المصابيح

الإمام أبو العباس الحسني

المصابيح

المؤلف:

الإمام أبو العباس الحسني


المحقق: عبدالله بن عبدالله بن أحمد الحوثي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٢

ثم إن سليمان بن الجنيد الطحاوي الصيقل (١) عمل في خلاص الحسن بعد وفاة أبي جعفر من السجن ، وقد كان الحسن دفع إلى سليمان ابنه وابنته فسماهما بغير اسميهما ورباهما ، وكان اسم ابنه عبد الله ، «واسم» (٢) ابنته خديجة ، فلما أفضت الخلافة إلى الملقب بالمهدي أطلق كل من كان في حبوسه غير الحسن ورجل من آل مروان ، وقال سليمان للحسن : قد كنت أظن أنك ستطلق ، فما أرى القوم مخرجوك (٣) ما دمت حيا ، ولو كان ذلك في أنفسهم لأخرجوك مع من قد أخرجوا ، فهل لك «في» (٤) أن أعمل (٥) في إخراجك فتخلص إن قدرت على ذلك؟ قال : على اسم الله.

قال سليمان : فأتيت يعقوب بن داود فشاورته في ذلك فقال لي : اعمل ، فإنها فرصة يمكن فيها العمل.

قال : فخرجت إلى أصحابي الزيدية فيهم أبو الحوراء ، وكان فاضلا وصاح بالمهدي يوما وهو يخطب : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) [الصف : ٢ ، ٣].

فأمر به فأدخل عليه ، فقال : ما حملك على ما جاء منك؟

قال له : قول الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) [آل عمران : ١٨٧] فاتق الله.

قال : ويلك من أنت؟

__________________

(١) في (ب ، ج) : سليمان بن الجنيد الطحاوي.

(٢) ساقط في (ب ، ج).

(٣) في (ب ، ج) : ليخرجوك.

(٤) ساقط في (ب ، ج).

(٥) نهاية الصفحة [٢٦١ ـ أ].

٤٦١

قال : رجل من المسلمين أمرتك بمعروف فاعرفه ، ونهيتك عن منكر فأنكره.

قال : فضربه بعمود كان معه حتى غشي عليه عامة النهار ، ودفعه إلى الربيع ، وهؤلاء الذين كانوا من الزيدية ، فقال لهم سليمان (١) : كونوا على عدة ، فإني أريد أن أنقب على هذا الرجل.

فأجابوه بأجمعهم ، واحتالوا حتى نقبوا المطبق وانفتح الحصن ، وخرج الحسن وعليه كساء أسود ، وقد ضرب شعره منكبيه ، وكان علاجهم في النقب نصف النهار لما أراد الله من إطلاقه وتسهيل أمره ، فبعث موسى بن زياد في «استئجار» (٢) حمار ، فأبطأ فأقبلت أنا والحسن نمشي ويتعقل (٣) لا يستطيع المشي ، والناس يستحثونه ، فقال : لست أقدر على الخطو.

فقالوا : أجهد نفسك واحمل عليها ، ففعل ، فلما انتهوا إلى قريب من الجسر أتي بحمارين فركب ومن معه ، ومضيا جميعا حتى (٤) دخل إلى منزل كان في خان الشاهين (٥) ، فنزل وأتي بابنه عبد الله وهو لا يعرفه ، فسلم عليه واعتنقا جميعا يبكيان وسليمان يبكي ، ثم تحمّل بعد إلى الحجاز ، فأقام بها على أمان المهدي ؛ حتى هلك عليه‌السلام (٦).

__________________

(١) أي سلمان بن الجنيد ، وانظر تفاصيل أوفى عن ذلك في (الطبري (٦ / ٣٥٣) ، ابن الأثير (٥ / ٥١).

(٢) ورد في الأصل : كرى ، واللفظ غريب قريب للعامية.

(٣) يتعقل في مشيه أي يبطئ من مشيه نتيجة للوهن والإعياء الذي قد أصابه حين سجن ظلما.

(٤) نهاية الصفحة [٢٦٢ ـ أ].

(٥) خان الشاهين : أحد حارات بغداد في ذلك الوقت. وكلمة الخان كلمة أعجمية في الأصل ، وتطلق على المنازل التي يسكنها التجار.

(٦) انظر تفاصيل أوفى عن ذلك في تاريخ الطبري (٦ / ٣٥٣) ، ابن الأثير (٥ / ٥١) ، وكتب التاريخ المختصة بتلك الفترة.

٤٦٢

[(١٥) الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن (صاحب فخ)] (١)

(١٢٨ ـ ١٦٩ ه‍ / ٧٤٥ ـ ٧٨٥ م)

[إخباره (ص) بموضوع قتل الفخي]

[٢٩] أخبرنا أبو العباس الحسني رضي الله عنه بإسناده عن رجالة ، عن عبد الله بن نمير رفع الحديث إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انتهى إلى موضع فخ (٢) ، فنزل عن راحلته ، وأمر أصحابه فصفوا خلفه ، فصلى بهم صلاة الجنازة ، فسألوه عن ذلك ، فقال : «يقتل هاهنا رجل

__________________

(١) انظر : الطبري (٦ / ٤١٠ ـ ٤٢١) ، ابن الأثير (٥ / ٧٤ ـ ٧٦) ، مروج الذهب (٢ / ١٨٣ ـ ١٨٤) بن كثير (١٠ / ٤٠) ، المعارف (١٦٦) ، المحبر (٣٧) ، شرح شافية أبي فراس (١٦٩) ، مقاتل الطالبيين (٣٦٤ ـ ٣٦٥) ، (٣٦٦ ـ ٣٨٥) ، الحدائق الوردية (١ / ١٧٥ ـ ١٨١) ، التحف (١٠٨ ـ ١١٢) ، الإفادة في تاريخ الأمم والسادة (٩٢ ـ ٩٦) ، تاريخ اليعقوبي (٢ / ٤٨٨) ، الشافي (١ / ١ / ٢١٣ ـ ٢٢٠). أخبار فخ وخبر يحيى بن عبد الله دراسة وتحقيق د. ماهر جرار ص (١١ ، ١٨ ، ٣٥ ، ٤٢ ، ٤٧ ، ٥١ ، ٥٤ ، ٨٩ ، ٩١ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٠٥ ، ١٣١ ، ١٣٥ ، ١٣٨ ، ١٣٩ ، ١٤٢ ، ١٤٢ ، ١٤٥ ، ١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٥٤ ، ١٥٦ ، ٢١٢ ، ٢٤٠ ، ٢٧٣ ، ٢٨٠ ، ٢٨٥ ، ٢٨٧ ، ٢٩٥ ، ٢٩٨ ، ٢٩٩ ، ٣٠٠ ، ٣٢٢ ، ٣٢٣) ، الجامع الوجيز للجنداري (خ) ، الأعلام للزركلي (٢ / ٢٤٤) ، ابن خلدون (٣ / ٢١٥) ، الاستقصاء ، لأخبار دول المغرب الأقصى ، أحمد بن خالد الناصري السلاوي (١ / ١٨٩٧ م) ص (١ / ٦٦) ، الروض المعطار (٢٤٥ ، ٤٣٦ ـ ٤٣٧) ، معجم ما استعجم (٣ / ١١٠٥) ، صبح الأعشى (انظر الفهرس) ، خلاصة الوفاء (٣٩٦) ، بطل فخ الحسين بن علي عليه‌السلام أمير مكة وفاتحها ، محمد هادي الأميني ، النجف (١٩٦٩ م) ، أخبار صاحب فخ العكي بن ابراهيم بن محمد بن الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن علي عليه‌السلام ، الجواني ، (خروج صاحب فخ ومقتله) للجعفري. مطمح الآمال (تحت الطبع).

