المصابيح

الإمام أبو العباس الحسني

المصابيح

المؤلف:

الإمام أبو العباس الحسني


المحقق: عبدالله بن عبدالله بن أحمد الحوثي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٢

فأجابه محمد بن عبد الله فيما بلغني من غير رواية الحسن بن يحيى (١) بهذه الرسالة وهي التي يقال لها الدامغة (٢).

قال مؤلف الكتاب : وأنا أريد أن أختصر منها فإني لو أثبته على (٣) الوجه لطال الكتاب.

بسم الله الرحمن الرحيم. (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ..) إلى قوله تعالى : (وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً) [طه : ٩٨ ـ ١٠١].

وبعد : فإنك ذكرت أن فخري بالنساء ؛ فرأيت أن أوضح من أمرهن ما جهلته ، ومن «بعد» (٤) حق العم لأب وأم خلاف ما توهمته ، أو ليس قرابتهن أقرب القرابة؟

أو ليس قد ذكر الله الأمهات والأخوات والبنات ، ولم يجعل (٥) بينهن وبين الآباء والقرابة فرقا ، فقال تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) [النساء : ٧] ، وقال تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَ) [النساء : ١٢٧] فقد ذكر الأمهات ، والأخوات والبنات ، ولم يذكر العم ، ثم فرض على عباده البر بالنساء والرجال إذ يقول تعالى (٦) : (اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان : ١٤] ، وقوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) [العنكبوت : ٨].

__________________

(١) هو الحسن بن يحيى بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسني أبو محمد الكوفي يروي عن أبيه وعن القاسم بن إبراهيم وعن نصر بن مزاحم وإبراهيم بن محمد بن ميمون وغيرهم ، وعنه شيخ الأئمة محمد بن منصور المرادي ، والإمام الناصر للحق الأطروش ، انظر : طبقات الزيدية (١ / خ) ، تأريخ الكوفة (٧٩) ، أعيان الشيعة (٥ / ٣٩٣) ، الفلك الدوار ص (٢٦ ، ٦٠ ، ٢٢٢).

(٢) دمغ فلانا دمغا : شجه حتى بلغت الشجة دماغه ، قال الله تعالى : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ) [الأنبياء : ١٨]. والدامغة من الشجاج : إحدى الشجاج العشر ، وهي التي تبلغ الدماغ فتقتل لوقتها. والمعنى هنا : المهلكة والذاهبة لتلك الأباطيل التي سبق وإن بهت بها صاحب الترجمة.

(٣) نهاية الصفحة [٢٤٥ ـ أ].

(٤) ساقط في (أ، د).

(٥) في (ب ، ج) : فلم يجعل.

(٦) في (أ، د) : إذ قال تعالى.

٤٤١

ثم ذكر فضل الأم على الأب فقال تعالى : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) [الأحقاف : ١٥] ، وكذلك في ثواب ما عنده إذ يقول : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ...) إلى قوله تعالى : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب : ٣٥] ، وقال تعالى : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ) إلى أن قال تعالى : (أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ) [النور : ٦١] ، وقال : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) [يوسف : ١٠٠] وإنما كانت خالته.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الخالة والدة ، والخال والد يرث ماله ويفك عانيه».

وأما قولك : لو كان الله (١) اختار لهن لكانت آمنة أم النبي أقربهن رحما ، فهل أنبأتك أن الله اختار لهن أو لأحد من خلقه ذكرا أو أنثى على قرابته فتحتج عليّ به؟

ما اختار الله أحدا من خلقه ولا اختار له إلّا على السابقة والطاعة ، وكانت هذه حالة أبي علي بن أبي طالب ، وأمي فاطمة بنت محمد لم يكفرا بالله قط ، ولذلك قال الله تعالى لإبراهيم : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ...) [البقرة : ١٢٤] إلى آخره.

وأما فاطمة بنت عمرو أم أبي طالب وعبد الله والزبير وولادتها آبائي ، فكيف أنكرت ذلك وأنت تحتج بالعصبة والعمومة ، ولم يجعل الله للعباس من قرابة العمومة شيئا لم يجعله لأبي طالب ، وأما قولكم : إنكم حزتم بأبيكم ميراث رسول الله دوننا! فأخبرني أي الميراث حازه العباس لكم دوننا ، الخلافة دون المال ، أو المال دون الخلافة ، أو الخلافة والمال معا؟

فإن قلت : الخلافة دون المال فيجب على هذا القياس أن تقسم الخلافة على قسم المواريث للذكر مثل حظ الأنثيين ، فالولد أحق بها من العم ، والعم أولى من ابن العم (٢) ، فإن جاز ذلك فلم ورثتها دون عمومتك ، وهم أولى بالكبر منك ، ومن أخيك ، ولم ورثت أخاك دون ولده ... إلى كلام طويل.

__________________

(١) نهاية الصفحة [٢٤٦ ـ أ].

(٢) في (أ) : ابن الأخ.

٤٤٢

وذكر في آخر هذا الكتاب (١) :

ولست أراه يسعني إلّا مجاهدتك ، فإن الله أراح منك وعجل النقمة من حزبك وأشياعك في عاجل الدنيا فذاك ظني به (٢) ، وإن يؤخرك فإن موعدك الساعة (وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) [القمر : ٤٦] (٣) ، وأنا على بصيرة من أمري ، وماض على ما مضى عليه سلفي وأشياعهم الذين ذكرهم الله فقال : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) [الأحزاب : ٢٣] ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم ، (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [إبراهيم : ١٢].

[١٤] حدثنا (٤) أبو العباس بإسناده عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله : «أول شيعة يدخلون الجنة أنا وحمزة وجعفر وعلي والحسن والحسين والمهدي محمد بن عبد الله».

[استشهاده (ع)]

[١٥] قال مؤلف هذا الكتاب أبو الحسن : وحدثني السيد أبو الفضل يحيى بن الحسين أيده الله بطاعته أن أبا جعفر وجه عيسى بن موسى في أربعة آلاف رجل ، وقال : إنك سترد على حرم رسول الله وجيران قبره ، فإن قتل محمد أو أخذ أسيرا فلا تقتل أحدا وارفع السيف ، وإن طلب محمد الأمان فاعطه ، وإن قاتل واشتمل عليه أهل المدينة فاقتل من ظفرت به منهم.

__________________

(١) في (أ) : آخر هذا الجواب. وقد ذكر المستشرق الإيطالي تريني أن هذه الرسالة الدامغة للإمام النفس الزكية موجودة في مخطوط (زهرة العيون وجلاء القلوب) لمؤلفه التبريزي ، وهي كما ترى هنا ، وقد تجاهلتها بعض المصادر التاريخية جهلا أو عمدا بقصد نصرة رأي المنصور أو الخوف من السلطة العباسية ، انظر : بحوث في التاريخ العباسي. لفارق عمر ط (١) دار القلم بيروت : (١٩٧٧ م).

(٢) في (ج) : فذلك ظني به.

(٣) نهاية الصفحة [٢٤٧ ـ أ].

(٤) السند لعله : حدثنا أبو العباس قال : أخبرنا أبو زيد العلوي قال : حدثنا محمد بن منصور قال : حدثنا علي بن منذر قال : حدثنا محمد بن فضيل قال : حدثنا محمد بن عبيد الله عن عطاء عن ابن عباس.

