هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

شمس الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب الزّرعي [ ابن القيّم ]

هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

المؤلف:

شمس الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب الزّرعي [ ابن القيّم ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٣٢

يدي سيوف مسلولة وقسي موترة من شدة الملحمة» وهذا إخبار عما حل بعبدة الأوثان من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه يوم بدر ويوم حنين وفي غيرهما من الوقائع.

(فصل الوجه الثاني والثلاثون) قوله في الإنجيل الذي بأيدي النصارى عن يوحنا «إن المسيح قال للحواريين من أبغضني فقد أبغض الرب ، ولو لا إني صنعت لهم صنائع لم يصنعها أحد لم يكن لهم ذنب ، ولكن من الآن بطروا فلا بد أن تتم الكلمة التي في الناموس لأنهم أبغضوني مجافا ، فلو قد جاء المنجمنا هذا الذي يرسله الله إليكم من عند الرب روح القسط فهو شهيد عليّ وأنتم أيضا لأنكم قديما كنتم معي ، هذا قولي لكم لكيلا تشكوا إذا جاء «والمنجمنا» بالسريانية ، وتفسيره بالرومية الفارقليط ، وهو بالعبرانية الحماد والمحمود والحمد كما تقدم.

(فصل الوجه الثالث والثلاثون) قوله في الإنجيل أيضا : «إن المسيح قال لليهود وتقولون : كنا في أيام آبائنا لم نساعدهم على قتل الأنبياء ، فأتموا كيل آبائكم يا ثعابين بني الأفاعي كيف لكم النجاة من عذاب النار» «وسأبعث إليكم أنبياء وعلماء تقتلون منهم وتصلبون وتجلدون ، وتطلبونهم من مدينة إلى أخرى ، لتتكامل عليكم دماء المؤمنين المهرقة على الأرض من دم هابيل الصالح إلى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه عند المذبح ، إنه سيأتي جميع ما وصفت على هذه الأمة ، يا أورشلم التي تقتل الأنبياء وترجم من بعث إليك ، قد أردت أن أجمع بنيك كجمع الدجاجة فراريخها تحت جناحها وكرهت أنت ذلك ، سأقفر عليكم بيتكم ، وأنا أقول لا تروني الآن حتى يأتي من يقولون له مبارك ، يأتي على اسم الله» فاخبرهم المسيح أنهم لا بد أن يستوفوا الصاع الذي قدر لهم ، وأنه سيقفر عليهم بيتهم أي يخليه منهم ، وأنه يذهب عنهم فلا يرونه حتى يأتي المبارك الذي يأتي على اسم الله. فهو الذي انتقم بعده لدماء المؤمنين ، وهذا نظير قوله في الموضع الآخر : إن خيرا لكم أن أذهب عنكم حتى يأتيكم الفارقليط فإنه لا يجيء ما لم أذهب» وقوله أيضا : «ابن البشر ذاهب ، والفارقليط من بعده» وفي موضع آخر «أنا أذهب وسيأتيك الفارقليط» ، والفارقليط والمبارك الذي جاء بعد المسيح هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما تقدم تقريره.

(فصل الوجه الرابع والثلاثون) (قوله في إنجيل متى : «إنه لما حبس

١٠١

يحيى بن زكريا بعث تلاميذه إلى المسيح وقال لهم : قولوا له أنت أيل أم نتوقع غيرك؟ فقال المسيح : الحق اليقين أقول لكم أنه لم تقم النساء عن أفضل من يحيى بن زكريا ، وإن التوراة وكتب الأنبياء تتلو بعضها بعضا بالنبوة والوحي حتى جاء يحيى ، وأما الآن فان شئتم فاقبلوا فإن أيل مزمع أن يأتي ، فمن كانت له أذنان سامعتان فليستمع» وهذه بشارة بمجيء الله سبحانه الذي هو «أيل» بالعبرانية ، ومجيئه هو مجيء رسوله وكتابه ودينه ، كما في التوراة : «جاء الله من طور سيناء» قال بعض عباد الصليب : إنما بشر بالياس النبي ، وهذا لا ينكر من جهل أمة الضلال وعباد خشبة الصليب التي نحتتها أيدي اليهود ؛ فان الياس قد تقدم إرساله على المسيح بدهور متطاولة.

(فصل الوجه الخامس والثلاثون) قوله في نبوة أرميا : «قبل أن أخلقك قد عظمتك من قبل أن أصورك في البطن ، وأرسلتك وجعلتك نبيا للأجناس كلهم» فهذه بشارة على لسان أرميا لمن بعده ، وهو إما المسيح وإما محمد صلوات الله وسلامه عليهما لا يعدوهما إلى غيرهما ، ومحمد أولى بها لأن المسيح إنما كان نبيا لبني إسرائيل ، كما قال تعالى : (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) [آل عمران : ٤٩] ، والنصارى تقر بهذا ؛ ولم يدع المسيح أنه رسول إلى جميع أجناس أهل الأرض ، فان الأنبياء من عهد موسى إلى المسيح إنما كانوا يبعثون إلى قومهم ، بل عندهم في الإنجيل ان المسيح قال للحواريين : «لا تسلكوا إلى سبيل الأجناس ، ولكن اختصروا على الغنم الرابضة من نسل إسرائيل» وأما محمد بن عبد الله فهو الذي بعثه الله إلى جميع أجناس الأرض وطوائف بني آدم ، وهذه البشارة مطابقة لقوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف : ١٥٨] ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بعثت إلى الأسود والأحمر» وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» وقد اعترف النصارى بهذه البشارة ولم ينكروها ؛ لكن قال بعض زعمائهم إنها بشارة بموسى بن عمران والياس واليسع ، وإنهم سيأتون في آخر الزمان وهذا من أعظم البهت والجرأة على الله والافتراء عليه ؛ فإنه لا يأتي من قد مات إلى يوم الميقات المعلوم.

١٠٢

(فصل الوجه السادس والثلاثون) قول المسيح في الإنجيل الذي بأيديهم وقد ضرب مثل الدنيا فقال : «كرجل اغترس كرما وسيج حوله ، وجعل فيه معصرة ، وشيد فيه قصرا ، ووكل به أعوانا ، وتغرب عنه ، فلما دنا أوان قطافه بعث عبده إلى أعوانه الموكلين بالكرم» ثم ضرب مثلا للأنبياء ولنفسه ، ثم للنبي الموكل آخرا بالكرم ، ثم أفصح عن أمته فقال : «وأقول لكم سيزاح عنكم ملك الله ، وتعطاه الأمة المطيعة العاملة» ، ثم ضرب لنبي هذه الأمة مثلا بصخرة وقال : «من سقط على هذه الصخرة سينكسر ، ومن سقطت عليه ينهشم» وهذه صفة محمد ومن ناوأه وحاربه من الناس لا تنطبق على أحد بعد المسيح سواه.

