المصابيح

الإمام أبو العباس الحسني

المصابيح

المؤلف:

الإمام أبو العباس الحسني


المحقق: عبدالله بن عبدالله بن أحمد الحوثي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٢

وقد أخرجه محمد بن جرير الطبري من خمس وسبعين طريقا ، أفرد له كتابا سماه كتاب الولاية ، وذكره الحافظ أبو العباس بن محمد بن عقدة من مائة وخمس طرق ، وقد ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري.

قال المقبلي في الأبحاث ـ مع أن حاله معلوم : إن كان هذا معلوما وإلا فما في الدنيا معلوم. انتهى.

وقال ابن حجر في الصواعق : رواه ثلاثون من الصحابة ، وفيه : اللهم وال من والاه عاد من عاداه واخذل من خذله ... إلخ.

وروى ابن حجر العسقلاني خبر الغدير عن سبعة وعشرين صحابيا ، ثم قال : غير الروايات المجملة : اثني عشر ، جمع من الصحابة ، وثلاثين رجلا ، وعده السيوطي من الأحاديث المتواترة.

قال الذهبي بهرتني طرقه فقطعت به.

وقد أشار الإمام شرف الدين عليه‌السلام في القصص الحق إلى تكرره في غير المقام كما هو معلوم ، وإلى قول الذهبي بهرتني طرقه ... إلخ ، بقوله بعد ذكر الصحابة :

وكلهم عندنا عدل رضى ثقة

حتم محبته حتم توليه

إلا أناسا من بعده لهم

أحداث سوء وماتوا في أثانيه

إلى قوله :

ما قلت إلا الذي قال خالقنا

في ذكره أو رسول الله حاكيه

فكل حادثة في الدين قد وردت

وفتنة وامتحان من أعاديه

في محكم الذكر والنقل الصحيح عن الر

سول في لفظ تنصيص وتنبيه

٢١

إلى قوله :

من مثل ما كان في حج الوداع وفي

يوم الغدير الذي أضحى يثنيه

وهو الحديث اليقين الكون قد قطعت

بكونه فرقة كانت توهيه

أبان في فضله من كان خالقنا

له يوالي ومن هذا يعاديه

وقال المقبلي في الإتحاف : أخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والنسائي ، عن بريدة. إلى قوله : فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه» ، وبهذا الحديث ، وما في معناه تحتج الشيعة على أن (مولى) بمعنى : أولى ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دل مساق كلامه أنه سوّاه بنفسه ، وإلا لما كان لمقدمة قوله : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم معنى. إلى قوله ومن أشهر ما في الباب خبر غدير خم.

وقد عزاه السيوطي في الجامع الكبير إلى أحمد بن حنبل ، والحاكم ، وابن أبي شيبه ، والطبراني ، وابن ماجه وابن قانع ، والترمذي ، والنسائي ، والمقدسي ، وابن أبي عاصم ، والشيرازي ، وابن عقدة ، والبراء بن عازب ، وعمر ، وحبشي بن جنادة ، وأبي الطفيل ، وزيد بن أرقم ، وجرير البجلي ، وجندب الأنصاري ، وسعد بن أبي وقاص ، وزيد بن ثابت ، وحذيفة بن أسيد ، وأبي أيوب ، ومالك بن الحويرث ، وحبيب بن بديل ، وقيس بن ثابت ، وعلي بن أبي طالب ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وطلحة ، وأنس ، وعمرو بن مرة. إلى أن قال : لا أوضح من هذا الدليل رواية ودلالة على أن عليا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، انتهى باختصار.

وخبر المنزلة الذي قال فيه صلوات الله عليه وآله : «فما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» ، هكذا لفظ رواية الإمام الأعظم زيد بن علي عليهم‌السلام.

وقال الإمام الهادي إلى الحق عليه‌السلام في الأحكام ، وفيه يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» ، وفي ذلك دليل على أنه قد أوجب له ما كان يجب لهارون مع موسى ما خلا من النبوة ، وهارون صلّى الله عليه فقد كان يستحق مقام موسى ،

٢٢

وكان شريكه في كل أمره ، وكان أولى الناس بمقامه ، وفي ذلك ما يقول موسى عليه‌السلام حين سأله ذا الجلال والإكرام فقال : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ، هارُونَ أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ، كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً ، وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً ، إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً) [طه : ٢٩ ـ ٣٥] ، فقال سبحانه : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) [طه : ٣٦] ، انتهى.

وهو كذلك متواتر معلوم ، قال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه‌السلام : فيه من الكتب المشهورة عند المخالفين أربعون إسنادا من غير رواية الشيعة وأهل البيت.

وقال الحاكم الحسكاني : هذا حديث المنزلة الذي كان شيخنا أبو حازم الحافظ يقول : خرجته بخمسة آلاف إسناد. ورواه في مسند أحمد بعشرة أسانيد ، ومسلم من فوق سبع طرق ، ورواه البخاري ، وعلى الجملة الأمر كما قال الإمام الحجة عبد الله بن حمزة عليه‌السلام ، والخبر مما علم ضرورة انتهى.

وقال ابن حجر في فتح الباري : واستدل بحديث المنزلة على استحقاق علي رضي الله عنه للخلافة دون من الصحابة.

