المصابيح

الإمام أبو العباس الحسني

المصابيح

المؤلف:

الإمام أبو العباس الحسني


المحقق: عبدالله بن عبدالله بن أحمد الحوثي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٢

فقال : يا أمير المؤمنين إن شئت أن تجعلني حكما أو ثانيا أو ثالثا فإنه لا يعقد عقدة إلّا حللتها ، ولن (١) يحل إلّا عقدت فأبى الناس ذلك ، ثم إن أبا موسى وعمرو بن العاص أخذا على علي عليه‌السلام ومعاوية عهد الله بالرضى بما حكما به من كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن على الحكمين أن يحكما بكتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن لم يفعلا برئت الأمة من حكمهما ، وللحكمين أن ينزلا منزلا عدلا بين أهل العراق والشام لا يحضرهما فيه إلّا من أحبا عن ملأ منهما وتراض. والناس آمنون على أنفسهم وأهاليهم وأموالهم إلى انقضاء مدة الأجل (٢) والسلاح موضوع ، والسبيل مخلاة (٣) ، وكان الكتاب في صفر والأجل الذي يلتقي فيه إليه الحكمان شهر رمضان.

ثم إن الأشعث خرج بالكتاب يقرؤه على الناس فرضي به أهل الشام ، ثم مرّ برايات عنزة ، وكان منهم مع علي عليه‌السلام أربعة آلاف مجفف (٤) ، فلما قرأه عليهم قال معدان وجور ـ أخوان ـ : لا حكم إلّا لله فهما أول من حكّم ، ثم حملا على أهل الشام ، ثم مرّ به على مراد فقال صالح بن شقيق :

ما لعليّ في الدماء قد حكم

لو قاتل الأحزاب يوما ما ظلم

لا حكم إلّا لله ورسوله.

وقال بنو راسب كذلك ، وكذلك رجل من تميم ، وآخر يقال له : عروة بن أذيّة حتى قالوا : يحكمون الرجال (٥)؟! وقالوا لعلي : ارجع وتب كما رجعنا وتبنا وإلّا برئنا منك فإنا لسنا نرضى بما في الصحيفة ، ولا نرى إلّا قتالهم.

__________________

(١) في (أ) : ولا.

(٢) في (ب ، ج) : إلى انتهاء مدة الأجل.

(٣) انظر وقعة صفين ص (٥٠٤) وما بعدها.

(٤) المجفف : لا بس التجفاف ، وأصله ما يخلل به الفرس من سلاح وآلة تقيه الجراحة.

(٥) وفي وقعة صفين (ثم مر على رايات بني تميم فقرأها عليهم فقال رجل منهم : لا حكم إلا لله ، يقضي بالحق ، وهو خير الفاصلين. فقال رجل منهم لآخر : أما هذا فقد طعن طعنة نافذة ، وخرج عروة بن أدية أخو مرداس بن أدية التميمي فقال : (أتحكمون الرجال في أمر الله؟ لا حكم إلا لله). وبنو تميم : قبيلة كبيرة تفرقت إلى فرق عديدة. وهذه القبيلة هي التي اشتركت في قتل حجر بن عدي ، وقاتلت الحسين ، وشيعته ، وقتلت منهم سبعة عشر رأسا ، انظر : معجم قبائل العرب لكحالة (١ / ١٢٥ ـ ١٣٣).

٣٢١

فقال علي عليه (١) السلام : ولا أنا رضيت ، ولكن لا رأي لمن لا يطاع ، ولا يصلح الرجوع إلّا أن نعصي الله ونتعدى ما في كتابه فنقاتل من ترك أمره ، ثم إن الناس أقبلوا على قتلاهم يدفنونهم.

وكان عمر بن الخطاب دعا حابس بن سعد الطائي (٢) يولّيه قضاء حمص ، فانطلق يسيرا ، ثم رجع فقال : إني رأيت رؤيا.

فقال : هاتها.

قال : رأيت كأن الشمس أقبلت من المشرق ومعها جمع عظيم ، وكأن القمر أقبل من المغرب معه جمع عظيم.

فقال له عمر : مع أيهما كنت؟

قال : كنت مع القمر.

قال : كنت مع الآية الممحوة تقاتل إمام العدل مع إمام الجور ، فتكون مع الجاني ، لا والله لا تلي لي عملا ، فشهد مع معاوية بصفين ، فقتل يومئذ (لعنه الله) (٣).

[اجتماع الحكمين] (٤)

ثم إن عليا عليه‌السلام بعث شريح بن هانئ في أربعمائة ، وعبد الله بن عباس يصلي بهم ومعهم أبو موسى ، وجاء عمرو بن العاص في أربعمائة إلى دومة الجندل ، فنزل عمرو بأصحابه

__________________

(١) نهاية الصفحة [١٦٣ ـ أ].

(٢) هو : حابس بن سعد ، ويقال : ابن ربيعة بن المنذر بن سعد الطائي يقال : إن له صحبة ، روى عن أبي بكر ، والزهراء عليها‌السلام ، وعنه : أبو الطفيل ، وجبير بن نفير ، وغيرهما. كما روى عنه سعد بن إبراهيم ولم يدركه. تولى القضاء في خلافة عمر ، وقتل بصفين ، انظر : تهذيب التهذيب (٢ / ١٢٧) ، التقريب (٩٩٥) ، وقال فيه : مخضرم ، وقيل : له صحبة ، تهذيب الكمال (٥ / ١٨٣ ت ٩٩٠) ابن سعد (٧ / ٤٣١) ، التاريخ الكبير (٣ / ت ٣٦٥) ، الجرح (٢ / ت ١٣٠١) ، الكاشف (١ / ١٩١).

(٣) خبر رؤيا حابس الطائي وذكر مقتله وأخبار أخرى متعلقة به أوردها نصر بن مزاحم في كتابه وقعة صفين ص (٥٢١ ت ٤٢٤) ، وابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمته (١ / ٣٤٤ ت ٣٨٩).

(٤) انظر : وقعة صفين ص (٤٩٧) وما بعدها ، أعيان الشيعة (١ / ٥١٢) وما بعدها ، شرح النهج (٢ / ٢٠٦) ، بالإضافة إلى المصادر التاريخية المشار إليها في مصادر ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٣٢٢

وابن عباس وشريح وأبو موسى مقابلهم ، وابن عباس يعظ أبا موسى ويقول : إنما هو عمرو فلا تغترن بقوله ، فتدافعا قريبا من شهرين يجتمعون بين يومين وثلاثة ، وكان رأي أبي موسى في ابن عمر ، فقال عمرو : يا أبا موسى كنا مع رسول الله وأبي بكر وعمر نجاهد ونقاتل المشركين واليوم كما ترى ، وبكى ، ثم نال من معاوية ، وذكر أنه لا يرضى بشيء من فعله ، فقال أبو موسى : وأنا كذلك لا أرضى بعلي وذمه ، وجعل ابن عباس يستقرئه ما يجري بينهما ، ويكتمه أبو موسى (١) ، ثم إن أبا موسى (٢) أتى عمرا يستخبره ما يريد ، فقال : إن شئت أحيينا سنة عمر.

قال : إن كنت تريد أن تبايع ابنه فما يمنعك من ابني؟

قال : إنه رجل صدق ، ولكنك غمسته في الفتنة.

قال : صدقت ، ثم أقبلا إلى الناس وهم مجتمعون ، فقال له (٣) : اصعد وتكلم ، وقد كان ابن عباس قال له : قدم عمرا قبلك ثم تكلم بعده ، فإنه رجل غدار ، فصعد أبو موسى المنبر بين العسكرين ، فقال : اشهدوا أني قد خلعت عليا ، ونزع خاتمه من يده وقال : كما ترون خلعت هذا الخاتم ثم نزل ، ثم صعد عمرو (٤) فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : قد سمعتم خلعه صاحبه وقد خلعته أنا ـ وبيده خاتم ـ وقال : وأثبت صاحبي كما أثبت هذا الخاتم في إصبعي هذه ، وأدخله إصبعه.

