبد يغوث» ويغوث اسم صنم ، بل كان يغيّر أسماء كهذا مثل عبد العزّى الّذي بدّ له بعبد الرحمن ، وعبد الحجر (١). وعبد عمرو الأصمّ الّذي بدلهما بعبد الله (٢).

والكتاب الثاني قيل ، إنّه كتبه لنهشل بن مالك الوائلي (٣) وقد بدأه فيه بلفظ «باسمك اللهم» بدلا من بسم الله الرحمن الرحيم الّذي كان الرسول يبدأ به كتبه.

* * *

في ما مرّ من كتب وعهود عند ما كتب الرسول (ص) لسعد هذيم «أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه أو من يرسلاه» لم يكن يطلب منهم أن يدفعوا خمس غنائم حرب اشتركوا فيها ، بل كان يطلب ما استحقّ في أموالهم من خمس وصدقة.

وكذلك في ما كتب لجهينة أن يشربوا ماء الأرض ، ويرعوا أكلاءها على أن يؤدّوا الخمس والصدقة ، لم يشترط لدفع الخمس خوض الحرب واكتساب الغنائم ، بل جعل دفع الخمس والصدقة شرطا للانتفاع من مرافق الأرض ، أي علمهم الحكم الإسلامي في ما يكسبون.

وكذلك عند ما علّم وفد عبد القيس أن يدفعوا الخمس من المغنم ضمن تعليمهم جملا من الأمر أن عملوا بها دخلوا الجنّة لم يطلب منهم وهم لا يستطيعون الخروج من حيّهم في غير الأشهر الحرم خوفا من المشركين أن يدفعوا إليه خمس غنائم حرب يخوضونها ضد المشركين وينتصرون فيها ، بل طلب منهم دفع خمس أرباحهم.

وكذلك في ما كتب من عهد لعامله عمرو بن حزم أن يأخذ الصدقات والخمس من قبائل اليمن ، لم يعهد إليه أن يأخذ خمس غنائم حرب اشتركت القبائل فيها.

وكذلك في ما كتب لتلك القبائل أو غيرها أن يدفعوا الخمس ، وما كتب لغير عمرو بن حزم من عمّاله أن يأخذوا الخمس من القبائل.

__________________

(١) راجع ترجمتهما بأسد الغابة.

(٢) راجع طبقات ابن سعد ١ / ٣٠٥.

(٣) طبقات ابن سعد ١ / ٢٤٨.

١٢٥

إنّ شأن الخمس في كل تلك الكتب والعهود شأن الصدقة فيها وهما حقّ الله في أموالهم حسبما فرضه الله فيها.

ويؤكّد ما ذكرناه من أنّ الخمس فيها ليس خمس غنائم الحرب ويوضحه انّ حكم الحرب في الاسلام يخالف ما كان عليه لدى القبائل العربية قبل الاسلام في ان يكون لكلّ مجموعة أو فرد الاختيار في الاغارة على غير أفراد القبيلة وغير حلفائها لنهب أموالهم كيف ما اتّفق ، وأنّه عند ذاك يملك كلّ فرد ما نهب وسلب وحرب ، وما عليه سوى دفع المرباع للرئيس ، ليس الأمر هكذا في الاسلام ليصحّ للنبيّ أن يطالبهم بالخمس بدل الربع في ما يثيرون من حرب على غيرهم لا ، ليس لفرد مسلم في الاسلام ولا لجماعة اسلامية فيه أن يعلن الحرب على غير المسلم من تلقاء نفسه ويسلب وينهب كما يشاء ويقدر! وانّما الحاكم الاسلامي هو الّذي يقدّر ذلك ويقرّر وفق قوانين الشرع الإسلامي ، والفرد المسلم ينفّذ قراره ، ثم إنّ الحاكم الإسلامي ـ بعد ذلك ـ أو نائبه هما اللّذان يليان بعد الفتح قبض جميع غنائم الحرب ، ولا يملك أحد الغزاة عدا سلب القتيل شيئا مما سلب ، وإنّما يأتي كلّ غاز بما سلب إليهما ، وإلّا عدّ من الغلول العار على أهله ، وشنار ونار يوم القيامة.

والحاكم الإسلامي هو الّذي يعيّن ـ بعد إخراج الخمس ـ للراجل سهمه وللفارس سهمه ، ويرضخ للمرأة ، وقد يشرك الغائب عن الحرب في الغنيمة ويعطي للمؤلفة قلوبهم أضعاف سهم المؤمن المجاهد.

وإذا كان إعلان الحرب وإخراج خمس غنائم الحرب على عهد النبيّ من شئون النبيّ في هذه الأمّة فما ذا يعني طلبه الخمس من الناس وتأكيده ذلك في كتاب بعد كتاب وعهد بعد عهد إن لم يكن الخمس في تلك الكتب والعهود مثل الصدقة مما يجب في أموال المخاطبين وليس خاصّا بغنائم الحرب.

وعلى هذا فلا بدّ إذا من حمل لفظ الغنائم والمغنم في تلك الكتب والعهود على معناهما اللغوي : «الفوز بالشيء بلا مشقّة» ، أو معناهما الشرعي : «ما ظفر به من جهة العدى وغيره».

