المصابيح

الإمام أبو العباس الحسني

المصابيح

المؤلف:

الإمام أبو العباس الحسني


المحقق: عبدالله بن عبدالله بن أحمد الحوثي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٢

[سادسا : قصة معجزة الشجرة]

(١) وأتاه الملأ من قريش : أبو جهل بن هشام ، وهشام بن المغيرة ، وأبو سفيان بن حرب ، وسهيل بن عمرو ، وشيبة ، وعتبة ، وصناديد قريش فقالوا : يا محمد ، قد ادعيت أمرا عظيما لم يدعه آباؤك ، ونحن نسألك أن تدعو لنا هذه الشجرة حتى تنقلع بعروقها وتقف أمامك.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن ربي على كل شيء قدير ، وإني أريكم ما تطلبون وإني أعلم أنكم لا تجيبوني ، وإن منكم من يذبح على القليب (٢) ، ومن يحزب الأحزاب ، ولكن ربي بي رحيم».

ثم قال للشجرة : «انقلعي بعروقك بإذن الله». فانقلعت وجاءت ولها دويّ شديد حتى وقعت بين يدي رسول الله فقالوا استكبارا وعتوا : ساحر كذاب ، هل صدقك إلّا مثل هذا ، يعنوني ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حسبي به وليا وصاحبا ووزيرا ، قد أنبأتكم أنكم لا (٣) تؤمنون ، والذي نفس محمد بيده لقد علمتم أني لست بساحر (٤).

فكان أشدهم عليه أبو جهل بن هشام ، وهشام بن المغيرة ، وابن حرب ، ولم يكن أشد عليه من هاتين القبيلتين : بني مخزوم وبني أمية (٥) ، فلعنهم رسول الله فنزل بهم الذبح ، فذبح من ذبح وبقي من بقي ملعونا.

__________________

(١) انظر : مناقب الكوفي (١ / ٥٣) وما بعدها ، شفاء القاضي عياض (١ / ٢٩٨ ـ ٣٠٣) ، الخصائص الكبرى للسيوطي (١ / ١٢١) ، دلائل النبوة للبيهقي (٢ / ٣١٦) وما بعدها.

(٢) ماء بنجد فوق الخربة في ديار بني أسد لبطن منهم ، يقال لهم : بنو نصر بن معين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة. انظر : معجم البلدان (٤ / ٣٩٤).

(٣) نهاية الصفحة [٤٠ ـ أ].

(٤) في (ب) : علمتم أني لست بساحر ولا كذاب.

(٥) هم بنو أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ، قال : الجوهري في الصحاح (٢ / ٤٤٢) : أمية قبيلة من قريش ، وهما أميتان : الأكبر والأصغر ابنا عبد شمس بن عبد مناف ، وذكر الأصفهاني في الأغاني (١١ / ٢٩٣) ، فقال : أما أمية الأصغر فإنهم بالحجاز وهم بنو الحارث بن أمية ، منهم علي بن عبد الله بن الحارث ... ، وإنما أدخلهم الناس في العبلات نسبة إلى أمهم عبلة بنت عبيد من تميم. ولما صار الأمر لبني أمية الأكبر وسادوا وعظم شأنهم في الجاهلية والإسلام وكثر أشرافهم فجعل سائر بني عبد شمس من لا يعلم قبيلة واحدة فسموهم أمية الصغرى ، كان أمية رأس هذا الشعب سيدا من سادات قريش في الجاهلية ، إلّا أنه لم يكن في نفس المستوى الذي كان عليه عمه هاشم ، وكانا يتنافسان رئاسة قريش. انظر : معجم قبائل العرب (١ / ٤٢ ـ ٤٥) ، الصحاح للجوهري (٢ / ٤٤٢) ، صبح الأعشى (١ / ٣٥٧) ، معجم البلدان لياقوت (١ / ٥٣٨) ، الأغاني طبعة الساسي (٤ / ٩٢ ، ٩٤). طبعة دار الكتب المصرية (١ / ٢١ ، ٢٨ ، ٣٠) ، (٧ / ٥٩ ، ٧٠) ، (٩ / ٦٤ ، ١٧٥ ، ٢٥٥) ، (١٠ / ١٢٤ ، ٢٤٥) ، (١١ / ٢٩٣ ، ٢٩٥) ، (٣٥٥) ، نسب عدنان وقحطان للمبرد (٢) ، وصفحات متفرقة من الإمام علي (المجموعة الكاملة) لعبد الفتاح عبد المقصود ، الجزء الأول.

١٤١

[سابعا : إظهار دعوته وما رافقها من معجزات] (١)

ونزل على رسول الله : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [الحجر : ٩٤] (٢) ، ثم نزل : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء : ٢١٤].

__________________

(١) أمر الله عزوجل نبيه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينذر عشيرته الأقربين ، أي الأدنين إليه ، وأنه لا يخلص أحدا منهم إلّا إيمانه بالله عزوجل ، وقد تعددت الروايات فيما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول الآية : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ، ومن ذلك ما روي عن البراء قال : لما نزلت : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني عبد المطلب ، وهم يومئذ أربعون رجلا ، الرجل منهم يأكل المسنة ويشرب العس ، فأمر عليا برجل شاة فأدمها ، ثم قال : «ادنوا بسم الله» فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا ، ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ، ثم قال لهم : اشربوا بسم الله فشرب القوم حتى رووا ، فبدرهم أبو لهب فقال : «هذا ما أسحركم به الرجل!!! فسكت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ ، فلم يتكلم ، ثم دعاهم من الغد مثل ذلك من الطعام والشراب ، ثم أنذرهم رسول الله فقال : يا بني عبد المطلب إني أنا النذير إليكم من الله عزوجل والبشير لما يجيء به أحدكم ، جئتكم بالدنيا والآخرة فأسلموا وأطيعوني تهتدوا ، ومن يؤاخيني منكم ويوازرني؟ ويكون وليي ووصي بعدي وخليفتي في أهلي ويقضي ديني؟ فسكت القوم ، وأعاد ذلك ثلاثا كل ذلك يسكت القوم ويقول علي : أنا ، فقال : أنت ، فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب : أطلع ابنك فقد أمّرك عليك» ، وقد أخرج الطبري في تفسيره (٩ / ٤٨٠ ـ ٤٨٥) ، أحاديث عدة حول الموضوع وعن عدة ، وذلك من الرواية (٢٦٧٨٦) وحتى (٢٦٨١٢) ، كما أخرج الخازن في تفسيره (٣ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣) رواية في ذلك عن علي عليه‌السلام ، كما أورد ابن كثير في تفسيره (٣ / ٥٧٨ ـ ٥٨٢) عدة روايات حول ذلك ، وأخرج الحسكاني في شواهد التنزيل شيئا من ذلك (١ / ٣٧١ ـ ٣٧٣) ، (٤٢٠ ـ ٤٢٤) ، كما أخرج الطبري في سيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تاريخه (٢ / ٣١٩) (ط الحديث مصر) ، رواية في ذلك ، وكذا صاحب كنز العمال الحديث (٢٨٦) ، من باب الفضائل (١٥ / ١٠٠) (ط) (٢) ، وكذا ابن عساكر في تاريخه في ترجمة أمير المؤمنين حديث (١٣٢) وتواليه بطرق سبعة ، وكذا رواه الطوسي في تفسيره مجمع البيان (٧ / ٢٠٦) ، وأورد الثعالبي في تفسيره شيئا كثيرا من ذلك ، والنسائي في الحديث (٦٣) في كتاب الخصائص (ص ٨٦) ، وكذا ابن مردويه وأبو حاتم وأبو نعيم والبيهقي في السنن الكبرى ، ودلائل النبوة بصورة مفصلة ، كما أورد النسائي في تفسيره (٢ / ١٣٧ ـ ١٤٠) أربع روايات حول ما صنع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول الآية السابقة ، والنسائي أيضا في سننه كتاب الوصايا (٩٨٢ ، ٣٦٤٤ ، ٣٦٤٥) ، (٩٧٩٢٩٨٠) (٣٦٤٨) ، تحفة الأشراف (١٧٢٣٠) (١٤٦٢٣ ، ٣٦٥٢ ، ٥٤٧٦ ، ١١٠٦٦ ، ٩٤٩٧) ، الترمذي في جامعه (٣١٨٤) ، ٣١٨٥) ، وصحيح مسلم (٢٠٧ / ٣٥٣ ، ٣٥٤) ، (٢٠٤ / ٣٤٨ ـ ٣٤٩) (٣٥٠ / ٢٠٥) ، وأحمد في مسنده (٦ / ١٨٧) ، السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٩٥) ، النسائي في سننه الصغرى (٣٦٤٥) ، صحيح البخاري (كتاب المناقب (٣٥٢٦) ، ومجمع البيان (٥ / ١٨٧ ـ ١٨٩) ، الخصائص الكبرى للسيوطي (١ / ١٢٣ ـ ١٢٤) ، والبداية والنهاية (٣ / ٣٨) وما بعدها ، دلائل النبوة للبيهقي (٢ / ٣١٦) وما بعدها ، وسيرة ابن إسحاق (١٢٦) وما بعدها ، منتخب كنز العمال (٤ / ٦٥٤) وما بعدها ومصادر أخرى عديدة.