فقال أبو موسى : لا وفقك الله غدرت وخنت ، مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، فقال عمرو : ومثلك مثل الحمار يحمل أسفارا.

والتمس أصحاب علي عليه‌السلام أبا موسى فركب ناقته ولحق بمكة ، فكان ابن عباس يقول : قبح الله أبا موسى قد حذرته فما عقل ، وكان أبو موسى يقول : حذرني ابن عباس غدرة الفاسق.

__________________

(١) نهاية الصفحة [١٦٤ ـ أ].

(٢) في (أ) : ابن عباس.

(٣) في (ب ، ج) : وقال عمرو.

(٤) في (ب ، ج) : وصعد عمرو المنبر.

٣٢٣

[حديث الخوارج وقتالهم]

[١٦٦] أخبرنا محمد بن جعفر القرداني بإسناده عن أبي مخنف أن الخوارج قالوا : لا حكم إلّا لله ، وقد كفرنا بترك الجهاد ، وكفر علي ومعاوية ، فقال علي عليه‌السلام : توبوا فلم تكفروا ، وارجعوا إلى حرب عدوكم.

قالوا : لا حتى تقر (١) بالكفر على نفسك.

قال : ويحكم أنتم فعلتم بأنفسكم وتركتم أمري وخالفتموني ، فخرج اثنا عشر ألفا من العراقين ، رئيسهم شبث بن ربعي وعبد الله بن الكواء ، وعبد الله بن أوفى ووهب الراسبي أصحاب الصوف والبرانيس ، فأرسل أمير المؤمنين عليه‌السلام إليهم أبا أيوب الأنصاري وصعصعة بن صوحان (٢) ، ثم صار إليهم بنفسه في اليوم الثالث ، واحتج عليهم وندموا على ذلك ، فانصرفوا إلى الكوفة ، وأجمع أمير المؤمنين عليه‌السلام علي المسير إلى الشام ووافقوه في ذلك (٣) ، فجمع من الحجاز والبصرة ومن نواحيها أربعين ألفا ، ثم خرج وقدم عليه ابن عباس من البصرة ، وسهل بن حنيف الأنصاري (٤) من المدينة في أهل الحجاز ، وعدي بن حاتم الطائي في جبل طيئ ، ومسعود بن سعد في أهل المدائن وواسط (٥) ، وأنفذ في مقدمته قيس بن

__________________

(١) نهاية الصفحة [١٦٥ ـ أ].

(٢) هو : صعصعة بن صوحان أبو طلحة ، أحد خطباء العرب من كبار أصحاب الإمام علي ، روى عن الإمام علي وابن عباس بقي إلى عهد معاوية ، وثقه ابن سعد ، وكان شريفا ، مطاعا ، فصيحا مفهوما ، حدث عنه الشعبي وابن بريدة والمنهال بن عمر ، انظر : سير أعلام النبلاء (٣ / ٥٢٨ ـ ٥٢٩) / طبقات ابن سعد (٦ / ٢٢١).

(٣) في (ب) : ووافقواه في ذلك.

(٤) هو : سهل بن حنيف ، أبو ثابت الأنصاري الأوسي العوفي ، والدأبي أمامة بن سهل وأخو عثمان بن حنيف ، قيل : شهد بدرا ، حدث عنه ابناه : أبو أمامة ، وعبد الله ، وعبيد بن السباق ، وأبو وائل ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وآخرون ، وكان من أمراء الإمام علي كرم الله وجهه ، مات بالكوفة في سنة ثمان وثلاثين ، صلّى عليه الإمام علي ، انظر : سير أعلام النبلاء (٢ / ٣٢٥ ـ ٣٢٩) ، طبقات ابن سعد (٦ / ١٥) ، (٣ / ٤٧١) ، الاستيعاب (٢ / ٦٦٢) ، أسد الغابة (٢ / ٤٧٠).

(٥) هو : مسعود بن سعد الجعفي أبو سعد ، كوفي ، روى عن عطاء بن السائب ، ومطرف والأعمش ، ويزيد بن أبي زياد ، ومحمد بن إسحاق ، روى عنه أبو نعيم ، ومالك بن إسماعيل ، وإسماعيل بن أبان الوارق ، وعبد العزيز بن الخطاب ، انظر : الجرح والتعديل (٨ / ٢٨٣ ، ٢٨٤) ، تهذيب التهذيب (١٠ / ١١٧) ت (٦٩١٩) ، التقريب (٦٦٣١) ، تهذيب الكمال (٢٧ / ٤٧٢ ت ٥٩١٠).

٣٢٤

سعد بن عبادة (١) في ستة آلاف ، فمضى إلى أرض الجزيرة ، وسار أمير المؤمنين عليه‌السلام حتى نزل أرض مسكن (٢) ، فلما كان في بعض الطريق من الليل خرج من أهل البصرة والكوفة سبعة آلاف ، ويقال : ثمانية آلاف رجل ، فأغاروا على السواد ، وقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت (٣) والي المدائن وأم ولده وولدا له صغيرا ، ورجلا من بني أسد كان يحمل الميرة إلى عسكر علي عليه‌السلام ، فقيل لعلي : كيف تخرج وعدونا في مكاننا يغير علينا ، فانصرفوا وانصرف أمير المؤمنين إلى الكوفة ، ومضى الخوارج إلى شهرزور ونواحيها (٤) ، يغيرون ويقتلون (٥) ويسبون ، ورئيسهم من أهل الكوفة عبد الله بن وهب وزيد بن حصن ، ومن أهل البصرة مسعر بن فدكي والمستورد بن علقمة.

فسار إليهم علي مع قيس بن سعد ، وسهل بن حنيف ، ومعقل بن قيس ، وشريح بن هانئ ، ومالك الأشتر ، في زهاء عشرة آلاف رجل ، فلما صار إلى النهروان خاطبهم واحتج إليهم

__________________

(١) هو : قيس بن سعد بن عبادة بن ديلم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج ، أبو عبد الله ، روى عنه عبد الله بن مالك الحيشاني ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وأبو عمار الهمداني ، والشعبي ، وآخرون ، قيل : شهد فتح مصر ووليها للإمام علي كرم الله وجهه ، مات بعد خروجه إلى الشام في آخر ولاية معاوية ، انظر : سير أعلام النبلاء (٣ / ١٠٢ ـ ١١٢) ، طبقات ابن سعد (٦ / ٥٢) ، مروج الذهب (٣ / ٢٠٥) ، أسد الغابة (٤ / ٢١٥).

(٢) موضع قريب من أوانا على نهر دجيل عند دير الجاثليق. معجم البلدان لياقوت (٥ / ١٢٧ ـ ١٢٨).

(٣) هو : عبد الله بن خباب بن الأرت المدني حليف بني زهرة. روى عن أبيه وأبي بن كعب ، وعنه عبد الله بن الحارث بن نوفل ، وعبد الله بن أبي الهذيل ، وسماك بن حرب ولم يدركه قال العجلي : ثقة من كبار التابعين قتلته الحرورية أرسله إليهم علي فقتلوه ، روى له الترمذي ، والنسائي حديثا. قال الغلابي : قتل سنة (٣٧ ه‍) ، وكان من سادات المسلمين. ذكره ابن حبان في الثقات ، انظر : تهذيب التهذيب (٥ / ١٩٦) ت (٣٤٠٠).

(٤) شهرزور : بالفتح ثم السكون وراء مفتوحة بعدها زاي ، وواو ساكنة وراء كورة واسعة في الجبال بين إربل ، وهمذان أحدثها زور بن الضحاك ، وأهل هذه النواحي أكراد ، انظر معجم البلدان لياقوت (٣ / ٣٧٥ ـ ٣٧٦).

(٥) نهاية الصفحة [١٦٦ ـ أ].