وقال الطيّبي : معنى الحديث تتصل بي نازل مني منزلة هارون من موسى ، وفيه تشبيه مبهم ، بينه بقوله : إلا أنه لا نبي بعدي ، فعرف أن الاتصال المذكور بينهما ليس من جهة النبوة ، بل من جهة ما دونها ، هو الخلافة ... إلخ.

وقال ابن حجر المكي في شرح قول صاحب الهمزية :

ووزير ابن عمه في المعالي

ومن الأهل تسعد الوزراء

ما لفظه : وقد وردت فيه بمعناها على وجه أبلغ من لفظها ، وهو قوله عليه‌السلام : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» ، فإن هذه الوزارة المستفادة من هذا أخص من مطلق الوزارة ، ومن ثمة أخذ منها الشيعة أنها تفيد النص أنه الخليفة بعده ، وهو كذلك ، ثم ذكر ما يؤيد هذا الوزارة الخاصة من أن النبي آخاه دون غيره ، وأرسله مؤديا لبراءة واستخلفه بمكة عند الهجرة ،

٢٣

ثم ذكر الوجه الذي هو عنده مانع من النص على الخلافة ، وهو موت هارون في حياة موسى ... إلخ. وهو لا يفيد ما ذكره ، إذ قد ثبت الاستحقاق ، ولا يبطله موته قبله وذلك واضح ، وكفى في الرد قوله : إلا أنه لا نبي بعدي.

ومن انقاد لحكم الضرورة ، وسلّم لقضاء الفطرة ، علم ما عنى الله ورسوله بهذه الآيات الربانية ، والأخبار النبوية ، وقد قرر الأئمة الهداة ، الدلالات فيها بما لا مزيد عليه ، وقد وردت النصوص المتطابقة على لسان سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمير المؤمنين وسيد المسلمين ، وقائد الغر المحجلين ، ويعسوب المؤمنين ، وإمام المتقين ، وأنه أخوه ووصيه ووزيره ووارثه ، وولي كل مؤمن من بعده ، وباب مدينة علمه ، وعيبة علمه ، ودار الحكمة ، وراية الهدى ، ومنار الإيمان ، وإمام الأولياء ، وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنذر وهو الهادي به يهتدي المهتدون من بعده ، وأن أذنه الأذن الواعية ، وأنه لو كان من بعده نبي لكان إياه ، وأنه الأنزع البطين ، وأنه لا يجبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق ، وأنه خلق من نوره ومن شجرته ، وأنه أول من آمن به ، وأول من يصافحه ، وأنه المؤدي دينه ، ومنجز وعده ، والمقاتل على سنته ، والمقاتل على تأويل القرآن كما قاتل على تنزيله ، وقاتل الناكثين والقاسطين ، والمارقين ، وباب مدينة علمه ، وأن الحق معه ، والحق على لسانه ، والقرآن معه وهو مع القرآن ، وأنه المسمع لهم صوته ، والهادي لمن اتبعه ، وأن من اعتصم به أخذ بحبل الله ومن تركه مرق من دين الله ومن تخلف عنه محقه الله ، ومن ترك ولايته أضله الله ، ومن أخذ بولايته هداه الله ، ومن فارقه فارق الرسول ومن فارقه فارق الله ، وأن حربه حربه ، وسلمه سلمه ، وسره سره ، وعلانيته علانيته ، ومن أحبه أحبه ، ومن أبغضه أبغضه ، ومن سبه فقد سبه ، وأن طاعة علي طاعة الرسول وطاعته طاعة الله ، وأنه لا يرد عن هدى ، ولا يدل على ردى ، وباب الرسول الذي يؤتى منه ، والمبين للأمة ما اختلفوا فيه ، وما أرسل به وأن الله يثبت لسانه ويهدي قلبه ، وأن من أحب أن يحيا حياة رسول الله ويموت مماته ويدخل الجنة التي وعده ربه فليتول عليا وذريته من بعده ، وأنه أولهم إيمانا بالله ، وأوفاهم بعهد الله ، وأقومهم بأمر الله ، وأقسمهم بالسوية ، وأعدلهم في الرعية ، وأبصرهم بالقضية ، وأعظمهم عند الله مزية ، وأنه أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما ، وأنه

٢٤

سيد العرب ، سيد الدنيا وسيد في الآخرة ، وأنه منه بمنزلة راسه من بدنه ، والرسول منه وهو منه وجبريل عليه‌السلام قال : وهو منهما ، ولا يؤدي عنه إلا هو أو علي ، وأنه كنفسه ، وأنه ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجة على الأمة يوم القيامة ، وأنه إمام البررة ، وقاتل الفجرة منصور من نصره ومخذول من خذله ، وأن الله جعله يحب المساكين ، ويرضى بهم أتباعا ويرضون به إماما.

قال صلوات الله عليه وآله : «فطوبى لمن اتبعك ، وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك ، وكذب عليك».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقسما برب هذه البنية : «إن هذا وشيعته الفائزون يوم القيامة ، وأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، كرّار غير فرّار ، وأنه أحب الخلق إلى الله وإليه ، وأن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه ، وجعل ذريته في صلب علي ، وأنه يكسى إذا كسي ، ويحيا إذا حيي ، وأنه عانقه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبل ما بين عينيه ، فقال العباس : أتحبه؟ قال له : «يا عم والله لله أشد حبا له مني» ، وأنه يقدم على الله وشيعته راضين مرضيين ويقدم عدوه غضابا مقمحين ، وأن من مات على عهد رسول الله فهو في كنز الله تعالى ، ومن مات على عهد علي فقد قضى نحبه ، ومن مات يحبه بعد موته ختم الله له بالأمن والإيمان.