(٢) فخ : واد بمكة ، يعرف الآن بالزاهر.

٤٦٣

من أهل بيتي في عصبة من المؤمنين ، لم يسبقهم أهل بدر» (١).

[٣٠] أخبرنا (٢) أبو العباس الحسني بإسناده عن رجالة ـ روايتين ـ عن يعقوب بن نصر بن أوس (٣) قال : أكريت من جعفر بن محمد عليه‌السلام من المدينة إلى مكة ، فلما ارتحلنا من بطن مرّ (٤) ، قال لي : يا نصر ، إذا انتهينا إلى فخ فأعلمني ، قال : قلت : أوليس تعرفه؟ قال : بلى ، ولكني أخشى أن تغلبني عيني (٥).

قال : فلما انتهينا إلى فخ دنوت من المحمل ، فإذا هو نائم فتنحنحت ، فلم ينتبه ، فحركت المحمل فانتبه ، فجلس ، فقلت : قد بلغت ، فقال : حل محملي ، فحللته ، ثم قال : حل القطار ، قال : فنحيت به عن الجادة ، وأنخت بعيره ، فقال : ناولني الإدواة والركوة ، قال : فتوضأ للصلاة وأقبل ثم دعا ، ثم (٦) ركب ، فقلت : جعلت فداك رأيتك صنعت شيئا ، أفهو من المناسك (٧)؟

قال : لا ولكن «يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي ، «في عصابة» (٨) تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة» ، وذكر من فضلهم (٩).

__________________

(١) الحديث أخرجه علي بن الحسين الأصبهاني (٢٨٤ ـ ٣٥٦ ه‍) في مقاتل الطالبيين بسنده إلى الإمام زيد بن علي عليه‌السلام ولفظه : (انتهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى موضع فخ فصلى بأصحابه صلاة الجنازة ، ثم قال : «يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين ينزل لهم بأكفان وحنوط من الجنة تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة» ، كما أورد رواية أخرى بسنده عن أبي جعفر بن محمد بن علي عليه‌السلام ، انظر المقاتل ص (٣٦٦ ـ ٣٦٧).

(٢) السند في (ب) : أخبرنا أبو العباس الحسني عن يحيى بن الحسين العلوي صاحب الأنساب عن نصر» ، والصحيح يحيى بن الحسن بن جعفر الحجة بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسين النسابة يقال : إنه أول من جمع كتابا في نسب آل أبي طالب ، انظر : طبقات الزيدية (٢ / خ /) حرف الباء.

(٣) في مقاتل الطالبيين «النضر بن قرواش» وفي نسخ أخرى : نضر بن قرواش ، راجع المقاتل ص (٣٦٧) ، إتقان المقال في أحوال الرجال. ط النجف (١٣٤٠ ه‍). ص (٢٩٣).

(٤) موضع بينه وبين البيت ستة عشر ميلا ، انظر : معجم البلدان (٥ / ١٠٤ ـ ١٠٦) ، الروض المعطار (٥٣١ ـ ٥٣٢).

(٥) في (ب) : عيناي.

(٦) نهاية الصفحة [٢٦٣ ـ أ].

(٧) راجع مقاتل الطالبيين ص (٣٦٧) ، فقد أورد الرواية على ما هنا برواية أحمد بن محمد بن سعيد وعلي بن إبراهيم العلوي عن الحسين بن الحكم عن الحسن بن الحسين عن النضر بن قرواش. وفي إتقان المقال (ص ٢٣٩) نصر بن قرواش.

(٨) ساقط في (أ).

(٩) الخبر في مقاتل الطالبيين عن النضر بن قرواش رواية أولى ، وعن موسى بن عبد الله بن الحسن رواية ثانية ، مقاتل الطالبيين ص (٣٦٧) ، ولعل المراد بقول المؤلف : (وذكر من فضلهم) أي الإمام زيد بن علي بن الحسين ، لأنه روى الحديث ، قال في المقاتل : (وذكر من فضلهم أشياء لم تحفظه ريطة) أي ريطة بنت عبد الله بن محمد الحنفية أم الحسين بن زيد ، انظر : المقاتل ص (٣٦٦).

٤٦٤

[صفته وفضله]

[٣١] حدثنا (١) أبو العباس الحسني بإسناده عن أحمد بن عبيد بن سليمان الموصلي ، قال : حدثني أبي ، قال : كان علي بن الحسن بن الحسن أبو الحسين صاحب فخ مجتهدا ، حبس مع عمه عبد الله بن الحسن بن الحسن ، فكانوا في محبس لا يرون ضوءا ولا يسمعون نداء ، فلم تكن معرفتهم أوقات الصلاة إلّا بانقطاع تسبيح علي وقراءته فيما بين كل صلاتين ، فإنه كان فراغه (٢) منها عند وجوب كل صلاة.

فنشأ ابنه الحسين أحسن نشوء ، له فضل في نفسه وصلاح وسخاء وشجاعة ، فقدم على المهدي فرعى حرمته وحفظ قرابته ، ووهب له عشرين ألف دينار ، ففرقها ببغداد والكوفة على قرابته ومواليه ومحبيه (٣).

[خروجه من الكوفة وسفره إلى المدينة وبيعته]

وما خرج من الكوفة إلّا بقرض ، وما كسوته إلّا جبة عليه وإزار كان لفراشه (٤) ، ثم قدم المدينة وأقام بها حتى ولي موسى الهادي ، فأمّر على المدينة رجلا من ولد عمر بن الخطاب (٥) ، فأساء إلى الطالبيين وسامهم خسفا فاستأذنه فتى منهم في الخروج إلى موضع لبعض أمره ،

__________________

(١) السند في (ب) : «قال : حدثنا سليم بن الحسن البغدادي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن عبيد بن سليمان الموصلي ، قال : حدثني أبي قال : وساق الخبر.

(٢) في (ب) : فإنه قد كان فراغه.

(٣) انظر : مقاتل الطالبيين (٣٦٩ ـ ٣٧١) ، والحدائق الوردية (١ / ١٧٦).

(٤) انظر : تاريخ ابن الأثير (٥ / ٧٤ ـ ٧٦) ، المقاتل (٣٦٨ ـ ٣٦٩).

