المصابيح

الإمام أبو العباس الحسني

المصابيح

المؤلف:

الإمام أبو العباس الحسني


المحقق: عبدالله بن عبدالله بن أحمد الحوثي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٢

فدعا بها رسول الله فمسح بيده ضرعها وسمّى الله ، فتفاجت (١) عليه ودرت فاجترت ، فدعا بإناء يربض الرهط ، فحلب فيه ثجا حتى علاه (٢) ، ثم رفعه إليها فسقاها حتى رويت ، ثم سقى أصحابه حتى رووا ، ثم شرب آخرهم ، ثم قال : «ساقي القوم آخرهم شربا» (٣).

فشربوا جميعا عللا بعد نهل ، ثم أراضوا ثم حلب فيه ثانيا بعد بدء حتى ملأ الإناء ، ثم غادره (٤) عندها وارتحلوا (٥).

فما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا له حيلا عجافا هزلا ، وزحامهن قليل (٦) ، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب ، وقال : من أين لك هذا يا أم معبد والشاة عازب (٧) حيال ولا حلوب في البيت؟

قالت : لا والله ، إلّا أنه مرّ بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا.

قال : صفيه لي يا أم معبد.

قالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، حسن الخلق ، لم يعبه نحله ، ولم يزر به صقله ، وسيم قسيم ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره وطف ، وفي صهوته صهل ، وفي عنقه سطع ، وفي لحيته كثاثة ، أزج ، أقرن ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء ، أجمل الناس

__________________

(١) أي فتحت ما بين رجليها للحلب.

(٢) أي سيلا ، وقوله : حتى علاه : في رواية حتى علاه البهاء والمراد علا الإناء بهاء اللبن وهو وبيض رغوته أي أنه ملأها.

(٣) الحديث أخرجه السيوطي في الجامع الصغير (٢ / ٤٠) حديث (٤٦٣٠) ، وأخرجه الترمذي في الجامع الصحيح (٤ / ٣٠٧) حديث رقم (١٨٩٤) ، والطبراني في الأوسط ، وابن ماجة في سننه (٢ / ١١٣٥) ، حديث (٣٤٣٤) ، وهو حديث صحيح.

(٤) قوله : أراضوا : أي أبقوا فيه بقية ، والمراد أنهم شربوا حتى رووا فنقعوا بالريّ ، وقوله : غادره : أي تركه وهو الإناء.

(٥) في (ب ، ج) : ثم ادره عندها وارتحلوا عنها.

(٦) قوله : حيلا : يقال له من الضأن : ثلة ومن المعز حيلة وهي الجماعة الكثيرة ، وقوله عجافا : أي غير حلوبه ، يقال : نزلوا في بلاد عجاف أي غير ممطورة وهذه حدّ عجاف إذا لم تكن رابية ، وقوله : هزلا : شاة هزيل وشاء هزلى ، أي هزيلة ، تسير بضعف ، تقول العرب : جاءت الغنم هزلى تساوك أي تتمايل من الهزل والضعف في مشيها.

(٧) الشاء عازب حيال : أي بعيد في المرعى ، وحيال : سبق التنويه إلى معناها في الحاشية السابقة.

١٦١

وأبهاهم من بعيد ، أجلاهم وأحسنهم من قريب ، حلو المنطق ، فصل لا نزر ولا هذر ، كأن منطقه خرزات نظم ينحدرن ، ربعة ، لا يشنأ من طول ، ولا تقحمه عين من قصر ، غصن بين غصنين ، وهو أنضر الثلاثة منظرا ، وأحسنهم قدرا ، له رفقاء يحفون به ، إن قال أنصتوا (١) لقوله ، وإن أمر تبادروا إلى أمره ، محفود محشود ، لا عابس ولا معتد (٢).

قال أبو معبد : فهو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر ، ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا (٣).

[سماعه صوت خفي بمكة]

وأصبح صوت بمكة عاليا ، يسمعون الصوت ولا يرون (٤) من صاحبه :

__________________

(١) نهاية الصفحة [٥٥ ـ أ].

(٢) ظاهر الوضاءة : أي ظاهر الجمال ، وقولها : أبلج الوجه : أي مشرق الوجه مضيئه ، قولها : «لم يعبه نحله» النحل : الدقة والضمر ، وقولها : «ولم يزريه صقله» الصقل : منقطع الأضلاع ، والصقلة : الخاصرة ، والمراد أنه صرب ليس بمنتفخ ، ولا ناحل ، ويروى : «لم تعبه نحلة ولم تزد به صعلة» ، والثجلة : عظم البطن واسترخاء أسفله ، والصعلة : صغر الرأس ، وهي أيضا : الدقة والنحول في البدن ، والمراد أنه لم يكن منتفخ الخاصرة جدا ، ولا ناحلا جدا ، كما يروى بالسين على الإبدال من الصاد. قال أبو ذر الخشني : الصقلة : جلد الخاصرة ، والمراد : أنه ناعم الجسم ضامر الخاصرة ، وهو من الأوصاف الحسنة ، والوسيم : الحسن الوضيء ، وكذلك القسيم ، والدعج : السواد في العين وغيره وقولها : «في أشفاره عطف» قال القتيبي : سألت عنه الرياشي فقال : لا أعرف العطف وأحسبه غطف ، بالغين المعجمة ، وهو أن تطول للأشفار ثم تنعطف ، والعطف أيضا ـ إن كان هو المحفوظ ـ شبيه بذلك وهو انعطاف الأشفار ، وفي رواية : «وفي أشفاره وطف» ، وهو الطول ، وقولها : «في عنقه سطح» أي طول ، «إن تكلم سما» تريد علا برأسه ، وقولها في وصف منطقه : «فصل لا نزر ولا هذر» تريد أنه وسط ليس بقليل ولا كثير ، وقولها : «لا بأس من طول» يحتمل أن يكون معناه : أنه ليس بالطويل الذي يؤيس مباريه عن مطاولته ، ويحتمل أن يكون تصحيفا وأحسبه «لا بائن من طول» ، وقولها : «لا تقتحمه عين من قصر» أي لا تحتقره ولا تزدريه ، محفود : مخدوم ، محشود : هو من قولك حشدت لفلان ، في كذا : إذا أردت أنك أعددت له وجمعت ، وقال غيره : المحشود : المحفوف ، وحشده أصحابه : أطافوا به ، وقولها : «لا عابس» تريد لا عابس الوجه ولا متغير من الغذاء وهو الظلم ، وقول الهاتف : «فتحلبت له بصريح» الصريح الخالص ، والضرة لحم الضرع ، «فغادرها رهنا لديها لحالب» يريد أنه خلف الشاة عندها مرتهنة بأن تدر ، انظر : دلائل النبوة للبيهقي (١ / ٢٨١) ، وما بعدها نقلا عن أبي محمد القتيبي رحمه‌الله.

(٣) انظر : دلائل النبوة للبيهقي (١ / ٢٧٦ ـ ٢٧٩).

(٤) في (ب ، ج) : لا يدرون.

١٦٢

جزى الله ربّ الناس خير جزائه

رفيقين قالا (١) خيمتي أم معبد

هما نزلاها بالهدى فاهتدت به

وقد فاز من أمسى رفيق محمد

فيا آل قصي ما زوى الله عنكم

به من فعال لا يجارى وسؤدد

ليهن بني كعب مكان فتاتهم

ومقعدها للمؤمنين بمرصد

سلوا أختكم عن شأنها وإنائها

فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد

دعاها بشاة حائل فتحلبت

عليه صريحا ضرّة الشاة مزبد (٢)

فغادرها رهنا لديها كحالب

ترددها في مصدر ثم مورد

[ما قاله حسان بن ثابت بعد سماعه للصوت]

فلما سمع ذلك حسان بن ثابت (٣) شبب يجاوب الهاتف يقول :

__________________

(١) قوله : قالا : من القيلولة ، وهو منتصف النهار.

(٢) في دلائل النبوة للبيهقي شطر البيت :

له بصريح ضرة الشاة مزبد

وهو تصحيح إذ أن الذي ورد في الأصل (مزبد) بكسر القافية ، وفيه نظر إذ إعرابه النصب ، ولعل جره على الحوار إن كانت الرواية كذلك ، ويكون من الإقواء المعروف في الشعر العربي وهو مذهب عربي معروف ، والبيت التالي له في الدلائل هكذا :

فغادرها رهنا لديها بحالب

يرددها في مصدر ثم مورد

(٣) الأبيات في ديوان حسان بن ثابت ص (١٣٩ ـ ١٤٢).