٣٢٥

حتى انصرف منهم ألفا رجل ، فلما يئس من رجوع من بقي حاربهم على شط النهروان عند الوادي غدوة حتى هزمهم وقت الظهر وقتلهم ، فما نجا منهم إلّا أقل من عشرة ، وقتل فيهم ذا الثدية (١) ، وانصرف علي عليه‌السلام إلى الكوفة.

[مقتل محمد بن أبي بكر ومالك الأشتر رحمهما‌الله تعالى]

[١٦٧] [أخبرنا محمد بن جعفر القرداني بإسناده عن أبي مخنف عن رجاله] (٢) قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام ولى مصر حين منصرفه من الجمل قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ، وكان عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وهو الذي أنزل الله فيه : (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) [الأنعام : ٩١] ، من قبل عثمان ، وكان منافقا ، أمر رسول الله بقتله يوم فتح مكة لأنه ارتد عن الإسلام (٣) ، فلما سمع بقدوم قيس هرب إلى الشام ، وخرج قيس في عشرين من بني عمه ومواليه ، وكان من دهاة أهل زمانه وأحسنهم مداراة للولي والعدو ، فلما قدم مصر أرضى الجميع وألف بينهم ، وكاتبه معاوية يستميله (٤) ، فأجابه : لست ممن أبيع الدين بالدنيا وأتبعك ، ولو جعلت لي سلطانك كله فإنك منافق جلف جاف (٥) ، وكان محمد بن

__________________

(١) أحد الخوارج كان أحد أصحاب أمير المؤمنين ، يحدث أصحابه قبل ظهور الخوارج أن قوما يخرجون يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية علامتهم رجل مخدع ، وكيل ، مخدج اليد أي ناقص ، وهو رجل على ثديه مثل سبلات السنور رجلا أسود فنين الريح له ثدي كثدي المرأة إذا مدت كانت بطول الأخرى وإذا تركت اجتمعت وتقلصت وصارت كثدي المرأة عليها شعرات مثل شوارب الهرة ، انظر شرح النهج (٢ / ٢٧٥ ـ ٢٧٧) ، مروج الذهب ط (٥) (٢ / ٤١٧).

(٢) في أصولي : أخبرنا أبو مخنف وهو خطأ ؛ إذ أن المؤلف لم يروي عن أبي مخنف للفارق الزمني بينهما وإنما سند المؤلف إلى أبي مخنف عن طريق القرداني السالف الذكر للراوي للرواية السابقة.

(٣) انظر الخبر في سير أعلام النبلاء (٣ / ٣٣) ، سنن أبي داود حديث (٤٣٥٨) ، والنسائي (٧ / ١٠٧) ، في تحريم الدم ، تأريخ دمشق. وتفسير الطبري (٥ / ٢٦٨) وما بعدها ، الروايات (١٣٥٦٠ ، ١٣٥٦٣).

(٤) في (ج) : ليستميله.

(٥) نهاية الصفحة [١٦٧ ـ أ].

٣٢٦

أبي بكر (رحمة الله عليه) أخا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب لأمه أسماء بنت عميس ، وكان لعبد الله في تولية محمد رأي ، فسأل أمير المؤمنين توليته مصر فولّاه (١) ، وصرف قيس بن سعد ، فخرج إليها وكان بها حتى خرج عليه معاوية بن حديج (٢) ، وذلك لقدوم عمرو بن العاص من الشام في خيل ، فقاتله محمد فجرح وأسر ، وجعله معاوية بن حديج في جلد حمار وأحرقه ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام فاشتد حزنه ومصيبته به ، ثم دعا مالك بن الحارث الأشتر وأمره بالتجهيز (٣) إلى مصر وولّاه إيّاها ، فبلغ أوائل مصر ونزل ، وقد كان معاوية دسّ إليه من بني أمية من يسقيه سما في عسل ، وكان مالك (رحمه‌الله) مولعا بالعسل ، فتناوله فكانت منه منيته ، فقال معاوية : إن لله جنودا من عسل (٤).

[١٦٨] أخبرنا أبو زيد عن رجالة عن عوانة بن الحكم قال : لما جاء هلاك مالك الأشتر عليا عليه‌السلام قال : إن مالك بن الحارث قد قصى نحبه ووفى عهده ، ولقي ربه ، رحم الله مالكا ، وما مالك لو كان حديدا لكان فندا ـ أي صليبا شديدا ـ ولو كان حجرا لكان صلدا ، رحم الله مالكا ، وهل مثل مالك؟ ، وهل قامت النساء عن مثل مالك ، وهل موجود كمالك ، ثم قال : أما والله إن هلاكه قد أعز أهل المغرب وأذل أهل المشرق.

[صفة أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وحليته]

[١٦٩] أخبرنا محمد بن جعفر القرداني بإسناده عن زيد بن علي (٥) عليه‌السلام قال : قلنا

__________________

(١) في (أ) : فسأله يوليه مصر فولاه.

(٢) هو معاوية بن خديج بن جفنة بن قتيرة ، أبو نعيم ، قيل : إنه حدث عن عمرو وأبي ذر ، ومعاوية ، حدث عنه ابنه عبد الرحمن ، وعلي بن رباح ، وعبد الرحمن بن شماسة المهري ، وسويد بن قيس التجيبي ، وآخرون ، ولي إمرة مصر من قبل معاوية بعد أسره لمحمد بن أبي بكر ، وقتله وحرقه في جلد حمار ، حج مع معاوية بن أبي سفيان ، وكان من أسب الناس للإمام علي كرم الله وجهه فيما روي أنه قال له رسول الله : «أنت الساب عليا رضي الله عنه» ، انظر : سير أعلام النبلاء (٣ / ٣٧ ـ ٤٠) ، طبقات ابن سعد (٧ / ٥٠٣) ، طبقات خليفة (ت ٤٧٧ ، ٢٧٢٣).

(٣) في (ج) : وأمره بالتجهيز والخروج.

(٤) نقل مقولة معاوية الذهبي في ترجمة الأشتر (٣ / ٣٤ ـ ٣٥) ، وقال : وسر بهلاكه عمرو بن العاص ، وقال : إن لله جنودا من عسل.

(٥) نهاية الصفحة [١٦٨ ـ أ].

٣٢٧

له : صف لنا أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : سمعت أبي عليه‌السلام يقول : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام رجلا دحداح البطن ، أدعج العينين ، كأن وجهه الحسان القمر ليلة البدر ، ضخم البطن عظيم المسربة ، ششن الكفين ، ضخم الكسور ، كأن عنقه إبريق فضة ، أصلع ليس في رأسه شعر إلّا خفاف من خلفه ، لمنكبيه مشاشتان ، مرتفع العظام كمشاشتي السبع ، إذا مشى تكفأ ومار جسده ، له سنام كسنام الثور ، لا يستبين عضده من ذراعه قد أدمج إدماجا ، لم يغمز ذراع رجل قط إلا أمسك بنفسه ، لونه إلى السمرة ، أدلف الأنف ، إذا مشى إلى الحرب هرول في مشيته ، مؤيد بالعز صلوات الله عليه.

[١٧٠] أخبرنا (١) محمد بن بلال عن رجالة عن أبي إسحاق قال : رفعني أبي فرأيت عليا عليه‌السلام أبيض الرأس واللحية ما بين المنكبين ، وفي آخر : وقد ملأت لحيته ما بين المنكبين.

[وصف ضرار لأمير المؤمنين عليه‌السلام]

[١٧١] أخبرنا أحمد بن محمد بن نجيح البجلي «عن ابن عمر والأسدي عن محمد بن السائب» (٢) عن أبي صالح قال : قال معاوية لضرار يوما : صف لي عليا.

فقال : أو تعفيني.

قال : بل صف لي.

قال : بل تعفيني.

قال : لا.