١٢٦

أضف الى هذا ما ذكرناه بتفسير الغنيمة في أوّل البحث من أنّ الغنيمة أصبحت حقيقة في غنائم الحرب في المجتمع الإسلامي بعد تدوين اللغة لا قبله. ولا يصحّ مع هذا ، حمل ما ورد في حديث الرسول على ما تعارف عليه الناس قرابة قرنين بعده ، وأمّا ما ورد في بعض تلك الكتب والعهود بلفظ «حظّ الله وحظّ الرسول» ، أو «حقّ النبي» ، أو «سهم النبيّ» وما شابهها ، فإن تفسيرها في الآية الكريمة (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ...) وفي السنّة النبوية الّتي تبين هذه الآية وتشرحها حيث تعيّنان سهم الله وسهم النبيّ في «المغنم» وهو الخمس وهو أيضا حقّهما وحظهما.

وبعد ما ثبت ممّا أوردناه في ما سبق أن النبيّ كان يأخذ الخمس من غنائم الحرب ومن غير غنائم الحرب ، ويطلب ممّن أسلم أن يؤدي الخمس من كلّ ما غنم عدا ما فرض فيه الصدقة ، بعد هذا نبحث في ما يلي عن مواضع الخمس.

مواضع الخمس في الكتاب والسنة :

في القرآن الكريم :

نصّت آية الخمس على أنّ الخمس لله ولرسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.

فمن هم (ذي القربى) في الآية؟ ومن هم من ذكروا بعده؟

أ ـ ذو القربى

إنّ شأن ذي القربى ، والقربى ، واولي القربى ، في الكلام شأن الوالدين فيه فكما أنّ «الوالدين» أين ما ورد في الكلام قصد منه والدا المذكورين قبله ظاهرا أو مضمرا أو مقدّرا ، كذلك القربى وأولوه وذووه فمثال المذكور منها ظاهرا قبله في القرآن الكريم قوله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) التوبة / ١١٣.

فالمراد من «اولي قربى» هنا أولو القربى النبيّ والمؤمنين المذكورين ظاهرا قبل «أولي القربى».

١٢٧

ومثال المذكور مضمرا قوله تعالى : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) الأنعام / ١٥٢ ، والمراد من ذي القربى هنا قربى مرجع الضمير في «قلتم» و «اعدلوا».

ومثال المذكور مقدّرا قوله تعالى : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى) النّساء ٨. والمراد قربى الميّت المقدّر ذكره في ما سبق من الآية ، وكذلك شأن سائر ما ورد فيه ذكر ذي القربى واولي القربى في القرآن الكريم.

وقد جمع الله في الذكر بين الوالدين وذي القربى في مكانين منهما ، قال سبحانه : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى) البقرة / ٨٣ ، (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى) النساء / ٣٦.

في الآية الأولى قصد والدا بني إسرائيل وذوو قرباهم والمذكورين ظاهرا قبلهما ، وفي الآية الثانية قصد والدا مرجع الضمير وذووه في «واعبدوا» و «ولا تشركوا» وهم المؤمنون من هذه الأمّة.

وإذا ثبت هذا فنقول : لمّا قال الله سبحانه في آية الخمس : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ...) فلا بدّ أن يكون المراد من «ذي القربى» هنا ذا قربى الرسول المذكور قبله بلا فاصلة بينهما ، وإن لم يكن هذا فذا قربى من قصد الله في هذا المكان!؟

وكذلك المقصود من ذي القربى في قوله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ...) (١) هم قربى الرسول وهو الاسم الظاهر المذكور قبله.

وكذلك المقصود من القربى في قوله تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٢) هم قربى ضمير فاعل «أسألكم» وهو الرسول (٣).

__________________

(١) سورة الحشر / ٧.

(٢) سورة الشورى / ٢٣.

(٣) قد يرى العلماء من بعدنا في بحثنا هذا عن ذي القربى ونظائرها توضيحا للواضحات التي لا ينبغي صرف الوقت في شرحها ولا يعلمون ما وجدنا في عصرنا وفي أقوال نابتة عصرنا من انحراف بعيد عن فهم مصطلحات الاسلام وعقائده وأحكامه فالجأنا ذلك الى امثال هذا الشرح والبسط.

١٢٨

ب ـ اليتيم

اليتيم هو الّذي مات أبوه وهو صغير قبل البلوغ.

ج ـ المسكين

المسكين هو المحتاج الذي تسكنه الحاجة عمّا ينهض به الغنيّ.

د ـ ابن السبيل

ابن السبيل هو المسافر المنقطع به في سفره (١).

ويدلّ سياق آية الخمس على أنّ المقصود يتامى أقرباء الرسول ومساكينهم وأبناء سبيلهم. وأنّ شأن هذه الألفاظ في الآية ، شأن «ذي القربى» المذكور قبلها.

ثمّ إنّ الله تعالى قد جعل للمسكين وابن السبيل ـ من غير بني هاشم ـ سهما في الصدقات عند ما عيّن مورد الصدقة في قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ... وَابْنِ السَّبِيلِ ...) التوبة / ٦٠.

ومن كان منهما من بني هاشم فقد حرمت عليه الصدقة وأبدله الله عنها سهما في الخمس.

مواضع الخمس في السنّة ولدى المسلمين :

كان يقسّم ، ـ الخمس ـ على ستّة : لله وللرسول سهمان وسهم لا قاربه حتّى قبض(٢).

وعن أبي العالية الرياحي : كان رسول الله يؤتى بالغنيمة فيقسّمها على خمسة تكون أربعة أخماس لمن شهدها ، ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفّه فيجعله للكعبة وهو سهم الله ، ثمّ يقسّم ما بقى على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل.

