المصابيح

الإمام أبو العباس الحسني

المصابيح

المؤلف:

الإمام أبو العباس الحسني


المحقق: عبدالله بن عبدالله بن أحمد الحوثي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٢

فقال : يا أمير المؤمنين إني سمعت فلانا يقول : لو قد مات أمير المؤمنين لقد بايعت فلانا ، فقال عمر : إنني لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوا المسلمين أمرهم ، قلت : إن الموسم يجمع رعاع الناس ، ولكن أمهل حتى تقدم المدينة.

فلما قدم المدينة قال : إنه بلغني أن فلانا منكم يقول : لو قد مات أمير المؤمنين بايعت فلانا ، فلا يغرنّ امرأ أن يقول : بيعة أبي بكر كانت فلتة ، وقد كانت كذلك إلّا أن الله ـ تعالى ـ وقى شرها.

ثم قال : إن عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة ، وتخلفت عنا الأنصار بأسرها في سقيفة بني ساعدة ، واجتمع المهاجرون إلى بيت أبي بكر ، فقالوا : يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار ، فانطلقنا نؤمهم فإذا هم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة بين أظهرهم رجل متزمل ، قلت : من هذا؟

قالوا : سعد بن عبادة.

قلت : ما شأنه؟

قالوا : هو وجع.

فقام خطيب الأنصار ، ثم قال : نحن الأنصار ، وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر قريش رهط منا ، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا (١) ، فلما أردت الكلام قال أبو بكر : على رسلك ، فحمد الله أبو بكر ثم قال : لن تعرف العرب هذا الأمر إلّا لهذا الحي من قريش ، وإني قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم ، وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح.

فلما قضى أبو بكر مقالته قام رجل من الأنصار فقال : أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ، وإلا أحلنا الحرب فيما بيننا وبينكم جذعة (٢).

قال معمر عن قتادة : فقال : إنه لا يصلح سيفان في غمد واحد ، ولكن منا الأمراء ومنكم الوزراء.

__________________

(١) نهاية الصفحة [١٣١ ـ أ].

(٢) انظر الطبري (٢ / ٤٤٦) ، وشرح النهج (١ / ١٥٠).

٢٨١

قال الزهري في حديثه : فارتفعت الأصوات بيننا وكثر اللغط ، فقلت : يا أبا بكر ابسط يدك أبايعك ، فبسط يده فبايعته ، قال : وثرنا على سعد ، حتى قال قائل : قتلتم سعدا ، قال قلت : قتل الله سعدا ، ثم قال : فلا يغررن امرأ أن يقول : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ، فقد كانت كذلك غير أن الله تعالى وقى شرّها (١) ، ثم قال : فمن بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فإنه لا يبايع له إلّا هو ولا الذي بايعه يغره أن يقتل.

قال الزهري : أخبرني عروة بن الزبير أن الذي قال : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب حباب بن المنذر (٢).

__________________

(١) الخبر بطوله وزيادة ونقصان أورده الطبري في تاريخه (٢ / ٤٤٥) وما بعدها.

(٢) هو الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري الخزرجي السلمي (... نحو ٢٠ ه‍ ـ ... نحو ٦٤٠ م) ، صحابي من الشجعان الشعراء ، يقال له : ذو الرأي. قال الثعلبي : هو صاحب المشورة يوم بدر ، أخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برأيه ، ونزل جبريل فقال : الرأي ما قال حباب ، وكانت له في الجاهلية آراء مشهورة ، وهو الذي قال يوم السقيفة : أنا جذيلها ... إلخ. فذهبت مثلا ، توفي في زمن عمر وقد زاد على الخمسين ، انظر : الأعلام (٢ / ١٦٣) ، الإصابة (١ / ٣٠٢) ، أو ترجمة (١٥٥٧) ، أسد الغابة ت (١٠٢٣) ، الأنساب (٣ / ٢٧٨) ، الاستيعاب (١ / ٣٧٧ ت ٤٧٣) ، ثمار القلوب (٢٣٠).

٢٨٢

[(٤) استطراد عثمان بن عفان بن أبي العاص الأموي]

(٤٧ ق. ه ـ ٣٥ ه‍ / ٥٧٧ ـ ٦٥٦ م)

[بيعة عثمان وبعض أخباره كما نقلت عن الإمام النفس الزكية]

[١٣٥] أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم العامري بإسناده عن قيس بن الربيع ، أن رجلا من أهل الموصل كتب إلى محمد بن عبد الله بن الحسن (صلوات (١) الله عليه) فسأله كيف كانت بيعة عثمان وأحداثه إلى أن قتله المسلمون؟ فقال له : كان أول ما عاب عليه المسلمون أنهم كلموه في إنفاذ وصية عمر في عبيد الله بن عمر (٢).

قال محمد بن عبد الله : وكان عبيد الله بن عمر بلغه أنه رأى أبا لؤلؤة مع جهينة والهرمزان (٣)

__________________

(١) نهاية الصفحة [١٣٢ ـ أ].

(٢) هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب بن نفيل ، أبو عثمان القرشي العدوي ، ولد بعد السبعين أو نحوها ، قيل : إنه من صغار التابعين ، سمع من أم خالد وسالم بن عبد الله والزهري وآخرين كثير ، روى عنه ابن جريج ، ومعمر بن خيثم وشعبة وسفيان الثوري ، وابن المبارك وابن نمير وآخرون ، قال يحيى بن معين : من الثقات ، وكذلك وثقه النسائي ، قال الهيثم بن عدي : مات سنة سبع وأربعين ومائة ، وقال غيره : مات سنة خمس وأربعين أو قبلها ، انظر : سير أعلام النبلاء (٦ / ٣٠٤ ـ ٣٠٧).

(٣) أبو لؤلؤة : اختلف في شأنه ، فقال بعضهم : كان مجوسيا ، وقال بعضهم : كان نصرانيا ، وعن عمرو بن ميمون الأودي قال : كان أبو لؤلؤة أزرق نصرانيا ، وجاءه بسكين له طرفان ، فلما جرح عمر جرح معه ثلاثة عشر رجلا ، وأجمعت المصادر المتوفرة أنه كان غلاما للمغيرة بن شعبة. قيل : إن اسمه فيروز.

٢٨٣

في سوق المدينة ، ومعه الخنجر الذي طعن به عمر فقتلهما ، فأوصى عمر أيهم ولي أمر المسلمين أن ينظر عبيد الله فإنه قتل رجلين من المسلمين ، فإن هو أقام بينة عادلة أنهما هما اللذان أمرا بقتله خلى سبيله.

فجعل عثمان يعلل الناس إذا كلموه في أمره ، ثم إنه عمد إلى مقام رسول الله على منبره فجلس عليه ، فقال سلمان (١) : اليوم ولد الشر ، وقد كان أبو بكر قام أسفل منه ؛ وعمر أسفل من مقام أبي بكر ، ثم إنه زعم أنه عفا عن عبيد الله فقال المسلمون : ليس لك العفو عنه ، فقال : بلى أنا والي المسلمين ، فقال علي عليه‌السلام : ليس كما تقول أنت بمنزلة أقصى المسلمين رجلا ، لا يسعك العفو عنه ، فإنما قتلهما في ولاية غيرك ولو كان في ولايتك ما كان لك.

فلما رأى أن المسلمين أبوا عليه إلّا قتله أمره فدخل إلى الكوفة ، وأقطعه بها دارا وأرضا من السواد ، وجعل له غلتها ، وعمد إلى عمال عمر فعزلهم ، واستعمل الوليد بن عقبة (٢) على الكوفة ـ وكان أخاه لأمه ـ وهو الذي أنزل الله فيه : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ ...) الآية [الحجرات : ٦]

__________________

(١) قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر : هو سلمان ابن الإسلام ، أبو عبد الله الفارسي ، سابق الغرب إلى الإسلام ، صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخدمه ، حدث عنه ، وروى عنه ابن عباس ، وأنس بن مالك ، وعبد الرحمن النخعي ، وكان لبيبا حازما ، من عقلاء الرجال وعبادتهم ونبلائهم ، وهو من أشار على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحفر الخندق. وأخرج أحمد في مسنده لبريدة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليكم بحب أربعة : علي وأبي ذر وسلمان والمقداد» ، وكان رجلا قويا ، انظر : سير أعلام النبلاء (١ / ٥٠٥ ـ ٥٥٧) ، طبقات ابن سعد (٤ / ٥٤) ، حلية الأولياء (١ / ١٨٥ ـ ٢٠٨) ، تاريخ أصبهان (١ / ٤٨ ـ ٥٧) ، الاستيعاب (٤ / ٢٢١) ، تاريخ بغداد (١ / ١٦٣ ـ ١٧١) ، أسد الغابة (٢ / ٤١٧) ، تهذيب الأسماء واللغات (١ / ٢٢٦ ـ ٢٢٨) ، تهذيب التهذيب (٤ / ١٣٧) ، الإصابة (٤ / ٢٢٣) (٥ / ٣٣) ، خلاصة تهذيب الكمال (١٤٧) ، كنز العمال (١٣ / ٤٢١) ، شذرات الذهب (١ / ٤٤) ، تهذيب تاريخ ابن عساكر (٦ / ١٩٠ ـ ٢١١).

