المصابيح

الإمام أبو العباس الحسني

المصابيح

المؤلف:

الإمام أبو العباس الحسني


المحقق: عبدالله بن عبدالله بن أحمد الحوثي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٢

قلت : لا.

قال : فدعني أوصي.

قلت : لا.

قال : فدعا بثياب يلبسها.

فقلت : لا إلّا ثيابك التي عليك.

قال : فحملته معي على دابة ، وقنعت رأسه بردائه ومضيت به سريعا (١) ، فآذاني طوال طريقى : يا أبا هاشم ناشدتك (٢) الله لما أخبرتني لم دعي بي؟

فأعرضت عنه ، ثم أحضرته الباب فأمر الرشيد بدفعه إلى الفضل بن الربيع فحبسه عنده.

قال مسرور : أمرني بإتيان يحيى بن عبد الله في اليوم الذي حبسه فيه فجئته فقلت له : أجب ، فو الله ما سألني عن شيء ، ولا قال : أجدد (٣) طهورا ولا ألبس قميصا حتى نهض فركب معي ، فما كلمني في طريقه بكلمة حتى صرت به إلى الباب (٤) ، وأمرني الرشيد بحبسه عندي في سرداب ، ووكلت به ، وكنت أدخل إليه في كل يوم قوته ، فبينما الرشيد يوما قد دعا بغدائه إذ أقبل علي فقال : يا مسرور ، اذهب فانظر إلى أي شيء يصنع يحيى بن عبد الله واعجل إليّ.

فمضيت ففتحت عنه السرداب فوجدته يطبخ قدرة عدسية ببصل مع لحيم أدخلناه إليه مما كنا نقوته به.

قال : فأعرضت عنه وخرجت إلى الرشيد فأخبرته ؛ فقال : اذهب فقل له أطعمنا من قدرك.

فجئته فقلت له ذلك ، فتناول جويما (٥) كان بين يديه فأفرغ القدر فيه ، قال : فغطيته ودفعته إلى خادم فركض به حتى وضعه بين يدي الرشيد على مائدته.

__________________

(١) نهاية الصفحة [٢٩٦ ـ أ].

(٢) في (أ، د) : نشدتك ، وفي (ب) : أنشدتك.

(٣) في (ب) : آخذ.

(٤) في (ب) : الرشيد.

(٥) تصغير جام : إناء للشراب والطعام من فضة ونحوها.

٥٠١

قال : فتشاغل والله الرشيد بأكله عن الأطعمة كلها ، وأكل ما كان في الجام أجمع ، حتى لقد رأيته يمسح بلقمته بصلا قد لصق بجانب الجام فيأكله ، ثم أقبل عليّ ، وقال : يا مسرور أحضرني الساعة مائة خلعة من خاص ثيابي في مائة منديل (١) ، ولتكن من أصناف الثياب كلها من ثيابي المقطعة المخيطة ، وائتني بمائة وصيف ، فأعجلت ذلك عليه.

قال : ليحمل كل وصيف منديلا وائتي بها يحيى ، وقل له أطعمتنا من طعامك ، ونكسوك من كسوتنا.

قال : فإن أبى أن يقبل منها شيئا فاعرضها عليه منديلا منديلا وثوبا ثوبا.

قال : فمضيت بها إليه وأبلغته الرسالة.

فقال يحيى : قل لأمير المؤمنين (٢) ، هذا من لباس أهل العافية ، ولست من أهلها ، فليس بي إليها حاجة فاردده إلى موضعه.

قلت : فإنه قد أحب أن تنظر إلى هذه الثياب.

قال : اصنع ما بدا لك.

قال : فجعلت أعرضها عليه ثوبا ثوبا ، فما ينظر إليها ولا يحفل بها حتى فرغت منها.

فأقبل علي ، فقال : يا أبا هاشم أرى أمير المؤمنين قد ذكرني ، فإن رأيت أن تخبره بما أنا فيه من الضيق ، وتسأله الصفح والتفضل فافعل.

فقلت له : لا ولا كرامة لك ، لست لذلك بأهل مع خروجك على أمير المؤمنين ، وتمنيك ما ليس لك ، ورجعت إلى الرشيد فخبرته بعرضي الثياب عليه ، وبما قال لي.

قال : فرآها كلها؟

قلت : نعم. فبكى حتى رأيت الدموع تنحدر على خديه.

__________________

(١) نهاية الصفحة [٢٩٧ ـ أ].

(٢) في (أ) : قل له يا أمير المؤمنين.

٥٠٢

فقلت له : إنه قال كذا وكذا ، فرأيته وقد غضب وذهبت الرقة وقلصت الدموع من خديه (١) ، وارتفعت ، ثم نهرني وقال : فما قلت له؟ فخبرته بما قلت ، فسكن ، وقال : أحسنت بارك الله عليك.

قال النوفلي : فخبرني أبي وغيره أن يحيى بن عبد الله أقام في الحبس (٢) حتى بعث الرشيد إليه من خنقه (٣) فمات.

قال إبراهيم بن رباح : أخبرني جماعة من القواد منهم سلم الأحدب ، وكان يقول : إنه مولى المهدي ، وكان مع طاهر بالرقة ، قال : لما صار طاهر إلى الرافقة (٤) احتاج إلى مرمة المنازل السلطانية التي سكنها وأن يهدم بعضها فيوسع ما كان ضيقا ، فأمر بذلك ، فكان فيما أمر بهدمه منارة مرتفعة من الأرض بجص وآجر لم يرى لها معنى في وسط ذلك البناء ، فلما هدمت أتاه القيم وهو مذكور ، فقال : إني هدمت هذه المنارة فهجمت على رجل أقيم فيها ، ثم بنيت عليه ، فقام طاهر حتى صار إلى الموضع وأشرف عليه ، فلما نظر إليه قال : نعم هذا يحيى بن عبد الله بن الحسن بلغنا أنه صبر أيام الرشيد هاهنا بالرافقة وأمر بدفنه رحمة الله عليه.

قال الأمير أبو الفضل بن الداعي رحمه‌الله : هذا الفعل من هارون يدل على حمقه وقلة تمييزه ، وهب أنه قتل ابن عمه لأنه خاف على نفسه وملكه ولم يراقب الله عزوجل ، فأية فائدة كانت في بناء منارة عليه.

__________________

(١) في (ب ، ج) : عينيه.

(٢) في (ج) : بالحبس.

