المصابيح

الإمام أبو العباس الحسني

المصابيح

المؤلف:

الإمام أبو العباس الحسني


المحقق: عبدالله بن عبدالله بن أحمد الحوثي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٢

١

٢

٣
٤

شكر وتقدير

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من لا يشكر الناس لا يشكر الله» (١) وفي لفظ عن أبي سعيد الخدري «من لم يشكر الناس لم يشكر الله» (٢) وفي لفظ : «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» (٣).

وقال كلثوم بن عمر العتابي في أبيات له :

فلو كان يستغني عن الشكر سيد

لعزة ملك أو علو مكان

لما أمر الله العباد بشكره

فقال اشكروا لي أيها الثقلان

وقال آخر :

فمن شكر المعروف يوما فقد أتى

أخا العرف من حسن المكافاة من عل

وانطلاقا من كل ذلك أتقدم بخالص شكري ، وفائق تقديري ، وجميل عرفاني إلى الوالد العلامة شيخ الإسلام ومجتهد العصر باليمن الميمون : مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي على ما تفضل به من التقديم والتعريف بالكتاب ومؤلفه ، سائلا الله عزوجل أن يجعل ذلك في ميزان حسناته ، وأن ينفع بعلومه الأنام ، وأن يغفر له ولوالديه وللمؤمنين. آمين.

وهو أيضا للوالد : العلامة عبد الرحمن بن حسين شائم ، والعلامة محمد بن صلاح الهادي ،

__________________

(١) أخرجه الترمذي في جامعه (٤ / ٣٣٩ ح ١٩٥٤) عن أبي هريرة وقال : حديث حسن صحيح.

(٢) أخرجه الترمذي (٤ / ٣٣٩ ح ١٩٥٥) عن أبي سعيد الخدري ، وقال : حسن صحيح.

(٣) أخرجه أبو داود في سننه (٤ / ٢٥٥ ح ٤٨١١) عن أبي سعيد الخدري.

٥

وللأساتذة محمد بن محمد فليته ، وعلي بن مجد الدين بن محمد المؤيدي ، وعبد الرحمن بن محمد شمس الدين ، وإبراهيم وإسماعيل ابني مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي ، والذين قاموا بمقابلة الكتاب وتصحيح النص من الأخطاء المطبعية ، كل ذلك قبل الدراسة والتحقيق ، فجزاهم الله عني خير الجزاء ، وجعل ذلك في ميزان حسناتهم.

عبد الله بن عبد الله بن أحمد الحوثي

وفقه الله تعالى آمين

٦

تقديم

بقلم شيخ الإسلام : مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي.

الحمد لله المنزل في أفصح بيان وأوضح برهان : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ) [يوسف : ٣] ، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وخاتم النبيين رحمته للعالمين ، وحجته على الخلق أجمعين ، أبي القاسم رسول الله وصفوة الله ، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ، وعلى آله عترته الذين اختصهم بالصلاة عليهم معه في الصلاة وحرم عليهم كما حرم عليه الزكاة ، وجعل أجر رسالته المودة لذي قرباه ، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأبانهم تبيانا واضحا منيرا حين مد عليهم كساءه ، وقرنهم في وجوب التمسك بهم في خبر الثقلين المعلوم بكتاب الله :

والقول والقرآن فاعرف قدرهم

ثقلان للثقلين نص محمد

ولهم فضائل لست أحصي عدها

من رام عد الشهب لم تتعدد

ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليهم ، ورضوان الله على صحابته الأبرار من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

فهذا كتاب المصابيح للسيد الإمام أبي العباس أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن الإمام محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

العالم الحافظ الحجة شيخ الأئمة ، ووارث الحكمة ، رباني آل الرسول ، وإمام المعقول

٧

والمنقول ، مؤلف النصوص ، وشارح المنتخب والأحكام ، وقد بلغ في كتابه المصابيح إلى الإمام يحيى بن زيد بن علي عليهم‌السلام ، وعاقه نزول الحمام عن بلوغ المرام ، وقد كان رسم فيها أسماء الأئمة الذين أراد ذكرهم إلى الناصر الحسن بن علي الأطروش ، فأتمها على وفق ترتيبه تلميذه الشيخ العلامة علي بن بلال.

وهذا السيد الإمام أبو العباس هو الذي أخذت عنه علوم آل محمد ، وأخذ هو والإمام المؤيد بالله والإمام أبو طالب عن الإمام الهادي عماد الإسلام ناشر علوم آبائه الكرام في الجيل والديلم وسائر جهات العجم يحيى بن الإمام المرتضى لدين الله محمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم ، وأخذ يحيى بن المرتضى عن عمه الناصر عن والده الهادي إلى الحق ، وهذه إحدى الطرق عن الهادي.