٤٤٣

فلما بلغ محمدا مسيره خندق على المدينة خندقا على أفواه السكك ، فقاتلهم عيسى بن زيد بن علي ، ومحمد جالس على المصلى ، ثم جاءهم فباشرهم القتال بنفسه ، فلما اقتتلوا ساعة انهزم أصحاب محمد وتفرقوا عنه ، فلما رأى ذلك رجع إلى دار مروان فصلى الظهر واغتسل وتحنط ، وكان ذلك لسنة خمس وأربعين ومائة ، يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان (١) ، فجثى محمد على ركبتيه ، فجعل يقاتل ويذب بسيفه عن نفسه ، وصابرهم إلى العصر ومعه ثمانون رجلا ، ثم قتل بيده اثني عشر رجلا ، ثم عرض له رجل فضربه على ذقنه فسقطت لحيته على لحيته على صدره فرفعها بيده وشدها ، ثم رمي بنشابة في صدره ، وحملوا عليه من كل جانب ، فقتل رضي الله عنه وصلّى على روحه (٢) ، وحمل رأسه إلى عيسى بن موسى ، وانهزم بقية أصحابه فأرسلت (٣) فاطمة بنت محمد وأخته زينب بنت عبد الله إلى عيسى [أن] قد قضيتم حاجتكم منه فأذنوا لنا في دفنه (٤).

فأذن لهم ، فدفنوه بالبقيع وبعث برأسه مع ابن أبي الكرام إلى أبي جعفر لعنهما الله ولا رحمهما (٥).

__________________

(١) انظر الحدائق ص (١ / ١٦٥) ، ومقاتل الطالبيين ص (٢٣٦) وما بعدها وفيه ما ذهب إليه الطبري ، انظر ص (٢٤٢) ، تاريخ الطبري (٦ / ٢٠٤ ـ ٢٢٠) وفيه أنه قتل بعد العصر يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة ١٤٥ ه‍ ، الإفادة (٧٩).

(٢) انظر مقاتل الطالبيين ص (٢٣٨) وما بعدها.

(٣) في (أ، ب ، ج) : وأرسلت.

(٤) انظر الخبر في مقاتل الطالبيين (٢٤٢ ـ ٢٤٣) وفيه : فأرسل إليهما : (أما ما ذكرتما يا ابنتي عمي أني نلت منه فو الله ما أمرت ولا علمت ، فوارياه راشدتين) ، فبعثتا إليه فاحتمل. فقيل : إنه حشي في مقطع عنقه عديلة قطنا ودفن بالبقيع ، انظر أيضا الطبري (٦ / ٢١٩) وما بعدها ، والخبر المشار إليه ص (٢٢٢).

(٥) انظر : تاريخ الطبري (٦ / ٢٢٣) ، الكامل لابن الأثير حوادث سنة (١٤٥ ه‍) ، وقد اجتز رأسه حميد بن قحطبة. وحميد هذا هو حميد بن قحطبة (توفي ١٥٩ ه‍ / ٧٧٦ م) ابن شبيب الطائي أمير من القادة الشجعان ، ولي أمرة مصر سنة (١٤٣ ه‍) ثم إمرة الجزيرة ووجه لغزو أرمينية سنة (١٤٨ ه‍) ، وكابل سنة (١٥٢) ثم جعل أميرا على خراسان فأقام بها إلى أن توفي بها ، انظر : الأعلام (٢ / ٢٨٣) ، الكامل لابن الأثير حوادث سنة (١٤٢ ـ ١٥٩) ، دول الإسلام (١ / ٨٣) ، النجوم الزاهرة (١ / ٣٤٩) ، تهذيب تاريخ ابن عساكر (٤ / ٤٦٥) ، الولاة والقضاة (١١٠) ، تاريخ الطبري حوادث سنة (١٤٢ ـ ١٥٩ ه‍) ، مقاتل الطالبيين ص (٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٢٣٨). أمّا ابن أبي الكرام : فهو إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن أبي الكرام الجعفري ، انظر : مقاتل الطالبيين ص (١٨٤ ، ٢٢٥ ، ٢٣٨).

٤٤٤

[(١٢) الإمام إبراهيم بن عبد الله بن الحسن (النفس الرضية)] (١)

(٩٧ ـ ١٤٥ ه‍ / ٧١٦ ـ ٧٦٣ م)

[خروجه وبيعته (ع)]

[١٦] حدثنا أبو العباس الحسني رحمه‌الله قال : حدثنا أبو القاسم عبد العزيز بن إسحاق (٢) ، قال : حدثنا أبو الحسن على بن عبد الله بن الحسن البصري قال : حدثتني «جدتي» (٣) أم

__________________

(١) انظر : تاريخ خليفة (٤٢١ ـ ٤٢٢ ـ ٤٣١ ـ ٤٣٢) ، البيان والتبيين (٢ / ١٩٥ ، ٣ / ٣٧٣) ، التاريخ الصغير (٢ / ٨٤) ، والطبري والكامل والبداية والنهاية في حوادث سنة (١٤٥ ه‍) ، الوافي بالوفيات : (٦ / ٣١) ، سير أعلام النبلاء (٦ / ٢١٨ ـ ٢٢٤) ، الأعلام (١ / ٤٨ ـ ٤٩) ، الجامع الوجيز للجنداري (خ) ، مقاتل الطالبيين (٢٧٢ ـ ٣٣١) ، البدء والتاريخ (٢ / ٦ / ٨٤) وما بعدها ، الشافي (١ / ١ / ٢٣٧) ، التحف (٩٧ ـ ١٠٨) ، طبقات الزيدية (خ) ، الحدائق الوردية (١ / ١٦٧ ـ ١٧٥) ، الإفادة ص (٨١ ـ ٩١) ، عمدة الطالب في أنساب أبي طالب لابن عنية ص (١٢٩ ـ ١٣١) دول الإسلام للذهبي (١ / ٧٤) ، الزهرة للأصبهاني (٢ / ٥٢٠) ، دائرة المعارفة الإسلامية الشيعية (١ / ٤ / ٣) ، أخبار فخ ، انظر الفهرس ص (٣٥٧) ، الفلك الدوار (٣١ ، ١١٥ ، ١١٦ ، ١١٨ ، ١١٩ ، ١٢٠ ، ١٣٢) ، اللآلي المضيئة (خ) ، مطمح الآمال (خ) (تحت الطبع) ، الأغاني (١٩ / ١٩٠ ، ١٩١) ، (٢١ / ٢٧٣) ، العقد الفريد ، مروج الذهب (٣ / ٣٠٦ ، ٣٠٧) وما بعدها ، تاريخ الإسلام د. حسن إبراهيم حسن (٢ / ٢٩ ، ٩٧ ، ١٢٤ ، ١٢٧ ، ١٢٩ ، ٣٠) ، وانظر الفهرس ص (٤٨٦).

