المصابيح

الإمام أبو العباس الحسني

المصابيح

المؤلف:

الإمام أبو العباس الحسني


المحقق: عبدالله بن عبدالله بن أحمد الحوثي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٢

عنق فرسه ، فأفرجوا له حتى توسط جمعهم فاعتورته الرماح وأخذته السيوف ، فخرج من بينهم وقد أصابته جراحات ، ثم عطف عليهم وحده ، فاستقبله رئيس القوم مبارزا له حنقا عليه فضربه بسيفه ، ضربة على عاتقه ، وعليه الدرع فقده حتى وصل السيف إلى حشوة بطنه فخر ميتا ، وثابت إليه جماعة من أصحابه لما عاينوا ثباته ومقاومته وحده مع ذلك الجمع الكثير ، وثبتوا معه فمنحه الله أكتاف عدوه (١) فانهزموا ما بين قتيل وأسير.

وبلغني أنه رضي الله عنه قال بعد ذلك : لما ضربت رئيس القوم تلك الضربة رفعت سيفي عنه لأضربه فوجدت ريح الضربة ، فعلمت أن الله قد قتله وقويت بذلك منتي (٢) وأفرغ الله علي الصبر «وأيدني بالنصر» (٣) وانهزم العدو ، وله رضي الله عنه سوى ما ذكرت مواقف كريمة ووقائع في أعداء الله مشهورة لا تحصى كثرة.

وبلغني أنه كان يضرب بسيفه عنق البعير البازل الغليظ فيبينه عن (٤) جسده ، وكان يأخذ (٥) قوائم البعير المسن القوي فلا يقدر البعير وإن جهد على النهوض.

[علمه وزهده وفضله]

وكان مع هذا مجتهدا عابدا يصوم أكثر أيامه ، ويحيي أكثر ليله «تهجدا وصلاة» (٦) ، ويتجزى بالقليل من الطعام ، قد شرى نفسه لله وهان عليه ما يلقى من المحن والأهوال ، ويقاسي من الشدائد من مخالفة أهل اليمن له مرة بعد أخرى ، وثانية بعد أولى ، ونقضهم العهود المؤكدة ، والمواثيق المغلظة ، ونكثهم الأيمان بعد توكيدها ، وخروجهم من طاعته ، ومحاربتهم له ومعاونتهم أعداءه عليه ، وتقويتهم إياهم بالأموال سرا وإعلانا ، لم يقاس أحد من الأئمة رضوان الله عليهم بعد محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن مثله.

__________________

(١) في (أ) : أكتافهم.

(٢) المنّة بالضم ويعني بها القوة ، يقال : ليس لقلبه منة ، والجمع منن ، انظر المعجم الوسيط مادة : (من).

(٣) ساقط في (أ).

(٤) في (أ، د) : من.

(٥) نهاية الصفحة [٣٦٤ ـ أ].

(٦) ساقط في (أ).

٥٨١

ولبث فيهم بضع عشرة سنة لا يفتر ولا يكل عن دعائهم إلى طاعة ربهم ولا يهن ولا يفشل عن تأديهم وتقويمهم ، وحملهم على حكم الكتاب والسنة متقبلا سنة (١) آبائه الراشدين مقتديا بهديهم متبعا آثارهم ، مجاهدا أعداء الله ، باذلا نفسه لله مع قلة أنصاره وأعوانه ، وكثرة محاربيه وأعدائه ، حتى جاءه أمر الله الذي لا محيد عنه ، ولا مهرب منه ، فاختار الله له ما عنده وقبضه إليه حميدا مرضيا.

[عمره ومدة مكثه باليمن وتأريخ وفاته]

[٦٥] حدثني أبو العباس الحسني قال : سألت أبا عبد الله اليماني ، لكم مات الهادي عليه‌السلام؟

قال : توفي عليه‌السلام وهو ابن ثلاث وخمسين سنة (٢) ، هكذا أخبرني المرتضى (٣) عليه‌السلام ، وخرج إلى اليمن وهو بن خمس وثلاثين (٤) سنة ، فيكون مدة أيامه على هذا باليمن ثماني عشرة سنة ، وخرج قبل ظهور (٥) الناصر إلى طبرستان بثلاث سنين ، لأن الهادي عليه‌السلام خرج باليمن في سنة ثمانين ومائتين ، ودخل الناصر طبرستان آخر سنة إحدى وثلاثمائة ، فبين الميقاتين إحدى (٦) وعشرون سنة ، ودخل الناصر الديلم سنة سبع وثمانين ومائتين ، فبين الميقاتين من السنين سبع ، وتوفي الهادي عليه‌السلام في آخر سنة ثمان وتسعين ومائتين ، فبين وفاته ودخول الناصر ثلاث سنين.

__________________

(١) في (ب ، ج) : سنين.

(٢) ولد الإمام الهادي كما ذكره صاحب الطبقات في حياة جده القاسم سنة (٢٤٥ ه‍) ، وتوفي لعشر بقين من ذي الحجة سنة ثمان وتسعين ومائتين عن ثلاث وخمسين سنة.

(٣) هو الإمام محمد بن الإمام يحيى بن الحسين ، ستأتي ترجمته.

(٤) نهاية الصفحة [٣٦٥ ـ أ].

(٥) في (أ) : خروج.

(٦) في (ب ، ج ، د) : أحد.

٥٨٢

ولما ولد يحيى بن الحسين عليه‌السلام أتي به إلى القاسم بن إبراهيم عليه‌السلام فأخذه ووضعه في حجره المبارك وعوذه وبارك عليه ودعا له ، ثم قال لأبيه : ما سميته؟ قال : يحيى ، وقد كان للحسين بن القاسم أخ لأبيه وأمه يسمى يحيى ، توفي قبل ذلك.

قال : فبكى القاسم عليه‌السلام وقال : هو والله يحيى صاحب اليمن.

[إخبار أمير المؤمنين علي (ع) بصاحب الترجمة]

قال علي بن محمد بن «عبيد الله» (١) العباسي مصنف سيرة الهادي إلى الحق : قد جاءت الروايات الكثيرة بمقامات الهادي وخروجه :

فمن ذلك قول أمير المؤمنين عليه‌السلام فيما رواه أنس بن نافع أنه كان يقول : «تكون فتن بين الثمانين ومائتين فيخرج من عترتي رجل اسمه اسم نبي يميز بين الحق والباطل ويؤلف الله تعالى قلوب المؤمنين على يديه «كما تتآلف قزع الخريف» (٢).

وروي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : أول ما يأتيكم الفرج من قبل اليمن (٣) ، قال العباسي : فسألت أبي وكان معه حين خروجه (٤) فقال : أول ظهوره بالرس بجبل الفرع ، وذلك أنا خرجنا إليه وهو به ومعه عماه محمد والحسن ابنا القاسم ، وكان معه أخوه عبد الله بن الحسين وجماعة فأتيناهم فسلموا علينا وتحدثوا عندنا ساعة ، ثم انصرفوا إلى منازلهم ، ثم عادوا

__________________

(١) ساقط من (أ) ، وفي (ب) : عبد الله.

