المصابيح

الإمام أبو العباس الحسني

المصابيح

المؤلف:

الإمام أبو العباس الحسني


المحقق: عبدالله بن عبدالله بن أحمد الحوثي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٢

فقال نصر بن مزاحم : كنت فيمن عند أبي السرايا إذ جاءه جماعة من أهل الكوفة ، فقالوا : أصلح الله الأمير ، ننتظر (١) بهذا الرجل وقد قطع شربنا ، وسكر فراتنا (٢) ، انهض بنا إليه ، فو الله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبينه ، ونستظهر بالحجة عليه.

قال : فأمر أبو السرايا الناس بالنهوض إلى هرثمة «فنهضوا» (٣) ، ونهض معه أربعة آلاف من الزيدية ممن كان رجع عنه بالقصر قد لبسوا الأكفان وتحنطوا للموت.

قال : وخرج أبو السرايا يوم الاثنين لسبع خلون من ذي القعدة (٤) إلى الرصافة (٥) بعد أن جرى بينهم قتال شديد فأخبر الناس وقد أخبره جواسيسه أن هرثمة يريد مواقعته في ذلك اليوم ، فصفهم مما يلى الكوفة ، ومضى هو في جريدة خيل حتى عبر القنطرة كراهة أن يأتوه منها.

[٥٠] [أخبرنا أبو العباس قال : حدثنا أبو زيد العلوي عن الكوفي عن نصر بن مزاحم قال] : قال عبد الله بن محمد : فبينا نحن بالرصافة إذ أقبل هرثمة بخيله فرجع إلى الناس ، فقال : صفوا (٦) صفوفكم وكونوا على تعبئتكم ، فإن العدو قد أقبل (٧).

وبعث إلى أبي (٨) السرايا رسولا يخبره «بإقبال هرثمة» (٩) : ويستطلع رأيه في قتاله ، فلم يلبث أن أقبل (١٠) أبو السرايا وهو كالبعير الهائج يكاد يقلعه (١١) الغضب عن سرجه قال : فعبأ

__________________

(١) في (ب ، ج ، د) : ينتظر.

(٢) السكر : ما يسد به النهر ونحوه ، والسكر : سد النهر ، وبالكسر الاسم منه المعجم الوسيط مادة : (سكر) ، وعند اللفظ :

(سكر) نهاية الصفحة [٣٣١ ـ أ].

(٣) ساقط في (أ).

(٤) في مقاتل الطالبيين : خرج يوم الاثنين لتسع خلون من ذي القعدة أي من سنة (١٩٩ ه‍).

(٥) اسم لعدة مواضع ، انظر معجم البلدان (٣ / ٤٦ ـ ٥٠).

(٦) في (ب ، ج ، د) : سوّوا.

(٧) انظر : مقاتل الطالبيين ص (٤٤٢).

(٨) في (ب ، ج ، د) : أبو ، وهو خطأ لغوي.

(٩) في (أ) : بأن قال هرثمة قد أقبل.

(١٠) في (أ، ب ، د) : إذ.

(١١) في (أ) : يعقله.

٥٤١

ميمنة وميسرة وقلبا وجناحين وأمر كل قائد بتحريض أصحابه ، ومن كان في المعسكر بقراءة القرآن.

ثم إن هرثمة رجع فعبر الفرات وأتاهم مما يلي القنطرة فوقف بالرصافة وخندق (١) خمسة آلاف (٢) رجل وتوجه إليه بالفرسان والرّجالة ، فالتقوا بالقصر ونواحيه واقتتلوا قتالا شديدا ، وكان على مقدمة أهل الكوفة روح بن الحجاج في جماعة من الأعراب والكوفيين ، وأبو السرايا في (٣) الساقة.

قال عبد الله بن محمد : لقد رأيت أبا السرايا وقد ألقى خوذته على ظهره من شدة الحر وهو يقول : الصبر الصبر قد والله نكل القوم وما بعد اليوم إلّا هزيمتهم (٤) ، ثم حمل فقتل قتلى كثيرة ، وخرج قائد من قواد هرثمة يكنى أبا خزيمة لابسا درعا على فرس كميت وبيده قناة وترس ، ونادى أبا السرايا إلى البراز ، فحمل عليه أبو السرايا فاطّردا ساعة وضربه أبو السرايا على رأسه فخالطت الضربة قربوسه ، فخر قتيلا فانهزم هرثمة وأصحابه واتبعهم أهل «الكوفة» (٥) يقتلونهم ، ويأسرونهم حتى بلغوا صعيبا (٦).

[استشهاد أبي السرايا]

عن نصر بن مزاحم : قال أتى هرثمة يوم الأضحى أصحابه فأمرهم أن يتعبئوا أحسن تعبئة ، ويتهيئوا أكمل تهيئة ، وقد خرج محمد بن محمد فصلى بالناس فلما صعد المنبر زحف هرثمة

__________________

(١) في (ب ، ج ، د) : الخندق.

(٢) وهو ما ذهب إليه صاحب مقاتل الطالبيين ص (٤٤٣).

(٣) نهاية الصفحة [٣٣٢ ـ أ].

(٤) في مقاتل الطالبيين : واشتد الحرب ، وكشف أبو السرايا وجعل يقول : صبر ساعة ، وثبات قليل ، فقد ـ والله ـ فشل القوم ، ولم يبق إلّا هزيمتهم ، مقاتل الطالبيين ص (٤٤٢).

(٥) ساقط في (أ).

(٦) انظر الخبر في مقاتل الطالبيين ص (٤٤٢).

٥٤٢

حتى صار منه قريبا بقدر مزجر الكلب ، فخطب محمد الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أهل الكوفة قد برح الخفاء وحق التصريح ، إن هؤلاء القوم قد جدوا وتهاونتم ، وصدقوا وكذبتم ، وأيم الله ما بعد موقفكم هذا غاية ، ولا بعد تقاعدكم عنهم فشل ولا مهانة ، فاستحيوا من الله في حقه ، وخيانة محمد في ذريته ، فقد أصبحنا والله بين أظهركم وقد بدت لعدونا مقاتلنا ، فلم يبق إلّا أن يطلعوا على فشلكم ، ويتجاوزوا إليكم حيطانكم ، ثم يقع ما لا مهرب منه ، ويجب ما لا يملك دفعه ، وبكى ، ثم تلا هذه الآية (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠] ، فبكى الناس حوله ، ونهضوا للحرب ، وزحفوا إلى هرثمة ، فلما رأى هرثمة كثرتهم وجدهم (١) صرف أعنة دوابه قبل أن يرمى بسهم أو يزهق بسيف (٢) ، وانصرف الناس من المصلى إلى الكوفة.

