المصابيح

الإمام أبو العباس الحسني

المصابيح

المؤلف:

الإمام أبو العباس الحسني


المحقق: عبدالله بن عبدالله بن أحمد الحوثي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٢

[إخباره (ص) لما سيكون بعده من تبديل بعض أصحابه]

[١١٥] أخبرنا أحمد بن سعيد الثقفي بإسناده عن أبي رافع ، قال : كان أبو هريرة يحدث أن رسول الله صلّى الله (١) عليه وآله وسلّم قال : «يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض ، فأقول : أي رب ، أصحابي أصحابي ، فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى» (٢).

[١١٦] أخبرنا أحمد بن سعيد وجعفر بن سليمان بإسنادهما عن أبي عثمان النهدي ، قال : كان رسول الله وعلي يمشيان ، فمرا بحديقة فقال علي : ما أحسن هذه الحديقة يا رسول الله؟

فقال : «يا علي ، إن لك في الجنة أحسن منها» حتى مرّا بسبع يقول علي ذلك ويقول له رسول الله مثل ذلك القول ، فضمه إليه وبكى.

فقال علي : ما يبكيك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟

قال : «ضغائن في صدور رجال من أمتي لا يبدونها لك إلّا بعدي».

قال : يا رسول الله ، في سلامة من ديني؟

قال : «في سلامة من دينك» (٣).

[١١٧] أخبرنا (٤) محمد بن علي بن الحسين الصواف بإسناده عن أنس بن مالك قال : خرجت أنا وعلي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حيطان المدينة ، فمررنا بحديقة ، فقال علي : ما أحسن هذه

__________________

(١) نهاية الصفحة [١١٧ ـ أ].

(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (٤ / ٢٢١) (بحاشية السند) ، والطبري في الكبير عن سمرة (٧ / ٢٠٧) حديث (٦٨٥٦) ، مجمع الزوائد (١٠ / ٣٦٥) ، وقال : رواه أحمد بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير علي بن زيد ، وقد وثق على ضعف فيه ، كما رواه الطبراني بأسانيد ورجاله كرجال أحمد ، وهو ليس عند أحمد ، كما أن الطبراني لم يروه ألّا بسند واحد ، ورواه في الأوسط. انظر مجمع البحرين (٤٧٢).

(٣) أخرجه الكوفي في المناقب (١ / ٢٤٣) حديث رقم (١٥٨) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وللحديث مصادر وأسانيد وصور عديدة ، كما أخرجه الحلي في كشف اليقين (٤٦٠) ، وأيضا المناقب للخوارزمي (ص ٢٦).

(٤) السند هو : حدثنا محمد بن علي بن الحسين الصواف ، قال : حدثنا عمار بن رجاء ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن مسطر بن ميمون الوراق ، عن أنس بن مالك.

٢٦١

الحديقة يا رسول الله ، فقال : «حديقتك في الجنة أحسن منها» ، حتى عد سبع حدائق ، ثم أهوى رسول الله برأسه وأشار إلى منكبه ثم بكى.

فقال له : ما يبكيك يا رسول الله؟

قال : «ضغائن لك في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني» (١).

[بين أبي بكر وخالد والإمام علي]

[١١٨] أخبرنا (٢) عبد الله بن الحسن الإيوازي بإسناده عن أبي جعفر ، عن أبيه عن جده الحسين (٣) بن علي عليهم‌السلام قال : قال أبو بكر لخالد بن الوليد : إذا صليت الصبح وسلمت فاقتل عليا ، فلما فرغ من صلاته سلم في نفسه ، وصاح : لا تفعل ما أمرتك.

فقال علي : هو والله أضيق حلقة من أن يفعل ما أمرته ، والله لو فعل ما خرجت أنت وأصحابك إلّا مقتلين (٤).

[١١٩] وحدثنا (٥) جعفر بإسناده عن ابن عباس قال : أمر أبو بكر خالد بن الوليد أن يشتمل على سيف ويصلي إلى جنب علي بن أبي طالب ، فإذا سلم فإن هو بايع وإلا علاه بالسيف ، ثم إنه بدا لأبي بكر في ذلك فقال قبل أن يسلم : لا يفعل خالد ما أمرته (٦).

__________________

(١) أخرجه الكوفي في المناقب (١ / ٢٣٠ ح ١٤٤) عن يونس بن خباب يرفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وللحديث أسانيد ومصادر كثيرة جدا ، وقد رواه الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة في مناقب أمير المؤمنين من كتاب المصنف (ج / ١٢) ، كما رواه أيضا الحافظ ابن عساكر تحت رقم (٨٢٨) ، من ترجمة أمير المؤمنين من تأريخ دمشق (ج ٢ / ص ٣٢٧) ، ط (٢) ، انظر الأحاديث (٨٣٤ ـ ٨٣٦) من تاريخ ابن عساكر ، كما رواه الخوارزمي بسند آخر في الحديث (٩) من الفصل (١٩) من كتاب مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام ص (٢١٠) طبعة الغري.

(٢) السند في (ب) : «عن جعفر بن محمد» وهناك سند آخر غير هذا وهو : حدثنا جعفر ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب قال : أخبرنا عمرو بن المقدام عن ابن إسحاق الهمداني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ... ، وهناك سند ثالث من طريق محمد بن سالم الخياط عن زيد بن علي ... إلخ ـ وهذا هو سند الخبر التالي.

(٣) في (أ، ب ، د) : الحسن ، وهو تصحيف.

(٤) أخرجه الإمام عبد الله بن حمزة في كتابه الشافي (٤ / ١٧٣) ، وكذا الإمام الحسن بن بدر الدين في كتابه أنوار اليقين (خ)

(٥) السند هو هكذا : حدثنا جعفر ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال : أخبرنا عمرو بن المقدام ، عن ابن إسحاق الهمداني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس.

(٦) الخبر أخرجه الإمام عبد الله بن حمزة في كتابه (الشافي) (٤ / ١٧٣).

٢٦٢

[منع فاطمة عليها‌السلام فدكا] (١)

[١٢٠] أخبرنا عبد الله بن الحسن الإيوازي بإسناده عن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : جاءت فاطمة بنت رسول الله إلى أبي بكر فقالت : إن رسول الله أعطاني فدكا في حياته.