قال : إذا لا بد ، فإنه كان بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ، ويحكم عدلا ، يتفجر

__________________

(١) السند في (ب) : حدثنا إبراهيم بن ميمون عن علي بن عابس ، وفيه نظر. والسند هو : حدثنا محمد بن بلال ، قال : حدثنا محمد بن عبد العزيز ، قال : حدثنا يحيى الحمائي ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق السبيعي ، قال : ... إلخ.

(٢) ساقط في (أ، ج ، د).

٣٢٨

العلم من جوانبه ، وينطق الحكم من نواجذه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل ووحدته ، وكان والله غزير العبرة ، طويل الفكرة ، يقلب كفه ، ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام ما جشب ، كان فينا كأحدنا ، يجيبنا (١) إذا سألناه ، ويبدؤنا إذا أتيناه ، ونحن والله مع تقربنا وقربه منا لا نكلمه لهيبته ، ولا نبدؤه لعظمته ، فإن (٢) تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظم أهل الدين ، ويحب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، فكأني لأسمعه وهو يقول : يا دنيا إليّ تعرضت أم إليّ تشوقت ، هيهات هيهات غرّي غيري ، لا حان حينك ، قد أتتك ثلاثا لا رجعة لي فيك ...! ، فعمرك قصير ، وغشك كثير ، وخطرك كبير ، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.

فوكفت دموع معاوية ما يملكها على لحيته ، وهو ينشفها بكمه ، وقد اختنق القوم بالبكاء ، ثم قال : رحم الله أبا حسن ، كان والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟

قال : حزني والله حزن من ذبح واحدها في حجرها ، فلم ترق عبرتها ، ولم تسكن حرارتها ثم خرج (٣).

__________________

(١) نهاية الصفحة [١٦٩ ـ أ].

(٢) في (ب ، ج) : فإذا.

(٣) وصف ضرار لأمير المؤمنين عليه‌السلام أورده ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة أمير المؤمنين (٣ / ٢٠٩) ، المرشد بالله في الأمالي الخميسية (١ / ١٤٢) ، كما رواه ابن أبي الدنيا في عنوان (ندب علي ومراثيه) الحديث (٩٢) ، من كتابه : مقتل علي عليه‌السلام ، كما أخرجه الكوفي في المناقب حديث (٥٤٠) ، وذكر اسم ضرار هكذا : ضرار بن عمرو ، ولحديث ضرار مصادر وأسانيد كثيرة جدا وهو حديث متواتر ويجد الطالب بعض أسانيد هذا الحديث في نهج السعادة (٣ / ٨٧ ط (١) قال : السيد المحمودي : وفي السيد الرضا في المختار (٧٧) من الباب الثالث من نهج البلاغة كما ذكره أيضا الشيخ منتجب الدين في الحكاية السادسة من خاتمة أربعينه ، كما رواه أيضا الأصفهاني في الحلية في ترجمة أمير المؤمنين وابن الصباغ المالكي ، في الفصول المهمة ، ومحمد بن طلحة الشافعي في مطالب السئول.

٣٢٩

[أولاد علي عليه‌السلام] (١)

الحسن ، والحسين ، وزينب ، وأم كلثوم الكبرى أمهم فاطمة بنت رسول الله ومحمد بن علي الأكبر ابن الحنفية أمه خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبد الله بن ثعلبة بن يربوع بن الدول بن حنيفة ، وأخت محمد لأمه عوانة بنت مكمل من بني غفار ، وعمر ورقية

__________________

(١) أولاده (عليه الصلاة والسلام) عدهم المسعودي في مروج الذهب خمسة وعشرين ، وقال غيره : سبعة وعشرون ما بين ذكر وأنثى ، ومنهم من يذكر أن فاطمة عليها‌السلام (أسقطت بعد النبي ذكرا كان قد سماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو حمل محسنا ، وعلى ذلك فهم ثمانية وعشرون) ، وقال ابن الأثير : المحسن توفي صغيرا ، أهو غير الأول؟ ، والمسعودي ، والمفيد عدهم مع المحسن ، فزاد محمدا الأوسط وأم كلثوم الصغرى ، والبنت الصغيرة ، ورملة الصغرى ، وذهب السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة إلى أنهم (٣٣) ، قال : والذي وصل إلينا من كلام المؤرخين ، والنسابين وغيرهم يقتضي أنهم ثلاثة وثلاثون ، ويمكن كون هذه الزيادة من عد الاسم واللقب اثنين مع أنهما واحد وهم :

١ ـ الحسن. ٢ ـ الحسين. ٣ ـ زينب الكبرى.

٤ ـ زينب الصغرى المكناة أم كلثوم أمهم فاطمة الزهراء.

٥ ـ أم كلثوم الكبرى ، ذكره ابن الأثير مع زينب الصغرى وقال المسعودي : الحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم الكبرى ، وزينب الصغرى أمهم فاطمة الزهراء.

٦ ـ محمد الأوسط أمه أمامة بنت أبي العاص لم يذكره المسعودي.

٧ ، ٨ ، ٩ ، ١٠ ـ العباس ، وجعفر ، وعبد الله ، وعثمان الشهداء بكربلاء أمهم أم البنين الكلابية ، وقال المسعودي : أمهم أم البنين بنت حزام الوحيدية ، ولم يذكر معهم عثمان.

١١ ـ محمد الأكبر المكنى بأبي القاسم المعروف بابن الحنفية أمه خولة الحنفية.

١٢ ـ محمد الأصغر ، المكنى بأبي بكر ، وبعضهم عد أبا بكر ومحمدا الأصغر اثنين ، والظاهر أنهما واحد.

١٣ ـ عبد الله أو عبيد الله الشهيد بكربلاء أمهما ليلى بنت مسعود النهشلية.

١٤ ـ يحيى أمه أسماء بنت عميس.

١٥ ، ١٦ ـ عمر ورقية توأما ، أمهما أم حبيب الصهباء بنت ربيعة ، التغلبية ، وعمر عمر خمسا وثمانين سنة.

١٧ ، ١٨ ، ١٩ ـ أم الحسن ورملة الكبرى وأم كلثوم الصغرى أمهم أم سعد بنت عمرة بن مسعود الثقفية.

٢٠ ـ بنت ماتت صغيرة وأمها مخبأة الكلبية. ٢١ ـ أم هانئ. ٢٢ ـ ميمونة.

٢٣ ـ زينب الصغرى في عمدة الطالب أمها أم ولد وكانت تحت محمد بن عقيل بن أبي طالب.

٢٤ ـ رملة الصغرى. ٢٥ ـ رقية الصغرى. ٢٦ ـ فاطمة. ٢٧ ـ أمامة.

٢٨ ـ خديجة. ٢٩ ـ أم الكرام. ٣٠ ـ أم سلمة.

٣١ ـ أم أبيها ذكرها المسعودي. ٣٢ ـ جمانة المكناة أم جعفر. ٣٣ ـ نفيسة.

أعيان الشيعة (١ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧) ، في رحاب أئمة أهل البيت (١ / ١٢ ـ ١٣) ، وانظر : الحدائق الوردية لحميد الشهيد (١ / ٥٢ ـ ٥٣) ، التحف شرح الزلف ص (٤٠) الإفادة (ص ٤٠ ـ ٤٢).