(فصل الوجه السابع والثلاثون) قول شعيا في صحفه «لتفرح أرض البادية العطشى ولتبتهج البراري والفلوات لانها ستعطى بأحمد محاسن لبنان ومثل حسن الدساكير» وتالله ما بعد هذا إلا المكابرة وجحد الحق بعد ما تبين.

(فصل الوجه الثامن والثلاثون) قول حزقيل في صحفه التي بأيديهم يقول الله عزوجل ـ بعد ما ذكر معاصي بني إسرائيل وشبههم بكرمة غذاها وقال لم ـ تلبث الكرمة ان قلعت بالسّخطة ورمى بها على الأرض وأحرقت السمائم ثمارها ، فعند ذلك غرس في البدو وفي الأرض المهملة العطشى وخرجت من أغصانها الفاضلة نار أكلت تلك الكرمة حتى لم يوجد فيها غصن قوي ولا قضيب» وهذا تصريح لا تلويح به صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وببلده وهي مكة العطشى المهملة من النبوة قبله من عهد إسماعيل.

(فصل الوجه التاسع والثلاثون) ما في صحف دانيال وقد نعت الكشدانيين الكذابين فقال : «لا تمتد دعوتهم ولا يتم قربانهم ، وأقسم الرب بساعده أن لا يظهر الباطل ولا يقوم لمدع كاذب دعوة اكثر من ثلاثين سنة» وفي التوراة ما يشبه هذا ، وهذا تصريح بصحة نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإن الذين اتبعوه بعد موته أضعاف أضعاف الذين اتبعوه في حياته وهذه دعوته قد مرت عليها القرون من السنين وهي باقية مستمرة وكذلك إلى آخر الدهر ، ولم يقع هذا لملك قط فضلا عن كذاب مفتر على الله وأنبيائه مفسد للعالم مغير لدعوة الرسل ، ومن ظن هذا بالله فقد ظن به أسوأ الظن وقدح في علمه وقدرته وحكمته.

١٠٣

[مناظرة المؤلف لأحد كبار اليهود]

وقد جرت لي «مناظرة» بمصر مع أكبر من يشير إليه اليهود بالعلم والرئاسة ، فقلت له في أثناء الكلام : أنتم بتكذيبكم محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد شتمتم الله اعظم شتيمة. فعجب من ذلك ، وقال : مثلك يقول هذا الكلام! فقلت له : اسمع الآن تقريره ، إذا قلتم : إن محمدا ملك ظالم قهر الناس بسيفه وليس برسول من عند الله ، وقد أقام ثلاثا وعشرين سنة يدعي أنه رسول الله أرسله إلى الخلق كافة ، ويقول : أمرني الله بكذا ونهاني عن كذا وأوحى إليّ كذا ، ولم يكن من ذلك شيء ، ويقول : أنه أباح لي سبي ذراري من كذبني وخالفني ونساءهم وغنيمة أموالهم وقتل رجالهم ، ولم يكن من ذلك شيء ، وهو يدأب في تغيير دين الأنبياء ومعاداة أممهم ونسخ شرائعهم ، فلا يخلو إما أن تقولوا أن الله سبحانه كان يطلع على ذلك ويشاهده ويعلمه ، أو تقولوا أنه خفي عنه ولم يعلم به ، فإن قلتم لم يعلم به نسبتموه إلى أقبح الجهل وكان من علم ذلك أعلم منه ، وإن قلتم بل كان ذلك كله بعلمه ومشاهدته واطلاعه عليه فلا يخلو إما أن يكون قادرا على تغييره والأخذ على يديه ومنعه من ذلك ، أولا ، فإن لم يكن قادرا فقد نسبتموه إلى أقبح العجز المنافي للربوبية ، وإن كان قادرا وهو مع ذلك يعزه وينصره ويؤيده ويعليه ويعلي كلمته ، ويجيب دعاءه ويمكنه من اعدائه ويظهر على يديه من أنواع المعجزات والكرامات ما يزيد على الألف ولا يقصده أحد بسوء إلا أظفره به ولا يدعوه بدعوة إلا استجابها له فهذا من أعظم الظلم والسفه الذي لا يليق نسبته إلى آحاد العقلاء فضلا عن رب الأرض والسماء ؛ فكيف وهو يشهد له باقراره على دعوته وبتأييده وبكلامه وهذه عندكم شهادة زور وكذب فلما سمع ذلك قال معاذ الله أن يفعل الله هذا بكاذب مفتر بل هو نبي صادق من اتبعه أفلح وسعد قلت : فما لك لا تدخل في دينه؟ قال : إنما بعث إلى الاميين الذين لا كتاب لهم ، وأما نحن فعندنا كتاب نتبعه. قلت له : غلبت كل الغلب ، فإنه قد علم الخاص والعام أنه أخبر أنه رسول الله إلى جميع الخلق ، وأن من لم يتبعه فهو كافر من أهل الجحيم ، وقاتل اليهود والنصارى وهم أهل كتاب ، وإذا صحت رسالته وجب تصديقه في كل ما أخبر به ، فأمسك ولم يحر جوابا.

١٠٤

«قريب من هذه المناظرة ما جرى لبعض علماء المسلمين مع بعض اليهود ببلاد المغرب قال له المسلم : في التوراة التي بأيديكم إلى اليوم أن الله قال لموسى : «إني أقيم لبني إسرائيل من اخوتهم نبيا مثلك أجعل كلامي على فيه ، فمن عصاه انتقمت منه» قال له اليهودي : ذلك يوشع بن نون فقال المسلم : هذا محال من وجوه : (أحدها) أنه قال عندك في آخر التوراة : «أنه لا يقوم في بني إسرائيل نبي مثل موسى» (الثاني) أنه قال : «من اخوتهم» وإخوة بني إسرائيل إما العرب وإما الروم ، فإن العرب بنو إسماعيل والروم بنو العيص ، وهؤلاء اخوة بني إسرائيل ، فأما الروم فلم يقم منهم نبي سوى أيوب وكان قبل موسى فلا يجوز ان يكون هو الذي بشرت به التوراة ، فلم يبق إلا العرب وهم بنو إسماعيل وهم إخوة بني إسرائيل ، وقد قال الله في التوراة حين ذكر إسماعيل جد العرب «إنه يضع فسطاطه في وسط بلاد إخوته» وهم بنو إسرائيل ، وهذه بشارة بنبوة ابنه محمد الذي نصب فسطاطه وملك أمته في وسط بلاد بني إسرائيل وهي الشام التي هي مظهر ملكه كما تقدم من قوله «وملكه بالشام» فقال له اليهودي : فعندكم في القرآن : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) [الأعراف : ٨٥] ، (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) [الأعراف : ٦٥] ، (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) [الأعراف : ٧٣] ، والعرب تقول : يا أخا بني تميم للواحد منهم ، فهكذا قوله «أقيم لبني إسرائيل من إخوتهم» قال المسلم الفرق بين الموضعين ظاهر ، فإنه من المحال أن يقال : إن بني إسرائيل إخوة بني إسرائيل ، وبني تميم إخوة بني تميم ، وبني هاشم إخوة بني هاشم ، هذا ما لا يعقل في لغة أمة من الأمم ، بخلاف قولك : زيد أخو بني تميم ، وهو أخو عاد ، وصالح أخو ثمود أي واحد منهم ، فهو أخوهم في النسب ولو قيل عاد أخو عاد وثمود أخو ثمود ومدين أخو مدين لكان نقصا ، وكان نظير قولك بنو إسرائيل إخوة بني إسرائيل ، فاعتبار أحد الموضعين بالآخر. خطأ صريح قال اليهودي : فقد أخبر أنه سيقيم هذا النبي لبني إسرائيل ، ومحمد إنما أقيم للعرب ولم يقم لبني إسرائيل ، فهذا الاختصاص يشعر بأنه مبعوث إليهم لا إلى غيرهم. قال المسلم : هذا من دلائل صدقه ، فإنه ادعى أنه رسول الله إلى أهل الأرض كتابيهم وأميهم ، ونص الله في التوراة على أنه يقيمه لهم لئلا يظنوا أنه مرسل إلى العرب والأميين خاصة والشيء يخص بالذكر لحاجة المخاطب