__________________

(١) راجع تفسير آية الخمس بمجمع البيان ومادة «سبل» من مفردات الراغب.

(٢) تفسير النيشابوري بهامش الطبري ج ١٠ / ٤.

١٢٩

قال : والذي جعله للكعبة هو سهم الله (١).

تصرّح هاتان الروايتان أنّ الخمس كان يقسّم ستة أسهم وهذا هو الصواب لموافقته لنصّ آية الخمس. وما في رواية أبي العالية بأنّ الرسول كان يجعل سهم الله للكعبة ، لعلّه وقع ذلك مرّة واحدة ، وأرى الصواب في ذلك ما رواه عطاء بن أبي رباح قال : «خمس الله وخمس رسوله واحد وكان رسول الله يحمل منه ويعطي منه ويضعه حيث شاء ويصنع به ما شاء» (٢).

ومثلها ما رواه ابن جريج قال : «... أربعة أخماس لمن حضر البأس والخمس الباقي لله ولرسوله خمسه يضعه حيث شاء وخمس لذوي القربى ـ الحديث» (٣).

الصواب في رواية أبي العالية وابن جريج ما ورد فيهما أنّ أمر سهم الله وسهم رسوله من الخمس كان إلى رسول الله (ص) يحمل منهما ويعطي منهما ويضعهما حيث شاء ويصنع بهما ما شاء. أمّا ما يفهم من الروايتين أنّ «سهم الله وسهم الرسول واحد» فإنّه يخالف ظاهر آية الخمس حيث قسم الله فيها الخمس إلى ستة أسهم ، إلّا إذا قصدوا أنّ أمر السهمين واحد ولم يقصدوا أن السهمين سهم واحد.

وكذلك لا يستقيم ما رواه قتادة إذ قال : كان نبيّ الله إذا غنم غنيمة جعلت أخماسا فكان خمس لله ولرسوله ويقسّم المسلمون ما بقي وكان الخمس الذي جعل لله ولرسوله ، لرسوله ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. فكان هذا الخمس خمسة أخماس ، خمس لله ولرسوله. الحديث (٤).

__________________

(١) الأموال لابي عبيد ص ٣٢٥ وص ١٤ وتفسير الطبري ج ١٠ / ٤ ، وأحكام القرآن للجصاص ج ٣ / ٦٠ ، وفي ص ٦١ منه بإيجاز ، واللفظ للأوّل.

وأبو العالية الرياحي هو رفيع بن مهران مات سنة تسعين أو بعدها ، أخرج حديثه أصحاب الصحاح. تهذيب التهذيب ١ / ٢٥٢.

(٢) الأموال لأبي عبيد ص ١٤.

وعطاء ابن أبي رباح واسم أبي رباح أسلم المكي مولى قريش ، أخرج حديثه أصحاب الصحاح. مات سنة ١١٤ ه‍ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٢٢.

(٣) تفسير الطبري ج ١٠ / ٥ بسندين.

وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي مولى بني أميّة ، أخرج حديثه أصحاب الصحاح. توفي سنة ١٥٠ ه‍ أو بعدها. تهذيب التهذيب ١ / ٥٢٠.

(٤) تفسير الطبري ج ١٠ / ٤.

١٣٠

ويظهر من رواية ابن عباس في تفسير الطبري أنّ جعل السهمين سهما واحدا كان بعد النبي قال : «جعل سهم الله وسهم الرسول واحدا ، ولذي القربى فجعل هذان السهمان في الخيل والسلاح» (١).

وروى الطبر ي ـ أيضا ـ عن مجاهد أنّه قال : كان آل محمّد (ص) لا تحلّ لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس (٢).

وقال : قد علم الله أنّ في بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة (٣).

وقال : هؤلاء قرابة رسول الله (ص) الذين لا تحلّ لهم الصدقة (٤).

وقال علي بن الحسين لرجل من أهل الشام : أما قرأت في الأنفال : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) الآية.

قال : نعم ، قال : فإنّكم لأنتم هم؟

قال : نعم (٥).

كان هذا تفسير لفظ «ذي القربى» الوارد في آية الخمس وغيرها. أمّا اليتامى والمساكين ، فقد قال النيسابوري في تفسير الآية : روي عن علي بن الحسين (ع) أنّه قيل له : إنّ الله تعالى قال : (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ). فقال : ايتامنا ومساكيننا (٦).

وروى الطبري عن منهال بن عمرو قال سألت عبد الله بن محمّد بن علي ، (٧)

__________________

وقتادة بن دعامة الدوسي أبو الخطاب البصري ، أخرج حديثه أصحاب الصحاح مات سنة بضع عشرة ومائة. تهذيب التهذيب ٢ / ١٢٣.

(١) تفسير الطبري ج ١٠ / ٦.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) تفسير الطبري ج ١٠ / ٥.

(٦) تفسير النيسابوري بهامش الطبري ، وتفسير الطبري ج ١٠ / ٧.

والإمام علي بن الحسين زين العابدين توفي سنة ٩٤ ه‍ ، أخرج حديثه اصحاب الصحاح تهذيب التهذيب ٢ / ٣٤.

(٧) والمنهال بن عمرو الأسدي ـ مولاهم ـ الكوفي من الطبقة الخامسة ، أخرج حديثه أصحاب الصحاح عدا مسلم. تهذيب التهذيب ٢ / ٢٧٨.

وعبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب توفي في الشام سنة ١٩٩ ه‍ ، أخرج حديثه أصحاب الصحاح. تهذيب التهذيب ٢ / ٤٤٨.

١٣١

وعلي بن الحسين عن الخمس فقالا : هو لنا.

فقلت لعلي : إنّ الله يقول : (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ).

فقالا : يتامانا ومساكيننا (١).

إلى هنا اعتمدنا كتب الحديث والسيرة والتفسير لدى مدرسة الخلفاء في ما أوردناه من أمر الخمس ، وفي ما يلي مواضع الخمس لدى مدرسة أهل البيت.

مواضع الخمس لدى مدرسة اهل البيت :

تواترت الروايات عن أئمّة أهل البيت أنّ الخمس يقسّم على ستّة أسهم : سهم منه لله ، وسهم منه لرسوله ، وسهم لذي القربى ، وسهم ذي القربى في عصر الرسول لأهل البيت خاصّة ومن بعده لهم ، ثمّ لسائر الأئمة الاثني عشر من أهل البيت ، وأنّ السهام الثلاثة لله ولرسوله ولذي القربي للعنوان ، وأنّ سهم الله لرسوله يضعه حيث يشاء ، وما كان للنبيّ من سهمه وسهم الله يكون من بعده للإمام القائم مقامه ، فنصف الخمس في هذه العصور كملا لإمام العصر ، سهمان له بالوراثة وسهم مقسوم له من الله تعالى وهو سهم ذي القربى ، وأنّ هذه الأسهم الثلاثة لإمام العصر من حيث إمامته ، والأسهم الثلاثة الأخرى سهم لأيتام بني هاشم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم ، وهؤلاء هم قرابة النبيّ الّذين ذكرهم الله في قوله (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ).

وهم بنو عبد المطّلب ، الذكر منهم والانثى ، وهم غير أهل بيت النبيّ. وملاك الاستحقاق في الطوائف الثلاث امران :

أ ـ قرابتهم من رسول الله.

ب ـ افتقارهم إلى الخمس في مئونتهم ، خلافا لأصحاب السهام الثلاثة الاول الّذين كانوا يستحقّونها بالعنوان.

ويقسّم نصف الخمس على الطوائف الثلاث من بني هاشم على الكفاف والسعة ما يستغنون به في سنتهم ، فإن فضل عنهم شيء فللوالي. وإن عجز أو نقص عن استغنائهم فإنّ على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به ، وإنّما صار عليه أن

__________________

(١) الطبري ج ١٠ / ٧.

١٣٢

يموّلهم لأنّ له ما فضل عنهم.

ويعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم إلى عبد المطّلب بالابوّة ، فلو انتسبوا بالامّ خاصّة لم يعطوا من الخمس شيئا وتحلّ لهم الصدقات لأنّ الله يقول : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ).

وروي عن الإمام الصادق : أن المطّلبي يشارك الهاشمي في سهام الخمس ففي الحديث المرويّ عنه : «لو كان العدل ما احتاج هاشميّ ولا مطّلبي إلى صدقة ، أنّ الله عزوجل جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم ، ثمّ قال : إنّ الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة ، والصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا ألّا يجد شيئا ويكون ممّن حلّت له الميتة».

وإنّ ما قبضه واحد من افراد الطوائف الثلاث من باب الخمس وتملّكه ، يصح بعد وفاته كغيره ممّا تركه ينتقل إلى وارثه ، وكذلك ما كان قد قبضه النبيّ أو الإمام الماضي من الأسهم الثلاثة وتملّكه ينتقل بعد وفاته إلى وارثه على حسب ما تقتضيه آية المواريث لا آية الخمس (١).

رواية واحدة تبين موضع الخمس في عصر الرسول :

في سنن أبي داود ومسند أحمد وتفسير الطبري وسنن النسائي وصحيح البخاري ، واللفظ للأوّل في باب مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى من كتاب الخراج ، عن جبير بن مطعم ، قال :

لمّا كان يوم خيبر وضع رسول الله (ص) سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب ، وترك بني نوفل وبني عبد شمس فانطلقت أنا وعثمان بن عفّان حتى أتينا النبي (ص) فقلنا : يا رسول الله! هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الّذي وضعك الله به منهم ، فما بال إخوان بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة ، فقال رسول الله (ص):

«أنا وبني المطّلب لا نفترق ـ وفي رواية النسائي : إن بني المطلب لم يفارقوني ـ في جاهلية ولا إسلام وإنّما نحن وهم شيء واحد» وشبّك بين أصابعه (٢).

__________________

(١) رجعت في هذا البحث الى مصباح الفقيه للهمداني ، كتاب الخمس ص ١٤٤ ـ ١٥٠ ، وأوجزت متون الأحاديث التي استشهد بها وأوردته هنا بالإضافة إلى رجوعي إلى الموسوعات الحديثية الأخرى.

(٢) رواه أبو داود في سننه ج ٢ / ٥٠ ، والطبري في تفسيره ١٠ / ٥٠ ، وأحمد في مسنده ٤ / ٨١ ، ويختلف ـ

١٣٣

وفي رواية أخرى بمسند أحمد انّ ذلك كان في غزوة حنين (١).

وفي رواية ثالثة بسنن أبي داود وسنن النسائي ومسند أحمد لم تعيّن فيها الغزوة (٢).

وسبب قول عثمان وجبير لرسول الله ما قالا ، وجوابه ايّاهما بما مرّ ، ان عبد مناف ولد بنين أربعة :

أ ـ هاشم واسمه عمرو.