(٢) عبد العزيز بن إسحاق : هو عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر أبو القاسم البغدادي الزيدي ، شيخ الزيدية ببغداد ، روى مجموع الإمام زيد بن علي عليه‌السلام الفقهي الكبير المرتب المبوب عن علي بن محمد النخعي ، وروى عن أبي الأزهر سفيان بن محمد الكاتب وجعفر بن الحسين وغيرهم ، وروى عنه أبو العباس ، ومحمد بن سليمان ، طبقات الزيدية (خ) ، الكاشف المفيد لرجال وأخبار التجريد (خ).

(٣) ساقط في (أ، د).

٤٤٥

أبي واسمها عفيفة بنت مهاجر قالت : رأيت إبراهيم بن عبد الله بن الحسن صلوات الله عليه يوم ظهر بالبصرة ومعه الناس فمر بباب دارنا في المربد (١) ، قالت : فرأيت رجلا آخذ بعنان فرسه ، فقال له : يا ابن رسول الله اتفل في يدي أمسح بها وجهي (٢) عسى الله أن يصرف وجهي عن النار.

قالت : فقال له إبراهيم عليه‌السلام : خل يدك عن عنان الفرس ، إنما تجزى بعملك ، إنما تجزى بعملك (٣).

[١٧] حدثنا أبو العباس الحسني بإسناده عن جعفر بن إبراهيم الجعفي قال : لما كان إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله يقاتل الطغاة بباخمرى (٤) سمع رجلا من الزيدية ، وقد ضرب رجلا من القوم على رأسه وقال : خذها إليك وأنا الغلام الحداد ، فقال إبراهيم عليه‌السلام : لم تقول أنا الغلام الحداد؟ قل : أنا الغلام العلوي ، فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) [إبراهيم : ٣٦] ، فأنتم والله منا ونحن منكم لكم ما لنا وعليكم ما علينا.

[١٨] قال : وحدثنا أبو العباس بإسناده (٥) قال : قيل لإبراهيم بن أبي يحيى المدني : قد رأيت محمدا وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن صلوات الله عليهما ، فأيهما كان أفضل؟

__________________

(١) هو مربد البصرة ، ومن أشهر محالها بينهما نحو ثلاثة أميال ، وكان يكون سوق الإبل فيه قديما ، ثم صار محلة عظيمة سكنها الناس ، وبه كانت مفاخرات الشعراء ومجالس الخطباء ، وينسب إلى المربد جماعة الرواة ، انظر : معجم البلدان (٥ / ٩٧ ـ ٩٩).

(٢) نهاية الصفحة [٢٤٩ ـ أ].

(٣) يؤيد ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة الزهراء : «يا فاطمة بنت رسول الله اعملي لله خيرا فإني لا أغني عنكم من الله شيئا يوم القيامة» ، انظر : منتخب كنز العمال (٦ / ٤١٥ ـ ٤١٦).

(٤) موضع بين الكوفة وواسط ، وهو أقرب إلى الكوفة ، وبين باخمرى والكوفة (١٧) فرسخا ، انظر : معجم البلدان (١ / ٣١٦).

(٥) السند في (ب) : حدثنا أبو العباس ، قال : أخبرني أبو أرطاة بن حبيب الأسدي ، والقصد هنا : أي بإسناده السابق عن الجعفي.

٤٤٦

فقال إبراهيم بن أبي يحيى : والله لقد كانا فاضلين شريفين كريمين عابدين عالمين زاهدين ، وقد كان إبراهيم يقدّم أخاه محمدا عليه‌السلام ويفضله ، وكان محمد عليه‌السلام يعرف لإبراهيم فضله ، وقد مضيا شهيدين صلوات الله عليهما (١).

[جهاده واستشهاده (ع)]

[١٩] حدثنا أبو العباس بإسناده عن المفضل الضبي قال : خرجت مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن عليهم‌السلام فلما صار بالمربد وقف على باب سليمان بن علي ، فأخرج إليه صبيان من ولده فضمهم إليه ، وقال : هؤلاء والله منا ونحن منهم (٢) ، إلّا أن آباءهم غصبونا أمرنا ، ثم توجه لوجهة وتمثل :

مهلا بني عمنا ظلامتنا

إن بنا سورة من الغلق (٣)

لمثلكم تحمل السيوف ولا

تغمز أحسابنا من الرّقق (٤)

إني لأنمي إذا انتسبت (٥) إلى

عزّ عزيز ومعشر صدق

بيض سباط كأن أعينهم

تكحل يوم الهياج بالعلق (٦)

قال المفضل : فقلت له : ما أفحل (٧) هذه الأبيات ، فلمن هي جعلني الله فداك؟

__________________

(١) الخبر المنقول عن إبراهيم بن أبي يحيى ، في الحدائق الوردية لحميد الشهيد ، وقال : روينا أن إبراهيم بن أبي يحيى المدني سئل ... وساق الخبر ، الحدائق الوردية : نسخة مصورة عن الأصل (١ / ١٦٨).

(٢) نهاية الصفحة [٢٥٠ ـ أ].

(٣) في الأغاني : القلق ، والقلق : الضجر والحدة وضيق الصدر.

(٤) في (أ، ب) : الرنق ، وفي (د) الزلق ، والرقق الضعف.

(٥) في مقاتل الطالبيين والحدائق الوردية : إذا انتميت ، وانظر الأبيات في الحدائق (١ / ١٧٣) ، والمقاتل (٣٢٠).

(٦) في الأغاني وابن أبي الحديد بالرزق ، وفي مقاتل الطالبيين ما أثبتناه ، العلق : الدم ، يريد أن عيونهم حمر لشدة الغيض والغضب وكأنها كحلت بالدم. راجع الأغاني (١٩ / ١٩١) وما بعدها ، وابن أبي الحديد (١ / ٣٢٤) ، وقد أوردها صاحب الأغاني في أخبار عويف بن معاوية بن عقبة.

(٧) في مقاتل الطالبيين : ما أجود هذه الأبيات وأفحلها فلمن هي؟ ص (٣٢٠) والفحل من الشعراء : أفضلهم.

٤٤٧

قال : لضرار بن الخطاب تمثل «بها» (١) يوم جزع الخندق (٢) على رسول الله وتمثل بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه يوم صفين ، وتمثل بها الحسين بن علي صلوات الله عليه يوم قتل ، وتمثل بها زيد بن علي عليه‌السلام يوم ظهر يوم السبخة ، وتمثل بها يحيى بن زيد يوم الجوزجان (٣) ، ونحن اليوم نتمثل بها ، قال : فتطيرت من تمثله بأبيات ما تمثل بها إلّا قتيل.

قال : ثم مضى ، فلما قرب من باخمرى اتصل به قتل أخيه محمد صلوات الله عليه (٤) فقال (٥) :

نبئت أن بني ربيعة (٦) أزمعوا

أمرا «تحلى» (٧) لهم لتقتل خالدا

إن يقتلوني لا تصب رماحهم (٨)

ثأري ويسعى القوم سعيا جاهدا

أرمي الطريق وإن رصدت بضيقة

وأنازل البطل الكمي الحاردا (٩)

__________________

(١) ساقط في (ب ، ج ، د).

(٢) في ابن أبي الحديد ، وبعض النسخ (يوم جذع الخندق).