والثانية عن الإمام المرتضى عن أبيه يرويها الإمام أحمد بن سليمان بسنده إلى المرتضى.

والثالثة يرويها أبو العباس الحسني عن السيد الإمام المعمر المعاصر للهادي والناصر الراوي عنهما علي بن العباس بن إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط عليهم‌السلام ، عن الإمام الهادي إلى الحق.

وكثيرا ما يروي المؤيد بالله عن أبي العباس ، وهو شيخ المؤيد بالله وأخيه الناطق بالحق ، وقد يطلق أنه خال الإمامين ، ولعله من الأم أو الرضاعة ، فإن أمهما من ولد الحسين وهو حسني.

توفي عليه‌السلام سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة.

ونظرا لأهمية الكتاب فقد تهيأ طبعه ليعم نفعه إن شاء الله تعالى ، وقد أذنت للولد العلامة الأوحد فخر الدين والإسلام عبد الله بن عبد الله بن أحمد الحوثي ـ حرسه الله تعالى وتولاه ـ بدراسة وتحقيق الكتاب ، كما أجزته أن يرويه عني وجميع ما صح له عني من مروياتنا ومؤلفاتنا حسب ما حررته في الجامعة المهمة ولوامع الأنوار وشرح الزلف من رواية ودراية.

٨

وقد جمعت بحمد الله في كتاب التحف شرح الزلف من الأئمة ، وتحقيق أنسابهم ، واستكمال عدد القائمين من أهل البيت في الحرمين ، والعراق ، واليمن ، والجيل ، والديلم ، وسائر أقطار الأرض ، ولمعا من أخبارهم ، وطرفا من كراماتهم ، ومؤلفاتهم ، وأولادهم ، وأعيان علماء الأمة ، ما لا يوجد في غيرها من الكتب المطولات والمختصرات ، وقد قصدنا التقرب إلى الله بتحصيل الممكن من الفوائد المهمة ، وبيان أحوال هؤلاء الأئمة ، والقيام ببعض واجب حقوقهم ، والانتفاع لمن وقف عليها من صالح المؤمنين كثر الله سوادهم ، وقد وقع التثبت والتحري وإمعان النظر في تدريج الأسماء الشريفة ، وأخذها من كتب أهل البيت الصحيحة.

لا معرفة للعلم وأبوابه إلا بالكشف عن حملته وأربابه

واعلم أيها الأخ وفقنا الله ، وإياك أنه قد تساهل أهل هذا العصر ، واغفلوا البحث والنظر ، ولم يعلموا أنه لا معرفة للعلم وأبوابه إلا بالكشف عن حملته وأربابه ، وأنه لو لا معرفة الآثار التي أنفق فيها العلماء الأعلام نفائس الأعمار لما تميز لنا الموحد من الملحد ، ولا الصادق من الكاذب ، ولما عرف حملة السنة الشريفة رفع الله أحكامها ، وأنار أعلامها ، ولانسدت على المكلف أبواب دينه التي كلفه الله معرفتها ، والعلم دين فانظروا من تأخذون دينكم عنه ، فلأجل هذا وجب البحث ، ولا يكفيك أن تعرف مثلا الباقر والصادق ، وزيد بن علي ، والهادي ، والناصر ، والأئمة الأربعة وأمثالهم الذين عرفانهم كالشمس ، لا شك فيه ولا لبس فيه ، بل لا بد من معرفة سائر الأئمة والمقتصدين ، والمتحملين للعلم ، والبحث عن إجماعاتهم لا تباع سبيلهم ، وسلوك نهجهم ، ومعرفة أرباب العدالة ، وضدها من النقلة ، سواء كنت ترى سلب الأهلية أو مظنة التهمة.

فإن قلت كما قال الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى : الإرسال أسقطه ، وإنكار قبولهم إياه سفسطة؟

٩

قيل له : ذاك فيما كان مرسلا ، لكن لا بد من معرفة المرسل ، وحفظه وثقته ، وكونه لا يرسل إلا عن عدل ، مع اتفاق المذهب في العدالة ، ولا طريق لمن جهل هذا الفن إلى ذلك ، ولا إلى معرفة نزول الأحكام ، وأسباب النزول ، وما يتعلق بهما من التمييز بين الناسخ والمنسوخ ، والخاص والعام ، وغير ذلك من طرق الأحكام ، فلم يكن أكثر الخلاف في الاجتهاديات إلا لهذا.