هو حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار سيد الشعراء المؤمنين المؤيد بروح القدس ، أبو الوليد ، ويقال : أبو الحسام ، الأنصاري الخزرجي النجاري المدني ، ابن الفريعة شاعر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصاحبه ، حدث عنه ابنه عبد الرحمن ، والبراء بن عازب ، وسعيد بن المسيب ، وأبو سلمة ، وآخرون ، وحديثه قليل ، قال ابن سعد : عاش سنتين في الجاهلية ، وستين في الإسلام ، قال ابن إسحاق : توفي حسان سنة (٥٤ ه‍) ، وقيل : سنة (٤٠ ه‍) ، انظر : شرح ديوان حسان بن ثابت ، عبد الرحمن البرقوقي ص (١٥ ـ ٢٤) ، سير أعلام النبلاء (٢ / ٥١٢ ـ ٥٢٣) ، الأغاني (٤ / ١٣٤ ـ ١٦٩) ، الاستيعاب (١ / ٣٤١) ، أسد الغابة (٢ / ٥) ، تهذيب التهذيب (٢ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨) ، الإصابة (٢ / ٢٣٧) ، شذرات الذهب (١ / ٤١ ، ٦٠).

١٦٣

لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم

وقدس من يعزى إليه ويغتدي

ترحّل عن قوم فضلت عقولهم

وحل على قوم بنور مجدد

هداهم به بعد الضلالة ربّهم

وأرشدهم من يتبع الحق يرشد

وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا

عمايتهم هادية كل مهتدي (١)

وقد نزلت منه على أهل يثرب

فكان هدى حلت عليهم بأسعد (٢)

نبي يرى ما لا يرى الناس كلهم

ويتلوا كتاب الله في كل مسجد (٣)

وإن قال في يوم مقالة غائب

فتصديقها في اليوم أو في ضحى غد (٤)

ليهن بني كعب مقام فتاتهم

ومقعدها للمؤمنين بمرصد

__________________

(١) شطر البيت في دلائل النبوة للبيهقي هكذا : «عمى وهداة يهتدون بمهتد» ، وهو الاولى إذ أن الظاهر والله أعلم أن قوله : هاد معمول لتسفهوا ، وأصله هاديا بالنصب فاعلة للضرورة ، وقوله : عمايتهم مفعول لأجله إلا أن تكون هادية مفعول ليسفهوا. والأبيات في ديوان حسان بن ثابت : ص (١٣٩ ـ ١٤٢).

(٢) في دلائل النبوة للبيهقي شطر البيت هكذا :

ركاب هدى حلت عليهم بأسعد

(٣) من (أ، ج) وبقية النسخ «مشهد».

(٤) يلي هذا البيت بيت آخر هو :

ليهن أبا بكر سعادة جدّه

بصحبته من يسعد الله يسعد

والأبيات في ديوان حسان بن ثابت على النحو التالي :

لقد خاب قوم غاب عنهم نبيهم

وقدس من يسري إليهم ويفتدي

ترحل عن قوم فضلت عقولهم

وحل على قوم بنور مجدد

هداهم به بعد الضلالة ربهم

وأرشدهم من يتبع الحق يرشد

وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا

عمى وهداة يهتدون بمهتد

لقد نزلت منه على أهل يثرب

ركاب هدى حلت عليهم بأسعد

نبي يرى ما لا يرى الناس حوله

ويتلو كتاب الله في كل مسجد

وإن قال في يوم مقالة غائب

فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد

ليهن أبا بكر سعادة جده

بصحبته من يسعد الله يسعد

شرح ديوان حسان بن ثابت الأنصاري ، وضعه وصححه عبد الرحمن البرقوقي ، دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ لبنان ـ (١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م) ص (١٤١ ـ ١٤٢) ، والأبيات التي تسبقها ص (١٣٩ ـ ١٤٠).

١٦٤

[ذكر بعض أحوال مشيبه (ص)]

[٤٥] أخبرنا علي بن أحمد السبيعي بإسناده عن أبي حيان التميمي (١) ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام قال : رأيت الشيب في عارضي رسول الله فقلت : فداك أبي وأمي عاجلك الشيب.

قال : فرأيت النبي وقد انتقع لونه ، وقال : «إن أول من أحزنه الشيب أبي إبراهيم عليه‌السلام لما نظر إلى الشيب في عارضيه ، فأوحى الله إليه : يا إبراهيم هذا سربال الوقار وعزتي وجلالي ما ألبسته عبدا من عبيدي يشهد أن لا إله إلّا الله إلا أنصب له ميزانا وأنشر له ديوانا» ، فكان رسول الله يقول : «يا ذا الشيب أما آن تستحيي من رب يستحيي منك» (٢).

[٤٦] أخبرنا أبو أحمد الأنماطي بإسناده عن ثابت قال : قيل لأنس : هل كان شاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قال : ما كان في رأسه إلّا سبع عشرة أو ثماني عشرة (٣).

وبإسناده (٤) قال : قيل لأنس : خضب رسول الله؟

قال : لم يبلغ ذاك (٥) إنما كان شيء في صدغيه (٦).

__________________

(١) في (ب ، ج) ابن حيان التميمي.

(٢) انظر : منتخب كنز العمال للمتقي الهندي (٣ / ٨٠) وما بعدها ، فالروايات في ذلك عديدة.

(٣) الحديث أخرجه أحمد في مسنده ، حديث رقم (١١٦٤) ، (٣ / ١٠٨) ، عن أنس ، والرواية الأخرى الخاصة بالخضاب ، جزء من حديث أخرجه مسلم في صحيحه (٤٣ ـ كتاب الفضائل (٢٩) باب شيبتيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، كما أخرجه النسائي في كتاب الزينة باب الخضاب بالصفرة (٨ / ١٤١).

(٤) في (أ، ب ، د) : وبإسناد. والمقصود وبإسناد : الأنماطي راوي الخبر السابق إلى ثابت بن قيس.

(٥) في (أ، ب) : لم يبلغ ذلك.

(٦) الحديث في صحيح مسلم ، وهو جزء من حديث أخرجه في كتاب الفضائل (٢٩) باب شيبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حديث (١٠٤) ، وأخرجه النسائي في كتاب الزينة باب الخضاب بالصفرة (٨ / ١٤١) ، كما أخرجه البخاري في (٧٧ ـ كتاب اللباس (٦٦) باب ما يذكر في الشيب (ح / ٥٨٩٤) ، من فتح الباري ص (١٠ / ٣٥١) ، وأخرجه ابن ماجة في سننه حديث (٣٦٢٩).

١٦٥

[٤٧] «أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم بإسناده عن أبي رمثة» (١) قال : كان رسول الله يخضب بالحناء والكتم ، وكان شعره يضرب منكبيه (٢) ـ أو قال كتفيه ، شك أبو سفيان (٣).

[من أسماء النبي (ص)]

[٤٨] أخبرنا أبو أحمد الأنماطي بإسناده عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه (٤) قال : سمعت رسول الله يقول : «لي أسماء : أنا أحمد ، وأنا محمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر يحشر الله الناس على قدمي ، وأنا العاقب» (٥).

قال معمر : (٦) قلت للزهري : ما العاقب؟

قال : الذي ليس بعده نبي.

__________________

(١) أخبرنا الرواة عن ابن عباس.

(٢) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة بروايات عدة : (١ / ٢٣٧ ، ٢٣٨) ،.

(٣) هو : سعيد بن يحيى الواسطي ، أحد الثقات ، سمع معمر بن راشد ، والعوام بن حوشب ، وغيرهما ، وثقه أبو داود ، وغيره ، وعاش تسعين سنة ، توفي في شعبان سنة (٢٠٢ ه‍) ، انظر : سير أعلام النبلاء (٩ / ٤٣٢ ـ ٤٣٣) ، ابن سعد (٧ / ٣١٤) ، طبقات خليفة (ت ٣١٩٥) ، التاريخ الكبير (٣ / ٥٢٠) ، الجرح (٤ / ٧٤) ، تهذيب التهذيب (٤ / ٩٩) ، ميزان الاعتدال (٢ / ١٦٣ ، ٤ / ٥٣١) ، التاريخ الصغير (٢ / ٢٩٦).