٣٣٠

ابنا علي ، وهما (١) توأم ، وأمهما أم حبيب الصهباء بنت ربيعة من بني تغلب ، والعباس الأصغر ، والعباس الأكبر ، وإخوته لأبيه وأمه عثمان وجعفر وعبد الله ، وأمهم أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كلاب بن ربيعة ، وعبيد الله وأبو بكر ، وقيل : إن أبا بكر هذا هو عبد الله الذي قدمنا ذكره ، وأمهما ليلى بنت مسعود بن خالد بن نهشل بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن دارم ، وسلمى الذي قيل فيه :

يسود أقوام وليسوا بسادة

بل السيد الميمون سلمى بن جندل

وإخوة عبيد الله وأبي بكر لأمهما أم صالح وأم أبيها ، وأم محمد بنو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، جمع عبد الله بن جعفر بين بنت علي وزوجته ، ويحيى مات صغيرا قبل علي عليه‌السلام وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية ، وإخوته لأمه : عبد الله ومحمد وعون بنو جعفر بن أبي طالب ، ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن علي الأصغر لأم ولد درج ، وجعفر الأصغر ، وقيل : وعمر الأكبر ، وفي المشجر بالخمرة وعون بن علي وهو أخو يحيى لأمه ، ومحمد بن علي الأوسط.

ومن بناته عليه‌السلام : أم الحسين ورملة ، وأمهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي ، وإخوتهما لأمهما بنو يزيد بن عتبة بن أبي سفيان بن حرب ، وقيل : أختهما لأمهما بنت لعنبسة بن أبي سفيان بن حرب ، وزينب الصغرى ، وأم هانئ ، وأم الكرام ، وأم جعفر واسمها جمانة (٢) ، وأم سلمة ، وأم عقيل ميمونة ، وخديجة ، وفاطمة وأمامة ، بنات لأمهات شتى ، وأم حسن بنت علي ، وابنة له عليه‌السلام ماتت وأمها زينب بنت امرئ القيس.

وفي رواية وفاطمة وزينب وكلثم وأم الحسن بنات علي بن أبي طالب أمهم تريكة بنت بشر بن زكريا بن عبد الرحمن بن تميم بن الخزرج من الأنصار.

وقتل أمير المؤمنين عليه‌السلام وله أحد عشر ابنا ، وستة عشر ابنة ، وأربع نسوة : أسماء

__________________

(١) نهاية الصفحة [١٧٠ ـ أ].

(٢) نهاية الصفحة [١٧١ ـ أ].

٣٣١

بنت عميس ، وأم البنين بنت حرام ، وليلى بنت مسعود النهشلية ، وأمامة بنت أبي العاص بن الربيع من زينب بنت رسول الله كانت فاطمة بنت رسول الله أوصته عند وفاتها أن يتزوج بأمامة بعدها.

فأما هؤلاء البنون فإنهم على ما

[١٧٢] أخبرنا به أحمد بن محمد بن علي القاضي بإسناده عن محمد بن يحيى بن الحسين عن أبيه عليهم‌السلام : الحسن والحسين ومحمد الأكبر وعمر ومحمد الأصغر وعباس وعبد الله وجعفر وعثمان وعبيد الله وأبو بكر ، وكان الحسن صلوات الله عليه أشبههم برسول الله كما

[١٧٣] أخبرنا (١) أحمد بن سعيد الثقفي بإسناده عن أنس بن مالك قال : لم يكن منهم أحد أشبه برسول الله من الحسن بن علي عليه‌السلام.

[١٧٤] أخبرنا أحمد بن علي بن عافية عن رجالة عن [أبي] إسحاق ، عن أم هانئ عن علي عليه‌السلام أنه قال : الحسن أشبه الناس برسول الله ما بين الصدر إلى الرأس ، والحسين أشبه (٢) برسول الله فيما كان إلى أسفل من ذلك (٣).

[١٧٥] أخبرنا ابن عافية بإسناده عن ابن عمير قال : لقد حج الحسن بن علي خمسا وعشرين بنفسه ماشيا ، وإن النجائب لتقاد معه (٤).

__________________

(١) السند هو : حدثنا أحمد بن سعيد الثقفي قال : حدثنا محمد بن يحيى الذهلي قال : حدثنا عبد الأعلى بن مسهر قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن أنس.

(٢) نهاية الصفحة [١٧٢ ـ أ].

(٣) أخرجه الكوفي في المناقب عن أبي أحمد ـ قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أم هانئ عن علي عليه‌السلام قال : الحسن كان أشبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما بين الصدر إلى الرأس ، والحسين أشبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان أسفل من ذلك) ، مناقب أمير المؤمنين. للكوفي حديث (٧٢١) ، كما رواه ابن سعد في الحديث (٢٣) ، من ترجمة الإمام الحسن عليه‌السلام من كتاب الطبقات الكبرى (ج ٨) ، وأحمد بن حنبل في باب فضائل الحسن والحسين من كتاب الفضائل حديث (١٨) ، الجزء (٢) ، كما رواه بسنده عنه وعن أبي نعيم الحافظ ابن عساكر في الحديث (٦٠ ـ ٦١) من ترجمة الإمام الحسن عليه‌السلام من تاريخ دمشق ط (١) ص (٣٣) ، كما أخرجه المتقي الهندي في منتخبه (٥ / ٦١) ، وأخرجه أيضا الدولابي في الذرية الطاهرة ، وأبو داود الطيالسي في المسند ، وأحمد في مسنده ، والترمذي ، وقال : حسن غريب ، وابن حبان في صحيحه ، والبيهقي في الدلائل ، وسعيد بن منصور في سننه.

(٤) قال : في الحدائق الوردية : وروى السيد أبو الحسين يحيى بن الحسن الحسيني في كتاب نسب آل أبي طالب بإسناده إلى عبد الله بن عبيد بن عمير قال : ...) وأورد الخبر ، الحدائق الوردية (١ / ٩٠). والنجائب. مفرده نجيب والنجيب من الإبل ، وهو القوي منها ، الخفيف السريع ، وناقة نجيب ونجيبة.

٣٣٢

[١٧٦] أخبرنا محمد بن علي الصواف بإسناده عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : كان رسول الله يخطبنا ، فأقبل الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ويقومان ، فنزل رسول الله فأخذهما وجعلهما بين يديه ثم قال : «صدق الله ورسوله (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) [التغابن : ١٥] ، رأيت هذين فلم أصبر» ، ثم أخذ في خطبته (١).

[تأريخ ميلاد الحسن والحسين عليهما‌السلام]

[١٧٧] أخبرنا (٢) ابن عافية بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه‌السلام قال : بنى علي بن أبي طالب عليه‌السلام بفاطمة بنت رسول الله بعد بدر بأربعة أشهر ، وولد الحسن بن علي عام أحد بعد الوقعة (٣).

قال يحيى : وروي لي عن علي بن جعفر أن الحسن ولد لمقدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بدر منصرفه ، وبينه وبين الحسين ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا.

وقال غيره : ولد الحسن في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة (٤).

[١٧٨] أخبرنا أحمد بن محمد بن بهرام بإسناده عن عبد الله مولى الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة عن أبيه قال : كان بين الحسن والحسين طهر واحد.

قال الزبير : ولد الحسين لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة (٥).

__________________

(١) الحديث أخرجه ابن أبي شيبة ، وأحمد في مسنده ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وابن خزيمة ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم في المستدرك ، والبيهقي في السنن ، الضياء المقدسي في المختارة ، وصاحب كتاب منتخب كنز العمال (٥ / ٦٣) عن بريدة ، وابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة الحسين (٢ / ٣٤٦).

(٢) السند هو : أخبرنا أحمد بن علي بن عافية ، قال : حدثنا ابن أبي عروة ، قال : حدثنا إسماعيل بن بهرام الليثي ، عن الدراوردي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه.

(٣) قال في مقاتل الطالبين : إن الإمام عليا تزوج بفاطمة الزهراء في صفر بعد مقدم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة وبنى بها بعد رجوعه من غزوة بدر ، ولها يومئذ ثماني عشرة سنة ، وقال : وكان مولد الحسن في سنة ثلاث من الهجرة ، مقاتل الطالبين ص (٥٩) ، طبقات ابن سعد (٨ / ١١ ، ١٣).

(٤) انظر أعيان الشيعة (١ / ٥٦٢) ، في رحاب أئمة أهل البيت المجلد (٢ / ص ٣ ، ٤٧).