وقد تكلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام في أحوال الروايات ، والرواة ، بما يرشد الأمة إلى سبيل النجاة.

أما الإرسال فمذهب أهل البيت ومن تابعهم أنه إذا صح لهم الحديث ووثقوا بطرقه أرسلوه في كثير من الروايات في المؤلفات المختصرات.

قال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة في سياق المراسيل بعد أن فصل أقسام الخبر : فمذهبنا أن ذلك يجوز ، ولا نعلم خلافا بين العترة عليهم‌السلام ، ومن قال بقولهم ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وأصحابه ، ومالك ، والمتكلمين ، بلا خلاف في ذلك بين من ذكرنا ، إلا ما يحكي عن عيسى بن أبان ، فإنه قال : تقبل مراسيل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ، ومن نزل عن درجتهم لم تقبل مراسيله إلا أن يكون إماما إلى أن قال : وخالف في ذلك الذين يتسمون بأصحاب الحديث ، والظاهرية ، وقد نسب ذلك إلى الشافعي ، وتعليله هذه المقالة يقضي بأنه يجوز قبول المراسيل ، لكن لا على الإطلاق.

قال عليه‌السلام : الدليل على صحة ما ذهبنا إليه أن العلة التي أوجبت قبول مسند الراوي هي قائمة في مرسله ، وهي العدالة والضبط ، إلى أن قال : والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه أن الصحابة اتفقوا على العمل بالمراسيل اتفاقهم على العمل بالمسانيد.

قلت : وهذه حجة لازمة بينه وقائمة ، قال السيد العلامة البدر محمد ابن إسماعيل الأمير ، المتوفى سنة اثنين وثمانين ومائة وألف ، صاحب : سبل السّلام ، والروضة ، والعدة ، وغيرها ،

١٠

جوابا على السيوطي لما تكلم على رواية فيها الإرسال ما لفظه : قلت لا يضر ذلك فإنه من قسم المرسل الذي أجمع السلف على قبوله ، كما ذكر العلامة محمد بن إبراهيم الوزير ، عن العلامة الكبير محمد بن جرير ، وقال إنه إجماع السلف ، ولم يظهر الخلاف إلا بعد المائتين ، ذكر ذلك في شرح التحفة العلوية.

لا ثمرة لأي قول وعمل لا يقصد بهما مطابقة أوامر الله ونواهيه

واعلم أيها الأخ أمدنا الله وإياك بتأييده ، وبصرنا بألطافه وتسديده ، أن من تفكر في المبدأ والمعاد ، ونظر بعين التحقيق إلى ما تنتهي إليه أحوال العباد ، يعلم علما لا ريب فيه أنه لا طائل ولا ثمرة لأي قول وعمل لا يقصد بهما مطابقة أوامر الله ونواهيه ، وموافقة مراده من عباده ومراضيه ، وما يضطر إليه فله حكم الضرورة ، وذلك لأن المعلوم الذي لا يتردد فيه عاقل ، أنه لا بقاء لهذه الدار ، ولا لجميع ما فيها ولا قرار ، وإنما هي ظل زائل ، وسناد مائل ، وغرور حائل ، ولله القائل :

منافسة الفنى فيما يزول

على نقصان همته دليل

ومختار القليل أقل منه

وكل فوائد الدنيا قليل

فكيف وبعد ذلك دار غير هذا الدار :

تفنى اللذاذة ممن نال بغيته

من الحرام ويبقى الإثم والعار

تبقى مغبة سوء في عواقبها

لا خير في لذة من بعدها النار

ولن يعبر عنها معبر أبلغ مما عبر وحذر ربنا الذي أحاط بكل شيء علما ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) [لقمان : ٣٣] ولو لا ما أراد الله بها من إقامة حجته ، وإبانة حكمته لقضائه العدل وحكمه الفصل أن لا يثيب ولا يعاقب على مجرد العلم منه سبحانه ، وإنما يجازي جل وعلا على الأعمال بعد التمكين ، والاختيار ، والإعذار ، والإنذار ، قال تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فصلت : ٤٠].