(٢) ساقط في (أ، ج) ، والخبر في سيرة الإمام الهادي على النحو التالي : بلغنا عن عبيد الله بن موسى قال : حدثني أبي عن بشر بن رافع رفع الحديث إلى علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال : (يا أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني ، يا أيها الناس أنا أعلم الناس صغارا وأعلمهم كبارا ، يا أيها الناس إن الله تبارك وتعالى بنا فتح وبنا ختم ، أيها الناس إنها ما تمر فتنة إلّا وأنا أعرف سائقها وناعقها ، ثم ذكر فتنة بين الثمانين والمائتين فيخرج رجل من عترتي اسمه اسم نبي يملأ الأرض عدلا كما مليت جورا ، يميز بين الحق والباطل ، ويؤلف الله قلوب المؤمنين على يديه كما تتألف فرع الخريف ، انتظروه في الأربع والثمانين ومائتين في أول سنة واردة وأخرى صادرة) ، سيرة الإمام الهادي ص (٣١).

(٣) الرواية في سيرة الإمام الهادي ص (٣١).

(٤) نهاية الصفحة [٣٦٦ ـ أ].

٥٨٣

إلينا «بعد العتمة» (١) ، فلما حضرت الصلاة وقمنا إليها قال الهادي عليه‌السلام لعمه محمد : تقدم يا عم صل بنا ، فقال : سبحان الله لا يجوز لي أن أتقدم عليك ، فقال الهادي : قد جعلت الأمر إليك. فتقدم محمد فصلى بنا ، فلما سلم قال : يا بن أخي استغفر الله لي فإني قد تقدمت عليك فصليت بك ، وكنت أحق بالتقدم مني.

فقال الهادي : غفر الله لك يا عم (٢) ، وكان يقول عمه محمد : لو حملتني ركبتاي يا أبا الحسين لجاهدت معك ، فخرج عليه‌السلام ومعه ابنه محمد وجماعة من آل الرسول وغيرهم من خدمهم ، قال : فوصلنا إلى صعدة لستة أيام خلون من صفر سنة أربع وثمانين ومائتين ، فقدمنا على خولان ، وفيهم تفرق وتباين ومحاربات عظيمة ، فأصلح الهادي عليه‌السلام بينهم ، ثم دبر أمرهم ، وأمر (٣) البلاد ، وأنفذ العمال (٤).

قال العباسي : سمعته «يوما» (٥) يقول : ما أعلم اليوم راية مثل راية بدر إلّا رايتنا هذه ، ولا عصابة أفضل من عصابتنا هذه (٦) ، ثم قال : وكيف لا يكون ذلك وإنما همكم إظهار الدين وإحياء كتاب رب العالمين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ترقدون ولا تمنون بظلم (٧) وتقومون كذلك (٨).

وسمعته يقول : قد قلت والله مرتين : لو علمت أن أحدا أقوم ـ في هذا العصر ـ مني لاتبعته حيث كان ، وقاتلت بين يديه ، ولكني لا أعلمه (٩).

__________________

(١) ساقط في (أ).

(٢) الخبر في سيرة صاحب الترجمة ص (٣٧).

(٣) في (ب) : من.

(٤) الرواية في سيرة صاحب الترجمة ص (٣٧ ـ ٥١).

(٥) ساقط في (ب).

(٦) الرواية في سيرة صاحب الترجمة ص (٥٠ ـ ٥١).

(٧) نهاية الصفحة [٣٦٧ ـ أ].

(٨) في (أ) : ويقومون لذلك.

(٩) نفس المصدر ص (٥١).

٥٨٤

وسمعته يقول وبيده مصحف : بيني وبينكم هذا ، فإن خالفت ما فيه بحرف فلا طاعة لي عليكم ، بل عليكم أن تقاتلوني.

وكان يقول : لوددت أنه كانت لي سعة في الجلوس ، وإنما خرجت اضطرارا لقيام الحجة عليّ (١) ، ثم فتح نجران (٢) وأقام بها وساير الأمور في جماعتها ثم عاد إلى صعدة (٣) ، وكان شجاعا يضرب به المثل (٤) وكان يقول في حروبه ويصيح : كيف رأيتم قتال (٥) أهل العدل والتوحيد وكان ابنه أبو القاسم (٦) معه وهو الشجاع المجرب ثم فتح خيوان (٧) ودان له الناس وكان يقول الشعر ، فمما قال :

أنا ابن محمد وأبي علي

وعمي خير منتعل وخالي

بحذوهم لعمركم (٨) احتذائي

كما حذي المثال على المثال

أنا الموت الذي لا بد منه

على من رام حربي واغتيالي

أخوض إلى عدوي كل هول

وأصبر عند (٩) معترك النزال (١٠)

__________________

(١) انظر سيرة صاحب الترجمة ص (٤٨) وما بعدها.

(٢) كان فتح نجران يوم الثاني من خروجه من صعدة إلى نجران ، وكان خروجه يوم الأحد لستة أيام خلون من جمادى الآخرة من سنة ٢٨٤ ه‍ ، سيرة الإمام الهادي ص (٦٧).

(٣) أقام يحيى بن الحسين بنجران شهر جمادى الآخرة ورجب وشعبان وثمانية عشر يوما من رمضان ، ثم خرج إلى بلدة يقال ضاه من بلاد شاكر ثم إلى وشحة ، ثم وصل الهادي إلى الحق إلى صعدة يوم السبت فأقام بها باقي شوال وشهر ذي القعدة وشهر ذي الحجة والمحرم و (٢٢) من صفر من سنة (٢٨٥ ه‍) ، السيرة ص (٧٩ ـ ٨١).

(٤) في (أ، د) : وكان شجاعا بحيث يضرب به المثل.

(٥) في (ب ، ج ، د) : ترون فيقال.

(٦) أبو القاسم : هو محمد بن يحيى بن الحسين وسيأتي ذكره بعد والده صاحب الترجمة.

(٧) فتح الإمام خيوان يوم الأربعاء ليومين باقيين من شهر جمادى الأولى سنة ٢٨٥ ه‍ ، وخيوان : بلدة مشهورة في حوث ، شمال صنعاء ، وتبعد عن صنعاء ب (١٢٢ ك. م) ، تنسب إلى خيوان بن زيد بن مالك بن جشم بن حاشد من همدان ، وهي بلاد خصبة ، قال الهمداني : هي من غرر بلد همدان وأكرمه تربة وأطيبه ثمرة ، معجم المقحفي (٢٣٤) ، معجم البلدان (٢ / ٤١٥) ، معالم الآثار ص (٦٨) ، صفة جزيرة العرب ، نشر العرف (١ / ٦٨٩).

(٨) في (ب) : لعمرك.

(٩) في (ب ، ج) : حين.