(٢) هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو وهب الأموي ، وهو أخو عثمان بن عفان لأمه ، بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على صدقات بني المصطلق ولي الكوفة لعثمان قال حصين بن المنذر : صلى الوليد بالناس الفجر أربعا وهو سكران ثم التفت وقال : أزيدكم ، انظر : سير أعلام النبلاء (٣ / ٤١٢ ـ ٤١٦) ، ابن سعد (٦ / ٢٤) (٧ / ٤٧٦) ، نسب قريش (١٣٨) ، مروج الذهب (٣ / ٢٧٩ ، ٩٩ ، ١٩٩) ، الأغاني (٥ / ١٢٢) ، الاستيعاب (ت ٢٧٥٠) ، تهذيب التهذيب (١١ / ١٤٢) ، تهذيب الأسماء واللغات (١ / ٢ / ١٤٥) ، تهذيب الكمال (١٤٧٠) ، البداية والنهاية (٨ / ٢١٤) ، العقد الثمين (٧ / ٣٩٨) ، روى أبي ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال الوليد بن عقبة لعلي : أنا أحد منك سنانا ، وأبسط لسانا ، وأملأ للكتيبة ، وقال علي : اسكت ، فإنما أنت فاسق ، فأنزل الله سبحانه وتعالى : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) ، أورده السيوطي في الدر المنثور (٥ / ١٧٧ ـ ١٧٨) ونسبه للأغاني (٥ / ١٤٠) ، والواحدي أخرجه أيضا في أسباب النزول ، وابن عدي ، وابن مردويه ، والخطيب من طرق عدة عن ابن عباس ، الاستيعاب (٤ / ١١٤ ـ ١١٨) ت (٢٧٥٠).

٢٨٤

واستعمل عبد الله بن عامر (١) على البصرة ، وكان ابن خاله ، وكان صبيا سفيها لا دين له ، وعبد الله بن أبي سرح (٢) على مصر ، وكان (٣) أشد الناس على رسول الله «شركا وعدوانا» (٤) ، ومن أخبث المنافقين بعد إقراره ، وهو الذي قال الله فيه : (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) [الأنعام : ٩٣] (٥) ، واستعمل يعلى بن منية التميمي (٦) على اليمن في أشباه فسّاق وجفاة ، ثم عمد إلى طريد رسول الله الحكم بن أبي العاص (٧) ، وكان رسول الله قد أخرجه من

__________________

(١) هو عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأمير ، أبو عبد الرحمن العبشمي ، رأى النبي وروي عنه ، وهو ابن خال عثمان ، وأبوه هو ابن عمة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم البيضاء بنت عبد المطلب ، ولي البصرة لعثمان ، ثم وفد على معاوية فزوجه بابنته هند ، قال الزبير بن بكار استعمل عثمان على البصرة ابن عامر وعزل موسى ، توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولابن عامر (١٣ سنة) ، وتوفي قبل معاوية سنة (٥٩ ه‍) ، انظر : سير أعلام النبلاء (٣ / ١٨ ـ ٢١) ، ابن سعد (٥ / ٤٤) ، نسب قريش (١٤٧ ، ١٤٨) ، المحبر. (انظر الفهارس) ، المستدرك (٣ / ٦٣٩) ، الاستيعاب (٩٣١) ، الإصابة ت (٦١٨١) ، تهذيب التهذيب (٥ / ٢٧٢) ، أسد الغابة (٣ / ١٩١) ، تاريخ الطبري (٥ / ١٧٠) ، البداية والنهاية (٨ / ٨٨) ، العقد الثمين (٥ / ١٨٥) ، فتوح البلدان (٣٩٦) ، جمهرة أنساب العرب (٧٥).

(٢) قال في شرح النهج للمعتزلي (١ / ١٩٩) وأعطى عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح إفريقية بالمغرب ، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين ، وهو عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري ، من بني عامر بن لؤي أخو عثمان بن عفان من الرضاع ، قال في الأعلام : (فاتح إفريقية ، وفارس بني عامر ، أسلم قبل فتح مكة وهو من أهلها ، وكان على ميمنة عمرو بن العاص حين افتتح مصر ، وولي مصر سنة (٢٥ ه‍) بعد عمرو بن العاص) ، انظر : الأعلام (٤ / ٨٨ ـ ٨٩) ، أسد الغابة (٣ / ١٧٣) ، الاستقصاء (١ / ٣٥) ، ذيل المذيل (٣١) ، الروض الأنف (٢ / ٢٧٤) ، ابن عساكر (٧ / ٤٣٢) ، البداية والنهاية (٧ / ٢٥٠) ، فتح العرب للمغرب حسن مؤنس (٧٧ ـ ١٠٧) ، الكامل لابن الأثير (٣ / ١١٤) ، النجوم الزاهرة (١ / ٧ ـ ٩٤).

(٣) نهاية الصفحة [١٣٣ ـ أ].

(٤) في (أ) : مشركا ، وكلمة عدوانا ساقطة.

(٥) الآية نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح. راجع أسباب النزول للواحدي النيسابوري ص (١٦٥) ، تفسير الخازن (٢ / ١٣٦).

(٦) هو يعلى بن أمية التميمي ، ويقال : يعلى بن منبه ينسب حينا إلى أبيه وحينا إلى أمه ، أبو صفوان ، وأكثرهم يقولون : يكنى أبا خالد ، أسلم يوم الفتح وشهد حنينا والطائف وتبوك. قال أبو عمر : وقتل سنة (٣٨ ه‍) بصفين مع علي بعد أن شهد الجمل مع عائشة ، وهو صاحب الجمل ، أعطاه عائشة ، وكان الجمل يسمى عسكرا ، انظر : الاستيعاب (٤ / ١٤٧ ـ ١٤٩) ، طبقات ابن سعد (٥ / ٤٥٦) ، تهذيب التهذيب (١١ / ٣٩٩) ، أسد الغابة (٥ / ١٢٨).

(٧) الحكم بن أبي العاص بن أمية الأموي ، ابن عم أبي سفيان ، يكنى أبا مروان ، من مسلمة الفتح ، ليس له أدنى نصيب من الصحبة ، نفاه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الطائف لكونه حاكاه في مشيه وفي بعض حركاته فسبه وطرده ، فنزل بوادي وج وادي الطائف ، ونقم جماعة على عثمان كونه عطف على عمه الحكم وآواه ، وأقدمه المدينة ووصله ، ويروى في سبه أحاديث ، قال الشعبي : سمعت ابن الزبير يقول : ورب هذه الكعبة إن الحكم بن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقيل : كان يفشي سر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فأبعده لذلك ، توفي سنة (٣١ ه‍) ، انظر : سير أعلام النبلاء (٢ / ١٠٧) ، الاستيعاب (١ / ٣٥٨) ، أسد الغابة (٢ / ٣٧) ، الإصابة (٢ / ٢٧١) ، طبقات خليفة (١٩٧) ، تاريخ خليفة (١٣٤) ، ابن سعد (٥ / ٤٤٧ ، ٥٠٩).

٢٨٥

المدينة فأدخله وأعطاه ثلاثمائة ألف درهم ، وأعطى الحارث بن الحكم (١) صدقة البحرين ، وأعطى مروان بن الحكم (٢) مائة ألف من خمس إفريقية ، واستلف (٣) من مال الله مالا عظيما ، فأتاه عبد الله بن أرقم (٤) ـ وكان يلي الفيء والخمس والمال على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر ـ يتقاضاه ، فقال : ما لك ولهذا والله لا أقضي منه شيئا أبدا ، قال : والله لا ألي لك شيئا أبدا ما بقيت.

وقدم عليه مال من العراق فطفق يقسمه بين بناته وأهله في الصحاف ، واشترى الأرضين بمال الله ، وهو أول من بنى القصور في المدينة ، وأفاض المال على ولده ، وقد قال الله تعالى : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) [الحشر : ٧].

وقتل الوليد بن عقبة رجلا بالكوفة من الخيار يقال له : دينار ، فأبى أن يقتله به ، وشرب الخمر الوليد بالكوفة ، فشهدوا عليه عنده أنه يصلي بالناس سكران ، فلم يعزله ولم يضربه حتى أخرجه أهل الكوفة ، وأحيا مواضع القطر في البادية ، وأرعى فيها أهلها الماشية ؛ وقد قال الله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً ...) الآية [يونس : ٥٩] ، ومنع الأعراب الجهاد (٥) مخافة أن يشركهم في الفيء ، وقد دعاهم الله ورسوله إلى الجهاد ، فكلمه المسلمون فيما ركب من المعاصي فشتمهم وآذاهم.

__________________

(١) هو : الحارث بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ، تزوج عائشة بنت عثمان بن عفان وأعطاه مائة ألف من بيت المال ، انظر : جمهرة أنساب العرب (١٠٩) ، شرح النهج (١ / ١٩٩).

(٢) هو : مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ، أبو عبد الملك القرشي الأموي يكنى أبا القاسم وأبا الحكم ، مولده بمكة ، قال عطاء بن السائب عن أبي فجر ، قال : كنت بين الحسن والحسين ومروان ، والحسين يساب مروان فنهاه الحسن ، فقال مروان : أنتم أهل بيت ملعونون ، فقال الحسن : ويلك ، قلت هذا والله لقد لعن الله أباك على لسان نبيه وأنت في صلبه.