١١

وقال تعالى : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً ، إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الدهر : ٢ ، ٣] ، (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها ، فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) [الشمس : ٧ ، ٨] ، (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد : ١٠] ولأجل هذا مثل لهم أمره تعالى بالابتلاء ، والاختبار ، وهو العليم الخبير ، قال تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك : ١ ، ٢] ، لو لا ما قضته الحكمة الربانية لكان إيجادها وجميع ما فيها والحال هذه عبثا ولعبا ، وعناء على أهلها وتعبا ، ولهذا قال جل سلطانه ، وتعالى عن كل شأن شأنه : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : ١١٥] ، فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ، لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) [الأنبياء : ١٦ ، ١٧] ، (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ، ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الدخان : ٣٨ ، ٣٩] ولكنه جل شأنه وعلا على كل سلطان سلطانه رتب عليها دارين دائمين ، لا زوال لهما ولا انقطاع ، ولا نفاذ لما فيهما ولا ارتفاع ، إما نعيما وملكا لا يبلى ، وإما عذابا وحميما (١) لا يفنى ، نعوذ برحمته من عذابه ، ونرجوه بمغفرته حسن ثوابه ، فيحق والله المعبود بكل عاقل أن يرتاد لنفسه طريق النجاة ، ويجتنب كل ما يقطعه عما أراده به مولاه ، وإذا نظر علم أن الضلال لم يكن في هذه الأمة ، والأمم الخالية إلا من طريق اتباع الهوى ، وهو الأصل في الإعراض عن الحق ، والركون إلى الدنيا ، ومجانبة الإنصاف ، ومطاوعة الكبراء ، والأسلاف ، قال الله تعالى لرسوله داود صلوات الله عليه : (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [ص : ٢٦] ، وقال تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص : ٥٠] ، (فَأَمَّا مَنْ طَغى ، وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا ، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى ، وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٣٧ ـ ٤١].

وقال جل اسمه : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا

__________________

(١) بالنصب على البدل من دارين ، وقد كان في الأصل بالرفع خبر مبتدأ محذوف.

١٢

يَخْرُصُونَ ، أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ، بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٠ ـ ٢٢].

واعلم أن الله جل جلاله لم يرتض لعباده كما علمت إلا دينا قويما ، وصراطا مستقيما ، وسبيلا واحدا وطريقا قاسطا ، وكفى بقوله عزوجل : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام : ١٥٣] ، ونهى أشد النهي عن التفرق بهذه الآية ، وأمثالها من الكتاب العزيز ، وعن القول عليه سبحانه بغير علم ، والجدال بالباطل ، قال ذو الجلال : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى : ١٣].

افتراق الأمة

هذا وقد وقع علم قطعا وقوع الافتراق في الدين ، وأحاديث افتراق الأمة يصدقها الواقع ، وقد قال تعالى : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) [هود : ١١٨ ، ١١٩] قال نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليهم في تفسيره : قال الله : (مُخْتَلِفِينَ) لأن الاختلاف لا يزال أبدا بين المحقين والمبطلين ، وهو حبر من الله تعالى عما يكون ، وأنهم لن يزالوا مختلفين فيما يستأنفون ، فالاختلاف منهم وفيهم ، ولذلك نسبه الله إليهم.

وقوله : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) : يريد المؤمنين فإنهم في دينهم متآلفون غير مختلفين ، وقوله تبارك وتعالى : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) يقول سبحانه : للمكنة مما يجب به الثواب والعقاب من السيئة والحسنة ، ولو لا خلقه لهم كذلك وعلى ما فطرهم من ذلك لما اختلفوا في شيء ، ولما نزل عليهم أمر ولا نهي ، ولما كان فيهم مسيء ، ولا محسن ، ولا كافر ، ولا مؤمن ... إلخ.

وكلام حفيده الهادي إلى الحق مثل كلامه عليهما‌السلام ، وبمعنى ما ذكراه فسر الآية صاحب الكشاف ، وقد قابلت عباراته في تفسيره للآيات فوجدته كثير الملاءمة لكلام من سبقه من الأئمة عليهم‌السلام ، لا سيما في تخريج الآيات القرآنية على المعاني البيانية ، وأصل ذلك أنه

١٣

معتمد على تفسير الحاكم الجشمي التهذيب ، وطريقة الحاكم رضي الله عنه في الاقتداء بمنارهم ، والاهتداء بأنوارهم معلومة ، وهذا عارض.

قد خاض بعض أئمتنا المتأخرون وغيرهم في تعداد الفرق الثلاث والسبعين ، منهم : الإمام يحيى ، والإمام المهدي عليهما‌السلام ، والقرشي صاحب المنهاج ، وما أحسن ما قاله إمام التحقيق الإمام عز الدين بن الحسن عليه‌السلام في المعراج ما نصه : أقول وبالله التوفيق : أما تعيين الثلاث والسبعين فمما لا ينبغي أن يحاوله أحد منا إلا بتوقيف ، فإنه لا يمكن القطع به وبت الاعتقاد. إلى قوله ، وأما معرفة الفرقة الناجية فالطريق إليها حاصلة إلى آخر كلامه.