(٢) معنى فاصدع : أي أظهر وأعلن وصرّح بما أمرت به غير خائف ، وهذا عن ابن عباس وابن جريج ، ومجاهد ، وابن زيد ، وقيل : معناه : فافرق بين الحق والباطل بما أمرت به ، وهذا عن الجبائي والأخفش ، انظر تفسير الخازن (٣ / ٦٣ ـ ٦٥) ، تفسير الطبرسي (٤ / ٤٥ ـ ٤٧) ، الخصائص للسيوطي (١ / ١٢٣) ، دلائل النبوة للبيهقي (٢ / ٣١٦) ، تفسير الطبري (٧ / ٥٤٧ ـ ٥٥٠) ، قال ابن عباس : قوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) هو من المنسوخ ، وقد نسخ بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ، وعن الضحاك في قوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) و (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) [الجاثية : ١٤] ، وهذا النحو كله في القرآن أمر الله تعالى ذكره نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكون ذلك منه ، ثم أمره بالقتال فنسخ ذلك كله فقال : (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ) [النساء : ٨٩ ، ٩١] ... الآية. تفسير الطبري (٧ / ٥٥٠).

١٤٢

فقال (١) : «يا علي انطلق إلى بني عبد المطلب ، وعبد شمس ، وتميم ، ومخزوم ، وعدي ، وكعب ، ولؤي ، فاجمعهم إلى نبي الرحمة ، فإني أريد أن أكلمهم وأبلغهم رسالة ربي ، وأقيم فيهم وزيري وناصري لا يتقدمه ولا يتأخر عنه إلّا ظالم».

وأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذبح شاة ، فانطلقت وجمعتهم إليه ، وهم ستون رجلا يزيدون أو ينقصون رجلا ، فطعموا وشبعوا بإذن الله وفضل من الطعام أكثره ، ثم قال : «يا أيها الملأ من قريش أتيتكم بعز الأبد وملك الدنيا والآخرة ، فأيكم يوازرني ويبايعني على أمري؟» (٢) فلم يجيبوه ، فقلت وأنا أحدث القوم سنا : أنا يا رسول الله.

قال : «اللهم اشهد أني وازرته وخاللته ، فهو وزيري وخليلى وأميني ووصيي والقائم بعدي» ، فقاموا يقولون لأبي طالب : قد ولى عليك ابنك واتخذه خليلا دونك ، وأقبل أبو جهل فقال : أتزعم أنك نبي وأن ربك يخبرك بما نفعله ، فهل تخبرني بشيء فعلته لم يطلع عليه بشر؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أخبرك (٣) بما فعلت ولم يكن معك أحد؟ الذهب الذي دفنته في بيتك في موضع كذا ، ونكاحك سودة».

قال : ما دفنت ذهبا ولا نكحت سودة.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فأدعو «الله» (٤) أن يذهب بمالك الذي دفنت». فضاق بأبي جهل ، وقال : «قد» (٥) علمنا أن معك من الجن من يخبرك ، أما أنا فلا أقر أبدا أنك نبي.

قال : والله لأقتلنك ، ولأقتلن عتبة والوليد ، ولأقتلن أشرافكم ، ولأوطئن بلادكم الخيل ، ولآخذن مكة عنوة.

__________________

(١) في (ب) : فقال لي.

(٢) في (أ، ج) : يوازرني ويتابعني.

(٣) نهاية الصفحة [٤١ ـ أ].

(٤) ساقط في (أ، د).

(٥) ساقط في (أ، ج ، د).

١٤٣

[ثامنا : إخباره (ص) بسبعة رهط يأتون من وراء جبل حراء]

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا عنده يوما : «يا معشر قريش ، يأتيكم غدا تسعة رهط من وراء هذا الجبل ـ يعني حراء ـ فيسلم سبعة ويرجع اثنان كافران ، يأكل أحدهما السبع والآخر يعضه بعيره فيورثه حمرة آكلة ثم موتا» (١) ، فأخذت قريش تهزا ، فلما أصبحوا أقبل النفر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأسلم سبعة ونزل بالكافرين ما قال ؛ فصعدت الجبل وناديت : أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله فأرادوا قتلي فأيدني الله بملك كريم دفعهم عني (٢).

[تاسعا : إخباره (ص) بصفات أنصار أمير المؤمنين]

ثم إن خليلي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي : «ستقاتل قريشا إنها لا تحبك أبدا ، وإن لك أنصارا نجباء خيرة ، ذبل الشفاه ، صفر الوجوه ، خمص البطون ، لا تأخذهم في الله لومة لائم ، رعاة الليل متمسكون بحبل الله ، لا يستكبرون ، ولا يضلون».

[عاشرا : قصة ذئب أبي الأشعث]

ثم الذئب الذي كلّم أبا الأشعث فردّه من غنمه (٣) مرة بعد مرة ، فلما كانت الرابعة قال : ما رأيت ذئبا أصفق منه.

قال الذئب : أنت أصفق مني تتولى عن (٤) رسول رب العالمين.

قال الراعي : ويلك ما تقول؟

__________________

(١) في (د) : فيورثه حمرة ثم أكلة ثم موتا.

(٢) انظر : ينابيع المودة (١ / ١٠٤ ـ ١٠٥) ، سنن النسائي رقم (٣٦٤٨) ، (٣١٨٤) ، أحمد في مسنده (٦ / ١٨٧) ، والطبري في تفسيره (١٩ / ٧٢) الدرر المنثور للسيوطي (٥ / ٩٥) ، شواهد التنزيل للحسكاني (١ / ٤٣٠ ـ ٤٢٤) ، الخصائص الكبرى للسيوطي (١ / ١٢٣ ـ ١٢٤) ، تفسير الطبري (٩ / ٤٨٠ ـ ٤٨٥) ، وتفسير الرازي ، تفسير الشوكاني في تفسير الآية (٢١٤) من الشعراء ، شفاء القاضي عياض ، وفي صحيح مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : نزلت واندر عشيرتك الأقربين ورهطك المخلصين ، وينظر : منتخب كنز العمال (٤ / ٦٥٤) وما بعدها.