(٥) هو عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، انظر : مقاتل الطالبيين (٣٧٢) ، تاريخ الطبري (١٠ / ٢٤) ، ابن الأثير (٦ / ٣٢) ، وكان يعرف بحبتي ماء ، سمي بذلك لأنه حين وقعت المناوشات بينه وبين أصحاب الإمام الحسين في المسجد ، ذعر وفزع وقال : أغلقوا البغلة يعني الباب وأطعموني حبتي ماء ، انظر مقاتل الطالبيين ص (٣٧٥) والشافي (١ / ٢١٣).

٤٦٥

فأجله أجلا وأخذ به كفالة الحسين بن علي ، فلما مضى الأجل طالبه به فسأله النظرة فأبى ، وغلظ عليه ، وأمر بحبسه وأسمعه (١) ، فلما أمسى قال : أؤجلك هذه الليلة وأخلي سبيلك وآخذ عليك يمينا مؤكدة لتأتينى به غدا ، فحلف له على ذلك ليأتينه حتى يلقاه ، وأضمر الخروج (٢) ، فلما أعتم خرج إلى البقيع ، وجمع أهله وأعلمهم بما عزم عليه ، فبايعوه.

قال أبو الحسن المدائنيّ : كان مخرج الحسين بن علي صاحب فخ يوم (٣) السبت لبضع عشرة من ذي القعدة (٤) ، سنة تسع وستين ومائة ، وكان رجلا سخيا متوسعا ، لا يكبر شيء تسأله (٥) إياه ، وكان يأتيه ناس كثير ، وكان (٦) يحمل على نفسه المؤن حتى أجحف ذلك به ، فصار إلى أن باع مواريثه في كل وجه كان له فيه شيء ، وكان (٧) له عين ذي النخيل ، وكان ذو النخيل منزلا ينزله من خرج من المدينة إلى العراق ، ومن قدم من العراق إلى المدينة من الحاج وغيرهم ، وكانوا يشربون من عين الحسين ، فتنافسها الناس وحرصوا عليها ، فكان حسين يدان عليها ، فلم ينزع عن الدين فيها حتى صار عليه سبعون ألف دينار ، وفي رواية أخرى تسعون ألف دينار ، وأمسك عنه عنده ، فلم يكن يبايع ، فبعث المعلّى (٨) مولى المهدي فاشتراها منه بسبعين (٩) ألف دينار ، وكان غرماؤه قد وعدوه الصلح والوضيعة ، فكتب صاحب البريد بمكة والمدينة ، فدعا المهدي بالمعلا فسأله عن العين وشرائه إياها ، فأقر له به.

فقال الربيع : يا أمير المؤمنين هذه قوة الحسين بن علي على الإفساد ، وهو من لا يؤمن على حدث يحدثه.

__________________

(١) أي شتمه ، وعنده نهاية الصفحة [٢٦٤ ـ أ].

(٢) انظر : مقاتل الطالبيين ص (٣٧٢) وما بعدها ، تاريخ الطبري (٦ / ٤١٠ ـ ٤٢١).

(٣) في (أ، ج ، د) : ليوم.

(٤) انظر الإفادة في تاريخ الأئمة السادة ص (٩٢) ، الحدائق الوردية (١ / ١٧٥ ـ ١٨١).

(٥) في (ب ، ج ، د) : يسأله.

(٦) في (أ، ب ، ج) : فكان.

(٧) في (د) : وكانت.

(٨) المعلى : هو مولى المهدي. انظر : الكامل لابن الأثير (٥ / ٦٨ ، ٢٢٨) ، الوزراء والكتاب (١٦٠).

(٩) في (أ، د) : بتسعين.

٤٦٦

فقال المهدي للمعلا (١) : لا تحدث فيها حدثا ، فدعا بشار البرقي فأتاه فأنفذه إلى الحسين ، فقدم به عليه ، فلما وصل إلى المهدي سأله عن أمر العين وشراء المعلّى إياها ، فأقر له به ، ولم يختلف قوله وقول المعلّى في أمرها.

وقال الحسين : يا أمير المؤمنين ، والله ما بقيت لي خضراء ولا عذق غيرها إلّا صدقات علي والحسن والحسين (٢) ، وإن عليّ الثمن الذي بعتها به (٣) ، ولو لا إلحاح الغرماء ما بعتها.

فقال له المهدي : أتدّان بسبعين ألف دينار ، أما تتقي الله قد أهلكت نفسك (٤).

فقال الحسين ـ وكان بليغا منطيقا : وما سبعون ألف دينار يا أمير المؤمنين وأنا ابن رسول الله وابن عم أمير المؤمنين وشريكه في نسبه وشرفه؟

فقال له المهدي : ردّ الله عليك عينك ، وقضى عنك دينك.

ثم أقبل على عمر بن بزيغ (٥) فقال : يا عمر ادفع إليه سبعين ألف دينار ، وأمره بالانصراف إلى منزله ، فلما خرج من عنده أقبل الربيع على (٦) المهدي فقال : أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تثير على المسلمين من قبل هذا شرا ، أما تسمع كلامه ، فمتى يملأ جوفه شيء ، والله لئن وصل إليه هذا المال ليثورن عليك به ، فرجع عن ذلك وأمر له بمعونة عشرين ألف درهم.

وبلغ الخبر حسينا فكتب به إلى صديق له بالكوفة من جعف (٧) وإلى أخيه الحسن (٨)

__________________

(١) نهاية الصفحة [٢٦٥ ـ أ].

(٢) في بعض النسخ : «إلّا صدقات علي والحسن بن الحسن».

(٣) من (أ) ، وبقية النسخ : «وأن علي فيها الثمن الذي بعتها به».

(٤) في (أ) : أما تتقي الله في نفسك قد أهلكت نفسك.

(٥) ورد الاسم في الأصل : عمر بن ربيع ، وهو تصحيف ، وهو مولى المهدي ، انظر : الوزراء والكتاب ، (الفهرس ص (٣٢٦).

(٦) في (ب) : إلى.

(٧) جعف : الجعفي بالضم والسكون وفاء مكسورة نسبة إلى مخلاف جعفى باليمن إلى قبيلة من مذحج.

(٨) هو الحسن بن علي بن الحسن عليه‌السلام ، وهو الحسن المكفوف. انظر : المجدي (٦٦ ـ ٦٧) ، الفخري (١١٥ ـ ١١٦) ، عمدة الطالب (١٥٠).

٤٦٧

وأهل بيته وعدة من غرمائه ووكلائه لما لم يتم ذلك البيع (١) ، وأعطاهم خمسة آلاف درهم صلة لهم يتحملون بها ، وعوضا من سفرهم (٢) ، فانصرفوا إلى المدينة.