وقد علمت أن دين الله لا يكون تابعا للأهواء : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [المؤمنين : ٧١] ، (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [يونس : ٣٢] ، (شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) [الشورى : ٢١] ، نعم وقد صار كل فريق يدعي أن الحق معه ، والنجاة لمن اتبعه :

وكل يدعي وصلا لليلى

وليلى لا تقر لهم بوصل

إلا أن نابغة ممن لا مبالاة عندهم بالدين ، ومخالفة العقل ، والكتاب المبين ، ذهبوا إلى تصويب جميع الناظرين ، وأغلب هذه الفئة ليس لها مأرب إلا مساعدة أهل السياسة ، والتأليف للمفترقين ، ولقد جمعوا بين الضلالات ، وقالوا بجميع الجهالات ، أما علموا أن الله سبحانه أحكم الحاكمين ، وأنه يحكم لا معقب لحكمه ، وأنه لا هوادة عنده لأحد من خلقه ، وأنها لا تزيد طاعتهم واجتماعهم في ملكه ، ولا ينقص تفرقهم وعصيانهم من سلطانه : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر : ١٥] ، وقد خاطب سيد رسله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلم بقوله عزوجل : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ، وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) [هود : ١١٢ ، ١١٣] مع أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله سلم ومن معه من أهل بدر ، فتدبر واعتبر إن كنت من ذوي الاعتبار ، فإذا أحطت علما بذلك ، وعقلت عن الله وعن رسوله ما ألزمك في تلك المسالك ، علمت أنه يتحتم عليك عرفان الحق واتباعه ، وموالاة أهله والكون معهم ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة : ١١٩] ، ومفارقة الباطل وأتباعه ، ومباينتهم (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ

١٤

مِنْهُمْ) [المائدة : ٥١] ، (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة : ٢٢] ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) [الممتحنة : ١] في آيات تتلى ، وأخبار تملى ، ولن تتمكن من معرفة الحق ، وأهله إلا بالاعتماد على حجج الله الواضحة ، وبراهينه البينة اللائحة ، التي هدي الخلق بها إلى الحق ، غير معرج على هوى ولا ملتفت إلى جدال ، ولا مراء ، ولا مبال بمذهب ولا محام عن منصب ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [النساء : ١٣٥] ، وقد سمعت الله ينعي على المتخذين أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، وما حكى من تبري بعضهم من بعض ، ولعن بعضهم بعضا ، وتقطع الأسباب عندهم رؤية العذاب ، ولا يروعنك احتدام الباطل وكثرة أهله ، ولا يوحشنك اهتضام الحق وقلة حزبه ، فإن ربك جلّ شأنه يقول : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف : ١٠٣] ، (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ : ١٣] ، (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الأنعام : ١١٦].

واعلم ـ كما أسلفت لك ـ أن الدعاوى مشتركة بين جميع الفرق ، وكلهم يدعي أنه أولى بالحق ، وأن سادته وكبراءه أولو الطاعة ، وأهل السنة ، والجماعة ، ومن المعلوم أنه لا يقبل قول إلا ببرهان كما وضح به البيان من أدلة الألباب ، ومحكم السنة والكتاب.

وقد علم الله تعالى وهو بكل شيء عليم أنا لم نبن ما أمرنا كله إلا على الإنصاف ، والتسليم لحكم الرب الجليل ، بمقتضى الدليل : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ) [الروم : ٣٠].

وأقول : قسما بالله العلي الكبير ، قسما يعلم صدقه العليم الخبير ألا غرض ولا هوى لنا غير النزول عند حكم الله ، والوقوف على مقتضى أمره ، وأنا لو علمنا الحق في جانب أقصى الخلق من عربي أو عجمي أو قرشي أو حبشي لقبلناه منه ، وتقبلناه عنه ، ولما أنفنا من اتباعه ، ولكنا من أعوانه عليه وأتباعه ، فليقل الناظر ما شاء ولا يراقب إلا ربه ، ولا يخشى إلا ذنبه فالحكم الله والموعد القيامة ، وإلى الله ترجع الأمور.