فهذه قطرة من أمطار ، ومجة من بحار ، ولمعة من أنوار ، مما نقلته الأمة عمن لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، ولكل واحدة منها طرق وشواهد يضيق البحث عنها ، وقد رواها الولي والعدو ، والحق ما شهدت به الأعداء.

وقد أخرج الله من بين الكاتمين ما ملأ الخافقين ، وقد قال حفاظ محدثي العامة لما بهرهم ما رووه كأحمد بن حنبل ، وإسماعيل القاضي ، والنسائي ، والنيسابوري : ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلي ، ولم يرد في حق أحد من الصحابة ما ورد فيه ، رواه عنهم الحافظ ابن حجر في فتح الباري في صفحة (٧١) بمعناه ولفظه في الجزء السابع : لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء لعلي ... إلخ.

٢٥

وقال في صفحة (٧٤) : وقد روينا عن الإمام أحمد بن حنبل قال : ما بلغنا عن أحد من الصحابة ما بلغنا عن علي بن أبي طالب.

وقال البيهقي في سياق الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم : وأما أن علي بن أبي طالب كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر ، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب كان على الحق ، والدليل على قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم أدر الحق معه حيث دار» ، وقال : «من اتخذ عليا إماما لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه» ، ومثل كلامه بلفظه قاله الرازي في مفاتيح الغيب.

وروى ابن الجوزي في تاريخه أن الإمام أحمد بن حنبل قال : إن عليا لم تزنه الخلافة ولكنه زانها ... إلخ ، وقال في شرح النهج : واعلم أن أمير المؤمنين لو فخر بنفسه وبالغ في تعديد مناقبه وفضائله بفصاحته التي آتاه الله إياها ، واختصه بها ، وساعدته فصحاء العرب كافة لم يبلغوا معشار ما نطق به الرسول الصادق صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمره ، ولست أعني بذلك الأخبار العامة الشائعة كخبر الغدير ، والمنزلة ، وقصة براءة ، وخبر المناجاة ، وقصة خيبر ، وخبر الدار بمكة في ابتداء الدعوة ، ونحو ذلك ، بل الأخبار الخاصة التي رواها فيه أئمة الحديث. انتهى.

والوارد فيه عن الله ورسوله منه ما يفيد الولاية ، والإمامة ، ومنه ما يفيد الوصاية ، كما أخرج ذلك علماء الأمة ، وقد ألف القاضي محمد الشوكاني كتابا في إثبات الوصاية (العقد الثمين) ، وغيره ، ومنه ما يفيد أن الحق معه جعلنا الله ممن اعتصم بحبل الله ، والتزم بكتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل قول وعمل.

ومن حجج الله المنيرة فيه وفي العترة المطهرة من الآيات الكريمة : آية المباهلة ، وهي قوله تعالى : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) [آل عمران : ٦١] ، وقد أجمعت الأمة على أنه لم يدع غير الوصي وابنيه وفاطمة صلوات الله عليهم ، فقد جعل الله عليا نفس الرسول بنص القرآن ، والحسنين ولدي نبيئه بمحكم الفرقان ، وحكم ذريتهم

٢٦

حكمهم ، (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الطور : ٢١] ، (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) [الأنفال : ٧٥] ، وأبان الله تعالى فضلهم على كافة البرية ، إذ خصهم سبحانه من بين أهل الأرض ذات الطول والعرض.

قال الإمام المنصور بالله عليه‌السلام في هذا الموضع : فكيف يجوز لنفس أن تتقدم على نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن قال : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) [يوسف : ١٠٥] ، (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) [العنكبوت : ٤٣]. انتهى.

وممن روى حديث المباهلة فيهم : الحسن ، والشعبي ، والزمخشري ، والبيضاوي ، والرازي ، وأبو السعود ، ومن ألفاظ الرواية ما رواه الحاكم في المستدرك عن عامر بن سعد وقال : حديث صحيح ، لما نزل قوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا ...) إلخ ، دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا وفاطمة ، وحسنا وحسينا ، وقال : «اللهم هؤلاء أهلي» ، وأخرجه مسلم في صحيحه ، وأحمد بن حنبل عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتابعين.

وقال الحاكم أبو القاسم في حديثه عن عامر قال : لما نزل قوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا ...) إلخ رواه مسلم والترمذي قال في الكشاف : وقدمهم في الذكر على النفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم‌السلام ، وفيه برهان واضح على صحة نبؤة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والبحث مستوفى في لوامع الأنوار.

نعم ، ونطوي الكلام في آية الاصطفاء ، وآية المودة ، وآية السؤال ، وغيرهن من الآيات الكريمة الخاصة ، والعامة ، ونخص بالبحث كما أشرنا سابقا آية التطهير ، وما يتبعها ، وهي قوله عزوجل : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣] ، وأخبار الكساء المعلومة بنقل فرق الأمة مصرحة بقصرها عليهم ، وحصرها فيهم ، وإخراج من يتوهم دخوله في مسمى أهل البيت بأوضح بيان ، وأصرح برهان.