قال : وأقام الحسين وكان ابن عمه علي بن العباس بن الحسن محبوسا عند المهدي ، وكان وجده ببغداد قد أوعد (٣) وبايع بها بشرا كثيرا ، فوعد المهدي حسينا أن يدفع ابن عمه إليه فأقام على وعده ، وتوفي المهدي والحسين بن علي مقيما ببغداد نازلا في دار محمد بن إبراهيم ، فلما جاء نعي المهدي وضع الربيع على الحسن الحرس والرّصد ، فلم يزل على ذلك حتى قدم أمير المؤمنين موسى من جرجان فذكر له الربيع حسينا ومكانه ، فدعا به فلما دخل إليه (٤) أذن له في الانصراف ، فكلمه في علي بن العباس ، فأمر بتخليته ، فشخص الحسين ولم يؤمر له بدرهم فما فوقه فقدم الكوفة (٥) ، فجاءه عدة من الشيعة في جماعة كثيرة ، فبايعوه ووعدوه الموسم للوثوب بأهل مكة ، وكتبوا بذلك إلى ثقاتهم بخراسان والجيل وسائر النواحي ، وقدم الحسين المدينة ومعه ابن عمه علي بن العباس ، وأمير المدينة عمر بن عبد العزيز العمري من ولد عمر بن الخطاب ، وكان إسحاق بن عيسى بن علي استخلفه على المدينة حين شخص إلى موسى ليعزيه عن المهدي.

[سخاءه (ع)]

[٣٢] «حدثنا أبو العباس الحسني قال : حدثنا أبو زيد العلوي» (٦) قال : حدثنا الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليه‌السلام عن أبيه قال : قال لي أبي : عوتب الحسين بن علي الفخي فيما

__________________

(١) نهاية الصفحة [٢٦٦ ـ أ].

(٢) في (ب ، ج) : وعوضهم من سفره.

(٣) في (أ) : وجده ببغداد إذا أوعد.

(٤) في (ب ، ج ، د) : عليه.

(٥) في (أ) : فقدم إلى الكوفة.

(٦) السند في (ب) : حدثنا عيسى بن محمد العلوي قال : حدثنا الحسين.

٤٦٨

يعطي ، وكان من أسخى الناس العرب والعجم (١) ، فقال : والله ما أظن أن لي فيما أعطي أجرا ، وذلك أن الله تعالى يقول : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران : ٩٢] وو الله ما هي عندي وهذا الحصى إلّا بمنزلة ، يعني الأموال (٢).

قال المدائني : وأخذ العمري (٣) الطالبيين بالعرض (٤) وضمّن بعضهم بعضا ، فضمن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي والحسين بن علي (٥) الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام فكانوا (٦) يعترضون عرضا دائما واشتد عليهم العمري.

فلما أفطر الناس من رمضان ألح عليهم إلحاحا شديدا بالعرض على ذلك حتى أهلّوا هلال ذي القعدة ، وقدم أوائل الحاج من المشاة وأصحاب الحمير ، فنزلوا بالبقيع ، وقدم عدة من الشيعة الكوفيين نحوا من تسعين (٧) رجلا فنزلوا على دار ابن أفلح بالبقيع ، فأقاموا بها أياما فأنكرهم بعض الناس ، ولقوا حسينا وغيره ، وبلغ (٨) ذلك العمري ، فأنكره وأمر بعرضهم غدوة وعشية ، وأن الحسن بن محمد غاب عن العرض يومين ، فلما انصرفوا من الجمعة دعا بهم (٩) للعرض ، فلما دخلوا المقصورة أمر بها فأغلقت عليهم ، فلم يخرج منهم أحد حتى صلوا العصر ثم عرضهم ، فلما دعا باسم حسن بن محمد فلم يحضر قال ليحيى بن عبد الله

__________________

(١) نهاية الصفحة [٢٦٧ ـ أ].

(٢) انظر : مقاتل الطالبيين (٣٦٨) ، وفيه برواية الحسن بن هذيل. وكذا تيسير المطالب (١١٥ ـ ١١٦).

(٣) والي المدينة آنذاك.

(٤) العرض : هو أسلوب اتخذه حكام بنو العباس وولاتهم ليتأكدوا من عدم غياب أحد من أهل بيت النبوة خوفا من ثوراتهم ، والعرض بمعنى الإثبات إلى الوالي أو الحاكم.

(٥) انظر مقاتل الطالبيين ص (٣٢٧).

(٦) في (أ) : وكانوا.

(٧) في (أ) : سبعين.

(٨) في (ب ، ج ، د) : فبلغ.

(٩) في (أ، د) : دعاهم.

٤٦٩

والحسين بن علي : لتأتياني به أو لأحبسنكما ، فإن له ثلاثة أيام لم يحضر العرض ، ولقد خرج أو تغيب ، فرادّاه بعض المرادة ، وكان الحسين أبقاهما في الرد عليه (١) وأما يحيى فإنه شتمه ، فخرج حتى دخل على العمري ، فأعطاه الخبر فدعا بهما العمري ، فوبّخهما (٢) وتهدّدهما ، فتضاحك الحسين في وجهه وقال : أنت مغضب يا أبا حفص؟

فقال (٣) له العمري : وتهزأ بي أيضا وتخاطبني بكنيتي؟

فقال له : قد تكنى من هو خير منك أبو بكر وعمر ، وكانا يكرهان أن يدعيا بالولاية ، وأنت تكره كنيتك وهي الكنية التي اختارها لك أبوك.

قال يحيى بن عبد الله لما بايعناه : خرجت على دابتي ركضا مسرعا حتى أتيت حدبا وهو على ميلين من المدينة وبها موسى بن جعفر ، وكان موسى شديد الغيرة ، فكان يأمر بإغلاق أبوابه والاستيثاق منها ، فدققت بابه فأطلت حتى أجبت ، وخبرت باسمي فأخبر الغلمان بعضهم بعضا من وراء الأبواب وهي مقفلة حتى فتحت وأذن لي ، فدخلت ، فقال : أي أخي في هذه الساعة؟!

قلت : نعم حتى متى لا يقام لله بحق وحتى متى نضطهد ونستذل؟

فقال : ما هذا الكلام!؟

قلت : خرج الحسين وبايعناه ، فاسترجع ، قلت : جعلت فداك في أمرنا هذا شيء؟ وانصرفت إلى الحسين ، فلما أصبح جاء إلى مسجد رسول الله فصلى بالناس الصبح ، وبلغ العمري خبره ، فزعم بعض أهل المدينة عنه أنه قال وقد نحب قلبه : أطعموني ماء واردموا البغلة بالباب وهرب (٤). وروي أنه حج من أهل واسط شيخ تلك السنة.

__________________

(١) نهاية الصفحة [٢٦٨ ـ أ].

(٢) في (ب ، ج ، د) : فقبحهما.

(٣) في (أ) : قال.

(٤) الحوار المشار إليه أورده أبو الفرج الأصفهاني في المقاتل ص (٣٧٢) وما بعدها ، وانظر تاريخ الطبري (٦ / ٤١٠) وما بعدها.

٤٧٠

[نماذج من كلامه]

قال : فلما قدمت المدينة (١) رأيت للناس حركة أنكرتها (٢) ، وأتيت مسجد رسول الله وهو غاص بالناس ، والحسين على المنبر يخطب ، وهو يقول : أيها الناس ، أنا ابن رسول الله على منبر رسول الله أدعوكم إلى سنة رسول الله (٣) فقلت قولا أسره : إنا لله وإنا إليه راجعون (٤) ، ما يصنع هذا الرجل بنفسه ، وبالقرب مني عجوز من عجائز أهل المدينة ، فنهرتني وقالت : تقول هذا لابن رسول الله! فقلت : يرحمك الله ، والله ما قلت هذا إلّا للإشفاق عليه (٥).