(٣) نهاية الصفحة [٢٩٨ ـ أ].

(٤) في (أ) : الرقة ، والصحيح الرافقة : مدينة إلى جنب الرقة ، بناها المنصور أبو جعفر على هيئة مدينته ببغداد سنة (١٥٥ ه‍) ، وأتمها المهدي ، ونزلها الرشيد ، وهي مدينة واسعة عظيمة بها ينزل الأمراء ، وهي مدورة كهيئة الطيلسان ولها ربض في شرقيها عليه سور ، ولها جامعان : جامع في الرافقة ، وجامع في الربض ، انظر : الروض المعطار ص (٢٦٣). وقيل : إن بغداد هي الرقة القديمة ، وأنها تجاور الرقة الجديدة ، قال ابن خلكان : وهي البلد المشهور الآن على شاطئ الفرات ويقال لهما الرقتان.

٥٠٣

[٣٥] روى أبو العباس الحسني رضي الله عنه بإسناده عن يحيى بن خالد البرمكي ، قال : بعث إليّ هارون ذات ليلة بعد العتمة فصرت إليه ، فقيل لي : إنه على السطح ؛ فصعدت فإذا هو على كرسي جديد قاعد ، وجهه نحو المشرق (١) وظهره إلى المغرب ، فوقفت بين يديه وسلمت فرد علي السلام ثم قال لي : صر إلى ذلك الموضع ، فصرت إلى الموضع الذي (٢) أومأ إليه ، فما رأيت إلّا خيال بياض في صحن الدار فانصرفت إليه فقال : ما ذا رأيت؟

فقلت (٣) : ما رأيت إلّا خيال بياض في صحن الدار.

فقال لي : اجلس ، فجلست بين يديه فما زلت أسامره ويجيبني عن كلامي حتى قال : إن هذا الصبح قد تنفس.

فقلت : يا أمير المؤمنين هذا العمود الأول ، فقال لي : سر إلى ذلك الموضع فتطلع إلى الصحن فانظر ما ذا ترى. قال : فعدت إلى الموضع فلم أر إلّا خيال ذلك البياض قائما في صحن الدار.

فقال : أتدري ما ذلك؟

قلت : لا.

قال : ذلك يحيى بن عبد الله بن الحسن إذا صلّى العتمة سجد فلا يزال ساجدا حتى يقوم لصلاة الغداة ، يقطع ليله بسجدة واحدة.

فقلت في نفسي : ويلك! انظر ويلك! أن لا تكون المبتلى به.

فقال لي : إذا كان كل يوم عند الغداء فمر الطباخ أن يجمع على مائدته من كل شيء في المطبخ ، ومر من يحملها إليه وكن (٤) معه حتى يأكل بحضرتك ، ففعلت ذلك أياما ، فقال لي يحيى بن عبد الله يوما من الأيام : يا أبا علي.

__________________

(١) في (أ، ج ، د) : وجهه إلى المشرق.

(٢) نهاية الصفحة [٢٩٩ ـ أ].

(٣) في (أ) : فقال.

(٤) في (ب) : وكل.

٥٠٤

قلت : لبيك جعلت فداك.

قال : إن لصاحبك هذا قبلنا إرادة ، وهذه أمانة الله بيني وبينك علي أن تكتم على هذه القرطاس (١) حتى يمضي إرادته فينا ، فإذا كان ذلك كذلك (٢) فناولها إياه.

قال : فأخذتها منه فإذا قرطاس قدر إصبع مختومة.

ثم قال : حرجت عليك بوقوفك بين يدي الله تعالى لما كتمتها عليّ إلى ذلك الوقت.

قال : فكتمتها وأحرزتها.

قال : فما مضى لذلك أيام حتى رفعت جنازة من الدار ، وقيل : جنازة يحيى بن عبد الله ، فلما (٣) فرغ من دفنها حملت القرطاس (٤) إليه وأخبرته الخبر ففكها ، فإذا فيها :

بسم الله الرحمن الرحيم. يا هارون المستعدي قد تقدم ، والخصم في الأثر ، والقاضي لا يحتاج إلى بينة.

فبكى حتى بل طرف ثوبه (٥) ، ثم قال لي : أناولتنيها في حياته.

فقلت له : إنه حرج عليّ بالعظيم من الأيمان.

قال زيد بن الحسين أبو أحمد : حدثت صالح بن هامان (٦) بهذا الحديث كاتب عبد الله بن طاهر ، فقال لي : رفعت الجنازة يا أبا أحمد لا والله ما كانت جنازة يحيى بن عبد الله.

فقلت : فكيف ذلك؟

قال : لما قدمنا مع المأمون بعد إذ أمر بخراب الخلد والقرار (٧) قصري أم جعفر فوكلت

__________________

(١) في (أ) : القرطاسة.

(٢) ساقط في (أ).

(٣) نهاية الصفحة [٣٠٠ ـ أ].

(٤) في (أ) : القرطاسة.

(٥) في (د ، ج ، ب) : ذيله.

(٦) في (أ) : صالح بن هان. وصالح بن برهان هو كاتب عبد الله بن طاهر.

(٧) الخلد هو قصر بناه المنصور ببغداد بعد فراغه من مدينته على شاطئ دجلة ، وذلك في سنة (١٥٩ ه‍) ، انظر : معجم البلدان (٢ / ٣٨٢). والقرار : قصر من قصور بني العباس بقرب الصراة النهر الذي يتشعب من الفرات ويجري إلى بغداد. انظر الروض المعطار (٣٥٧).

٥٠٥

بخرابهما فيما خربت ، فكان فيما خربت مجلسا ، فإذا يحيى بن عبد الله في جوف بعض الأساطين ، مصحفة معلق من عنقه.

وذكر : أنه لما أمر الملقب بالمعتضد بخراب قصر جده أبي جعفر المعروف بقصر الذهب (١) ليزيده في مسجد جامع أهل بغداد الغربي (٢) ، وكل شيخ بخراب القصر ، ففيما هدم من البيوت والمجالس ظهر بيت في قبلة مسجد الجامع الغربي الأول وكان (٣) يلى قصر الذهب ، ينزل إلى ذلك البيت بمراقي وهوازج وإذا في ذلك الأزج آثار رجال قد سمروا في حيطانه ، وإذا المسامير في مواضع الأيدي والأرجل والرءوس ، فإذا العظام بالية قد نخرت وتناثرت إلى الأرض وبعضها منوط بالمسامير في الحائط ، وإذا قباب صغار مبنية في ذلك الأزج من أوله إلى آخره ، فهدم بعضها ، فإذا رجال (٤) في الحديد مقيدين ومغللين قد بنيت عليهم وهم جلوس ، وإذا في البيت جابية ضيقة الرأس وإذا فيها رجل قد بلى واندثرت عظامه بعضها من بعض ، وإذا جمجمة في الجابية ، فجهدت أن أخرج الجمجمة من تلك الجابية فما قدرت على ذلك.