٢٧

أما طريق روايتها فنذكر طرفا نافعا من الرواة المرجوع إليهم عند الأمة ، منهم : الإمام الناصر للحق الحسن بن علي ، والإمام أبو طالب ، والإمام المرشد بالله ، ومحمد بن منصور المرادي ، ومحمد بن سليمان الكوفي ، وصاحب المحيط بالإمامة علي بن الحسين ، والحاكم الجشمي ، والحاكم الحسكاني ، وابن أبي شيبة ، وابن عقدة ، وابن المغازلي ، وغيرهم بأسانيدهم ، ومالك بن أنس ، ووكيع ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، ومسلم وأبو داود ، والترمذي والدارقطني ، والثعلبي ، والواحدي ، والحاكم ، والطحاوي ، وأبو يعلى ، وأبو الشيخ ، والطبراني ، والبيهقي ، وعبد بن حميد ، ومطين ، وابن أبي داود ، وابن أبي حاتم ، وابن جرير ، وابن خزيمة وابن عساكر وابن مردويه وابن المنذر وابن منيع وابن النجار والشيخ محب الدين الطبري الشافعي صاحب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ، والبغوي وغيرهم.

والمروي عنهم من الصحابة : أمير المؤمنين والحسن السبط ، وفاطمة الزهراء عليهم‌السلام ، وعبد الله بن العباس ، وعبد الله بن جعفر ، وجابر بن عبد الله ، وأم المؤمنين أم سلمة ، وابنها عمر بن أبي سلمة ، وعائشة ، والبراء بن عازب ، وأبو سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، وسعد بن أبي وقاص بطرق تضيق عنها الأسفار ، ولا تستوعبها إلا المؤلفات الكبار ، وهي متطابقة على معنى واحد ، من جمع الأربعة علي والزهراء والحسنين مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتجليلهم بالكساء قائلا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم هؤلاء أهل بيتي ـ وفي بعضها وعترتي ، وفيه : أهلي ، وأهل بيتي. وفيه : أهل بيتي وخاصتي ، ونحوها مما لا يخرج عن هذا المعنى ـ فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» ، وفي بعضها : وفي البيت جبريل وميكائيل صلوات الله عليهما.

والرويات مفيدة لوقوع ذلك ، وتكرر نزول الآية في مقامات عديدة ، ومدد مديدة ، بل لم يزل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكرر تلاوتها عليهم ودعاءهم بها أشهرا كثيرة ، وفي بعضها : ثمانية عشر شهرا ، بيانا لكونهم أهل بيته قائلا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ... الآية.

وقد أخبر الله جل جلاله ـ مؤكدا بالحصر والقصر مبالغة ب (إنما) حتى كأنه تعالى لا يريد

٢٨

شيئا سواه ـ بإذهاب الرجس عنهم ، وتطهيرهم تطهيرا تاما ، فأفاد العصمة في الاعتقاد والأقوال ، والأفعال لأن ما يتنزه منه غير ذلك ليس بمراد قطعا.

فإن قيل : لا يلزم من وقوع الإرادة وقوع المراد.

قلنا : إدارته تعالى لا تخلو إما أن تتعلق بأفعال عباده أو بأفعاله ، إن كان الأول فمسلم عدم الملازمة ، لأنه لم يردها منهم إلا على سبيل الاختيار ، وقد بنى أمره تعالى على الابتلاء ، فهي واقفة على وجود دواعيهم وانتفاء صوارفهم ضرورة ، وإن كان الثاني وهو تعلقها بأفعاله تعالى فلا محالة من وقوع المراد إذ لا صارف حينئذ إلا ما الله منزه عنه من العجز والبداء ، تعالى الله سبحانه : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢] ، (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧] ، وقد أسند الفعلين عزوجل إليه في قوله ليذهب ويطهر صريحا حقيقة ، كما في قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [النساء : ٢٦] ، (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) [النساء : ٢٨] ، (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] ، فكل هذه قد أرادها تعالى وهي واقعة ، بخلاف ما أراد وهو موقوف على الاختيار ، كقوله تعالى : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٧] ، فقد أراد التوبة عليهم ـ وهي واقفة على اختيارهم ـ بفعل التوبة قطعا ، عقلا وسمعا : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) [النساء : ١٧] ، (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ ...) الآية [طه : ٨٢].

فإن قيل : إذا كان الإذهاب والتطهير فعله عزوجل لزم الجبر وارتفاع التكليف.

قلنا : ليس فعله في ذلك إلا الألطاف والتوفيق ، وعلى الجملة هي على معنى العصمة في الأنبياء صلوات الله عليهم ، وجماعة الأمة ، فما قيل فيها قيل فيها ، وكل على أصله ، فظهر بهذا انحلال ما ذكره الشيخ ابن تيمية في منهاجه ، وتبعه على ذلك محمد بن إسماعيل الأمير ، حيث قال بعد إيراد كلامه : قلت وهذا البحث لازم على قواعد الاعتزال بلا ريب. انتهى.

هذا وقد علم من صيغة العموم ـ التي هي الجنس المعرف باللام في الرجس الذي هو ما

٢٩

يستقبح ويستخبث ، ومن التطهير المؤكد المطلق عن المتعلق ـ إذهاب جميع ما يتنزه عنه ، فثبت بذلك العصمة على مقتضى الدليل : (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) [الأحزاب : ٤].