(٣) يوم السبخة هو اليوم الذي ظهر فيه الإمام زيد ، ويوم الجوزجان : هو اليوم الذي قتل فيه الإمام يحيى بن زيد ونسب هذا اليوم إلى موضع ظهوره وقيامه.

(٤) وصل خبر استشهاد أخيه محمد بن عبد الله ـ السالف الذكر ـ في يوم عيد الفطر من سنة (١٤٥ ه‍) ، وفي كتاب الأغاني (٢١ / ٢٧٣) أنه تمثل بالأبيات التالية :

يا هدب يا خير فتيان العشيرة من

ينجع بمثلك في الدنيا لقد فجع

الله يعلم أنى لو خشيتهم

أو أوجس القلب من خوف لهم فزعا

لم يقتلوه ولم أسلم أخى لهم

حتى نعيش جميعا أو نموت معا

وهذه الأبيات لواسع بن خشرم بن كرز ، من بني عامر بن ثعلبة ، من سعد هذيم من قضاعة توفي نحو (٥٠ ه‍ / ٦٧٠ م).

(٥) انظر : مقاتل الطالبيين ص (٣٢١ ـ ٣٢٢) ، الأغاني (٢١ / ٢٧٣).

(٦) وفي رواية أخرى : (بني خزيمة أجمعوا) وما أثبته المؤلف أثبته صاحب كتاب الأغاني (١٧ / ١٠٩). أمّا ابن أبي الحديد فورد (جزيمة أمرا تديره لنقل خالدا) وهو غير مستقيم كما ترى.

(٧) في (أ، د) : تحلا.

(٨) في (ب ، ج ، د) : أرماحهم.

(٩) الحارد : هو المنفرد في شجاعته والذي لا مثل له وحرد عليه حردا : غضب وأحرد في السير أسرع والحارد يقال : ناقة حارد قليلة اللبن ، المعجم الوسيط مادة : (حرد).

٤٤٨

قال : فقالت له : جعلني الله فداك لمن هذه الأبيات؟

قال : للأحوص بن كلاب (١) ، تمثل بها يوم شعب جبلة (٢) ، وهو اليوم الذي لقيت فيه (٣) قيس تميما.

قال المفضل : وأقبلت عساكر أبي جعفر (غضب الله عليه) فقتل من أصحابه ، وقتل من القوم ، وكاد أن يكون له الظفر ، وكشفت ميمنته والقلب فتمثل (٤) :

أبى كل ذي وتر يبيت بوتره (٥)

ويمنع منه النوم إذ أنت نائم (٦)

أقول لفتيان كرام تروحوا

على الجرد في أفواههن الشكائم (٧)

قفوا وقفة من يحيا لا يخز (٨) بعدها

ومن يخترم لا تتبعه الملاوم (٩)

قال : ثم كر فطعن (١٠) رجلا وطعنه آخر ، فقلت له : جعلني الله فداك تباشر الحرب بنفسك والعسكر منوط بك؟! فقال لي : إليك عني يا أخا بني ضبة (١١) ، كأن عويفا أخا بني

__________________

(١) في مقاتل الطالبيين : خالد بن جعفر بن كلاب في يوم شعب جبلة ، وهو اليوم الذي لقيت فيه قيس تميما. والأحوص : لعله زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب ، أو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم ، انظر : كتاب الأغاني (٤ / ٢٢٤ ـ ٢٦٨) ، الأعلام (٣ / ٦٠ ، ٤ / ١٢٦) ، معجم البلدان (٢ / ١٠٤ ـ ١٠٧).

(٢) جبلة اسم لعدة مواضع ، وشعب جبلة الموضع الذي كانت فيه الوقعة المشهورة بين بني عامر وتميم عبس وذبيان وفزارة ، انظر : معجم البلدان (/ ١٠٤ ـ ١٠٧) ، معجم القبائل العربية (١ / ١٢٦ ـ ١٣٢).

(٣) نهاية الصفحة [٢٥١ ـ أ].

(٤) الأبيات لأبي حرجة الفزاري ، وقد وردت الأبيات في أمالي القالي (١ / ٢٥٨) ، وفي سمط اللآلي (٥٧٥) ، وقيل في نسخة الوحشيات : لأبي تمام (خ) والأغاني (١٩ / ١٩٢).

(٥) شطر البيت في (أ) : أبى كل ذي بيت بوتره.

(٦) في مقاتل الطالبيين والأغاني وابن أبي الحديد : (أبى كل حر أن يبيت بوتره) وفي نسخ أخرى (ترى كل حر) وفي أمالي القالي : (أرى كل ذي نبل يبيت لهجه) ، الأغاني (١٩ / ١٩٢).

(٧) كذا في ابن أبي الحديد ، وفي الأغاني (أقول لفتيان العش نرجوا) ، وفي نسخ أخرى : (على الحرب) ، وهذا البيت وما يليه في (مجموعة المعاني) الجوانب (١٣٠١ ه‍) ص (٣٩) ، وانظر مقاتل الطالبيين ص (٣٢٣) ، الأغاني (١٩ / ١٩٢).

(٨) وردت في (أ، د) : يحز.

(٩) في (ب ، ج) : اللوائم.

(١٠) في (ب ، ج) : وطعن.

(١١) بني ضبة : بطن من قريش من العدنانية ، وهم بنو ضبة بن الحرب بن منهر بن مالك ، وهنالك بنو ضبة بن عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل. انظر : معجم قبائل العرب (٢ / ٦٦٢).

٤٤٩

فزارة كان ينظر إلينا في يومنا هذا ، وأنشد (١) :

ألمت سعاد وإلمامها

أحاديث نفس وأسقامها

يمانية (٢) من بني مالك

تطاول في المجد أعمامها

وإن لنا أصل جرثومة

ترد الحوادث أيامها

ترد الكتيبة مذمومة

بها أفنها وبها ذامها

قال : وجاء سهم غائر (٣) فشغله عني (٤).

[٢٠] حدثنا أبو العباس الحسني بإسناده عن المفضل الضبي ، قال : كنت مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن صلوات الله عليه واقفا يوم قتل ، فقال لي : حرّكني بشيء ، فأنشدته : (٥)

ألا أيها الناهي فزارة بعد ما

أجدت بسير إنما أنت حالم

أبى كل ذي وتر يبيت بوتره (٦)

ويمنع منها النوم إذ أنت نائم

قفوا وقفة من يحيا لا يخز (٧) بعدها

ومن يخترم لا تتبعه اللوائم

قال : فقال لي : أعده ، فانتبهت وندمت على إنشادي إياها ، فقلت : أو غير ذلك ، فقال : لا بل أعده ، فأعدته ، فكان آخر العهد به صلوات الله عليه (٨).

__________________

(١) الأبيات في مقاتل الطالبيين ص (٣٢٢) مع بعض الاختلافات في بعض ألفاظها. وعويف ، وقيل : عوف بن معاوية بن عقبة بن حصن ، توفي سنة (١٠٠ ه‍ / ٧١٨ م) ، وقيل : ابن عقبة بن عيينة ، المشتهر بعويف القوافي.

(٢) في (ج) : ثمانية.