فقال لي بعض من كان معي : فكيف أدخل هذا الميت إلى هذه الجابية مع رأسه والرأس لا يخرج الآن بعد أن بلي؟

فقلت له : لم يدخل إلّا بجهد جهيد ومشقة على المدخول.

فكتب في ذلك مؤامرة إلى السلطان ، فأخبره الخبر وأجابه بتوقيع في مؤامرته أن سد باب هذا البيت وأدخله في البناء فهو اليوم في وسط مسجد أهل بغداد الغربي.

__________________

(١) أي قصر أبي جعفر المنصور ، انظر : الروض المعطار (١٠٩ ـ ١١٢) ، (٣٧٥) ، ومعجم البلدان مادة (بغداد).

(٢) هو أحد مساجد بغداد القديم آنذاك ، وكان مما يلي قصر الذهب.

(٣) في (أ) : فكان.

(٤) نهاية الصفحة [٣٠١ ـ أ].

٥٠٦

[(١٨) إدريس بن عبد الله بن الحسن (صاحب المغرب)] (١)

(... ـ ٧٧ ه‍ / ... ـ ٧٩٣ م)

[نص رسالته لأهل مصر وخروجه في المغرب]

[٣٦] حدثني أبو العباس الحسني رضي الله عنه بإسناده عن إدريس بن عبد الله بن الحسن عليه‌السلام.

بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فالحمد لله رب العالمين ، لا شريك له الحي القيوم ، والسلام على جميع المرسلين ، وعلى من اتبعهم ، وآمن بهم أجمعين.

أيها الناس إن الله ابتعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوة واختصه (٢) بالرسالة ، وحباه بالوحي ، فصدع

__________________

(١) انظر : الطبري (٦ / ٤١٦) وما بعدها ، الكامل (٥ / ٧٥ ، ٧٦ ، ١١٣). أخبار فخ انظر الفهرسة ص (٣٥٨) ، مقاتل الطالبيين (٤٠٦ ـ ٤٠٩). الأعلام (١ / ٢٧٩) ، الاستقصاء (١ / ٦٧) ، وابن خلدون (٤ / ١٢) وفيه وفاته سنة (١٧٥ ه‍) ، والبيان المعرب (١ / ٨٢ ، ٢١٠) وفيه دخوله المغرب سنة (١٧٠ ه) ، ودائرة المعارف الإسلامية (١ / ٥٤٤) ، الأزهار العاطرة الأنفاس (٣٣ ـ ١١٧) ، إتحاف أعلام الناس (٢ / ٢٠ ـ ١٧) ، الدر النفيس في مناقب إدريس (٩٩) ، وشرح شافية أبي فراس (١٧١) ، والبدء والتاريخ (٦ / ١٠٠) ، مطمح الآمال (تحت الطبع) ، أركان بن حبيب (M.JarrarIn : Asiatische (ص (٧٥ ، ٩٤ ، ١٩٨). أعيان الشيعة (٣ / ٢٣٠ ـ ٢٣١) ، نسب قريش (٥٥ ـ ٥٦ ، ٣١٥) ، الفلك الدوار (٣١) ، الحدائق الوردية (خ) ، دائرة المعارف الإسلامية الشيعية (١ / ٤ / ٣) ، الشافي (١ / ٢٣٧) ، الجامع الوجيز (خ) ، وانظر مصادر تراجم النفس الزكية ، المصادر الإنجليزية.

(٢) في (أ) : وخصه.

٥٠٧

بأمر الله وأثبت حجته ، وأظهر دعوته ، وإن الله جل ثناؤه خصنا بولادته وجعل فينا ميراثه ووعده فينا وعدا سيفي له به ، فقبضه (١) الله إليه محمودا لا حجة لأحد على الله ولا على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأنعام : ١٤٩] ، فخلّفه الله جل ثناؤه فينا بأحسن الخلافة ، غذانا بنعمته صغارا ، وأكرمنا بطاعته كبارا ، وجعلنا الدعاة إلى العدل ، القائمين (٢) بالقسط المجانبين للظلم ، ولم نمل مذ وقع الجور طرفة عين من نصحنا لأمتنا ، والدعاء إلى سبيل ربنا جل ثناؤه ، فكان مما خلفته أمته فينا أن سفكوا دماءنا ، وانتهكوا حرمتنا ، وأيتموا صغيرنا ، وقتلوا كبيرنا ، وأثكلوا نساءنا ، وحملونا على الخشب ، وتهادوا رءوسنا على الأطباق ، فلم نكل ولم نضعف ، بل نرى ذلك تحفة من ربنا «جل ثناؤه» (٣) ، وكرامة أكرمنا بها ، فمضت بذلك الدهور ، واشتملت عليه الأمور ، وربى منا عليه الصغير ، وهرم عليه الكبير ، حتى ملك الزنديق أبو الدوانيق ، وقد قال رسول الله : «ويل لقريش من زنديقها ، يحدث أحداثا يغير دينها ، ويهتك ستورها ، ويهدم قصورها ، ويذهب سرورها» (٤).

فسام أمتنا الخسف ، ومنعهم النصف (٥) ، وألبسهم الذل ، وأشعرهم الفقر ، وأخذ أبي عبد الله بن الحسن شيخ المسلمين وزين المؤمنين وابن سيد النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بضعة عشر رجلا من أهل بيتي وأعمامي صلوات الله عليهم ورحمته وبركاته : منهم علي بن الحسن بن

__________________

(١) نهاية الصفحة [٣٠٢ ـ أ].

(٢) في (أ، د) : العاملين.

(٣) ساقط في (ب).