__________________

(١) أخبارها وفضائلها ودورها في الإسلام أكثر من أن يندرج تحت هذه السطور البسيطة ، وقد قام عبد الجبار الرفاعي بجمع معجم عمّا كتب عن فاطمة الزهراء ونشر ضمن مجلة تراثنا العدد (١٤) السنة (٤) ١٤٠٩ ه‍ ص (٦٠ ـ ١٠٤) ، وقد أثبت (٢٩٦) مصدرا عن ما كتب عن الزهراء ، انظر : (إنها فاطمة الزهراء). د. محمد عبده يماني ، الثغور الباسمة في مناقب السيدة فاطمة للسيوطي ، حياة فاطمة عليها‌السلام لمحمود شلبي ، درر اللآلي في حجة دعوى البتول الفدك والعوالي للحسين بن يحيى بن إبراهيم الديلمي (١١٤٩ ـ ١٢٤٩ ه‍) (خ) ، السبول في مناقب فاطمة الزهراء البتول. إدريس بن علي بن عبد الله بن حمزة (ت ٧١٤ ه‍) (خ) ، كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري (ت ٣٢٣ ه‍) ، كنز العمال (١٣ / ٦٧٤ ـ ٦٨٧) ط (٥) ، الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة (٣ / ٤٣١ ـ ٤٣٢) ط (١) ، قاموس الرجال (١١ / ٩ ـ ٢٨) ، أنساب الأشراف (٥ / ٥٣ ، ٩٧ ، ١٨٦ ، ١٨٨ ، ١٩١) ، تأريخ الإسلام ، السيرة النبوية (٦٦ ، ٧٥ ، ٨٨ ، ١٤٤ ، ٢١٦ ، ٢١٧ ، ٥٩١) ط (١) ، الأعلام (٥ / ١٣٢) ، فاطمة الزهراء. لمحمد كامل حسن المحامي ، فاطمة الزهراء لعبد الفتاح عبد المقصود ، أعيان الشيعة (١ / ٣٠٦ ـ ٣٢٣) ، فاطمة الزهراء والفاطميون للعقاد ، فضائل فاطمة للبغوي (خ) ، يوميات فاطمة الزهراء عليها‌السلام. أحمد الكاتب ، مرآة الجنان (١ / ٦١ ـ ٦٢) ، سير أعلام النبلاء (٢ / ١١٨ ـ ١٣٤) ، مسند أحمد (٦ / ٢٨٢) ، طبقات ابن سعد (٨ / ١٩ ـ ٣٠) ، طبقات خليفة (٣٣٠) ، المستدرك (٣ / ١٥١ ـ ١٦١) ، الاستيعاب (٤ / ٤٤٧ ت ٣٤٩١) ، جامع الأصول (٩ / ١٢٥) ، أسد الغابة (٧ / ٢٢٠) ، تهذيب الكمال (١٦٩٠) ، العبر (١ / ١٣) ، مجمع الزوائد (٩ / ٢٠١ ـ ٢١٢) ، تهذيب التهذيب (١٢ / ٤٤٠ ـ ٤٤٢) ، الإصابة (١٣ / ٧١) ، خلاصة تهذيب الكمال (٤٩٤) ، شذرات الذهب (١ / ٩ ، ١٠ ، ١٥) ، مروج الذهب للمسعودي انظر فهارس الكتاب ، صفة الصفوة (٢ / ٣) ، الدر المنثور (٣٥٩) ، حلية الأولياء (٢ / ٣٩) ، ذيل المذيل (٦٨) ، السمط الثمين (١٤٦) ، أعلام النساء (٣ / ١١٩٩) ، تاريخ الخميس (١ / ٢٧٧) ، إمتاع الأسماع (١ / ٥٤٧) ، فاطمة البتول المعروف به محمد الأرناءوط ، أسد الغابة (٥ / ٥١٩ ـ ٥٢٥) ، فاطمة بنت محمد أم الشهداء وسيدة النساء ، عمر أبي النصر ، سنن الترمذي (٥ / ٦٩٨ ـ ٧٠٢) وغير ذلك يطول ، انظر : شرح نهج البلاغة (١ / ١٦٨) (٤ / ٨٢٢ ـ ٨٧٤) ، معجم البلدان (٤ / ٢٣٨ ـ ٢٤٠) ، الصحيح من سيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٨ / ٢٥٦ ـ ٢٦١) (وانظر فهارسه) ، البحار (٤٣ / ١٩٨ ـ ١٩٩) ، السقيفة لسليم بن قيس ص (٢١١ ـ ٢١٢) ، كنز العمال (٥ / ٣٥١ ـ ٣٥٢) ، الغدير (٧ / ٢٢٨ ، ٢٢٩) ، الإمامة والسياسة (١ / ١٤) ، أعلام النساء (٤ / ١٢٤) ، رسائل الجاحظ (٣٠٠) ، البداية والنهاية (٤ / ٢٠٣) ، (٥ / ٢٨٩) ، علل الشرائع (١٥٤ ـ ١٥٥) (٢٥١) ، المناقب لابن شهرآشوب (١ / ٢٧٠) ، الإمام علي. المجموعة الكاملة (١ / ١٩١) وما بعدها ، دائرة المعارف للأعلمي (٢٣ / ١٧٩ ـ ١٨٢) ، فدك في التاريخ محمد باقر الصدر ، صحيح مسلم (٣٣ ـ الجهاد والسير ـ حديث (٣٣٠٤) وما بعده ، صحيح البخاري في فرض الخمس (٢٨٦٢) ، المناقب (٣٤٣٥) ، المغازي (٣٧٣٠ ، ٣٩١٣) ، الفرائض (٦٢٣٠ ـ ٦٢٣٣) ، النسائي في قسم الفيء (٤٠٧٢) ، أبو داود في الخراج والإمارة والفيء (٢٥٧٤ ، ٢٥٧٨ ، ٢٥٨٤) ، مسند أحمد (٩ ، ٥٢ ، ٥٥ ، ٤ ، ٢٣٩٧٢ ، ٢٥٠٥٩) ، مالك في الجامع (١٥٧٧).

٢٦٣

فقال أبو بكر ما يعلم بذلك.

قالت : أم أيمن (١) تعلم ، وتشهد لي بذلك ، وقد قال رسول الله : «إنها من أهل الجنة».

فجاءت أم أيمن فشهدت لها بذلك ، فرد أبو بكر فدك عليها وكتب لها بذلك كتابا ، فخرجت فاطمة من عند أبي بكر والكتاب معها ، فلقيها عمر بن الخطاب. فقال لها : من أين أقبلت يا بنت محمد (٢)؟.

قالت : جئت من عند أبي بكر سألته أن يرد عليّ فدكا ، وشهدت عنده أم أيمن أن رسول الله أعطانيها ، فردها عليّ أبو بكر وكتب لي بذلك كتابا.

فقال لها عمر : أريني الكتاب. فدفعته إليه فأخذه عمر ، وتفل عليه ومحا ما فيه ، وقال : إن رسول الله قال : «إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو للمسلمين».

فرجعت فاطمة باكية حزينة (٣).

__________________

(١) هي أم أيمن الحبشية ، اسمها بركة ، مولاة رسول الله وحاضنته ورثها من أبيه ثم أعتقها عند ما تزوج بخديجة ، تزوجها عبيد بن الحارث الخزرجي فولدت له أيمن ثم تزوجها زيد بن حارثة فولدت له أسامة بن زيد ، قال الواقدي : ماتت في ولاية عثمان. انظر : الاستيعاب (٤ / ٣٥٦ ت ٣٢٨٧ ، ٣٥٥٧) ، الإصابة (ت ١١٩٠٢) ، أسد الغابة (ت ٧٣٧١) ، وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنها من أهل الجنة» ، حديث أخرجه ابن سعد في الطبقات (٨ / ٢٢٤) ، الذهبي في سير أعلام النبلاء (٢ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥) ولفظه : «من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن».

(٢) نهاية الصفحة [١٩ ـ أ].

(٣) الخبر أورده ابن أبي الحديد المعتزلي بروايات عدة ، انظر شرح نهج البلاغة (٤ / ٨٢٤) وما بعدها إضافة إلى المصادر المشار إليها في خبر فدك سابقا ، وترجمة الزهراء عليها‌السلام. أما الحديث فقد أخرجه المتقي الهندي في منتخبه (٤ / ٥٠٠) ، عن أبي بكر وعزاه لأبي القاسم البغوي وأبو بكر في الغيلانيات ، كما أخرجه ابن عساكر في تأريخه ، وراجع الحاشية الخاصة بفدك سابقا ـ كتب الحديث ، قال في شرح النهج : إن الخبر الذي احتج به أبو بكر يعني قوله : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» لم يقتصر على روايته هو وحده حتى استشهد عليه عمر وعثمان وطلحة والزبير وسعدا وعبد الرحمن فشهدوا به ، فكان لا يحل لأبي بكر وقد صار الأمر أن يقسم التركة ، وقد خبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنها صدقة وليست بميراث ، وأقل ما في هذا الباب أن يكون الخبر من أخبار الآحاد ... إلخ ، انظر : شرح نهج البلاغة (٤ / ٨٤٢) وما بعدها. وقال الأستاذ محمود أبو رية : (بقي أمر لا بد من أن نقول فيه كلمة صريحة ذلك هو موقف أبي بكر من فاطمة بنت الرسول رضي الله عنها وما فعل معها في ميراث أبيها لأننا إذا سلمنا بأن خبر الآحاد الظني يخصص الكتاب القطعي وأنه قد ثبت أن النبي قد قال : إنه لا يورث وأنه لا تخصيص في عموم هذا الخبر فإن أبا بكر كان يسعه أن يعطي فاطمة ـ رضي الله عنها ـ بعض تركة أبيها كأن يخصها بفدك وهذا من حقه الذي لا يعارضه فيه أحد ، إذ يجوز للخليفة أن يخص من شاء بما شاء وقد خص هو نفسه الزبير بن العوام ومحمد بن سلمة وغيرهما ببعض متروك النبي على أن فدك التي منعها أبو بكر من فاطمة لم تلبث أن أقطعها الخليفة عثمان لمروان) ، مجلة الرسالة المصرية العدد (٥١٨) من السنة (١١) ص (٤٥٧) نقلا عن أعيان الشيعة (١ / ٣١٨).