(٣) الغائر كل ما أعلّ العين ، ومن السهام ونحوها : الطائش لا يدري راميه ، يقال : أصابه سهم أو مقذوف غائر ، المعجم الوسيط ، مادة (غار ، أغور) ، وقوله في البيت : بها أفنها ، الأفن : ضعف الرأي ، وآلام : العيبة والنقص.

(٤) وفي مقاتل الطالبيين : وأتاه سهم غائر فقتله ، وكان آخر عهدي به ص (٣٢٣) ، انظر : مقاتل الطالبيين ص (٣١٩ ـ ٣٢٣) ، الأغاني (١٩٠ ـ ١٩٣).

(٥) نهاية الصفحة [٢٥٢ ـ أ].

(٦) شطر البيت في (أ) : أبى كل ذي وتر بيت وتره.

(٧) في (أ) : يحز.

(٨) في مقاتل الطالبيين : فقال : أعد ، وتبينت (وفي نسخ أخرى : وتبلبلت) ـ في وجهه أنه سيقتل ، فتنبهت وندمت ، فقلت : أو غير ذلك؟ قال : لا بل أعد الأبيات ، فأعدتها ، فتمطى على ركابيه فقطعهما ، وحمل ، فغاب عني ، وأتاه سهم غائر فقتله ، وكان آخر عهدي به ، مقاتل الطالبيين (٣٢٣) ، الأغاني (١٩ / ١٩٠ ـ ١٩٣).

٤٥٠

[٢١] وحدثنا أبو العباس الحسني بإسناده عن المفضل الضبي ، قال : جعلت الزيدية تحمل بين يدي إبراهيم بن عبد الله بن الحسن صلوات الله عليه ويقولون : نحن الزيدية وأبناء الزيدية.

قال : فسمعت إبراهيم عليه‌السلام «يقول لهم» (١) : رحمكم الله اسم هو أحسن من اسم الإسلام؟! ألا فقولوا نحن المسلمون وأبناء المسلمين.

قال المفضل : وأصيب إبراهيم بسهم فطافت (٢) به الزيدية ، وجعلوا يبكون ويقولون : أردنا أن تكون إماما أردنا أن تكون ملكا ، وأراد الله أن تكون شهيدا ، ويقبلون يديه ورجليه (٣).

[٢٢] حدثنا أبو العباس بإسناده (٤) عن مسعدة بن زياد العبدي (٥) ، قال : لما أصيب إبراهيم بن عبد الله بن الحسن عليه‌السلام وجاء ذلك «اليوم» (٦) إلى أهل المدينة ، قال الطالبيون : مضى والله على منهاج آبائه ، ونزل منازلهم.

قال مسعدة بن زياد : وسمعت جعفر بن محمد عليه‌السلام وقد قيل له : قتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ، فقال (٧) : مضى شهيدا ، أحب الله جل ثناؤه أن يكون شهيدا ، الحمد لله (٨) الذي بلغه ما أمله في نفسه.

__________________

(١) في (ج) : قال لهم ، وفي (ب) : ساقط.

(٢) في (ب ، ج ، د) : فأطافت.

(٣) انظر مقاتل الطالبيين ص (٢٩٨) ، الحدائق الوردية (١ / ١٧٢) ، تاريخ الطبري (٦ / ٢٦١ ـ ٢٦٢) ، والخبر في المقاتل ص (٢٩٨) على النحو التالي : أخبرنا يحيى بن علي ، وعمر ، قالا : حدثنا أبو زيد ، قال : حدثني رجل عن هشام بن محمد قال : صبر مع إبراهيم أربعمائة يضاربون دونه حتى قتل فجعلوا يقولون : أردنا أن نجعلك ملكا ، فأبى الله إلّا أن يجعلك شهيدا حتى قتلوا معه.

(٤) السند في (ب) : حدثنا أبو العباس عن إسماعيل بن يونس الشيعي ، قال : حدثنا هارون بن مسلم ، قال : حدثني مسعدة ... إلخ.

(٥) لعله مسعدة بن صدقة العبدي ، يروي عن جعفر بن محمد والنفس الزكية محمد بن عبد الله ، ومالك بن أنس ، وعنه سعيد بن عمر وغيره ، انظر : طبقات الزيدية (خ / ٢) ، لسان الميزان (٦ / ٢٢) ت (٨٣).

(٦) ساقط في (ب).

(٧) في (أ) : قال.

(٨) نهاية الصفحة [٢٥٣ ـ أ].

٤٥١

[٢٣] «وحدثنا السيد» (١) الفضل يحيى بن الحسين : وأقام إبراهيم بن عبد الله بالبصرة ، فلما كان ليلة الفطر أتاه خبر قتل محمد (٢) ، فكتمه حتى شاع في الناس ، وقدم عليه الحسين وعيسى ابنا زيد بن علي من المدينة فخرج إلى المسجد فصلى بالناس وخطب وقرأ : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ...) الآية [آل عمران : ١٤٤] ، «ثم نزل» (٣) وجلس للتعزية ، فعزاه الناس (٤).

[تجهيز أبي جعفر السفاح جيشا لقتال صاحب الترجمة]

فلما فرغ أبو جعفر من محمد بن عبد الله جهز جيشا ينفذه إلى البصرة وضم إليه سلم بن قتيبة ، فبلغ إبراهيم انفصالهم ، فأجمع للمسير إليهم ، فقال له المضاء بن القاسم (٥) : لا تفعل ، وأقم مكانك (٦) ووجه الجنود ، فأبى وسار نحوهم بنفسه ، واستخلف ابنه الحسن بن إبراهيم على البصرة.

فلما انتهى إبراهيم يريد عيسى بن موسى ، ومع إبراهيم أحد عشر ألفا وسبعمائة فارس والبقية رجّالة فتأهبوا للقتال ، وقاتلوا ، وصبر الفريقان واقتتلوا قتالا شديدا ، وانهزموا وقد استعلوا على أصحاب عيسى ، أدركهم جعفر بن سليمان من خلفهم وحمل على أصحاب إبراهيم فانهزم أصحاب إبراهيم وأخذوا يمنة ويسرة ، فجاء بشير الرحال إلى إبراهيم ، فقال : ما ترى؟ قال إبراهيم : قد ذهب الناس ، ومن رأيي مصابرة القوم إلى أن يحكم الله فيّ أمره ونادى أصحابه ، فاجتمع إليه نفر من أصحابه ، فاقتلوا أشد قتال ، فقتل إبراهيم رحمة الله عليه وجماعة معه (٧).

__________________

(١) في أصولي : قال السيد.

(٢) في (ب ، ج ، د) : أتاه قتل محمد ، ومحمد هو النفس الزكية ، انظر مقاتل الطالبيين ص (٢٩٤) وما بعدها.

(٣) ساقط في (أ).

(٤) انظر مقاتل الطالبيين ص (٢٩٤) وما بعدها.

(٥) هو المضاء بن القاسم الجزري ، انظر : مقاتل الطالبيين (٢٧٥ ، ٢٧٩ ، ٢٩٦) ، الكامل (٥ / ١٧).

(٦) في (ب ، ج ، د) : بمكانك.