(١٠) وردت في النسخة (د) أبيات بعد هذه الأبيات أبيات ليست على نفس القافية :

وإن الموت غاية كل حي

وإن الحى في نصب الرواسى

وغابت للولاة إذ أوليتنى

أتانى يبتغى منى ثواب

٥٨٥

[فتح صنعاء ونواحيها وأسر ابنه المرتضى]

ثم فتح صنعاء (١) ودخلها وأقام بها ، وشرد المخالفين عنها ، وأخاف الظالمين من أهلها ، وأقام العدل في كافتها (٢) ، ثم حاربوا الهادي وابنه المرتضى (٣) ، وأسروه من موضع يعرف بمدر (٤) في شهر رجب من سنة تسعين ومائتين فغدوا بهم إلى صنعاء فبيتوهم في بعض الطريق ، فلما أصبح اليوم الثاني وهو يوم الخميس (٥) ، غدوا لهم بالإبل فأركبوهم عليها ، وكان أبو القاسم على بغلة تجاه أصحابه ومضوا بهم حتى أدخلوهم صنعاء ، وطافوا بهم في أسواقها وخذل بذلك أهل صنعاء خذلا شديدا ، وانصرف الهادي إلى الحق حتى صار إلى ورور (٦) ، وتتالت إليه الأخبار ، وأقام بها (٧) ، وأخباره يطول وأطلعوا أبا القاسم حصن بيت بوس (٨) وصاحبه (٩) ، فكان مما قاله وهو مأسور في بيت بوس أشعار منها قوله (١٠) :

يا بيت بوس حللنا في حواك

على خذلان أمتنا من بعد ميثاق

ما ذا اعتذارهم عند النبي غدا

إذ لا تقومون في نصري وإطلاقي

__________________

(١) عزم الهادي علي المسير إلى صنعاء ، فدخلها ليلة الجمعة في سبع ليال بقين من المحرم سنة (٢٨٨ ه‍) ومعه أبو العتاهية ، وقد أقام بها حتى يوم الأحد لستة أيام باقية من صفر نفس السنة ، السيرة ص (٢٠٦ ـ ٢١١).

(٢) في (ب ، ج) : حافتها.

(٣) في (أ، د) : حاربوا ابنه المرتضى.

(٤) مدينة أثرية في أرحب بالشمال من صنعاء ، انظر : المقحفي (٥٩٨ ـ ٥٩٩) ، اليمن الكبرى (٧٣) ، معالم الآثار (٥٨) ، المقتطف (١٣) ، معجم الحجري (٢ / ٦٩٨).

(٥) تم ذلك يوم الثلاثاء أول يوم من شهر رجب من سنة (٢٩٠) ، السيرة ص (٢٤٧ ، ٢٤٩).

(٦) جبل وواد ، أسفل ثوابة من بني جبر حاشد من ناحية ذي بين ، وهو المعروف الآن بظفار داود ، قال الحموي : ورور حصن عظيم باليمن من جبال صنعاء في بلاد همدان استولى عليه عبد الله بن حمزة ... إلخ ، انظر : معجم الحجري (٢ / ٧٦٤) ، معجم البلدان (٥ / ٣٧٤) ، صفة جزيرة العرب (١٥٩ ، ٢١٨) ، الإكليل (١٠ / ١٨٠) ، المقحفي (٧٣٤) ، قرة العيون حاشية ص (٢٢).

(٧) انظر : السيرة ص (٢٤٩) وما بعدها.

(٨) بلدة وحصن بالجنوب الغربي من صنعاء على مسافة (٥ ك. م) ، تنسب إلى القيل ذي بوس بن شرحبيل بن يريل أحد ملوك حمير فيها حبس علي بن الحسين جعثم سنة (٢٩٠ ه‍) وابن الإمام الهادي سنة ٢٩٠ ه‍ ، انظر : المقحفي (٩٤ ـ ٥٩) ، الإكليل (٢ / ٣١٨) ، تاريخ اليمن الثقافي (١ / ٩٨) صفة جزيرة العرب (١٥٦) ، اليمن الكبرى (١٦٤) ، معجم الحجري (١ / ١٢٩) ، معالم الآثار للسياغي (٣٢) ، معجم البلدان (١ / ٥١٩).

(٩) انظر سيرة الهادي ص (٢٥٠ ، ٢٥٢).

(١٠) الأبيات في سيرة الإمام الهادي ص (٢٥٨).

٥٨٦

أيطمعون بدار الخلد إنهم

فيما رجوه على حدباء من لاق

ليس الرسول براض بالذي فعلوا

إذا لهم كشف الهادي عن ساق

قل للعبيد إذا ما جئت ناديهم

وحولهم خزوا من كل فساق

كأنني بعد أيام بدولتكم

وأنتم مزق في كل آفاق

حتى على رغمكم أنجو ويعقبكم

ربي بجدة دنياكم بإخلاق

لا تأمنني فإن الدهر ذو عقب

والله يحدث أمرا كل إشراق

حسبي عليكم هلاك واذكروا خبري

إن النصيحة لا تشرى بأوراق

أكل يوم أراكم تنقصون وقد

أرى عدوكم يعلو بإسحاق

لا تحسبوا أنني آسى لحبسكم

ونحوكم كان بقربتي وإعتاق

إن الذي نالني فتح علي لما

نويت في الله مع صبري وأخلاقي

وقال أيضا وهو مقيد (١) :

لا تكثروا إن قلبي ليس يفزعه

ثقل الحديد وحق الغر أجدادي

ما زرتكم بقفا الخلى (٢) من عنت

في يوم (أتوه) لو أوفوا بميعادي

لكن همدان خلونا وما حفظوا

لنا ذمام رسول الله في النادي

ولو تناصفت الأبطال في حدد

ما كان عمرك رهط العبد أندادي

لو (٣) كان حولي خولان لما رضيت

يوما بتركي وفدوني بأولادي

وأنفس واقيات بالذمام إذا

جاءت اللئام فهم هم خير أسادي

السابقون إلى التقوى بفخرهم

الذائدون العدا عن حوزة الهادي

ذاك الإمام أمين الله قد علموا

وناشر الحق في الحضار والبادي

__________________

(١) الأبيات في سيرته ص (٢٥٣ ـ ٢٥٤).

(٢) في (ب) : بقنا الخطا.

(٣) في (ب ، ج) : أو.

٥٨٧

وقال أيضا (١) :

أتعلم يا ركيك بني طريف

بأني ما نهضت (٢) من الحجاز

وفي أملي البقاء لملك دنيا يدوم

وما وقيت من المراز

ولكني نهضت بثار ربي

أذل الظالمين لدى البراز

بطعن في الخواصر والتراقي

وفي الأواسط ينفذ كالحراز

أو الأخرى فتلك أجلّ قدرا

وأعظم للثواب لدى المجاز

وهمك أنت قينات وخمر

وفسق لا تفيق (٣) من المخاز

فميز بين فعلكم وفعلي

وبين غوى كفرك واحتراز

تجدني إن صدقت أحق منكم

وأولى بالمقام وبالحياز

وإن أبي الإمام وإن رغمتم

له الرحمن بالإحسان جاز

وقال أيضا (٤) :

وإليك (٥) يا بن العبد إن قيودكم

لأقل في عيني من البواغي (٦)

فاربع عليك فليس شيمة مثلنا

جزع النفوس بمعضل البلوائي

أعلي تجلب بالقيود وإنما

هوى الحياة مخالف آبائي

أحسبتني هلع الجنان وإنما

أرضي تسيل عليكم وسمائي

بالصبر إن خلائقي محمودة

وكذاك كان الغرّ من قدمائي

وبصيرتي في الدين تحجب نورها

زلل الطباع إذا أردت منائي

لو شئت أن لا تعتريني محنة

لأقمت بين مطارحي ووطائي

__________________

(١) الأبيات في السيرة ص (٢٥٤).