فإن قيل : يدخل في مسمى أهل البيت غيرهم من أهل بيت السكنى ، وأهل بيت النسب ، وأيضا الآية واقعة في سياق ذكر الزوجات ، فالمقام يقتضي أن يكن مرادات.

قلنا : الأحاديث المتواترة القاطعة معينة للمراد ، سواء كانت صارفة من الحقيقة إلى المجاز أو من معينة للمقصود من معاني المشترك ، وسواء كان باعتبار وضع لغوي أو شرعي ، وأما السياق فالسياق في الأصل ذكره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما ذكرن إلا من أجله ، فلا بعد في توسيط من هو أخص منهن وأقرب ، وقد أبان تعالى تحويل الخطاب ، بتذكير الضمير بلا ارتياب ، والآية كلام مستقل لا يحتاج إلى ما قبله ولا ما بعده ، وبعد هذا كله فدلالة السياق ظنية ، والأخبار قطعية ، والمظنون يبطل بالقاطع المعلوم ، وهي دالة على تعيينهم ، وقصرها عليهم من وجوه :

الأول : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعاهم دون غيرهم ، ولو شاركهم غيرهم لدعاه إذ هو في مقام البيان.

الثاني : اشتماله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم بالكساء ليكون بيانا بالفعل مع القول.

الثالث : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي». مؤكدا للخبر.

الرابع : تعريف المسند إليه بالإشارة المفيدة لتمييزه أكمل تمييز ، كما ذكره أهل المعاني.

الخامس : دفعه لغيرهم كأم سلمة رضي الله عنها ، وقال لها : مكانك أنت إلى خير ، وفي بعضها : لست من أهل البيت ، أنت من أزواج النبي. وفي بعضها : أنت ممن أنت منه ، فدل على إخراجها وجميع الأزواج ما تقدم.

فإن قيل في بعض الأخبار ، قالت : يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال : بلى فادخلي في الكساء فدخلت.

قلنا : روايات دفعها أكثر وأصرح ، فكانت أرجح وأوضح ، مع أنه لم يشر إليها معهم ،

٣٠

فلذا قالت : بعد ما قضى دعاءه لابن عمه وابنيه وفاطمة ، وقد بين لها ولغيرها أنهم غير داخلين في معنى الآية والدعاء ، فكان ذلك على فرض صحته إيناسا ، وتطييبا للخاطر ، وكذلك ما روي لواثلة بن الأسقع ، ولا يضر ذلك بعد البيان القاطع ، فليس إلا كقوله تعالى : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) [إبراهيم : ٣٦] ، وكقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «سلمان منا أهل البيت» ، «وشيعتنا منا» ، مما علم أن ليس المراد في أحكامهم الخاصة قطعا وإجماعا ، وإنما هم من جانبهم ، ومن المتصلين بهم ، والأمر في ذلك جلي ، والأمة مجمعة على اختلاف طرائفها على دخولهم ، وسواهم يحتاج إلى دليل ، ولا دليل بل البرهان القاطع قائم على خلافه ، وأيضا الآية دالة على العصمة قطعا ، ولا قائل من الأمة بعصمة غيرهم ، فبان عدم دخول الغير وإلا خرج الحق عن أيدي الأمة قطعا.

فإن قيل : ورد في لفظ بعض الرواة تفسير الرجس بالشك في دين الله.

قلنا : تفسيره به لا ينفي ما عداه مما علم أنه موضوع له قطعا لغة وشرعا ، فهو تنصيص على بعض أفراد العام ، لعظم التطهير منه ومزيد الاهتمام ، مع أنه تفسير للرجس لا غير ، والتطهير المؤكد الذي أخبر الله به وحذف متعلقه يقتضي العموم لكل ما يتنزه عنه ، ويطلق على إذهابه أنه تطهير كما هو معلوم ، ثم إن تلك رواية آحاد فلا تعارض ما علم من معناه الموضوع له.

فإن قيل : الحصر على الأربعة يقتضي أن لا تدخل ذريتهم في الحكم معهم.

قلنا : إنما أراد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إخراج من يتوهم دخوله ممن عداهم من الموجودين من الأقارب ، والأزواج ، لقيام القاطع على ذلك ، فأما ذريتهم فهم يدخلون في لفظ أهل البيت والعترة ، كما يدخل من يوجد من الأمة في مسمى الأمة ، وأيضا أجمعت الأمة على كونهم أهل البيت والعترة ، وإنما الخلاف في دخول غيرهم معهم ، فتحصل الإجماع عليهم قطعا ، ومن خولف في إدخاله من غيرهم قد قامت تلك البراهين على إخراجه.

٣١

هذا ولنا أيضا على إدخال ذرية الخمسة وبقائهم إلى قيام الساعة ، وأن أهل البيت الحجة على الأمة ، أخبار التمسك ، والسفينة ، وأنهم أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان أهل السماء فإذا ذهبوا من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون ، وأخبار الإمام المهدي الموعود به لإظهار دين الله ، وغير ذلك من الأحاديث المتواترة المعلومة لجميع الأمة ، لا تخبوا أنوارها ، ولا تأفل شموسها وأقمارها ، وهي صريحة في وجوب التمسك بهم ، والدخول في سفينتهم ، وفي جميع الأحكام ، وكونهم الأمان على مرور الأزمان ، فهي أصح وأصرح وأقطع للحجة من أدلة إجماع الأمة قطعا ، بل ليس للإجماع العام معهم ثمرة ، بل لم يظهر أن المراد بما ورد في الإجماع إلا جماعة العترة ، ولذا قال قائلهم :

إجماعنا حجة الإجماع وهو له

أقوى دليل على ما العلم ينبيه

فإن قيل : المراد بآل محمد فيما ورد بلفظه : أتباعه.