ب ـ المطّلب.

ج ـ عبد شمس.

د ـ نوفل (٣).

واجمعت بنو هاشم وبنو المطلب على نصرة رسول الله ، وحاربتهم قريش جميعا وكتبت عليهم صحيفة بمقاطعتهم ، فدخلوا جميعا شعب أبي طالب ومكثوا فيه سنيّ المقاطعة خلافا لبني عبد شمس وبني نوفل الذين شاركوا قريشا في أمرهم ، وفي ذلك يقول ابن أبي الحديد :

وكان ممّا بطّأ ببني نوفل عن الاسلام ابطاء اخوتهم من بني عبد شمس ، فلم يصحب النبي منهم أحد ، ولا شهد مشاهده الكريمة خلافا لبني المطلب ، فقد حثهم على الإسلام فضل محبتهم لبني هاشم لأنّ امر النبي كان بينا ، وإنّما كان يمنع عنه الحسد والبغض ، ومن لم يكن فيه هذه العلة ؛ لم يكن له دون الإسلام مانع وشهد بدرا من بني المطلب بنو الحارث بن المطّلب كلّهم : عبيدة وطفيل وحصين ، ومسطح بن اثاثة بن عباد بن المطلّب ، وقال أبو طالب لمطعم بن عدى بن نوفل في أمر النبي لمّا تمالأت عليه قريش :

__________________

ـ لفظهم عن لفظ البخاري في صحيحه ٣ / ٣٦ باب غزوة خيبر ، وعن لفظ النسائي في سننه ٢ / ١٧٨ ، وباب قسمة الخمس من كتاب الجهاد في سنن ابن ماجة ص ٩٦١ والواقدي ، في مغازيه ص ٦٩٦ ، وفيه : إنّ ذلك كان بإشارة جبرئيل ، وأبي عبيد في الأموال ص ٣٣١.

وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وأم أمه أم حبيب بنت العاص بن أميّة وكان أبوه أحد من قام بنقض صحيفة المقاطعة. أسلم بعد الحديبية أو بعد الفتح. أسد الغابة ١ / ٢٨١.

(١) مسند أحمد ٤ / ٨٥.

(٢) سنن أبي داود ٢ / ٥١ ـ ٥٢ ، وسنن النسائي ، ٢ / ١٧٨ ، ومسند أحمد ٤ / ٨٣.

(٣) راجع الجمهرة لابن حزم ص ١٤.

١٣٤

جزى الله عنّا عبد شمس ونوفلا

جزاء مسيء عاجلا غير آجل

الأبيات ـ انتهى (١).

ذكر الراوي في هذا الحديث وهو جبير بن مطعم أنّ الرسول (ص) وضع «سهم ذي القربى» في بني هاشم وبني المطلب ، ونحن نرى انّ الذي شاهده الراوي في هذا الخبر ، هو أنّ الرسول دفع إلى هؤلاء من سهام الخمس ولم يدفع منها إلى بني أميّة وبني نوفل. أمّا تشخيص السهم الذي دفع الرسول منه إلى هؤلاء ، فهذا ما ذكره الراوي من عند نفسه ولم يرو أنّ الرسول قال ذلك. ومن الجائز أنّ الرسول قد أعطى بعض أولئك من سهم الله وسهم رسوله ، فانّ الرسول كان يضعها حيث يشاء كما سبق ذكره ، وأنّه أعطى بعضهم من سهم المساكين فإنّ الصدقة كانت محرّمة على فقرائهم كما يأتي بيانه في ما يلي.

تحريم الصدقة على الرسول وذوي قرباه

إنّ الاحاديث في ذلك كثيرة ، منها ما رواه مسلم في صحيحه : أنّ النبيّ (ص) كان إذا أتي بطعام سأل عنه فإن قيل هدية أكل منها وإن قيل صدقة لم يأكل منها (٢).

ومنها ما رواه مسلم والبخاري في صحيحيهما ، وأبو داود والدارمي في السنن :

__________________

(١) أوردناه باختصار من شرح النهج ٣ / ٤٨٦ ، وعبيدة «عبيد في المتن محرف» وطفيل وحصين أمهم سخيلة بنت خزاعي الثقفي ، أسلم عبيدة قبل دخول النبي دار الأرقم ، وكان أسن من النبيّ بعشر سنين وهاجر مع أخوته وابن عمهم مسطح إلى المدينة في وقت واحد. وفي ربيع الأوّل من السنة الأولى للهجرة ، عقد له رسول الله أول لواء عقد وبعثه في ستين راكبا من المهاجرين فالتقوا بالمشركين ورئيسهم أبو سفيان بثنية المرة. وبارز عبيدة عتبة الأموي ببدر فاختلفا ضربتين أثبت كلّ منهما صاحبه فذفف علي وحمزة على عتبة وحملا عبيدة إلى رسول الله فوضع رأسه على ركبته ، وتوفي بالصفراء مرجعهم من بدر وعمره ثلاث وستون سنة ـ أسد الغابة ٣ / ٣٥٦ ، وتوفي الطفيل سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين ، وتوفى أخوه الحصين بعده بأربعة اشهر. أسد الغابة ٣ / ٥٢.

روى ابن الأثير بترجمة الحصين في أسد الغابة ٣ / ٢٤ عن ابن عباس أن قوله تعالى (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) الآية ١١٠ من سورة الكهف نزلت في علي وحمزة وجعفر وعبيدة والطفيل والحصين بني الحارث ومسطح ابن أثاثة بن عباد بن المطلب.