(٧) انظر : تاريخ الطبري (٦) حوادث سنة (١٤٥ ه‍) ، والحدائق الوردية (١ / ١٧٢) ، مقاتل الطالبيين ، ص (٢٧٢) وما بعدها.

٤٥٢

[رأي شعبة في صاحب الترجمة والخروج معه]

[٢٤] حدثنا (١) أبو العباس الحسني بإسناده عن نصر بن حماد قال : جاء قوم إلى شعبة فسألوه عن إبراهيم (٢) بن عبد الله بن الحسن بن الحسن عليه‌السلام وعن القيام معه ، فقال : وتسألوني عن إبراهيم صلوات الله عليه وعن القيام معه ، تسألوني عن «أمر قام به» (٣) إبراهيم بن رسول الله والله لهي عندي بدر الصغرى (٤).

[٢٥] حدثنا أبو العباس الحسني بإسناده عن نصر بن حماد قال : سمعت شعبة يقول حين ظهر إبراهيم بن عبد الله بن الحسن عليهم‌السلام : قال رسول الله : «أهل بيتي في أمتي. بمنزلة النجوم ، كلّما أفل نجم طلع نجم آخر مكانه» (٥).

[٢٦] حدثنا أبو العباس بإسناده عن نصر بن حماد البجلي ، عن شعبة أنه قال حين جاء قتل إبراهيم بن عبد الله عليه‌السلام : لقد بكى أهل السماء على قتل إبراهيم بن عبد الله عليه‌السلام «فإنه» (٦) كان من الدين لبمكان (٧).

__________________

(١) السند في (ب) : أخبرنا أبو العباس عن محمد بن إسحاق الضبي ، قال : حدثنا نصر بن حماد ... إلخ.

(٢) نهاية الصفحة [٢٥٤ ـ أ].

(٣) ساقط في (أ).

(٤) ما ذكره شعبة ، أورده صاحب مقاتل الطالبيين ، وليس شعبة بن الحجاج من رأى هذا الرأي حول الجهاد مع صاحب الترجمة ، بل هناك آراء كثيرة حول ذلك ومن ذلك رأي أبي حنيفة ، وكذا الأعمش سليمان بن مهران وغيرهم ، انظر : مقاتل الطالبيين ص (٣١٣ ـ ٣١٦) ، سير أعلام النبلاء (٦ / ٢٢٤) ، الحدائق الوردية (١ / ١٧١).

(٥) الحديث : أخرجه أحمد في المناقب ، وفي زيادات المسند ، والحمدي في فرائد السمطين ، والحاكم في المستدرك ، وابن حجر في الصواعق ، والطبراني في المعجم الكبير (٧) حديث (٦٢٦٠) ، ومجمع الزوائد للهيثمي (٩ / ١٧٤) ، انظر : ينابيع المودة للقندوزي ، منتخب كنز العمال (٥ / ٤٠ ـ ٦٧) ، منتخب فضائل النبي وأهل بيته ، مركز الغدير ، مناقب الإمام علي لابن المغازلي (١ جزء) ، مناقب الإمام علي عليه‌السلام للكوفي (١ ـ ٣) مجلد. كما أخرج الحديث المرشد بالله في الأمالي الخميسية ص (١٥٣).

(٦) ورد في الأصل : (إن) ولا يستقيم المعنى بها.

(٧) انظر مقاتل الطالبيين ص (٣١٢ ـ ٣١٣).

٤٥٣

[٢٧] حدثنا (١) أبو العباس بإسناده عن عمر بن محمد بن إسحاق قال : سألت الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن عليهم‌السلام : كم كان بين مقتل عمك محمد بن عبد الله وبين مقتل أبيك صلوات الله عليهما؟

فقال الحسن : قتل أبي عليه‌السلام بعد عمي بشهرين وأيام (٢) ، وحز رأسه وحمل إلى أبي الدوانيق (٣) لعنه الله ودفن بدنه الزكي بباخمراء.

__________________

(١) بسند آخر : «حدثنا أبو العباس عن مالك بن خالد الأسدي.

(٢) كان خروج صاحب الترجمة في رمضان سنة (١٤٥ ه‍) وقيل : في ذي الحجة ، وروي عن أبي نعيم ، قال : قتل إبراهيم يوم الاثنين ارتفاع النهار لخمس بقين من ذي القعدة سنة (١٤٥ ه‍) ، وأتي أبو جعفر برأسه ليلة الثلاثاء وبينه وبين مقتله (١٨ ميلا) فلما أصبح من يوم الثلاثاء أمر برأس إبراهيم ونصب في السوق فرأيته منصوبا مخضوبا بالحناء ، الحدائق الوردية (١ / ١٧٤) ، مقاتل الطالبيين (٣٠٠) ، الطبري (٩ / ٢٦٠).

(٣) هو أبو جعفر المنصور.

٤٥٤

[(١٣) الإمام عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحسن (الأشتر)] (١)

(١١٨ ـ ١٥١ ه‍ / ٧٣٦ ـ ٧٦٨ م)

[سبب خروجه وبيعته (ع)]

خرج عبد الله بن محمد بن عبد الله المعروف بالأشتر على أبي الدوانيق في آخر خلافته بالسند وأرض كابل ونواحيها ، وكان سبب ذلك أنه كتب عبد الجبار بن عبد الرحمن صاحب خراسان إلى محمد بن عبد الله (النفس الزكية) : أنفذ إليّ بعض ولدك أدعو لك ، وكان عبد الجبار هذا من قواد أبي مسلم صاحب الدولة الذي كان زوال ملك بني أمية على يديه ، وعبد الجبار هذا من أهل خراسان «من خزاعة» (٢) ، وكان أبو جعفر قد ولّاه خراسان ، فضبط خراسان كلها ، ثم همّ أبو الدوانيق بعزله وقتله ، وكان عبد الجبار قد بايع محمد بن عبد الله ، وكتب إليه أنه تائب نادم (٣) على ما كان منه ، وأن أنفذ إليّ بعض ولدك أو ولد إخوتك ، فأنفذ إليه عبد الله بن محمد بن عبد الله المعروف بالأشتر في أربعين رجلا أو خمسين من أصحابه من أهل العراق إلى مدينة هراة ، وقبل وصوله إلى عبد الجبار بن عبد الرحمن خرج عبد الله بن محمد بن عبد الله إلى السند وبقي بها أربع سنين ، ودعا الناس إلى الإسلام فأسلم

__________________

(١) انظر : التحف شرح الزلف (١٣٣) ، مقاتل الطالبيين (٢٦٨ ـ ٢٧٢) ، والطبري (٦ / ٢٨٩ ـ ٢٩١) ، وابن الأثير (٥ / ٣٠ ، ٣١) ، الجامع الوجيز للجنداري (خ) ، عمدة الطالب لابن عنبة (١٢٧ ـ ١٢٩) ، أخبار فخ وخبر يحيى بن عبد الله وأخيه إدريس أحمد بن سهل الرازي ، دراسة وتحقيق د. ماهر جرار ص (٣٥) ، سر السلسلة العلوية ، لأبي نصر البخاري سهل بن عبد الله (بعد ٣٤٠ ه‍ / ٩٥٢ م). تحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم ، المطبعة الحيدرية النجف ١٦٦٢ م / ١٣٨١ ه‍ ، الأعلام (٤ / ١١٦ ـ ١١٧) ، اللآلي المضيئة (خ) ، الجرح والتعديل (٥ / ١٦١) ، مطمح الآمال (تحت الطبع).