(٤) وردت في الأصل هكذا : بإسناده عن مطعم عن أبيه ، وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٥) الحديث أخرجه البخاري في (٦١) كتاب المناقب (١٧) باب ما جاء في أسماء رسول الله ، والترمذي في كتاب الأدب (٥ / ١٣٥) ، ومالك في الموطأ في أسماء النبي (٢ / ١٠٠٤) ، والدارمي في الرقاق باب في أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢ / ٣١٧) ، وأحمد في مسنده (٤ / ٨٠ ، ٨١ ، ٨٤) ، ومسلم في كتاب الفضائل ، والبيهقي في دلائل النبوة (١ / ١٥٣). ولمزيد حول اسمائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راجع منتخب كنز العمال (٤ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤).

(٦) هو : الحافظ شيخ الإسلام ، معمر بن راشد ، أبو عروة بن أبي عمرو الأزدي ، مولاهم البصري ، نزيل اليمن ، مولده سنة (١٥ ـ ٩٦ ه‍) ، وشهد جنازة الحسن البصري ، وطلب العلم وهو محدث ، حدث عن قتادة ، والزهري ، وعمرو بن دينار ، وهمام بن منبه ، وأبي إسحاق السبيعي ، وغيرهم يطول ، وحدث عنه أيوب وأبو إسحاق ، وعمرو بن دينار ، وطائفة من شيوخه وآخرون عدة ، قال العجلي : معمر ثقة رجل صالح بصري ، سكن صنعاء تزوج بها ـ قلت : وبصنعاء حتى الآن حارة اسمها حارة معمر ـ توفي في سنة (١٥٣ ه‍) ، وقيل : (١٥٢ ه‍) ، انظر : طبقات ابن سعد (٥ / ٥٤٦) ، طبقات خليفة (٢٨٨) ، تاريخ خليفة (٤٢٦) ، تاريخ البخاري الكبير (٧ / ٣٧٨ ـ ٣٧٩) ، التاريخ الصغير (٢ / ١١٥) ، سير أعلام النبلاء (٧ / ٥) وما بعدها.

١٦٦

[٤٩] أخبرنا أبو أحمد (١) بإسناده عن زر ، عن حذيفة ، قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في سكة من سكك المدينة : «أنا أحمد ، وأنا محمد وأنا الحاشر والمقفي ، ونبي الرحمة» (٢).

[٥٠] أخبرنا عبد الله (٣) السعدي [قال : حدثنا الحسين بن علي أبو نعيم القاضي ، قال : حدثنا علي بن عبدة ، قال : حدثنا] (٤) سفيان بن عيينة قال : قيل لعبد المطلب : سميت ابن ابنك محمدا وليس هو من أسمائك ولا أسماء آبائك (٥).

قال : أردت أن يحمده أهل السماء ويحمده أهل الأرض.

ثم أطرق سفيان ساعة ثم رفع رأسه فقال (٦) :

وشق له من اسمه ليجله

فذو العرش محمود وهذا محمد

[من مآثر آبائه وأجداده (ص)]

[٥١] أخبرنا علي بن الحسين الهمداني [قال : حدثنا الحسن بن علي بن هاشم الأسدي ، قال : حدثنا أحمد بن راشد ، عن سعيد بن خيثم عن أخيه معمر] (٧) قال : قال لي زيد بن علي عليه‌السلام : يا معمر ، كنت أماري هشام بن عبد الملك (٨) وأكابره الكلام ، فدخلت «عليه» (٩)

__________________

(١) هو أبو أحمد جعفر بن محمد الأنماطي.

(٢) انظر : دلائل النبوة للبيهقي (١ / ١٥٢ ـ ١٥٣).

(٣) ورد الاسم في (ب ، ج) : السعدي (فقط).

(٤) ورد في الأصل : عن ، وقد أثبتنا السند للإفادة والتوثيق.

(٥) في (ج) : ولا أسماء أبيك ، وهو تصحيف.

(٦) البيت لأبي طالب ، وقد أخرجه الإمام أبو طالب في أماليه ص (٤٠) ، والبيت فيه هكذا :

وسو له من اسمه ليجله

فذو العرش محمود وهذا محمد

وانظر : دلائل النبوة (١ / ١٦١) ، والبيت فيه : وشق له من اسمه كي يجله ... إلخ ما هنا ، وقال : ورواه المسيب بن واضح عن سفيان ، وقال : «ليجلّه».

(٧) ورد في الأصل : عن معمر بن خثيم ، وقد أثبتنا السند للإفادة والتوثيق ، والخبر هذا وسنده في تيسير الطالب ص (١٠٢).

(٨) هو : هشام بن عبد الملك بن مروان ، أحد ملوك بني أمية ، ولد بعد السبعين ، وتولى الملك بعهد معقود له من أخيه يزيد ثم من بعده لولد يزيد ، وهو الوليد ، تولى في شعبان سنة (١٠٥ ه‍) ، وتوفي في ربيع الآخر وله (٤٥ سنة) ، انظر : سير أعلام النبلاء (٥ / ٣٥١ ـ ٣٥٣) ، تاريخ الخلفاء للسيوطي (٢٦٩) ، تاريخ اليعقوبي (٣ / ٥٧) ، تاريخ الطبري (٧ / ٢٠٠) وما بعدها ، مروج الذهب (٢ / ١٤٢ ، ١٤٥) ، الكامل لابن الأثير (٥ / ٢٦١ ، ٢٦٤) ، تاريخ الإسلام (٥ / ١٧٠ ، ١٧٢) ، دول الإسلام (١ / ٨٥) ، مرآة الجنان (١ / ٢٦١ ، ٢٦٣) ، فوات الوفيات (٤ / ٢٣٨ ، ٢٣٩) ، خلاصة الذهب المسبوك (٢٦) ، البداية والنهاية (٩ / ٣٥١ ، ٣٥٤) ، النجوم الزاهرة (١ / ٢٩٦) ، تاريخ الخميس (٢ / ٣١٨) ، شذرات الذهب (١ / ١٦٣) ، الأعلام للزركلي (٨ / ٨٦).

(٩) ساقط في (ب).

١٦٧

يوما فذكر بني أمية ، فقال : هم أشد قريش أركانا ، وأرفع قريش مكانا ، وأعظم قريش سلطانا ، وأكثر قريش أعوانا ، كانوا رءوس قريش في جاهليتها وملوكهم في إسلامها.

فقلت : على من تفتخر؟ على هاشم (١) أول من أطعم الطعام ، وضرب إلهام ، وخضعت له (٢) قريش بإرغام ، أم على عبد المطلب سيد مضر جميعا ، وإن قلت معد كلها صدقت ، كان إذا ركب مشوا ، وإذا انتعل احتفوا ، وإذا تكلم سكتوا ، وكان يطعم الوحش في رءوس الجبال (٣) ، والطير والسباع والإنس في السهل ، وحافر زمزم ، وساقي الحجيج ، وربيع العمرتين (٤) ، أم على بنيه أشرف رجال بها ؛ أم على سيد ولد آدم رسول الله حمله الله على البراق وجعل الجنة بيمنه والنار بشماله (٥) ، فمن تبعه دخل الجنة ومن تأخر عنه دخل النار ؛ أم على أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب أخي رسول الله وابن عمه ومفرج الكرب عنه ، أول من قال : لا إله إلّا الله بعد رسول الله لم يبارزه فارس قط إلّا قتله ، وقال فيه رسول الله ما لم يقله في أحد من أصحابه ولا لأحد من أهل بيته.

قال : فاحمر وجه هشام وبهت (٦).

[٥٢] أخبرنا (٧) يعقوب بن إسحاق الحارثي بإسناده عن معمر «بن خثيم» (٨) قال : قال رجل من قريش لأبي جعفر : بما ذا تفتخرون علينا؟

__________________

(١) هاشم : هو عمرو العلاء لعلو مرتبته ، وهو أخو عبد شمس ، وسيأتي بعض أخباره ، انظر : السيرة الحلبية (١ / ٤ ـ ٣١) ، سيرة ابن هشام (١ / ١٦٦٧) ، تاريخ الطبري (٢ / ١٢ ـ ١٤) ، الكامل لابن الأثير (٢ / ٩ ـ ١٠).