(٣) في (ب) : طرده من غنمه.

(٤) نهاية الصفحة [٤٢ ـ أ].

١٤٤

قال الذئب : الويل لمن يصلى جهنم غدا ولا يدخل في دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال الراعي : حسبي ، من يحفظ غنمي لأنطلق وأومن به؟

فقال الذئب : أنا أحفظ عليك غنمك (١). فجاء الراعي يعدو ، وقال : السلام عليك يا رسول الله ، وأخبر بكلام الذئب فأخذ أبو الأشعث سخلة وذبحها للذئب ، وقال : أعتقتني من النار.

[أحد عشر : نطق الحجر والشجر بالشهادة]

وأتى رجل يستجيب رسول الله (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان عاقلا لبيبا ، فقال : يا محمد إلى ما تدعو؟

قال : «إلى شهادة أن لا إله الا الله وحده لا شريك له».

قال : وأين الله يا محمد؟

قال : «هو بكل مكان موجود ، وليس في شيء منها بمحدود».

قال : فكيف هو؟

قال : «هو خلق الكيف والأين فلا يقال كيف ولا أين».

فقال : كيف لي أن أعلم أنه أرسلك؟

فلم يبق بحضرتنا يومئذ حجر ولا مدر ولا شجر إلّا قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأن محمدا رسول الله.

فأسلم الرجل ، وقال رسول الله : «قد سميتك عبد الله».

[نبع الماء من بين يديه (ص) ومنقبة لعلي (ع)]

وخلفني صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تبوك فتكلم ناس بما في صدورهم ، وقالوا : خلفه إذ أبغضه.

__________________

(١) في (ب ، ج ، د) : أنا أحفظها عليك.

(٢) في (، أ، ب ، د) : وأتى رجل يستجيب رسول الله.

١٤٥

فلحقت برسول الله وأخبرته ، فقال لي في ملأ منهم : «يا علي إن الله أمرني أن أؤاخيك وأن أقربك ولا أجفوك ، وأدنيك ولا أقصيك ، أنت أخي في الدنيا والآخرة ، وأمرني ربي أن أقيمك وليا من بعدي ، وسألته أن يشركك في الشفاعة (١) معي» ، ثم سار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمن معه (٢) فشكوا العطش ، فقال : اطلبوا الماء ، فلم يصيبوا شيئا حتى خافوا على أنفسهم ، وقالوا : يا رسول الله ادع لنا ربك. فنزل جبريل عليه‌السلام فقال : «يا محمد ابحث بيدك الصعيد ، وضع قدميك وإصبعيك المسبحتين وسمّ».

ففعل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانبجس (٣) من بين أصابعه الماء فشربوا ورووا وسقوا دوابهم وحملوا منه (٤) ، فأعطي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أعطي (٥) موسى بن عمران ، فازداد المؤمنون إيمانا. وموضع الماء اليوم معروف وقد اغتسلت منه (٦).

[أول من أسلم من الرجال والنساء]

[٣١] «أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم بإسناده عن ابن سيرين قال» (٧) : أول من أسلم من النساء خديجة (٨).

__________________

(١) في (ب) : وسألته أن أشركك في الشفاعة.

(٢) نهاية الصفحة [٤٣ ـ أ].

(٣) أي : انفجر ، وانبجس الماء : انفجر.

(٤) حديث نبع الماء من بين أصابعه الشريفة ، وكذا تكثيره ببركته ، ولمرات عدة أخرجه البخاري في صحيحه والبيهقي في سننه ومسلم في صحيحه والحارث بن أبي أسامة في مسنده ، وأبو نعيم في الدلائل ، وابن أبي شيبة وابن سعد والبزار والطبراني ، والدارمي في سننه ، وابن عدي وأبو يعلى واليعقوبي البارودي وابن السكن وغيرهم. انظر : الخصائص الكبرى للسيوطي (٢ / ٤٠ ـ ٤٥) ، أمالي أبي طالب ص (٣٧).

(٥) في (ب) : فأعطي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوق ما أعطي.

(٦) في (ب) : وقد اغتسلت منه يومئذ.

(٧) ساقط في (ب) ، والسند لعله : أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال : حدثنا يزيد بن سنان البصري قال : حدثنا معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن ابن سيرين.

(٨) في (ب ، ج) : خديجة بنت خويلد ، وقد أجمعت المصادر المتوفرة أن أول من أسلم هو الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو في عشر سنين. انظر : السيرة الحلبية (١ / ٣ / ١١٨ ـ ١١٩) ، وكذا خديجة كانت أول من آمن بالله ورسوله. انظر : السيرة الحلبية (١ / ٢٦٧ ـ ٢٨٣) ، سيرة ابن هشام (١ / ٢٥٧ ـ ٢٥٩) ، سير أعلام النبلاء (٢ / ١٠٩ ـ ١١٧) ، دلائل النبوة للبيهقي (٢ / ١٦٠) وما بعدها ، سيرة ابن إسحاق (١ / ٣ / ١١٨ ـ ١١٩) ، شرح النهج للمعتزلي (١ / ٨١٩ ـ ٨٢٥) ، وقد أورد أدلة تفصيلية حول أنه عليه‌السلام أول من أسلم.

١٤٦

«وعن» (١) زيد بن أرقم قال : علي عليه‌السلام أول من أسلم (٢).

[٣٢] أخبرنا ابن أبي حاتم [قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن الأشعث] (٣) عن إسماعيل بن أبان عن أبيه عن جده قال : كنت امرأ تاجرا فو الله إنني «لعند» العباس بن عبد المطلب إذ خرج رجل من خباء قريب «منه» (٤) ، فنظر إلى الشمس فلما رآها مالت قام يصلي ، ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء فقامت خلفه تصلي ، ثم خرج غلام حين راهق الحلم من ذلك الخباء فقام معه يصلي ، وفي حديث : عن يمينه ، فقلت للعباس : من هذا؟

فقال : هذا محمد بن عبد الله ، ابن أخي.

قلت : ومن هذه المرأة (٥)؟

قال (٦) : هذه امرأته خديجة بنت خويلد.

فقلت : من هذا الفتى؟

قال : هذا علي بن أبي طالب ، ابن عمه.

قلت : ما هذا الذي يصنع؟

قال : يصلي وهو يزعم أنه نبي ، وأنه تفتح له كنوز كسرى (٧) وقيصر ، ولم يتبعه على أمره

__________________

(١) في (أ، د) : وأخبرنا ابن أبي حاتم بإسناده عن زيد بن أرقم.

(٢) للحديث مصادر وأسانيد كثيرة ، وقد رواه النسائي في أول فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام من كتاب فضائل الصحابة ص (٧٣) ، ورواه أيضا النسائي تحت الرقم (٣٤) من كتاب خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام ص (٣٤) ، والترمذي في سننه (٥ / ٦٤٢ ح ٣٧٣٥) ، وابن عساكر في ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق (١ / ٧٦ ـ ٧٧) (ط / ٢) ، والكوفي في المناقب (١ / ٢٨٢ رقم ١٩٧) وما بعده. انظر : السنن الكبرى للبيهقي (٦ / ٢٠٦ ، ٢٠٧) ، كتاب اللقطة ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي (١ / ٨١٩ ـ ٨٢٥) ، المناقب للكوفي (١ / ٢٨٢ ـ ٢٩٩).