وروى النوفلي (٦) قال : حدثني محمد بن عباد البشري ؛ وكان رجلا من خزاعة ؛ فقال : صليت صلاة الصبح في مسجد رسول الله خلف الحسين ، فلما فرغ من صلاته (٧) صعد المنبر وقعد على مقعد رسول الله وعليه قميص أبيض وعمامة بيضاء قد سدلها من بين يديه ومن خلفه ، وسيفه مسلول قد وضعه بين رجليه ، وكان أهل الزيارة قد كثروا في ذلك العام ، وقد ملئوا المسجد ، فتكلم وقال في كلامه : أيها الناس ، أنا ابن رسول الله وعلى منبره ، أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه.

وفي غير هذه الرواية أنه قال في خطبته : أيها الناس ، أتطلبون آثار رسول الله في الحجر

__________________

(١) في (أ) : قدمت إلى المدينة.

(٢) نهاية الصفحة [٢٦٩ ـ أ].

(٣) في مقاتل الطالبيين : (أنا ابن رسول الله ، على منبر رسول الله ، وفي حرم رسول الله ، أدعوكم إلى سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، مقاتل الطالبيين (٣٧٦) ، وانظر تاريخ الطبري (٦ / ٤١٨) وفيه : فنظم حسين فحمد الله وأثنى عليه وخطب الناس فقال في آخر كلامه : (يا أيها الناس أنا ابن رسول الله في حرم رسول الله وفي مسجد رسول الله وعلى منبر رسول الله أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن لم أف لكم بذلك فلا بيعة لي في أعناقكم).

(٤) استشهادا بقوله تعالى : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) [البقرة : ١٥٦] ، وفي مقاتل الطالبيين : «وقلت في نفسي قولا أسره : إنا لله ما صنع هذا بنفسه». ص (٣٧٦).

(٥) انظر الخبر في مقاتل الطالبيين ص (٣٧٦) ، والطبري (٦ / ٤١٨).

(٦) النوفلي : هو علي بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن نوفل بن الحارث.

(٧) في (أ) : الصلاة.

٤٧١

والمدر والعود وتمسحون بذلك ، وتضيعون بضعة رسول الله (١).

[٣٣] أخبرنا أبو العباس الحسني قال : أخبرنا ابن عافية ، قال : حدثنا يحيى بن الحسين العلوي ، عن أحمد بن عثمان بن حكيم ، قال : حدثنا عمي دينار بن حكيم ، قال : رأيت الحسين بن علي صاحب فخ (٢) عليه‌السلام على منبر رسول الله يقول بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أيها الناس أنا ابن رسول الله في مسجد رسول الله على منبر رسول الله أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه والاستنفاذ مما تعلمون ، ومد بها صوته.

قال ابن عباد (٣) : وأقبل خالد البربري (٤) ، ـ وكان مسلحة للسلطان بالمدينة ـ في السلاح معه أصحابه حتى وافوا باب المسجد الذي يقال له : باب جبريل (٥) ، فنظرت إلى يحيى بن عبد الله قد قصده في يده السيف ، فأراد خالد أن ينزل فبادره يحيى بالسيف فضربه على جبينه وعليه البيضة والمغفر والقلنسوة ، فقطع ذلك كله حتى أطار قحف رأسه وسقط عن دابته ، وشد على أصحابه فتفرقوا ، وانهزموا (٦).

قال أبو الحسن النوفلي : قال أبي : وكان محمد بن سليمان بن علي خرج في ذلك العام حاجا ، وكان الطريق مخوفا فاستعد بالرجال والسلاح ، قال : وحج في ذلك العام العباس بن محمد وسليمان بن أبي جعفر وموسى بن عيسى وهو على الموسم وولاية مكة إليه ، وحج فيمن حج مبارك التركي ، فقصد المدينة ليبدأ بالزيارة ، ومعه جمع كثير (٧) ، فلما قرب من المدينة

__________________

(١) في مقاتل الطالبيين قال : وخطب الحسين بن علي بعد فراغه من الصلاة فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : «أنا ابن رسول الله وعلى منبر رسول الله وفي حرم رسول الله أدعوكم إلى سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أيها الناس أتطلبون آثار رسول الله في الحجر والعود وتتمسحون بذلك وتضيعون بضعة منه» ، مقاتل الطالبيين ص (٣٧٦) ، وتاريخ الطبري (٦ / ٤١٨).

(٢) نهاية الصفحة [٢٧٠ ـ أ].

(٣) أي محمد بن عباد البشري.

(٤) البربري : اسمه خالد ، هو القائم بأمر الصوافي والسلاح بالمدينة وقائد على مائتين من الجند المقيمين في المدينة آنذاك ، تاريخ الطبري (٦ / ٤١٢) ، مقاتل الطالبيين ص (٣٧٦).

(٥) من أبواب مسجد الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، انظر خلاصة الوفاء (٣٤٠ ـ ٣٤١) ، (٤٦).

(٦) أورد الأصبهاني صاحب كتاب (مقاتل الطالبيين) نفس هذه الرواية ، انظر : مقاتل الطالبيين (٣٧٦ ـ ٣٧٧). وانظر أيضا : تاريخ الطبري (٦ / ٤١٢ ـ ٤١٨) ، غاية الاختصار (٥٣).

(٧) في (ج) : كبير.

٤٧٢

دس إلى الحسين : أني والله ما أحب أن أبلى بك ، فابعث إلي جماعة من أصحابك ولو عشرة أناس يبيتون عسكري فإني انهزم ، وستر الرسالة إليه بذلك وأعطاه على قوله (١) عهودا ، فأرسل إليه نفرا (٢) فطوقوا عسكره وجعجعوا به وبأصحابه وصيحوا به ، فخرج هاربا وابتغى دليلا يعدل به عن المدينة حتى يصير بين مكة والمدينة ، فورد على موسى بن عيسى فاعتذر إليه في انهزامه بالبيات ، ثم اجتمعوا في عسكر واحد (٣).

[خروجه إلى مكة]

وتهيأ الحسين في من بايعه ، ودفع مالا إلى مولى لآل الحسين (٤) يقال له يوسف ، وكانت جدته مولاة فاطمة بنت الحسين ، فأمره أن يكتري له ولأصحابه وهو يريد في تقديره أن يسبق الجيوش إلى مكة ، فأقام أياما ويوسف يخبره أن قد اكترى له ، ثم توارى (٥) ، وذهب بالمال (٦).

قال أبو الحسن النوفلي : فلما وقف الحسين على ما صنع يوسف طلب الكريّ فلم يجده لضيق الوقت ، فلم يزل يحتال للمال والإبل حتى وجد من ذلك ما وجد وقد فاته الوقت ، وتقدمت الجيوش مكة ممن خرج من الكوفة والبصرة وبغداد وخرج ومعه ممن تبعه ومن أهل بيته زهاء ثلاثمائة رجل ، فلما قربوا من مكة وصاروا إلى فخ وبلدح (٧) تلقته الجيوش.