٢٦٤

[١٢١] أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحديدي بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت على رسول الله (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) [الإسراء : ٢٦] دعا رسول الله فاطمة وأعطاها فدكا (١).

[١٢٢] أخبرنا (٢) علي بن الحسن بن سليمان البجلي بإسناده عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : أن فدكا تسع قريات متصلات ، حد منها مما يلي وادي القرى ، غلّتها في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار ، لم تضرب بخيل ولا ركاب ، أعطاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة ـ عليها‌السلام ـ قبل أن يقبض بأربع سنين ، وكانت في يدها تحتمل غلاتها ، وعبد يسمى جنيرا ، وكيلها ، فلما قبض رسول الله أنفذ أبو بكر رجلا من قريش بعد خمسة عشر يوما فأخرج وكيل فاطمة منها (٣).

[١٢٣] وأخبرنا (٤) علي بن الحسين (٥) بإسناده عن عبد الله بن الحسن عليهما‌السلام أنه أخرج وكيل فاطمة من فدك ، وطلبها بالبينة بعد شهر من موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما ورد وكيل فاطمة عليها‌السلام وقال (٦) : أخرجني صاحب أبي بكر ، سارت فاطمة عليها‌السلام ومعها

__________________

(١) أخرجه الحاكم في تأريخه ... ، والسيوطي في الدر المنثور (٤ / ١٧٧) ، وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري .. قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : وقد روي من طرق مختلفة غير طريق أبي سعيد ، ورواه أيضا البزاز في مسنده كما رواه عنه الهيثمي في تفسير سورة الإسراء تحت رقم (٢٢٢٣) ، من كشف الأستار (ج ٣ / ٥٥) ، كما رواه الحافظ الحسكاني بأسانيد في تفسير الآية (٢٦) من سورة الإسراء تحت الرقم (٤٦٧) ، من كتابه : شواهد التنزيل (١ / ٣٣٨) ط (١) ، كما أخرجه الكوفي في المناقب (٢ / ٢٠٢ ح ٦٧٤) ، عن جعفر بن محمد ، كما أخرجه في الشافي الإمام عبد الله بن حمزة (٤ / ٢١٢).

(٢) السند هو : أخبرنا علي بن الحسن بن سليمان البجلي ، قال : حدثنا أحمد بن صالح الضميري ، قال : حدثنا أحمد بن زنبور المكي قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه.

(٣) انظر الروض المعطار مادة : فدك. وأيضا : الإمام علي عليه‌السلام المجموعة الكاملة لعبد الفتاح عبد المقصود (١ / ١٩٢) وما بعدها.

(٤) في الشافي سند الخبر هكذا : أخبرنا محمد بن عبد العزيز قال : حدثنا حسن بن حسين العرني قال : حدثنا الحسين بن زيد بن علي عن عبد الله بن الحسن عليهما‌السلام أنه أخرج ... إلخ ، انظر الشافي (٤ / ٢١٢) ، والسند هنا لعله : أخبرنا علي بن الحسن بن سليمان البجلي ، عن أحمد بن سلام ، عن محمد بن سعيد الرازي ، عن إدريس بن محمد ، عن عبد الرحمن بن أبي أحمد ، عن رو كان ، عن مولى عبد الله بن الحسن ، عن عبد الله بن الحسن.

(٥) هو علي بن الحسين البجلي.

(٦) نهاية الصفحة [١٢٠ ـ أ].

٢٦٥

أم أيمن ونسوة من قومها إلى أبي بكر ، فقالت : فدك بيدي أعطانيها رسول الله وتعرض صاحبك لوكيلي.

فقال : يا بنت محمد أنت عندنا مصدقة إلّا أن عليك البينة.

فقالت : يشهد لي علي بن أبي طالب ، وأم أيمن.

فقال : هاتي فشهد أمير المؤمنين وأم أيمن ، فكتب لها صحيفة وختمها فأخذتها ، فاطمة عليها‌السلام فاستقبلها عمر ، فقال : يا بنت محمد هلم الصحيفة ، ونظر فيها وتفل فيها ومزقها (١).

[١٢٤] أخبرنا أحمد بن سعيد بن عثمان الثقفي بإسناده (٢) عن عائشة أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر ، فقال لهما أبو بكر : سمعت رسول الله يقول : «إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة».

فهجرته فاطمة عليها‌السلام ولم تكلمه حتى ماتت ، ودفنها علي عليه‌السلام ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر (٣).

قلت : والذي طلباه ميراثا سهمه من خيبر ، فأما فدك (٤) فقد كان لفاطمة في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما قدمنا وهو وجه الحديث.

__________________

(١) انظر شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي (٤ / ٨٢٤) وما بعدها ، بالإضافة إلى المصادر المشار إليها سابقا في فدك وترجمة الزهراء عليها‌السلام ، والرواية بنصها أخرجها الإمام عبد الله بن حمزة في كتاب الشافي (٤ / ٢١٢ ـ ٢١٣) عن المؤلف أبي العباس الحسني.

(٢) السند هو : أخبرنا أحمد بن سعيد بن عثمان الثقفي قال : حدثنا محمد بن يحيى الهذلي قال : حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ، الشافي (٤ / ٢١٠ ـ ٢١١).

(٣) الخبر أورده ابن أبي الحديد المعتزلي وغيره بروايات عدّة ، انظر شرح النهج (٤ / ٨٢٤) وما بعدها ، والشافي للإمام عبد الله بن حمزة (٤ / ٢١٠ ـ ٢١١) ، المجموعة الكاملة (١ / ١٩٢) وما بعدها.

(٤) انظر شرح نهج البلاغة (٤ / ٨٤٢) وما بعدها.

٢٦٦

[وفاة فاطمة عليها‌السلام]

[١٢٥] أخبرنا أحمد بن خالد الفارسي بإسناده عن عبد الله بن الحارث قال : عاشت فاطمة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمانية أشهر (١).

[١٢٦] أخبرنا أبو أحمد الأنماطي بإسناده عن عبد الله بن بريدة ، قال : ما لبثت فاطمة (٢) بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا سبعين يوما وليلة ، يروون أنها كمدت عليه ، فلما حضرت (٣) قالت : إني لأستحيي إذا حملت من خلالة جسمي ، فقالت : أسماء بنت عميس قد رأيت شيئا يصنع بالحبشة ، فصنعت لها النعش فلما رأته قالت : سترك الله. فاستنه الناس بعد (٤).

[١٢٧] أخبرنا (٥) الحسن بن محمد بن مسلم الكوفي بإسناده عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي عليهم‌السلام قال : لما حضرت فاطمة الوفاة دعتني ، فقالت : أمنفذ أنت وصيتي وعهدي أو والله لأوصين إلى غيرك (٦).