ومسطح أمّه ابنة أبي رهم بن المطلب ، وأمّ أمّه رائطة بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر. قيل توفي سنة أربع وثلاثين وقيل شهد صفين مع علي وتوفي سنة ٣٧. اسد الغابة ٤ / ٣٥٤.

(٢) صحيح مسلم ٣ / ١٢١ باب قبول النبيّ الهدية ورده الصدقة ، ومجمع الزوائد ٣ / ٩٠.

١٣٥

إنّ النبيّ مرّ بتمرة بالطريق فقال : «لو لا أن تكون من الصدقة لأكلتها» وأنّ الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله : كخ كخ إرم بها ، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة.

وفي رواية «أنا لا تحلّ لنا الصدقة» (١).

وكان الرسول (ص) يأبى أن يستعمل بني هاشم على الصدقات ، فينتفعوا من سهم العاملين عليها كما رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وأبو عبيد وغيرهم واللفظ للأوّل ، قال :

اجتمع ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب ، والعباس بن عبد المطّلب ، فقالا : والله لو بعثنا هذين الغلامين «لعبد المطّلب بن ربيعة (٢) والفضل بن عبّاس» إلى رسول الله (ص) فكلّماه فأمّرهما على هذه الصدقات ، فأدّيا ما يؤدّي الناس ، وأصابا ممّا يصيب الناس. قال: فبينا هما في ذلك جاء عليّ بن أبي طالب فوقف عليهما فذكرا له ذلك فقال عليّ بن أبي طالب : لا تفعلا فو الله ما هو بفاعل ، فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال : والله ما تصنع هذا إلّا نفاسة منك علينا ، فو الله لقد نلت صهر رسول الله (ص) فما نفسناه عليك ، قال عليّ : أرسلوهما فانطلقا واضطجع عليّ.

وفي رواية : فألقى عليّ رداءه ثم اضطجع عليه وقال : أنا أبو الحسن القرم ، والله لا أريم مكاني حتّى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به.

قال عبد المطّلب : فلمّا صلّى رسول الله (ص) الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا ثمّ قال : «أخرجا ما تصرّران» ، ثمّ دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش ، قال : فتواكلنا الكلام ثمّ تكلّم أحدنا فقال : يا رسول الله! أنت أبرّ الناس وأوصل الناس وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمّرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدّي إليك كما يؤدّي الناس ، ونصيب كما يصيبوا ، قال : فسكت

__________________

(١) صحيح البخاري ١ / ١٨١ باب ما يذكر في الصدقة للنبي من كتاب الزكاة ، وصحيح مسلم ٣ / ١١٧ باب تحريم الزكاة على رسول الله وعلى آله ، وسنن أبي داود ١ / ٢١٢ باب الصدقة على بني هاشم من كتاب الزكاة ، وسنن الدارمي ١ / ٣٨٣ باب الصدقة لا تحل للنبي ولا لأهل بيته ، وراجع ص ٣٧٣ منه ، ومجمع الزوائد ٣ / ٨٩ ، ودعائم الاسلام ص ٢٤٦ ، والبحار ٩٦ / ٧٦ باب حرمة الزكاة على بني هاشم.

(٢) روى مسلم في هذا الباب من صحيحه روايتين في هذا الامر ورد في الاولى منهما خطأ اسم «نوفل بن الحارث» بدلا من «عبد المطلب بن ربيعة» والتصويب من الرواية الثانية.

١٣٦

طويلا حتّى أردنا أن نكلّمه ـ وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلّماه ـ ثمّ قال : «إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمّد ، انّما هي أوساخ الناس ، ادعوا الي محميّة ـ وكان على الخمس ـ ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب» قال : فجاءاه ، فقال لمحميّة : «أنكح هذا الغلام ابنتك». للفضل بن عبّاس ، وقال لنوفل بن الحارث : أنكح هذا الغلام ابنتك». لي ، فأنكحني ، وقال لمحميّة : أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا (١).

هكذا أبى الرسول أن يستعمل واحدا من بني هاشم على الصدقات. ومن ثمّ نعرف خطأ من توهم أنّ الرسول بعث عليّا إلى اليمن مصدّقا ، والصواب ما قاله ابن قيّم الجوزية (٢) في : «فصل في أمرائه» من كتاب زاد المعاد قال : «وولى علي بن أبي طالب الأخماس باليمن والقضاء بها».

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ / ١١٨ ، باب تحريم الزكاة على آل النبي ، ومسند أحمد ٤ / ١٦٦ ، وسنن النسائي ١ / ٣٦٥ باب استعمال آل النبي ، وسنن أبي داود ٢ / ٥٢ كتاب الخراج والإمارة باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى ح ٢٩٨٥ ، وط دار إحياء السنّة النبويّة ٣ / ١٤٧ ـ ١٤٨ ؛ والأموال لأبي عبيد ص ٣٢٩ ، ومجمع الزوائد ٣ / ٩١ ، وفي ترجمة عبد المطّلب ابن ربيعة ونوفل بن الحارث ومحمية بأسد الغابة ، وفي تفسير العياشي ٢ / ٩٣ ، ومغازي الواقدي ص ٦٩٦.

وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان أسن من عمه العباس ، وشريك عثمان في التجارة وأعطاه الرسول من خيبر مائة وسق. توفي بالمدينة سنة ٢٣. أسد الغابة ٢ / ٦٦.