(٤) الحديث : أخرجه ابن عساكر في تاريخه ، والمتقي الهندي في منتخب كنز العمال عن أبي هريرة من حديث طويل ، ولفظ الحديث للفائدة «ويل للعرب من هرج قد اقترب الأجيجة ، وما الأجيجة ، الويل الطويل في الأجيجة ويل للعرب من بعد الخمس والعشرين والمائة من القتل الذريع والموت السريع والجوع الفظيع ، ويسلط عليهم البلاء بذنوبها فتكثر صدورها ويهتك ستورها ويغير سرورها فبذنوبها تنزع أوتادها وتقطع أطنابها وتبختر قراؤها ، ويل لقريش من زنديقها يحدث إحداثا يهتك ستورها وينزع هيبتها ، ويهدم عليها جدورها حتى تقوم النائحات الباكيات ، الباكية تبكي على دينها ، وباكية تبكي من ذلها بعد عزها ، وباكية تبكي من استحلال فرجها ، وباكية تبكي شوقا إلى قبورها ، وباكية تبكي من جوع أولادها ، وباكية تبكي من انقلاب جنودها عليها» ، منتخب كنز العمال (٥ / ٤٥٧).

(٥) النصف : العدل ، والاسم : النّصف والنصفة ، القاموس ص (١١٠٧) مادة (نصف).

٥٠٨

الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المجتهد المخبت (١) ، وأبو الحسين المستشهد بفخ بالأسر (٢) صلوات الله ورحمته وبركاته عليهم أهل البيت إنه حميد مجيد ، فأخرج بهم أبو الدوانيق الزنديق فطين (٣) عليهم بيتا حتى قتلهم بالجوع.

وبعث أخي محمد بن عبد الله بن الحسن صلوات الله عليه ابنه عليا إليكم ، فخرج بمصر فأخذ وأوثق وبعث إليه ففلق رأسه بعمود حديد.

ثم قتل أخواي محمد وإبراهيم صلوات الله عليهما العابدين العالمين المجتهدين الذائدين عن محارم الله ، شريا والله أنفسهما لله جل ثناؤه فنصب رأسيهما في مساجد الله على الرماح حتى قصمه قاصم الجبارين ، ثم ملك بعده ابنه الضال ، فانتهك الحرمات ، واتبع الشهوات ، واتخذ القينات ، وحكم بالهوى ، واستشار الإماء ولعبت به الدنيا ، وزعم أنه المهدي الذي بشرت به الأنبياء (٤) ، فضيق على ذرية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطردهم وكفل من ظهر منهم وعرضهم طرفي النهار حتى أن الرجل ليموت من ذرية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما يخرج به حتى يتغير (٥).

ثم بعث إليّ وقيدني وأمر بقتلي ، فقصمه قاصم الجبارين وجرت عليه سنة الظالمين (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) [الحج : ١١].

ثم ملك بعده ابنه الفاسق في دين الله ، فسار بما لا تبلغه الصفة من الجرأة على رب العالمين ، ثم بعث ليأخذ نفرا منا فيضرب أعناقهم بين قبر رسول الله ومنبره ، فكان من ذلك ما لا أظنه إلّا قد بلغ كل مسلم (٦).

__________________

(١) نهاية الصفحة [٣٠٣ ـ أ]

(٢) في (أ، ج ، د) : بالأمس.

(٣) أي بنى عليهم ما يشبه البيت المختوم من الطين حتى قتلهم.

(٤) انظر تأريخ الخلفاء للسيوطي ص (٢٧٢).

(٥) راجع حول الموضوع مقاتل الطالبيين ص (٣٤١) وما بعدها.

(٦) انظر مقاتل الطالبيين ص (٣٦٤) وما بعدها.

٥٠٩

ثم قتل أخي سليمان بن عبد الله (١) ، وقتل ابن عمي الحسين بن علي صلوات الله عليه في حرم الله ، وذبح ابن أخي الحسن بن محمد بن عبد الله في حرم الله بعد ما أعطي أمان الله ، وأنا ابن نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيكم (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأذكركم الله جل ثناؤه ، وموقفكم بين يديه غدا وفزعكم «إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسألونه الشفاعة وورود الحوض» (٣) ، وإن تنصروا نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتحفظوه في عترته ، فو الله لا يشرب من حوضه ولا ينال شفاعته من حادنا (٤) وقتلنا وجهد في هلاكنا ، هذا في كلام طويل دعاهم فيه إلى نصرته.

[سلالة بعض أهل البيت في المغرب]

روى محمد بن علي بن خلف العطار وغيره عن سليمان بن سليمان الأسود مولى آل الحسن قال : خرج إدريس بن عبد الله بن الحسن إلى المغرب بعد وقعة فخ ، ومعه بن أخيه محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن ، وكان سليمان قتل بفخ فلما تمكن إدريس ببلاد المغرب استعمل محمد بن سليمان «على أداني المغرب من تاهرت إلى فاس (٥) ، قال فبقي محمد بن سليمان» (٦) بهذه النواحي إلى اليوم ، وهي إلى إبراهيم بن محمد بن سليمان ، وبينها وبين إفريقية مسيرة أربعة عشر يوما.

ثم يتلوه أحمد بن محمد بن سليمان أخوه ، ثم أخوه إدريس بن محمد بن سليمان ، ثم سليمان بن محمد بن سليمان ، كل واحد من هؤلاء مملك على ناحية ، لا يدعو واحد منهم لآخر ، ثم يصير إلى عمل بني إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن إلى آخر المغرب.

__________________

(١) نهاية الصفحة [٣٠٤ ـ أ] ، انظر ترجمته في المقاتل ص (٣٥٦) ، وانظر الفهرس ص (٦٠٧) ، والطبري (١٠ / ٢٨) ، ومروج الذهب (٢ / ١٨٣) ، نسب قريش ص (٥٤) ، سر السلسلة العلوية ص (١٢) ، المجدي (٦٠ ـ ٦١) ، عمدة الطالب (١٢٨).

(٢) في (ب ، ج ، د) : نبيه.

(٣) ساقط في (أ).

(٤) في (ب ، ج) : جلدنا.

(٥) تاهرت : مدينة بأقصى المغرب في الجزائر اليوم على الطريق من تلمسان إلى المسبلة ، كانت عاصمة الرستميين ، انظر معجم البلدان (٢ / ٧) ، الروض المعطار (١٢٦).

(٦) ساقط في (أ).