(٢) ساقط في (أ).

(٣) في (أ) : فكتب أنه تائب نادم.

٤٥٥

على يديه خلق كثير وعلى السند من قبل أبي الدوانيق هشام بن عمر التغلبي ، فوقع بينهم قتال شديد ، فأراد أن يخرج من السند إلى خراسان ، وقتل بين الفريقين زهاء ثلاثة آلاف رجل ، وكان بينهما قدر خمسين وقعة في مقدار سنة ، وقتل عبد الله بن محمد بن عبد الله في الحرب (١).

[استشهاده ونعته]

وكان يوم قتل ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وكان أدم اللون (٢) ، مديد القامة ، صبيح الوجه ، تام الخلق ، يقاتل فارسا وراجلا (٣) ، وقتل في سنة إحدى وخمسين ومائة في شعبان بعد أبيه بخمس سنين ، وله عقب بالكوفة (٤) ، وقد روي أنه قتل (٥) سنة اثنتين وخمسين ومائة في رجب ، ثم ردّ أهله وولده بعد موت أبي الدوانيق لعنه الله إلى الكوفة ، وعقبه بها إلى الآن ، فهذا قتل في الحرب في أرض السند.

وأخوه علي بن محمد بن عبد الله (٦) أخذ بمصر وحمل إلى أبي الدوانيق ، فقتله في السجن (٧) بالعراق.

__________________

(١) كان صاحب الترجمة قد توجه بعد قتل أبيه إلى السند ، فقتل بكابل في جبل يقال له : علج ، وحمل رأسه إلى المنصور فأخذه الحسن بن زيد بن الحسن بن علي عليه‌السلام فصعد به المنبر وجعل يشهره للناس ، انظر : عمدة الطالب لابن عنبة ص (١٢٦) وما بعدها ، مقاتل الطالبيين (٢٨٨ ـ ٢٧٢).

(٢) نهاية الصفحة [٢٥٦ ـ أ].

(٣) هذا يؤكد أن مولده كان سنة (١١٨ ه‍ / ٧٣٦ م).

(٤) محمد بن عبد الله النفس الزكية عقب عبد الله وعبد الله عقب الحسن الأعور الجواد والذي كان أجود بني هاشم الممدوحين المعدودين ، والذي قتلته طي في ذي الحجة سنة (٢٥١ ه‍) ، وقيل : قتل أيام المعتز ، وعقب الحسن الأعور الجواد بن محمد بن عبد الله الأشتر من أربعة وهم : أبو جعفر محمد نقيب الكوفة ، وأبو عبد الله الحسين نقيب الكوفة أيضا ، وأبو محمد عبد الله ، والقاسم ، انظر : عمدة الطالب لابن عنبة ص (١٢٧ ـ ١٢٩).)

(٥) ورد بعد اللفظ : قتل في (ب) : في.

(٦) هو علي بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، أمه أم سلمة بنت الحسن بن الحسن بن علي ، وأم محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن رملة بنت سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل. كان والده قد وجهه إلى مصر ، ووجه معه أخاه موسى بن عبد الله ، وذكر الكندي أنه علوي قدم مصر زمن ولاية يزيد بن حاتم بن قبيضة من يوم الاثنين للنصف من ذي القعدة سنة (١٤٤ ه‍ / ٧٦١ م) إلى آخر شهر ربيع الآخر سنة (١٥٢ ه‍ / ٧٦٩ م) ، ولم أقف على تأريخ وفاته ، ولعل ذلك كان بعد سنة (١٥٢ ه‍). والله أعلم ، انظر : مقاتل الطالبيين (١٨١ ـ ١٨٢) ، والكامل لابن الأثير (٤ / ٣٧٤) ، الطبري (٩ / ١٩٢ ، ١٩٣ ، ١٩٨) ، أخبار فخ (٣٨ ـ ٣٩). ولاة مصر للكندي محمد بن يوسف ، بعد (٣٦٢ ه‍ / ٩٧٢ م) ، تحقيق حسين نصار ، دار بيروت دار صادر بيروت عام (١٩٥٩ م / ١٣٧٩ ه‍) ص (١٣٣ ، ١٣٧).

(٧) في (ب) : فقتله بالسجن.

٤٥٦

[(١٤) الحسن بن إبراهيم بن عبد الله (ابن النفس الرضية)] (١)

[خروجه ونص دعوته]

[٢٨] قال أبو العباس الحسني رضي الله عنه أخبرني الثقات بدعوة الحسن بن إبراهيم.

بسم الله الرحمن الرحيم. من آل ياسين إلى جماعة المسلمين .. سلام عليكم ، أما بعد :

فلو لا اعتبارنا بأبينا ، وحفظنا لأولنا ، وتمسكنا بوصية نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقيام بأمر الله تعالى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والدعاء إلى سبيل الحق إذ عصي الله في أرضه ، وحكم في عباده بغير كتابه وسنة نبيه ، ما خرجنا يترى (٢) بعضنا في أثر بعض على أي حين وفي أي زمان على هوان من الناس وشدة من الأمر في قلة من العدد ، وكثرة (٣) من العدو ، وخذلان من الناس ، يدعوا آخرنا إلى دعوة أولنا ويقتدي حينا بميتنا ، سراعا (٤) إلى الله وقدما في سبيله ، وحججا على خلقه ، ولعلهم ينتهون (٥).

__________________

(١) عمدة الطالب لابن عنبة ص (١٢٧ ، ١٣١) وما بعدها ، الكامل لابن الأثير (٥ / ١٧ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٥٧ ، ٦٦) ، الطبري (٦ / ٣٥٣ ـ ٣٥٥).

(٢) يترى : تر العضو ونحو : ترا وتورا بان وانقطع ، وتر فلان عن بلاده بعد ، وعن قومه انفرد ، انظر : المعجم الوسيط مادة : (تر).

(٣) في (أ) : وعلى كثرة.

(٤) نهاية الصفحة [٢٥٧ ـ أ].

(٥) في (ج) : يهتدون.

٤٥٧

لم ننظر إلى كثرة عدونا وقلة من تبعنا ، صدقا عند اللقاء صبرا عند الموت ، لا نفارق ألويتنا ، ولا ظلال رماحنا (١) ، حتى نمضى إلى ما أمرنا به ، وننتجز ما وعدنا به من ثوابه غير شاكّين ولا مرتابين لا نخشى إلّا الله ، أما والله صدقا وبرا.