وابنه عبد المطلب توفي بدمشق سنة ٦١ ه‍. أسد الغابة ٣ / ٣٣١.

والفضل بن عباس ، كان اكبر ولد أبيه ، شهد غسل النبي اختلفوا في سنة وفاته ومكان وفاته في اليرموك أو عمواس أو يوم مرج الصفر. أسد الغابة ٤ / ١٨٣ ، اخرج له اصحاب الصحاح الستة ٢٤ حديثا ، تقريب التهذيب ٢ / ١١٠ ، وجوامع السيرة ص ٢٨٢.

ونوفل بن الحارث آخى الرسول بينه وبين العباس وكانا شريكين في الجاهلية. توفي بالمدينة سنة خمس عشرة. أسد الغابة ٥ / ٤٦.

ومحمية بن جزء بن عبد يغوث الزبيدي ، كان قديم الإسلام شهد غزوة المريسيع. اسد الغابة ٤ / ٢٣٤.

تفسير الألفاظ من النووي شارح صحيح مسلم :

فانتحاه ربيعة : اي عرض له وقصده. وما تصرران : اي تجمعانه في صدريكما من الكلام وكل شيء جمعته فقد صررته. وتواكلنا : أي وكل أحدنا الكلام إلى صاحبه. و : ألمع ولمع أشار بثوبه أو بيده. القرم : السيد وقصد منه المقدم في معرفة الامور وبحور ما بعثتما به : أي بجوابه.

(٢) شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية ٦٩١ ـ ٧٥١ ه‍ من تآليفه «زاد المعاد في هدى خير العباد» رجعنا الى ط. الحلبي بمصر سنة ١٣٩٠ ه‍ ، ج ١ / ٤٧.

١٣٧

وقال قبله في : «فصل في كتبه ورسله (ص) إلى الملوك» : وبعث أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى اليمن عند انصرافه من تبوك وقيل : بل سنة عشر من ربيع الأوّل داعيين إلى الإسلام ، فأسلم عامّة أهلها طوعا من غير قتال. ثمّ بعث بعد ذلك عليّ بن أبي طالب إليهم ووافاهم بمكّة في حجّة الوداع (١).

ولعلّ سبب الوهم عند بعضهم ما أصبح بعد الرسول وبعد إسقاط الخلفاء فريضة الخمس كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ، فإنّه لم يبق ما يجبي من المسلمين غير الصدقات الواجبة ، فحسب أولئك عصر الرسول مثل عصورهم ومن هنا نشأ الوهم عندهم أنّ الرسول بعث عليّا مصدّقا وقد فاتهم أنّ الرسول كان يمنع مولاه من مشاركة المصدّق في عمله فكيف بابن عمه وأبي عترته؟

كما رواه أبو داود والنسائي والترمذي في سننهم ، قالوا :

إنّ النبيّ بعث رجلا على الصدقة من بني مخزوم ـ قال الترمذي : اسمه الأرقم ابن أبي الأرقم ـ فقال لأبي رافع : أصحبني كي ما تصيب منها.

قال : لا حتّى آتي رسول الله فأسأله.

فانطلق إلى النبيّ فسأله فقال : مولى القوم من أنفسهم وإنّا «لا تحلّ لنا الصدقة»(٢).

كذا منع النبيّ أبا رافع أن يصاحب المصدّق فيصيب من سهم العاملين على الصدقة لأنّه مولاه ، وكذلك فعل أئمة أهل البيت بعد الرسول فإنّهم امتنعوا من أخذها ومنعوا بني هاشم كافّة عنها.

في دعائم الاسلام : أنّ الإمام جعفر بن محمّد الصادق لمّا قيل له : فإذا منعتم الخمس هل تحلّ لكم الصدقة؟

قال : لا ، والله ما يحلّ لنا ما حرّم الله علينا بغصب الظالمين حقّنا ، وليس

__________________

(١) زاد المعاد ١ / ٤٦ ، وراجع سنن أبي داود كتاب الأقضية ، باب كيف القضاء ٣ / ١٢٧.

(٢) سنن أبي داود ١ / ٢١٢ باب «الصدقة على بني هاشم» من كتاب الزكاة ، والنسائي ١ / ٣٦٦ باب «مولى القوم منهم» من كتاب الزكاة ، والترمذي ٣ / ١٥٩ باب «ما جاء في كراهية الصدقة للنبي وأهل بيته ومواليه» من كتاب الزكاة ، ومجمع الزوائد ٣ / ٩٠ ـ ٩١ ، وكنز العمال ٦ / ٢٥٢ ـ ٢٥٦ ، وأمالي الطوسي ٢ / ١٧ ، والبحار ٩٦ / ٥٧ ، وفي ألفاظ رواياتهم بعض الاختلاف. وسنن البيهقي ٧ / ٣٢.

وأبو الأرقم ، اسمه عبد مناف ، وكان الأرقم من السابقين إلى الإسلام واستخفى الرسول في بيته بأصل الصفا بمكة حتى كملوا أربعين رجلا ، شهد بدرا وما بعدها وتوفي بالمدينة سنة خمس وخمسين ودفن بالبقيع. اسد الغاربة ١ / ٥٩ ـ ٦٠.

١٣٨

منعهم إيّانا ما أحلّ الله لنا بمحلّ لنا ما حرّم الله علينا (١).