(٣) ورد في الأصل : بإسناده ، وقد أثبتنا السند للإفادة والتوثيق ، والسند وخبره ذكرهما صاحب الأمالي ص (٦٥).

(٤) ساقط في (أ).

(٥) في (ج) : هذه الامرأة.

(٦) في (ب) : فقال.

(٧) نهاية الصفحة [١٤ ـ أ].

١٤٧

إلّا امرأته وابن عمه (١).

[٣٣] «أخبرنا عبد الملك بن محمد بإسناده» (٢) عن ابن عباس قال لعلي عليه‌السلام : أربع خصال ليس لأحد من العرب غيره : أول عربي وعجمي صلى مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف ، وهو الذي صبر معه يوم المهراس (٣) حين انهزم الناس كلهم غيره ، وهو الذي غسله وأدخله قبره (٤).

[٣٤] أخبرنا أبو نعيم بإسناده ، عن أبي يحيى عن علي عليه‌السلام قال : صليت مع رسول الله سبع سنين ما يصلي معه أحد غيري وغير خديجة (٥).

[٣٥] أخبرنا أبو نعيم بإسناده عن عباد بن عبد الله قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر ، ولقد صليت قبل الناس بسبع سنين (٦).

__________________

(١) أخرجه محمد بن سليمان الكوفي في المناقب (١ / ٢٦١) ، وابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤ / ١٧ ـ ١٨) ، والمتقي الهندي في منتخبه (٤ / ٦٥٢) ، والبخاري في التاريخ الكبير وابن كثير في البداية والنهاية (٣ / ٢٥) ، والحاكم في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، كما أخرجه الطبري في تأريخه ، وابن عبد البر في الاستيعاب ، والهيثمي في مجمع الزوائد (٩ / ١٠٣) ، وقال : رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والطبراني بأسانيد ورجاله ثقات ، كما أخرجه البيهقي في الدلائل (٢ / ١٦٢ ـ ١٦٣) ، في ترجمة أمير المؤمنين ، والطبراني في ذخائر العقبى (٥٨ ، ٥٩) ، ينابيع المودة للقندوزي (١ / ٦٠).

(٢) في (ج) : قال أبو العباس بإسناد الرواة.

(٣) هو يوم أحد.

(٤) أخرجه الطبري في (ذخائر العقبى) ص (٨٦) وقال : أخرجه أبو عمر ، وينظر : منتخب كنز العمال (٤ / ٦٦٦) وما بعدها.

(٥) أخرجه محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري في كتابه ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى ص (٦٠) ، والحافظ محمد بن سليمان الكوفي القاضي في كتابه المناقب بطرق عدة ، انظر (١ / ٢٥٦ ـ ٢٩٩) ، الأحاديث (١٦٩ ـ ٢٢٣) ، والحاكم في المستدرك (٣ / ١١٢ ط (١) ، والسيوطي في أول مناقب علي عليه‌السلام من كتاب اللآلي المصنوعة (١ / ١١٦ ط (١) ، والحافظ ابن عساكر من ثمان طرق تحت الرقم (٧٩ ـ ٨٨) من ترجمة أمير المؤمنين من تأريخ دمشق (١ / ٥٢ ـ ٦٦ ط (٢) ، والعلامة الأميني في كتابه الغدير (٣ / ٢٤١) ط (٢) وما بعدها.

(٦) أخرجه الكوفي في المناقب : قال : حدثنا محمد بن منصور ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، عن عبد الله بن نمير الهمداني ، عن العلاء بن صالح ، عن المنهال بن عمرو ، عن عباد بن عبد الله الأسدي قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : وساق الخبر (١ / ٢٧٥) ، وصاحب طبقات الزيدية (١ / خ) ، وابن جرير الطبري في تاريخه (٢ / ٥٦) ، وابن ماجة (١ / ٤٤ ح ١٢) وذكره المحب الطبري في الرياض النظرة (٢ / ١٥٥ ، ١٥٨) ، سنن النسائي (٥ / ١٠٦ ح ٨٣٩٥) ، تاريخ دمشق (١ / ٦١) ، فرائد السمطين (١ / ٢٤٨) ، والحاكم في المستدرك (٣ / ١٢١ ح ٤٥٨٤).

١٤٨

[٣٦] أخبرنا محمد بن بلال ، قال : حدثنا محمد بن عبد العزيز [بن الوليد ، قال : حدثنا أحمد بن الفضل ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي رافع ، عن سعيد بن عبد الرحمن] (١) عن أبي أيوب «الأنصاري» (٢) قال : قال رسول الله : «صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنه لم يصل أحد غيري وغيره» (٣).

[نسبه وتاريخ مولده (ص)] (٤)

والروايات في نسبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عدنان متفقة ، وما بعد ذلك فهو مختلف فيه (٥).

[٣٧] أخبرنا أحمد بن محمد بن بهرام بإسناده عن مجاهد قال : سئل ابن عباس عن نسب رسول الله فقال : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (٦) بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن تيمن بن يشجب بن «سحلم» (٧) بن صيانوخ بن الهميسع بن نبت بن قيذر بن إسماعيل بن إبراهيم بن آزر بن ناحور بن أرغوا بن فالغ ، ويقال : فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن

__________________

(١) ورد في الأصل : بإسناده ، وقد أثبتنا السند للإفادة والتوثيق.

(٢) ساقط في (أ، ب ، ج).

(٣) الحديث أخرجه الكوفي في المناقب عن محمد بن منصور ، عن عباد عن علي بن هاشم ، عن أبيه عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه عن جده ، عن سعد بن عبد الرحمن ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لقد صلت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين ؛ لأنا كنا نصلي ليس معنا أحد يصلي غيرنا» ، المناقب (١ / ٢٨٦) ، وللحديث مصادر وأسانيد عديدة ، انظر الحديث (١١٢ ـ ١١٣) وتعليقاتهما من ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام من تاريخ دمشق (١ / ٨٠) ط (٢) ، والأمالي الاثنينية (خ).

(٤) انظر : السيرة الحلبية (١ / ٣ ـ ٣١) ، سيرة ابن إسحاق (١ / ١ / ١) ، السيرة النبوية لابن هشام (١ / ١ ـ ١٣) ، الكامل لابن الأثير (١ / ٢ ـ ٢١) ، تاريخ الطبري (٢ / ٢ ـ ٣٤) ، البداية والنهاية (٢ / ٢٥٢) وما بعدها ، دلائل النبوة للبيهقي (١ / ١٦٥ ـ ١٨٦).

(٥) انظر : الروض الأنف (١ / ٨) ، تاريخ الطبري (٢ / ٢ ـ ٣٤) ، البداية والنهاية (٢ / ١٩٤) ، دلائل النبوة للبيهقي (١ / ١٦٥ ـ ١٨٦) ، سيرة ابن هشام (١ / ١ ـ ٢) ، سيرة ابن إسحاق (١٠) ، السيرة الحلبية (١ / ٣ ـ ٣١) ، وأيضا البداية والنهاية (٢ / ٢٥٢) وما بعدها.

(٦) نهاية الصفحة [٤٥ ـ أ].

(٧) ساقط في (ج) ، وفي (أ، ب) : سحيم.

١٤٩

متوشلخ (١) ـ بالحاء والخاء ـ ابن أخنوخ ، وهو إدريس النبي صلّى الله عليه ابن مهلائيل بن قينان بن آنوش بن شيث بن آدم عليه‌السلام.