__________________

(١) ورد في (ب ، ج ، د) بعد لفظ : أشهر ما يلي : وهي ندوب ، قلت : وكذلك روي عن أبي جعفر ، وروي أيضا : ستة أشهر.

(٢) نهاية الصفحة [١٢١ ـ أ].

(٣) في (ب ، ج ، د) : فلما حضرتها.

(٤) اختلف حول مدة مكوثها ـ عليها‌السلام ـ بعد أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنقل المحب الطبري في كتابه ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى بأنها عليها‌السلام توفيت بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بستة أشهر ، وقيل ثمانية أشهر ، وقيل : بمائة يوم ، وقيل : بتسعين يوم ، وقيل : توفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة وهي ابنة تسع وعشرين سنة ، هذا ما ذهب إليه المديني ، وقال عبد الله بن الحسن بن الحسن بن أبي طالب : ابنة ثلاثين ، وقال الكلبي : خمس وثلاثون ، حكاه أبو عمر ، وقيل : توفت وعمرها ثمان وعشرون سنة ، وعلى هذه الأقوال كلها يكون مولدها قبل النبوة. أمّا أبو بكر أحمد بن نصر الدراع في كتاب تأريخ مواليد أهل البيت فذهب إلى أنها توفيت وهي ابنة ثمانية عشرة سنة وخمسة وسبعين يوما منها بمكة ثمان سنين والباقي بالمدينة ، وعاشت بعد أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة وسبعين يوما ، انظر : ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ص (٥٢) ، فاطمة من المهد إلى اللحد ص (٦٤٥ ـ ٦٤٦) ، الاستيعاب (٤ / ٤٥٢) ، تيسير الطالب ص (٨٨).

(٥) السند هو : أخبرنا الحسن بن مسلم الكوفي ، قال : حدثنا جعفر بن محمد الحسني ، قال : حدثنا محمد بن نهار الكوفي عن عبد الرحيم عن محمد بن علي الهاشمي عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي عليه‌السلام قال : لما ... إلخ ، الشافي (٤ / ٢١١).

(٦) في (ب ، ج) : وصيتي وعهدي أم لا فو الله لأعهدن إلى غيرك.

٢٦٧

قال : قلت : بل أنفذها.

قالت : أما الآن فلا يشهدني أبو بكر ولا عمر ولا يصليا عليّ.

قال : فلما توفيت أرسل الرجلان متى تريد أن تدفنها؟

قال : الصبح إن شاء الله.

قال : وماتت في بيتي الذي في المسجد ، قال فنقلتها إلى داري القصوى ، ثم غسلتها في بيت فيها فجعلت أغسلها وتسكب الماء علي أسماء بنت عميس ، ثم خرجت بها ليلا أنا وابناها الحسن والحسين وعمار وأبو ذر والمقداد بن الأسود وعبيد الله بن أبي رافع (١) ، حتى دفناها بالبقيع من آخر زاوية دار عقيل ، وبعث إليّ الرجلان أحدهما بالسنح علي ميلين من المدينة عند امرأة له من الأنصار ، فجاء يركض ، وقد أثرت سبعة أقبر ورششتها فقال لي : أغدرا.

فقلت : لا ولكنه عهد ووصية ، فأما أحدهما فأبلس (٢) ، وأما الآخر فقال : لو علمنا أن هواها أن لا نشهدها ما شهدناها (٣).

[حديث فاطمة (ع) في نساء المهاجرين والأنصار]

قال : ولما اشتدت علتها اجتمع إليها نساء المهاجرين والأنصار ذا (٤) صباح فقلن : كيف أصبحت يا بنت رسول الله عن علتك؟

قالت : أصبحت والله عائفة لدنياكم ، قالية لرجالكم ، شنئتهم بعد إذ سبرتهم ، ولفظتهم بعد إذ عجمتهم (٥) ، فقبحا لفلول الحد ، وخور القناة ، وخطل الرأي ، (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ

__________________

(١) هو : عبد الله بن أبي رافع ، مولى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واسم أبي رافع : أسلم ، وكان كاتب الإمام علي كرم الله وجهه ، روى عن علي وأبي هريرة وأبيه ، عنه : بسر بن سعيد والحسن بن محمد. انظر : الجرح والتعديل (٥ / ٣٠٧).

(٢) أي : سكت لحيرة أو انقطاع حجة ، قال : الله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ).

(٣) انظر شرح نهج البلاغة للمعتزلي (٤ / ٨٦٤) وما بعدها ، وكذا (٨٧٠) من الجزء المذكور ، والشافي للإمام عبد الله بن حمزة (٤ / ٢١٠) وما بعدها إضافة إلى المصادر المشار إليها في ترجمتها سابقا.

(٤) نهاية الصفحة [١٢٢ ـ أ].

(٥) أي بلوتهم وخبرتهم ، وفي شرح نهج البلاغة : (عجمتهم وشنئتهم بعد أن سبرتهم فقبحا لغلول الحد وخور القناة) ، شرح النهج (٤ / ٨٤٠).

٢٦٨

أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) [المائدة : ٨٠] ، وويحهم أنّى لقد زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين ، والطيبين لأهل الدنيا والدين ، (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) [الزمر : ١٥] ، وما نقموا من أبي حسن نقموا والله نكير سيفه ، ونكال وقعه ، وشدة وطأته وتنمّره في ذات الله ، والله لو تكافئوا على زمام نبذه إليه رسول الله لاعتقله ، ولسار بهم سيرا سجحا ، لا تكلم حشاشته ، ولا تضع راكبه ، ولأوردهم موردا نميرا ، تمير ضفتاه ، ولأصدرهم بطانا ، قد تخيرهم الري ، غير متحل منه بطائل إلّا بغمرة الباهل وردعة سؤر الساغب ، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض ، ولكن كذبوا ، وسيعذبهم الله بما كانوا يكسبون ؛ ألا هلمنّ فاسمعنّ وما عشتنّ أراكنّ الدهر عجبا ، إلى أي ركن لجئوا؟ ، وبأي عروة تمسكوا؟ (لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) [الحج : ١٣] ، (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) [الكهف : ٥٠] ، استبدلوا ـ والله ـ الذّنابا بالقوادم ، والعجز بالكاهل فبعدا وسحقا لقوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) [البقرة : ١٢] (١).

__________________

(١) الخطبة المشار إليها هنا ناقصة كثيرا ، وللفائدة نورد الخطبة على النحو التالي : قالت : والله أصبحت عائفة ـ أي قالية لها كارهة ـ لدنياكم ، قالية لرجالكم ، لفظتهم بعد أن عجمتهم ـ أي بلوتهم وخبرتهم ـ وشنئتهم ـ أي أبغضتهم ـ بعد أن سبرتهم ـ أي علمت أمورهم ـ فقبحا لغلول الحد وخور القناة ، وخطل الرأي! وبئسما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ، لا جرم! قد قلّدتهم ربقتها ، وشنت عليهم غارتها فجدعا وعقرا وسخفا للقوم الظالمين! وويحهم! أين زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة ، ومهبط الروح الأمين ، والطيبين بأمر الدنيا والدين؟ ألا ذلك هو الخسران المبين! وما الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا والله نكير سيفه ، وشدّة وطأته ونكال وقعته ، وتنمره في ذات الله ، وتالله لو تكافئوا عن زمام نبذه إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاعتقله ، ولسار إليهم سيرا سجحا لا تكلم حشاشته ، ولا بهم الرأي غير متحل بطائن إلّا بغمر الناهل وردعه سورة الساغب ، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض ، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون ، ألا هلم فاستمع وما عشت أراك الدهر عجبه ، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث إلى أي لجأ استندوا ، وبأي عروة تمسكوا؟ لبئس المولى ولبئس العشير ، ولبئس للظالمين بدلا! استبدلوا والله الذّنابا بالقوم ، والعجز بالكاهل فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) وويحهم! (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)! أما لعمر الله لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتلبوها طلاع العقب دما عبيطا وذعاقا أي مرا ـ ممقرا هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غبّ ما أسس الأولون ، ثم طيبوا عن أنفسكم نفسا ، واطمئنوا للفتنة جأشا ، وأبشروا بسيف صارم وهرج شامل ، واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيدا ، وجمعكم حصيدا ، فيا حسرة عليكم وأنى لكم وقد عمّيت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون! والحمد لله رب العالمين ، وصلاته على محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين ، شرح نهج البلاغة. ابن أبي الحديد (٤ / ٨٣٩ ـ ٨٤٠) ، وانظر أعيان الشيعة (١ / ٣٢٠).