(٢) في السيرة : ما دخلت ، وفي نسخ أخرى : رحلت.

(٣) في السيرة المطبوعة : لا تضيق.

(٤) الأبيات في سيرة الهادي المطبوعة (٢٥٤ ـ ٢٥٥).

(٥) في السيرة المطبوعة : وأبيك.

(٦) في السيرة المطبوعة : (البوغاء) والبوغاء بموحدة مفتوحة وواو ساكنة وغين معجمة ، ثم همزة وهي التربة الرخوة كأنها ذريرة وطاشة الناس وحمقاؤهم والأخلاط ومن الطيب رائحته ، انظر القاموس المحيط ط (٢) ١٤٠٧ ه‍ / ١٩٨٧ م. مؤسسة الرسالة ص (١٠٠٧) باب الغين فصل الباء ، مادة : (بوغاء).

٥٨٨

ورفضت كل مجبب (١) طاوي الحشا

وهجرت كل صوارمي وقنائي

ولما قصدت الظالمين بمهجتي

وطلبت حر ضرامها بضبائي

فعلي ليس تجوز خطة باطل

وعلى سواي فهوّلوا أعدائي (٢)

ثم أطلقوا عنه بعد أيام (٣) ، «وكان مروره رائحا على مدينة شبام (٤) ، وخلع عليه ابن أبي يعفر (٥) وركبه فرسين (٦) وراح إلى الهادي عليه‌السلام رجع!» (٧) ولم يزل عليه‌السلام في الجهاد مع المسودة والقرامطة والظالمين والفاسقين ، ومع أهل صنعاء ومخاليف اليمن (٨) ، ومع أهل نجران حتى توفي عليه‌السلام بصعدة وكانت وفاته ـ يعني الهادي عليه‌السلام ـ عشية الأحد لعشر بقين من ذي الحجة سنة ثمان وتسعين ومائتين (٩).

__________________

(١) المجب : بالجيم وموحدتين على صيغة المفعول ما ارتفع بياض تحجيله إلى الجيب وهي موصل ما بين الساق والفخذ ، القاموس المحيط. باب الباء فصل الجيم.

(٢) انظر سيرة الهادي ص (٢٥٣ ـ ٢٧٠).

(٣) انظر نفس المصدر ص (٢٧١) وما بعدها.

(٤) هي شبام كوكبان ، مدينة أثرية قديمة ، تقع أسفل جبل ذخار كوكبان غرب مدينة صنعاء وعلى مسافة (٣٤ ك. م) تنسب إلى شبام بن عبد الله بن أسعد بن جشم بن حاشد ، وكان اسمها قديما بحبس ، وتسمى أيضا شبام أقيان ، وشبام يعفر ، وكانت في القرن (٣) مركزا للدولة اليعفرية ، انظر : معجم الحجري (٢ / ٤٤١) المقحفي (٣٥٠) ، هذه هي اليمن (٧٠) معالم الآثار (٧٣).

(٥) أسعد بن أبي يعفر : هو أسعد بن إبراهيم بن أبي يعفر بن محمد بن يعفر بن إبراهيم الحوالي ، قاتل القرامطة ، وانتزع منهم صنعاء ، انظر : الأعلام (١ / ٢٩٩) ، العسجد المسبوك (خ).

(٦) انظر سيرة الهادي ص (٢٧٢ ، ٢٧٤).

(٧) ساقط في (أ، د) كما سبق التنويه ، انظر : أي وعودة إلى أخبار الإمام الهادي عليه‌السلام.

(٨) نهاية الصفحة [٣٦٨ ـ أ].

(٩) ودفن عليه‌السلام يوم الاثنين قبل الزوال عن (٥٣ سنة) ، الحدائق الوردية (١ / ٢ / ٢٥) ، السيرة المطبوعة ص (٣٧٩).

٥٨٩

[(٢٤) الإمام المرتضى محمد بن يحيى بن الحسين (أبو القاسم الداعي)] (١)

[٢٧٨ ـ ٣١٠ ه‍ / ٨٩١ ـ ٩٢٢ م]

[وصية والده]

ذكر العباسي في كتابه أنه لما توفي الهادي إلى الحق عليه‌السلام أوصى إلى ابنه أبي القاسم محمد المرتضى وعهد إليه عهدا فيما بينه وبينه ، وأمره بتقوى الله وطاعته ، لم يخلف دينارا ولا درهما ولا عقارا ، ولا أثاثا (٢) ، وجزع المسلمون عليه جزعا شديدا (٣) وبكوا عليه ، وسقط في

__________________

(١) انظر : الحدائق الوردية (١ / ٢ / ٤١ ـ ٤٦) ، الإفادة ص (١٦٩ ـ ١٧٠) ، الأعلام (٧ / ١٣٥) ، سيرة الهادي (انظر الفهرس ص (٤٥٨). مصادر الفكر للحبشي ص (٥١٨ ـ ٥٢١) ، أئمة اليمن ص (٥٢ ـ ٥٩) ، إتحاف المهتدين ص (٤٥) ، المقتطف من تاريخ اليمن (١٠٧) ، فرجة الهموم والحزن (تاريخ الواسعي) ص (١٧٠) ، طراز أعلام الزمن (خ) الترجمان لابن مظفر (خ) اللآلي المضيئة (خ) غاية الأماني في أخبار القطر اليماني ص (٢٠١ ـ ٢٠٣) ، التحفة العنبرية (خ) ، بلوغ المرام ص (٣٢ ، ٣٣) ، أشعة الأنوار. محمد سالم اليماني (٢ / ٢٨) (ط) القاهرة ١٣٩١ ه‍ ، التحف شرح الزلف ص (١٩٠ ـ ١٩١) ، عمدة الطالب (٢٠٤) ، سر السلسلة العلوية (٢٨) بروكلمان تاريخ الأدب العربي (٣ / ٢٣٠ ـ ٢٣١) ، والذيل (١ / ٣١٦) ، الجامع الوجيز (خ) ، طبقات الزيدية (خ) ، أنباء الزمن في أخبار اليمن مصدر سابق (انظر الفهرس ص (٧٥) ، معجم المفسرين (٢ / ٦٤٧) ، تاريخ اليمن الفكري في العصر العباسي (١ / ٢٦٣) ، الفلك الدوار ص (١٦ ، ٥٨ ، ٦٩ ، ٢٦٨) ، معجم الأنساب للأسر الحاكمة (١ / ١٨٧) ، رجال الأزهار للجنداري (٣٦) ، معجم المؤلفين (١٢ / ١٠١) ، الوافي بالوفيات (٥ / ١٨٥) ، الجامع الوجيز للجنداري (خ) ، الإمام الهادي واليا وفقيها ومجاهدا. النعمان. انظر الفهرس ص (٣٧٦) ، ولصاحب الترجمة العديد من المؤلفات ، انظر أعلام المؤلفين الزيدية ص (١٠١٣ ـ ١٠١٦) ترجمة (١٠٨٦).