قال نصر : فحدثني مشايخ من أهل الكوفة ممن حضر محمدا يخطب الناس ، فقالوا : ما رأينا أحدا كان أربط جأشا ولا أثبت جنابا منه ، والله لقد قربوا منا (٣) حتى لقد كادت تصل إلينا رماحهم (٤) ، وتطؤنا خيلهم وإنه لعلى منبره ماض في خطبته ، ما تزل له قدم ، ولا ينقطع له قول.

عن نصر بن مزاحم (٥) عن عبد الله بن محمد النهشلي قال : إنه لما كان يوم السبت لست بقين من ذي الحجة أقبل هرثمة في جماعة كثيرة من أصحابه ، فخرج إليه أبو السرايا وأهل الكوفة ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل من أهل الكوفة ثلاثون رجلا «وأسر مثلهم» (٦) ، وقتل من أصحاب هرثمة سبعة نفر ، ثم انصرفوا وعاد يوم الثلاثاء لخمس خلون من المحرم (٧) وقد

__________________

(١) نهاية الصفحة [٣٣٣ ـ أ].

(٢) بعد كلمة سيف وردت في (ب ، ج) : ويغرف بسهم.

(٣) في (د ، أ، ج) : قربوا إلينا.

(٤) في (ب ، د) : أرماحهم.

(٥) عنه بنفس الإسناد السابق.

(٦) ساقط في (أ).

(٧) في مقاتل الطالبيين ليلة يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة مضت من المحرم. ص (٤٤٤).

٥٤٣

احتشد واحتفل فخرج أبو السرايا إليه في أهل الكوفة ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، وصبر كلا الفريقين وامتدت بهم الحرب حتى انتصف النهار ، وحميت الشمس عليهم ، وكثر النداء في جانب الكوفة بالسلاح ، فلم يبق متخلف إلّا لحق بهم ، ولا متقاعد إلّا نهض للمعونة ، وخرج النساء ، والصبيان يرمون بالحجارة ، ويستقبلون الناس بالماء والسويق.

قال بعض الناس : رأيت أبا السرايا في ذلك اليوم يشد على الميمنة فيخالطهم فيضرب ويطعن ، ثم يرجز بالرماح (١) فيشد على الميسرة ، فيفعل فعله بالميمنة حتى أكثر القتلى ، وتخضبت كفاه بالدم (٢) ، وهو يقول :

وجهي مجني والحسام حصني

والرمح ينبي بالضمير عني

واليوم أبدي ما أقول مني

عن نصر بن مزاحم عن عبد الله بن محمد قال : طرق هرثمة الكوفة يوم السبت لسبع خلون من المحرم ، فخرج إليه أبو السرايا بالناس «فاقتتلوا قتالا شديدا مليا من النهار ، ثم انصرف وقد ظهر على أهل الكوفة وقتل منهم وأسر» (٣) ، فلما أن كان يوم الخميس لأربع عشرة «ليلة» (٤) خلت (٥) من المحرم أقبل وقد «استعدوا» (٦) حتى وقف بالرصافة ، وعبأ خيله تعبئة الحرب (٧).

قال عبد الله : وقد كنت ممن وقف بالميسرة ، فخرج علينا رجل كأطول الرجال وأكملهم على فرس وفي يده درقة وسيف ، وهو يقول :

هل بارز للبطل المفارس

«وراغب» (٨) في نصره منافس

__________________

(١) في (أ) : الرماح.

(٢) نهاية الصفحة [٣٣٤ ـ أ].

(٣) ساقط في (أ).

(٤) ساقط في (أ).

(٥) في (أ) : خلون.

(٦) ساقط في (ج).

(٧) انظر مقاتل الطالبيين ص (٤٤٣) وما بعدها ، والطبري (١٠ / ٢٣٠) ، وقارن بين التاريخين ، وما سبق التنويه إليه.

(٨) في أصولي : الراغب.

٥٤٤

فبرز إليه (١) رجل من الأعراب وهو يقول :

أتاك يا داعي إلى البراز

مجرب في الحرب ذو ارتجاز

نختطف القرن اختطاف الباز

فاختلفا طعنتين (٢) فقتل الرجل الأعرابي.

قال : فخرج رجل من الحربتين من أصحاب هرثمة ، وهو يقول :

صبرا فناديت به سميعا

أغر يروي سيفه نجيعا

يترك من بارزه صريعا

فاختلفا بينهما ضربتين فقتل الحربي الرجل وأخذ رأسه ، ونادى البراز ، فخرج إليه رجل من أهل الكوفة فضربه الحربي فقتله ، ثم نادى البراز (٣) ، فخرج إليه أبو السرايا وهو يقول :

أتاحك الدهر وأسباب الحين

لليث غاب عطل من شبلين

لتفقدن العيش بعد الاثنين

فاختلفا بينهما ضربتان فضربه أبو السرايا فقتله ، ثم نادى هل من مبارز؟ فبرز إليه رجل ، وهو يقول :

إني لمن بارزني قرم خشن

من غمرات الحرب مكلوم البدن

فضربه أبو السرايا فقتله ، فنادى (٤) ثالثة ، فخرج إليه رجل ، وهو يقول :

«من هاب من روع فلست هائبا» (٥)

بثأر اثنين نهضت طالبا

أنج لك الويلات مني هاربا

__________________

(١) في (أ، ج ، د) : له.

(٢) في (د) : فاختلفا بينهما طعنتين ، وفي (ب ، ج) : فاختلفا بينهما طعنتان.

(٣) نهاية الصفحة [٣٣٥ ـ أ].

(٤) في (أ) : ثم نادى.

(٥) ساقط في (أ).

٥٤٥

فضربه أبو السرايا فقتله ، وحملت عليه خيل هرثمة ، وكثرت القتلى والأسرى منهم (١) ، ولقد رأيت أبا السرايا في ذلك اليوم وإن الدم لينصب من قبا حفناته (٢).