(٥) هو الزبير بن بكار سبقت ترحمته ، وما قاله أورده ابن حجر في الإصابة في ترجمة الحسين (١ / ٣٣٢ ت ١٧٢٤) ، وفي تهذيب التهذيب في ترجمته أيضا (٢ / ٣٤٥ ت ١٤٠٥).

٣٣٣

[استشهاد أمير المؤمنين صلوات الله عليه] (١)

[١٧٩] أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن الأسدي بإسناده عن إسماعيل (٢) بن راشد ، قال : من حديث ابن ملجم (لعنه الله) وأصحابه أن عبد الرحمن بن ملجم (لعنه الله) والبرك بن عبد الله وعمرو بن أبي بكر التميمي اجتمعوا بمكة ، فذكروا أمر الناس وعابوا عمل ولاتهم ، ثم ذكروا أمر أهل النهروان (٣) فترحموا عليهم ، وقالوا : والله ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئا ، فلوا اشترينا لله أنفسنا وأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم وأرحنا منهم البلاد.

قال ابن ملجم : أنا أكفيكم علي بن أبي طالب.

وقال البرك : أنا أكفيكم معاوية.

قال عمرو بن بكر : أنا أكفيكم عمرو بن العاص ، فتعاهدوا على ذلك واتّعدوا ليلة تسعة عشر من رمضان ، الليلة التي ضرب فيها ابن ملجم (لعنه الله) عليا عليه‌السلام ، فأقبل كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه ، فأما ابن ملجم (لعنه الله) فلقي أصحابه بالكوفة فكاتمهم أمره حتى إذا أتى ذات يوم أصحابا له من تيم الرباب ، وقد كان علي عليه‌السلام قتل منهم عدة يوم النهروان ، فلقي من يومه ذلك امرأة يقال لها : قطام بنت شجنة ، وكان علي عليه‌السلام قتل أباها وأخاها يوم النهروان ، وكانت جميلة ، فلما رآها التبست بقلبه فخطبها ، فقالت : لا أتزوجك حتى تشتفي لي.

قال : وما تشائين؟

قالت : ثلاثة آلاف ، وعبدا وقينة ، وقتل علي بن أبي طالب.

فقال : والله ما جاء بي إلّا قتل علي بن أبي طالب.

__________________

(١) انظر : مقاتل الطالبين ص (٤٥) وما بعدها ، ابن سعد (٢ / ٢٤) ، أعيان الشيعة (١ / ٥٣١) ، ومصادره. شرح نهج البلاغة (٦ / ١١٣ ـ ١٢٦).

(٢) نهاية الصفحة [١٧٣ ـ أ].

(٣) في (أ) : أهل النهر.

٣٣٤

قالت : فإني أطلب لك من يساعدك ، وبعثت إلى رجل يقال له : وردان فكلمته فأجابها ، وأتى ابن ملجم (لعنه الله) شبيب بن بجرة (١) ، ويقال : شبث ، وقال : هل لك في قتل علي؟

فقال : ثكلتك أمك كيف تقدر (٢) عليه؟

قال : أكمن له في المسجد ، فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه.

قال : ويحك لو كان غير علي كان أهون.

قال : أما تعلم أنه قتل أهل النهروان العباد المصلين.

قال : بلى.

قال : نقتله بمن قتل من إخواننا ، فأجابه ، فجاءوا حتى دخلوا على قطام ، وقال : هذه الليلة التي واعدت فيها صاحبي أن يقتل كل واحد منا صاحبه ، ثم أخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السدة التي خرج منها علي عليه‌السلام ، فخرج صلوات الله عليه لصلاة الغداة فشد عليه شبث فوقع سيفه بعضادة الباب وبالطاق ، ولم يصبه وضربه ابن ملجم (لعنه الله) على رأسه ، وهرب وردان حتى دخل منزله ، فدخل عليه رجل من بني أبيه وهو ينزع السيف والحرير (٣) وأخبره بما كان ، فذهب إلى منزله وأخذ سيفه وعلاه به حتى قتله ، وخرج شبث ونجا ، وشدوا على ابن ملجم (لعنه الله) وأخذوه.

يقال : إنه أتى تلك الليلة الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن جبلة بن معاوية (٤) وكان

__________________

(١) هو شبيب بن بحرة الأشجعي ، من الخوارج من أهل الكوفة اشترك مع عبد الرحمن بن ملجم (لعنه الله) في مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام سنة (٤٠ ه‍) في الكوفة ، ضربه بالسيف أولا وتلاه ابن ملجم ، فكانت ضربة هذا في وسط رأسه ، وأكثر المؤرخين على أن شبيبا هرب في عمار الناس بعد جرحه أمير المؤمنين واختفى أثره ، انظر : الكامل لابن الأثير حوادث سنة (٤٠ ه‍) ، أعيان الشيعة (١ / ٥٣١) وما بعدها ، المشروع الروي (١ / ٧٩) ، التاج (٣ / ٢٦) ، تاريخ الإسلام للذهبي (٢ / ٢٠٦) ، الأعلام (٣ / ١٥٦).

(٢) نهاية الصفحة [١٧٤ ـ أ].

(٣) قوله : والحرير ذكر في القصة أنها (لعنها الله) ربطت صدورهم بحرير وذلك فيما يزعم أن الربط بقطع الحرير على صدورهم يشدد من قلوبهم.

(٤) انظر مقولة الأشعث لابن ملجم مقاتل الطالبين ص (٤٧).

٣٣٥

يناجيه بناحية من المسجد ، وحجر بن عدي (١) (رحمة الله عليه) يصلي ، فسمع الأشعث يقول له : النجاء ، فضحك ـ الصبح ، فقال حجر : قتلته يا أعور قتلك الله ، وكان الأشعث أعور ، وكان ابن ملجم (لعنه الله) حليفا لبني جبلة وابن أخت لهم ، وجبلة هو الذي ينتمي إليه الأشعث لأنه الذي يدعى أشعث بن قيس كما قدمنا نسبه.

فلما قتل علي عليه‌السلام قال قيس بن يزيد بن أبي ربيعة الكندي يرثيه ويهجو الأشعث (٢) :

قتلت أمير المؤمنين تخوّنا

على غير شيء يا بن واهضة الخصى

وأنت لعج من هوابد فارس

تؤول لعلج ما تؤول لذي العلى

لسنجيب تيم شر أبناء فارس

إلى شر منحول وألأم منتمى

غدرت بميمون النقيبة حازم

وأكرم من ضمت حصان ومن مشى

أخى الدين والإسلام والبر والتقى

وصهر الذي أصفى له الدين بالهدى

أبر بذي قربى وأبعد من خنا

وأتقى لرب حين ميز ذو النهى

وأشجع من ضرغامة ذي مهابة

وأجود من نور السماك إذا سقى

أخا أحمد والوارث العلم بعده

وصي له في الغابرين ومن مضى

فأبشر أخا الإتراف والحوب والخنا

بما إن تلاقي أن تحش لكم لظى

مقارن إبليس بها عرف نارها

وقود لحاميها ليهن لك الشقا

فلا زلت موزوعا لعينا مبغضا

وأبعدك الرحمن واجتاحك الردى

__________________

(١) هو حجر بن عدي بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية الكندي ، وهو حجر الخبر ، وأبو عدي الأدبر الكوفي ، أبو عبد الرحمن الشهيد له صحبة ووفادة ، روى عنه مولاه أبو ليلى وأبو البختري الطائي وغيرهما وكان شريفا ، أميرا مطاعا ، آمرا بالمعروف من شيعة الإمام علي عليه‌السلام ، شهد صفين أميرا وكان ذا صلاح وتعبير ، طبقات ابن سعد (٦ / ٢١٧) ، طبقات خليفة ت (١٠٤٢) ، المحبر (٢٩٢) ، التاريخ الكبير (٣ / ٧٢) ، التاريخ الصغير (١ / ٩٥) ، المعارف (٣٣٤) ، الجرح والتعديل (٣ / ٢٦٦) ، تاريخ الطبري (٥ / ٢٥٣) ، مروج الذهب (٣ / ١٨٨) ، مشاهير علماء الأمصار (٦٤٨) ، الأغاني (١٧ / ١٣٣) ، الاستيعاب (٣٢٩) ، سير أعلام النبلاء (٣ / ٤٦٢ ـ ٤٦٧).