٢٦٩

[١٢٨] أخبرنا علي بن الحسن بن سليمان البجلي بإسناده (١) عن أبي جعفر محمد عليه‌السلام أنه سئل : كم عاشت فاطمة بعد رسول الله؟

قال : أربعة أشهر ، وتوفيت ولها سبع وعشرون سنة.

وروينا عن جعفر عليه‌السلام ، كان لها ثمانية عشر سنة وسبعة أشهر (٢).

[١٢٩] أخبرنا إبراهيم بن سليمان بن المرزبان السروي بإسناده عن أنس بن مالك قال :

لما ماتت فاطمة بنت رسول الله دخل علي بن أبي طالب قبرها وهو يقول (٣) :

لكل اجتماع من خليلين فرقة

وكل الذي دون الممات قليل

وإن افتقادي فاطما بعد أحمد

دليل على أن لا يدوم خليل

فلما حملت الجنازة قام علي عليه‌السلام في المقبرة فقال : السلام عليكم يا أهل البلاء أموالكم قد قسمت (٤) ، ودوركم قد سكنت ، ونساؤكم قد نكحت ، فهذا خبر ما عندنا ، فما خبر ما عندكم؟ «ثم ردّ على نفسه فقال : والذي بعث محمدا بالحق نبيا ، واصطفاه بالرسالة نجيا لو أذن لهم في الجواب» (٥) لقالوا وجدنا خير الزاد هو التقوى.

__________________

(١) سند الخبر هو : أخبرنا علي بن الحسن بن سليمان البجلي قال : أخبرنا محمد بن عبد العزيز قال : حدثنا إسماعيل بن أبان العامري عن عمرو بن أبي المقداد عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام أنه سئل ... إلخ ، وعند لفظ : بإسناده نهاية الصفحة [١٢٣ ـ أ] ، تيسير المطالب. ص (٨٧).

(٢) انظر تيسير المطالب ص (٨٨) عن أبي جعفر محمد بن علي (ع).

(٣) الأبيات في ديوانه عليه‌السلام ص (٨٤) هكذا :

أرى علل الدنيا عليّ كثيرة

وصاحبها حتى الممات عليل

لكل اجتماع من خليلين فرقة

وكل الذي دون الممات قليل

وإن افتقادي واحدا بعد واحد

دليل على أن لا يدوم خليل

(٤) في (ب ، ج) : أما أموالكم فقد قسمت.

(٥) في (أ، د) وفي رواية أخرى أنه قال : أما أنهم لو تكلموا.

٢٧٠

[وفاة أبي بكر]

[١٣٠] أخبرنا (١) علي بن الحسن بن سليمان البجلي بإسناده عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وبإسناد آخر عن عمرو بن أبي المقدام ، وآخرين (٢) أن عبد الرحمن بن عوف دخل على أبي بكر في مرضه الذي توفي (٣) فيه ، فأصابه مفيقا ، فقال عبد الرحمن : أصبحت والحمد لله بارئا.

قال : أتراه؟ ، قال : نعم

قال : أما إني مع ذلك شديد الوجع ، ما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي ، إني وليت أمركم خيركم في نفسي ، فكلكم ورم أنفه (٤) من ذلك ، يريد أن يكون الأمر له.

قال ودخل عليه معيقيب «بن أبي فاطمة» (٥) (٦) ، وكان خازنه ، ثم طلحة بن عبيد الله قال : بلغني أنك تريد أن تستخلف عمر بن الخطاب ، والله ما له ذلك القدم في الإسلام ، ولا البيت في قريش ، ولا العناء «والكفاءة» (٧) في الإسلام والجهاد ، وإنه لفظ غليظ ، وأنت حي بين أظهرنا ، فلو فارقتنا كان أفظ وأغلظ ، والله ليسألنك الله عن استخلافك إياه علينا ، فما أنت قائل له؟

__________________

(١) السند هو : أخبرنا علي بن الحسن بن سليمان البجلي ، قال : أخبرنا محمد بن عبد العزيز ، قال : حدثنا

إسماعيل بن أبان العامري ، عن عمرو بن أبي المقداد ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي.

(٢) في (ب ، ج) : وآخر.

(٣) نهاية الصفحة [١٢٤ ـ أ].

(٤) ورم : انتفخ ، ورم أنفه : غضب.

(٥) ساقط في (أ، ب ، د).

(٦) هو معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي ، من المهاجرين ، ومن حلفاء بني عبد شمس استعمله أبو بكر على الفيء وولي بيت المال لعمر. روى حديثين ، روى عنه حفيده إياس بن الحارث بن معيقيب ، له هجرة إلى الحبشة ، كان مبتلى بالجذام ، قيل : عاش إلى خلافة عثمان ، وقيل : عاش إلى سنة أربعين ، انظر : سير أعلام النبلاء (٢ / ٤٩١ ـ ٤٩٣) ، طبقات ابن سعد (٢ / ١١٦) ، الاستيعاب (٤ / ١٤٧٨) ، أسد الغابة (٥ / ٢٤٠) ، تهذيب التهذيب (١٠ / ٢٥٤) ، الإصابة (٩ / ٢٦٦) ، شذرات الذهب (١ / ٤٨).

(٧) ساقط في (ب ، ج).

٢٧١

فقال له أبو بكر : تالله تهددني! لئن سألني ربي لأقولن استخلفت عليهم خير أهلك ، وو الله ثم والله لئن عصيته وذكرته بسوء وأنا حي بين أظهركم لأنفينك إلى أرض اليمن ، حتى تكون حراثا يأكل كدّ يده ، ثم قال : يا معيقيب خذ بيده وأخرجه لا أقام الله رجليه.

فخرج طلحة ، ثم أوصى إلى عمر حتى إذا ثقل قال : إنني لا آسى من الدنيا إلّا على ثلاث وددت أني تركتهن ، وثلاث تركتهن وددت أني فعلتهن ، وثلاث وددت أني سألت رسول الله عنها (١) :

فأما اللواتي وددت أني تركتها : فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة بنت رسول الله وإن كانوا أغلقوه على الحرب ، ووددت أني لم أكن أحرقت الفجاءة (٢) السلمي بالنار ، ـ وكان يفعل به ـ ووددت يوم سقيفة بني ساعدة أني قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين : عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح ، فكان أحدهما أميرا وكنت وزيرا.

وأما اللواتي وددت أني فعلتهن : فوددت أني يوم أتيت بأشعث بن قيس أسيرا ضربت عنقه ، ووددت أني حيث وجهت خالد بن الوليد إلى أهل الردة أقمت بذي القصة إن ظفر المسلمون ظفروا ، وإن هربوا كنت مردا ، ووددت أني حيث وجهت خالد بن الوليد إلى الشام أني سيرت عمر إلى العراق.