١٠٥

إلى ذكره لئلا يتوهم السامع أنه غير مراد باللفظ العام ولا داخل فيه ، وللتنبيه على أن ما عداه أولى بحكمه ولغير ذلك من المقاصد ، فكان في تعيين بني إسرائيل بالذكر إزالة لوهم من توهم أنه مبعوث إلى العرب خاصة ، وقد قال تعالى : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) [يس ، ٦] ، وهؤلاء قومه ولم ينف ذلك أن يكون نذيرا لغيرهم ، فلو أمكنك أن تذكر عنه أنه ادعى انه رسول إلى العرب خاصة لكان ذلك حجة ، فأما وقد نطق كتابه وعرف الخاص والعام بأنه ادعى أنه مرسل إلى بني إسرائيل وغيرهم فلا حجة لك. قال اليهودي : إن أسلافنا من اليهود كلهم على أنه ادعى ذلك ، ولكن العيسوية (١) منا تزعم أنه نبي العرب خاصة ولسنا نقول بقولهم ، ثم التفت إلى يهودي معه فقال نحن قد جرى شأننا على اليهودية ، وتالله ما أدري كيف التخلص من هذا العربي ، إلا أنه أقل ما يجب علينا أن نأخذ به أنفسنا النهي عن ذكره بسوء.

(فصل) وقال محمد بن سعد في «الطبقات» حدثنا معن بن عيسى حدثنا معاوية بن صالح ، عن أبي فروة عن ابن عباس أنه سأل كعب الأحبار : كيف تجد نعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في التوراة؟ قال : نجده «محمد بن عبد الله ، مولده بمكة ، ومهاجره إلى طابة ، ويكون ملكه بالشام ؛ ليس بفحاش ولا صخاب بالأسواق ، ولا يكافئ السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح» وقال عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي : حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص ، عن الأعمش ، عن أبي صالح قال : قال كعب : نجد مكتوبا : «محمد رسول الله لا فظ ولا غليظ ، ولا صخاب بالأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ، وأمته الحمادون يكبرون الله على كل نجد ويحمدونه في كل منزلة ، يأتزرون على أنصافهم ، ويتوضئون على أطرافهم ، مناديهم ينادي في جو السماء ، صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء ، لهم دوي كدوي النحل ، مولده بمكة ، ومهاجره

__________________

(١) وفي الخطبة ما يلي ينسبون إلى ابي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصبهاني كان في خلافة المنصور يعتقد أن نبينا (ص) مبعوث إلى العرب خاصة فتبعه على ضلاله بشر كثير من اليهود وله كتاب وضعه حرم فيه الذبائح وخالف اليهود في أحكام كثيرة قاله الدميري ، قال شيخنا ورأيت عن ابن حزم أنه قال بلغني أن اسمه كان محمد بن عيسى أه تعليق.

١٠٦

بطابة ، وملكه بالشام» ، قال الدارمي وأخبرنا زيد بن عوف ، حدثنا أبو عوانة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ذكوان أبي صالح ، عن كعب قال : في السطر الأول : «محمد رسول الله ، عبدي المختار ، لا فظ ولا غليظ ، ولا صخاب بالأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ، مولده بمكة ، وهجرته بطيبة ، وملكه بالشام» وفي السطر الثاني «محمد رسول الله ، أمته الحامدون يحمدون الله في كل حال ومنزلة ، ويكبرونه على كل شرف ، رعاة الشمس ، يصلون الصلاة إذا جاء وقتها ولو كانوا على رأس كناسة ، يأتزرون على أوساطهم ، ويوضئون أطرافهم ، وأصواتهم بالليل في جو السماء كأصوات النحل» وقال عاصم بن عمر بن قتادة ، عن نملة بن أبي نملة ، عن أبيه قال : كانت يهود بني قريظة يدرسون ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كتبهم ، ويعلمون الولدان صفته واسمه ومهاجره ، فلما ظهر حسدوا وبغوا وأنكروا. وذكر أبو نعيم في «دلائل النبوة» من حديث سليمان بن سحيم ورميح بن عبد الرحمن كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه ، قال سمت أبي مالك بن سنان يقول : جئت بني عبد الأشهل يوما لأتحدث فيهم ونحن يومئذ في هدنة من الحرب ، فسمعت يوشع اليهودي يقول : أظل خروج نبي يقال له احمد يخرج من الحرم : فقال له خليفة بن ثعلبة الأشهلي كالمستهزئ به : ما صفته؟ فقال : رجل ليس بالقصير ولا بالطويل في عينيه حمرة ، يلبس الشملة ، ويركب الحمار ، وهذا البلد مهاجره قال فرجعت إلى قومي بني خدرة وأنا يومئذ أتعجب مما يقول يوشع ، فأسمع رجلا منا يقول : هذا وحده يقوله؟! كل يهود يثرب تقول هذا قال أبي : فخرجت حتى جئت يهود بني قريظة فتذاكروا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال الزبير بن باطا : قد طلع الكوكب الأحمر الذي لم يطلع إلا بخروج نبي وظهوره ، ولم يبق أحد إلا أحمد ، هذه مهاجره قال أبو سعيد : فلما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة أخبره أبي هذا الخبر ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو أسلم الزبير وذووه من رؤساء يهود لأسلمت يهود كلها إنما هم لهم تبع» وقال النضر بن سلمة حدثنا يحيى بن إبراهيم ، عن صالح بن محمد ، عن أبيه ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن محمد بن مسلمة قال : لم يكن في بني عبد الأشهل إلا يهودي واحد يقال له يوشع ، فسمعته يقول وإني لغلام : قد أظلكم خروج نبي يبعث من نحو هذا

١٠٧

البيت ، ثم أشار بيده إلى نحو بيت الله الحرام ، فمن أدركه فليصدقه ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلمنا وهو بين أظهرنا ولم يسلم حسدا وبغيا.