١٥

الفرقة الناجية

هذا وأنت أيها الناظر لدينه الناصح لنفسه ، الباحث في كتاب ربه وسنة نبيه ، إذا أخلصت النظر في الدليل ، ومحضت الفكر لمعرفة السبيل ، واقتفيت حجج الله وبيناته ، واهتديت بهدى الله ونير آياته ، علمت انها لم تقم الشهادة العادلة من كتاب رب العالمين ، وسنة الرسول الأمين ، بإجماع جميع المختلفين ، لطائفة على التعيين ، ولا لفرقة معلومة من المسلمين إلا لأهل بيت رسول الله ، وعترته وورثته صلوات الله عليه ، فقد علم في حقهم ما وضحت به الحجة على ذوي الأبصار ، واشتهر اشتهار الشمس رابعة النهار ، وامتلأت به دواوين الإسلام ، وشهد به الخاص والعام من الأنام ونطقت به ألسنة المعاندين ، وأخرج الله به الحق من أفواه الجاحدين ، لإقامة حجته ، وإبانة محجته ، على كافة بريته : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال : ٤٢].

ونشير بإعانة الله وتسديده إلى طرف يسير ، مما سطع من ذلك الفلق النوار ، واللج الزخار على سبيل الاختصار ، مع تضمن ذلك المقصد الأهم حل الأسئلة الواردة على الاستدلال بخصوص آية التطهير ، وبعموم إجماع آل محمد عليهم الصلاة والسّلام ، وبعضها نذكره وإن كان قد أجيب عنه ، كالذي قد تكلم فيه الإمام الناصر الأخير عبد الله بن الحسن في الأنموذج الخطير ، إما لبعد الجواب عن الانتوال ، أو لزيادة التقرير في كشف الإشكال ، واعلم أن الوارد فيهم صلوات الله عليهم لا نفي بحصره ، ولا نحيط بذكره ، وقد قال الإمام عز الدين بن الحسن في المعراج ناقلا عن الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه‌السلام ما لفظه : قال عليه‌السلام : وأعدل الشهادات شهادة الخصم لخصمه ، إذ هي لا حقة بالإقرار الذي لا ينسخه تعقب إنكاره ، وقد أكثرت الشيعة في رواياتها بالأسانيد الصحيحة إلى حد لم يدخل تحت إمكاننا حصره في وقتنا هذا إلا أنه الجم الغفير.

إلى أن قال : وتركنا ما ترويه الشيعة بطرقها الصحيحة التي لا يمكن عالما نقضها إلا بما يقدح في أصول الإسلام الشريف ، وكذلك ما اختص آباؤنا عليهم‌السلام. إلى أن قال بعد ذكر لبعض كتب العامة : وفصول ما تناولته هذه الكتب مما يختص بالعترة الطاهرة خمسة وأربعون فصلا ، تشتمل على تسعمائة وعشرين حديثا ، منها من مسند أحمد بن حنبل مائة وأربعة

١٦

وتسعون حديثا ، ومن صحيح البخاري تسعة وسبعون حديثا ، ومن صحيح مسلم خمسة وتسعون حديثا ، ثم ساق ذلك حتى تم عليه‌السلام.

قلت : ولله السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير حيث يقول :

والقوم والقرآن فاعرف قدرهم

ثقلان للثقلين نص محمد

ولهم فضائل لست أحصي عدها

من رام عد الشهب لم تتعدد

هذا فأقول وبالله التوفيق : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي» ، الخبر المتواتر المروي في كتب الإسلام عن بضع وعشرين صحابيا ، منهم : أمير المؤمنين ، وأبو ذر ، وجابر ، وحذيفة ، وزيد بن أرقم ، وأبو رافع ، وهو بلفظ عترتي ، وبلفظ أهل بيتي ، مجمع على روايته ، وقد أخرجه أحمد ، ومسلم في صحيحه ، وأبو داود ، وعبد بن حميد ، وغيرهم بلفظ «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثا» (١) ، وقد حاول البعض معارضة هذا الخبر بما روي مرسلا في الموطأ (٢) ، وفي المستدرك (٣) ، من طريق