٥١٠

[خروجه (ع)]

[٣٧] روى أبو العباس الحسني رضي الله عنه عن رجالة ، قال : لما انفلت إدريس بن عبد الله من وقعة فخ فصار إلى مصر وعلى بريدها واضح مولى صالح (١) بن أبي جعفر ، وكان يتشيع ، فحمله على البريد إلى أرض طنجة فخرج بها ، فلما أفضت الأمور إلى هارون بعد أخيه موسى ضرب عنق واضح صبرا ودس إلى إدريس الشماخ اليماني (٢) مولى أبيه المهدي ، وكتب له إلى ابن الأغلب عامله على إفريقية فخرج حتى صار إلى إدريس فذكر أنه متطبب ، وأنه من شيعتهم ، فشكا إليه إدريس وجعا يجده في أسنانه فأعطاه سنونا (٣) ، وأمره أن يستن به من عند الفجر وهرب تحت الليل (٤) ، فلما طلع الفجر استن إدريس بالسنون فقتله ، فلما اتصل الخبر بهارون ولى الشماخ بريد مصر ، وقال في ذلك شاعرهم (٥) :

أتظن يا إدريس أنك مفلت

كيد الخليفة أو يقيك فرار

فليدركنّك أو تحل ببلدة

لا يهتدي فيها إليك نهار

ملك كأن الموت يتبع أمره

حتى يقال تطيعه الأقدار

[٣٨] [حدثنا أبو العباس الحسني قال : حدثنا أبو زيد العلوي قال] : قال محمد بن منصور المرادي : قلت لأحمد بن عيسى بن زيد عليه‌السلام : حدثني رجل عن أبي الرعد عن أبي البركة عن هرثمة ، عن هارون الملقب بالرشيد أنه أعطى سليمان بن جرير (٦) مائة ألف درهم على أن

__________________

(١) نهاية الصفحة [٣٠٥ ـ أ].

(٢) في (ب) : اليمامي وهو مولى المهدي ، وكان طبيبا ، انظر مقاتل الطالبيين (٤٠٨) ، والطبري (٦ / ٤١٦) ، الكامل (٥ / ٧٦).

(٣) راجع مقاتل الطالبيين ص (٤٨٠).

(٤) في (أ، ب ، ج) : وهرب من تحت الليل.

(٥) نسب لأبيات الطبري في تأريخه (٦ / ٤١٦) للهنازي ، وفي مقاتل الطالبيين (٤٠٨) قال ابن عمار : وهذا شعر عندي يشبه شعر أشجع السلمي وأظنه له ، الحدائق الوردية (١ / ١٩٧) ، وجذوة الاقتباس (١ / ٢٣) ، وقال في أعيان الشيعة : من العجيب أن يظن أنه له ـ أشجع ـ وأشجع من شيعة آل أبي طالب ، لا يمكن أن يقول مثل هذا الشعر ، ولم ينقل الأخفش أنه لابن حفصة المعلوم حاله في ولاة العباسيين وعداوة العلويين ، وقال أبو الفرج : هذا الشعر لمروان بن أبي حفصة أنشدنيه علي بن سليمان الأخفش له ، أعيان الشيعة (٣ / ٢٣٠).

(٦) انظر : الوافي (١٥ / ٣٦٠) ، مقاتل الطالبيين ص (٤٠٧ ، ٤٠٩) ، تاريخ الطبري (٦ / ٤١٦).

٥١١

يقتل له إدريس بن عبد الله ، فحدثني أبو عبد الله أحمد بن عيسى بن زيد قال : كنت عند عمي الحسين بن زيد بمنى في مضربه ، إذ جاءه (١) جماعة من البربر من أهل المغرب من عند إدريس فجلسوا ناحية ، وجاء رجل منهم إلى الحسين فسلم عليه ، وأكب عليه فناجاه طويلا ، ثم إن الرجل خرج ، وقال لنا عمي : أتدرون من هذا؟

قلنا : لا.

قال (٢) : هذا رجل من أهل المغرب من عند إدريس ، قال لي : جاء رجل من عندكم يقال له سليمان بن جرير فكان مع إدريس فخالفه في شيء ودخل إدريس إلى الحمام فلما خرج أرسل إليه سليمان بسمكة فحين أكل منها أنكر نفسه (٣).

وقال : بطني أدركوا سليمان في منزله ، فطلب سليمان في منزله فلم يوجد فسألنا عنه ، قالوا : قد خرج ، فأعلمناه.

فقال : أدركوه ردوه.

قال : فأدركناه فامتنع علينا فقاتلنا وقاتلناه فضربناه على وجهه ضربة بالسيف وضربناه على يده فقطعنا إصبعه وفاتنا هربا ، ثم قال لنا الحسين بن زيد : رأيتم هذا الأثر.

قال أحمد بن عيسى : رأيته مضروبا على وجهه شبيها بما وصف البربري ، وأومأ أحمد بن عيسى من حد موضع السجود إلى الحاجب ، ورأيناه وفي يده ضربة قد قطعت إصبعه الإبهام.

قال أحمد بن عيسى : وهو [من] قتل إدريس لا شك فيه ، وسليمان هذا كان من رؤساء الشيعة ومتكلميهم فبمن يوثق بعده من الناس.

وروي عن بعض الناس أن إدريس أقام ببعض بلاد المغرب عشر سنين يقيم الأحكام ، ثم

__________________

(١) في (أ، ب ، ج) : في مضربه جاءه.

(٢) نهاية الصفحة [٣٠٦ ـ أ].

(٣) انظر : مقاتل الطالبيين ص (٤٠٧ ـ ٤٠٩) ، تاريخ الطبري (٦ / ٤١٦).

٥١٢

دس إليه هارون بشربة (١) سم في سويق (٢) على يدي رجل من أهل العراق ، فأقام عنده واستأنس به إدريس واطمأن إليه ، وكان قد ضمن (٣) هارون خمسمائة ألف درهم لهذا الرجل فسقاه فمات إدريس من ذلك بعد ثلاثة أيام.

[وصية إدريس لابنه واستطراد لبعض أخباره]

وأوصى إلى ابنه إدريس بن إدريس ، فأقام بعد أبيه يعمل بالكتاب والسنة ويقتدي بأبيه ، وهو أحد الشجعان (٤).

وبقي بعد أبيه إحدى وعشرين سنة ، يملك «أرض المغرب» (٥) وأندلس وبربر ونواحيها ، وفتح فتوحا كثيرة من بلاد الشرك ، وحاربته المسودة فلم يقدروا عليه ، إلى أن مات رحمه‌الله.