فالجواب : لا شك أنه قد أبلغ المعارضون مستطاعهم في رد ما فضل الله به أهل البيت ، فنقول : أما لفظ العترة والذرية فلم يستطع أي معارض المنازعة في اختصاصهم بهما ، وكذا أهل البيت ، لم يمكن لمدع أن يدعي فيه ، غاية الأمر أن يدخل معهم الزوجات ، أو يقول : هم آل علي وآل جعفر وآل عقيل ، وآل العباس ، وأخبار الكساء المعلومة بصيغة الحصر ، ورد أم سلمة ، وغيرها مانعة من دخول غيرهم ، كما أوضحناه ، وأما لفظ آل محمد فقد ادعى البعض ذلك.

وروي فيه خبرا ضعيفا عن أهل الحديث : آل محمد كل تقي ، وقد حمله من أنصف من المحدثين على أن المراد الأتقياء من أهل البيت ، لإخراج غير الأتقياء على قوله تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) [هود : ٤٦] الآية ، ذكره في الجامع الصغير ، وإن دعوى أن المراد بآل محمد أتباعه لبمكان من البطلان لا يحوج معه إلى إقامة برهان ، إذ المعلوم أن الله تعالى قد خص من يطلق عليهم هذا اللفظ بأحكام يستحيل أن يراد بها كل الأمة ، منها تحريم الزكاة على آل محمد ،

٣٢

أفتكون محرمة على كل المؤمنين ، فمن مصرفها ، ومنها : اختصاصهم بنصيبهم من الخمس ، وقد بين الله تعالى الآل بالذرية بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ، ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) [آل عمران : ٣٣ ، ٣٤] ، وفي هذا كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد.

فإن قيل : إن أهل البيت الذين ذكرت قد صار في كل فرقة منهم طائفة فمن أين لكم التعين ، وإنهم قد تجاوزوا الحصر فلا يحصون.

قلنا : والله ولي التوفيق :

أما أولا : فالمعلوم أنها قد استقرت بين ظهراني الأمة دياناتهم ، ومذاهبهم في التوحيد والعدل والإمامة ، وغير ذلك ، وهم إلى المائة دياناتهم ومذاهبهم على منهج واحد ، وصراط مستقيم فمن فارق ذلك الهدى فهو من الظالم لنفسه ، وقد فارق الحق ، وما كان الله ليحتج به ، (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [هود : ١١٣] ، (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٤] ، (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) [الكهف : ٥١] ، وقد صرحت الأدلة ببقاء الحجة فهم المستقيمون على الدين القويم.

وأما ثانيا : فليس في الأمة فرقة تدعى بأهل البيت والعترة ، وتدعي أن قولها وقول من فيها حجة إلا هؤلاء ، وقد علم بالأدلة القاطعة نجاة هذه الفرقة الهادية ، التي فيها شعار آل محمد وإظهار دينهم ، فلا يعتد بمن خالفهم ، ولو لم يكونوا هؤلاء لبطلت الأدلة القاطعة ، ولم يبق لها معنى.

وأما ثالثا : فمن كان في غير هذه الطائفة فهو خامل ، تابع غير متبوع لم تظهر له دعوة ولم تقم به حجة ، ولا ينتمى إليه ، ولم يقل هو ، ولا غيره : إنه يجب الاقتداء به ، وعلى الجملة فإجماع الأمة على أنه لا يعتد به في إجماع أهل البيت ، أما هذه الطائفة فلأن عندهم أن من خرج من فريقهم فهو غير معتد به ، وأما غيرهم فلا يقولون به ، ولا بغيره ، فلو لم يعتد بهؤلاء

٣٣

الذين في طائفة الحق لبطلت الأدلة القاطعة على وجود الحجة والخليفة والسفينة المنجية والأمان.

تعيين أهل السنة والجماعة ، وبيان أهل البدعة والفرقة

اعلم أنه عظم الخطب ، وعم الخبط ، وكثرت المنازعة في هذه الأسماء الأربعة وصارت كل فرقة تدعي لها محمودها وتنفي عنها مذمومها ، وترمي بها خصومها ، والحق ما صح دليله واتضح سبيله ، وقد سبق من أدلة الكتاب المبين ، وسنة الرسول الأمين صلى الله وسلم عليه وآله المطهرين ما فيه بلاغ لقوم عابدين.

وقد أبان المراد بأبلغ البيان وأقام عليه أقوم البرهان باب مدينة علم أخيه المبين للأمة ما يختلفون فيه من ذلك ما أخرجه الإمام الناطق بالحق أبو طالب عليه‌السلام بسنده في أماليه قال : سأل ابن الكواء أمير المؤمنين عليه‌السلام عن السنة والبدعة ، وعن الجماعة والفرقة ، فقال عليه‌السلام : يا ابن الكواء حفظت المسألة فافهم الجواب :

السنة والله سنة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والبدعة والله ما خالفها ، والجماعة والله أهل الحق وإن قلّوا ، والفرقة والله متابعة أهل الباطل وإن كثروا.