(٢) لم أقف في سيرة الهادي المطبوعة على وصية الهادي لابنه أبي القاسم محمد المرتضى ، انظر أنباء الزمن في أخبار الزمن ص (٥٣).

(٣) في (أ، د) : أشد الجزع.

٥٩٠

أيديهم وقت وفاته ، وفتّ في أعضادهم وذهلت عقولهم ، وخافوا على نفوسهم وأهاليهم وأولادهم الهلكة (١) من غلبة القرامطة ، وأهل البدع في استيلائهم على بلادهم ، وألحوا على المرتضى في أخذ بيعتهم ، وانثالوا عليه من كل فج عميق ، وقالوا له : لا يسعك خذلاننا ولا يجوز بينك وبين ربك التقاعد عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفع عن المظلومين ، ونحن أجنادك وأولياؤك على الحق ، نفديك بأنفسنا ونواسيك بأموالنا حتى تقيم كتاب الله ، وتحكم بسنة رسول الله وتحيي ما أماته الفاسقون من شرائع دينه ، فدافعهم المرتضى أحسن دفع وخاطبهم بأجمل المخاطبة ، وعاتبهم أبلغ المعاتبة على ما كان من تفريطهم وتقصيرهم في معاونة الهادي (٢) رضي الله عنه على الحق ونصرته على أهل الباطل ، وامتنع مما دعوه إليه من جميل (٣) ولم يؤيسهم منه إياسا قاطعا.

وقال لهم فيما كان يخاطبهم به : أنتم معاشر المسلمين على خير ، ولم تعدموا إن شاء الله ما تريدونه منا ، ولكن لنا عليكم شروط نشترطها ، وأمور من الحق نصفها ونبينها لكم ، ولا يصلح الدخول في مثل هذا الأمر بالعجلة ، ولا يجوز الإقدام عليه بالتعسف ، بل نقفكم من الأمر على صحته ، ونناظركم على ما يجب علينا وعليكم من فرض الله عزوجل وحكمه فينا وفيكم ، ولكم إلينا عودة إن شاء الله.

فلما أصبح الناس قصدوا بأجمعهم باب المرتضى فكثر جمعهم وامتلأت المحال والأسواق والطرق والمساجد منهم ، فخرج إليهم المرتضى عليه‌السلام وعليه السكينة والوقار وسيماء الأئمة الأبرار ، فلما بصر الناس به ووقعت أعينهم عليه ارتفعت أصواتهم وأجهشوا بالبكاء ودعوا بالويل والثبور ، فسكن منهم المرتضى فلما سكتوا وسكنت (٤) أصواتهم ، قال : جزاكم الله من أهل محبة وولاية خيرا ، ونعم الإمام كان لكم الهادي رضي الله عنه الناصح لكم

__________________

(١) في (أ، د) : المهلكة.

(٢) نهاية الصفحة [٣٦٩ ـ أ].

(٣) في (ب ، ج ، د) : مما دعوه إليه على جميل.

(٤) في (أ) : سكتت.

٥٩١

الحدب عليكم ، كان والله حريصا على إرشادكم طالبا لصلاحكم «مؤثرا لكم» (١) ، حاملا لكم على ما فيه نجاتكم ، داعيا لكم إلى ما يقربكم إلى الله ، زاجرا لكم عما يبعدكم منه (٢) ، حاكما فيكم بالعدل والقسط ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، على مثله فليكثر البكاء والأحزان ، والندم والحسرة والأشجان (٣) ، ولكن المرجع إلى الله عزوجل في جميع الأحوال ، والعمل بالتوبة والدعاء إليها والحث عليها أولى بنا وبكم ، ولنا ولكم فيما نزل بنا من الأمر العظيم وحل بساحتنا من الفادح الجسيم أسوة برسول الله وبالأئمة الماضين من عترته صلوات الله عليهم فإنا لله وإنا إليه راجعون ، رضاء بقضائه وتسليما لأمره ، والموت سبيل الأولين وطريق الآخرين ، وبذلك حكم على عباده رب العالمين ، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو تبارك وتعالى خير الوارثين ، ثم بكى بكاء شديدا وأنشأ يقول :

يسهل ما ألقى من الوجد أنني

مجاوره في داره اليوم أو غد

وارتج البلد بالبكاء ، وتكلم كل واحد منهم بمبلغ رأيه وعلمه (٤).

[خطبته بعد وفاة والده (ع)]

فلما هدأت الأصوات ، وسكنت الأجراس ، قال المرتضى ـ رضي الله عنه : الحمد لله رب العالمين ، ومالك يوم الدين ، ونستعينه على شكر ما أصبحنا نتقلب فيه من نعمه التي لا تحصى ، ونحمده على ما أصابنا من خير وبلوى ، ونسأله الصلاة على سيد المرسلين ، وإمام المتقين محمد النبي المصطفى وآله أجمعين ، ثم إن الله جل وعز أمر أمورا ، وفرض على خلقه فروضا ، لم يرض منهم إلا بالعمل بها ، والتسارع إلى ما فرض الله عليهم منها ، وأرسل محمدا

__________________

(١) ساقط في (أ).

(٢) في (أ، د) : عنه.

(٣) نهاية الصفحة [٣٧٠ ـ أ].

(٤) الخطبة في الحدائق الوردية (١ / ٢ / ٤٣ ـ ٤٤) ، وبعد خطبة صاحب الترجمة بايعه الناس في غرة المحرم سنة ٢٩٩ ه‍.

٥٩٢

خاتم النبيين ، بشيرا ونذيرا إلى جميع المخلوقين ، وأنزل عليه كتابا فيه نور مبين ، وشفاء لما في الصدور ، (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) (١) مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت : ٤٢] ، أمر عباده بالعمل على ما فرضه عليهم وآكد من الأمر عليهم بعد أن أعطاهم الاستطاعة ، ومكنهم من القدرة على ما أمرهم به ودعاهم إليه (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال : ٤٢].

ولسنا (رحمكم الله) بأبناء دنيا فنتكالب عليها ، ولا بأهل الباطل فنطلب الأمارة والسلطان والأمر والنهي من غير استحقاق ، وعلى غير جهة رشد وسداد ، واستقامة وصلاح ، أكثركم يعلم كيف كنتم للهادي رضي الله عنه بعد دعائكم إياه إلى بلادكم وبيعتكم له على كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإحياء معالم الدين ، ومجاهدة الجبارين الظالمين ، ألم ينقض أكثركم تلك العهود المؤكدة والمواثيق المغلظة (٢)؟!