ثم أوصى إلى ابنه إدريس بن إدريس بن إدريس بن عبد الله ، فأقام مقام أبيه يعدل بين الناس على سيرة آبائه وأجداده ، وهو أحد علماء آل محمد وهم إلى هذه الغاية يتوارثون أرض المغرب وبربر ويعملون بالحق (٦).

__________________

(١) في (أ) : شربة.

(٢) السويق طعام يتخذ من مدقوق الحنطة والشعير ، وسمي بذلك لانسياقه في الحلق. جمع سويق : أسوقه ، المعجم الوسيط : مادة (ساق) ، وانظر : مقاتل الطالبيين ص (٤٠٧ ـ ٤٠٩).

(٣) ورد في (ب ، ج) بعد لفظ : ضمن ، لفظ : له.

(٤) نهاية الصفحة [٣٠٧ ـ أ].

(٥) ساقط في (أ).

(٦) انظر : المغرب في حلى المغرب (قسم الأندلس ١ ـ ٢) تحقيق د. شوقي ضيف ـ القاهرة (١٩٥٣ ـ ١٩٥٥ م) ، وقسم مصر أيضا. المغرب في ذكر إفريقية ، والمغرب للبكري. تحقيق د. محمد حسن واخر القاهرة (١٩٥٣ م) ، الإحاطة في أخبار غرناطة ، ابن الخطيب ، الاستبصار في عجائب الأمصار ، مؤلف مجهول. تحقيق د. سعد زغلول عبد الحميد الإسكندرية (١٩٥٨ م) ، بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس لابن عمير الضبي ، دولة الأدارسة في المغرب : العصر الذهبي (١٧٢ ـ ٢٢٣ / ٧٨٨ ـ ٨٣٥) ، سعدون عباس نصر الله. دار النهضة العربية بدون (١٩٨٧ م / ١٤٠٨ ه‍) ، دولة الأدارسة ملوك ثلمان وفاس وقرطبة : إسماعيل العربي ، دار المغرب الإسلامي. بيروت (١٩٨٣ م / ١٤٠٣ ه‍) ، الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس علي بن أبي زرع الفاس ت (بعد ٧٢٦ ه‍ / ١٣٢٣ م) ، دار المنصور : الرباط ١٩٧٣ م) ، تاريخ الاسلام د. حسن إبراهيم الجزء (٢). وانظر الفهارس.

٥١٣

[(١٩) محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن] (١)

(١٧٣ ـ ١٩٩ ه‍ / ٧٨٩ ـ ٨١٥ م)

[سبب خروجه]

[٣٩] أخبرنا (٢) أبو العباس الحسني قال : حدثنا أبو زيد العلوي عن أبي جعفر أحمد الحسني الكوفي قال : أخبرنا أبو الفضل نصر بن مزاحم المنقري ، قال : كان سبب خروج محمد بن إبراهيم أن نصر بن شبيب القيسى خرج حاجا قبل أن تعظم شوكته ويعلو أمره إلى مكة وذلك في سنة ست وتسعين ومائة فوافاه (٣) ، وقد شهد الموسم بشر كثير من أهل الكوفة وأهل البصرة وسائر الآفاق والبلدان ، فجعل يتعرض فرق الناس فرقة فرقة (٤) فسألهم نصر عن

__________________

(١) انظر : الطبري (٧ / ١١٧) ، مروج الذهب (٤ / ٦) ، ابن الأثير (٥ / ١٧٤ ـ ١٧٥) ، الإفادة (١٠٨ ـ ١١٣) مقاتل الطالبيين (٤٢٤ ـ ٤٣٨) ، (٤٤١ ـ ٤٥٣) الأعلام (٥ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤) ، الشافي (١ / ٢٤٧) ، البداية والنهاية (١٠ / ٢٤٤) ، تاريخ اليمن للواسعي (١٨) ، بلوغ المرام (٣١) ، اتحاف المسترشدين (٤٠) ، ابن خلدون (٣ / ٢٤٢) ، التحف (١٤٤ ـ ١٤٥) ، الحدائق الوردية (مصورة) (١ / ١٩٧ ـ ٢١١) ، غاية الأماني ليحيى بن الحسين (١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٥٠) ، الفلك الدوار (٢٧) ، طبقات الزيدية (خ) ، تاريخ الكوفة (٨١ ، ٣٧٣) ، عمدة الطالب (١٩٩) ، سر السلسلة العلوية (٢٧) ، أخبار محمد بن إبراهيم وأبي السرايا لنصر بن مزاحم بن سيار المنقري ، اللآلي المضيئة (خ) ، مطمح الآمال (تحت الطبع) ، الجامع الوجيز (خ).

(٢) السند في (أ، ج ، د) : أخبرنا أبو العباس الحسني عن أبي الفضل نصر بن مزاحم ، وهو سند ساقط محذوف.

(٣) في (أ) : فوافاها.

(٤) في (د ، ج) : رفق الناس رفقه رفقه.

٥١٤

السبب الذي استحق به علي عليه‌السلام التقدم والأثرة ، فنسبوا له ذلك حتى أثبتوا لعلي الوصية ، ولولده من بعده.

فقال نصر : فهل في ولده اليوم من يقوم بالولاية؟

قالوا : أكثرهم محتمل ، وآيس (١) ، ولكن أشدهم احتمالا لها للفضل ثلاثة : عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن ، وأحمد بن عيسى بن زيد بن علي ، ومحمد بن إبراهيم بن إسماعيل (٢) ، فأما أحمد وعبد الله فرجلان قد شغلا بالنسك والعبادة وخلعا الدنيا من أعناقهما ، وتخليا من الناس فليس أحد يعرف مكانهما ، ولا يقدر على (٣) الوصول إليهما إلّا بنوهما.

وأما محمد فملازم بيته مقبل على صلاته وصيامه يحضر الموسم ، ويشهد المشاهد ويقضي الحقوق ، وهو أخلق أهل بيته للحركة ، وقد شهد الموسم ، فلما كثر من يغشاه من الناس تخوف الفتنة واستتر (٤).

قال : فمن يصل إليه؟

قالوا : مولى له يلي خدمته ، ويختلف في حوائجه ، يقال له موفق (٥).

[بيعته وبعض من أخباره]

[٤٠] قال أبو العباس الحسني بإسناده هذا (٦) عن نصر بن مزاحم المنقري (٧) ، عن موفق

__________________

(١) في (ب) : ويائس.

(٢) نهاية الصفحة [٣٠٨ ـ أ].