توفي خنقا في أول رمضان سنة (٦٥ ه‍) ، انظر : سير أعلام النبلاء (٣ / ٤٧٦) ، الاستيعاب (٣ / ٤٤٤ ت ٢٣٩٩) ، الإصابة (ت ٧٩٣١) ، أسد الغابة (ت ٤٨٤٨) ، طبقات ابن سعد (٥ / ٣٥) ، طبقات خليفة (ت ١٩٨٤) ، الجرح (٨ / ٢٧١) ، تاريخ الطبري (٥ / ٥٣٠ ، ٦١٠). وانظر بقية مصادر ترجمته في سير أعلام النبلاء (٣ / ٤٧٦) ، الاستيعاب (٣ / ٤٤٤).

(٣) في (أ، ب) : واستسلف.

(٤) هو : عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري الكاتب ، ولاه عمر بيت المال ، وولي بيت المال لعثمان مدة ، قال مالك : أجازه عثمان وهو على بيت المال بثلاثين ألفا ، وقيل : إنها كانت ثلاثمائة ألف درهم ، انظر : سير أعلام النبلاء (٢ / ٤٨٢ ـ ٤٨٣).

(٥) نهاية الصفحة [١٣٤ ـ أ].

٢٨٦

[بين عبد الرحمن بن عوف والزبير وعثمان]

وكان أول من كلمه علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأغلظ له في المسجد حتى حصب كل واحد منهما صاحبه ، ثم إنهم اجتمعوا في منزل الزبير فقام عبد الرحمن بن عوف وذكر عثمان فشتمه ، ثم أخذ نعله بيده وقال : خلعته كما خلعت نعلي هذا ، وقال الزبير مثل ذلك ؛ فبلغ ذلك القول عثمان ، فصعد المنبر فشتمهم وذكر عبد الرحمن فقال : إن عدو الله قد نافق ، واتخذ عبيدا من النوبة والسودان وأبناء فارس ، فإذا كلمه أحد ضربوه ؛ وكلمه عمار بن ياسر فضربه حتى غشي عليه وفتقه ، فلم يصلّ ولم يعقل يوما وليلة ، ولم يقلع عنه حتى ناداه أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لتخلين سبيله أو لنخرجن.

[بين عثمان وأبي ذر الغفاري]

وكان أبو ذر (رحمه‌الله) بالشام ، فجعل يذكر أحداثه ، وقال معاوية (١) : لا يعودن لشيء

__________________

(١) هو : معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، أبو عبد الرحمن القرشي الأموي المكي ، أمه هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، أسلم مع أبيه في فتح مكة ، وكان من المؤلفة قلوبهم ، إذ أن رسول الله أجزل له ولأبيه العطاء بعد غزوة حنين وذلك من فيئها ، وهو أول من جعل الخلافة الإسلامية نظاما ملكيا وراثيا ، أخرج أحمد في مسنده وزاد فيه الحاكم عن علي بن حمشاء ، حدثنا هشام بن علي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة قال : فدعوته ـ أي معاوية ـ فقيل إنه يأكل فأتيت فقلت : يا رسول الله هو يأكل قال : «اذهب فادعه» فأتيته الثانية ، فقيل : إنه يأكل ، فأتيت رسول الله فأخبرته ، فقال في الثالثة : «لا أشبع الله بطنه» ، قال : فما أشبع بعدها. رواه الطيالسي في مسنده رقم (٢٧٤٦) ، أخرجه مسلم (٢٦٠٤) ، البيهقي في الدلائل (٦ / ٢٤٣) ، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (٦ / ١٩٢) ، (٨ / ١١٩). ومعاوية هو أول من اتخذ ديوان الخاتم وأمر بهدايا النيروز والمهرجان ، واتخذ المقاصير في الجوامع ، وأول من قتل مسلما صبرا حجرا وأصحابه ، وأول من أقام على رأسه حرسا ، وأول من قيدت بين يديه الخبائب ، وأول من اتخذ الخصيان في الإسلام ، وأول من بلغ درجات المنبر خمس عشرة رماة ، وكان يقول : أنا أول الملوك ، وكان يصفر لحيته وكأنها الذهب. راجع الاستيعاب (٣ / ٤٧٣) واستلحق زياد بن عبيد وجعله زياد بن أبي سفيان ، وهو أول استلحاق جاهلي عمل به في الإسلام علنا ، واستنكره الصحابة وأهل الدين. كما دس السم للإمام الحسن بن علي. قال أبو الفرد : مات الحسن عليه‌السلام شهيدا مسموما دس معاوية إليه وإلى سعد بن أبي وقاص حين أراد أن يعهد إلى يزيد ابنه بالأمر سما فماتا في أيام متقاربة ، وأخباره ومواقفه مع أمير المؤمنين عليه‌السلام طويلة ، وقد تناولها العديد ممن ألف في تاريخ الإسلام ، ولمن أراد التوسع في صاحب الترجمة وأعماله ومواقفه ، فليراجع كتاب النصائح الكافية لمن يتولى معاوية للعلامة محمد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي المتوفى سنة (١٣٥٠ ه‍) ، انظر : سير أعلام النبلاء (٣ / ١١٩ ـ ١٦٢).

٢٨٧

من هذه الأحاديث ، وكتب إلى عثمان ، فكتب إليه أن احمله على ناب صعبة واجعل وطأه قتبا ، فلم يقلع أبو ذر عن عيبه ، فقال معاوية : ألم أنهك فأبيت؟ قد خرفت وذهب عقلك.

فقال : قد بقي معي من عقلي ما أشهد على رسول الله أنه حدثني أن أحدنا يموت كافرا ، إما أنا وإما أنت يا معاوية (١).

فارتحل أبو ذر حتى قدم المدينة ، وقد سقط لحم أليتيه (٢) وفخذيه ، ومرض مرضا شديدا ، وبلغ عثمان فحجبه عشرين ليلة (٣) ، فلما دخل عليه قال (٤) :

لا أنعم الله بعمرو عينا

تحية السخط إذا التقينا

فقال أبو ذر : ما سماني الله عمرا ولا أبي ولا أمي ، وإني لعلى العهد الذي فارقت عليه رسول الله ما غيرت ولا بدلت ، فقال عثمان : يا غلام ناد لي قريشا ، فلما دخلوا عليه قال : دعوتكم لهذا الشيخ الذي كذب على نبينا ، وفارق ديننا وضغن المسلمين علينا ، إني رأيت أن أقتله وأصلبه وأنفيه ، فقال بعضهم : رأينا لرأيك تبع ، وقال بعضهم : صاحب رسول الله وشيخ من المسلمين العفو عنه أفضل.

وجاء علي عليه‌السلام قال : تنزلونه منزلة مؤمن آل فرعون فإن (يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) [غافر : ٢٨].

قال عثمان : بفيك التراب وسيكون به (٥) ، وقال عثمان : قوموا ، وأمر مناديه فنادى في

__________________

(١) انظر : شرح النهج (٨ / ٢٥٧) وما بعدها.

(٢) في شرح نهج البلاغة (وقد سقط لحم فخذيه من الجهد) شرح النهج (٨ / ٢٥٨).

(٣) نهاية الصفحة [١٣٥ ـ أ].

(٤) في رواية الواقدي أن أبا ذر لما دخل على عثمان قال : له :

لا أنعم الله بقين عينا

نعم ولا لقاه يوما زينا

تحية السخط إذا التقينا

شرح النهج (٨ / ٢٥٨).

(٥) في شرح النهج : (فأجابه عثمان بجواب غليظ وأجابه علي عليه‌السلام بمثله ، ولم نذكر الجوابين تذمما منهما). شرح النهج (٨ / ٢٥٩).

٢٨٨

الناس برئت الذمة ممن كلم أبا ذر ، وأبي أبو ذر أن يكف عنه ، وقال : إني بايعت خليلي رسول الله على أن لا تأخذني في الله لومة لائم ، فسيره إلى أرض الرّبذة ، فلم يزل بها حتى مات (١).

[بين عبد الله بن مسعود وعثمان بن عفان]

وبلغ أن عبد الله بن مسعود قد أظهر البراءة منه بالكوفة ، فأمر به فأخرج إليه ، فلما قدم المدينة ، وذلك يوم الجمعة ، قام عثمان على المنبر يذكر ابن مسعود ويشتمه ، وابن مسعود في المسجد ، فقام إليه وكلمه على رءوس الناس وذكره الله ، فأمر عبدا أسود يقال له : ابن زمعة فوطئه حتى كسر أضلاعه ، ثم قال ابن (٢) مسعود. أمر الكافر عثمان غلامه ابن زمعة فكسر أضلاعي.

وخرج أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضربن أبياتهن حوله يمرضنه حتى مات ، وأوصى أن لا يصلي عليه عثمان ، فدفن بغير علمه ، فلما علم أراد أن ينبشه ، فمنعه أصحاب رسول الله وضرب عبد الرحمن بن حنبل (٣) مائة سوط ، وقيّده في الحديد ، ثم سيره إلى حنين ، وبعث جواسيسا يستمعون طعن الناس عليه ، فإذا سمعوا الكلمة من الرجل رفعوها إليه فيحرمه بها حظه من فيء الله ، وعاقب رجالا في ذلك بالضرب وانتزع أموالهم ، وأمر بقراءة علي وعبد الله وأبي بن

__________________

(١) خبر أبي ذر وما كان من عثمان ومعاوية أورده ابن أبي الحديد المعتزلي في كتابه (شرح النهج) (٨ / ٢٥٢) وما بعدها.

(٢) نهاية الصفحة [١٣٦ ـ أ].