ألم ينكث جلكم أيمانكم بعد توكيدها ، وقد جعلتم الله عليكم كفيلا؟!

ألم يدع أكثركم الحق جهرا واتبع الباطل وباع الكثير الباقي بالتافه اليسير الفاني؟! وكان رضي الله عنه يقاسي منكم الأمرين ، وتصيبه منكم المحن المتواترة ، وتعاملونه بأقبح المعاملة ، وتقابلونه على جميع أفعاله معكم وإحسانه إليكم (٣) وعفوه عن ذنوبكم بالإساءة إليه والخروج عليه فصبر من ذميم أفعالكم وقبيح معاملاتكم على ما لا يصبر عليه إلّا من امتحن الله قلبه بالتقوى (٤) ، ونوره باليقين والهدى ، ما قصر ولا وني من دعائكم إلى رشدكم (٥) ، وإلى طاعة ربكم ، ولا سئم من نصحكم والشفقة عليكم ، ولا ترك تقويم المتأوّد منكم ، ولا بخل بما حوته يده عليكم ، ومواساتكم (٦) بنفسه وماله ، لم يتعلق عليه أحد منكم

__________________

(١) نهاية الصفحة [٣٧١ ـ أ].

(٢) في (د) : الغليظة.

(٣) في (أ) : عليكم.

(٤) في (أ، د) : للتقوى.

(٥) نهاية الصفحة [٣٧٢ ـ أ].

(٦) في (أ) : مواساته.

٥٩٣

بمظلمة ، ولا ادعى عليه أحد عدولا عن الحق ، وميلا إلى الهوى ، ومحاباة لولد وذي قربى ، بل كان يعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد جعلهما نصب عينيه ، لا يفارقهما ولا يزايلهما ، ولا يدع العمل بهما ، فأفعالكم التي تفعلون ، وسيرتكم (١) التي بها تسيرون ، وطرقكم التي فيها تسلكون لا نحمدها ولا نأمن من الله عزوجل العقوبة على مقارتكم عليها ، ومداجاتكم فيها ، وأنتم إلى الباطل تميلون ، وعن الحق تفرون ، وفي معاصي الله تسارعون ، ولو لا إيثار طاعة الله والائتمار لأمره والوقوف عند ما حد من حكمه ، لكان ما عرضتم علي منه من طلب الدنيا وإرادة من اتبع الهوى ، هيهات لا أزول عن أمر الله شبرا ، ولا أفارق حكمه فترا حتى ألحق بالله على بصيرة ، وألقاه جل وعز بعزيمة صادقة ، فإن تقبلوا إلى طاعة الله وتنقادوا لأمر الله وتصبروا على حكمه فيما ساءكم وسركم ، وأعطاكم وأخذ منكم ، كنتم من الفائزين ، وعند خالقكم من المقربين ، فاتقوا الله وارجعوا باللوم على أنفسكم وتوبوا إلى الله رب العالمين ، وقوموا له قانتين ، ولأوليائه موالين ، ولأعدائه معادين ، ولأهل معصيته منابذين ، ولمن خالف أمره مهاجرين (٢) ، ولآثار رسوله متبعين ، وللمعصية والفسوق تاركين ، وبالمعروف آمرين ، وعن المنكر ناهين ، وللأئمة الصالحين من أهل بيت رسول الله مطيعين ، واعلموا (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل : ١٢٨] (٣).

ولم ينو المرتضى رضي الله عنه ملابسة هذا الأمر ، ولم يرد اعتناقه والقيام به بوجه من الوجوه ؛ لمعرفته بسوء نية أهل اليمن وعلمه ، ولكنه لم يؤيسهم ولم يبعدهم من طلبتهم ، خوفا من تغلب القرامطة على تلك البلاد ، وخشية على الضعفاء والأرامل والأيتام من السبي والغارة ، فكاتب حلفاء أبيه الهادي عليه‌السلام من قواد بلاد اليمن ومخاليفها فاقرهم على ما كانوا يتولونه من الأعمال وأمرهم بضبط ما في أيديهم ومحاربة من قصدهم من القرامطة والمخالفين ، وأمرهم بالتعاون والتناصر ، وأن يمد بعضهم بعضا إذا احتاجوا إلى ذلك ، وأمرهم

__________________

(١) في (أ) : وسيركم.

(٢) نهاية الصفحة [٣٧٣ ـ أ].

(٣) الخطبة في الحدائق الوردية (١ / ٢ / ٤٣ ـ ٤٤) ، وبعد خطبة صاحب الترجمة بايعه الناس في غرة المحرم سنة (٢٩٩ ه‍).

٥٩٤

أن يقسموا الأعشار والصدقات ، وما يجري مجراها (١) من الأموال على ما كان الهادي رضي الله عنه يقسمها ، لم يتناول منها درهما فما فوقه ، ولم يتناول من طعامهم طعاما.

فلما استقامت له الأمور ، جد في تسريب الخيول لقتال القرامطة وأهل البدع والزيغ في الإسلام ، فنصر الله أولياءه على أعدائه ، وعلت كلمة الحق وقتل القرامطة في كل فج ، وآمن الله المرتضى لدين الله والمسلمين من شر القرامطة ، وجعل دائرة السوء عليهم ، وقتلوا في كل موضع (٢). والحمد لله رب العالمين.

[خطبته بعد عزمه على الاعتزال]

وقال في خطبة خطبها بعد عزمه على الاعتزال :

ثم إنكم معاشر المسلمين أقبلتم علي بعد موت الهادي رضي الله عنه وأردتموني على قبول بيعتكم فامتنعت مما سألتموني ودافعت بالأمر ولم أؤيسكم من إجابتكم إلى ما طلبتم (٣) مني ، خوفا من استيلاء القرمطي لعنه الله على بلادكم ، وتعرضه للضعفاء والأيتام والأرامل منكم ، فأجريت أموركم على ما كان الهادي رضي الله عنه يجريها ، ولم أتلبس بشيء من عرض دنياكم ، ولم أتناول قليلا ولا كثيرا من أموالكم ، فلما أخزى الله القرمطي : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) [الأحزاب : ٢٥] ، تدبرت أمري وأمركم ، ونظرت فيما أتعرضه من أخلاقكم ، فوجدت أموركم تجري على غير سننها ، وألفيتكم تميلون إلى الباطل وتنفرون عن الحق وتستخفون بأهل الصلاح والخير والدين والورع منكم ، لا تتناهون عن منكر تفعلونه ، ولا تستحيون من قبيح تأتونه وذنب عظيم ترتكبونه ، ولا تتعظون بوعظ الواعظين ، ولا تقبلون نصح الناصحين ، بل تجرون في غيكم ، وعن أمر الله إلى نهيه عادلين ، وعن من (٤) يأمركم

__________________

(١) في (أ) : مجراهما.

(٢) نهاية الصفحة [٣٧٤ ـ أ].

(٣) في (أ) : طلبتكم.

(٤) في (ج) : ما.