__________________

(١) نهاية الصفحة [٢٧١ ـ أ].

(٢) في (د ، أ) : نفيرا.

(٣) راجع تاريخ الطبري (٦ / ٤١٣) ، وابن الأثير (٦ / ٣٣) ، ومقاتل الطالبيين (٣٧٦) وما بعدها.

(٤) في (أ) : لآل الحسن.

(٥) في (أ) : ثم توارى عنه.

(٦) في الطبري أنه أقام بالمدينة أحد عشر يوما ، ثم خرج في أربعة وعشرين من ذي القعدة سنة (١٦٩ ه‍) ، تاريخ الطبري (٦ / ٤١٣).

(٧) بلدح : هو وادي يقع قبل مكة من جهة الغرب ، وفيه المثل : لكن على بلدح قوم عجفى ، قال أبو الفرج الأصبهاني : حدثني أحمد بن عبد الله ، قال : سمع على مياه غطفان كلها ليلة قتل الحسين صاحب فخ هاتف يهتف ويقول :

ألا بالقوم للسواد المصبح

ومقتل أولاد النبي ببلدح

انظر : معجم البلدان (١ / ٤٨٠ ـ ٤٨١) ، مقاتل الطالبيين ص (٣٨٤ ـ ٣٨٥) ، وانظر حول خروجه من المدينة إلى مكة ، انظر : المقاتل ص (٣٧٧).

٤٧٣

[رواية أخرى]

رجعنا إلى رواية غيره (١) فأتاهم إدريس بن عبد الله بن الحسن وأخوه سليمان وعبد الله بن الحسن الأفطس وعلي بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن فباتوا ليلتهم ، فلما كان من السحر خرجوا إلى المسجد وقد أذن من المؤذنين مؤذن واحد ، فحين أذن الثاني وبلغ التشهد أحسّ بهم فقطع الأذان لما سمع الأصوات ، وتوافوا في المسجد وهم خمسة وسبعون رجلا ، الفاطميون منهم سبعة والباقون (٢) ثمانية وستون (٣).

فلما طلع الفجر دخل الناس المسجد من كل ناحية ، فأقام يحيى بن عبد الله الصلاة ، وتقدم الحسين فصلى بالناس ثم انصرف إلى المنبر فخطب الناس ودعاهم إلى البيعة فتفرقوا عنه ولم يعرج عليه أحد من أهل المدينة ، ودخل ناس من أهل خراسان وغيرهم فسمعوا مقالته ، فمنهم من تقدم فبايعه ومنهم من لم يفعل.

قال : وتصايح الناس ، واعتزل أجناد آل العباس واجتمعوا إلى خالد البربري وهو يومئذ قائد الجند الذي بالمدينة ، وكانوا مائتي رجل ، وصار إليه وزير ابن إسحاق الأزرق وكان (٤) على صوافي الخاصة ، ومحمد بن واقد مولى أمير المؤمنين ، وكان شريكا للعمري (٥) في الأعمال ، وإليه ديوان العطاء ، فأقبل خالد البربري فيمن معه وخرج معه حسن بن جعفر بن حسن بن حسن على حمار له حتى دخل المسجد وأتى من موضع ناحية الجنائز (٦) ، فحمل عليه أولئك المبيضة ، فأمرهم الحسين بالكف عنه وإخراجه من المسجد ـ يعني الحسن بن جعفر ـ وأقبل خالد البربري ومن معه من ناحية بلاط الفاكهة ، فخرج الحسين وأصحابه إلى

__________________

(١) أي رجعنا إلى رواية غير النوفلي ، أي إلى الرواية التي قبلها رواية ابن عباد.

(٢) نهاية الصفحة [٢٧٢ ـ أ].

(٣) انظر : مقاتل الطالبين (٣٧٤) وما بعدها ، والكامل لابن الأثير (٥ / ٧٤ ـ ٧٥).

(٤) في (د ، أ) : فكان.

(٥) في (أ) : وكان شريك العمري.

(٦) أي باب الجنائز في المسجد النبوي الشريف.

٤٧٤

رحبة دار القضاء (١) ، فجلس فيها وجلس معه أصحابه إلّا من تقدم منهم للقتال وهم زهاء ثلاثين رجلا ، فإنهم تقدموا في نحور أصحاب خالد فرموهم بالنشاب ، وأقبل خالد راجلا سالا سيفه يصيح بالحسين ويشتمه ، ويقول : قتلني الله إن لم أقتلك.

فلما دخل الرحبة وثب عليه يحيى وإدريس ابنا عبد الله (٢) ، وبدره يحيى وكان شديد الكف والذراع مجتمع القلب ، فضربه على أنف البيضة فقطعه وخلص السيف إلى أنفه وشرقت عيناه بالدم ، وقد ضرب خالد يحيى بسيفه فأسرع في الترس حتى وصل إلى إصبعه الوسطى والتي تليها من يده اليسرى ، قال : ولما ثار الدم في عيني خالد برك وعلواه بأسيافهما حتى برد ، وأخذ إدريس درعين كانتا عليه وسيفه وعمود حديد كان في منطقته ، ثم جرّا برجليه فطرحاه بالبلاط على باب مروان (٣).

قال مصعب : وكان خالد متعلقا بستر من شعر يعتصم به ، فإذا حمل عليه يحيى تراجع ، ثم يحمل هو على يحيى فيتراجع ، وقد نال كل واحد منهما من صاحبه جرحا.

ثم إن إنسانا من أهل الجزيرة كان مع الطالبيين خرج مصلتا سيفه متوجها نحو القتال ، وخالد يراه ولم ير بأنه (٤) يقصده ، فحمل خالد على يحيى وهو لا يعلم ما يريد الجزيري ، فعطف عليه الجزيري من ورائه وهو لا يشعر فضرب ساقيه فعرقبه ، فنزع البيضة عن رأسه فضربه يحيى حتى قتله.

قال مصعب : وكان هذا الجزيري أشجع من كان معهم ، وقطعت يداه ليلة المسايرة ، ثم

__________________

(١) هو في بلاط المدينة حول المسجد. انظر : أخبار المدينة (٢٤٨) خلاصة الوفاء (٣٥٤ ـ ٣٥٨). ورحبة دار القضاء ، أي بالمدينة المنورة ، انظر أخبار المدينة (٢٣٣ ـ ٢٣٤).

(٢) بعد اللفظ : عبد : نهاية [٢٧٣ ـ أ] ، وحول يحيى وإدريس انظر : مقاتل الطالبيين ص (٣٧٢ ـ ٣٧٦) ، (٣٨٢ ، ٣٨٨ ـ ٤٩٤). وإدريس (المقاتل) ص (٣٣٨ ، ٣٧٥ ، ٣٨٢ ، ٤٠٦ ، ٤٠٩).