وعن عبد الله بن محمد قال : لما خرج أبو السرايا من الكوفة خرج أشراف أهل الكوفة ، ووجوهها إلى عسكر هرثمة فأعلموه بخروج أبي السرايا ، وسألوهم أمانهم ولم يلبث أن لحق بأبي السرايا قوم من الأعراب ، وقالوا : والله ما رأينا كاليوم قط أحسن بدءا ، ولا أقبح منصرفا فما الذي أخرجك مما أنت فيه ، فو الله ما أنت برعش الجنان ، وإن هذا الحي من شيبان وسائر الأحياء من ربيعة لتقر (٣) لك بالفضل ، فحمد الله أبو السرايا وأثنى عليه ، ثم قال : أما والله يا ابن عمي ما فعلت ذلك من جبن ولا خوف ، ولكني بليت بثلاث لم يبل أحد (٤) بمثلهن : مكر هرثمة بن أعين ، وقرب بغداد من الكوفة ، ومخالفة الناس إياي ، والله ما خرجت مما كنت فيه حتى أعياني الدواء ، وحتى ساءت النيات ، ونكلوا عن الحرب وأحبوا الراحة ، وما أشك أن الله قد صنع فإن عادته حسنة وإيادته جميلة ، ثم قال : أين تريدون؟

قالوا : نحن قوم من بني شيبان (٥) ننزل بعين التمر فسمعنا بارتحالك وطعن القوم بالكوفة فأتيناك لأن نصير إلى قولك ، ونصرتك ، فدعا لهم أبو السرايا ، ثم سرنا وساروا حتى إذا شارفنا واسط لقينا رجل على راحلة فسأله أبو السرايا من أنت؟

قال : أنا رجل من أهل اليمامة ، وقعت إلى البصرة وأريد الوقوع إلى واسط.

فقال : كيف (٦) خلفت الناس بالبصرة؟

قال : هم ساكنون هادءون.

__________________

(١) في (أ، ج) : وكثرت القتلى والأسرى فيهم.

(٢) أي ظهر يديه.

(٣) في (ب ، ج ، د) : ليقر.

(٤) نهاية الصفحة [٣٣٦ ـ أ].

(٥) في (أ) : نؤم بني شيبان ، انظر معجم قبائل العرب (٢ / ٦٢٢ ـ ٦٢٣).

(٦) في (أ، ج ، د) : فكيف.

٥٤٦

قال : فكيف رأيتهم في نصرتي؟

قال : ومن أنت؟

قال : أبو السرايا السري بن منصور الشيباني ، فنزل الرجل فقبل يده ، فقال : ما رأيت بها اثنين يجتمعان على مودتك ، والنصرة لك ، فعدل أبو السرايا عن واسط فعبر الدجلة ، ثم توجه نحو الأهواز.

[٥١] [وأخبرنا السيد أبو العباس بإسناده] عن نصر بن مزاحم ، عن محمد بن يحيى قال : كنت فيمن خرج مع أبي السرايا «إلى الأهواز» (١) فانتهينا إلى مدينة من مدائنها يقال لها السوس (٢) ، فتخوف أهل السوس على أنفسهم وأغلقوا أبوابهم ، وأحرزوا أمتعتهم ، فنادى فيهم أبو السرايا بالأمان (٣) فرجعوا واطمأنوا ، وبلغ الباذغيسي (٤) وكان عامل الأهواز نزول (٥) أبي السرايا فكتب إليه «كتابا» (٦) يسأله الخروج «عن عمله» (٧) إلى بلاد فارس والجبال (٨) فإنه كاره لقتاله ، ومحاربته ، ويسأله الموادعة ، فأبى أبو السرايا ذلك (٩).

فكتب إليه : أما بعد ، فقد فهمت كتابك وما أحببت من الموادعة ، وكرهت لقائي وقد وادعتك ، وأمنتك إلى أن ترحل من بلاد الأهواز ، وتخليها إلي ، فإن ارتحلت وإلا فلا أمان لك عندي. والسلام.

__________________

(١) ساقط في (أ).

(٢) بلدة بخوزستان فيها قبر دانيال النبي عليه‌السلام ، وقال ابن الكلبي : السوس بن سام بن نوح عليه‌السلام ، انظر معجم البلدان (٣ / ٢٨٠ ـ ٢٨١) ، مقاتل الطالبيين ص (٤٤٥).

(٣) في (أ) : الأمان.

(٤) في مقاتل الطالبيين : الحسن بن علي المأموني ، وفي تاريخ الطبري : الحسن بن علي الباذغيسي المعروف بالمأموني ، وكان واليا على كور الأهواز ، انظر : مقاتل الطالبيين ص (٤٤٥).

(٥) في (ب ، ج) : عامل الأهواز عند نزول.

(٦) ساقط في (أ).

(٧) ساقط في (أ).

(٨) نهاية الصفحة [٣٣٧ ـ أ].

(٩) انظر الخبر في مقاتل الطالبيين ص (٤٤٥).

٥٤٧

فلما وصل الكتاب إلى الباذغيسي جمع جنوده وأصحابه ، ثم توجه نحو أبي السرايا فلم يشعر أبو السرايا إلّا بأصحاب الطبول وأصواتها ، وتكبير الجند ، فنادى أبو السرايا فينا فاجتمعنا فحرضنا وذكرنا وخوفنا العواقب ، ثم نهض بنا إليه ، فلما صرنا إليه صير مدينة السوس وراء ظهورنا وواقفنا القوم ، فلم نر عسكرا كان أكثر عدة وكراعا منه ، ومن ذلك العسكر ، وأمسك أبو السرايا عن الحمل والقتال لما رأى من كثرتهم وعدتهم فدنا منه رجل من الأعراب فقال : والله ما هؤلاء القوم بأكثر ممن لقينا ولا بأشجع ممن هزمنا وقتلنا ، فازحف بنا فإنا نرجوا أن يغلب الله بقلتنا كثرتهم (١) ، ثم ترجل وأنشأ يقول (٢) :

ما ذا ألونا كرّ بقلب صادق

قد حصحص الحق إلى الحقائق

صبرا لهم بالسمر والبوارق

قال : ودنا رجل من العلويين ، فقال : ما الذي تنتظر ، أترجو أن يرجعوا عنك ، وقد اطلعوا على وهننا ، فلف القوم بالقوم ، وألحم الخيل بالخيل ، فإما أعطاك الله الظفر ، وإما رزقنا الشهادة فقتلنا (٣) محامين عن ديننا.

فترجل وترجل الناس ، وزحف بعضهم إلى بعض بالسيوف ، فما سمعنا إلّا وقع السيوف على إلهام ، تقصف القنا ، وأحدق الخيل على محمد بن محمد فقتل بين يديه بشر كثير ، وصبر الفريقان جميعا ، وخرج أهل السوس فعلوا البيوت والجدر ورموا بالحجارة والنيران ، وكبروا من خلفنا ، فانحاز إليهم أبو الشوك (٤) في جماعة من الأعراب و «جماعة» (٥) من أهل الكوفة فرآه الناس حين رجع فظنوا أنها هزيمة ، ووضع أصحاب الباذغيسى (٦) فيهم السيوف فقتلوا

__________________

(١) انظر مقاتل الطالبيين ص (٤٤٥).

(٢) الأبيات لأبي السرايا.

(٣) نهاية الصفحة [٣٣٨ ـ أ].

(٤) أبو الشوك : وقيل : أبو السيول ، مقاتل الطالبيين ص (٤٢٦ ، ٤٤٦) ، وهو غلام أبي السرايا.

(٥) ساقط في (أ).