٥٩٥

بطاعة الله مزورين ، وعنه نافرين ، وإلى أعداء الله وأعداء دينه الجهال الفساق راكنين ، وقد قال الحكيم العليم في محكم التنزيل : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) [هود : ١١٣].

فلما لم أجد فيكم من يعين الصادق المحق (١) ، ويأمر بالمعروف ويرغب في الجهاد ، ويختار رضا الله جل وعز على رضا المخلوقين إلّا القليل من القبيلة ، واليسير من الجماعة ، أنزلت هذه الدنيا من نفسي أخس المنازل ، وآثرت الآخرة الكريمة (٢) محالها ، الشريفة منازلها ، العلية مراتبها ، واخترت الباقي الدائم على الفاني الزائل ، وتمسكت بطاعة رب العالمين وذلك من غير زهد مني في جهاد الظالمين ، ومنابذة الفاسقين ، ومباينة الجائرين (٣) ، مع علمي بما فرض الله عزوجل منه على عباده في وقته وحينه وأوانه ، وأيقنت مع الأحوال التي وصفتها والموانع التي ذكرتها أن السلامة عند الله في الزهد في الدنيا والاشتغال بعبادة رب العالمين ، والاعتزال من جميع المخلوقين ، وذلك بعد رجوعي إلى كتاب الله جل وعز ، واشتغال خاطري بتدبر آياته ، وإعمال نظري وفكري في أوامره وزواجره ، ومحكمه ومتشابهه ، وخاصه وعامه ، وأمره ونهيه ، وناسخه ومنسوخه ، فوجدته يوجب علي التبري من هذا الأمر إيجابا محكما ، ويلزمني تركه إلزاما قاطعا.

فاتبعت عند ذلك أمر الله ونزلت عند حكمه ، ورضيت بقضائه ، فإن يقم الله عزوجل بعد ذلك علي حجة ووجدت على الحق أعوانا ، وفي الدين إخوانا ، قمت بأمر الله طالبا لثوابه ، حاكما بكتابه ، متقلدا لأمره ، متبعا سنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا أفارقه ولا أعدل عنه حتى يعز الله الحق ، ويبطل الباطل ، أو ألحق بصالح سلفي الذين مضوا لله (٤) طائعين (٥) ، ولأمره متبعين ،

__________________

(١) نهاية الصفحة [٣٧٥ ـ أ].

(٢) في (أ) : الكريم.

(٣) في (د) : الجبارين.

(٤) نهاية الصفحة [٣٧٦ ـ أ].

(٥) في (أ، د) : مطيعين.

٥٩٦

وبأمره قائمين ، وإن لم أجد على ذلك أعوانا صادقين ، وإخوانا لأمر الله متبعين ، لم أدخل بعد اليقين في الشبه ، ولم أتلبس بما ليس لي عند الله بحجة ، وكنت في ذلك كما قال الله تعالى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) [الذاريات : ٥٤].

أمثلي يدخل في الأمور «المشتبهة» (١) الملتبسة؟!!

هيهات هيهات منع من ذلك خوف الرحمن ، وتلاوة القرآن ، والمعرفة بما أنزل الله في محكم القرآن ، فإني لست ممن تغره الدنيا بحسنها ، وتخدعه بزينتها ، فاتقوا الله عباد الله حق تقاته ، وعاونوا الحق والمحقين ، وجانبوا الباطل والمبطلين ، وكونوا مع الصادقين ، واعلموا أنكم ميتون ، وإلى ربكم راجعون ، وعلى أعمالكم محاسبون ، وبما كسبت أيديكم مرتهنون ، وما الله بظلام للعبيد ، والسلام على من اتبع أمر الله ورضي بحكم الله ، وآثر طاعة الله (٢).

واعتزل رضي الله عنه الأمر وخلا بربه وآثر عبادته على كل شيء ..

قال عبد الله بن عمر الهمداني (٣) : اجتمع الناس إليه فطلبوا القيام وعقد الإمامة ، فدافعهم إلى أن ظهر بن الفضل القرمطي في الناحية ، وذلك في سنة ثمان وتسعين ومائتين ، فحارب القرمطي (٤) ، ثم أغلق الباب على نفسه ولزم منزله وعاد الطبريون (٥) إلى بلادهم ، وتوفي المرتضى رحمة الله عليه ورضوانه على ما ذكر عبد الله بن عمر الهمداني في شهر المحرم سنة عشر وثلاثمائة وصلّى الله على خير خلقه محمد ومن طاب من عترته وسلامه أمين (٦).

__________________

(١) ساقط في (أ، د).

(٢) الحدائق الوردية (١ / ٢ / ٤٥ ـ ٤٦).

(٣) انظر التحف شرح الزلف ص (١٩٦).

(٤) انظر سير الإمام الهادي ص (٣٩٧) وما بعدها.

(٥) في أنباء الزمن في أخبار اليمن أنهم قاتلوا بين يدي الهادي وولده محمد حتى قتلوا عن آخرهم رحمهم‌الله ص (٣١) ، ثم قال في ص (٥٣) في ذكر محمد المرتضى : ولزم منزله وسار الطبريون إلى بلادهم. والطبريون : قوم هاجروا من طبرستان لنصرة الإمام الهادي والاستفادة من علمه. وقد سبق التنويه إلى الديالمة والكلارية.

(٦) توفي أبو القاسم محمد بن يحيى عليه‌السلام بصعدة يوم الأحد لسبع ، وقيل : لتسع خلت من المحرم سنة ٣١٠ ه‍ ، ودفن يوم الاثنين ضحى النهار ، سيرة الإمام الهادي ص (٤٠٥).

٥٩٧

[(٢٥) الإمام الناصر أحمد بن يحيى بن الحسين (أبو الحسن)] (١)

[... ـ ٣٢٥ ه‍ / ... ـ ٩٣٧ م]

[تأريخ تسليم الأمر من أخيه المرتضى]

وخرج في صفر (٢) سنة إحدى وثلاثمائة في أنصاره رضي الله عنه من خولان ، وهم السابقة في النجدة ، ودارهم دار الهجرة ، وهم أعوان الأئمة ، فبايعه الناس ، فأول من بايعه خولان ، وفيه يقول إبراهيم بن محمد التميمي شعرا :