(٣) ورد في الأصل عبد الرحمن بن حمل ، وما أثبتناه من الاستيعاب والإصابة ، وهو عبد الرحمن بن حنبل أخو كلدة بن حنبل ، وهو القائل في عثمان :

أقسم بالله رب العباد

ما خلق شيئا سدى

ولكن خلقت لنا فتنة

لكي نبتلي بك أو تبتلى

قال في أسد الغابة : وكان منحرفا عنه ـ أي عثمان ـ وإن كان لا يثبت ، وقاتل مع أمير المؤمنين علي عليه‌السلام يوم صفين ، انظر : أسد الغابة (٣ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩) ، الاستيعاب (٢ / ٢٧٢ ت ١٤٠٩) ، الإصابة (٢ / ٣٩٥ ت ٥١٠٧).

٢٨٩

كعب (١) أن لا تقرأ ، وأمر بكل مصحف على تلك الحروف أن يحرق ؛ وقد قال رسول الله : «نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف» (٢).

فقال أبو ذر : ويلك لا تحرق كتاب الله فيكون دمك أول دم يهراق ، وقال له أبي : يا بن الهاوية ، يا ابن النار الحامية قد فعلتها.

وجاء رجل إلى أبي في مسجد رسول الله فقال : ما تقول في عثمان؟ فسكت وقال : جزاكم الله يا أصحاب محمد شرا ، أشهدتم الوحي وغبنا تكتموننا؟! فقال أبي عند ذلك : هلك أصحاب العقدة ورب الكعبة ، أما والله لئن أبقاني الله إلى يوم الجمعة قلت ، قتلت أو استحييت ، فمات قبل الجمعة.

وصلّى عثمان بمنى أربع ركعات ، فقال ابن مسعود : صليت خلف رسول الله ركعتين ، وخلف أبي بكر وعمر كذلك ، ثم (٣) تفرقت بكم السبل ، صليت حقي (٤) من أربعكم ركعتين متقبلتين.

وأرسل إلى علي وهو بمنى أن يصلي بالناس ، فأرسل علي عليه‌السلام إليه إني إن صليت صليت ركعتين ، فأعاد عليه أن صل أربع ركعات ، فأبى علي عليه‌السلام.

فلما رأى المسلمون تعطيل الحدود والأحكام ، وإيثار الدنيا (٥) على الآخرة ساروا إليه من كل أفق يستتيبونه ، فأرسل إلى المهاجرين والأنصار : إني أتوب ، وأرد المظالم إلى أهلها ، وأقيم

__________________

(١) هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار ، سيد القراء ، أبو منذر الأنصاري المدني ، شهد العقبة ، حدث عنه بنوه : محمد ، والطفيل ، وأنس بن مالك ، وابن عباس ، وآخرون ، قال الواقدي : مات في سنة اثنتين وعشرين بالمدينة ، وقال : سمعنا من يقول إنه مات في خلافة عثمان سنة ثلاثين ، انظر : سير أعلام النبلاء (١ / ٣٨٩ ـ ٤٠٢) ، والطبقات لابن سعد (٣ / ٢ / ٥٩).

(٢) أخرجه الطبراني في الكبير عن حذيفة ، وعبد الله بن مسعود ، كما رواه البزار (١ / ٣١٥) ، ابن حبان (١٧٨١) ، ومجمع الزوائد (٧ / ١٥٢) انظر الكبير (ح / ١٠٠٩٠ ، ١٠٢٧٣) ، (١٠١٠٧) ، (٣٠١٩) ، (٢٠ / ٣١٢) ، وانظر أيضا لفظ القرآن في مفتاح كنوز السنة ص (٣٩٥ ـ ٤٠٥).

(٣) نهاية الصفحة [١٣٧ ـ أ].

(٤) في (ب ، ج) : صليت خطي.

(٥) في (ب ، ج) : وإيثار الدنيا.

٢٩٠

الحدود والأحكام ، وأنصف وأعزل عمّالي ، فلما سمعوا ذلك قبلوا ورضوا ، فرجعوا إلى أمصارهم.

فلما انصرف الناس طلب أصحاب رسول الله الذي أعطاهم من نفسه فأبى ، وزعم أنه لا يطيق ضرب الوليد بن عقبة ، وقال : دونكم فاضربوه ، فضربه علي عليه‌السلام بيده ، وسألوه أن يقيد بدينار ، فأبى وزعم أنه أولى به وأنه عفا عن الوليد ، فقال الزبير : والله لتقيدن بدينار أو لنقتلن دنانير كثيرة. فأبى وكتب إلى معاوية : إن أهل المدينة قد كفروا وخالفوا الطاعة ، فأرسل إلى أهل الشام على كل صعب وذلول ، وكتب إلى أهل الشام فنفروا إليه مع أسيد بن كرز القسري جد خالد بن عبد الله (١) ، حتى إذا كانوا بوادي القرى بلغهم قتله ، وكان كتب إلى عبد الله بن أبي سرح عامله على مصر : انظر فلانا وفلانا ـ لرجال من خيار المسلمين من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) وسلّم ومن التابعين ـ فإذا قدموا إليك (٣) فاقتل فلانا واصلب فلانا واقطع يد فلان ، وبعث في ذلك أبا الأعور السلمي (٤) ، فلقوه في بعض الطريق ،

__________________

(١) هو أسيد وقيل : أسد بن كرز بن عامر بن عبد الله بن عبد شمس القسري جد خالد بن عبد الله القسري ، حديثه عند يونس بن إسحاق بن إسماعيل بن واسط البجلي ، عن خالد بن عبد الله بن زيد بن أسد القسري ، عن جده أسد بن كرز سمع النبي ، قال في أسد الغابة : وقيل : أسد وهو الصحيح. وروى خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسيد عن أبيه عن جده أسيد بن كرز ، كان يبالغ في سب علي ، انظر : أسد الغابة (١ / ٧٠ ، ٩١) تجريد أسماء الصحابة (١ / ١٤) الاستيعاب (١ / ١٧٤ ت ٢٨) الثقات (٣ / ١٨) الوافي بالوفيات (٩ / ٨) ذيل الكاشف (٦٢) الإصابة (١ / ٣٣ ت ١٠٣). أما خالد فهو خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسري من بجيلة ، أبو الهيثم ، أمير العراقين لبني أمية ، من أهل دمشق ، ولي مكة للوليد بن عبد الملك ، ثم ولاه هشام العراقين ، ولد سنة (٦٦ ه‍ / ٦٨٦) م وقتل سنة (١٢٦ ه‍ / ٧٤٣ م). قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت يحيى بن نعيم قال : خالد بن عبد الله القسري ، كان واليا لبني أمية ، وكان رجل سوء ، وكان يقع في علي بن أبي طالب ، وكان يقول على المنبر : العنوا علي بن أبي طالب فإنه لص ابن لص ، بضم اللام ، ودخل عليه جعدة بن هبيرة المخزومي وفي يده نبق يأكل منه ، فقال له : إذا شتمت عليا فلك بكل نبقة دينار. وأخباره ونصبه وعداوته لأمير المؤمنين كثيرة إلا أن لنا تعقيبا بسيطا ، وهو أن ابن حبان ذكره في الثقات ، وقيل لسيار : نروي عن خالد؟ قال : إنه كان أشرف من أن يكذب ، وهذا من أعجب العجائب أن يكون الناصبي ثقة وهو يسب أمير المؤمنين ، ولم يعلموا أن سب أمير المؤمنين هو سب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سب عليا فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله» ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، انظر : الأعلام (٢ / ٢٩٧) تهذيب التهذيب (٣ / ١٠١ ت ١٧٢٦) تهذيب تاريخ ابن عساكر (٥ / ٦٦) ميزان الاعتدال (١ / ٦٣٣) الغارات (٢ / ٨٣٣) النصب والنواصب لحسن المعلم ص (٣١٤) شرح النهج (٣ / ٣٥).

(٢) نهاية الصفحة [١٣٨ ـ أ].

(٣) في (أ، د) : عليك.

(٤) هو : عمرو بن سفيان بن قائف بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج ، وقال بعضهم : سفيان بن عمرو كان مع معاوية وعمرو بن العاص في صفين ، وكان أشد من عنده على علي عليه‌السلام وكان علي يذكره في القنوت في صلاة الغداة ويقول : اللهم عليك به ـ مع قوم يدعو عليهم في قنوته ، انظر : الاستيعاب (ت ٢٨٧٨) ، المغازي للواقدي (٢٦٦) ، تاريخ اليعقوبي (٢ / ١٨٧) ، أسد الغابة (ت ٥٦٩٢) ، الإصابة (ت ٩٥٤٢).

٢٩١

فأخذوه فسألوه أين تريد؟ قال : مصر ، قالوا : هل معك كتاب؟ قال : لا ، ففتشوه فإذا معه الكتاب ، فرجعوا إلى المدينة ونزلوا بذي خشب (١) وسمع المسلمون بذلك بعد أن انصرفوا فنفروا إليه ، فلما رأى أنهم نزلوا به ، أرسل إلى علي عليه‌السلام يناشده الله لما كفهم عنه ، فقال عليه‌السلام : لا أرى القوم يقبلون منك إلا ترك أمرهم أو يقتلونك.

فلم يزل يطلب إليه بأنه يتوب في ثلاثة أيام من كل ذنب ، ويقيم كل حد ، فإن لم يفعل فدمه مباح ، فكتب علي عليه‌السلام عليه بذلك كتابا وأشهد عليه وأجله القوم (٢) ثلاثا ، فلم يصنع شيئا ، وسار عمرو بن حزم الأنصاري (٣) إلى ذي خشب ، فأخبر أنه لم يصنع شيئا ، فقدموا وأرسلوا إليه : ألم تزعم أنك تتوب؟

قال : بلى.