[٣٨] وأخبرنا عبد الرحمن بن محمد الضبيعي بإسناده عن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله يقول : «معد بن عدنان بن «أدد» (٢) بن زند بن ثرى بن أعراق الثرى» (٣) ، ثم يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أهلك عادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا لا يعلمهم إلّا الله».

قالت : فقرأها رسول الله : «لا يعلمهم» (٤).

[٣٩] «وأخبرنا عبد الرحمن بن محمد الضبعي بإسناده عن أم سلمة» (٥) ، فكانت أم سلمة تقول بعد ذلك : زيد هميسع ، وثرى : نبت ، وأعراق الثرى : إسماعيل بن إبراهيم صلّى الله عليهما (٦).

[٤٠] أخبرنا ابن بهرام بإسناده عن ابن عباس أن رسول الله كان إذا انتهى في النسب إلى معد بن عدنان قال : «كذب النسابون ، قال تعالى : (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) [الفرقان : ٣٨]».

وقد روي عن ابن عباس وأنس خلاف الرواية الأولى وكرهت الإكثار.

فأما عبد المطلب فاسمه شيبة ، وهاشم هو عمرو ، وعبد مناف هو المغيرة ، وقصي هو زيد ، والنضر هو قريش (٧) ، وكنانة هو علي ، وبه سمي علي بن أبي طالب عليه‌السلام ومدركة هو عمرو.

__________________

(١) في (ب) ، ابن لمك ويقال : فالج.

(٢) ساقط في (د) ، وقد ورد اسم : زند ، زيد وهو تصحيف ، قال الدارقطني : لا نعرف زندا إلّا في هذا الحديث.

(٣) الحديث ورد في ف (أ) : «معد بن عدنان بن ثرا بن أعراق الثراء».

(٤) لفظ الرواية عند البيهقي : عن موسى بن يعقوب ، عن عمه الحارث بن عبد الله بن زمعة عن أبيه عن أم سلمة ، قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «معد بن عدنان أدد بن زند ابن يرى بن أعراق الثرى» ، قالت : ثم قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى وَثَمُودَ فَما أَبْقى وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) ، دلائل النبوة للبيهقي (١ / ١٧٩) ، تأريخ الطبري (٢ / ٢٨).

(٥) ساقط في (أ، ج ، د).

(٦) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ، وذكره السهيلي في الروض الأنف (١ / ٨) ، والطبري (٢ / ٢٧٢) ، وفي البداية والنهاية (٢ / ١٩٤) ، ولفظه عند البيهقي : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «معد بن عدنان بن أدد ، بن زندا بن يرى بن أعراق» ، فقالت أم سلمة : فمعد : معد وعدنان : عدنان ، وأدد : أدد ، وزند : هميسع ، ويرى : نبت ، وإسماعيل بن إبراهيم : أعراق الثّرى. دلائل النبوة للبيهقي (١ / ١٧٨) ، تاريخ الطبري (٢ / ٢٨).

(٧) نهاية الصفحة [٤٦ ـ أ].

١٥٠

وقيل في قيدر : قيدار وقادور ، ويقال : قيدر نبت طيب الريح ، وآزر هو تارخ وهو المستشار لأنه كان وزيرا لنمرود ، وكان نمرود عم أبيه ؛ لأنه نمرود بن أرغو ، وتارح هو ابن ناخور بن أرغو ، وقيل : إن نمرود ابن عمه ؛ لأنه نمرود بن كنعان بن أرغو.

وفالغ هو الذي قسم الأرض بين الناس ؛ فأما عابر فهو هود النبي عليه‌السلام وقيل : ليس بنبي.

وأرفخشد بالفارسية إيزان ، وسام أبو العرب والأنبياء والملوك وأول من تكلم بعد آدم بالعربية ، ألهم إلهاما ، وهو وصي نوح النبي عليه‌السلام من أولاده الأربعة : سام وحام ويافث ويام الغريق أيام الطوفان.

وأما إدريس صلّى الله عليه فسمي به لأنه أول من درس العلم وخط بالقلم.

وأما أنوش : فقيل ناش ، من المناوشة ؛ وشيث هو هبة الله ، وقيل : شيث وشاث ، وكان وصي آدم وهو نبي مرسل إلى أولاده.

وكان من بعد آدم إلى نوح كلهم مسلم والأنبياء إلى لدن نوح : آدم وشيث وإدريس ونوح ، وأولاد آدم كانوا عشرين ذكرا وعشرين أنثى ، كلهم توأم ذكر مع أنثى ، منهم : قين وقابيل وقيل وقابيل وتوأمته عنق ، وهابيل وتوأمته لبوذا ، وأشوث وشيث وحرون (١) وأياد وفالغ (٢) وأثاثي ونوبة ونيار وشبرمة وحيان وضرابيس وهوز ويجود وسندا وبار ، ومع كل واحد توأمته.

وأولاد إسماعيل : قيدر وأديل ومنشى ومشمع وزهاء وماس وآزر وطيما وقطورا وقيس وقيدمان وثابت ، وأمّا الشرقي (٣) فإنه يقول : نبت وتيمن وطون وغشيل وهدى (٤) ويعيش ومش.

__________________

(١) في (د) : حرورة.

(٢) في (ب ، ج) : بالع.

(٣) هو الوليد بن حصين المعروف بشرقي الملقب بالقطامي بن حبيب بن جمال الكلبي أبو المثنى ، عالم بالأدب والنسب ، من أهل الكوفة ، استقدمه منها أبو جعفر المنصور إلى بغداد ليعلم ولده المهدي الأدب ، وكان صاحب سمر ، وروى خو عشرة أحاديث ضعيفة ، توفي نحو سنة (١٥٥ ه‍ / ٧٧٢ م). انظر : الأعلام (٨ / ١٢٠) ، تاريخ بغداد (٩ / ٢٧٨) ، نزهة الألباء (٤٢) ، المعارف (٢٣٤) ، لسان الميزان (٣ / ١٤٢) ، اللباب (٢ / ١٧) ، التاج : مادتي : (شرق وقطم).

(٤) نهاية الصفحة [٤٧ ـ أ].

١٥١

[الفروق الزمنية بين بعض الأنبياء]

[٤١] أخبرنا علي بن الحسين العباسي بإسناده عن ابن عباس قال : كان من آدم إلى نوح ألفا سنة ومائتا سنة ومن نوح إلى إبراهيم ألف ومائة وثلاث وأربعون سنة ، ومن إبراهيم إلى موسى خمسمائة وخمس وسبعون سنة ، ومن موسى إلى داود خمسمائة وتسع وتسعون سنة (١) ، ومن عيسى إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستمائة سنة (٢).

[٤٢] [أخبرنا علي بن الحسين العباسي بإسناده عن محمد بن حبيب قال] (٣) : وحكى الهيثم بن عدي أن من لدن آدم إلى الطوفان ألفان ومائتان وست وخمسون سنة ، ومن الطوفان إلى وفاة إبراهيم ألف وعشرون سنة ، ومن وفاة إبراهيم إلى مدخل بني إسرائيل مصر خمس وتسعون ، ومن دخول يعقوب مصر إلى خروج موسى من مصر أربعمائة وثلاثون سنة ، ومن خروج موسى من مصر إلى بناء بيت المقدس خمسمائة وخمسون سنة ، ومن بناء بيت المقدس إلى ملك بختنصر وخراب بيت المقدس أربعمائة وستة وأربعون سنة ، ومن ملك بختنصر إلى ملك ذي القرنين أربعمائة وست وثلاثون سنة (٤).