(٦) في (أ) : أصحاب عيسى.

٥٤٨

وأسروا حتى حجزهم الليل وتفرق الناس في القرى والجبال ، وركب أبو السرايا وجهه ومحمد بن محمد وأبو الشوك وجماعة من الأعراب وجوههم راجعين إلى الجبل ، فلم يزل الناس يتفرقون عنهم حتى ما بقي معه من أصحابه أحد ، وتقطعت بهم أفراسهم ، فانحازوا (١) إلى قرية من قرى حلوان (٢) ، فوجد أبو السرايا بها رجلا من «بني» (٣) شيبان فاستضافه وأقام عنده ليلته تلك ، وأصبح الشيباني فأتى الكيدعوس (٤) ، وكان على طريق الجبل فأخبره أن أبا السرايا في منزله ، فلم يشعر أبو السرايا إلّا بالخيل قد أحاطت بالقرية فخرج من الدار التى كان فيها فعلا جبلا كان قريبا منه «من القرية» (٥) ، ونذر به الكيدعوس فأحاط بالجبل وصعدت إليه الرجال من كل ناحية ، فكان يشد عليهم عند رأس كل شعب وهو يقول :

يا نفس صبرا قد أتاك الموت

ما بعد ما عمرت إلّا الفوت

فقاتل حتى أوجعته الرماح ، وأثخنته السيوف ، وضعف حتى كاد (٦) يسقط يمينا وشمالا وناداه الكيدعوس : يا أبا السرايا ، إنك مأسور فانزل تاركا فإنك آمن ، فاستوثق منه أبو السرايا بالأمان ثم نزل ، فلما صار في يده أخذ سيفه وأوثق كتافه ، وقيده ، فقال له أبو السرايا : فأين أمانكم؟

فقيل : ليس عليك بأس.

فقال له الكيدعوس (٧) : ادن مني ، فدنا منه.

__________________

(١) في (أ) : وانحازوا.

(٢) القرية المشار إليها هي برقانا ، انظر : معجم البلدان (١ / ٣٨٧) ، مقاتل الطالبيين ص (٤٤٥).

(٣) ساقط في (أ، د).

(٤) في مقاتل الطالبيين : حمّاد الكندغوش ، وكذا في تاريخ الطبري (١٠ / ٢٣١) ، وفي بعض النسخ الأخرى لمقاتل الطالبيين محمد الكندي عوس.

(٥) ساقط في (أ).

(٦) نهاية الصفحة [٣٣٩ ـ أ].

(٧) في (أ) : للكيدعوس.

٥٤٩

فقال : ويلك يا كيدعوس ويلك أنت أمنتني فقبلت أمانك وصدقت قولك (١) ولست أشك في القتل ، وأنا أكلفك حاجة تقضي بها حقي ، وتكون عوضا من غدرك بي.

قال له كيدعوس : نعم.

فقال له : محمد بن محمد وأبو الشوك خلفتهما في بعض الشعاب فإن كانا حيين فاطلب لهما الأمان ، فأمر الكيدعوس (٢) بطلبهما فظفر بهما ، وأوثقا كتافا (٣) وبعث بهما إلى الحسن بن سهل (٤).

[٥٢] حدثنا أبو العباس بإسناده عن الهيثم بن عدي ، قال : كنت حاضرا مجلس الحسن بن سهل حين قدم بأبي السرايا ، فلما دخل عليه قال له الحسن : من أنت؟

قال : أبو السرايا بن منصور الشيباني.

قال : بل أنت الغادر الفاجر ، ما الذي حملك على ما فعلت من الخروج (٥) على أمير المؤمنين والقتل لمن قتلت من المسلمين؟

قال : جفوة الولاة ، وسوء الحال وتقديم من لا يستحق التقديم.

قال : أو لم يكن لك ديوان مع هرثمة.

قال : بلى ولكنه جهل حقي وحرمتي ، وقدم علي غيري.

__________________

(١) في (أ) : ويلك إنك أمنتني وصدقت قولك.

(٢) في (أ) : كيدعوس.

(٣) في (أ) : وأوثقهما كتفيهما.

(٤) انظر مقاتل الطالبيين ص (٤٤٥ ـ ٤٤٦) ، وفي تاريخ الطبري (ضربت عنق أبي السرايا يوم الخميس لعشر خلون من ربيع الأول ، تولى ضرب عنقه هارون بن محمد بن أبي خالد ، وكان أسيرا في يدي أبي السرايا ، وذكر أنه لم يروا أحدا عند القتل أشد جزعا من أبي السرايا ، كان يضطرب بيديه ورجليه ويصيح أشد ما يكون الصياح (حسب زعم الطبري) ، حتى جعل في رأسه حبل ، وهو في ذلك يضطرب ويلتوي ويصيح ، حتى ضربت عنقه ، ثم بعث برأسه يطيف به في عسكر الحسن بن سهل) ، تاريخ الطبري (١٠ / ٢٣١).

(٥) في (أ) : حتى نكث بيعته على الخروج.

٥٥٠

قال : فهذا هرثمة أساء إليك وفعل بك ما فعل ، فما الذي أساء إليك أمير المؤمنين حتى نكثت بيعته وخرجت عن طاعته (١)؟

قال : استغواني جهال من الكوفة ورووا لي الروايات.

قال (٢) : أو لم أؤمنك ، فما الذي منعك أن تقدم على أماني؟

قال : القدر الغالب ، والشقاء اللازم ، فكبر الحسن (٣) وقال : وكذلك يقتلك القضاء والقدر.

قال : استبقني أيها الأمير فو الله لأنصحنك نصيحة لم ينصحها أحد من الناس.

قال : كذبتك نفسك ، وأخطأ أملك قم يا هارون بن محمد فاقتله بأخيك (٤).

فقال أبو السرايا : أنظرني أصلي ركعتين أختم بها عملي.

قال : بل ذاك فرار من الموت ، وحبا للحياة.

قال : لو فررت من الموت ما وقفت هذا الموقف ، وما أنا بأول رجل قتل والموت يعفو كل أجل (٥) ، وما عند الله خير وأبقى (٦) ، فضرب هارون عنقه ، وأمر الحسن بصلبه على جسر بغداد (٧).

وقدم بمحمد بن محمد (٨) فأدخل دار الإمارة فأشرف المأمون (٩) فرق له وتعجب من صغر

__________________

(١) في (أ، د) : وخرجت.

(٢) نهاية الصفحة [٣٤٠ ـ أ].

(٣) في (ب ، ج ، د) : وكب الحسن.