قالوا : فما هذا الكتاب الذي كتبته فينا.

قال : لا علم لي به.

قالوا : بريدك وجملك وكتاب كاتبك.

قال : الجمل مسروق ، والخط قد يشبه الخط ، والخاتم قد ينقش عليه.

قالوا : لا نأخذك به إن أقمت الحدود ورددت المظالم ، وعزلت المنافقين فأبى ، وقال : ما أرى لي أمرا في شيء ما الأمر إلّا لكم.

قالوا : فاعتزلنا فإن أمرنا ليس بميراث ورثته عن آبائك.

قال : ما أنا بالذي أنزع سربالا كسانيه لله.

قالوا : بلى ، ليس للرجل أن يتأمر على المسلمين (٤) وهم له كارهون ، فأبى ، فحاصره المسلمون أربعين ليلة رجاء توبته ، وطلحة بن عبيد الله يصلي بالناس ، وقد كان حضر الموسم ،

__________________

(١) موضع متصل بالكلاب على مرحلة من المدينة على طريق الشام. انظر : الروض المعطار ص (٢٢٤).

(٢) في (ب) : وأجله القوم بذلك.

(٣) عايش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمره على أهل نجران ، روى عنه ابنه محمد والنضر بن عبد الله السلمي ، وزياد بن نعيم الحضرمي ، توفي بالمدينة سنة (٥١ ه‍) ، وقيل : سنة (٥٣ ه‍) ، انظر : الاستيعاب (٣ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧) ترجمة (١٩٢٩) طبقات ابن سعد (٦ / ٢٣) ، سير أعلام النبلاء (٣ / ٤١٧) ، الإصابة (ت ٥٨٢٦) ، أسد الغابة (ت ٣٩٠٥) ، مروج الذهب (١٨٩٦) ، تهذيب التهذيب (٨ / ١٧) ، شذرات الذهب (١ / ٩٥).

(٤) نهاية الصفحة [١٣٩ ـ أ].

٢٩٢

وأرادت عائشة الخروج إلى مكة ، فأرسل إليها مروان أنشدك الله يا أمه لما أقمت لعل الله يصلح هذا الأمر على يديك.

قالت : والله لوددت أن صاحبك في بعض غدائره هذه مشدودة عليه ، حتى إذا انتهى إلى اليم دفعته فيه ثم ارتحلت ، حتى إذا كانت في بعض الطريق لحقها عبد الله بن عباس ، وقد بعثه المسلمون على الموسم ، فلما لقيها قالت : يا بن عباس أذكرك الله والإسلام ، لا تخذل الناس غدا على قتل هذا الرجل فإنه حكم بغير ما أنزل الله ، وبدل سنة رسول الله وانطلقت ، فلما بلغها قتل عثمان قالت : أبعده الله بذنبه ، الحمد لله الذي قتله ، والله ما بلي قميص رسول الله حتى أبلى عثمان دينه (١) ، حتى إذا كان يوم النحر ، صلى بالناس علي عليه‌السلام وعثمان محصور ، فلما كان في اليوم الثالث من آخر أيام التشريق ناهضه المسلمون ، فهم يكلمونه إذ رمى كثير بن الصلت الكندي (٢) نيار بن عياض الأسلمي (٣) صاحب رسول الله بسهم فقتله ، فأرسلوا إلى عثمان في كثير أن ادفعه إلينا لنقتله ، قال : لم أكن لأقتل رجلا نصرني ، فناهضه المسلمون عند ذلك وخرجت إليهم الخيول من دار عثمان ومروان بن الحكم في كتيبة ، وعبد الله بن الزبير (٤) ، والمغيرة (٥) بن الأخنس (٦) فقاتلهم المسلمون وهزمهم الله ، وانتهى إلى

__________________

(١) انظر شرح نهج البلاغة (٣ / ٩) وما بعدها.

(٢) هو : كثير بن الصلت بن معدي كرب بن وكيعة بن شرحبيل بن معاوية الكندي أبو عبد الله المدني ، قيل : إنه أدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت وسعد بن أبي وقاص ، وعنه أبو غلاب يونس بن جبير ، وأبو علقمة مولى عبد الرحمن بن عوف وكان كاتبا لعبد الملك بن مروان على الرسائل ، انظر : تهذيب التهذيب (٨ / ٤١٩ ـ ٤٢٠) ت (٥٨٣٦) ، التقريب (٥٦٣٢) ، تهذيب الكمال (٢٤ / ١٢٧ ت (٤٩٤٦) ، التاريخ الكبير (٧ / ت ٨٩٩) ، الجرح (٧ / ت ٨٥٥) ، الكاشف (٣ / ت ٤٧٠٢).

(٣) لعله نيار بن مكرم الأسلمي مديني له صحبة ، روى عنه عروة بن الزبير وابنه عبد الله بن نيار ، انظر : الجرح والتعديل (٨ / ٥٠٧) وأيضا : تهذيب التهذيب (١٠ / ٤٩٣ ت ٧٥٣٨).

(٤) هو : عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة ، أبو بكر ، وأبو حبيب ، القرشي الأسدي المكي ثم المدني ، وكان أول مولود يولد في المدينة بعد الهجرة ولد سنة الثانية وقيل : في السنة الأولى ، روى عن أبيه ، وجده لأمه أبي بكر بن أبي قحافة ، وأمه أسماء بنت أبي بكر وآخرين ، وعنه أخوه عروة ، وابناه عامر وعباد ، وعطاء ، وأبو إسحاق السبعي وآخرون ، وكان مع خالته عائشة في حرب الجمل ضد الإمام علي (كرم الله وجهه) حكم على الحجاز ، واليمن ، ومصر ، والعراق ، وخراسان ، قتل في حربه مع عبد الملك بن مروان في نزاعهما على الحكم بعد موت مروان ، انظر : سير أعلام النبلاء (٣ / ٣٦٣ ـ ٣٨٠ ، ٣٨١) ، مروج الذهب (٣ / ٢٧٢) وما بعدها ، الإستيعاب (٩٠٥) ، أسد الغابة (٣ / ٢٤٢) ، الكامل (٤ / ٣٤٨) ، تهذيب الأسماء (١ / ١ / ٢٦٦) ، تهذيب الكمال (٦٨٢) ، البداية (٨ / ٣٣٢ ، ٣٤٥) ، العقد الثمين (٥ / ١٤١) ، الإصابة (٢ / ٣٠٩) ، تهذيب التهذيب (٥ / ٢١٣) ، خلاصة تهذيب الكمال (١٦٧) ، شذرات الذهب (١ / ٧٩ ، ٨٠).

(٥) نهاية الصفحة [١٤٠ ـ أ].

(٦) هو : المغيرة بن الأخنس الثقفي ، حليف بني زهرة ، قتل يوم الدار مع عثمان ، انظر : الاستيعاب (٤ / ٦ ت ٢٥٠٨) ، مؤتلف الدارقطني ص (١٦٧٥) ، الإصابة (ت ٨١٩٣) ، أسد الغابة (ت ٥٠٦٦).

٢٩٣

عثمان عند تفرقهم رفاعة بن رافع الأنصاري (١) وجبلة بن عمرو (٢) وعمرو بن حزم ومحمد بن أبي بكر (٣) ومحمد بن أبي حذيفة (٤) وعبد الله ومحمد ابنا بديل الخزاعيان (٥) ، فضربوه بأسيافهم حتى قتلوه غير تائب ولا مقر بحكم وهزمهم الله (٦).

[بيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام]

ثم جاء المسلمون إلى مسجد رسول الله وأخذوا بيد علي عليه‌السلام فبايعوه على العمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٧) ، فأمر بكل سلاح كان في دار عثمان ، وكل مال تقوى به على المسلمين فقبضه ، وما كان سوى ذلك تركه ميراثا على كتاب الله وكذلك السنة في أهل

__________________

(١) هو : رفاعة بن رافع بن خديج الأنصاري الحارثي المدني ، روى عن أبيه ، وعنه ابنه عبابة عن جده. ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : يكنى أبا خديج ، مات في ولاية الوليد بن عبد الملك ، انظر : تهذيب التهذيب (٣ / ٢٨٠ ـ ٢٨١) ت (٢٠٢٦) ، التقريب (١٩٥٠) ، تهذيب الكمال (٩ / ٢٠٠ ت ١٩١٤) ، طبقات ابن سعد (٥ / ٢٥٧) ، الجرح (٣ / ت ٢٢٣٧) ، الكاشف (١ / ٣١١).

(٢) هو جبلة بن عمرو الأنصاري مديني له صحبة سكن مصر ، أخو أبي مسعود ، روى عنه سليمان بن يسار ، وثابت بن عبيد ، انظر الجرح والتعديل (٢ / ٥٠٨) ، الاستيعاب (ت ٣٢١) ، أسد الغابة (ت ٦٨٦) ، الإصابة (ت ١٠٨٣) ، الثقات (٣ / ٥٨) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ٧٧) ، التحفة اللطيفة (١ / ٤٠٨) ، الوافي بالوفيات (١١ / ٥٢) ، الاستبصار (١٣١) ، رياض النفوس في طبقات علماء القيروان (١ / ٥٩) ، التاريخ الكبير (٢ / ٢١٨).