وفي الخصال عن الصادق عن أبيه (ع) قال : لا تحلّ الصدقة لبني هاشم إلّا في وجهين : ان كانوا عطاشي وأصابوا ماء شربوا ، وصدقة بعضهم على بعض (٢).

ومن هنا نعرف انّ ما كان يقبله أئمة أهل البيت ممّا يدفعه إليهم حكّام عصورهم من أموال بيت المال ، كان من باب بعض حقّهم في الفيء والأنفال ، وجزي رءوس أهل الذمّة ، وخمس غنائم الفتوح ، وليس من باب الصدقات الواجبة كما توهّمه البعض.

أمّا المياه المسبلة للشرب ، فجلّها من باب الأوقاف التي أوقفها أصحابها لانتفاع عامّة المسلمين. وشأنها في ذلك ، شأن المنازل المشيّدة في طرق المسلمين ومساجدهم ، فهي وإن كان أصحابها قد تقرّبوا إلى الله بإنفاقها في سبيله وبهذه المناسبة قد تسمّى بالصدقات ، غير أنّها ليست من باب الصدقات على الأفراد موضوع البحث كي لا يصحّ ـ لغير الفقير من غير بني هاشم ـ الانتفاع بها بل هي لانتفاع المسلمين كافة سواء فيها الفقير والغني والأمير والسوقة والهاشميّ وغيره ، فهي لهذا خارجة عن موضوع البحث.

* * *

إلى هنا ذكرنا ما وجدنا في مصادر الدراسات الإسلامية من أمر الخمس ، وأصحاب سهامه في عصر الرسول ، وحرمة الصدقة على بني هاشم ومواليهم وامتناعهم عنها في عصره ومن بعده. أمّا ما فعل الخلفاء في فريضة الخمس وكيفية اجتهادهم فيه وفي حقّ ابنة الرسول خاصّة فيلزمنا أيضا لفهمها درس ما خلّفه الرسول من ضياع وعقار ، ثمّ درس ما جرى عليها من قبل الخلفاء ، وشكوى فاطمة منهم في أمرها وفي أمر الخمس ، فإلى دراسة كلّ ذلك في ما يلي :

تركة الرسول وشكوى فاطمة من تصرفهم فيها وفي سهمها من الخمس

قال القاضيان الماوردي (ت : ٤٥٠ ه‍) وأبو يعلى (ت : ٤٥٨ ه‍) : صدقات رسول الله (ص) الّتي أخذها بحقّيه فإنّ أحد حقّيه الخمس من الفيء والغنائم ، والحقّ

__________________

(١) دعائم الإسلام ص ٢٤٦ ، والبحار ٩٦ / ٧٦.

(٢) الخصال ١ / ٣٢ ، والبحار ٩٦ / ٧٤.

١٣٩

الثاني أربعة أخماس الفيء أفاءه الله على رسوله ممّا لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب ... إلى قولهما : فأمّا صدقات النبيّ (ص) فهي ثمانية :

إحداها وهي أوّل أرض ملكها رسول الله (ص) : وصيّة مخريق اليهودي «الحوائط السبعة».

والصدقة الثانية : أرضه من أموال بني النضير بالمدينة.

والصدقة الثالثة : والرابعة والخامسة : ثلاثة حصون من خيبر.

والصدقة السادسة : النصف من فدك.

والصدقة السابعة : الثلث من أرض وادي القرى.

والصدقة الثامنة : موضع سوق بالمدينة يقال له مهزور (١).

وقال القاضي عياض (ت : ٥٤٤ ه‍) : «إنها صارت إليه بثلاثة حقوق :

أحدها : ما وهب له (ص) وذلك وصيّة مخيريق اليهودي له عند إسلامه يوم أحد ، وكانت سبع حوائط في بني النضير وما أعطاه الأنصار من أرضهم وهو ما لا يبلغه الماء ، وكان هذا ملكا له (ص).

الثاني : حقّه من الفيء من أرض بني النضير حين أجلاهم ، كانت له خاصّة لأنّها لم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب. وأمّا منقولات بني النضير ، فحملوا منها ما حملته الإبل ، غير السلاح كما صالحهم ، ثمّ قسّم (ص) الباقي بين المسلمين ، وكانت الأرض لنفسه ويخرجها في نوائب المسلمين. وكذلك نصف أرض فدك ، صالح أهلها بعد فتح خيبر على نصف أرضها ، وكانت أيضا خالصة له ، وكذلك ثلث أرض وادي القرى أخذه في الصلح حين صالح أهلها اليهود ، وكذلك حصنان من حصون خيبر وهما الوطيح والسلالم أخذهما صلحا.

والثالث : سهمه من خمس خيبر ، وما افتتح فيها عنوة فكانت هذه كلّها ملكا لرسول الله (ص) خاصّة لا حقّ فيها لأحد غيره ...» (٢).

__________________

(١) الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٦٨ ـ ١٧١ ، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ١٨١ ـ ١٨٥.

(٢) بشرح النووي على صحيح مسلم ١٢ / ٨٢ باب حكم الفيء من كتاب الجهاد.

والقاضي عياض هو أبو الفضل بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي ، عالم المغرب ، وإمام أهل الحديث في وقته. له تصانيف شهيرة منها «شرح صحيح مسلم» مخطوط ، ولعل النووي نقل منه ما أورده هنا. توفي في مراكش سنة ٥٤٤ ه‍ ، راجع ترجمته في «وفيات الأعيان» و «الأعلام».

١٤٠