أيها الناس لقد ضللتم بخذلانكم لنا ، وصدفكم عن الحق ، فلم تهتدوا بهدينا ، ولم تقتدوا إلّا بغيرنا (٢) ، أثرة للدنيا وحبا لها ، وركونا إليها ، إذ أخرجتم الأمر عن أهله ، وجعلتموه في غير محله ، فأصبحتم في فتن كقطع الليل المظلم ، مع غير إمام هدى (٣) ، ولا علم يرى ، فقد تفرقت جماعتكم بعد ألفتها ، وتصدعت سبلكم بعد انتهائها بإيلاء حكم الظلم والجور والأثرة علينا ، منعتمونا سهمنا ، وما جعله الله في كتابه لنا ، فصار لغيركم ولغيرنا ، يقتدي الخلف منكم بالسلف ، ويولد مولودنا (٤) في الخوف ، وينشأ ناشئنا في الغربة ، والفقر ، ويموت ميتنا بالقتل والذل والصلب ، وأنواع المثلات ، عمل قوم فرعون في بني إسرائيل ، تذبح أبناؤهم لخشية آبائهم ، وتستحيا نساؤهم ، فهذا حالنا فيكم وبين أظهركم ، افتخرت قريش على العرب بأن محمدا قرشي ، وافتخرت العرب على العجم بأن محمدا عربي ، حتى إذا تمت لقريش النعمة ، وللعرب الفضيلة بما سألوا الناس من حقنا أخّرونا ، وتقدموا ، ورأوا لأنفسهم من الفضل علينا ما لم يروه لغيرهم من سائر الناس من حقنا ، وقالوا (٥) : نحن أحق وأولى بتراث نبي الله وسلطانه ، فلا هم أنصفونا من أنفسهم إن كان هذا الأمر للقرابة ؛ إذ كنا أقرب الناس منهم ، ولا أنصفنا الناس إن أجازوا مع القرابة لمن هو أبعد رحما ولعمري لو رجت قريش الظهور في البلاد والتمكن بغير (٦) التوحيد وتصديق محمد الصادق وما أنزل عليه ، والخروج إلى عبادة الأوثان

__________________

(١) في (ب) : أرماحنا.

(٢) في (ب ، ج ، د) : ولم تهتدوا بغيرنا.

(٣) في (أ، ب ، ج) : مع غير إمام فيها.

(٤) في (ب) : مولدنا.

(٥) نهاية الصفحة [٢٥٨ ـ أ].

(٦) في (أ، ب ، ج) : بخلاف.

٤٥٨

لكتبوا أساطير أهوائهم (١) وأمنية نفوسهم ، ثم أظهروا ما في قلوبهم من النفاق والتكذيب ، ولكنهم علموا أنهم لا يسوغ لهم ذلك ولا يستقيم ما طلبوا من التملك (٢) والجبرية إلّا بتصديق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإظهار التوحيد ، فأظهروا دعوة الإسلام وأسروا النفاق ، فتلك آثارهم تنبئ عنهم ، وأحكامهم تخالف دعواهم ولو كانوا على شيء من الأمر لحفظوا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذريته ، ولم يستأثروا عليهم بفيئهم وخمس ما أفاء الله عليهم ، ثم هذا مع تعطيل (٣) الأحكام وتغيير الأقسام وإضاعة الحدود ؛ وأخذهم الرشا ، واتباعهم الهوى ، فالله الله أيها الناس ارجعوا (٤) إلى الحق وأجيبوا إليه أهله ، لا تغرنكم الآمال فإن الآمال هي الاستدراج ، قال الله عزوجل :

(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ، وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [الأعراف : ١٨٢ ، ١٨٣] [القلم : ٤٤ ، ٤٥] ، فقد أملي لمن كان قبلكم من الأمم ثم أخذوا وكانوا في إملائهم إذا أحدثوا لله معصية جدد الله لهم عليها نعمة ، «فبذلك» (٥) اغتروا واجترءوا ، فبغتهم الله بالعذاب من حيث لم يشعروا (٦) فما أغنى عنهم كيدهم وما كانوا (٧) يجمعون ، وقد قص الله عليكم ما ارتكبت بنو إسرائيل وما حل بهم من سخط الله وعذابه ، فتوبوا إلى الله أيها المسلمون وأجيبوا إلى الحق دعاتكم ، فلسنا نريد بما ندعوكم «إليه» (٨) ملكا نقهركم به ، ولا ما لا نستأثر به عليكم ولا ندعوكم إلّا لإقامة أودكم وإماتة البدع وإحياء السنن وحكم الكتاب ، لترجع ألفتكم وتكونوا إخوانا ؛ وعلى أمر الله أعوانا ؛ فأبصروا رشدكم (٩) قبل أن تقول نفس (يا حَسْرَتى عَلى

__________________

(١) في (أ) : هواهم.

(٢) في (أ، ب ، د) : ما طلبوا من التمليك.

(٣) في (ب ، ج) : ما أفاء الله فهذا تعطيل.

(٤) في (أ) : راجعوا.

(٥) ساقط في (أ، ب ، ج).

(٦) في (ب ، ج) : من حيث لا يشعرون.

(٧) نهاية الصفحة [٢٥٩ ـ أ].

(٨) في (ب) ساقط.

(٩) في (أ، ب ، ج) : فانصروا رشدكم.

٤٥٩

ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ، أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الزمر : ٥٦ ـ ٥٨].

وفقنا الله وإياكم لمحابّه وجنبنا وإياكم معاصيه ، انصروا الله ينصركم. والسلام.

[مطاردته وسجنه]

فاجتمعت الشيعة إلى الحسن عليه‌السلام ودعوا الناس إلى مكاتفته (١) على الدعاء إلى الحق ، وكان مستترا بالبصرة ، والشيعة تلقى بعضها بعضا بأسبابه ، فسعى به قرين بن يعلى الأزدي إلى أبي جعفر ، فأعطاه ثلاثة آلاف درهم ، وأرسل معه مرغيد النصراني في جماعة من الأعوان ، وكتب إلى صاحب البصرة في السمع لهم والطاعة ، فأقبلوا حتى نزلوا البصرة ، وأقبل مرغيد يظهر العبادة والتأله ومذهب الشيعة ، ومضى قرين إلى الحسن فأخبره خبره ، وعرّف بينه وبين الشيعة ، فجعلت الشيعة تصف نسكه (٢) للحسن حتى كان الحسن مشتهيا للقائه ، ومرغيد مع ذلك لا يدع صلة الحسن بالأموال ، ويقول : استعن بها على أمرك ، وكلما كتب إليه الحسن كتابا وضعه على عينه وأكل ختمه ؛ يريه بذلك في رأي العين التبارك ... إلى أن قالت له الشيعة يوما : إن الحسن يشتهي لقاءك ، فقال : أخشى أن أشهر نفسي ، ولكن أنا في حجرة فلو جاءني (٣) مع هذا وأومى إلى قرين رجوت أن يكون أغبى لأمره ، فأجابته الشيعة إلى ذلك ، وعمد مرغيد فهيأ القيود والرجال ، فلما وافاه الحسن قيده وحمله من ساعته إلى أبي جعفر على البريد ، فلما وصل إليه الحسن أمر بحبسه وبعث عميرا مولاه ، فأخذ قرينا وأخاه فعذبهما حتى قتلهما.

فقال في ذلك بعض الشيعة :

حمدت الله ذا الآلاء لمّا

رأيت قرين يحمل في الحديد

__________________

(١) في (ج) : مكانته. وهو تصحيف.

(٢) نهاية الصفحة [١٦٠ ـ أ].

(٣) في (أ) : جاء.

٤٦٠