قال النضر : وحدثنا عبد الجبار بن سعيد ، عن أبي بكر بن عبد الله العامري ، عن سليم بن يسار ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ، قال : ما كان في الأوس والخزرج رجل أوصف لمحمد من أبي عامر الراهب ، كان يألف اليهود ويسائلهم عن الدين ويخبرونه بصفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن هذه دار هجرته ، ثم خرج إلى يهود تيماء فأخبروه بمثل ذلك ، ثم خرج إلى الشام فسأل النصارى فأخبروه بصفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن مهاجره يثرب ، فرجع أبو عامر وهو يقول : أنا على دين الحنيفية ، وأقام مترهبا ولبس المسوح ، وزعم أنه على دين إبراهيم وأنه ينتظر خروج النبي ، فلما ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بمكة لم يخرج إليه وأقام على ما كان عليه ، فلما قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، المدينة حسده وبغي ونافق ، وأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «يا محمد : بم بعثت؟ قال «بالحنيفية» قال أنت تخلطها بغيرها؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أتيت بها بيضاء ، أين ما كان يخبرك الأحبار من اليهود والنصارى من صفتي»؟ فقال : لست الذي وصفوا ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كذبت» فقال : ما كذبت ، فقال رسول الله : «الكاذب أماته الله وحيدا طريدا» قال : آمين ، ثم رجع إلى مكة وكان مع قريش يتبع دينهم وترك ما كان عليه ، فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام فمات بها طريدا غريبا وحيدا.

وقال الواقدي : حدثني محمد بن سعد الثقفي وعبد الرحمن بن عبد العزيز في جماعة كل حدثني بطائفة من الحديث ، عن المغيرة بن شعبة أنه دخل على المقوقس وأنه قال له : أن محمدا نبي مرسل ، ولو أصاب القبط والروم اتبعوه قال المغيرة فأقمت بالإسكندرية لا أدع كنيسة إلا دخلتها وسألت أساقفتها من قبطها ورومها عما يجدون من صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان أسقف من القبط وهو رأس كنيسة أبي محنس كانوا يأتونه بمرضاهم فيداويهم ويدعو لهم لم أرقط لا يصلي الخمس أشد اجتهادا منه ، فقلت : أخبرني هل بقي أحد من الأنبياء؟ قال : نعم وهو آخر هم ليس بينه وبين عيسى أحد وهو نبي قد أمرنا عيسى باتباعه ، وهو النبي الأمي العربي اسمه أحمد ، ليس بالطويل ولا بالقصير في عينيه حمرة ، وليس بالأبيض ولا بالادم يعفى شعره ، ويلبس ما غلظ من الثياب ، ويجتزي بما

١٠٨

لقي من الطعام ، سيفه على عاتقه ولا يبالي من لاقى يباشر القتال بنفسه ، ومعه أصحابه يفدونه بأنفسهم هم له أشد حبا من أولادهم وآبائهم ، يخرج من أرض القرظ ، ومن حرم يأتي وإلى حرم يهاجر إلى أرض مسبخة ونخل ، يدين بدين إبراهيم ، يأتزر على وسطه ، ويغسل أطرافه ، ويخص بما لم يخص به الأنبياء قبله ، وكان النبي يبعث إلى قومه ويبعث إلى الناس كافة ، وجعلت له الأرض مسجدا وطهورا أينما أدركته الصلاة تيمم ، وصلى ومن كان قبلهم مشدد عليهم لا يصلون إلا في الكنائس والبيع.

وقال الطبراني حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، حدثنا المسعودي عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد ، عن أبيه ، عن جده سعيد بن زيد ، أن زيد بن عمرو وورقة بن نوفل خرجا يلتمسان الدين حتى انتهيا إلى راهب بالموصل ، فقال لزيد : من أين أقبلت؟ قال من بيت إبراهيم ، قال : وما تلتمس؟ قال التمس الدين ، قال ارجع فانه يوشك أن يظهر الذي تطلب في أرضك ، فرجع وهو يقول : «لبيك حقا حقا. تعبدا ورقا» وقال ابن قتيبة في كتاب الأعلام : حدثني يزيد بن عمرو ، حدثنا العلاء بن الفضل ، حدثني أبي ، عن أبيه عبد الملك بن أبي سوية ، عن أبي سوية ، عن أبيه خليفة بن عبدة المنقري ، قال سألت محمد بن عدي : كيف سماك أبوك عدي محمدا؟ قال : أما أني قد سألت أبي عما سألتني عنه ، فقال خرجت رابع أربعة من بني تميم أنا أحدهم ومجاشع بن دارم ويزيد بن عمرو بن ربيعة وأسامة بن مالك بن جندب نريد ابن جفنة الغساني ، فلما قدمنا الشام نزلنا على غدير فيه شجرات وقربه ديراني فأشرف علينا ، وقال : إن هذه اللغة ما هي لأهل هذه البلد ، قلنا نعم نحن قوم من مضر ، قال : من أي المضريين؟ قلنا من خندف ، قال : أما إنه سيبعث فيكم وشيكا نبي فسارعوا إليه وخذوا بحظكم منه ترشدوا ، فإنه خاتم النبيين ، واسمه محمد فلما انصرفنا من عند ابن جفنة الغساني وصرنا إلى أهلنا ولد لكل رجل منا غلام فسماه محمدا. وقال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ، قال «دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الكنيسة فاذا هو بيهود ، وإذا بيهودي يقرأ عليهم

١٠٩

التوراة فلما أتوا على صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمسكوا ، وفي ناحيتها رجل مريض ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما لكم امسكتم؟ قال المريض إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا ، ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة فقرأ حتى أتي على صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال هذه صفتك وصفة امتك : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ثم مات فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لاصحابه : خذوا أخاكم. وقال محمد بن سعد : حدثنا محمد بن عمر ، قال حدثني سليمان بن داود بن الحصين عن أبيه ، عن عكرمة عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب : قال لما قدم «تبع» المدينة ونزل بقباء بعث إلى أحبار اليهود فقال : إني مخرب هذا البلد حتى لا تقوم بها يهودية ويرجع الأمر إلى العرب ، فقال له شموال اليهودي وهو يومئذ أعلمهم أيها الملك! أن هذا بلد يكون إليه مهاجر نبي من بني إسماعيل ، مولده بمكة ، اسمه أحمد ، وهذه دار هجرته ، وأن منزلك هذا الذي أنت به يكون به من القتل والجراح كثير في أصحابه وفي عدوهم ، قال تبع : ومن يقاتله يومئذ وهو نبي كما تزعمون ، قال : يسير إليه قومه فيقتتلون هاهنا ، قال : فأين قبره؟ قال بهذا البلد ، قال : فإذا قوتل لمن تكون الدائرة؟ قال تكون له مرة وعليه مرة ، وبهذا المكان الذي أنت به تكون عليه ويقتل أصحابه قتلا لم تقتلوه في موطن ثم تكون له العاقبة ويظهر فلا ينازعه هذا الأمر احد ، قال : وما صفته؟ قال رجل ليس بالطويل ولا بالقصير ، في عينيه حمرة ، يركب البعير ، ويلبس الشملة ، سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى من أخ أو ابن عم أو عم حتى يظهر أمره ، قال تبع : ما إلى هذه البلدة من سبيل ، وما يكون خرابها على يدي ، فخرج تبع منصرفا إلى اليمين ، قال يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه لم يمت تبع حتى صدق بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما كان يهود يثرب يخبرونه ، وان تبع مات مسلما. وقال محمد بن سعد : حدثنا محمد بن عمر ، حدثني عبد الحميد بن جعفر عن أبيه ، قال كان الزبير بن باطا وكان أعلم اليهود يقول : إني وجدت سفرا كان أبي يكتمه علي فيه ذكر أحمد نبي يخرج بأرض القرظ ، صفته كذا وكذا ، فتحدث به الزبير بعد أبيه والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يبعث بعد ، فما هو إلا أن سمع بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد خرج بمكة فعمد إلى ذلك السفر فمحاه وكتم شأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصفته ، وقال ليس به. قال محمد بن عمر وحدثني الضحاك بن عثمان ، عن مخرمة بن سليمان ، عن كريب عن ابن عباس ، قال :