[أعمار بعض الأنبياء والرسل عليهم‌السلام]

قال محمد بن حبيب عمن ذكر : أن آدم عمّر تسعمائة سنة وثلاثون سنة ، وشيث تسعمائة واثنتا عشرة سنة ، وأنوش تسعمائة وخمس وتسعون سنة ، وقينان تسعمائة وعشر سنين ، ومهلائيل مائة وخمس وتسعون سنة ، وياد تسعمائة واثنتان وستون سنة ، وأخنوح ثلاثمائة وخمس وستون سنة ، ومتوشلخ تسعمائة سنة وتسع وستون سنة ، ولمك سبعمائة سنة وسبع (٥)

__________________

(١) سقط في أصولي المدة ما بين داود وعيسى عليهما‌السلام.

(٢) انظر تاريخ الطبري (المجلد الأول) ، البداية والنهاية (المجلد الأول) ، الجزء الأول والثاني ، وتواريخ الأنبياء للعلامة اللواساني.

(٣) قال في الأصل : محمد بن حبيب. وما بين المعقوفين من المحقق.

(٤) انظر تاريخ الطبري : (الجزء الأول) ، تاريخ ابن الأثير (الجزء الأول) ، البداية والنهاية (الجزء الأول) ، قصص الأنبياء للنجار ، وابن كثير ، وتواريخ الأنبياء للسيد اللواساني ، الأمالي الاثنينية (خ).

(٥) نهاية الصفحة [٤٨ ـ أ].

١٥٢

وسبعون سنة ، ونوح عليه‌السلام تسعمائة وخمسون سنة ، وسام خمسمائة سنة وثمان وتسعون سنة ، وأرفخشذ أربعمائة سنة وخمس وستون سنة ، وشالخ أربعمائة وثلاث وستون سنة ، وعابر أربعمائة وأربع وثلاثون سنة ، وفالغ مائتان وتسع وثلاثون سنة ، وأرغو مائتان واثنتان وثلاثون سنة ، وناحور مائة وثمان وأربعون سنة ، وتارخ مائتان وخمسون سنة ، وإبراهيم مائة وخمس وسبعون سنة ، ويقال : وتسعون سنة ، وإسحاق مائة وخمسون ، ويقال : وثمانون ويعقوب مائة وسبع وأربعون سنة ، ويوسف مائة وعشرون سنة ، وموسى مائة وعشرون سنة ، وهارون مائة وثلاثة وعشرون سنة ، وأيوب بن زارح بن أموم بن بنقر بن العيص بن إسحاق مائتا سنة ، وداود بن أبشي بن عويد بن سلمون بن ناعر بن يحسون بن عمي بن باذن بن رام بن حمورن بن فارس بن يهوذا بن يعقوب سبعون سنة.

[تاريخ مولد النبي (ص)] (١)

قال : (٢) وولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الاثنين لليلتين «خلتا» (٣) من شهر ربيع الأول ، وانطلق به أبو طالب إلى مصر الشام وهو ابن تسع سنين ، ووضع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحجر في موضعه حين اختصمت قريش فيه وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وأوحي إليه وهو ابن أربعين سنة ، وأسلمت خديجة معه وأقام بمكة ثلاثة عشر سنة ، ثم هاجر إلى المدينة في شهر ربيع الأول فأقام بها ، ثم كانت وقعة بدر في شهر رمضان ، وكان بين مهاجره وبين بدر ثمانية عشر شهرا.

ثم كانت أحد في شوال بعدها بسنة ، والخندق في (٤) شوال بعد أحد بسنة.

__________________

(١) انظر : التحف شرح الزلف (٣٠ ـ ٣١) ، السيرة الحلبية (١ / ٥٣) وما بعدها ، سيرة ابن إسحاق (١ / ٢٥ ـ ٢٨) ، دلائل النبوة (١ / ٧١ ـ ٩٢) ، تاريخ الطبري (٢ / ٥٧٠) ، سيرة مغلطاي (٦ ، ٧) ، تاريخ الخميس (١ / ١٩٥) ، الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. جعفر مرتضى العاملي (٢ / ٦٤ ـ ٦٨) ، أعيان الشيعة (١ / ٢١٨ ـ ٢١٩) ، الاستيعاب (١ / ١٣٣) وما بعدها.

(٢) قال : أي محمد بن حبيب عن الهيثم بن عدي.

(٣) ساقط في (أ).

(٤) نهاية الصفحة [٤٩ ـ أ].

١٥٣

[نعته وصفته وبعض أحواله (ص)]

[٤٣] أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن شنبذا بإسناده عن الحسن بن علي عليه‌السلام قال ابن شاكر : وحدثنا أبو علي الحسن بن بشر بإسناده عن الحسن بن علي عليه‌السلام أيضا ، قال : سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي ؛ وكان وصّافا عن حلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : كان فخما مفخما ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع (١) وأقصر من المشذب عظيم الهامة ، رجل الشعرة ، إذا انفرقت (٢) عقيقته فرق ، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنه إذا هو وفّره ، أزهر اللون ، واسع الجبين ، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن ، بينهما عرق يدره الغضب ، أقنى العرنين ، له نور يعلوه ، يحسبه من لم يتأمله ، أشم ، كثّ اللحية سهل الخدين ، ضليع الفم ، أشنب ، مفلج الأسنان ، دقيق المسربة كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة ، معتدل الخلق ، بادنا ، متماسكا ، سوي البطن والصدر ، عريض الصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس ، أنور المتجرد ، موصول ما بين متنته والسرة شعر يجري كالخيط ، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك ، سبط القضب ، ششن الكفين والقدمين ، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر ، طويل الزندين رحب الراحة ، سائل الأطراف ، خمصان الأخمصين ، مسيح القدمين (٣) ينبو عنهما الماء. إذا زال قلعا يخطو تكفيا ، ويمشى الهوينا ، ذريع المشية (٤) ، إذا مشى كأنما ينحطّ من صبب ، وإذا التفت جميعا ، خافض الأطراف ، نظره إلى

__________________

(١) في (أ، ب ، ج) : الربوع.

(٢) في (ج) : إن انفرقت.

(٣) نهاية الصفحة [٥٠ ـ أ] وفي رواية : مسيح الصدر.

(٤) المشذب البائن الطول في النحافة ، والعقيقة : شعر الرأس ، والحاجب الأزج : المقوس الطويل الوافر الشعر ، والقرن : اتصال شعر الحاجبين ، وأقنى العرنين : أي الأنف المرتفع وسطه وشديد حمرته ، ومفلج الأسنان : أي متفرق الأسنان ، والكراديس : روس العظام. (إذا زال قلعا ...) كذا في الرواية ، والتقلع رفع الرجل بقوة والتكفؤ كذا بالهمزة ، وهو الميل إلى سن المسنى أو قصده والهون والهوينا الرفق والوقار ، والذريع الواسع الخطا أي أن مشيه يرفع فيه رجليه بسرعة ويمد خطوه ، خلاف مشية المحتال ، ويقصد سمته وكل ذلك برفق وتثبت دون عجلة.

١٥٤

الأرض أطول (١) من نظره إلى السماء ، جلّ نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه ، ويبتدر من لقيه بالسلام (٢).

[صفة منطقه (ص)]

قلت : صف لي منطقه.