(٢) نهاية الصفحة [٥٨ ـ أ].

(٣) قوله : وكان يطعم الوحش ... إلخ. فيه فائدة فقهية إذ أن إطعام نحو الوحش قربة ، وإلا لما فاخر به زيد بن علي عليه‌السلام. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «في كل كبدة رطبة أجر».

(٤) في (أ) : والمعتمرين.

(٥) في (أ، ب ، د) : بيساره.

(٦) أخرجه الإمام أبو طالب في أماليه (ص ١٠٢ ـ ١٠٣) ، والإمام المرشد بالله يحيي بن الحسين الشجري في الأمالي الاثنينية (خ).

(٧) للخبر سند آخر غير ما ذكر وهو : أخبرنا محمد بن جعفر القرداني ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم‌السلام قال : ... إلخ ، وهذا السند هو سند الخبر التالي لهذا الخبر.

(٨) ساقط في (ب).

١٦٨

قال : نفتخر عليكم برسول الله فإنه أبونا ، وكنا نفتخر عليكم قبل الإسلام بأبينا عبد المطلب ، المطعم الناس في السهل ، والمطعم الوحش في رءوس الجبال ، فهاتوا مثل أبينا في الجاهلية ومثل أبينا رسول الله في الإسلام ، فأما أبونا عبد المطلب فكنتم شبها له بالعبيد ، يحل من شاء منكم ويرذل من شاء ، ويحل ما شاء فيكم ، ويحرم ما شاء فيكم ، يعتق من شاء ويستعبد من شاء ، وأما أبونا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبعثه الله إلى جميع خلقه ثم أيده بملائكته ، ومن أراد من عباده.

[٥٣] أخبرنا (١) محمد بن جعفر القرداني بإسناده ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : قال رسول الله : «يبعث عبد المطلب يوم القيامة أمة وحده ، قال : وكان لا يستقسم بالأزلام ، ولا يعبد الأصنام ، ويقول : أنا على دين إبراهيم عليه‌السلام».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن عبد المطلب سن خمسا من السنن أجراها الله عزوجل في الإسلام : حرم نساء الآباء على الأبناء ، فأنزل الله عزوجل قرآنا (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) [النساء : ٢٢] ، وسن الدية في القتل (٢) مائة من الإبل فجرت في الإسلام ، وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط ثم يقف على باب الكعبة ويحمد الله عزوجل ويثني عليه ، وكانت قريش تطوف كما شاءت قل أم كثر فسن عبد المطلب سبعة فجرى ذلك في الإسلام ، ووجد كنزا فأخرج منه الخمس وتصدق به فجرى ذلك في الإسلام ، ولما حفر زمزم سماها سقاية الحاج فأنزل الله في ذلك (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ...) الآية [التوبة : ١٩].

__________________

(١) السند هو : أخبرنا محمد بن جعفر القرداني ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي نمير ، عن هاشم بن سالم ، عن جعفر بن محمد.

(٢) في (ج) : في القتيل.

١٦٩

[خبر في كون آباء النبي وأجداده على ملة إبراهيم عليهم‌السلام]

(١) [٥٤] أخبرنا (٢) محمد بن جعفر بإسناده عن جعفر بن محمد (٣) قال : قال علي عليه‌السلام : ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنما قط.

قيل : وما كانوا يعبدون؟

قال : كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم الخليل متمسكين به.

__________________

(١) اختلف علماء الإسلام حول آباء النبي وأجداده وفي صحة كونه كلهم مؤمنين أو موحدين ، أو على ملة إبراهيم بالنسبة لمن بعده ومؤمنين وموحدين على ملة من قبله عليه‌السلام ، وقد ذهبت الإمامية إلى أن آباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من آدم إلى عبد الله كلهم مؤمنون موحدون ، بل وذهب أحد علمائهم أنهم كانوا من الصديقين ، إما أنبياء مرسلين أو أوصياء معصومين ، ولعل بعضهم لم يظهر الإسلام ، لتقية أو لمصلحة دينية ، وذهب الصدوق إلى أن آمنة أم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت مسلمة أيضا ، وقال أبو حيان الأندلسي : (ذهبت الرافضة إلى أن آباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا مؤمنين) ، أما غير الإمامية فذهب أكثرهم إلى كفر والدي النبي وغيرهما من آبائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذهب بعضهم إلى إيمانهم ، وممن صرح بإيمان عبد المطلب وغيره من آبائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المسعودي ، واليعقوبي ، وهو ظاهر كلام الماوردي ، والرازي في كتابه (أسرار التنزيل) ، والسنوسي ، والنعماني (محشي الشفاء) ، والسيوطي ، وقد ألف هذا الأخير عدة رسائل لإثبات ذلك ، ومن تلك الرسائل : مسالك الحنفاء ، الدرج المنيفة في الآباء الشريفة ... إلخ ، وقد طبعت تلك الرسائل في كتاب مستقل تحت عنوان : (الرسائل العشر) ، وعلى عكس ذلك ألف البعض رسائل لإثبات كفرهم مثل إبراهيم الحلبي ، وعلي القاري ، والذي توسع في ذلك في كتابه شرح الفقه الأكبر ، واتهموا السيوطي بأنه متساهل لا عبرة بكلامه ، ما لم يوافقه كلام الأئمة الثقات ، وما يهمنا هنا هو التنويه لبعض الأدلة حول ذلك وبشكل مختصر : ثبت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «لم يزل ينقلني ربي من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات حتى أخرجني في عالمكم ولم يدنسني بدنس الجاهلية» ، كما يمكن الاستدلال على إيمان آبائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى إبراهيم (ع) بقوله تعالى : (وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) وقوله تعالى : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) أي في عقب إبراهيم (ع) وقوله تعالى : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) وقوله تعالى : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) أما ما عدا ذلك من الأدلة فقد استقصاها السيوطي في رسائله السالفة الذكر ، وإذا ما أخذنا المسألة من ناحية أصولية فإنه يمكن القول أن حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أنا خيار من خيار ...» والحديث : «ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية شيء ، ما ولدني إلا من نكاح كنكاح أهل الإسلام». أخرجه الطبراني في الكبير ، والبيهقي في السنن عن ابن عباس ، والحديث : «ما ولدتني بغي قط منذ خرجت من صلب آدم ، ولم تنازعني في الأمم كابرا عن كابر حتى خرجت من أفضل حيين من العرب هاشم وزهرة» أخرجه ابن عساكر في التاريخ عن أبي هريرة ، فإننا نجد أن هذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا ، وتفسير قوله تعالى : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) وقوله تعالى : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) ، وقوله تعالى على لسان إبراهيم : (وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) ، كل هذه أدلة تثبت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء من أعقاب طاهرة ، انظر : أوائل المقالات (١٢) ، تفسير الرازي (٢٤ / ١٧٣ ، ٤ / ١٠٣) ، البحار (١٥ / ١١٧) وما بعدها ، البداية والنهاية (٢ / ٢٨٠) وما بعدها ، السيرة الحلبية (١ / ٣٠) ، مجمع البيان (٤ / ٣٢٢) ، الدر المنثور (٥ / ٩٨) ، سيرة دحلان (١ / ١٨) ، تاريخ الخميس (١ / ٢٣٤) ، تفسير البحر المحيط (٧ / ٤٧) ، الصحيح من سيرة الرسول (٢ / ١٨٦ ـ ١٩٥).

(٢) السند : أخبرنا محمد بن جعفر القرداني ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هاشم بن سالم ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه الحسين ، قال : قال علي.

(٣) في (أ، د) عن الأصبغ. وهو تصحيف.