١١٠

كان يهود قريظة والنضير وفدك وخيبر يجدون صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عندهم قبل أن يبعث ، وأن دار هجرته المدينة ، فلما ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت أحبار يهود : ولد أحمد الليلة ، هذا الكوكب قد طلع ، فلما تنبأ قالوا تنبأ أحمد قد طلع الكوكب كانوا يعرفون ذلك ويقرون به ويصفونه فما منعهم إلا الحسد والبغي. وقال محمد بن سعد : أخبرنا علي بن محمد عن أبي عبيدة بن عبد الله وعبد الله بن محمد بن عمار بن ياسر وغيره ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت سكن يهودي بمكة يبيع بها تجارات ، فلما كانت ليلة ولد رسول الله قال في مجلس من مجالس قريش : هل كان فيكم من مولود هذه الليل؟ قالوا : لا نعلمه ، قال انظروا يا معشر قريش واحصوا ما أقول لكم ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة أحمد ، وبه شامة بين كتفيه فيها شعرات ، فتصدع القوم من مجالسهم وهم يعجبون من حديثه ، فلما صاروا في منازلهم ذكروه لأهاليهم فقيل لبعضهم ولد لعبد الله بن عبد المطلب الليلة غلام وسماه محمدا ، فأتوا اليهودي في منزله فقالوا : علمت أنه ولد فينا غلام ، فقال : أبعد خبري أم قبله؟ فقالوا قبله ، واسمه أحمد ، قال ، فاذهبوا بنا إليه ، فخرجوا حتى أتوا أمه فأخرجته إليهم فرأى الشامة في ظهره فغشى على اليهودي ثم أفاق ، فقالوا ما لك؟ ويلك! فقال : ذهبت النبوة من بني إسرائيل ، وخرج الكتاب من أيديهم ، فازت العرب بالنبوة ، أفرحتم يا معشر قريش؟! أما والله ليسطون بكم سطوة يخرج نبؤها من المشرق إلى المغرب. قال ابن سعد وأخبرنا علي بن محمد عن علي بن مجاهد ، عن محمد بن إسحاق ، عن سالم مولى عبد الله بن مطيع ، عن أبي هريرة ، قال : «أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيت المدارس ، فقال أخرجوا إلي أعلمكم ، فقالوا عبد الله بن صوريا ، فخلا به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فناشده بدينه وبما أنعم الله عليهم واطعمهم من المن والسلوى وظللهم من الغمام أتعلم أني رسول الله؟ قال اللهم نعم وأن القوم ليعرفون ما أعرف ، وأن صفتك ونعتك لمبين في التوراة ولكن حسدوك ، قال : فما يمنعك أنت؟ قال : أكره خلاف قومي عسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم. وقال أبو الشيخ الأصبهاني. حدثنا أبو يحيى الرازي ، حدثنا سهل بن عثمان ، حدثنا علي بن مسهر ، عن داود عن الشعبي ، قال قال عمر بن الخطاب : كنت آتي اليهود عند دراستهم التوراة فأعجب من موافقة

١١١

التوراة للقرآن وموافقة القرآن للتوراة ، فقالوا : يا عمر ما أحد أحب إلينا منك لأنك تغشانا ، قلت : إنما أجيء لأعجب من تصديق كتاب الله بعضه بعضا ، فبينا أنا عندهم ذات يوم إذ مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : هذا صاحبك ، فقلت أنشدكم الله وما أنزل عليكم من الكتاب أتعلمون أنه رسول الله؟ فقال سيدهم : قد نشدكم الله فاخبروه ، فقالوا : أنت سيدنا فأخبره ، فقال إنا نعلم أنه رسول الله ، قلت : فأني أهلككم إن كنتم تعلمون أنه رسول الله لم لم تتبعوه؟! قالوا : إن لنا عدوا من الملائكة وسلما من الملائكة ، عدونا جبريل وهو ملك الفظاظة والغلظة ، وسلمنا ميكائيل وهو ملك الرأفة واللين. قلت : فإني أشهد ما يحل لجبريل أن يعادي سلم ميكائيل ولا لميكائيل أن يعادي سلم جبريل ولا أن يسالم عدوه ، ثم قمت فاستقبلني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «ألا أقرئك آيات نزلت علي قبل ، فتلا : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة : ٩٧] ، الآية ، فقلت والذي بعثك بالحق ما جئت إلا لأخبرك بقول اليهود» قال عمر فلقد رأيتني أشد في دين الله من حجر. وذكر أبو نعيم من حديث عمرو بن عبسة قال : رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية ، وعرفت أنها على الباطل يعبدون الحجارة وهي لا تضر ولا تنفع ، فلقيت رجلا من أهل الكتاب فسألته عن أفضل الدين؟ فقال يخرج رجل من مكة ويرغب عن آلهة قومه يأتي بأفضل الدين ، فإذا سمعت به فاتّبعه ، فلم يكن لي هم إلا مكة آتيها فاسأل : هل حدث فيها خبر؟ فيقولون : لا فانصرف إلى أهلي واعترض الركبان فأسألهم فيقولون : لا ، فأني لقاعد إذ مربي راكب فقلت : من أين جئت؟ قال من مكة ، قلت هل حدث حدث فيها؟ قال : نعم ، رجل رغب عن آلهة قومه ودعا إلى غيرها ، قلت صاحبي الذي أريد فشددت راحلتي وجئت فاسلمت. وقال عبد الغني بن سعيد : حدثنا موسى بن عبد الرحمن ، عن ابن جريح ، عن عطاء عن ابن عباس وعن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس : أن ثمانية من أساقفة نجران قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم «العاقب» و «السيد» فأنزل الله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) [آل عمران : ٦١] ، الآية فقالوا : أخرنا ثلاثة أيام ، فذهبوا إلى بني قريظة والنضير وبني قينقاع فاستشاروهم فأشاروا عليهم أن يصالحوه ولا يلاعنوه ، وهو النبي

١١٢

الذي نجده في التوراة والإنجيل ، فصالحوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ألف حلة ، في صفر وألف حلة في رجب ودراهم. وقال يونس بن بكير عن قيس بن الربيع ، عن يونس بن أبي سالم ، عن عكرمة : أن ناسا من أهل الكتاب آمنوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن يبعث فلما بعث كفروا به ، فذلك قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) [آل عمران : ١٠٦].