(٣) هو محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة ، ولدته أمه أسماء بنت عميس في حجة الوداع ، ولاه عثمان على مصر كان علوي الرأي ، محبا لرسول الله وآل بيته ، ولاه الإمام علي عليه‌السلام على إمرة مصر سنة سبع وثلاثين ، قتله معاوية بن خديج ودسه في بطن حمار ميت وأحرقه ، أرسل عنه ابنه القاسم بن محمد الفقيه ، أخباره ومواقفه مع أمير المؤمنين كثيرة رحمه‌الله ورحمنا والمؤمنين ، انظر : سير أعلام النبلاء (٣ / ٤٨١ ـ ٤٨٢) ، الجرح والتعديل (٧ / ٣٠٥) ، تاريخ الطبري (٥ / ٩٤) مروج الذهب (٣ / ١٦٠ ، ١٩٧) ، الاستيعاب (٣٦٦) ، أسد الغابة (٥ / ١٠٢) ، العبر (١ / ٤٤) تهذيب التهذيب (٣ / ١١٩٢) ، الإصابة (٣ / ٤٧٢) تهذيب التهذيب (، / ٨٠) ، شذرات الذهب (١ / ٤٨).

(٤) هو أبو القاسم العبشمي أحد الأشراف ، ولد لأبيه لما هاجر الهجرة الأولى إلى الحبشة ، توفي النبي وله من العمر إحدى عشرة سنة ، نشأ في حجر عثمان ، أمه سهله بنت سهيل العامرية ، كان ممن قام على عثمان ، واستولى على إمرة مصر ، روى عنه عبد الملك بن مليل ، استعمله عبد الله بن أبي سرح على مصر ، قتل بفلسطين سنة ست وثلاثين بعد أن أخرجه معاوية من مصر ، انظر : سير أعلام النبلاء (٣ / ٤٧٩ ـ ٤٨١) ، أسد الغابة (٥ / ٨٧) ، العقد الثمين (١ / ٤٥٤) ، الإصابة (٣ / ٣٧٣) ، (الوافي بالوفيات (٢ / ٣٢٨).

(٥) هو عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، روى عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتل بصفين مع علي عليه‌السلام ذكره ابن حبان في الثقات ، وأبوه صحابي مشهور ، انظر : تهذيب التهذيب (٥ / ١٥٥ ـ ١٥٦) ت (٣٣٣٤) ، التقريب (٣٢٣٦) ، تهذيب الكمال (١٤ / ٣٢٦ ت ٣١٧٧) ، التاريخ الكبير (٥ / ت ١٢٦) ، الميزان (٢ / ت ٤٢٢١) الجرح (٥ / ١٤ ت ٦٧) ، الاستيعاب (١ / ٢٣٥ ت ١٦٨).

(٦) الخبر في الجزء الأول من المجموعة الكاملة لعبد الفتاح عبد المقصود ، صفحات مختلفة ، شرح نهج البلاغة (١ / ١٦٨ ، ٥٠٠).

(٧) انظر : شرح نهج البلاغة (٤ / ٧) وما بعدها.

٢٩٤

القبلة ، وأمر بكل مال علم أن عثمان اشتراه واتخذه من مال الله فقبضه ، وأمن الناس كلهم غير سعيد بن العاص (١) ، ثم أمنه بعد ذلك.

ونبذت جيفة عثمان ثلاثة أيام لا يدفن مع المسلمين في مقابرهم ، فدفن في حش كوكب (٢) في حائط كان لليهود تدفن فيه ، فلما ظهر معاوية أمر بالحائط فهدم حتى أقصى به إلى العقيق (٣) وأمر الناس فدفنوا حول عثمان حتى اتصلت القبور بقبور المسلمين.

[عمال أمير المؤمنين عليه‌السلام]

ثم إن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) استعمل على الأمصار ، فبعث عثمان بن حنيف الأنصاري (٤) على البصرة ، وعبيد الله بن عباس (٥) على اليمن ، والنعمان (٦) بن عجلان

__________________

(١) هو سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب والد عمرو بن سعيد الأشدق ووالد يحيى القرشي الأموي المدني ، قتل أبوه يوم بدر وخلفه طفلا ، قيل : روى عن عمر وعائشة ، وهو مقل ، حدث عنه ابناه وعروة ، وسالم بن عبد الله ، ولي أمر المدينة غير مرة لمعاوية وولي الكوفة لعثمان ، وهو الذي فتح طبرستان ، مات وعليه ثمانون ألف دينار ، توفي في قصره بالعرصة على ثلاثة أميال من المدينة ، وقال مسدد : مات مع أبي هريرة في سنة سبع أو ثمان وخمسين للهجرة ، وقال أبو معشر : سنة ثمان ، انظر : سير أعلام النبلاء (٣ / ٤٤٤ ـ ٤٤٩) ، طبقات ابن سعد (٥ / ٣٠) ، الاستيعاب (٦٢١) ، أسد الغابة (٢ / ٣٩١) ، العبر (١ / ٦٤) ، الوافي بالوفيات (١٥ / ٢٢٧).

(٢) موضع بالمدينة فيه دفن عثمان وهو مضموم الحاء مشدد الشين المعجمة ، الحش : البستان ، وكوكب الذي أضيف إليه رجل من الأنصار ، وقيل من اليهود ، لما ظهر معاوية هدم حائطه ، وأفضى به إلى البقيع. انظر : الروض المعطار ص (٥٠١).

(٣) في (أ، د) : فهدم أقصى العقيق.

(٤) هو عثمان بن حنيف بن واهب بن عكيم بن ثعلبة بن الحارث بن مجدعة بن عمرو بن حنش بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي القبائي له من الأولاد : عبد الله ، وحارثة ، والبراء ، ومحمد ، ولاه عمر على خراج السواد ، وولاه الإمام علي كرم الله وجهه على البصرة ، عذبه طلحة ، والزبير ، وسجنوه وأخذوا منه بيت المال وهو واليا على البصر ، انظر : سير أعلام النبلاء (٢ / ٣٢٠ ـ ٣٢٢).

(٥) هو عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخو عبد الله وكثير والفضل ، وآخرين ، ولد في حياة النبي ، حدث عنه ابنه عبد الله ، وعطاء ، وابن سيرين ، وآخرون مات بالمدينة ، وذكر الواقدي أنه بقي إلى دولة يزيد بن معاوية ولاه علي عليه‌السلام إمرة اليمن ، وقال الفسوي : مات زمن معاوية ، انظر سير أعلام النبلاء (٣ / ٥١٢ ـ ٥١٤) ، مروج الذهب (٣ / ٣٧٠) ، الاستيعاب (١٠٠٩) ، أسد الغابة (٣ / ٥٢٤) ، العبر (١ / ٦٣) ، العقد الثمين (٥ / ٣٠٩) ، الإصابة (٢ / ٤٣٧) ، تهذيب التهذيب (٧ / ١٩) ، شذرات الذهب (١ / ٦٤) ، خزانة الأدب (٣ / ٢٥٦ ، ٥٠٢).

(٦) هو النعمان بن العجلان الزرفي الأنصاري كان لسان الأنصار وشاعرهم شهد وقعة صفين مع علي ، وله فيها شعر ، واستعمله علي عليه‌السلام على البحرين ، توفي بعد سنة (٣٧ ه‍) ، انظر : الاستيعاب (٤ / ٦٤ ت ٢٦٤٨) ، تجريد أسماء الصحابة (٢ / ١٠٩) ، الإصابة ت (٨٧٦٧) ، الثقات (٣ / ٤١٠) ، الاستبصار (١٧٥) ، الأعلام (٨ / ٣٧) ، أسد الغابة (ت ٥٤٥٤) ، التاريخ الصغير (١ / ٨٦) ، الطبقات الكبرى (٨ / ٣٩٠) شرح النهج ط بيروت (٢ / ٤٤٦) وقعة صفين (٤٣٢).

٢٩٥

الأنصاري (١) على البحرين ، وأبا قتادة على مكة ، وكان أبو موسى الأشعري على الكوفة فنهض أهلها إليه فقالوا : ألا تبايع لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب فإن المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا على بيعته ، فقال : أنتظر أن يأتيني كتابه فأنظر ما يصنع الناس ، فلما رأوا أنه يتربص بهم ، قام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص (٢) فكلمه وقال : ما تنتظر بنا؟ قال : لا تعجلوا كتابه يأتينا ، فقال هاشم : يا أيها الناس هذه يدي اليمنى لعلي بن أبي طالب وهذه اليسرى لي ، وإني أشهدكم أني قد بايعته على ما بايعه عليه المهاجرون والأنصار ، فلما فعله ابتدره الناس فبايعوه وبايعه أبو موسى.

وكتب معاوية إلى علي أن أهل الشام قد أنكروا قتل عثمان ، فظنوا بك أنك آخذهم بحبهم إياه وأنك إن استعملتني عليهم بايعوك ، واطمأنوا إليك ، فأبى علي أن يستعمله وأن يدخله في شيء من أمره ، فلما رجعت الرسل إلى معاوية طلب النقض عليه ، ووقع أمر طلحة والزبير ، فأمسك عن البيعة لعلي ، وطمع في الذي كان من ذلك (٣).

[١٣٦] أخبرنا علي بن الحسين العباسى بإسناده عن محمد بن حبيب أن الشورى كانت بقية ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ، وولي عثمان سنة أربع وعشرين ، فولي اثنتي عشرة سنة ، ثم قتل صبيحة الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة (٤) ، ثم استخلف أمير المؤمنين علي عليه‌السلام خمس سنين إلّا شهرين.

__________________

(١) نهاية الصفحة [١٤١ ـ أ].