١٧٠

[أولا : مآثر عبد المطلب]

[٥٥] [أخبرنا الحسن بن علي الجوسقي قال : حدثني أبو محمد الأنصاري ، قال : حدثنا عمارة بن زيد ، قال : حدثني إبراهيم بن سعد الزهري ، عن محمد بن إسحاق ويزيد بن رومان ويحيى بن عروة وغيرهم] (١) أن عبد المطلب اسمه شيبة بن هاشم بن عبد مناف ، فغلب عليه عبد المطلب ؛ لأن عمه المطلب أخا (٢) هاشم ونوفل وعبد شمس خرج من مكة يريد يثرب لنقل بن أخيه شيبة من عند أمه سلمى بنت زيد بن عمر والنجارية ليقوم بعده (٣) مقامه في الرئاسة والرفادة ، فلما دخل المدينة نظر إلى غلمان يتناضلون (٤) وشيبة فيهم كأن وجهه القمر ليلة البدر ، وإذا رمى فأصاب ضحك وقال : أنا ابن هاشم حقا.

فلما نظر إليه عمه المطلب أناخ راحلته ونزل فضمه إلى صدره وقبل بين عينيه ، وقال : تعرفني؟

قال : لا.

قال : أنا عمك المطلب بن عبد مناف ، وإنه كان من أمر أبيك ما كان فمضى لسبيله ، وإن قريشا أقامتني مقامه ، فسر معي إلى مكة فإن حدث بي حدث الموت قمت في قريش مقامي ، لأجل هذا النور الذي بين عينك ، يعني نور رسول الله.

قال : يا عم إني غير مفارق أمي إلّا بإذنها.

فسار المطلب بن عبد مناف إلى سلمى ، فحياها وحيته ، وقال : يا سلمى اسمعي كلامي ،

__________________

(١) ورد في الأصل : أخبرنا الحسن بن علي الجوسقي بإسناده عن يحيى بن عروة وغيرهم ، وقد أثبتنا السند زيادة للفائدة والتوثيق.

(٢) نهاية الصفحة [٦٠ ـ أ].

(٣) في (أ) : ليقوم معه.

(٤) ويتناضلون : نضل : ناضلته ، وخرجوا إلى النضال ، وهم يتناضلون وينتضلون ، وانتضلت من الكناية سهما : اخترته ، ومن المجاز : هو يناضل عن قومه ، وقعدوا ينتضلون : يفتخرون ، وانتضلت منهم رجلا : اخترته ، والإبل تنتضل في سيرها : ترمي بأيديها ، أساس البلاغة للزمخشري ، مادة : نضل ، وينظر : تاريخ الطبري (٢ / ٨ ـ ١٢) ، السيرة الحلبية (١ / ٤ ، ٦) ، الكامل لابن الأثير (٢ / ٦ ـ ٩) ، البداية والنهاية (٢ / ٢٥٣).

١٧١

الموت غاد ورائح ، قد مات أخي هاشم وأنا لاحق به لا شك ، وهذا ابن أخي قد دب ودرج وبلغ ، غير أنه غريب ، وقد علمت أنا أهل بيت شرف وحسب وسادات ولد إسماعيل فلو أذنت له لينطلق معي إلى مكة فيقوم مقامي بعدي؟

قالت : ولدي وقرة عيني أتسلّى به بعد أبيه هاشم لا أفارقه إلّا أن يحب.

فقال شيبة : فأنا أحب ذلك.

فأذنت له وبكت عليه بكاء شديدا ، فخرج شيبة على ناقة والمطلب على أخرى ، فلما دخل مكة ونظرت قريش إلى المطلب جعلوا يقولون : هذا عبد ابتاعه المطلب من يثرب (١).

فقال المطلب : ويحكم هذا ابن أخي شيبة بن هاشم ، فسمي (٢) شيبة : عبد المطلب من ذلك «اليوم» (٣).

وفيه يقول بني شيبة :

بني شيبة الحمد الذين وجوههم

تضيء دجى الظلماء كالقمر البدر

[ثانيا : مآثر هاشم بن عبد مناف] (٤)

وأما هاشم بن عبد مناف فاسمه عمرو ، وهو أول من أطعم الطعام وهشم الثريد ، وكانت مائدته منصوبة لا ترفع (٥) لكل وارد وصادر ، وكان يكسو ويحمل من طرقه وينصر

__________________

(١) انظر : تاريخ الطبري (٢ / ٨ ـ ١٢) ، البداية والنهاية (٢ / ٢٥٣) ، السيرة الحلبية (١ / ٤٦) ، الكامل لابن الأثير (٢ / ٦ ـ ٩) ، سيرة ابن هشام (١ / ١٨٧) وما بعدها.

(٢) نهاية الصفحة [٦١ ـ أ].

(٣) ساقط في (ب ، ج).

(٤) انظر : السيرة الحلبية (١ / ٤ ـ ٧) ، سيرة ابن هشام (١ / ١٥٦ ـ ١٥٩) ، الكامل لابن الأثير (٢ / ٩ ـ ١٠) ، تاريخ الطبري (٢ / ١٢ ـ ١٤) ، البداية والنهاية (٢ / ٥٢) وما بعدها.

(٥) في (أ، د) : لا ترفع منصوبة.

١٧٢

المظلوم ويؤوي الخائف ولذلك قيل : (١)

يا أيها الضيف المحول رحله

هلا حللت بآل عبد مناف

هبلتك أمك لو حللت بدارهم

منعوك من جوع ومن إقراف (٢)

كانت قريش بيضة فتفلقت

فالمخ خالصها لعبد مناف

عمرو العلاء هشم الثريد لقومه

ورجال مكة مسنتون عجاف (٣)

__________________

(١) في بعض المصادر :

يا أيها الرجل المحول رحله

ألا نزلت بآل عبد مناف

هبلتك أمك لو نزلت برحلهم

منعوك من عدم ومن إقراف

الخالصين غنيهم بفقيرهم

حتى يعود فقيرهم كالكافي

انظر : السيرة الحلبية (١ / ٥) ، وسيرة ابن هشام (١ / ١٨٨ ـ ١٨٩) ، البداية والنهاية (٢ / ٢٥٤) ، تاريخ الطبري (٢ / ١٢) ، والأبيات لمطرود بن كعب الخزاعي ، يبكي عبد المطلب وبني عبد مناف ويرثيهم ، وقيل : للزبعري والد عبد الله. أمّا مطرود فهو مطرود بن كعب الخزاعي ، شاعر جاهلي فحل ، لجأ إلى عبد المطلب لجناية كانت منه ، فحماه وأحسن إليه ، فأكثر مدحه ومدح أهله ، ويقال : إنه هو صاحب الأبيات التي أولها :

يا أيها الرجل المحول رحله

هلا حللت بآل عبد مناف

والمشهور أنها لابن الزبعرى ، انظر : الأعلام (٧ / ٢٥١) ، المحبر (١٦٣ ـ ١٦٤) ، التاج (٢ / ٤٠٩) ، المرزباني (٣٧٥) ، السيرة النبوية لابن هشام (ط الحلبي ١ / ٥٨ و ١٤٦ ـ ١٤٩) ، شرح السيرة لأبي ذر الحسني (٤٦) وما بعدها ، الروض الأنف (١ / ٩٤ ـ ٩٧) ، أبناء ونجباء الأبناء (٦٣ ـ ٦٥).

(٢) هبلتك : فقدتك ، وهو على جهة الإغراء لا على جهة الدعاء كما تقول : تربت يداك ، ولا أبا لك ، وأشباههما والإقراف مقاربة الهجنة : أي منعوك من أن تنكح بناتك وأخواتك من لئيم فيكون الابن مقرفا للؤم أبيه وكرم أمه فيلحقك وصم من ذلك ، ونحوا منه قول مهلهل :

أنكحها فقدها الأراقم في

جنب وكان الحباء من أدم

أي انحكت لقربتها من غير كفء وذلك أن مهلهلا نزل في جنب وهو حي وضيع من مذحج فخطب ابنته فلم يستطع منعها فزوجها ، وكان نقدها من أدم. سيرة ابن هشام (١ / ١٨٨) ، وفي البداية والنهاية البيت كالتالي :

عمرو الذي هشم الثريد لقومه

ورجال مكة مسنتون عجاف

(٣) الرواية في عجاف بالضم ، وهو من الإقواء المعروف في الشعر وهو مذهب عربي ويقرأ هذا البيت خاصة من بين هذه الأبيات ، بالرفع وأما من رواه «قوم بمكة مسنتين عجاف» فلا إشكال فيه.