[حديث سهل مولى عثمة النصراني]

وقال ابن سعد : حدثنا محمد بن سعد بن اسماعيل بن أبي فديك عن موسى بن يعقوب الزمعي عن سهل مولى عثمة أنه كان نصرانيا وكان يتيما في حجر عمه وكان يقرأ الإنجيل ، قال فأخذت مصحفا لعمي فقرأته حتى مرت بي ورقة أنكرت كثافتها ، فإذا هي ملصقة ففتقتها فوجدت فيها نعت محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنه لا قصير ولا طويل ، أبيض بين كتفيه خاتم النبوة ، يكثر الاحتباء ولا يقبل الصدقة ، ويركب الحمار والبعير ، ويحتلب الشاة ويلبس قميصا مرقعا وهو من ذرية إسماعيل اسمه أحمد» قال فجاء عمي فرأى الورقة فضربني ، وقال : مالك وفتح هذه الورقة؟ فقلت : فيها نعت النبي أحمد ، فقال إنه لم يأت بعد. وقال وهب «أوحى الله إلى شعيا أني مبتعث نبيا أفتح به آذانا صما وقلوبا غلفا ، أجعل السكينة لباسه ، والبر شعاره ، والتقوى ضميره ، والحكمة معقوله والوفاء والصدق طبيعته ، والعفو والمغفرة ، والمعروف خلقه ، والعدل سيرته ، والحق شريعته ، والهدى أمامه والإسلام ملته ، وأحمد اسمه ، أهدي به بعد الضلالة ، وأعلم به بعد الجهالة ، وأكثر به بعد القلة ، وأجمع به بعد الفرقة ، وأولف به بين قلوب مختلفة وأهواء متشتتة وأمم مختلفة ، واجعل أمته خير أمة ، وهم رعاة الشمس ، طوبى لتلك القلوب» وذكر ابن أبي الدنيا من حديث عثمان بن عبد الرحمن : أن رجلا من أهل الشام من النصارى قدم مكة ، فأتى على نسوة قد اجتمعن في يوم عيد من أعيادهم وقد غاب أزواجهن في بعض أمورهم ، فقال : يا نساء تيماء : إنه سيكون فيكم نبي يقال له أحمد ، أيتما امرأة منكن استطاعت ان تكون له فراشا فلتفعل ، فحفظت خديجة حديثه.

١١٣

[حديث وهب عن الزبور]

وقال عبد المنعم بن إدريس ، عن أبيه ، عن وهب ، قال في قصة داود ، ومما أوحى الله إليه في الزبور : «يا داود أنه سيأتي من بعدك نبي يسمى أحمد ومحمد ، صادقا سيدا ، لا أغضب عليه أبدا ولا يغضبني أبدا ، قد غفرت له قبل أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأمته مرحومة ، أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء ، وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل ، حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء ، وذلك أني افترضت عليهم ان يتطهروا لكل صلاة ، كما افترضت على الأنبياء قبلهم وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم. يا داود إني فضلت محمدا وامته على الأمم كلها : اعطيتهم ست خصال لم اعطها غيرهم من الأمم : لا أؤاخذهم بالخطإ والنسيان ، وكل ذنب ركبوه على غير عمد إذا استغفروني منه غفرته لهم ، وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبة به أنفسهم عجلته لهم أضعافا مضاعفة أفضل من ذلك ، ولهم في المدخور عندي أضعافا مضاعفة أفضل من ذلك ، وأعطيتهم على المصائب إذا صبروا واسترجعوا الصلاة والرحمة والهدى فان دعوني استجبت لهم ، يا داود من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي صادقا بها فهو معي في جنتي وكرامتي ، ومن لقيني وقد كذب محمدا أو كذب بما جاء به واستهزأ بكتابي صببت عليه في قبره العذاب صبا وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره في قبره ثم أدخله في الدرك الأسفل من النار».

[خبر الحجر الذي وجد في قبر دانيال]

وقال عفان : حدثنا همام عن قتادة ، عن زرارة بن أبي أوفى ، عن مطرف بن مالك : أنه قال شهدت فتح تستر مع الأشعري فأصبنا قبر دانيال بالسوين ، وكانوا إذا أجدبوا خرجوا فاستسقوا به فوجدوا معه رقعة فطلبها نصراني من الحيرة يسمى نعيما فقرأها وفي أسفلها (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) [آل عمران : ٨٥] ، فأسلم منهم يومئذ اثنان وأربعون حبرا ، وذلك في خلافة معاوية فأتحفهم معاوية وأعطاهم. قال همام

١١٤

فأخبرني بسطام بن مسلم أن معاوية بن قرة قال : تذاكرنا الكتاب إلى ما صار فمر علينا شهر بن حوشب فدعوناه فقال على الخبير سقطتم : إن الكتاب كان عند كعب فلما احتضر قال إلا رجل ائتمنه على أمانة يؤديها؟ قال شهر : فقال ابن عم لي يكني أبا لبيد : أنا ، فدفع إليه الكتاب ، فقال : إذا بلغت موضع كذا فاركب قرقورا ثم أقذف به في البحر ففعل ، فانفرج الماء فقذفه فيه ورجع إلى كعب فأخبره فقال صدقت إنه من التوراة التي أنزلها الله عزوجل.

(فصل) ومن ذلك «أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي» ونحن نذكر بعضها. قال الزبير بن بكار : حدثني عمي مصعب ، عن مصعب بن عثمان ، قال : كان أمية قد نظر في الكتب وقرأها ولبس المسوح تعبدا ، وكان ممن ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنيفية وحرم الخمر والأوثان والتمس الدين ، وطمع في النبوة لأنه قرأ في الكتب أن نبيا يبعث من العرب فكان يرجو أن يكون هو ، فلما بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم قيل له : هذا الذي كنت تبشر به وتقول فيه ، فحسده عدو الله وقال أنا كنت أرجو أن اكون هو ، فانزل الله عزوجل فيه : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) [الأعراف : ١٧٥] وهو الذي يقول :

كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفية زور

قال الزبير وحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي ، قال : كان أمية بن أبي الصلت يلتمس الدين ويطمع في النبوة فخرج إلى الشام فمر بكنيسة ، وكان معه جماعة من العرب من قريش وغيرهم فقال أمية : أن لي حاجة في هذه الكنيسة فانتظروني ، فدخل الكنيسة ثم خرج إليهم كاسفا متغيرا فرمى بنفسه ، فاقاموا عليه حتى سرى عنه ، ثم مضوا فقضوا حوائجهم ، ثم رجعوا فلما صاروا إلى الكنيسة قال لهم انتظروني ودخل الكنيسة فأبطأ ثم خرج أسوأ من حاله الأول ، فقال له أبو سفيان بن حرب : قد شققت على رفقتك ، فقال : خلوني فإني أرتاد لنفسي وأطلب لمعادي ، وأن هاهنا راهبا عالما أخبرني أنه سيكون بعد عيسى ست رجفات وقد مضت منها خمس وبقيت واحدة ، فخرجت وأنا أطمع أن أكون نبيا وأخاف أن يخطئني فأصابني ما رأيت ، فلما رجعت أتيته فقال قد كانت الرجفة وقد بعث نبي من العرب فأيست من النبوة فأصابني ما رأيت إذ فاتني ما

١١٥

كنت أطمع فيه. قال وقال الزهري خرج أمية في سفر فنزلوا منزلا فأم أمية وجها وصعد في كثيب فرفعت له كنيسة فانتهى إليها فإذا شيخ جالس ، فقال لأمية حين رآه إنك لمتبوع فمن أين يأتيك رئيك؟ قال من شقي الأيسر ، قال : فأي الثياب أحب إليه أن تلقاه فيها؟ قال السواد ، قال : كدت تكون نبي العرب ولست به ، هذا خاطر من الجن وليس بملك وان نبي العرب صاحب هذا الأمر يأتيه الملك من شقه الأيمن ، وأحب إليه ان يلقاه فيها البياض ، قال الزهري وأتى أمية أبا بكر فقال له يا أبا بكر عمي الخبر ، فهل أحسست شيئا؟ قال : لا والله ، قال قد وجدته يخرج في هذا العام. وقال عمر بن شبة : سمعت خالد بن يزيد يقول : إن أمية وأبا سفيان بن حرب صحباني في تجارة إلى الشام ، فذكر نحو الحديث الأول ، وزاد فيه فخرج من عند الراهب وهو ثقيل ، فقال له أبو سفيان : إن بك لشرا فما قضيتك؟ قال خير ، أخبرني عن عتبة بن ربيعة كم سنه؟ فذكر سنا ، قال : أخبرني عن ماله ، فذكر مالا ، فقال له : وضعته ، قال أبو سفيان بل رفعته ، فقال إن صاحب هذا الأمر ليس بشيخ ولا ذي مال قال وكان الراهب أيأسه وأخبره أن الأمر لرجل من قريش. قال الزبير : وحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي ، قال حدثني رجل من أهل الكوفة ، قال : كان أمية نائما فجاءه طائران فوقع أحدهما على باب البيت ودخل الآخر فشق عن قلبه ثم رده الطائر ، فقال له الطائر الآخر أوعى؟ قال نعم ، قال أزكى؟ قال أبى. وقال الزهري : دخل يوما أمية بن أبي الصلت على أخته وهي تهنأ أدمالها ، فأدركه النوم فنام على سرير في ناحية البيت قالت فانشق جانب من السقف في البيت وإذا بطائرين قد وقع أحدهما على صدره ووقف الآخر مكانه ، فشق الواقع صدره وأخرج قلبه فشقه ، فقال الطائر الآخر للذي على صدره : أوغى؟ قال : وعى ، قال : أقبل؟ قال : أبى ، قال فرد قلبه في موضعه ثم مضى فاتبعهما أمية طرفه وقال : لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما. لا بريء فاعتذر ولا ذو عشيرة فأنتصر ، فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه حتى أخرج قلبه فشقه فقال الطائر الأعلى للواقع : أوعى؟ قال : وعى ، قال : أقبل؟ قال : أبى ، ونهض فاتبعهما أمية بصره فقال : لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما ، لا مال لي يغنيني ولا عشيرة تحميني ، فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه ثم أخرج قلبه فشقه فقال الطائر الأعلى : أوعى؟ قال : وعى : قال :

١١٦

أقبل؟ قال : أبى ، ونهض فأتبعه أمية بصره ، فقال لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما ، محفوف بالنعم محوط بالذنب ، قال فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه فاخرج قلبه فشقه ، فقال الأعلى : أوعى؟ قال : وعى ، قال : أقبل؟ قال أبى قال ونهض فاتبعهما طرفه فقال : لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما :

إن تغفر اللهم تغفر جما

وأي عبد لك لا ألما

ثم انطبق السقف وجلس أمية يمسح صدره ، فقلت يا أخي! هل تجد شيئا؟ قال : لا ولكني أجد حرا في صدري ، ثم أنشأ يقول :

ليتني كنت قبل ما قد بدا لي

في قلال الجبال أرعى الوعولا

اجعل الموت نصب عينيك واحذر

غولة الدهر إن للدهر غولا

وقال مروان بن الحكم ، عن معاوية بن أبي سفيان عن أبي سفيان بن حرب ، قال : خرجت أنا وامية بن أبي الصلت تجارا إلى الشام ، فكان كلما نزلنا منزلا أخرج منه سفرا يقرؤه فكنا كذلك حتى نزلنا بقرية من قرى النصارى فرأوه فعرفوه وأهدوا له ، وذهب معهم إلى بيعتهم ، ثم رجع في وسط النهار فطرح نفسه واستخرج ثوبين أسودين فلبسهما ، ثم قال : يا أبا سفيان : هل لك في عالم من علماء النصارى إليه تناهي علم الكتب تسأله عما بدا لك؟ قلت : لا ، فمضى هو وحده وجاءنا بعد هدأة من الليل فطرح ثوبيه ثم انجدل على فراشه فو الله ما نام ولا قام حتى اصبح واصبح كئيبا حزينا ما يكلمنا ولا نكلمه ، فسرينا ليلتين على ما به من الهم. فقلت له : ما رأيت مثل الذي رجعت به من عند صاحبك ، قال : لمنقلبي ، قلت : وهل لك من منقلب؟ قال : إي والله لأموتن ولأحاسبن ، قلت : فهل أنت قابل اماني؟ قال : على ما ذا؟ قلت : على أنك لا تبعث ولا تحاسب ، فضحك وقال : بلى والله لتبعثن ولتحاسبن ، ولتدخلن فريق في الجنة وفريق في السعير ، قلت : ففي أيهما أنت أخبرك صاحبك؟ قال لا علم لصاحبي بذلك فيّ ولا في نفسه ، فكنا في ذلك ليلتنا يعجب منا ونضحك منه حتى قدمنا غوطة دمشق ، فبعنا متاعنا وأقمنا شهرين ثم ارتجلنا حتى نزلنا قرية من قرى النصارى فلما رأوه جاءوه وأهدوا له وذهب معهم إلى بيعتهم ، حتى جاءنا مع نصف النهار فلبس ثوبيه الأسودين وذهب حتى جاءنا بعد هدأة من