(٢) نهاية الصفحة [١٧٥ ـ أ].

٣٣٦

وكان الأشعث دعيا في بني كندة ، لأنه أشعث بن قيس بن حرزاذ بن سنجيب رجل من الفرس وشخص مع بني عمرو بن معاوية بابنة حرزاذ ، فلما انتهوا إلى حضرموت هلك سنجيبب ، فضمه معاوية بن جبلة إلى ولده فنسب إليهم ، وسمي حرزاذ معدي كرب ، فغلب عليه الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن جبلة ، وإنما هو ابن سنجيب الفارسي ، ولذلك قال علي عليه‌السلام فيما حكى الأسود بن سعيد بن قيس الهمداني أن عليا عليه‌السلام كان جالسا في الرحبة إذ طلع الأشعث بن قيس (١) «بن معدي كرب بن جبلة» (٢) ، فسلم ثم جلس فقال : يا أمير المؤمنين جئت خاطبا ، قال : إلى من؟

قال : إليك.

قال : أحمقة كحمقة أبي بكر ، يا أشعث يأبى ذلك عليك سنجيبب.

فقال الأشعث : وما سنجيبب؟

قال : رجل من الفرس ، لما تمزق ملك بني عمرو بن معاوية شخص مع كندة إلى اليمن وابنه حرزاذ معه غلام ، فلما انتهوا إلى حضرموت هلك سنجيب فانتسب حرزاذ جدك الذي يقال له : معدي كرب إلى جبلة بن معاوية.

وكان الأشعث بن قيس لما ارتد عن الإسلام ، وتحصن بحصنه النجي ، بعث إليه أبو بكر زياد بن لبيد البياضي (٣) فأخذه ، ومن عليه أبو بكر وزوجه أخته أم فروة (٤).

__________________

(١) نهاية الصفحة [١٧٦ ـ أ].

(٢) ساقط في (أ).

(٣) هو : زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي بن أمية الأنصاري الخزرجي البياضي الشامي ، شهد العقبة ، وبدرا ، وتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو عامله على حضر موت ، روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنه سالم بن أبي الجعد ، توفي في أول ولاية معاوية ، وقال الطبراني : سكن الكوفة ، وقال مسلم ، وابن حبان : سكن الشام ، زاد ابن حبان : وكان من فقهاء الصحابة ، وقال ابن قانع : توفي سنة إحدى وأربعين ، انظر : تهذيب التهذيب (٣ / ٣٨٣ ت ٢١٨٥) ، التقريب (٢١٠٣) ، الجرح (٣ / ٥٤٣ ت ٢٤٥٢) ، تهذيب الكمال (٩ / ٥٠٦ ت ٢٠٦٦) ، طبقات ابن سعد (٣ / ٥٩٨) الكاشف (١ / ٣٣٤).

(٤) هي أم فروة بنت أبي قحافة ، أخت أبي بكر بن أبي قحافة ، أمها هند بنت نفيل بن بجير بن عبد بن قصي ، هي التي زوجها أبو بكر من الأشعث بن قيس فولدت له محمدا ، وإسحاق ، وحبابة ، وقريبة ، وأم فروة كانت من المبايعات ، قال ابن عبد البر في الاستيعاب : وروى عن القاسم عبد الله ، وعبيد الله ابنا عمر العمريان ، وقال بعضهم في أم فروة هذه : الأنصارية ، وهو وهم ، وإنما جاء ذلك ، والله أعلم لأن القاسم بن غنام يقول في حديثها مرة : عن جدته الدنيا عن جدته القصوى ، ومرة عن بعض أمهاته عن عمة له ، وقال ابن حجر : أم فروة عمة القاسم بن غنام الأنصارية كانت من المبايعات ، وقال أيضا : ذكر ابن عبد البر ، الطبراني في أن أم فروة هذه هي بنت أبي قحافة أخت أبي بكر الصديق ، وتبعه على ذلك القاضي أبو بكر بن العربي ، وغيره ، ووهموا من قال : إنها أنصارية ، انظر : الاستيعاب (٤ / ٥٠٤ ت ٣٦٢٨) ، الإصابة (١٢٢٠١) تهذيب التهذيب (١٢ / ٤٧٦ ت ٩١٠٦) ، الثقات (٣ / ٤٦٠) ، أعلام النساء (٤ / ١٦٠) ، تجريد أسماء الصحابة (٢ / ٣٣١) ، تقريب التهذيب (٢ / ٦٢٣) ، أسد الغابة (ت ٧٥٦٥) ، تهذيب الكمال (٣٥ / ٣٧٨ ت ٧٩٩٩).

٣٣٧

قال إسماعيل بن راشد : قال محمد بن حنيف (١) : والله إني لأصلي تلك الليلة التي ضرب فيها ابن ملجم (لعنه الله) عليا عليه‌السلام قريبا من السدة في رجال كثير من أهل البصرة ، إذ خرج علي عليه‌السلام لصلاة الغداة ، فنظرت إلى بريق السيوف ، وسمعت : الحكم لله لا لك يا علي ولا لأصحابك ، ثم سمعت عليا عليه‌السلام يقول : لا يفوتنكم الرجل ، فلم أبرح حتى أخذ ابن ملجم وأدخل على علي عليه‌السلام فسمعته يقول : النفس بالنفس إن هلكت فاقتلوه كما قتلني ، وإن بقيت رأيت فيه رأيي (٢) ، فبينما هم عنده وابن ملجم مكتوف بين يدي الحسن بن علي عليه‌السلام إذ نادت أم كلثوم بنت علي (٣) : إنه لا بأس على أبي والله مخزيك يا عدوا الله.

__________________

(١) في مقاتل الطالبين قال أبو مخنف ـ لوط بن يحيى ـ فحدثني أبي عن عبد الله بن محمد الأزدي قال : إني لأصلي تلك الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يصلون في ذلك الشهر من أول الليل إلى آخره إذ نظرت إلى رجال يصلون قريبا من السدة قياما وقعودا وركوعا وسجودا ، ما يسأمون إذ خرج علي لصلاة الفجر ، فأقبل ينادي يقول : الصلاة الصلاة ، فما أدري أنادي أم رأيت بريق السيف ، وسمعت قائلا يقول : الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك ثم رأيت بريق سيف آخر ثانيا ، وسمعت عليا يقول : لا يفوتنكم الرجل ، وقال إسماعيل بن راشد في حديثه : ووافقه في معناه حديث أبي عبد الرحمن السلمي أن شبيب بن بجرة ضربه فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق وضربه ابن ملجم (لعنه الله) فأثبت الضربة في وسط رأسه. مقاتل الطالبين ص (٤٨) ، وهو ما اعتمد عليه مؤلف شرح النهج ابن أبي الحديد. (٦ / ١١٧ ـ ١١٨) بتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم و (٢ / ٤٣) في طبعة القاهرة ١٣٢٩ ه‍.