__________________

(١) انظر : الحدائق الوردية (١ / ٢ / ٤٦ ـ ٥٣) ، سيرته لعبد الله بن عمر الهمداني (خ) ، سيرة الهادي انظر الفهرس ص (٤٤٤) ، الجامع الوجيز للجنداري (خ) ، الأعلام (١ / ٢٦٨) ، بلوغ المرام (٣٣) ، إتحاف المسترشدين (٤٥) ، التحف شرح الزلف (١٩١ ـ ١٩٨) ، الحدائق الوردية (١ / ٢ / ٤٦ ـ ٥٣) ، الإفادة (١٧١ ـ ١٧٢) ، الترجمان لابن مظفر (خ) اللآلي المضيئة (خ) ، غاية الأماني (٢٠٥ ـ ٢١٥) ، النفحة العنبرية (خ) ، الجامع الوجيز (خ) فرجة الهموم والحزن (١٧٠ ـ ١٧٢) ، أئمة اليمن (٦٠ ـ ٦٤) ، أشعة الأنوار على مرويات الأخبار (٢٨) ، المقتطف من تاريخ اليمن (١٠٧ ـ ١٠٨) ، الفلك الدوار ص (١٦ ـ ٥٨) ، معجم المفسرين (١ / ٨٢) ، عمدة الطالب (٢٠٥) ، سر السلسلة العلوية (٢٨) ، تاريخ اليمن الفكري في العصر العباسي (١ / ١٥٧ ، ٢٦٣) أنباء الزمن في أخبار اليمن (انظر الفهرس ص (٧٣) تاريخ التراث العربي (٢ / ٣٠٨) ، معجم المؤلفين (٢ / ٢٠٢) ، تراجم رجال الأزهار (٦) ، الإمام الهادي واليا وفقيها ص (٨٥ ، ٨٩ ، ١٥٦ ، ٢٣٤ ، ٢٣٥) ، مصادر الفكر للحبشي ص (٥٢٢ ـ ٥٢٣) ، أعلام المؤلفين الزيدية ص (٢٠٢ ـ ٢٠٤) ترجمة (١٩٥).

(٢) في يوم الأحد ٨ صفر اجتمع إليه بعض وجهاء خولان فاستعانوا بصاحب الترجمة على أخيه المرتضى السالف الذكر أن يقوم فيهم ، فكره ذلك فسألوا صاحب الترجمة على ما كان والده فأجابهم إلى ذلك ، وقام فيهم وأعطوه العهد والمواثيق على القيام معه على من ناوأه ، وكانت بيعة صاحب الترجمة يوم الجمعة ١٣ صفر من سنة ٣٠١ ه‍.

٥٩٨

من ذا يفاخر أولاد النبي ولا

من ذا يداني إلى أنسابهم نسبا

قوم أبوهم رسول الله خصهم

بأن يكون لهم دون الأنام أبا

قوم إذا افتخر الأقوام واجتهدوا

وجدت كل فخار منهم اكتسبا

وهو عليه‌السلام صاحب الوقعة باليمن التي أوهن فيها ركن القرامطة فانهزموا إلى المغرب واستأمن الخلق منهم ، وتابوا على يده ، وكان فتحا عظيما باليمن (١) ، وكان عليه‌السلام شاعرا ، وهو الذي يقول (٢) :

أبعد الأربعين رجوت خلدا

وشيبك في المفارق قد أتاكا

كأني بالذي لا بد منه

من أمر الله ويحك قد دهاكا

[بعض رسائله (ع)]

وله رسالة إلى الناس عامة ، وذكر في بعض الرسائل :

ألا وإني قد رغبت إلى الله تعالى فيما رغب الله فيه فنهضت إليه وقمت فيما ندب إليه ، فسموت له ، وعرفت بما أمر الله فأعلنت له ، ولم أسع لطلب دنيا ولا توفير مال ، ولا ازدياد حال ، ولا طلب فساد في الأرض (٣) ولا إضاعة لحق ، ولا انتهاك لمسلم ، ولا هتك لمحرم ، ولا إراقة دم حرام (٤) ، ولا إظهار (٥) بدعة ، ولا فعل شنعة ، ولا محبة رفعة ، ولا إرادة رفاهية ، ولا مفاخرة بجمع ، وإنما قمت للازم الحجة لي ووجوبها لله علي ، وتوثق أرباقها بي ، على حين جفا (٦) من الإخوان ، وتراكم من الأحزان ، وإفراد من الأعوان ، وليس مكاني بخفي ، ولا

__________________

(١) كانت تلك الوقعة في آخر شهر شعبان سنة (٣٠٧ ه‍) ببلدة يقال لها نغاش ، وهو جبل عيال يزيد شمال مدينة عمران ، وتلك الوقعة مشهورة بوقعة نقاش.

(٢) الأبيات في الحدائق الوردية (١ / ٢ / ٤٦) ، كتاب البساط ص (٢).

(٣) نهاية الصفحة [٣٧٨ ـ أ].

(٤) في (أ) : محرم.

(٥) في (ب) : ولا لإظهار.

(٦) في (أ) : على حين عدم وفاء.

٥٩٩

مقامي بغبي ، ولا اسمي بمجهول ، فيعذر الغافل والمتثاقل ، ويجد حجة الخاذل ، ويمكن المتخلف التأول ، مع المحن التي أنا فيها ، والأمور التي أقاسيها من كثرة لائم لا يرضى ، وعابد للدنيا ومتطلب للسعة والغنى ، ومتربص لا يبقى ، ومفرد عند الشدائد لا يرعى ، ومتسخط وقت لا يعطى ، وما دعوت إلى الدنيا فإذا عدمها أهلها معي ذهبوا ، وإذا فارقوها انقلبوا.

ألا وإني إنما دعوت إلى ما دعا إليه من كان قبلي من الأئمة الطاهرين والعباد الصالحين ، أنا عبد الله وابن نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشاري نفسه لله سبحانه ، الغضبان لله جل ثناؤه إذ عصي في أرضه ، واستخف بفرضه ، وقتلت الدعاة إلى دينه ، فلو أسعفتني الأعوان ، وعاضدتني الأنصار ، وصبر على دعوتي أهل الأديان ، لعلوت فرسي ، واعتصيت رمحي ، وتقلدت نجاد سيفي ، وأخذت درعي (١) ، وقصدت أعداء الله جل ذكره (٢) ، وكافحت الأقران في يوم الطعان ، صابرا محتسبا ، مسرورا جذلا ، إذا أشرعت الأسنة ، واختلفت الأعنة ، ودعيت نزال لمكافحة الأبطال (٣) ، وتكافحت الرجال ، وسالت الدماء ، وكثرت الصرعى ، ورضي الرب الأعلى ، فيا لها خطة مرضية لله جل ثناؤه ما أشرفها ، وأنا أشهد الله لوددت أني أجد إلى حيلة سبيلا ، يعز فيها الدين ويصلح على يدي أمر هذه الأمة ، وإني أجوع يوما وأطعم يوما حتى تنقضي أيامي وألاقي حمامي ، فذلك أعظم السرور وأجل الحبور ، وأشرف الأمور ، ولو كان ذلك وأمكن ما نزلت عن فرسي ، إلّا لوقت صلاة ، والصفان قائمان ، والجمعان يقتتلان ، والخيلان تتجاولان ، فنكون في ذلك كما قال شاعر أمير المؤمنين عليه‌السلام بصفين :

أيمنعنا القوم ماء الفرات

وفينا السيوف وفينا الجحف

وفينا الشوارب مثل الوشيج

وفينا الرماح وفينا الزعف

وفينا علي له سورة

إذا خوفوه الردى لم يخف

__________________

(١) في (أ) : واحتشيت درعي.

(٢) نهاية الصفحة [٣٧٩ ـ أ].

(٣) في (أ، د) : لمعانقة الأبطال.

٦٠٠