١٧٣

الرائشون وليس يوجد رائش

والقائلون هلم للأضياف

والخالطون غنيهم بفقيرهم

حتى يعود فقيرهم كالكافي

نسبت إليه الرحلتان كلاهما

سفر الشتاء ورحلة الأصياف (١)

[ثالثا : مآثر عبد مناف] (٢)

وأما عبد مناف فاسمه مغيرة وفيه قيل :

إن المغيرات وأبناءهم

من خير أحياء وأموات

أخلصهم عبد مناف فهم

من لوم من لام بمنجاب

__________________

(١) البيت في البداية والنهاية (٢ / ٢٥٣) هكذا :

سنّت إليه الرحلتان كلاهما

سفر الشتاء ورحلة الأصياف

قيل : الأبيات لمطرود بن كعب الخزاعي ، وقيل : للزبعري والد عبد الله وهو : عبد الله الزبعرى ، هو ابن قيس السهمي القرشي أبو سعد ، شاعر قريش في الجاهلية ، كان شديدا على المسلمين إلى أن فتحت مكة فهرب إلى نجران ، فقال فيه حسان بن ثابت أبياتا ، فلما بلغته عاد إلى مكة ، فأسلم واعتذر ، ومدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمر له بحلة ، انظر : الأعلام (٤ / ٨٧) ، الأغاني (١ / ٤ ، ١٤) ، سمط اللآلي (٣٨٧ ، ٨٣٣) ، إمتاع الأسماع (١ / ٣٩١) ، الآمدي (١٣٢) ، شرح الشواهد (١٨٧) ، ابن سلام (٥٧ ، ٥٨) ، وهناك زبعرى آخر هو : قطبة بن زيد بن سعد بن امرئ القيس الثعلبي من بني الفتن من جر ، شاعر قال ابن حبيب : كان سيد قضاعة في الجاهلية ، وأول الإسلام ، وأورد أبياتا من شعره ، الأعلام (٥ / ٢٠٠) ، كتاب من نسب إلى أمه من الشعراء ، الجامع. محمد عبد القادر بامطرف ط (٢) ١٩٨٤ م. (٣ / ٢٠٨).

(٢) اسمه المغيرة ، وكان يقال له : قمر البطحاء لحسنه وجماله ، وهو الجد الثالث لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وجد كتاب في حجر أبي المغيرة بن قصي : أوصى قريشا بتقوى الله جل وعلا وصلة الرحم ، كان أول ولد لقصي رأس في زمن والده ، وذهب به الشرف كل مذهب ، وهو أخو عبد الدار الذي كان أكبر والد أبيه وإليه أوصى بالمناصب ، انظر : تاريخ الطبري (٢ / ١٤) ، السيرة الحلبية (١ / ٧) ، كامل ابن الأثير (٢ / ١١) ، سيرة ابن هشام (١ / انظر الفهارس) ، البداية والنهاية (٢ / ٢٥٤) ، الأعلام للزركلي (٤ / ١٦٦ ـ ١٦٧) ، المحبر (١٦٤) ، اليعقوبي (١ / ١٩٩) ، طبقات ابن سعد (١ / ٤٢).

١٧٤

[رابعا : مآثر قصي] (١)

وأما قصي فاسمه زيد ، وسمي قصيا لتقصيه عن قومه بمكة إلى أرض قضاعة مع أمه فاطمة بنت سعد بن سيل ؛ وقيل : لتقصيه عمّا يشينه من البخل والجبن إلى النجدة ومكارم الأخلاق وهو الذي جمع بني أبيه (٢) واسترجع مكة والملك من خزاعة وغلبهم فكان يقال له لذلك : المجمع.

قال حذافة بن غانم العدوي (٣) :

أبو كم قصي كان يدعى مجمّعا

به جمع الله القبائل من فهر

نزلنا بها والناس فيها قبائل

وليس بها إلّا كهول بني عمرو

خليل الذي عادى كنانة كلها

ورابط بيت الله في العسر واليسر

وأنتم بنو زيد (٤) وزيد أبوكم

به زيدت البطحاء فخرا على فخر

يعني بني عمرو بن خزاعة.

__________________

(١) اسمه زيد ، وقيل يزيد ، ويدعى مجمعا ، وسمي قصي بذلك لأن أمه تزوجت بعد أبيه بربيعة بن حزام بن عذرة فسافر بها إلى بلاده ، وهو صغير فسمي قصيا لذلك ، ثم عاد إلى مكة وهو كبير ، ولم شعث قريش وجمعها من متفرقات البلاد ، وأزاح يد خزاعة عن البيت ، وأجلاهم عن مكة ورجع الحق إلى نصابه وصار رئيس قريش على الإطلاق ، وكانت إليه الوفادة والسقاية وهو الذي سنها والسدانة والحجابة واللواء ودار الندوة ، كما كان سيدا رئيسا مطاعا معظما ، وقد تزوج حبي ابنه رئيس خزاعة حليل بن حيشة ، وقصي أول من أحدث وقيد النار بالمزدلفة ليهتدي إليها من يأتي من عرفات ، والرفادة وهو إطعام الحجيج أيام المواسم إلى أن يخرجوا راجعين إلى بلادهم ، وذلك أنه فرضه عليهم فقال : (يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل مكة وأهل الحرم وإن الحجاج ضيف الله وزوار بيته وهم أحق بالضيافة فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج حتى يصدروا عنكم) ، ففعلوا ، انظر : طبقات ابن سعد (١ / ٣٦ ـ ٤٢) ، اليعقوبي (١ / ١٩٦) ، المحبر (١٦٤) ، تاريخ الكعبة (٤٧) ، الروض الأنف (١ / ٨٤) ، سمط اللآلي (٩٥٠) ، البداية والنهاية (٢ / ٢٠٥ ـ ٢١١) ، (٢٥٤ ـ ٢٥٥) ، تاريخ الطبري (٢ / ١٤ ـ ١٩) ، سيرة ابن هشام (١ / ١٣١ ـ ١٣٧) ، الكامل لابن الأثير (٢ / ١١ ـ ١٥) ، السيرة الحلبية (١ / ٧ ـ ١٥) ، الأعلام (٥ / ١٩٨).

(٢) نهاية الصفحة [٦٢ ـ أ].

(٣) ورد في الأصل «حداثة» والصحيح ما أثبتناه إذ أن اسمه الصحيح حذافة بن غانم وهو أخو حذيفة ، ووالد خارجة بن حذافة ، والقصيدة المشار إليها أوردها كاملة ابن هشام في السيرة النبوية مع تغيير في بعض الألفاظ ، انظر : سيرة ابن هشام (١ / ١٨٤ ـ ١٨٨) ، الكامل لابن الأثير (٢ / ١٣) ، والأبيات أيضا نسبت لحذافة بن جمع ، تاريخ الطبري (٢ / ١٦).

(٤) في (أ، ب) بدر وهو تصحيف.

١٧٥

[خامسا : مآثر فهر والنضر] (١)

وأما فهر فهو الذي تفرقت منه قبائل قريش (٢).

والنضر ، اسمه قيس ، وهو قريش ، وقيل ذلك لتقارشه بالرماح ، أي وقوع بعضها على بعض فقال القطامي (٣) :

قوارش بالرماح كأنّ فيها

شواطن ينتزعن بها انتزاعا

وقال آخر :

ولما دنا الرايات واقترش القنا

وطارت مع القوم القلوب

وقيل : قريش لعزته وغلبته سائر الناس سمي بدابة عظيمة في البحر تبتلع جميع الدواب يقال لها قريش وأنشد :

وقريش هي التي تسكن البحر

بها سميت (٤) قريش قريشا

تأكل الغث والسمين ولا

تبقي فيها لذي الجناحين ريشا

هكذا في الكتاب حي قريش

يأكلون البلاد أكلا كريشا

ولهم آخر الزمان نبي

يكثر العد منهم والجيوشا

__________________

(١) اسمه قيس وأمه برة بنت مر بن أد بن طابخة ، وإخوته لأبيه وأمه : نضير ومالك وملكان ، وعامر والحارث ، وعمر ، وسعد ، وعوف ، وغنم ، ومخرمة ، وقد لقب بالنضر لنضارته وحسنه وجماله ، وهو جماع قريش ، انظر : السيرة الحلبية (١ / ١٦) ، تاريخ الطبري (٢ / ٢٣ ـ ٢٤) ، الكامل لابن الأثير (٢ / ١٧ ـ ١٨) ، البداية والنهاية (٢ / ٢٠٠) وما بعدها.