قال : كان رسول الله متواصل الأحزان ، دائم الفكر (٣) ليست له راحة ، لا يتكلم في غير حاجة ، طويل السكوت ، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه (٤) ، ويتكلم بجوامع الكلم ، فصل لا فضول ولا تقصير ، دمث ليس بالجافي ولا المهين ، يعظم النعمة وإن دقّت ، ولا يذم منها شيئا ، لا يذم ذواقا ولا يمدحه ، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها ، فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ، ولا يغضب لنفسه ، ولا ينتصر لها ، إذا أشار أشار بكفه كلها ، وإذا تعجب قلبها ، وإذا تحدث اتصل بها فضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى (٥) ، وإذا غضب أعرض وأشاح (٦) ، وإذا فرح غض طرفه ، جلّ ضحكه التبسم ، ويفتر عن شيء مثل حب الغمام ، فكتمتها (٧) الحسين عليه‌السلام زمانا ، ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه وسألته عما سألت عنه (٨).

__________________

(١) في (أ، ب ، ج) : نظره إلى الأرض أكثر.

(٢) في (أ) : ويبتدر من لقيه بالكلام ، ووصف هند بن أبي هالة أخرجه البيهقي في الدلائل (١ / ٢٨٥ ـ ٣٠٧) ، وابن سعد في الطبقات (١ / ٤٢٢) ، والترمذي في الشمائل (١ / ٢٦) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم (٥٥١) ، مختصر تاريخ دمشق (تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر) (١ / ٣٢٩) ، تاريخ الإسلام للذهبي (٢ / ٣١١) ، البداية والنهاية (٦ / ٣١) ، شمائل الرسول لابن كثير (٥٠) ، والسيوطي في الخصائص (٢ / ٧١ ـ ٧٧) ، ومجمع الزوائد (٨ / ٢٧٣) ، عيون الأثر (٢ / ٤٠٥) ، انظر : دلائل البيهقي (١ / ١٩٤ ـ ٢٧٥) ، صحيح البخاري : كتاب المناقب صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صحيح مسلم ، كتاب الفضائل ، مسند أحمد (٤ / ٢٨١) ، (٥ / ١٠٤) ، صحيح الترمذي (٥ / ٥٩٩) ، تهذيب تأريخ ابن عساكر (١ / ٣١٦) وما بعدها ، خصائص السيوطي (١ / ٥٩ ـ ٧١).

(٣) في (ج) الفكرة.

(٤) أي بسعة فمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعرب تتمادح بهذا وتذم بصغر الفم.

(٥) في بعض الروايات : فضرب إبهامه اليمنى راحته اليسرى.

(٦) أشاح : مال وانقبض. أساس البلاغة (٢٤٥) مادة «شيح».

(٧) في (ج) : فكتمها.

(٨) هذه الرواية أوردها البيهقي في دلائل النبوة ، انظر (١ / ٢٨٥ ـ ٢٩٠) ، وكذا ابن كثير في الشمائل.

١٥٥

[صفة مدخله ومجلسه ومخرجه (ص)]

[أولا : مدخله (ص)]

وسأل أباه عن مدخله ومجلسه ومخرجه وشكله ، فلم يدع منه شيئا.

قال الحسين بن علي عليه‌السلام : سألت أبي عن دخول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : كان دخوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مأذونا له (١) في ذلك ، فكان إذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء : جزءا لله (٢) وجزءا لأهله ، وجزءا لنفسه ، ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس ، فيرد ذلك على العامة بالخاصة ، ولا يدخر عنهم شيئا.

قال أبو غسان أو قال أبو جعفر : (٣) فشككت (٤) ، فكان (٥) من سيرته في جزء الأمة : إيثار أهل الفضل بإذنه ، وقسمته على قدر فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ، ومنهم ذو الحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج ، يتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألتهم عنه ، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم ويقول : «ليبلغ الشاهد الغائب ، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع

__________________

(١) في (ب ، ج ، د) : كان دخوله عليه‌السلام لنفسه مأذونا له.

(٢) نهاية الصفحة [٥١ ـ أ].

(٣) أبو غسان ، أو قال أبو جعفر : بل هو أبو غسان وليس أبو جعفر واسمه : أبو غسان ، مالك بن إسماعيل بن درهم ، ويقال : ابن زياد بن درهم ، أبو غسان النهدي ، مولاهم الكوفي الحافظ ابن بنت حماد بن أبي سليمان ، قال ابن سعد : وكان أبو غسان صدوقا شديد التشيع ، وعدّه ابن شاهين في الثقات ، قال عثمان بن أبي شيبة : أبو غسان صدوق ثبت متقن إمام من الأئمة ، وقال ابن معين : ثقة ، وقال العجلي : ثقة وكان صحيح الكتاب ، وقال الذهبي في الميزان : ذكره ابن عدي واعترف بصدقه وعدالته ، انظر : تهذيب التهذيب (١٠ / ٣ ـ ٥) ت (٦٧٢٢) ، التقريب (٦٤٤٣) ، وتهذيب الكمال (٢٧ / ٨٦) ، سير أعلام النبلاء (١٠ / ٤٣٠) وفيه : توفي في ربيع الآخر سنة (٢١٩ ه‍) ، طبقات ابن سعد (٦ / ٤٠٤ ـ ٤٠٥). أما أبو جعفر : فلعله أبو جعفر الرازي التميمي مولاهم ، يقال : اسمه عيسى بن أبي عيسى ماهان ، وقيل : عيسى بن أبي عيسى عبد الله ماهان ، كان زميل النهدي إلى مكة ، انظر : تهذيب التهذيب (١٢ / ٤٩ ـ ٥٠) ت (٨٣٤٧) ، وينظر أيضا نفس المصدر من كنيته كذلك ص (٤٨ ـ ٥٢) ، من الترجمة (٨٣٤٥ ، وحتى ٨٣٥٢).

(٤) فشككت : أي في صحة هذه المقولتين «فيرد ذلك على العامة والخاصة ولا يدخره» ، أو أو يذخر عنهم شيئا ، وفي رواية الحسن بن محمد العلوي (ت ٣٥٨ ه‍) : «ولا يدخر عنهم شيئا».

(٥) في (ب) : وكان.

١٥٦

إبلاغي حاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغه ثبت الله قدميه يوم القيامة» (١).

لا يذكر عنده إلّا ذلك ، ولا يقبل من أحد غيره ، فيدخلون روّادا (٢) ولا يفترقون إلّا عن ذواق (٣) ، ويخرجون أذلة (٤).

[ثانيا : صفة مخرجه (ص)]

قال : فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟

فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخزن لسانه إلّا مما يعنيهم ، ويؤلفهم لا يفرقهم ، أو قال : لا ينفرهم ، كل كريم آل يضعفه (٥) ويسأل بكل حال عنده ، ويكرم كريم كل قوم ، ويوليه عليهم ، ويحذر الناس بأن يحترسهم من غير أن يطوي عن أحد بسره ولا خلقه ، ويتفقد أصحابه ، ويسأل الناس عما في الناس ، ويحسّن الحسن ويقويه ، ويقبح القبيح ويوهيه ، معتدل الأمر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا ، ولا يقصر عن الحق ولا يجوزه ، الذين يلونه من الناس خيارهم ، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة ، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.

__________________

(١) جزء من حديث أخرجه البخاري في (٣) كتاب العلم (٩) باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رب مبلغ أوعى من سامع» ، وهو في فتح الباري (١ / ١٥٧) ، وأخرجه مسلم في كتاب الحج حديث (٤٤٦).

(٢) يدخلون روادا ، أي مرتادين للعلم والفقه ، كما يرتاد الرائد القطر لأهله ، ويخرجون أجلة ، يعني أدلة لغيرهم على العلم والفقه والشريعة ، كما يدل الرائد الذي قد عرف مواضع الماء والكلأ. والله أعلم.