وأما اللواتي وددت أني سألت رسول الله عنهن : فوددت أني سألته عن هذا الأمر فلا ينازعه أحد ، ووددت أني سألته هل للأنصار فيه نصيب ، ووددت أني سألت عن ميراث بنت الأخ والعمة ، فإن في نفسي منها شيئا (٣).

__________________

(١) في شرح النهج (١ / ٣٠٨) (أما إني لا آسي إلّا على ثلاث فعلتهن وددت أني لم أفعلهنّ ، وثلاث لم أفعلهنّ وددت أني فعلتهن ، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهنّ).

(٢) الفجاءة : هو إياس بن عبد الله بن عبديا السلمي ، وكان قد استعرض الناس بقتلهم وبأخذ أموالهم فأمر أبو بكر بإحراقه ، وعندها نهاية الصفحة [١٢٥ ـ أ].

(٣) الخبر : أورده ابن أبي الحديد في شرح النهج (١ / ٣٠٧ ـ ٣٠٨) ، نقلا عن كتاب (السقيفة) لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري ... وقال : وروى أحمد ـ أي الجوهري ، وروى المبرّد في الكامل صدر هذا الخبر ـ عن عبد الرحمن بن عوف قال : دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي مات ... إلخ.

٢٧٢

[١٣١] أخبرنا علي بن محمد بن الهيثم السعدي ، عن عمرو بن علي بن بحر (١) أن أبا بكر مات وهو ابن ثلاث وستين سنة ، ليلة الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة ، ودفن ليلا ، وصلّى عليه عمر ، ولي سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام.

وقيل : إنه توفي في جمادى الآخرة لليلتين بقيتا منه ، وولي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

__________________

(١) ورد في الأصل هكذا : عمر بن علي بن بجر والصحيح ما أثبتناه.

(٢) قيل مكث في خلافته سنتين وثلاثة أشهر إلّا خمس ليال ، وقيل : سنتين وثلاثة أشهر وسبع ليال ، وقال ابن إسحاق : توفي أبو بكر على رأس سنتين وثلاثة أشهر وسبع ليال ، وقال أيضا : توفي أبو بكر على رأس سنتين وثلاثة أشهر واثنتي عشرة ليلة ، من متوفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال غيره : وعشرة أيام ، وقيل : وعشرين يوما ، واختلف في السبب الذي مات منه ، فذكر الواقدي أنه اغتسل في يوم بارد فحمّ ومرض خمسة عشر يوما ، واختلف أيضا في حين وفاته ، فقال ابن إسحاق : توفي يوم الجمعة لتسع ليال بقين من جمادى الآخرة سنة (١٣ ه‍) ، وقال غيره من أهل السير : مات عشي يوم الاثنين ، وقيل : ليلة الثلاثاء ، وقيل : عشي يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة ، وهذا قول أكثرهم وهو ما ذهب إليه المصنف أيضا. انظر الاستيعاب (٣ / ١٠١).

٢٧٣

[(٣) استطراد : عمر بن الخطاب (أبو حفص)]

(٤٠ ق ـ ٢٣ ه‍ / ٥٨٤ ـ ٦٤٤ م)

قال عمرو بن علي بالإسناد الأول : إن عمر ملك عشر سنين وستة أشهر وثمان ليال (١).

وغيره يقول : ثمانية أشهر ، ثم قتل لثلاث ليال بقين من ذي الحجة ، ومكث مطعونا ثلاث ليال ، ومات يوم السبت لغرة المحرم سنة أربع وعشرين (٢).

وقال (٣) : ابن ستين ، وقال ابن أبي حبيبة : (٤) سنة ثلاث وعشرين ، وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وقال غيره : ابن ستين ، وقال ابن عمر : سمعت عمر قبل موته بسنتين أو ثلاث يقول : أنا ابن سبع وخمسين أو ثمان وخمسين ، أتاني الشيب من قبل أخوالي ، وكان يخضب بالحناء والكتم وكذلك أبو بكر (٥).

__________________

(١) نهاية الصفحة [١٢٦ ـ أ].

(٢) اختلف في ذلك فقال أبو عمر : قتل عمر سنة (٢٣ ه‍) لثلاث بقين من ذي الحجة ، وقال الواقدي وغيره : لأربع بقين من ذي الحجة سنة (٢٣ ه‍) ، وقيل : قتل يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر ، وقال أبو نعيم : قتل عمر بن الخطاب يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ، وكانت خلافته عشر سنين ونصف ، واختلف في سنة يوم مات فقيل : (٦٣ ، ٥٥ ، ٥٤ ، ٥٩ ، ٦٠) ، وقيل : قتل في (٢٤) ذي الحجة سنة (٢٣ ه‍) وقد نقل إلى بيته بعد أن طعن ، وفي صباح يوم الأحد خرجوا به فدفن في بيت عائشة ، وقال الزركلي في الأعلام : وعاش بعد الطعنة ثلاث ليال ، وقال ابن حجر (تهذيب التهذيب) : ولي الخلافة عشر سنين وخمسة أشهر ، وقيل : ستة أشهر ، وقتل يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة ، وقيل : لثلاث ، سنة (٢٣) انظر : تهذيب التهذيب (٧ / ٤٤٠ ـ ٤٤١) ، الأعلام (٥ / ٤٦) ، الاستيعاب (٣ / ٢٤٠).

(٣) أي عمرو بن علي بن بحر السالف الذكر في الرواية السابقة.

(٤) في أصولي : ابن حبيبة.

(٥) قال أنس : كان أبو بكر يخضب بالحناء والكتم ، وكان عمر يخضب بالحناء بحتا ، قال : أبو عمر : الأكثر أنهما كانا يخضبان ، وذكر الواقدي من حديث عاصم بن عبيد الله عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : إنما جاءتنا الأدمة من قبل أخوالي بني مظعون ، انظر الاستيعاب (٣ / ٢٣٦).

٢٧٤

[مقولة عمر بعد طعنه]

[١٣٢] وأخبرنا ابن الهيثم بإسناده عن ابن عمر أن عمر لما طعن قال : هل أصيب أحد غيري؟

قالوا : نعم (١).

قال : الله أكبر اسقوني نبيذا ، فخرج دم فقال : ما خرج؟

قالوا : دم ، فأتي بلبن فشرب فخرج اللبن ، فقال : ما خرج؟

قالوا : لبن.

قال : إنّا لله وإنا إليه راجعون ، لو كان لي ما على الأرض لافتديت به من هول المطلع.

[قصة الستة أهل الشورى] (٢)

ثم جعلها عمر شورى بين ستة : علي عليه‌السلام وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد ، ثم قال : لأنا منكم على الناس أخوف من الناس عليكم.

وفي حديث آخر عن ابن عمر أنه قيل له : استخلف (٣).

فقال : لا أتحمل أمركم حيا وميتا ، ليت حظي منكم الكفاف ، إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر ، وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني رسول الله (٤).

__________________

(١) أخرج بن عبد البر في الاستيعاب عن عبد الوارث عن قاسم بن أصبغ عن يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : قتل أبو لؤلؤة عمر بن الخطاب فطعن معه اثنا عشر رجلا فمات ستة ، الاستيعاب (٣ / ٢٤٠).

(٢) يقول أمير المؤمنين في قصة الشورى (حتى إذا مضى لسبيله ، جعله في ستة رغم أني أحدهما ، فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر!) ، وقصة الشورى أوردها ابن أبي الحديد في شرح النهج (١ / ١٥٩) أو (١ / ٨٥) ، بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، وانظر تاريخ الطبري (٤ / ٢٢٧) وما بعدها ط. دار المعارف.