(٢) سماه أبوه فهرا ، وقيل : هو لقب واسمه قريش ، وإليه تنسب القبيلة ، وقيل : بل اسمه فهر ، والمناسب أن يكون لقبا لقولهم : إنما سمي قريشا لأنه كان يقرش أي يفتش على خلة حاجة المحتاج فيسده ، السيرة الحلبية (١ / ١٦) ، الطبري (٢ / ٢١ ـ ٢٢).

(٣) هو عمير بن شييم بن عمرو بن عباد من بني جشم بن بكر ، أبو سعيد التغلبي الملقب بالقطامي ، شاعر غزل فحل ، كان من نصارى تغلب في العراق وأسلم ، له ديوان شعر (ط) ، انظر : الأعلام (٥ / ٨٨ ـ ٨٩) ، الشعر والشعراء (٢٧٧) ، معاهد التنصيص (١ / ١٨٠) ، التبريزي (١ / ١٨١) ، طبقات الشعراء (١٢١) ، سمط اللآلي (١٣٢) ، المرزباني (٢٢٨ ، ٢٤٤) ، جمهرة أنساب العرب (٢٨٨) ، جمهرة أشعار العرب (١٥١) ، والمبهج (٢٨) ، وفيه «القطامي فضم القاف وفتحها الصقر سمي الشاعر به لذكره إياه في بيت له» ، التاج (٩ / ٣٠) ، الجمحي (٤٥٢ ـ ٤٥٧).

(٤) في (أ، ج) : سبت ، وهو تصحيف.

١٧٦

وقيل : من التقريش أي التحريش ، قال الحارث بن حلزة (١) :

أيها الناطق المقرش عنا (٢)

عند عمرو وهل لذاك بقاء

[أعمام رسول الله (ص)]

قد قدمنا أسماء أولاد عبد المطلب العشرة ، وعماته الست (٣).

[(١) الحارث بن عبد المطلب]

فأما الحارث بن عبد المطلب وهو أكبرهم ، فإن عبد المطلب لما رأى ملك الحبشة (٤) ذهب به معه ، فدعاه الملك إلى منادمته فقال عبد المطلب : لا أشرب شيئا يشرب عقلي.

__________________

(١) الحارث بن حلزة بن مكردة بن يزيد اليشكري الوائلي (... نحو ٥٠ ق ه / ... نحو ٥٧٠ م) شاعر جاهلي من أهل بادية العراق ، وهو أحد أصحاب المعلقات ، كان أبرصا فخورا ، ارتجل معلقته بين يدي عمرو بن هند الملك ، بالحيرة ومطلعها : «آذنتنا ببينها أسماء» جمع بها كثيرا من أخبار العرب ووقائعهم ، وفي الأمثال : أفخر من الحارث بن حلزة ، إشارة إلى إكثاره من الفخر في معلقته هذه «له ديوان شعر طبع» ، انظر : الاعلام (٢ / ١٥٤) ، الأغاني (١١ / ٤٢) ، سمط اللآلي (٦٣٨) ، الآمدي (٩٠) ، ابن سلام (٣٥) ، الشعر والشعراء (٥٣) ، خزانة الأدب للبغدادي (١ / ١٥٨) ، صحيح الأخبار (١ / ١١ ، ٢٢٦).

(٢) يعني عمرو بن هند الملك : وهو عمرو بن المنذر اللخمي ، ملك الحيرة في الجاهلية ، عرف بنسبته إلى أمه هند (عمة امرئ القيس الشاعر) تمييزا له عن أخيه عمرو الأصفر (ابن أمامة) ، انظر : الأعلام (٥ / ٨٦ ـ ٨٧) ، العرب قبل الإسلام (٢٠٨) ، ابن خلدون (٢ / ٢٦٥) ، ابن الأثير (١ / ١٥٤ ، ٩٧) ، المرزباني (٢٠٥) ، شرح المقصورة الدريدية (٨٩).

(٣) وأولاد عبد المطلب قيل : كانوا اثني عشر وهم : عبد الله أبو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والحارث ، وأبو طالب واسمه عبد مناف ، والزبير ويكنى أبا الحارث ، وحمزة ، وأبو لهب واسمه عبد العزى ، والغيداق واسمه مصعب وقيل : نوفل ولقب بالغيداق لجوده ، والمقوم ، وضرار ، والعباس ، وقثم ، وعبد الكعبة ، ويسمى المغيرة ، وقيل : كانوا أحد عشر فأسقط المقوم وقيل : هو عبد الكعبة ، وقيل : عشرة وأسقط الغيداق وحجلا ، وقيل : تسعة ، ولم يذكر ابن قتيبة وابن إسحاق وأبو سعيد فأسقط قثم. انظر : ذخائر العقبى (ص ١٧١ ـ ١٧٢). وأما عماته وهن بنات عبد المطلب فهن : عاتكة ، وأم حكيم ، وهي البيضاء ، وهي توام عبد الله ، وصفية ، وهي أم الزبير ، وبرة وأميمة ، وفي رواية أخرى : ست نسوة وهن : أميمة ، وأم حكيم ، وبرة ، وعاتكة ، وصفية ، وأروى ، انظر الأمالي الاثنينية (خ).

(٤) أظنه لما زال ملك الحبشة ، وفد على سيف بن ذي يزن ، بدليل قول الحارث : أو أن يقال صبا يعرس الحميري.

١٧٧

فهو أول من حرم الخمر في الجاهلية على نفسه (١).

قال له الملك : فالحارث.

فقال : هو رجل أملك بنفسه.

فدعاه الملك فأجابه ؛ وكانت له وفرة حسنة ، فرأته امرأة الملك فعلقت به ، وراسلته فأجابها يقول :

لا تطمعي فيما لدي فإنني

كرم منادمتي عفيف مئزري

أسعى لأدرك مجد قوم سادة

عمروا قطين البيت عند المشعر

فاقني حياءك واعلمي أني امرؤ

آبى بنفسي أن يغير معشري

أو أن أزنّ بجارتي أو كنتي

أو أن يقال صبا بعرس الحميري

قال : ثم إن الملك زود عبد المطلب كعكا وجراب وسمة ، فلما ورد منزله خضبته ابنته أميمة (٢) ، فلما نظر إلى سواده أعجب به فهو حيث يقول :

فلو دام لي هذا الخضاب حمدته

وكان بديلا من شباب قد انصرم

تمليت منه والحياة لذيذة

ولا بد من موت أمامة أو هرم

__________________

(١) يعتبر عبد المطلب ـ شيبة الحمد ـ مفزع قريش في النوائب وملجأهم في الأمور ، عاش (١٤٠ سنة) وكان أول من حرم على نفسه الخمر في الجاهلية ، وكان مجاب الدعوة ، ويؤثر عنه جاء بأكثرها القرآن الكريم وجاءت السنة بها منها : الوفاء ، وتحريم الخمر ، والزنا وأن لا يطوف بالبيت عريان ، كما كان يأمر أولاده بترك الظلم والبغي ، ويحثهم على مكارم الأخلاق ، وينهاهم عن دنيئات الأمور ، وكان يقول : لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم منه ، وتصيبه عقوبة إلى أن هلك رجل ظلوم من أهل الشام لم تصبه عقوبة ، فقيل له في ذلك ففكر وقال : (والله إن وراء هذه الدار دار يجزى فيها المحسن بإحسانه ويعاقب المسيء بإساءته) ، ورفض في آخر عمره عبادة الأصنام ووحد الله سبحانه ، كذا في كلام سبط ابن الجوزي ، السيرة الحلبية (١ / ٤).

(٢) أميمة : وردت في الأصل أمامة وهو تصحيف ، وهي أميمة بنت عبد المطلب ، والدة عبد الله ، وأم المؤمنين زينب وعبيد الله ، أسلمت وهاجرت ، انظر : سير أعلام النبلاء (٢ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤) ، ابن سعد (٨ / ٤٥ ـ ٤٦) ، المعارف (١١٨ ، ١١٩ ، ١٢٨ ، ١٣٦ ، ٢٣١) ، الإصابة (١٢ / ١٣٨).