وأخرج السيوطي في جمع الجوامع في مسند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. قال : أخرجه وكيع من رواية الإمام المظلوم النفس التقية يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن عليهم‌السلام. ولفظه عن يحيى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه قال : كان علي يخطب فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة ومن أهل الفرقة؟ ومن أهل البدعة؟ فقال : (ويحك أما إذا سألتني فافهم عني ولا عليك ألا تسأل عنها أحدا بعدي ، فأما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلوا وذلك الحق عن أمر الله ، وأمر رسوله ، وأما أهل الفرقة

٣٤

فالمخالفون لي ولمن اتبعني وإن كثروا ، وأما أهل السنة فالمستمسكون بما سنة الله ورسوله وإن قلوا ، وأما أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله ولكتابه ، ولرسوله العاملون برأيهم ، وأهوائهم ، وإن كثروا وقد مضى منهم الفوج الأول ، وبقيت أفواج وعلى الله قصمها عن حدبة الأرض.

فقام إليه عمار فقال : يا أمير المؤمنين إن الناس يذكرون الفيء ، ويزعمون أن من قاتلنا فهو وماله وأهله فيء لنا وولده ، فقام إليه رجل من بكر بن وائل يدعى عباد بن قيس وكان ذا عارضة ، ولسان شديد فقال : والله يا أمير المؤمنين : ما قسمت بالسوية ، ولا عدلت ، وساق إلى قوله : فقال علي عليه‌السلام إن كنت كاذبا فلا أماتك الله حتى تلقى غلام ثقيف ، فقال رجل من القوم : ومن غلام ثقيف يا أمير المؤمنين فقال : رجل لا يدع لله حرمة إلا انتهكها ، قال : فيموت أو يقتل ، قال : بل يقصمه قاصم الجبارين قبله بموت فاحش يحرق منه دبره لكثرة ما يجري من بطنه ، يا أخا بكر أنت امرؤ ضعيف الرأي ، أو ما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير ، وأن الأموال كانت لهم قبل الفرقة ، وتزوجوا على رشدة ، وولدوا على الفطرة ، وإنما لكم ما حوى عسكرهم ، وما كان في دورهم فهو لهم ميراث وإن عدا علينا أحد منهم أخذناه بذنبه ومن كف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره إلى قوله صلوات الله عليه : يا أخا بكر أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها ، وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بحق فمهلا مهلا إلى قوله :

فقام عمار فقال : يا أيها الناس إنكم والله إن اتبعتموه وأطعتموه لم يضل بكم عن منهاج قيد شعرة ، وكيف يكون ذلك ، وقد استودعه رسول الله المنايا ، والوصايا ، وفصل الخطاب على منهاج هارون بن عمران إذ قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وآله وسلم : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» فضلا خصه الله به وإكراما منه لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث أعطاه ما لم يعط أحدا من خلقه ، ثم قال علي : انظروا رحمكم الله ما تؤمرون فامضوا له فإن العالم أعلم بما يأتي به من الجاهل الخسيس الأخس ، فإني حاملكم إن شاء الله إن أطعتموني على سبيل الجنة ، وإن

٣٥

كانت ذا مشقة شديدة ، ومرارة عتيدة ، والدنيا حلوة ، والحلاوة لمن اغتر بها من الشقوة ، والندامة عما قليل ، ثم إني مخبركم أن جيلا من بني إسرائيل أمرهم نبيهم ألا يشربوا من النهر فلجوا في ترك أمره فشربوا منه إلا قليلا منهم ، فكونوا رحمكم الله من أولئك الذين أطاعوا ربهم ولم يعصوا ربهم.

وأما عائشة فأدركها رأي النساء ، وشيء كان في نفسها عليّ يغلي في جوفها كالمرجل ، ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إلي ، لم تفعل ، ولها بعد ذلك حرمتها الأولى ، والحساب على الله إلى آخر كلامه صلوات الله عليه ، وقد ساق السيد الإمام علي بن عبد الله بن القاسم في الدلائل ، رواية السيوطي إلى قوله : من حدبة الأرض ، قال : فهذه رواية أهل الحديث لها.

وأما رواية الشيعة لها فما أخرجه الحجوري في روضته بإسناده إلى معاذ البصري من طريق العبدي عن أبيه عن جده أن عليا لما فرغ من أهل الجمل نادى بالصلاة جامعة ، ثم ساق الحديث إلى أن قال : وصلى بالناس في المسجد الأعظم ، وساق لفظ الخطبة ، من جملتها الحديث الذي رواه السيوطي عن الإمام يحيى بن عبد الله بلفظه. انتهى.

ومما ورد من النصوص بلفظ السنة والجماعة على الخصوص ، الخبر الطويل الذي أخرجه أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخرجه الإمام المنصور بالله عليه‌السلام في الشافي ، وصاحب الكشاف عند تفسير قوله جل وعلا : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣] ، والرازي في (مفاتيح الغيب) وفيه : (ألا من مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة) ونحوه في إشراق الإصباح ، وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحب حسنا ، وحسينا ، وأباهما ، وأمهما كان معي في الجنة ، ومات متبعا للسنة» ، أخرجه أبو داود ، وفي معناها أخبار لا حاجة لاستقصائها ، والحق أوضح من فلق النهار لأولي الأبصار.