(٢) هو هاشم بن عتبة بن أبي وقاص القرشي الزهري ابن أخي سعد بن أبي وقاص ، يكنى أبا عمرو ، أسلم يوم الفتح ويعرف بالمرقال كان من الفضلاء ، شهد مع علي الجمل ، وشهد صفين وأبلى فيها بلاء حسنا ، وبيده كانت راية علي على الرحالة يوم الصفين وفيها استشهد ، انظر : الاستيعاب (٤ / ١٠٧ ـ ١٠٨) ، الإصابة (ت (٨٩٣٤) ، أسد الغابة ت (٥٣٢٨) ، العبر (١ / ٣٩) ، طبقات خليفة (٨٣١) ، مروج الذهب (٣ / ١٣٠) ، تاريخ بغداد (١ / ١٩٦) ، مرآة الجنان (١ / ١٠١) العقد الثمين (٧ / ٣٥٩) ، شذرات الذهب (١ / ٤٦) ، وقعة صفين (انظر فهارسه) ص (٥٨٥).

(٣) نهاية رسالة محمد بن عبد الله النفس الزكية ، وفحوى الرسالة ذكره الكثير ممن ألف في كتب السير ، والتراجم ، وقد سبق التنويه إلى أهم تلك المراجع على سبيل الاختصار ، ومن أراد التوسع فليراجع : الإمام علي بن أبي طالب (المجموعة الكاملة) للأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود خصوصا المجلد الأول ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ، في رحاب أئمة أهل البيت المجلد الأول. الجزء الأول ص (٣٣١ ،) وما بعدها ، أعيان الشيعة (١ / ٤٣٧).

(٤) بويع لعثمان يوم السبت غرة المحرم سنة أربع وعشرين بعد دفن عمر بن الخطاب بثلاثة أيام بعد مؤامرة قصة الشورى المشهورة ، وقتل بالمدينة يوم الجمعة لثمان عشرة أو سبع عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين من الهجرة ، ذكره المدائني عن أبي معشر عن نافع ، وقال المعتمر عن أبيه عن أبي عثمان النهدي : قتل عثمان في وسط أيام التشريق ، وقال ابن إسحاق : قتل عثمان على رأس إحدى عشرة سنة وإحدى عشر شهرا واثنين وعشرين يوما من مقتل عمر بن الخطاب وعلى رأس خمس وعشرين سنة من متوفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال الواقدي : قتل عثمان يوم الجمعة لثمان ليال خلت من ذي الحجة يوم التلبية سنة (٣٥ ه‍) ، وقيل : إنه قتل يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحجة ، وقال الواقدي : وحاصروه تسعة وأربعين يوما ، وقال الزبير : حاصروه شهرين وعشرين يوما ، الاستيعاب (٣ / ١٥٩ ـ ١٦٠).

٢٩٦

[(٥) أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب] (١)

(٢٣ ق ه ـ ٤٠ ه‍ / ٦٠٠ ـ ٦٦١ م)

__________________

(١) لترجمة أمير المؤمنين علي عليه‌السلام العديد من المصادر ، والمراجع منها : مسند أحمد (١ / ٧٥) ، الاستبصار (٣٩٠) ، الرياض المستطابة (١٦٣) تاريخ بغداد (١ / ١٣٣) أزمنة التاريخ الإسلامي (١ / ٧٧٣) البداية والنهاية (٧ / ٢٢٣) ، (٣٢٤) ، تذكرة الحفاظ (١ / ١٠) ، التاريخ لابن معين (٢ / ٤٩) مروج الذهب (٢ / ٣٥٨) ، التبصرة ، التذكرة (١ / ٢٦) شذرات الذهب (١ / ٤٩) ، والزهد لوكيع (١٠١٤) ، طبقات الشيرازي (٤١) ، التحفة اللطيفة (٣ / ٢٢٦) ، تقريب التهذيب (١ / ٤٨) ، تهذيب التهذيب (٧ / ٣٣٤) ، العبر (٥٢٤) ، الرياض النضرة (١ / ٢٠١) ، أو (٢ / ١٥٣ ـ ٢٤٩) ، تاريخ الخلفاء (١٦٦) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ٣٩٢) ، التاريخ الصغير (٥ / ٤٣٥) ، تذهيب تهذيب الكمال (٢ / ٢٥٠) ، الجرح والتعديل (٦ / ١٩١) تاريخ الإسلام (٣ / ٨) ، بقي بن مخلد (١٠) ، تلقيح فهوم أهل الأثر (١١٠ ، ٣٦٧) صفة الصفوة (١ / ١٣٠) ط (٢) غاية النهاية (١ / ٥٤٦) ، معرفة القراء الكبار (١ / ٢٥ ـ ٢٨) الأعلام (٤ / ٢٩٥) ، حلية الأولياء (١ / ٦٩) ، تهذيب الكمال (٢ / ٩٧١) ، الإصابة (٢ / ٥٠٧) ت (٥٦٨٨) ، أو في طبعة أخرى ت (٥٧٠٤) ، أسد الغابة (٤ / ١٦) أو في طبقة أخرى ت (٣٧٨٩) ، العقد الفريد انظر القسم الخاص بالفهارس ص (١١٢ ـ ١١٣) وقعة صفين ، تاريخ ابن الأثير حوادث سنة (٤٠ ه‍) ، تاريخ الطبري ، انظر القسم الخاص بالفهارس ، البدء والتاريخ (٥ / ٧٣) ، اليعقوبي (٢ / ١٥٤) ، مقاتل الطالبيين (٣٩) وما بعدها طبقات ابن سعد (٣ / ١٣) وما بعدها ، نسب قريش انظر الفهرس ، جمهرة أنساب العرب (٣٧ ـ ٣٨) وانظر الفهارس العامة للكتاب ص (٦٠٩) ، العلوم الطبيعية في تراث الإمام علي ، يوسف بن مرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، دار الأضواء (١ ـ ٣) أجزاء ، منهاج السنة (٣ / ٢) وما بعدها ، ثم (٤ / ٢) إلى آخر الكتاب ، تاريخ الخميس (٢ / ٢٧٦) ، المرزباني (٢٧٩) ، طبقات الزيدية (١ / خ) ، الحدائق الوردية (١ / ١٩) الغدير (١ ـ ١١) مجلدا ، أعيان الشيعة (١ / ٣٢٣ ـ ٥٦٢) ، الإمام علي بن أبي طالب ، محمد رضا ، نهج البلاغة (١ / ٢٠ جزء) الإمامة والسياسة لابن قتيبة انظر فهرس الكتاب ، الإسلام والحضارة العربية (٢ / ١٤١ ، ٣٧٩) ، الإمام علي منتهى الكمال البشري. عباس الموسوي ، فضائل الإمام علي لمحمد جواد مغنية ، في رحاب أئمة أهل البيت عليهم‌السلام محسن الأمين (المجلد الأول. الجزءان الأول والثاني) ، الاستيعاب (٣ / ١٩٧ ـ ٢٢٥) ت (١٩٧٥) ، الإمام علي (المجموعة الكاملة) عبد الفتاح عبد المقصود (١ ـ ٤) مجلدات في (٨ أجزاء). ترجمة علي بن أبي طالب أحمد زكي صفوت (ط) ، عبقرية الإمام للعقاد (ط) ، علي بن أبي طالب حنا نمر ، ومثله لفؤاد أفرام البستاني في سلسلة الروائع ، علي بن أبي طالب لمحمد سليم الجندي ، وحياة علي بن أبي طالب عليه‌السلام لمحمد حبيب الله الشنقيطي ، علي وبنوه لطه حسين (ط) ، مناقب الإمام علي عليه‌السلام للكوفي (١ ـ ٣) مجلدات ، أنوار اليقين في فضائل أمير المؤمنين للحسن بن بدر الدين (١ ـ ٢) مجلد (تحت الطبع) ، ترجمة أمير المؤمنين في تاريخ دمشق لابن عساكر ، ينابيع المودة مجلد في ثلاثة أجزاء للقندوزي ، حديث الطير لشمس الدين الذهبي ، انظر : سير أعلام النبلاء (١٧ / ١٦٩) حديث : «من كنت مولاه ... إلخ» للذهبي ، أيضا انظر تذكرة الحفاظ ص (١٠٤٣) ، خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام للحسكاني ، الخصائص للنسائي ، دستور معالم الحكم ومأثور مكارم الشيم من كلام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام للقضاعي محمد بن سلامة بن جعفر (ط) ، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى لمحب الدين الطبري أبو العباس أحمد أحمد بن عبد الله الشافعي المكي ، كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب لفخر الدين أبي عبد الله محمد بن يوسف القرشي الشافعي (ط) ، ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه‌السلام لأبي الفرج الأصفهاني ، شواهد التنزيل للحسكاني. أما كتب الحديث فمن الصعب حصر تلك الفضائل ومن أراد التوسع فليراجع كتاب مفتاح كنوز السنة ص (٣٥٢ ـ ٣٥٦) مادة (علي).

٢٩٧

[ما قبل بيعة أمير المؤمنين علي عليه‌السلام]

[١٣٧] أخبرنا علي بن جعفر بن خالد الرازي بإسناده (١) عن جعفر عن أبيه عليهم‌السلام عن عبد الله بن جعفر ، قال : كنت مع عثمان وهو محصور ، فلما عرف أنه مقتول بعثني وعبد الله بن الأزهر إلى علي عليه‌السلام وقد استولى طلحة بن عبيد الله على الأمر فقال : انطلقا إلى علي فقولا له : إنك أولى بالأمر من ابن الحضرمية (٢) ـ يعني طلحة ـ فلا يغلبنك على ابن عمك.