(٣) في (أ، ب) : إلى.

(٤) في (ب ، ج ، د) : فاستتر.

(٥) انظر : مقاتل الطالبيين (٤٢٤) وما بعدها ، الطبري (١٠ / ٢٢٧) ، مروج الذهب (٢ / ٢٢٤) ، ابن الأثير (٦ / ١١١ ـ ١١٤).

وأمّا موفق : فهو مولى صاحب الترجمة ، كان يلي خدمته ويختلف في حوائجه ، أي بمعنى آخر خادمه.

(٦) أي بإسناده الأول في الرواية السابقة عن نصر بن مزاحم.

(٧) ساقط في (أ، ب ، د).

٥١٥

قال : كنت واقفا في سوق الكيل «بالسوق» (١) في بعض حوائج محمد عليه‌السلام إذ وقف عليّ فارس حسن اللحية ممتد القامة عليه ثياب ودرع بيضاء وعمامة خز ، وكان راكبا على فرس كميت أغر (٢) ، فسلم فرددت عليه‌السلام ، فقال : يا موفق إنك قد وصفت لي بخير ، وقد رجوت أن تكون موضعا لسري ، والصنيعة (٣) عندي ، فهل أنت مصدق لي ظني ومتلطف لي في حاجتي؟

فقلت : ما أحقك رحمك الله بأن يصان سرك ويرغب في اليد عندك ، فأما الحاجة فقد كنت لا أضمنها إلّا بعد المعرفة فإن قدرت على قضائها قضيت ، وإن تكن الأخرى لم أكن عندك في حد أهل الغدر والكذب.

قال : فتبسم ، ثم قال : صدقت وبرزت حاجتي أن يستأذن لي على أبي عبد الله لأسلم (٤) عليه وأجدد عهدا به وأقضي ما أوجب الله علي من حقه.

قال : فسكت متفكرا في حاجته وارتج علي جوابه ولم أدر ما أقدم عليه إن أذنت له من موافقه محمد ، وعظم علي رده لما رأيت من حسن منظره وكمال هيئته ورأى التحير (٥) والإفحام في وجهي ، فقال لي : أو غير هذا؟

قلت : وما هو؟

قال : توصل إليه كتابي ، ثم يكون هو بعد يرى رأيه (٦) في الإذن لي.

فقلت : ذلك إليك (٧) ، فدفع إليّ كتابا فيه هذا الشعر :

__________________

(١) ساقط في (أ).

(٢) الفرس الكميت ما كان لونه بين الأسود والأحمر ، وهو تصغير أكمت ترجيما ، والجمع كمت. والأغر : الغرّة من كل شيء أوله وأكرمه ، وبياض في جبهة الفرس ، أي أنه فرس لونه بين الأسود والأحمر على جبهته بياض.

(٣) في (ب ، ج ، د) : للضيعة.

(٤) نهاية الصفحة [٣٠٩ ـ أ].

(٥) التحير والإفحام : حار : حورا وحئورا رجع ، والحائر المتردد والمهزول ، والإفحام : أفحم الخصم أسكته بالحجة.

(٦) في (ج) : برأيه.

(٧) في (أ، ج ، د) : لك.

٥١٦

عزب المنام فما أذوق (١) مناما

والهم يضرم في الفؤاد ضراما

بل كيف أهجع (٢) أو ألائم مضجعا

والدين أمسى أهله عواما

في بحر جور زاخر وعماهة

في فتنة لا يعرفون إماما

أمسى يسوس المسلمين عصابة

لا يعرفون محللا وحراما

 ... إلى آخر القصيدة.

قال موفق : فأتيت به محمدا فقال : التمس لي هذا الرجل فأدخله علي سرا لا يعلم به أحد ، فلما عاد إليّ نصر أدخلته إليه ، فاستخليا ناحية من الدار (٣) ، فلما أصبحنا قال نصر : يا بن رسول الله إني أريد الموقف ، ولست أدري ما أنا عليه منك ، ولا ما الذي أنصرف به من عندك ، فما الذي تأمرني به؟

قال : الخطر عظيم والرأي سقيم ، ولا بد من مشاورة ومناظرة ، فإذا صح الرأي أنفذت العزيمة ، وأنا مواقع هذا المصر ؛ وأومأ بيده إلى الكوفة ؛ فإنه محل شيعتنا ومجمع أنصارنا ، فمناظرهم فيما دعوتني إليه ، وعارض عليهم ما ندبتني (٤) له ، ثم يأتيك رأيي بالتقدم أو التأخر ، فتعمل على قدر ما يأتيك منه إن شاء الله.

[٤١] [وحدثنا أبو العباس الحسني قال : حدثنا أبو زيد العلوي عن أبي جعفر أحمد بن الحسين الكوفي عن] (٥) نصر بن مزاحم قال : حدثني الحسن بن محمد السلمي ، قال : خرجت مع عمي حاجا سنة ثمان وتسعين ومائة ، فلما صرنا بالمدينة تطوف عمي بمنازل الطالبيين منزلا منزلا ليسلم عليهم ، ويقضي من حقوقهم ، وحق من حضر المدينة ، فلما صار إلى منزل

__________________

(١) في (أ، د) : فلا أذوق.

(٢) في (د) : تهجع.

(٣) في (أ، د) : ناحية من البيت.

(٤) نهاية الصفحة [٣١٠ ـ أ].

(٥) في أصولي : وبهذا الإسناد عن نصر بن مزاحم.

٥١٧

محمد بن إبراهيم وقضى حق السلام عليه (١) قال : إلى كم يا بن رسول الله نوطئ الخسف ونركب بالعسف ، إلى كم تغضون أبصار شيعتكم ، أما والله لقد تركت بالكوفة سيوفا حدادا ، وسواعدا شدادا ، وأنفسا معلقة بكم ، وقلوبا نازعة إليكم ، وما بقي إلّا قدومكم حتى يقضي الله إحدى الحسنيين إما بفتح عاجل أو بموت (٢) مفرج.

قال : فتبسم ثم قال : يرحمك الله أنا على التقدير قبل التدبير ، والتفكر قبل العمل ، إن أصحابك قول بلا عمل ، وإقدام بلا روية ، وقيل «له : إن» (٣) بالباب قوم من الكوفة ، فأمسك عن الكلام وأذن لهم فدخلوا ، فعرفت عامتهم ، فسلموا عليه ورحب بهم ، وأكب بعضهم على عمي يسارّه بشيء لا أدري ما هو (٤).