(٣) هي دار مروان بن الحكم كان ينزلها ولاة المدينة (ص ٢٥٦) ، فهارس تاريخ الطبري ، فهارس تاريخ ابن الأثير.

(٤) في (أ) : ولم ير أنه.

٤٧٥

قتل بفخ في المعركة ، ثم دخل يحيى وإدريس ومعهما أولئك المبيضة ، وعبد الله بن الحسن الأفطس ، فقتلوا من الجند الذين كانوا مع خالد في رحبة دار يزيد (١) ثلاثة عشر رجلا ، وانهزم الناس وتفرقوا في كل وجه ، والحسين جالس محتبي ما حل حبوته.

قال : ولم يقم يومئذ (٢) سوق بالمدينة ، قال : وركب إدريس في نحو من ثلاثين «رجلا» (٣) من أولئك المبيضة ، قد كانت الجراح فشت فيهم للرمي الذي نالهم بالحجارة والنشاب ، فداروا «ساعة» (٤) في المدينة فأشرف له رجل من بني مخزوم أو غيره من قريش فسألوه الكف عنهم وعن غشيان دورهم ومنازلهم ففعل ، ورجع إلى الحسين فأخبره.

قال : وأقاموا ذلك اليوم ، فلما كان الغد (٥) جاءهم عمر بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين ، وإبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن حسن ، وهو (٦) طباطبا ، وحسن بن محمد بن عبد الله بن حسن (٧).

قال : ولزم أهل المدينة منازلهم ، فلم يأتوا المسجد ، ولم يصلوا فيه ، وغدا إليهم ذلك اليوم جماعة من موالي آل العباس وأحبائهم ، وخرج معهم عبد الله بن عثمان المخزومي ، وعمرو بن الزبير وغيرهما ، فقاتلوا المبيضة مراماة.

قال : وقد كان سليمان بن أبي جعفر مع موسى بن عيسى فتلقاهم الخبر فأقاموا ، وتقدم

__________________

(١) هي دار يزيد بن عبد الملك بالمدينة ، انظر : أخبار المدينة (٢٥٦ ، ٢٥٧).

(٢) نهاية الصفحة [٢٧٤ ـ أ].

(٣) ساقط في (ب ، ج ، د).

(٤) ساقط في (ب ، ج).

(٥) في (ب ، ج ، د) : فلما كان من الغد.

(٦) في (أ) : وإبراهيم هو.

(٧) هو عمر بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين المجدي (٢٢٠). والحسن هو الأفطس في المشهور ، حامل راية النفس الزكية ، وقيل : إن الأفطس ابنه الحسين بن الحسن الخارج من مكة مع محمد بن جعفر الصادق عليهم‌السلام ثم دعا إلى الإمام محمد بن إبراهيم صاحب أبي السرايا. أما إبراهيم بن إسماعيل : فهو إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن المعروف بطباطبا ، هو والد الإمام القاسم الآتي ذكره ، انظر : سر السلسلة العلوية (١٦) ، المجدي (٧٢) ، الشجرة المباركة (٢٤) ، الفخري (١٠٢) غاية الاختصار (٤٩ ـ ٥٠) ، عمدة الطالب (١٩٩).

٤٧٦

موسى بن عيسى في جماعة من مواليه حتى نزل بطن نخل (١) ، وأمر مبارك التركي أن يمضي إلى المدينة ، فنزل ببئر المطلب (٢) على خمسة أميال من المدينة ، ثم أرسل إلى أهل المدينة رسولا يقول : من كان يرى لأمير المؤمنين طاعة فليخرج إلى مبارك ، فخرج إليه زيد بن الحسن بن علي بن الحسين ، وعلي بن عبد الله بن جعفر وغيرهما من الناس ، وجاءه العمري وابن واقد ووزير ابن إسحاق والمخزومي (٣) فاجتمعوا إليه (٤).

فقال مبارك لزيد بن الحسن : إن كنت جئت سامعا مطيعا تريد قتال القوم فقد رأستك على هؤلاء فتقدم فقاتل.

فقال له زيد : والله ما أنصفتني تأمرني أن أقاتل بني عمي وإخوتي بين يديك ، وأنت متخلف لا تقاتل عن سلطانك وعن مولاك ، ولكن يدك في يدي ويدي في يدك حتى تعلم أجئت سامعا مطيعا أم لا.

فقال العمري وابن واقد لمبارك : صدقك الرجل وأنصفك ، فتقدم أنت فإنه أحرى أن يقاتل الناس معك إذا رأوك ، وأن يخرج إليك من لا يجترئ على الخروج إذا لم يرك (٥) «فأقبل مبارك معهم» (٦) واجتمع إليه خلق كثير حتى كانوا زهاء ثلاثة آلاف مع من انضموا إليهم.

قال : فأقبل (٧) مبارك معهم ، والمبيضة «نحو» (٨) أربعمائة رجل فيهم الخراساني والكوفي والجبلي ، وأقبل الآخرون كالمقتدرين عليهم فارتموا ساعة.

__________________

(١) بطن نخل : جمع نخلة قرية قريبة من المدينة على طريق البصرة بينهما على الطريق وهو بعد أبرق الغراف للقاصد إلى مكة ، انظر : معجم البلدان (١ / ٤٤٩ ـ ٤٥٠).

(٢) يقع على خمسة أميال من المدينة وفي طريق العراق.

(٣) في (أ) : ابن إسحاق المخرمي وهو تصحيف.

(٤) في (أ، ج) : واجتمعوا فقط.

(٥) في (د) : يزل.

(٦) ساقط في (ج).

(٧) في (ب ، ج ، د) : وأقبل.

(٨) ساقط في (ب ، ج).

٤٧٧

قال : وأتوهم من نحو دار يزيد ، وخرج عليهم المبيضة ، وقد أصلتوا (١) سيوفهم ، فحملوا عليهم حملة محضة (٢) فقاتلوهم على باب الزوراء (٣) ، وذلك يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة (٤).

حتى انتصف النهار ، ثم قال لهم مبارك : لا بد من الراحة والقائلة (٥) ، فلما تفرق الناس عنه جلس على راحلته فلحق. بموسى بن عيسى ببطن نخل فأعطاه الخبر ، وذكر له من أتاه ومن تخلف عنه ، ومضى العمري وابن واقد ووزير ابن إسحاق الأزرق فصاروا إلى معدن بني سليم حتى لقوا العباس بن محمد ، وكان القوم بالربذة إلى أن قدم عليهم مبارك (٦) ، فمضوا جميعا يريدون مكة ، فأقاموا بالمعدن ثلاثا وهموا بالرجوع إلى العراق حتى ورد عليهم كتاب محمد بن سليمان يأمرهم بالمضي ، فلما ورد موسى غمرة (٧) ونزلها كتب إليهم منها أن العجل العجل ، فتوافوا بغمرة ، وأمروا العمري بالانصراف نحو المدينة ، وأن يكون مقيما على ليلة (٨) منها ، فإذا خرج منها الحسين دخلها «بعد خروجه» (٩).