(٤) هو هارون بن محمد بن أبي خالد ، وأخوه المشار إليه هو عبدوس ، انظر الكامل لابن الأثير (٥ / ١٨١ ، ١٨٢) ، ومقاتل الطالبيين ص (٤٤٦). أما فاقتله بأخيك ، ففي مقاتل الطالبيين : قم يا هارون بن أبي يحيى فاضرب عنقه بأخيك عبدوس بن عبد الصمد ، فقام إليه فقدمه فضرب عنقه.

(٥) في (ب ، ج ، د) : وما أنا بأول من قتل ولا بآخر من قتل وللموت يعفو كل أحد.

(٦) في (أ) : وما عند الله خير وأبقى وأرضى.

(٧) في مقاتل الطالبيين ص (٤٤٦) ، وقد صلب رأسه في الجانب الشرقي ، وبدنه في الجانب الغربي ، وكذا قتل غلامه أبا الشوك وصلب معه ، انظر : المحبر لابن حبيب ص (٤٨٩) ، مقاتل الطالبيين ص (٤٤٦) ، وفي الطبري (وكان بين خروجه بالكوفة وقتله عشرة أشهر) ، الطبري (١٠ / ٢٣١).

(٨) في مقاتل الطالبيين ص (٤٤٦) : أن محمد بن محمد حمل إلى خراسان ، فأقيم بين يدي المأمون وهو جالس في مستشرف له ... إلخ ، مقاتل الطالبيين ص (٤٤٦) وما بعدها.

(٩) المأمون : هو عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور. انظر الأعلام للزركلي (/ ١٤٢) ومصادره.

٥٥١

سنه وحداثته ، فمنّ عليه وأمر له بصلاة ، وإنزال وأرزاق ، ثم خرج فدخل على جماعة من أهل بيته من آل علي عليهم‌السلام فقالوا : ما فعل معك ابن عمك (١)؟ فأنشأ يقول :

رآني بعين قد رأى الله ذلكم (٢)

وكان يسيرا عنده أعظم الجرم

فأعرض عن جهلي وداوى سقامه

بطب أناة أذهبت نكث السقم

لئن كان حقا (٣) ما جنيت لقد عفا

معاملة الإحسان من ملك ضخم

ممّن أمير المؤمنين وطوله

هدت وآوت بالأمن روحي إلى جسمي

سأمنحه شكرا أديم اتصاله

مدى الدهر أقصى منتهى غاية الوهم (٤)

ثم قال : أغضى والله عن العورة ، ونفس الكربة ، ووصل الرحم ، وعفا عن الجرم ، وحفظ محمدا في أهله ، واستوجب الشكر من أهل بيته ، ثم وجه محمدا عليه‌السلام وأبا الشوك (٥) إلى خراسان فلم يزل بها بأكرم مثوى ، وأحسن حال حتى طعن في جنازته فمات عليه‌السلام (٦).

قال : فهذا ما كان من أمرهم ، وذكر بعض الناس أنه لما أمر بضرب عنق أبي السرايا أمر أن يعلق رأسه في عنق أبي الشوك ويمضى به إلى المدائن فيدار به فيها ، فلما فعلوا ذلك ردوه إلى الحسن بن سهل فبعث بالرأس وبمحمد بن محمد وبأبي الشوك إلى خراسان.

ويقال : إن محمد بن محمد بن زيد (٧) أقام بالكوفة بعد خروج أبي السرايا عنها وحارب

__________________

(١) في (أ) : ما فعل بك ابن عمك.

(٢) في (ب) : ذاكم.

(٣) في (أ، د) : ضخما.

(٤) نهاية الصفحة [٣٣١ ـ أ].

(٥) سبق التنويه إلى أنه قتل مع أبي السرايا ، وستأتي رواية أخرى للمؤلف في ذلك.

(٦) في مقاتل الطالبيين : وحمل محمد بن محمد إلى خراسان ، (إلى أن قال :) وأقام على ذلك مدة يسيرة يقال : إن مقدارها أربعون يوما ، ثم دست إليه شربة فكان يختلف كبده وحشوته حتى مات ... إلخ ، وعن محمد جعفر أن محمد سقي السم بمرو ، وتوفي بها وكان يختلف حتى اختلف كبده ، مقاتل الطالبيين ص (٤٤٦ ـ ٤٤٧) ، والطبري (١٠ / ٢٣١).

(٧) في (ب ، ج ، د) : محمد بن محمد.

٥٥٢

المسودة سنة وثلاثة أشهر وأياما ، وقصد بجيشه بغداد ، وهو في زهاء عشرة آلاف وزيادة ، وكان بينه وبين الحسن بن سهل وزير المأمون خمسة عشر وقعة حتى وافى بنفسه وبجيشه إلى فرسخين من بغداد ، وقاتل حتى لم ير الناس في زمانه مثله رحمة الله عليه.

وخرج إلى قتاله الحسن بن سهل في زهاء خمسين ألفا من أهل بغداد ، وقد تستروا بالتوارك والتراس (١) حتى قتل بينهم عشرة آلاف وزيادة ، وأسر محمد بن محمد بن زيد عليه‌السلام في آخر الوقعة على شط الفرات ، وهو مجروح ، وحمل إلى خراسان إلى عند المأمون بمرو (٢) ، فحبسه سرا وقتله سرا ودفنه سرا وهو ابن إحدى وثلاثين سنة (٣) ، ويقال : ثلاث وثلاثين سنة. والله أعلم (٤).

__________________

(١) التوارك : مفرد تريكة بيضة الحديد التي هي من آلات الحرب ، انظر الآلة والأداة ص (٤٦). أمّا التراس : فمفرد الترس : صفيحة من الفولاذ مستديرة ، تحمل للوقاية من السيف ونحوه ، جمعها أتراس وتراس ، وتروس وترسة ، يقال : تترس فلان إذا تستّر بالترس ، والتارس صاحب الترس ، ورجل تارس ، أي ذو ترس ، يقال : «لا يستوي الراجل والفارس ولا الأكشف والتارس» ، والتراس صانع وصنعته الفراسة. الآلة والأداة. معروف الرصافي ص (٤٦).

(٢) انظر : الروض المعطار ص (٥٣٢ ـ ٥٣٣) ، معجم ما استعجم (٤ / ١٢١٦).

(٣) قال في التحف : توفي وهو في ثمانية عشر عاما ، التحف شرح الزلف ص (١٤٩) ، وقد سبق التنويه في مصادر ترجمته ، وفي مقاتل الطالبيين أنه حمل إلى خراسان ، وأقام على ذلك مدة يسيرة يقال : إن مقدارها أربعون يوما ، ثم دست إليه شربة فكان يختلف كبده وحشوته حتى مات. المقاتل ص (٤٤٦).

(٤) نهاية [٣٤٢ ـ أ].