قال : فأومأ إليّ أن اخرج ، فخرجت إلى صحن الدار ، فلم أزل أسمع (٥) الصوت يرتفع تارة وينخفض أخرى حتى خرجوا فخرجت معهم ، ومضينا إلى مكة فقضينا (٦) حجنا ومناسكنا ، ثم قدمنا إلى الكوفة ، فلم نزل معه نلي خدمته في حله وترحاله حتى وافاها ، وأقام بها أياما يكتم أمره ويخفي قدومه ، وكان رئيس الرؤساء ؛ يختلفون إليه يسألونه الخروج بهم ، وأخذ البيعة ، وهو يقدم ويؤخر في إجابتهم ، وكان يخرج سرا فيطوف في سكك الكوفة.

فلما حضرته الزيدية «قام فيهم خطيبا» (٧) فقال : الحمد لله الذي لم يتخوف أن يسبق فيعجل ، ولم يسرع إلى أحد ممن جهل حقه ، وكفر نعمته فيراقب ، بل متعهم بالنظرة ، وفتنهم بالتأخير ... إلى آخر الخطبة (٨).

__________________

(١) في (أ) : وقضى سلامه عليه.

(٢) في (ب ، ج ، د) : أو موت.

(٣) ساقط في (أ).

(٤) في (ب ، ج) : الشيء ما أدري ما هو.

(٥) في (ب) : أستمع.

(٦) نهاية الصفحة [٣١١ ـ أ].

(٧) ساقط في (أ).

(٨) انظر مقاتل الطالبيين ص (٤٢٧) وما بعدها.

٥١٨

ثم قالوا : يا بن رسول الله منك النداء ، ومنا الإجابة ، وعليك الإذكار ، وعلينا الطاعة ، وأنتم ولاة الإسلام (١) وأنصار الدين ، وقادة الأمة ، وذادة الجور ، ونحن شيعتكم وأنصاركم ، ومن تطيب أنفسنا بالموت في حقكم ، فابسط يدك نبايعك ، فإنا نرجوا أن تكون بيعة يعز الله بها «الإسلام» (٢) وأهله ، ويذل الظلم وولاته ، فبسط يده فبايعه من حضره ووافاه ممن لم يحضر منهم ، فما وفت الليلة حتى اجتمع له مائة وعشرون رجلا ، ثم توجه نحو الجزيرة (٣).

[٤٢] [وحدثنا أبو العباس الحسني قال : حدثنا أبو زيد العلوي عن أبي جعفر أحمد بن الحسين الكوفي] عن نصر بن مزاحم المنقري قال : حدثني علي بن أحمد الهمداني قال : دخلت على الحسين بن زيد الشاكري بعد أن خرج محمد عليه‌السلام بأيام وهو عليل ، فقلت : كيف تجدك من علتك؟

قال : أجدني في عقال من الدنيا وسير من الآخرة ، وحجاب عن الشهادة ، وحرمان من الثواب.

قلت له : إن في المرض لخير.

قال : وأي خير يكون في أمر قصّرني عن أصحابي وبطّأني عن نصرة أهل «بيت النبي» (٤) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) وسلّم.

ثم تلا هذه الآية : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) [النساء : ٧٣].

__________________

(١) في (أ) : ولاة دينه.

(٢) في (أ) : دينه.

(٣) كان يبايع ويدعو الناس إلى الرضا من آل محمد والدعاء إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والسيرة بحكم الكتاب ، فبايعه جميع الناس حتى تكابوا وازدحموا عليه وذلك في موضع بالكوفة يعرف بقصر الضرتين ، مقاتل الطالبين ص (٤٢٨) ، تاريخ الطبري (٧ / ١١٧) ، وفيه : وفيها أي (١٩٩ ه‍) خرج بالكوفة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة.

(٤) ساقط في (أ، ب).

(٥) نهاية الصفحة [٣١٢ ـ أ].

٥١٩

قال نصر بن مزاحم : وقدم محمد بن إبراهيم الجزيرة وتلقاه نصر بن شبيب في جماعة من أصحابه فأنزله ومن معه وأكرم مثواه ، وعظم قدومه ، وقال : يا ابن رسول الله ، أبطأت عنا حتى ساءت الظنون واشتد الإشفاق ، وتفرقت القلوب ، وامتدت الأعناق ، أما إني أرجو أن يجعل الله قدومك عزّ الحق وظهوره ، وإماتة الجور ودفنه.

ثم جمع أصحابه ، وقال : يا معاشر قيس (١) ، إن من غضب لله (٢) غضب الله له ، ومن سعى في رضا الله تولى الله ثوابه ، ألّا وإن هذا ابن بنت نبيكم وأوجب الناس حقا عليكم ، فدخل في بلدكم ، ونزل بين أظهركم يريد الانتصار لكم بكم ، والدفع عنكم بسيوفكم ، وهو من لا يطعن عليه في دين ، ولا رأي ولا بأس ولا عزم ، وقد رضينا إمامته وحمدنا مختبره ، فمن كان لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه حق وللإسلام «عنده» (٣) صدق ونصرة ، فليتقدم في بيعته ونصره.

فتكلم أصحابه فبعض أجاب ، وبعض امتنع فاختلفوا حتى تدافعوا وتلاطموا ، فأمرهم بالانصراف فانصرفوا ، ثم بعث إلى نفر من بني عمه ممن كان يفزع إلى رأيه في حرب إن كانت أو نازلة إن نزلت ، فأعلمهم ما جرى بينه وبين محمد بن إبراهيم من المواعدة ووفائه له ، وقدومه عليه وسألهم عن رأيهم في إجابته ، فاختلفوا في الرأي وبلغ ابن عم (٤) له خبر محمد ، فكتب إلى نصر :

يا نصر لا تجر عليك بلية

دهياء يخترم النفوس ضرامها

يا نصر إنك إن فعلت وجدتها

يغشاك في أي البلاد عزامها

يا نصر لا يذهب برأيك عصبة

تبعوا الغرور حقيقة أحلامها

إلى أبيات أخر.

__________________

(١) هم قبيلة قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، انظر معجم القبائل العرب (٣ / ٩٧٠ ـ ٩٧٣).

(٢) في (د) : الله.

(٣) ساقط في (ج).

(٤) نهاية الصفحة [٣١٣ ـ أ].

٥٢٠