وأقام الحسين بالمدينة وأصحابه في المسجد ودار مروان (١٠) ، ولزم أهل المدينة منازلهم ، وتركوا حضور المسجد لا يجمعون معهم.

__________________

(١) في (ب ، ج ، د) : قد أصلتوا.

(٢) في (أ) : حملة محققة.

(٣) أحد أبواب مسجد رسول الله الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والزوراء موضع قرب سوق المدينة ، وقيل : اسم لسوق المدينة ، انظر : معجم البلدان (٣ / ١٥٥ ـ ١٥٧).

(٤) أي من سنة (١٦٩ ه‍).

(٥) أي النوم في الظهيرة ، والمعنى هنا لا بد من الراحة والاسترخاء قبل الظهيرة وذلك بنوم القيلولة وهي نومة نصف النهار أو الاستراحة فيه.

(٦) نهاية الصفحة [٢٧٦ ـ أ].

(٧) منهل من مناهل مكة ، من أعمال المدينة ، وهو فصل ما بين تهامة ونجد ، انظر : معجم البلدان (٤ / ٢١٢).

(٨) في (أ) : مقيما على ميلين.

(٩) ساقط في (أ).

(١٠) هي دار مروان بن الحكم كان ينزلها ولاة المدينة ، انظر : أخبار المدينة (٢٥٦) فهارس تاريخ الطبري.

٤٧٨

وخرجت الأشراف في اليوم الرابع من القتال فتسوقوا ، دار (١) الحاج ومر عظم الناس من الحاج (٢) على طريق نجد وتركوا المدينة ، وأخذ أهل الشام وأهل مصر على الساحل إلى مكة ، فأقاموا إلى أربع وعشرين ليلة مضت من ذي القعدة فكان عدة أيام مقامهم (٣) بالمدينة ثلاثة عشر يوما ، ثم توجهوا إلى مكة فتبعهم ناس من الأعراب من جهينة ومزينة وغفار وضمرة (٤) وغيرهم ، ولقيهم عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بالأبواء (٥) ، وكان غائبا ولم يكن حضر مخرجهم.

وترأس على العباسيين العباس بن محمد فهو يدبر أمرهم.

فلما قدموا مكة وجدوا بها من أحبائهم ومواليهم مع من قدم مع سليمان بن علي ، وبعث العباس (٦) العيون والطلائع ، وأقبل الحسين في أصحابه ، فلما كان (٧) بسرف تلقته أوائل الخيل (٨) وجنح إلى العباس بن محمد مولى لمحمد بن سليمان (٩) كان مع الحسين (١٠) ، فساروا

__________________

(١) في (ب ، ج ، د) : وقدم.

(٢) في (أ، د) : مر عظم الحاج والناس.

(٣) في (ب) : عدة أيام مقاتلتهم.

(٤) هم جهينة بن زيد ، حي من قضاعة من القحطانية ، وهو عبارة عن بطون كثيرة كانت مساكنهم ما بين الينبع ويثرب. انظر معجم القبائل العربية (١ / ٢١٦) وما بعدها. ومزينة : بطن من بني سالم من حرب ، وأيضا بطن من مضر من العدنانية كانت مساكن مزينة بين المدينة ووادي القرى ، معجم القبائل العربية (٣ / ١٠٨٣). غفار : هم بنو غفار بن مليل بطن من كنانة من العدنانية ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الأنصار ومزينة وجهينة وغفار وأشجع ومن كان من بني عبد الله موالي دون الناس والله ورسوله مولاهم». صحيح مسلم (٧ / ١٧٨) ، وانظر معجم القبائل (٣ / ٨٩٠). ضمرة : هم ضمرة بن بكر بطن من كنانة بن خزيمة من العدنانية ، انظر معجم القبائل العربية (٢ / ٦٦٧).

(٥) قرية من أعمال الفرع بالمدينة. انظر معجم البلدان (١ / ٧٩ ـ ٨٠).

(٦) العباس : هو العباس بن محمد بن عبد الله بن العباس.

(٧) في (ب ، ج ، د) : كانوا.

(٨) في (ب) : أوائل الجند.

(٩) هو العباس بن محمد مولى محمد بن سليمان بن علي العباسي ، وقول المؤلف : «كان بسرف» أي : سرف بفتح أوله ، وكسر ثانيه ، وآخره فاء ، قال أبو عبيد : السرف الجاهل. وهو موضع على ستة أميال من مكة ، وقيل : سبعة وتسعة واثني عشر ، وقيل : عشرون ميلا عن مكة باتجاه المدينة. معجم البلدان (٣ / ٢١٢) ، مناسك الحربي (٤٦٤ ـ ٤٦٥).

(١٠) نهاية الصفحة [٢٧٨ ـ أ].

٤٧٩

حتى إذا صاروا بفخ تلقاهم العباس بن محمد بالخيل والرجال ، وكان ممن اجتمع إلى الطالبيين سبعمائة رجل فصفوا لهم على الطريق.

قال : فدعاهم العباس إلى الأمان ، وضمن للحسين قضاء دينه والأمان لمن معه من أهل بيته ، ولم يترك شيئا من حسن العرض إلّا بذله ، فأبى ذلك أشد الإباء.

قال مصعب : كان الرئيس سليمان بن أبي جعفر ؛ لأنه كان على الموسم ، فأمر موسى بن عيسى بالتعبئة فصار محمد بن سليمان في الميمنة وموسى في الميسرة ، وسليمان بن أبي جعفر والعباس بن محمد في القلب.

فكان أول من بدأهم موسى (١) ، فحملوا عليه فاستطرد لهم شيئا حتى انحدروا في الوادي ، وحمل عليهم محمد بن سليمان من خلفهم وطحنهم طحنة واحدة.

وقال النوفلي : إنهم لما صاروا بفخ قدّم موسى بن عيسى بين يديه محمد بن سليمان ، وقال له : قد عرفت فرارك وفرار أخيك من إبراهيم بن عبد الله ، وإنما تداري هؤلاء القوم وتبقي عليهم لأنهم أخوالك ، فألهبه بذلك (٢) القول ، فأقبل محمد في خيله ، ومن ضم (٣) إليه من الجند ، فأرسل موسى إلى الحسين يخيره (٤) خصلة من خصال ثلاث : أن يعطيه الأمان ويضمن له على الخليفة القطائع والأموال ، أو أن ينصرف إلى المدينة حتى ينقضي الحج ، أو أن يهادن بعضهم بعضا فيدخل فيقف ناحية ويقفون ناحية ، فإذا انقضى الحج تناظروا ، فإما كانوا سلما (٥) أو حربا.

فأبى ذلك كله وتهيأ للحرب ونقض هو وأصحابه الإحرام ونشبت بينهم الحرب بفخ ،

__________________

(١) وهو ما ذهب إليه صاحب مقاتل الطالبيين. المقاتل (ص ٣٧٨).

(٢) في (أ، ج ، د) : بهذا.

(٣) الأبلغ أن يقول : انضم.

(٤) في (د ، أ) : خيره.

(٥) نهاية الصفحة [٢٧٩ ـ أ].

٤٨٠