وإن من أبين البدعة ، وأوضح الفرقة ابتداع البدعة ، واتباع الفرقة ، وتسمية ذلك سنة وجماعة ، ولزوما للطاعة ، وبالله عليك إن كنت ممن يؤمن بالله ورسوله ، ويحكم كتاب الله

٣٦

وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل تستقيم دعوى من يدعي اتباع السنة النبوية مع رفضهم للعترة المحمدية الموصى بهم في الأخبار المتواترة الضرورية ، المطهرين من الرجس بنص الكتاب ، المسئولة مودتهم على جميع ذوي الألباب ، فما يكون الجواب على الله ، ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم العرض والحساب؟ وكيف يكون الحال ، وأئمة تلك السنة المركون إليها الدعاة إلى النار في متواتر الأخبار؟ وهب أن هؤلاء الأعمار ، خف عليهم ذلك الأصل المنهار ، المؤسس على شفا جرف هار ، فأي عذر لهم في الائتمام بالفجار ، والمحاماة عن أعداء الله ، وأعداء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتولي والترضي عن أولئك الطغاة البغاة الأشرار ، والنصب والرفض لنجوم آل محمد الأطهار ، والسب والبغض لأولياء العترة الأبرار : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ ، إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ ، وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) [البقرة : آية ١٦٥ ـ ١٦٧].

فتلك سنتهم على زعمهم التي ابتدعوها ، وجماعتهم التي اتبعوها ، وهي سنة المضلين ، وجماعة الظالمين المخالفة لكتاب الله رب العالمين ، وسنة سيد المرسلين عليهم الصلاة والسّلام ، والمفارقة لجماعة وصية إمام المتقين ، وأهل بيته قرناء الذكر المبين عليهم‌السلام ، ولصحابة الرسول السابقين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين رضوان الله عليهم أجمعين ، (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) [النساء : ١١٥] ، (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) [الجاثية : ١٩] ، (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) [ص : ٨٨] ، (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) [المائدة : ٥٦] ، (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) [الأنبياء : ١١٢].

ونرجو الله التوفيق إلى أقوم طريق بفضله وكرمه ، والله أسأل أن يصلح العمل ليكون من

٣٧

السعي المتقبل ، وأن يتداركنا برحمته يوم القيام ، وأن يختم لنا ولكافة المؤمنين بحسن الختام إنه ولي الإجابة ، وإليه منتهى الأمل والإصابة ، (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [الأحقاف : ١٥] ، وصلّى الله وسلّم على سيدنا ومولانا محمد وآله الطاهرين حملة السنة والكتاب.

مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي الحسني

غفر الله له وللمؤمنين كافة

٣٨

مقدمة التحقيق

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسّلام على أشرف الخلق سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم. المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله قرناء الكتاب المبين ، والحاملين لواء سنة جدهم عبر القرون والسنين ، وعلى صحابته الراشدين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين آمين.

وبعد :

فهذا كتاب (المصابيح من أخبار المصطفى والمرتضى والأئمة من ولدهما الميامين الأطهار) تأليف الإمام المناظر الفقيه المحيط بألفاظ العترة النبوية المطهرة السيد : أبي العباس أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين. ينشر للمرة الأولى بعد دراسته وتحقيقه والتعليق عليه.

ويليه : (تتمة المصابيح) للعلامة الشيخ علي بن بلال الآملي الزيدي.

أما عن التحقيق فقد اعتمدت على أربع نسخ خطية ، ولكي يتضح ما قمت به في سبيل إخراج هذا الكتاب بقسميه إلى حيز التداول قدّمت بدراسة مصغرة أوضحت خلالها المواضيع الآتية :

أولا : خطة ومنهج تحقيق المخطوطة (النص).

٣٩

ثانيا : بين المخطوطة ومؤلفها.

ثالثا : وصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق.

وكل ذلك مرتبا على النحو التالي :

أولا : خطة ومنهج تحقيق المخطوطة

خطة التحقيق

الهدف الأساسي لدراسة وتحقيق الكتاب الذي بين أيدينا يدور على زوايا عدة من أهمها :

إحكام وضبط مادة الكتاب طبقا لما صنفه مؤلفه أو على الأقل مقاربا لذلك ، إضافة إلى التثبت من نسبة الكتاب لمؤلفه وترجمة المؤلف ، والتعرف على أماكن وجود النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق وكذا وصف كل واحدة منهن ، وأخيرا توضيح أهمية وتحليل موضوع المخطوطة ، وكذا منهج ومصادر المؤلف.

صعوبات واجهت المحقق

لقد واجهتني في سبيل دراسة وتحقيق الكتاب الذي بين أيدينا بقسميه المصابيح وتتمته صعاب عدة ولا أبالغ إذا قلت أنه لم / تكاد / تمر صفحة واحدة إلا وواجهتني فيها شيء من ذلك ، ويمكن توضيح أهم تلك الصعوبات في النقاط التالية :

١ ـ اختصار السند في جميع النسخ المعتمدة في التحقيق ـ إذ ورد في تلك النسخ السند كاملا حتى الخبر رقم (٧) وبعد ذلك ذكر ما لفظه : (ومن هنا اختصار في السند).

٢ ـ عدم وقوفي على بعض الكتب التي ألفت في أخبار بعض من ترجمهم المؤلف ومن ذلك على سبيل المثال بعض كتب نصر بن مزاحم ، وأبو مخنف : لوط بن يحيى ، والواقدي ،

٤٠