(٢) في مقاتل الطالبيين : قال : أبو مخنف ـ لوط بن يحيى ـ فحدثني أبي عن عبد الله بن محمد الأزدي قال : أدخل ابن ملجم (لعنه الله) على علي ، ودخلت عليه فيمن دخل ، فسمعت عليا يقول : النفس بالنفس إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني وإن أنا سلمت رأيت فيه رأيي ، فقال ابن ملجم (لعنه الله) : والله قد ابتعته بألف ، وسمعته بألف فإن خانني فأبعده الله ، قال : ونادته أم كلثوم : يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين ، قال : إنما قتلت أباك قالت يا عدو الله إني لا أرجو ألا أن يكون عليه بأس قال : لها : فأراك إنما تبكين عليا. إذا والله لقد ضربته ضربة لو قسمت بين أهل الأرض لأهلكتهم ، مقاتل الطالبين ص (٤٩) ، وعنه ابن أبي الحديد في كتابه وانظر أيضا شرح النهج (٦ / ١١٨) ، أو (٢ / ٤٤) في طبعة القاهرة (١٣٢٩ ه‍). وانظر أيضا : ابن سعد (٢ / ٢٤) ، لندن (١٣٢٢ ه‍) ، وابن الأثير (٣ / ١٦٩) بولاق (١٢٩٠ ه‍) ، والطبري (٦ / ٨٥) القاهرة (١٣٢٣ ه‍) ، العقد الفريد (٤ / ٣٥٩) القاهرة (١٣٤٦ ه‍) ، الإمامة والسياسة (١ / ١٣٥). القاهرة (١٣٢٢ ه‍).

(٣) هي السيدة الفاضلة أم كلثوم بنت أمير المؤمنين ، شقيقة الإمامين الأعظمين الحسن والحسين ولدت في حدود سنة ست من الهجرة ، ورأت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، جاء لخطبتها عمر بن الخطاب ، وهي صغيرة فقيل له : ما تريد إليها ، قال : إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي» حديث صحيح أخرجه الحاكم (٣ / ١٤٢) ، من طريق السري بن خزيمة ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وتعقبه الذهبي وأخرجه ابن سعد في طبقاته (٨ / ٤٦٣) وأورده للسيوطي في الدر المنثور (٥ / ١٥) ، وزاد نسبته للبزار ، والطبراني ، والبيهقي ـ قيل : تزوجها عون بن جعفر بن أبي طالب ، وقيل : تزوجت بعده بمحمد بن جعفر ، انظر : سير أعلام النبلاء (٣ / ٥٠٠ ـ ٥٠٢) ، طبقات ابن سعد (٨ / ٤٦٣) نسب قريش (٣٤٩) ، المحبر (٥٣ ، ١٠١ ، ٤٣٧) ، التاريخ الصغير (١ / ١٠٢) ، الاستيعاب (١٩٥٤) ، أسد الغابة (٧ / ٣٨٧) ، تهذيب الأسماء واللغات (١ / ٢ / ٣٦٥) ، تاريخ الإسلام (٢ / ٢٥٤) ، الإصابة (٤ / ٤٩٢).

٣٣٨

قال : فعلى من تبكين (١) ، فو الله لقد اشتريته (٢) بألف وسممته بألف ، ولو كانت هذه الضربة تجمع الناس ما بقي منهم أحد.

وأقبل علي عليه‌السلام على ابن ملجم وقال (٣) : أرأيت أن لو سألتك عن ثلاث خصال تصدقني إن سألتك؟.

قال : سلني.

قال : سألتك بالله هل كنت تدعى وأنت صغير ابن راعية الكلاب؟.

قال : اللهم نعم.

قال : فأسألك عن الثانية ، أنشدك بالله أمرّ بك رجل وقد تحركت ، فقال : أنت شقيق عاقر ناقة ثمود؟

قال : اللهم نعم.

قال : إني أسألك عن الثالثة ، وهي أشدهن عليك هل حدثتك أمك أنها حملت بك في حيضها؟

قال : اللهم نعم ، ولو كنت كاتما شيئا لكتمته.

قال : ومضت على علي عليه‌السلام ليلة الجمعة وليلة السبت ، وتوفي ليلة الأحد لسبع بقين من شهر رمضان سنة أربعين وهو «ابن ثلاث وستين» (٤) ، وغسله الحسن والحسين ، وعبد الله بن جعفر صلوات الله عليهم فكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ، وكبر عليه الحسن سبع تكبيرات ، ودفنوه ، فقبره اليوم بالغري من الكوفة (٥).

وكذلك روي عن زيد بن علي عليه‌السلام حين قال لأصحابه وهم يسلكون ليلا معه

__________________

(١) في (أ) : فعلى ما تبكين.

(٢) في (ب ، ج) : فو الله لقد اشتريته.

(٣) نهاية الصفحة [١٧٧ ـ أ].

(٤) ساقط في (أ).

(٥) في مقاتل الطالبيين : أن ابنه الحسن عليه‌السلام كبر عليه خمس تكبيرات ، ودفن في الرحبة ، مما يلي أبواب كندة عند صلاة الصبح. المقاتل ص (٥٤). وقد اختلف في عمر أمير المؤمنين حين استشهد ، فقيل : ثلاث وستون سنة ، وقيل : أربع وستون ، وقيل : خمس وستون ، وقيل : سبع وخمسون ، وقيل : ثمان وخمسون.

٣٣٩

طريق الغري : أتدرون أين نحن؟ نحن بأرض من رياض الجنة ، نحن في طريق قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام.

[دفن أمير المؤمنين عليه‌السلام وخطبة ولده الحسن بعدها]

ولما دفن علي عليه‌السلام قام الحسن بن علي ـ صلوات الله عليه ـ في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : لقد فارقكم في هذه الليلة رجل ما سبقة الأولون بعلم ، ولا يدركه الآخرون بعمل ، وإن كان رسول الله ليبعثنه المبعث فيقاتل جبريل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، فما يرجع حتى يفتح الله عليه ، وما ترك صفراء (١) ولا بيضاء إلّا سبعمائة درهم بقيت من عطائه ، أراد أن يشتري بها خادما لأهله ، ولقد قبض في الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم صلّى الله عليه (٢).

قال : وقدم ابن ملجم وضربه بالسيف فقتله ، وأما البرك بن عبد الله فانطلق تلك الليلة التي ضرب فيها ابن ملجم عليا عليه‌السلام إلى معاوية ، فوافقه يصلي بالناس فشد عليه فطعنه بالخنجر في أليته فأخذ فقتل ، ويقال : بل قطع يديه ورجليه وخلى عنه ودووي معاوية فبرئ (٣) ، ثم إنه بلغه أنه ولد له ولد فبعث إليه فقتله ، ثم اتخذ معاوية المقاصير والحرس وهو أول من اتخذها في الإسلام خوفا على نفسه ، وانطلق عمرو بن بكر إلى عمرو بن العاص ، وكان عميدا يشتكي بطنه تلك الليلة ، فلم يخرج وأمر خارجة (٤) قاضي مصر أن يصلي بالناس ، فخرج يصلي بهم فوافقه ابن بكر فقتله فانطلق به إلى عمرو وقال لعمرو : يا عدو الله والله ما أردت غيرك ، قال : لكن الله أبى إلّا خارجة ، ثم أمر به فقتل وصلب ، «وكانت مدة خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام خمس سنين إلّا شهرين» (٥).

__________________

(١) نهاية الصفحة [١٧٨ ـ أ].

(٢) خطبة الإمام الحسن بعد استشهاد والده أمير المؤمنين عليه‌السلام أوردها الطبري في تاريخه (٤ / ١٢١) ، وابن أبي الحديد في شرح النهج (١٦ / ٢٩ ، ٣٠) ، وصفة الصفوة (١ / ١٢٦) ، مقاتل الطالبين (ص ٦٢).

(٣) انظر الخبر في مقاتل الطالبين ص (٤٤).

(٤) هو : خارجة بن أبي حبيبة ، أحد بني عامر بن لؤي ، انظر مقاتل الطالبيين ص (٤٤ ـ ٤٥).

(٥) ساقط في (أ) ، وقد اختلف في مدة خلافته عليه‌السلام ، قال : الطبري : وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر ، وقيل : يوما أو غير يوم. انظر : تاريخ الطبري (٤ / ١١٦ ـ ١١٧).

٣٤٠