٥٥٣

[(٢١) الإمام محمد بن سليمان (ع)] (١)

خرج محمد بن سليمان هذا بالمدينة ، ووثب عليه ابن الأفطس الحسن بن الحسن وقاتل وأبلى واجتهد ، وكان رجلا فاضلا ناسكا ، فخذله الناس وتوارى بعد أن أظهر رايته ، وقاتل أعداءه وضبط المدينة ونواحيها ، ومات بعد ذلك وهو ابن ستين سنة ، وكان مع محمد ، بن إبراهيم أيام حياته ، وخلافته ، فلما قتل محمد بن إبراهيم قام من بعده محمد بن زيد ، ثم قام من بعده محمد بن سليمان بن داود (٢).

__________________

(١) انظر : التحف شرح الزلف (١٥٣) ، اللآلي المضيئة (خ) ، السفينة (خ) ، الزحيف (خ) ، مقاتل الطالبيين ص (٢٩٤ ، ٣٠٤ ، ٣٠٩ ، ٣٣٥ ، ٣٣٦ ، ٣٧٨ ، ٣٧٩ ، ٤٤٠) ، الكامل لابن الأثير (٥ / ١٧٥ ـ ١٧٦) ، طبقات الزيدية (٢ / خ) ، محمد بن سليمان بن داود يروي عن زهير بن محمد ، وعنه أبو الأزهر أحمد بن منيع ، أمّا والده سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي ، قال ابن عنبة : أمه أم كلثوم بنت زين العابدين بن علي بن الحسين ، وأعقب من ابنه محمد ، وذكره السيد أبو طالب بسنده إلى يحيى بن زيد بن حميد ، قال : حدثنا سليمان بن داود بن داود بن الحسن بن الحسن أو الحسن بن جعفر قال : لما جلسنا ، يعني في حبس أبي جعفر. انظر طبقات الزيدية (١ / خ) ، والإمام محمد بن سليمان بن داود جد الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين من قبل أمه ، وكان مع الإمام محمد بن إبراهيم أيام خلافته ، وملك المدينة ونواحيها ، وتوفي بعد وفاة الإمام محمد بن جعفر الصادق وله (٦٠) سنة ، أولاده : إبراهيم وإسحاق وموسى والحسن وسليمان وداود ، وصاحب الترجمة جد أبي العباس. مؤلف المصابيح.

(٢) نهاية الصفحة [١١٦ ـ أ].

٥٥٤

[(٢٢) الإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل (الرسي)] (١)

(١٦٩ ه‍ / ٢٤٦ ه‍ / ٧ / ٨٦٠ م)

[بعض من أخباره]

[٥٣] حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني رضي الله عنه عن يحيى بن الحسين

__________________

(١) انظر : التحف شرح الزلف (١٤٥ ـ ١٤٩) ط (٣) ، الحدائق الوردية (١ / ٢ / ١٣) ، مقاتل الطالبيين (٤٤٩ ، ٤٥٠) ، الإفادة (١١٤ ـ ١٢٧) ، اللآلي المضيئة (خ) ، المقصد الحسن (خ) ، مآثر الأبرار (خ) ، أعيان الشيعة (٨ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦) ، طبقات الزيدية (خ) ، معجم المفسرين (١ / ٤٣١) ، عمدة الطالب (٢٠١) ، سر السلسلة العلوية (٢٨) ، الشافي (١ / ٢٦٢) ، الزيدية لمحمود صبحي (١١٥) ، الأعلام للزركلي (٥ / ١٧١) ، تاريخ اليمن (١٨) ، البعثة المصرية (٢٣) ، معجم الشعراء للمرزباني (٣٣٥) ، إتحاف المسترشدين (١٤١) وفيه أن دعوته الأولى سنة (١٩٩ ه‍) ، كانت بمصر وبويع بيعة ثانية في الكوفة سنة ٢٢٠ ه‍. الرد على الملحد للمؤلف. ص (٨ ـ ١٢) ، أنوار اليقين (رهن التحقيق) ، مطمح الآمال (تحت الطبع) ، الجامع الوجيز للجنداري (خ) ،.Brock.J : ٧٩١) ٦٨١ (S. ١ : ٤١٣ ، وكتاب : Der ، al ـ Qurim ibn ibrahim.Madelung ، أعلام المؤلفين الزيدية ص (٧٥٩ ـ ٧٦٥) ترجمة (٨٢٢) ، الجنداري ، تراجم الرجال (٢٩ ، ٣٠) ، معجم المؤلفين لكحالة (٨ / ٩١) ، غاية الأماني ليحيى بن الحسين ص (١٥٠ ، ١٥٩) ، الكامل لابن الأثير (٥ / ٢١٣) ، الفلك الدوار (١٥ ، ٢٧ ، ٥٦) وانظر فهارس الكتاب ص (٤٩٩ ، ٥٠٠) ، تاريخ التراث العربي (٢ / ٢٩٤) ، الجواهر والدرر (٢٨٨) ، رسائل العدل والتوحيد (٢١ ـ ٢٣) ، تاريخ الإسلام د. حسن إبراهيم حسن (٤ / ٢١٦ ، ٢١٧) ، جمهرة أنساب العرب لابن حزم ، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، دار المعارف ط (٤) ص (٤٣) ، الإمام الهادي واليا وفقيها ومجاهدا ، عبد الفتاح شائف نعمان ص (٣٠ ، ٤٧ ، ٧٠ ...) انظر فهرست الكتاب ص (٣٧٤) ، رجال النجاشي (٢ / ١٨١ ـ ت ٨٥٧) ، روى أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صاحب الترجمة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة عليها‌السلام : «يا فاطمة إن منك هاديا ومهديا ومستلب الرباعيتين ، لو كان نبي بعدي لكان إياه». الرباعيتين : السن التي بين الثنية والناب ، أولاده : محمد والحسن والحسين وسليمان ، وعيسى ، وموسى ، وعلي ، وإبراهيم ، ويعقوب ، وداود ، وإسماعيل ، ويحيى ، وصاحب الترجمة وأخوه محمد بن إبراهيم هما المجددان في رأس المائتين ، يستشهد أهل البيان بقوله :

لا تعجبوا من بلى غلالته

قد زر أزراره على القمر

والغلالة : شعار تحت الثوب. التحف شرح الزلف ص (١٤٦ ـ ١٤٩).