١٧٨

[(٢) الحمزة بن عبد المطلب]

وأما حمزة بن عبد المطلب فهو أسد الله وأسد رسول الله الذي أيد (١) الله به الإسلام ، وقتل يوم أحد ، قتله وحشي بن حرب بن وحشي ، وكان مملوكا حبشيا لجبير بن مطعم (٢) ، فوعدته ومنته هند بنت عتبة (٣) امرأة أبي سفيان (٤) على قتله ، وكان حمزة أخا رسول الله من الرضاع.

[٥٦] [أخبرنا علي بن يزيد بن مخلد ، قال : حدثنا أبو زرعة الرازي ، قال : حدثنا ابن بكير ، قال : حدثنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليه‌السلام] (٥) قال : قلت : يا رسول الله ما لي أراك تتوق (٦) إلى نساء قريش وتدعنا؟

قال : «أعندك شيء»؟

قلت : نعم ، ابنة حمزة.

قال : «هي ابنة أخي من الرضاعة».

[٥٧] وأخبرنا أحمد بن سعيد الثقفي بإسناده عن بعض المشايخ (٧) أنه سمع رجلا من

__________________

(١) نهاية الصفحة [٦٤ ـ أ].

(٢) هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، شيخ قريش في زمانه ، أبو محمد ، ويقال : أبو عدي القرشي النوفلي ، ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من الطلقاء الذين حسن إسلامهم ، توفي سنة (٥٩ ه‍) ، وقيل : (٥٨ ه‍) ، انظر : سير أعلام النبلاء (٣ / ٩٥ ـ ٩٩).

(٣) هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، أم معاوية بن أبي سفيان ، كانت فصيحة تقول الشعر وأكثر ما عرف عنها من شعر قالته في قتلى غزوة بدر ، كانت ممن أهدر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دماءهم يوم الفتح ، وأمر بقتلهم ولو وجدوا تحت أستار الكعبة ، فجاءته مع بعض النسوة في الأبطح فأعلنت إسلامها ، انظر : الأعلام (٨ / ٩٨) ، طبقات ابن سعد (٨ / ١٧٠) ، خزانة البغدادي (١ / ٥٥٦) ، الروض الأنف (٢ / ٢٧٧) ، نهاية الأرب للنويري (١٧ / ١٠٠ ، ٣٠٧ ، ٣١٠) ، أسد الغابة (٥ / ٥٦٢) ، الإصابة (٤ / ت / ١١٠٣) ، الاستيعاب (٤ / ت ٣٥٤٨).

(٤) هو : صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، رأس قريش وقائدهم يوم أحد ويوم الخندق ، من المؤلفة قلوبهم يوم حنين ، له هنات وهنات ، أسلم يوم الفتح شبه مكره خائف ، كان له منزلة كبيرة أيام عثمان بن عفان ، أعطاه الرسول من الغنائم مائة من الإبل وأربعين أوقية من الدراهم يتألفه بذلك ، ففرع بعد ذلك عن عبادة «هبل» توفي بالمدينة سنة (٣١ ه‍) ، وقيل (٣٢ ه‍) ، وقيل : (٣ أو ٣٤) ، انظر : سير أعلام النبلاء (٢ / ١٠٥ ـ ١٠٧).

(٥) في أصولي كالتالي ، في (ب) : (أخبرنا الرواة) وبقية النسخ : أخبرنا علي بن يزيد بن مخلد بإسناده عن علي عليه‌السلام.

(٦) الخبر أخرجه : الحلبي في السيرة الحلبية (١ / ٨٧) ، وقال : ومما يدل أيضا على أن عمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمزة أخوه من الرضاعة ما جاء به علي رضي الله عنه قال : قلت ... إلخ ما هنا.

(٧) في (ب) بإسناده الرواة ولم يرد السند.

١٧٩

الأنصار قال : جاء جدي بأبي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله هذا ولدي فسمه قال : «سمه بأحب الأسماء إليّ حمزة» (١).

[٥٨] أخبرنا (٢) أحمد بن خالد الفارسي بإسناده عن عبد الرحمن بن عائش «عن» (٣) عمه عن رسول الله قال : «خير إخوتي علي ، وخير أعمامي حمزة» (٤).

[٥٩] أخبرنا محمد بن أبي عمار بإسناده عن صالح بن حيان عن بريدة بن بريدة عن أبيه (٥) في قوله تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) [الفجر : ٢٧ ، ٢٨].

قال : هو حمزة بن عبد المطلب عليه‌السلام (٦).

[٦٠] وحدثنا (٧) إبراهيم بإسناده عن أبي قتيبة عن شعبة قال : سمعت السدي [يقول] كانوا يقولون جميعا (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ) ، قال هو حمزة بن عبد المطلب (كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) [القصص : ٦١] قال :

«أبو جهل بن هشام» (٨).

__________________

(١) الحديث أخرجه المتقي الهندي في منتخبه (٦ / ٥٣٣) ، وقال : أخرجه الخطيب عن عمرو بن دينار عن رجل من الأنصار عن أبيه قال : ولد لي غلام فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت : ما أسميه؟ قال : «سمه بأحب الناس إلى حمزة».

(٢) السند هو : أخبرنا أحمد بن خالد الفارسي ، قال : حدثنا محمد بن أيوب ، قال : حدثنا الهيثم بن اليمان ، قال : حدثنا عمرو بن ثابت ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن عائش عن عمه.

(٣) ساقط في (ب ، د).

(٤) الحديث أخرجه الطبري في ذخائر العقبى عن عبد الرحمن بن عائش (ص ١٧٦) ، كما أخرجه الديلمي في الفردوس ، والهندي في منتخبه عن عائشة ، انظر منتخب كنز العمال (٤ / ٦٤٠) ، والحافظ الكوفي في المناقب (١ / ٣٤٠) ، وينظر الأحاديث (٢٥١ ، ٢٢٦) ، كما روى الحديث من غير غموض في الألفاظ الحافظ ابن عساكر تحت رقم (١٧٢) من ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام من تاريخ دمشق (١ / ١٣٨) ط (٢).

(٥) ورد في الأصل هكذا : عن صالح بن حبان عن أبي يزيد وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه ؛ إذ أن صالح بن حبان يروي عن أبي وائل وابن بريدة ـ عبد الله ـ وعبد الله هذا يروي عن أبيه بريدة بن الخطيب.

(٦) الخبر أخرجه الطبري في ذخائر العقبى (ص ١٧٧) عن بريدة ، وفي شواهد التنزيل نزلت في الإمام علي عليه‌السلام شواهد التنزيل (٢ / ٣٣٠) حديث (١٠٨٩).

(٧) ورد قبل لفظ : أخبرنا لفظ : قال. وهو من كلام النساخ ، والمقصود به أي : قال : أبو العباس.

(٨) ساقط في (ب) ، وقال الطبري في تفسير الآية : «واختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية ، فقال بعضهم : في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي أبي جهل بن هشام» ثم قال : حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا النعمان الحكم بن عبد الله العجلي ، قال : حدثنا شعبة عن أبان بن تغلب عن مجاهد (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً ...) الآية. قال : نزلت في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي أبي جهل بن هشام ، وقال آخرون : نزلت في حمزة وعلي رضي الله عنهما وأبي جهل لعنه الله ، ونقل ذلك عن شعبة عن مجاهد ، انظر : تفسير الطبري (المجلد (١٠ / ٩٢) الأحاديث (٢٧٥٤٥ ـ ٢٧٥٤٨) ، تفسير الخازن (٣ / ٣٦٨ ـ ٣٦٩) ، تفسير ابن كثير (٣ / ٦٥٤ ـ ٦٥٧) ، شواهد التنزيل للحسكاني (١ / ٤٣٦ ـ ٤٣٧) ، سمط النجوم ترجمة أمير المؤمنين (٢ / ٤٧٣) قال فيه : قال مجاهد : نزلت في علي وحمزة ، وأبي جهل ، أسباب النزول (٢٥٥) ، الرياض النضرة (٢ / ٢٠٧) ، فضائل الخمسة (١ / ٢٨٥) ، ينابيع المودة (١ / ٩٤) ، الطبري في ذخائره (١٧٧).

١٨٠