__________________

(١) روي بألفاظ متقاربة ، فممن أخرجه الإمام زيد بن علي عليهما‌السلام في المجموع ص (٤٠٤) ، والإمام علي بن موسى الرضى في الصحيفة (٤٦٤) ، والدولابي في الذرية الطاهرة ص (١٦٦) رقم (٢٢٨) ، والبزار ٣ / ٨٩ رقم (٨٦٤) عن علي عليه‌السلام ، وأخرجه مسلم ١٥ / ١٧٩ ، والترمذي ٥ / ٦٢٢ رقم (٣٧٨٨) ، وابن خزيمة ٤ / ٦٢ رقم (٢٣٥٧) ، والطحاوي في مشكل الآثار ٤ / ٣٦٨ ـ ٣٦٩ ، وابن أبي شيبة في المصنف ٧ / ٤١٨ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٥ / ٣٦٩ (تهذيبه) ، والطبري في ذخائر العقبى ١٦ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٧ / ٣٠ ، والطبراني في الكبير ٥ / ١٦٦ ، رقم (٤٨٦٩) ، والنسائي في الخصائص ١٥٠ رقم (٢٧٦) ، الدارمي ٢ / ٤٣١ ، وابن المغازلي الشافعي في المناقب ٢٣٤ ، ٢٣٦ ، وأحمد في المسند ٤ / ٣٦٧ ، وابن الأثير في أسد الغابة ٢ / ١٢ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ١٤٨ ، وصححه وأقره الذهبي ، عن زيد بن أرقم ، وأخرج عبد بن حميد ١٠٧ ـ ١٠٨ (المنتخب) ، وأحمد ٥ / ١٨٢ ، ١٨٩ ، الطبراني في الكبير ٥ / ١٦٦ ، وأورده السيوطي في الجامع الصغير ١٥٧ ، رقم (٢٦٣١) ، ورمز له بالتحسين ، وهو في كنز العمال ١ / ١٨٦ رقم ٩٤٥ ، وعزاه إلى ابن حميد وابن الأنباري عن زيد بن ثابت. وأخرجه أبو يعلى في المسند ٢ / ١٩٧ ، ٣٧٦ ، وابن أبي شيبة في المصنف ٧ / ١٧٧ ، والطبراني في الصغير ١ / ١٣١ ، ١٣٥ ، ٢٢٦ ، وأحمد في المسند ٣ / ١٧ ، ٦ / ٢٦ ، وهو في كنز العمال ١ / ١٨٥ ، رقم ٩٤٣ ، وعزاه إلى البارودي ورقم ٩٤٤ ، وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن سعد ، وأبو يعلى ، عن أبي سعيد الخدري ، وأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٨ / ٤٤٢ ، وهو في الكنز ١ / ١٨٩ ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير عن حذيفة بن أسيد ، وأخرجه الترمذي في السنن ٥ / ٦٢١ رقم ٣٧٨٦ ، وذكره في كنز العمال ١ / ١١٧ رقم (٩٥١) ، وعزاه إلى ابن أبي شيبة ، والخطيب في المتفق والمفترق ، عن جابر بن عبد الله. ومصادر أخرى عديدة يجدها الباحث في كتابنا (لوامع الأنوار) المتداول.

(٢) الموطأ ٢ / ٨٩٩.

(٣) المستدرك : ١ / ٩٣.

١٧

واحدة عن أبي هريرة بلفظ «وسنتي» مع أنه في المستدرك نفسه بلفظ : وعترتي من ثلاث طرق ، وعلى فرض ثبوت هذه الرواية الشاذة فلا معارضة ، فالكتاب والسنة مؤداهما واحد ، ولذا اكتفى بذكر الكتاب والعترة في الخبر المتواتر فكيف يعرضون عنه : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) [النساء : ٥٤].

وإلى آية الولاية وهي قوله عزوجل : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) [المائدة : ٥٥] أجمع آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على نزولها في الوصي عليه‌السلام ، قال الإمام الأعظم الهادي إلى الحق الأقوم عليه‌السلام في الأحكام (١) في سياق الآية : فكان ذلك أمير المؤمنين دون جميع المسلمين ، وقال الإمام أبو طالب عليه‌السلام في زيادات شرح الأصول : ومنها النقل المتواتر القاطع للعذر أن الآية نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وقال الإمام أحمد بن سليمان عليه‌السلام : ولم يختلف الصحابة والتابعون أنه المراد بهذه الآية. وحكى الإمام المنصور بالله عليه‌السلام إجماع أهل النقل على أن المراد بها الوصي ، وحكى إجماع أهل البيت على ذلك الإمام الحسن بن بدر الدين ، والأمير الحسين ، والأمير صلاح بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين ، والإمام القاسم بن محمد عليهم‌السلام وغيرهم كثير.