(٣) وهو ما ذهب إليه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب (التاريخ) قال : لما طعن عمر قيل له : لو استخلفت ... إلخ ، تأريخ الطبري (٢ / ٢٢٧) وما بعدها ، شرح النهج (١ / ١٩٠). ط (٢).

(٤) الخبر أورده بلفظه ابن أبي الحديد في الشرح (١ / ١٥٩) ، وانظر تأريخ الطبري (٢ / ٢٢٧) وما بعدها.

٢٧٥

[حوار ومساءلة بين عمر وابن عباس]

[١٣٣] أخبرنا (١) ابن الهيثم بإسناده عن ابن عباس قال : دخلت على عمر بن الخطاب ـ وكان لي مكرما ، وكان يلحقني (٢) بعلية الرجال ـ فتنفّس يوما تنفس الصعداء ظننت أن أعضاءه ستنقصف ، فأردت مساءلته ، فتمثلت له بأبيات من شعر نابغة ، قال قلت : قاتل الله نابغة بني ذبيان حين يقول (٣) :

فإن يرجع النعمان نفرح ونبتهل

ويأت معدا غيثها وربيعها

ويرجع إلى غسان ملك وسؤدد

وتلك المنى لو أننا نستطيعها

وإن يهلك النعمان بعد مطيه

ويحيا في خوف العنان فطوعها

وتنحط حصان آخر الليل بحطة

تقضب منها أو تكاد ضلوعها

على إثر خير الناس إن كان هالكا

وإن كان في جنب الفراش ضجيعها

قال : يا بن عباس ، كأنك ترى أن صاحبك لها أهل؟!

قال : قلت : أوليس لها أهل في قرابته (٤) وصهارته وسابقته؟

قال : بلى ، ولكنه امرؤ فيه دعابة.

قال : فعبد الرحمن بن عوف.

__________________

(١) السند لعله : حدثنا علي بن محمد بن الهيثم السعدي ، قال : حدثنا أبو علي الحسن بن الفرج الغزاء ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : حدثنا مالك عن موسى بن عقبة ، عن كريب مولى ابن عباس ، عن ابن عباس.

(٢) نهاية الصفحة [١٢٧ ـ أ].

(٣) هو : زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطاني المضري أبو أمامة شاعر جاهلي (... نحو ١٨ ق ه / ... نحو ٦٠٤ م). من الطبقة الأولى من أهل الحجاز كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها وكان خطب عند النعمان بن المنذر ، حتى شبب في قصيدة له بالمتجردة ـ زوجة النعمان ـ ففر النابغة ووفد على الغسانيين بالشام وغاب زمنا ، ثم رضي عنه النعمان ، فعاد إليه ، وشعره كثير ، انظر : الأعلام (٣ / ٥٤ ـ ٥٥) ، الأغاني (١١ / ٣) وما بعدها ، نهاية الأرب (٣ / ٥٩) ، وفيه سمّاه زياد بن عمرو ، الشعر والشعراء (٣٨) ، خزانة الأدب للبغدادي (١ / ٢٨٧ ، ٤٢٧) (٤ / ٩٦) ، قصة الأدب في الحجاز في العصر الجاهلي (٦٣١) وما بعدها.

(٤) في (ب ، ج) : أو ليس لها بأهل في قرابة.

٢٧٦

قال : رجل ضعيف لو صار الأمر إليه جعل خاتمه في يد امرأته.

قلت : فالزبير.

قال : يلاطم في البقيع على مد من بر.

قلت : فطلحة.

قال : ذو البأو بإصبعه.

قال : قلت : سعد.

قال : صاحب فرس وسلاح.

وأخرت عثمان ، قال : قلت : فعثمان.

قال : أوه أوه ، والله لئن صار الأمر إليه ليحملن آل أبي معيط (١) على رقاب الناس ، والله لئن حمل آل أبي معيط على رقاب الناس لينهضنّ الناس إلى عثمان فليقتلنّه ، والله لئن فعلت به ليفعلنّها ، والله لئن فعلها ليفعلنّ به. يا بن عباس ، لو كان فيكم مثل أبي عبيدة بن الجراح (٢) ما شككت في استخلافه ولو كان فيكم سالم مولى أبي حذيفة لم أشك في استخلافه ، ولو كان فيكم مثل معاذ بن جبل (٣) لم أشك في استخلافه.

فقال رجل : ألا أدلك عليه؟ عبد الله بن عمر.

فقال : قاتلك الله ، والله ما أردت الله بهذا ، كيف أستخلف رجلا عجز عن طلاق امرأته! لا إرث لنا في أموركم ، ما حمدتها فأرغب فيها لأحد من أهلي ؛ بحسب آل الخطاب أن

__________________

(١) هم بنو أبان بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس أبو معيط ، وقد ولد أبو معيط : عقبة الذي قتله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صبرا فولد عقبة : الوليد والي الكوفة لعثمان ، انظر : جمهرة أنساب العرب (١١٤ ـ ١١٥) ، نسب قريش (٩٩ ـ ١٠٠).

(٢) انظر الاستيعاب (٣ / ٢١٥ ـ ٢١٦).

(٣) هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج ، أبو عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي المدني البدري ، روى عنه ابن عمر وابن عباس وجابر وأنس وابن أبي ليلى وأبو إسحاق السبيعي وآخرون ، قيل : لم يعقب قط ، قيل هلك ابن ثمان وعشرين ، وقيل : ابن اثنتين وثلاثين ، انظر : سير أعلام (١ / ٤٤٣ ـ ٤٦١) ، طبقات ابن سعد (٣ / ٢ / ١٢٠) ، حلية الأولياء (١ / ٢٢٨ ـ ٢٤٤) ، الاستيعاب (١٠٠ / ١٠٤) ، أسد الغابة (٥ / ١٩٤) ، تهذيب الأسماء واللغات (٢ / ٩٨ ـ ١٠٠) ، تذكرة الحفاظ (١ / ١٩) ، طبقات القراء (٢ / ٣٠١).

٢٧٧

يحاسب منهم رجل واحد ، فيسأل عن أمر أمة محمد ، وإن نجوت كفافا لا وزرا ولا أجرا إني إذن لسعيد.

فخرجوا ، ثم راحوا فقال : قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أنظر أن أولي رجلا أمركم هو أجرأكم أن يحملكم على الحق ، وأشار إلى علي عليه‌السلام ثم ما أريد أن أتحملها حيا وميتا ، عليكم بهؤلاء الرهط ، سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل (١) ، ولست مدخله فيهم ولكن الستة : علي ، وعثمان ، وعبد الرحمن ، وسعد ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله.

وخرجوا فلما أصبح عمر دعا عليا وعثمان وسعدا وعبد الرحمن والزبير ، فقال : انهضوا إلى حجرة عائشة بإذن منها ، فتشاوروا واختاروا رجلا منكم ، ثم قال : لا تدخلوا حجرة عائشة ، ثم وضع رأسه ، فتناجوا فارتفعت أصواتهم.

ودخل ابن عمر على أبيه فقال : عمر أعرضوا عن هذا الأمر ، فإذا مت فتشاوروا ثلاثة أيام وليصل بالناس صهيب (٢) ، ولا تبيتنّ (٣) الرابع إلّا وعليكم أمير منكم ويحضر عبد الله بن عمر مشيرا ولا شيء له من الأمر ، وطلحة شريككم في الأمر ومن لي بطلحة ، فقال سعد بن أبي وقاص : أنا لك به.

__________________

(١) هو سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل بن عبد العزي بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب أبو الأعور القرشي العدوي أحد السابقين الأولين ولاه أبو عبيدة بن الجراح دمشق ، روى عنه ابن عمر وأبو الطفيل وآخرون ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ولده زيد : «يبعث يوم القيامة أمة وحده» ، انظر : سير أعلام النبلاء (١ / ١٢٤ ـ ١٤٣) ، طبقات ابن سعد (٣ / ١ / ٢٧٥ ـ ٢٨١) ، الاستيعاب (٤ / ١٨٦ ـ ١٩٤) ، حلية الأولياء (١ / ٩٥ ـ ٩٧) ، تهذيب التهذيب (٤ / ٣٤).