(٣) قوله : عن ذواق : قيل عن علم يتعلمونه ، وقيل : على ظاهره ، أي في الغالب ، والله أعلم.

(٤) انظر دلائل النبوة للبيهقي (١ / ٢٨٩) فقد أورد الرواية كاملة مقارنا في ذلك بين راوية العلوي وغيره من الرواة.

(٥) في رواية الحسن بن محمد العلوي : ولا يفرقهم ـ ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه ، وقوله : يضعفه : يريد أنه يضعف له من محله وقضاء حوائجه وسؤاله له وخطابه أضعاف ما يعطيه غيره من أفراد الناس.

١٥٧

[ثالثا : صفة مجلسه (ص)]

قال : فسألته (١) عن مجلسه؟

فقال : كان رسول الله لا يجلس ولا يقوم إلّا عن ذكر ، لا يوطن الأماكن (٢) ، وينهى عن إيطانها ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي المجلس ، ويأمر بذلك ، ويعطي كل جلسائه نصيبه ، ولا يحسب أن أحدا أكرم عليه من جلسائه منه ، من جالسه أو أقامه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ، ومن سأله حاجة لم ينصرف إلّا بها أو بميسور من القول ، قد وسع الناس منه قسطه وخلقه ، فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء ، مجلسه مجلس حكم وحياء وصبر وأمانة ، لا ترفع فيه الأصوات ، ولا يؤبن فيه الحرم (٣) ولا تثنى فلتاته ، متعادلين يتفاضلون بالتقوى ، متواضعين ، يوقرون فيه الكبير ، ويرحمون فيه الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ، ويحفظون الغريب.

[رابعا : صفة سيرته (ص)]

قال : قلت : كيف كانت سيرته في جلسائه؟

فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخّاب (٤) ولا فحّاش ولا غياب ولا مزّاح ، يتغافل عما يشتهي ، فلا يؤيس منه ولا يجيب فيه ، قد منع نفسه من ثلاث : من المراء ، والإكثار ، وما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ولا يعيّره ، ولا يطلب عثراته.

__________________

(١) نهاية الصفحة [٥٣ ـ أ].

(٢) أي لا يتخذ لمصلاه موضعا معلوما وقد ورد نهيه عن هذا مفسرا في غير هذا الخير.

(٣) قوله : لا يؤبن فيه الحرم ، أي : لا يذكرون عنده بسوء. ولا تثنى فلتاته أي : لا يتحدث بها أي لم تكن منه فلتة وإن كانت من أحد سترت.

(٤) الصخاب : كثير الصياح ، ووردت في دلائل النبوة للبيهقي «سخاب» ، وصخب في البيت فهو صخب هو اختلاط الأصوات ، وقد صخب فلان يصخب فهو صخب وصاخب ونقول : ما هو صاحب إنما هو صاخب ، ينظر : أساس البلاغة للزمخشري ، مادة : صخب.

١٥٨

لا يتكلم إلّا في رجاء ثوابه ، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير ، فإذا سكت تكلموا ، ولا يتنازعون عنده ، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ من حديثه ، حديثهم عنده حديث أولهم (١) ، يضحك مما يضحكون منه (٢) ويتعجب مما يتعجبون منه ، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته حتى كان أصحابه يستجلبونهم.

ويقول : إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرشدوه إليّ.

ولا يقبل الثناء إلّا من مكافئ ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه فيقطعه بنهي أو قيام.

[خامسا : صفة سكوته (ص) عند جواز الكلام]

قال : فسألته كيف كان سكوته؟

قال : كان رسول الله على أربع : على الحلم والحذر والتقدير والتفكر ؛ فأما تقديره : فهي تسوية النظر ، والاستماع بين الناس ؛ وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى.

وجمع له الصبر في الحلم (٣) ، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه.

وجمع له الحذر في أربعة : أخذه ، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته ، والقيام فيما جمع لهم الدنيا والآخرة.

[قصته مع أم معبد وشاتها]

[٤٤] أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الجديدي إملاء بإسناده عن خالد أخي أم معبد أن رسول الله حين خرج مهاجرا من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن

__________________

(١) في (أ، ج ، د) : عنده حديث أوليهم.

(٢) نهاية الصفحة [٥٣ ـ أ].

(٣) في (ب) : وجمع له الحلم في الصبر.

١٥٩

فهيرة (١) ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثي ، فمروا على خيمتي أم معبد الخزاعية وكانت امرأة برزة (٢) ، جلدة تحتبي وتجلس بفناء القبة ثم تسقي وتطعم (٣).

فسألوها لحما وتمرا يشترونه منها ، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك ، وكان القوم مرملين مسنتين (٤) ، فنظر رسول الله إلى شاة في كسر الخيمة (٥).

فقال : «ما هذه الشاة يا أم معبد»؟

قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم.

قال : «هل بها من لبن»؟

قالت : هي أجهد من ذلك.

قال : «أتأذنين لي أن أحلبها»؟

قالت : بأبي أنت وأمي (٦) ، إن رأيت بها من لبن حلبا فاحلبها.

__________________

(١) عامر : هو عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق ، أبو عمر كان مولدا من مولدي الأزد ، مملوكا للطفيل بن عبد الله بن سخبرة ، كان رفيق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر في هجرتهما ، وشهد بدرا وأحدا ثم قتل يوم بئر معونة وهو ابن أربعين سنة قتله عامر بن الطفيل ، انظر : الاستيعاب (٢ / ٣٤٤) ت (١٣٤٦) ، تلقيح المقال (٢ / ٦٠٥٩) ، الإصابة (ت ٤٤٣٣) ، أسد الغابة (ت ٢٧٢٤).

(٢) امرأة برزة : إذا كانت لا تحجب احتجاب الشواب ، وهي مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس وتحدثهم ، من البروز وهو الظهور.

(٣) حديث أم معبد ورد في السيرة لابن هشام (٢ / ١٣٢) ، والسيرة الحلبية (٢ / ٤٧) ، وشرح السيرة النبوية : الروض الأنف للسهيلي (٢ / ٧ ـ ٨) ، ودلائل البيهقي (١ / ٢٧٦ ـ ٢٨٤) ، وأبي نعيم (٢٨٣ ـ ٢٨٧) ، وابن سعد (١ / ١ / ٢٣٠) ، عن أبي معبد وابن السكن عن أم معبد ، كما أخرجه الطبراني والحاكم في المستدرك (٣ / ١٠) ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وذكرت هذه الرواية في تهذيب تاريخ دمشق (١ / ٣٢٦) ، الاستيعاب (٢ / ٧٩٦ ـ ٧٩٧) ، وتاريخ الإسلام للذهبي (٢ / ٢٢٧) ، وعيون الأثر (١ / ٢٢٧) ، والبداية والنهاية (٣ / ١٩١) ، والإصابة (٨ / ٢٨١) ، كما سجلها حسان بن ثابت شعرا وهي في ديوانه (١٣٥ ـ ١٤٢).

(٤) مرملين : أصله من الرمل ، والمراد نفد زادهم ، وكأنهم لصقوا بالرمل ، كما قيل للفقير «الترب» والمسنتين : يحتمل أن تكون هكذا ومعناها داخلين في السنة وهي الجدب والمجاعة ، ويمكن أن تكون مشتين أي داخلين في الشتاء.

(٥) أي جانب منها.

(٦) نهاية الصفحة [٥٤ ـ أ].

١٦٠