[١٣٨] [أخبرنا عبد الله بن الحسن بن مهدي الكوفي العطار بإسناده عن] (٣) إبراهيم بن محمد الثقفي (٤) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كأني أنظر إلى طلحة بن عبيد الله وعليه الدرع وهو يضرب إلى كعبه أو عقبه يرمي بالحجارة في دار عثمان.

[أسس ومنطلقات بيعة أمير المؤمنين علي عليه‌السلام]

[١٣٩] أخبرنا علي بن الحسين العباسي بإسناده عن زيد بن علي ، عن أبيه أن المسلمين اجتمعوا في مسجد رسول الله فبايعوا عليا عليه‌السلام على كتاب الله وسنة نبيه.

قال عيسى بن زيد : أخبرنا أبو ميمونة بن بشير قال : لما طال الأمر بالناس أتوا عليا عليه‌السلام في آخر ذلك ، فقالوا : لا يصلح الناس إلّا بإمرة ، وقد طال هذا الأمر ، فهلم نبايعك وفيهم طلحة والزبير ، قال : لا حاجة لي في إمرتكم ، وأبى عليهم ، حتى مضى أربعون يوما (٥) ، فقالوا : إنا نخاف أن يختلف الناس ، فقال : لهم إني قائل لكم قولا إن قبلتموه قبلت

__________________

(١) نهاية الصفحة [١٤٥ ـ أ].

(٢) يعني طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو ، أمه الحضرمية اسمها الصعبة بنت عبد الله بن عمار بن مالك بن ربيعة ، ويقال لها بنت الحضرمي قيل : شهد يوم الجمل محاربا لعلي ، وقد رماه مروان بن الحكم بسهم فقتله فقال : لا أطلب بثأري بعد اليوم ، قال : في الاستيعاب : وذلك أن طلحة ـ فيما زعموا ـ كان ممن حاصر عثمان واستبد عليه ، ولا يختلف العلماء والثقات في أن مروان قتل طلحة يومئذ ، وكان في حزبه ، انظر الاستيعاب (٢ / ٣١٦ ـ ٣٢١) ت (١٢٨٩).

(٣) في أصولي : قال.

(٤) ورد في الأصل بعد لفظ الثقفي : بإسناده.

(٥) انظر : تأريخ الطبري (٣ / ٤٥٠ ـ ٤٥٧).

٢٩٨

إمرتكم ، وإلّا فلا حاجة لي فيها ، فجاء حتى صعد المنبر فاجتمع الناس ، فقال : إني كنت كارها لإمرتكم وإيالتكم (١) ألا وإن مفاتيح بيت مالكم معي ، وإنه ليس لي أن آخذ منه درهما دونكم (٢) رضيتم؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد عليهم.

[١٤٠] قال الثقفي (٣) بإسناده عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعت علي بن الحسين يقول : إن أول رجل بايع عليا عليه‌السلام طلحة (٤) ، فقال له رجل من بني أسد يقال له قبيصة بن ذؤيب (٥) : أول يد بايعت يد شلاء إن هذا الأمر لحقيق أن لا يتم (٦).

[١٤١] أخبرنا علي بن جعفر بإسناده عن أبي جعفر عن أبيه عليهم‌السلام أن الناس لما بايعوا عليا عليه‌السلام بالمدينة بلغ عائشة وهي بمكة قتل عثمان ، فقالت : أبعده الله بما قدمت يداه (٧) ، ثم بلغها أن الناس يبايعون (٨) طلحة ، فأقبلت على بغلتها مسرعة وهي تقول : إيه ذا الإصبع ، تقدم لله أنت فقد وجدوك لها محشا ، وأقبلت مسرورة جذلة حتى انتهت إلى سرف (٩) ،

__________________

(١) جاء عبد الله بن العباس إلى الإمام علي كرم الله وجهه ، وهو جالس يخصف نعلا له وقال الإمام علي لابن عباس : (يا ابن عباس ما قيمة النعل هذه؟ قال : لا قيمة لها. قال : الإمام علي : يا بن عباس والله إنها عندي لأفضل من إمرتكم) ، انظر شرح نهج البلاغة (مصدر سابق).

(٢) نهاية الصفحة [١٤٦ ـ أ].

(٣) أي : أحمد بن سعيد الثقفي ، والسند هو : أخبرنا أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا عبد الواهب بن علي ، قال : حدثنا عبد الله بن ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه.

(٤) وقيل الأشتر انظر تاريخ الطبري (٣ / ٤٥١ ـ ٤٥٦).

(٥) هو قبيصة بن ذؤيب ، أبو سعد الخزاعي المدني ، ثم الدمشقي الوزير مولده عام الفتح سنة (٨ ه‍) توفي أبوه ذؤيب بن طلحة صاحب بدن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آخر أيام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان على الختم والبريد لعبد الملك بن مروان وقد أصيبت عينه يوم الحرة ، وله دار بباب البريد أحد أبواب جامع دمشق من جهة الغرب ، توفي سنة (٨٦ ه‍) ، وقيل : (٨٧ ه‍) ، وقيل : (٨٨ ه‍) ، انظر : سير أعلام النبلاء (٤ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣) ، ابن سعد (٥ / ١٧٦) ، (٧ / ٤٤٧) ، طبقات خليفة ت (٢٩١٦) ، تاريخ البخاري (٧ / ١٧٤).

(٦) قال في تاريخ الطبري (٣ / ٤٥١) : لما قتل عثمان خرج علي إلى السوق وذلك يوم السبت لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة فاتبعه الناس وبهشوا في وجهه فدخل حائط بني عمرو بن مبذول وقال لأبي عمرة بن عمرو بن محصن : أغلق الباب ، فجاء الناس فقرعوا الباب فدخلوا ، فيهم طلحة ، والزبير فقالا : يا علي ابسط يدك فبايعه طلحة ، والزبير ، فنظر حبيب بن ذؤيب إلى طلحة حين بايع فقال : أول من بدأ بالبيعة يد شلاء لا يتم هذا الأمر ... إلخ.

(٧) انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (٣ / ٩) وما بعدها ، وتاريخ الطبري (٣ / ٤٦٧) وما بعدها.

(٨) في (أ) : بايعوا.

(٩) موضع على ستة أميال من مكة ، وقيل : سبعة وتسعة واثني عشر ، تزوج به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميمونة بنت الحارث ، وهناك بنى بها وبها توفيت. معجم البلدان لياقوت (٣ / ٢١٢).

٢٩٩

فاستقبلت عبيد الله بن أبي سلمة الليثي الذي يدعى ابن أم كلاب (١).

فقالت : ما عندك من الخبر؟

قال : قتل عثمان.

قالت : ثم ما ذا صنعوا؟

قال : خير جازت بهم الأمور إلى خير مجاز ، بايعوا ابن عم نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام.

قالت : والله لوددت أن هذه تطابقت على هذه إن تمت الأمور لصاحبك.

قال : ولم ، فو الله ما أرى بين هذه الخضراء وهذه الغبراء نسمة أكرم على الله منه ، فلم تكرهين سلطانه؟

قالت : إنما عتبنا على عثمان (٢) في أمور سميناها له ووقفناه عليها ، فتاب منها واستغفر ، فقبل منه المسلمون ، ولم يجدوا من ذلك بدا ، وقتله من والله لإصبع من أصابع عثمان خير منه فقتلوه ، وقد ماصوه كما يماص الثوب الرخيص (٣) من الذنوب ، وصفوه كما يصفى القلب المصفى ، ثم رجعت إلى مكة فتسترت في الحجر وجعلت تقول هذه المقالة للناس (٤).

[أحاديث في أحقية أمير المؤمنين علي (ع) الخلافة] (٥)

[١٤٢] [أخبرنا أحمد بن علي بن عافية البجلي ، قال : حدثنا الحسن بن علي السمان الطبري ، قال : حدثنا الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي ، قال : حدثنا الحسن بن

__________________

(١) عبيد الله بن أبي سلمة الليثي (ابن أم كلاب) في تاريخ الطبري (٣ / ٤٦٨) ، فانتهت الى سرف لقيها رجل من إخوانها من بني ليث وكانت واصلة لهم رفيقة عليهم ، يقال : عبيد بن أبي سلمة يعرف بأمه أم كلاب.

(٢) في (أ) : إنا عتبنا على عثمان.

(٣) نهاية الصفحة [١٤٧ ـ أ].

(٤) انظر تاريخ الطبري (٣ / ٤٦٨ وما بعدها) ، وشرح النهج مصدر سابق.

(٥) انظر : منتخب فضائل النبي وأهل بيته من الصحاح الست ، مركز الغدير للدراسات الإسلامية (جزء) ، مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، لمحمد بن سليمان الكوفي القاضي (١ ـ ٣) مجلد ، مناقب أمير المؤمنين للمغازلي الشافعي (جزء) ، ينابيع المودة للقندوزي (١ ـ ٣) مجلد ، تأريخ دمشق ج (٣) ترجمة الإمام علي عليه‌السلام ، فضائل الخمسة من الصحاح الست للفيروزآبادي (١ ـ ٣ مجلد) ، ذخائر العقبى للمحب الطبري ، أنوار اليقين للإمام الحسن بن بدر الدين. بالإضافة إلى المصادر التي سبق التنويه إليها في بداية الترجمة.

٣٠٠