وروى ذلك الإمام المرشد بالله عليه‌السلام عن ابن عباس من أربع طرق ، وأتى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل بطرق كثيرة في ذلك ، منها : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وابن عباس ، وعمار بن ياسر ، وأبي ذر ، وجابر بن عبد الله ، والمقداد بن الأسود ، وأنس بن مالك ، ومن التابعين : محمد بن علي ، وأبي جعفر الباقر ، وعطاء بن السائب ، وعبد الملك بن جريج ، ومن الرواة في نزولها فيه عليه‌السلام : أبو علي الصفار ، والكنجي ، وأبو الحسن علي بن محمد المغازلي الشافعي ، وأبو إسحاق أحمد رزين العبدري ، والنسائي ، وحكى السيوطي أن الخطيب

__________________

(١) الأحكام ١ / ٣٧.

١٨

أخرج ذلك في المتفق والمفترق عن ابن عباس ، وعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن مردويه ، وابن جرير ، وأبو الشيخ عنه.

وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عمار ، وأخرجه الشيخ ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن سلمة بن كهيل ، وابن جرير عن مجاهد ، وأخرجه أيضا عن عتيبة بن أبي حكيم والسدي ، وأخرج الطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في المعرفة ، عن أبي رافع ، وتكلم صاحب الكشاف ، وغيره على وجه الجمع مع أن المراد الفرد ، وذكر الرواية في نزولها فيه ، وكذلك الرازي في مفاتيح الغيب ، وأبو السعود في تفسيره ، وعلى الجملة الأمر كما قال الأمير الحسين بن محمد عليهما‌السلام : إجماع أهل النقل على أن المراد بها علي عليه‌السلام إلا من لا يعتد به. انتهى.

قال الإمام المنصور بالله عليه‌السلام في الرسالة النافعة بعد أن ساق الروايات من كتب العامة : وتنكبنا روايات الشيعة على اتساع نطاقها ، وثبوت ساقها ، ليعلم المستبصر أن دليل الحق واضح المنهاج ، مضيء السراج. انتهى.

ولله القائل :

يا من بخاتمه تصدق راكعا

إني رجوتك في القيامة شافعا

هذا والمنزل فيه وفي أهل بيت الرسول صلوات الله عليه وعليهم أكثر من أن يحصر ، فإنهم مهبط الوحي ، ومختلف الملائكة ، ولله القائل :

وبيت تقاصر عنه البيوت

طال سناء على الفرقد

تبيت الملائكة من حوله

ويصبح للوحي دار الندي

فبحق قول ابن عمه حبر الأمة ، وترجمان القرآن : عبد الله بن العباس رضي الله عنهم : أنزلت في علي ثلاثمائة آية.

وقوله أيضا : ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي كرم الله وجهه. وقوله أيضا :

١٩

ما أنزل الله يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي أميرها وشريفها ، وكل ذلك ثابت بأسانيده بحمد الله تعالى.

وإلى خبر الغدير الذي خطب به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع بمشهد الجمع الكثير ، والجم الغفير ، وفي ذلك اليوم الذي أنزل الله تعالى فيه على الأصح (١) : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة : ٣].

قال إمام اليمن يحيى بن الحسين عليه‌السلام في الأحكام : وفيه أنزل الله على رسوله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] ، إلى أن قال : فنزل تحت الدوحة مكانه وجمع الناس ثم قال : «يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله. فقال : اللهم اشهد ، ثم قال : اللهم اشهد ، ثم قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، واخذل من خذله ، وانصر من نصره». انتهى (٢).

وقد خطب الحجيج صلوات الله عليه وآله بخطبة كبرى روى كل منها ما حفظ.

قال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه‌السلام : هذا الخبر قد بلغ حد التواتر ، وليس لخبر من الأخبار ماله من كثرة الطرق ، وطرقه مائة وخمس طرق.

وقال السيد جمال الدين الهادي بن إبراهيم الوزير : من أنكر خبر الغدير فقد أنكر ما علم من الدين ضرورة ؛ لأن العلم به كالعلم بمكة وشبهها ، فالمنكر سوفسطائي. وقال السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير : إن حديث الغدير يروى بمائة طريق وثلاث وخمسين طريقا. انتهى.

__________________

(١) إشارة إلى ما رواه البخاري وغيره أن الآية نزلت يوم عرفة ، وهو محمول إن صح على تكرار النزول ، كما قالوا بذلك في كثير من الآي ، وقلنا إن صح بنا على ما هو الحق عند أرباب التحقيق والإنصاف من أن في الصحيحين الصحيح وغير الصحيح كغيرهما كما قرر ذلك الدار قطني فيما انتقده ، وابن حجر في هدي الساري ، خلافا لما عليه الكثير من المقلدين والمتعصبين ، ولسنا بصدد مجادلتهم.

(٢) الأحكام : ١ / ٣٧ ـ ٣٨.

٢٠