٥٥٥

العلوي صاحب [كتاب] الأنساب قال : حدثني محمد بن يحيى العثماني ، قال : كنت بمصر فسمعت الحروري (١) حمل إلى القاسم بن إبراهيم عليه‌السلام سبعة أبغل تحمل دنانير ، فردها ، فيقال : إن امرأته (٢) لامته فهو حيث يقول (٣) :

تقول التي أنا ردء لها

وقاء الحوادث دون العداء

ألست ترى المال منهلة

مخارم أفواهها باللهى (٤)

فقلت لها وهي لوامة

وفي عيشها لو صحت ما كفى

دعيني هديت أنال الغنى

بيأس الضمير وهجر المنى

كفاف امرئ قانع قوته

ومن يرض بالقوت نال الغنى

فإني وما رمت من نيله

وقبلك حب الغنى ما ازدهى

كذا الداء هاجت له شهوة

فخاف عواقبها فاحتمى

[اجتماعه بأحمد بن عيسى وعبد الله بن موسى]

[٥٤] [أخبرنا السيد أبو العباس الحسني] عن محمد بن يزيد (٥) المهلبي قال : حدثنا العلائي (٦) قال : صرت إلى أحمد بن عيسى وهو متوار بالبصرة فسألته أن يحدثني بأحاديث ، فقال : لما طلبنا هارون خرجت أنا والقاسم بن إبراهيم ، وعبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن ، فتفرقنا في البلاد ، فوقعت في ناحية الري ، ووقع عبد الله بن موسى بالشام ، وخرج القاسم بن إبراهيم إلى اليمن ، فلما توفي هارون اجتمعنا بالموسم فتشاكينا ما مرّ علينا ونالنا ،

__________________

(١) الحروري : قال في الإفادة : (وهو حي من جذام) ، الإفادة ص (١٢٧).

(٢) في (أ) : أهله.

(٣) الأبيات في الحدائق الوردية (١ / ٢ / ٤) ما عدا البيت الرابع ، وفي طبقات الزيدية (خ) ، وفي الإفادة ص (١٢٧) كاملة.

(٤) نهاية الصفحة [٣٣٤ ـ أ].

(٥) في (ب ، ج) : محمّد بن زيد ، وهو تصحيف.

(٦) العلائي : من (أ، د) ، وفي (ب) : العلابي.

٥٥٦

فقال القاسم عليه‌السلام : أشد ما مرّ بي أني لما خرجت من مكة أريد اليمن صرت إلى مفازة (١) لا ماء فيها ، ومعي زوجتي ابنة عمي ، وبها حمل فجاءها المخاض في ذلك الموضع فحفرت لها حفرة لتتولى أمر نفسها ، وضربت في الأرض أطلب لها ماء ، فرجعت وقد ولدت غلاما وجهدها العطش ، وألحت في طلب الماء فرجعت إليها وقد ماتت والصبي حي ، فكان بقاء الغلام أشد علي من وفاة أمه ، فصليت ركعتين ودعوت الله أن يقبضه ، فما فرغت من دعائي حتى مات (٢).

وشكا عبد الله بن موسى أنه خرج في بعض قرى الشام وقد جد به الطلب وأنه صار إلى بعض المسالح ، وقد تزيا بزي الأكرة (٣) ، والملاحين فسخره بعض الجند وحمل على ظهره ، وأنه كان إذا أعيا وضع ما على ظهره للاستراحة ضربه ضربا مبرحا ، وقال : لعنك الله ولعن من أنت منه.

وقال أحمد بن عيسى : وكان من غليظ ما نالني أني صرت إلى ورزنين (٤) ومعي ابني محمد فتزوجت من بعض الحاكة (٥) هناك ، واكتنيت بأبي جعفر الجصاص (٦) ، فكنت أغدو وأقعد مع بعض من آنس به من الشيعة ثم أروح إلى منزلي ، كأني قد عملت يومي ، وأولدت المرأة بنتا ، وتزوج ابني محمد إلى بعض موالي عبد قيس (٧) هناك ، وأظهر مثل الذي أظهرت ، فلما صار

__________________

(١) في (أ) : صرت في مفازة ، والمفازة ؛ المفاز البرية القفر ، المفازة : الفوز والنجاة والصحراء والمهلكة والجمع مفاوز ، المعجم الوسيط (مادة : فاز).

(٢) نهاية الصفحة [٣٤٤ ـ أ].

(٣) الأكار : الزّرّاع ، والمؤاكرة : المزارعة على نصيب معلوم ، والأكرة : الحفرة ، وبه سمي الأكار ، النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (١ / ٥٧).

(٤) قال الحموي : ورزنين من أعيان قرى الري كالمدينة. معجم البلدان (٥ / ٣٧١).

(٥) في (أ، د) : فتزوجت إلى بعض الحاكة.

(٦) الجصاص : كنية اختارها صاحب الترجمة بقصد إخفاء اسمه خشية من ملاحقة أمراء بني العباس ، وصاحب الترجمة ليس الشخص الوحيد الذي أخفى اسمه وظهر باسم مستعار ، بل هناك غيره من أئمة أهل البيت الطاهر الذين لاحقتهم عيون بني العباس بقصد الفتك بهم.

(٧) في (ب ، ج) : موالي عبد قيس.

٥٥٧

لابنتي نحو عشر سنين طالبني أخوالها بتزويجها من رجل من الحاكة له فيهم قدر ، فضقت له ذرعا لما دفعت إليه ، وخفت إظهار نسبي وألح القوم علي في تزويجها ففزعت إلى الله وتضرعت (١) إليه في أن يختار لها ويقبضها ويحسن علي الخلف «والعوض» (٢) ، فأصبحت والصبية عليلة ، ثم ماتت من يومها ، فخرجت مبادرا إلى ابني محمد أبشره فلقيني في الطريق وأعلمني (٣) أنه ولد له ابن فسميته عليا وهو بناحية ورزنين لا أعرف له خبرا للاستتار الذي أنا فيه.

[خروجه (ع)]

[٥٥] [أخبرنا أبو العباس الحسني قال : أخبرنا] علي بن الحسين بن شقير الكوفي بالكوفة ، في شعبان سنة ست وخمسين وثلاثمائة ، قال : حدثني محمد بن منصور المرادي بالكوفة ، سنة تسعين (٤) ومائتين ، قال : كنت في منزلي بالكوفة سنة عشرين ومائتين كئيبا حزينا لما فيه آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما فيه شيعتهم ، حتى استأذن علي أبو عبد الله أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي عليهم‌السلام فاستقبلته ، وأدخلته منزلي ، ورحبت به ، وسرتني سلامته من البصرة ، ثم ما شعرت بشيء وأنا في الحديث معه والتوجع لما فيه أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى استأذن إلي أبو محمد القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل الرسي عليه‌السلام فاستقبلته وأدخلته ، ورحبت به ، وسررت بسلامته من الحجاز ، وجعلنا نتحدث ، ونذكر ما فيه الناس من الظلم والتعدي ، وما تغلب عليه الجائرون ، حتى استأذن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن عليه‌السلام فغدوت فاستقبلته ، وأدخلته الدار ، وهنأت له بسلامته ، وقدومه من الشام سالما ؛

__________________

(١) في (أ، د) : وضرعت.