١١٧

الليل فطرح ثوبيه ثم رمي بنفسه على فراشه ، فو الله ما نام ولا قام حتى أصبح مبثوثا حزينا لا يكلمنا ولا نكلمه ، فرحلنا فسرنا ليالي ، ثم قال : يا صخر حدثني عن عتبة بن ربيعة أيجتنب المحارم والمظالم؟ قلت : أي والله ، قال : أو يصل الرحم ويأمر بصلتها؟ قلت نعم ، قال : فكريم الطرفين وسيط في العشيرة؟ قلت نعم : قال : فهل تعلم قرشيا أشرف منه؟ قلت لا والله ، قال : أمحوج هو؟ قلت لا بل هو ذو مال كثير ، قال كم أتى له من السنين؟ قلت هو ابن سبعين أو قد قاربها ، قال : فالسن والشرف أزريا به ، قلت والله بل زاده خيرا قال هو ذاك ، ثم أن الذي رأيت بي إني جئت هذا العالم فسألته عن هذا الذي ينتظر ، فقال رجل من العرب من أهل بيت تحجه العرب ، فقلت : فينا بيت تحجه العرب ، قال هو من إخوانكم وجيرانكم من قريش ، فأصابني شيء ما أصابني مثله إذ خرج من يدي فوز الدنيا والآخرة وكنت أرجو أن أكون أنا هو ، فقلت : فصفه لي؟ فقال : رجل شاب حين دخل في الكهولة ، بدء أمره أنه يجتنب المحارم والمظالم ، ويصل الرحم ويأمر بصلتها ، وهو كريم الطرفين ، متوسط في العشيرة ، أكثر جنده من الملائكة ، قلت : وما آية ذلك؟ قال : رجفت الشام منذ هلك عيسى ابن مريم عدة رجفات كلها فيها مصيبة ، وبقيت رجفة عامة فيها مصيبة ، يخرج على أثرها فقلت هذا هو الباطل ، لئن بعث الله رسولا لا يأخذه إلا مسنا شريفا ، قال أمية : والذي يحلف به إنه لهكذا ، فخرجنا حتى إذا كان بيننا وبين مكة ليلتان أدركنا راكبا من خلفنا فإذا هو يقول أصابت الشام من بعدكم رجفة دثر أهلها فيها فأصابتهم مصائب عظيمة ، فقال أمية كيف ترى يا أبا سفيان؟ فقلت : والله ما أظن صاحبك إلا صادقا ، وقدمنا مكة ثم انطلقت حتى اتيت ارض الحبشة تاجرا وكنت فيها خمسة اشهر ثم قدمت مكة فجاءني الناس يسلمون عليّ وفي آخرهم محمد وهند تلاعب صبيانها ، فسلم عليّ ورحب بي ، وسألني عن سفري ومقدمي ، ثم انطلق فقلت والله إن هذا الفتى لعجب ما جاءني من قريش أحد له معي بضاعة إلا سألني عنها وما بلغت ، والله إن له معي لبضاعة ما هو بأغناهم عنها ثم ما سألني عنها فقالت : أو ما علمت بشأنه؟ فقلت ـ وفزعت ـ وما شأنه؟ قالت : يزعم أنه رسول الله فذكرت قول النصراني فوجمت ، ثم قدمت الطائف فنزلت على أمية فقلت : هل تذكر حديث

١١٨

النصراني؟ قال نعم ، فقلت قد كان ، قال ومن؟ قلت محمد بن عبد الله ، فتصبب عرقا : فقلت : قد كان من أمر الرجل ما كان فأين أنت منه؟ فقال : والله لا أو من بنبي من غير ثقيف أبدا فهذا حديث أبي سفيان عن أمية ، وذلك حديثه عن هرقل وهو في صحيح البخاري ، وكلاهما من أعلام النبوة المأخوذة عن علماء أهل الكتاب.

وذكر الترمذي وغيره من حديث عبد الرحمن بن غزوان وهو ثقة : أخبرنا يونس بن أبي اسحاق ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن أبيه ، قال : خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أشياخ من قريش ، فلما أشرفوا على الراهب حطوا عن رحالهم ، فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت ، قال : فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى إذا جاء فأخذ بيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال هذا سيد العالمين ، هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين ، فقال له أشياخ من قريش : ما علمك؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ، ولا يسجدون إلا لنبي ، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفيه مثل التفاحة ، ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو في رعية الإبل قال أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله ، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة فلما جلس مال فيء الشجر عليه ، فقال انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه ، قال فبينا هو قائم عليهم وهو يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم فان الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه وإذا بسبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم ، وقال ما جاء بكم؟ قالوا : بلغنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس ، وإنا قد خبرنا خبره فبعثنا إلى طريقك هذا فقال : لعل خلفكم احد هو خير منكم : قالوا إنا قد أخبرنا خبره بطريقك هذا ، قال أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه فهل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا : لا ، قال فبايعوه وأقاموا معه ، قال : انشدكم الله أيكم وليه؟ قالوا أبو طالب ، فلم يزل يناشدهم حتى رده ، وقد روى محمد بن سعد هذه القصة مطولة قال ابن سعد حدثنا محمد بن عمر بن واقد ، حدثنا محمد بن صالح وعبد الله بن جعفر الزبيري ،

١١٩

قال محمد بن عمر وحدثنا ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين ، قال لما خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المرة الأولى وهو ابن ثنتي عشرة سنة ، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له ، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه ، فلما نزلوا على بحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون به ولا يكلمهم حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا ، فصنع لهم طعاما ثم دعاهم ، وإنما حمله على دعائهم أنه راهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من دونهم حتى نزلوا تحت الشجرة ، ثم نظر إلى تلك الغمامة اظلت تلك الشجرة فأخضلت اغصان الشجرة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى استظل تحتها ، فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وامر بذلك الطعام فأتى به وارسل إليهم ، وقال إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش وأنا أحب ان تحضروه كلكم ، ولا تخلفوا أحدا منكم كبيرا ولا صغيرا حرا ولا عبدا فإن هذا شيء تكرموني به ، فقال رجل إن لك لشأنا يا بحيرا ما كنت تصنع هذا فما شأنك اليوم؟ قال إني أحب أن أكرمكم ولكم حق ، فاجتمع القوم إليه وتخلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحالهم تحت الشجرة ، فلما نظر بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرفها ويجدها عنده وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم ويراها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال بحيرا يا معشر قريش لا يتخلفن منكم أحد عن طعامي؟ قالوا ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا في رحالهم ، فقال ادعوه ليحضر طعامي فما اقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد مع إني أراه من أنفسكم ، فقال القوم هو والله اوسطنا نسبا وهو ابن أخي هذا الرجل يعنون أبا طالب ، وهو من ولد عبد المطلب ، فقال الحارث بن عبد المطلب : والله إن كان للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا ، ثم قام إليه فاحتضنه واقبل به حتى أجلسه على الطعام والغمامة تسير على رأسه ، وجعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا. وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده في صفته ، فلما تفرقوا عن الطعام قام إليه الراهب فقال : يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تسألني باللات والعزى فو الله ما ابغضت شيئا بغضهما ، قال : فبالله ألا اخبرتني عما

١٢٠