(٢) هو صهيب بن سنان ، أبو يحيى النمري ، من النمر بن قاسط ويعرف بالرومي لأنه أقام في الروم مدة ، وهو من أهل الجزيرة ، سبي من قرية نينوى ، وقد كان أبوه أو عمه عاملا لكسرى ، ثم جلب إلى مكة ، واشتراه عبد الله بن جدعان القرشي التميمي ، كان من السابقين ، حدث عنه بنوه : حبيب وزياد وحمزة ، وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وآخرون ، كان موصوفا بالكرم والسماحة ، مات بالمدينة في شوال سنة (٣٨ ه‍) ، قال المدائني : عاش ثلاثا وسبعين سنة ، وقال الفسوي : عاش أربعا وثمانين سنة ، انظر : سير أعلام النبلاء (٢ / ١٧ ـ ٢٦) ، طبقات ابن سعد (٣ / ٢٢٦) ، طبقات خليفة (١٩ ، ٢٢).

(٣) في (ب ، ج) : ولا يتمن.

٢٧٨

وقال للمقداد بن الأسود (١) : اجمع هؤلاء الرهط إذا (٢) وضعوني في حفرتي حتى يختاروا رجلا.

وقال لصهيب : صلّ بالناس ثلاثة أيام ، وأحضر عبد الله بن عمر ولا شيء له ، وقم على رءوسهم فإن اجتمع خمسة ورضوا برجل وأبى واحد فاشدخ رأسه ، واضربه بالسيف ، وإن اتفق أربعة ورضوا رجلا منهم وأبى اثنان فاضرب رأسيهما ، فإن رضي ثلاثة رجلا وثلاثة رجلا فحكموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلا ، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، واقتل الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس (٣).

وخرجوا وتلقى العباس عليا عليه‌السلام فقال : لم أر حظك في شيء إلّا رجعت إليّ بما أكره ، أشرت عليك عند وفاة رسول الله أن تعاجل الأمر فأبيت ، ونهيتك حين سماك عمر في

__________________

(١) هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة القضاعي الكندي البهراني صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان من الأولين السابقين ، يقال له : المقداد بن الأسود لأنه ربي في حجر الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبناه ، وقيل : بل كان له عبد أسود اللون فتبناه ، ويقال : بل أصاب دما في كندة فهرب إلى مكة وحالف الأسود ، شهد بدرا فارسا ، حدّث عنه عبد الله بن مسعود وابن عباس وجبير بن نفير وابن أبي ليلى وآخرون ، عاش نحوا من سبعين سنة ، مات في سنة ثلاث وثلاثين ، وأخرج أحمد في مسنده لبريدة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليكم بحب أربعة : علي وأبي ذر وسلمان والمقداد» ، قيل : كان سبب موته هو أنه شرب دهن الخروع فمات ، وهذه الرواية فيها نظر ، المشهور المعروف أن المقداد كان علوي الرأي ، وأنه نازعهم لعلي عليه‌السلام في هذه القصة وغيرها ، وكان من المشهورين بطلب الأمر لعلي عليه‌السلام ، ولعل عمر عرض عليه القيام عليهم طمعا في لين عريكته وأن يسكت ، فلما لم يجد عنده مرارة جعل عليهم أبا طلحة كما في سائر الروايات ، وهذا وجه في التوفيق بين الروايتين أوجبه اشتهار أمر المقداد في ولاية علي عليه‌السلام ، وظهور ذلك منه غير متستر ولا مداهن ولا ممال على ظلم الوصي عليه‌السلام ولم يعرف منه تحول عن ولايته ولا ميل إلى سواه. والله أعلم. ويدل على ذلك قوله لصهيب : قم على رءوسهم إلى آخره ، انظر : سير أعلام النبلاء (١ / ٣٨٥ ـ ٣٨٩) ، طبقات ابن سعد (٣ / ١ / ١٤٤) ، حلية الأولياء (١ / ١٧٢ ـ ١٧٦) ، الاستيعاب (١٠ / ٢٦٢) ، أسد الغابة (٥ / ٢٥١) ، تهذيب الأسماء واللغات (٢ / ١١١ ـ ١١٢) ، معالم الإيمان (١ / ٧١ ـ ٧٦) ، دول الإسلام (١ / ٢٧) ، العقد الثمين (٧ / ٢٦٨ ـ ٢٧٢) ، تهذيب التهذيب (١٠ / ٢٨٥) ، الإصابة (٩ / ٢٧٣) ، شذرات الذهب (١ / ٣٩).

(٢) نهاية الصفحة [١٢٩ ـ أ].

(٣) الخبر أورده ابن أبي الحديد في شرح النهج (١ / ١٦٢) وما بعدها ، و (١ / ١٨٥) الطبعة (٢) ، وراجع الطبري (٤ / ٢٢٧) وما بعدها ، طبعة دار المعارف.

٢٧٩

الشورى أن تدخل معهم ، فاحفظ عني واحدة : احذر هؤلاء الرهط فإنهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم به غيرنا ، وايم الله لا تناله إلّا بشر.

فقال علي عليه‌السلام : لئن بقي عمر لأذكرنه بما أتى ، ولئن مات ليتداولونها بينهم وليجدنّ ما يكرهون ، ثم تمثل «ببيتين من الشعر ، فأنشأ يقول» (١) :

حلفت برب الراقصات عشية

غدوا ورحنا فابتدرنا المحصبا

ليجتلبن رهط ابن يعمر قانيا

نجيعا بنو الشداخ (٢) وردا مصلّبا

فلما مات عمر خلا عبد الرحمن بعلي عليه‌السلام وقال : إنك تقول إني أحق من حضر بالأمر لسابقتك ولقرابتك وحسن أثرك في الدين ولم تبعد (٣) ، ولكن أوّليك على أن تسير بسيرة أبي بكر وعمر ، قال : بل بسيرة رسول الله ، فقال : لا حاجة لك فيها ، ثم خلا بعثمان وبايعه (٤).

[١٣٤] أخبرنا (٥) أحمد بن سعيد بإسناده عن ابن عباس قال : لما كان آخر حجة حجها عمر ، ونحن بمنى أتاني عبد الرحمن بن عوف (٦) فقال : لو شهدت أمير المؤمنين ، وأتاه رجل

__________________

(١) ساقط في (أ، د) ، والأبيات في شرح النهج كالتالي :

حلفت بربّ الراقصات عشية

غدون خفافا يبتدرن المحصّبا

ليجتلبن رهط ابن يعمر غدوة

نجيعا بنو الشّدّاخ وردا مصلّبا

شرح النهج (١ / ١٦٤) ، وفي الطبري : شطر البيت الثاني هكذا :

ليختلبن رهط ابن يعمر مارئا

وفي ابن الأثير (٣ / ٣٦) :

ليختلين رهط ابن يعمر فارسا.

(٢) في (ب) : نجيعا بنو الشرخ.

(٣) نهاية الصفحة [١٣٠ ـ أ].

(٤) الخبر أورده ابن أبي الحديد في شرح النهج بتوسع. انظر (١ / ١٩٢ ـ ١٩٥).

(٥) السند هو : أخبرنا أحمد بن سعيد الثقفي ، قال : حدثنا أحمد بن علي بن عمران الجرجاني ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا معمر عن طلق طاوس عن أبيه عن ابن عباس.

(٦) انظر تأريخ الطبري (٢ / ٤٤٥) وما بعدها.

٢٨٠