(٢) ساقط في (أ).

(٣) في (ب ، ج ، د) : فأعلمني.

(٤) نهاية الصفحة [٣٤٥ ـ أ].

٥٥٨

لأنه كان بجبل (١) لكام (٢) ؛ وأقبل عليه أحمد بن عيسى والقاسم بن إبراهيم يسألانه عن حاله وأمره.

قال : ورآهم أبو محمد الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد عليهم‌السلام فجاءنا ودق علينا الباب فقمت ففتحت له فسلم على القوم ودعا لهم بالسلامة ، وقال : الحمد لله الذي جمعنا وإياكم في دار ولي من أوليائنا.

قال محمد بن منصور : وهؤلاء هم الذين كان يشار إليهم ويفزع السلطان منهم ، وقد امتنعوا عن الحضور عندهم وفي مجالسهم ، وأخذ عطاياهم.

قال محمد بن منصور : فورد علي (٣) من السرور ما لا أحسن أن أصفه ، ودهشت وأردت أن أخرج فآخذ ما يأكلون ، فقالوا : إلى أين تمضي زرناك وتتركنا وتخرج؟

فقلت : يا سادتي ، آخذ لكم ما يصلح من المأكول.

فقالوا : وما عندك شيء؟.

قلت : بلى ، ولكن أستزيد.

قالوا : وما عندك؟

فقلت : عندي خبز وملح ولبن وتمر «سابري» (٤).

فقالوا : أقسمنا عليك لا تزيد على هذا شيئا ، وأغلق الباب لنأمن (٥) ، فقمت واستوثقت من الباب وأغلقته ، وقدمت إليهم طبقا عليه خبز وملح ، وخل ولبن وتمر ، فاجتمعوا وسموا الله عزّ

__________________

(١) في (أ) : كان يكون بجبل.

(٢) جبل شاهق لاصق بمدينة دمشق ، الروض المعطار (٢٤١) ، وفي معجم البلدان يفيد أنه الجبل المشرف على أنطاكية وبلاد ابن ليون ، والمصيصة وطرسوس وتلك الثغور ، وقال أيضا وبحلب وحماة وحمص لبنان ... ويتصل بأنطاكية والمصيصة فيسمى هناك اللكام ، معجم البلدان (٥ / ١١ ، ٢٢).

(٣) نهاية الصفحة [٣٤٦ ـ أ].

(٤) ساقط في (أ) ، وسابري : أي تمر سابري نسبة إلى سابور.

(٥) في (أ) : وأغلق الباب لنا.

٥٥٩

وجل ، وجعلوا يأكلون من غير حشمة حتى استوفوا وشربوا من ماء الفرات الذي كان عندي ، وقاموا فتوضئوا للصلاة فصلوا صلاة الأولى فرادى ، ووحدانا (١) ، فلما انقلبوا مدوا أرجلهم كل واحد على سجادته يتحدثون ويغتمون لأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما هم فيه من الجور ، والظلم ، فقمت وقعدت على عتبة الصفة ليراني جماعتهم ، وبكيت ، وقلت : يا سادة أنتم الأئمة ، وأنتم أولاد رسول الله (٢) وأولاد علي وفاطمة صلوات الله عليهم أجمعين «وأنتم المشار إليكم» (٣) ، وأنتم أهل العقد والحل ، وأنتم العلماء ، والأئمة من ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولد الوصي عليه‌السلام قد اجتمعتم وجمع الله بينكم ، ونحن بلا إمام ، ولا لنا جمعة ولا جماعة ، ولا عيد ، فارحموا كبر سني (٤) ، واعملوا فيما يقربكم (٥) إلى الله عزوجل ، وبايعوا واحدا منكم ، أعلمكم وأقواكم (٦) حتى يكون الرضا منكم ، ترضون به «لي ولأمثالي وللمسلمين ، ولا نموت ميتة جاهلية بلا إمام (٧) ، ويكون لنا إمام نطيعه ونعرفه ونموت بإمام» (٨).

__________________

(١) القصد بها صلاة الظهر.

(٢) قوله : وأنتم أولاد رسول الله ... : أخرج الطبراني في المعجم الكبير والهيثمي في مجمع الزوائد وغيرهم عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الله عزوجل جعل ذرية كل نبي في صلبه ، وإن الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب» ، المعجم الكبير للطبراني (٣ / ٤٣ ـ ح ٢٦٣٠) ، تاريخ بغداد (١ / ٣١٦ ـ رقم ٢٠٦) ، الرياض النظرة (٣ / ١١٣) ، الصواعق المحرقة (ص ١٢٤) ، فيض القدير (٢ / ٢٢٣) ، مجمع الزوائد (٩ / ٢٧٠) ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى ص (٦٧) ، والذهبي في ميزان الاعتدال (٢ / ١١٦) ، ابن الحجر في لسان الميزان (٣ / ٤٢٩) ، السيوطي الجامع الكبير (١ / ٢٣٠) ، والزرقاني في شرح المواهب (٢ / ٦) ابن المغازلي الشافعي في المناقب (٥٠ ـ ح ٧٢). والعلامة القندوزي في ينابيع المودة ص (٢٦٦).

(٣) ساقط في (أ).

(٤) اختلف في تأريخ مولده ، وأصح الأقوال في ذلك أن مولده ما بين (١٤٠ ـ ١٥٠ ه‍) ، وكذا بالنسبة لوفاته فقيل : ما بين (٢٩٠ ـ ٣٠٠ ه‍) ، فإذا علمنا أن اجتماع أحمد بن عيسى والقاسم بن إبراهيم ، وعبد الله بن موسى كان في سنة (٢٩٠ ه‍) فإن عمره كان في (١٤٠) سنة ، إذا ما اعتبرنا تاريخ مولده كان في (١٥٠ ه‍) ، أو (١٥٠) إذا كان تاريخ مولده (١٤٠ ه‍). والله أعلم.

(٥) في (ج) : وعملوا بما يقربكم.

(٦) نهاية الصفحة [٣٤٧ ـ أ].

(٧) قوله : ولا نموت ميتة جاهلية بلا إمام ، إشارة إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية» ، أخرجه أحمد في مسنده (٤ / ٩٦) ، والطبراني في الكبير ، والهندي في منتخب كنز العمال (١ / ٧٦) ، (٢ / ١١١) ، وفي رواية عن ابن عمر : «من مات ولا بيعة له مات ميتة جاهلية». طبقات ابن سعد.

(٨) ورد في (أ) كالتالي : «الإمام لنا إمام نطيعه ونعرفه ونموت بإمام للمسلمين ولا نموت موتة جاهلية ونكون نعرفه».

٥٦٠