معالم المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١٦

وفي صحيح البخاري (٢) ما ملخّصه :

أن إبراهيم وإسماعيل (ع) لمّا كانا يبنيان البيت ، جعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني ، حتّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر ، فوضعه له ، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة.

وفي رواية بعدها : حتّى ارتفع البناء وضعف الشيخ على نقل الحجارة ، فقام على حجر المقام ، فجعل يناوله الحجارة.

* * *

إنّ الله سبحانه أمر الناس ـ كما هو واضح ـ أن يتبرّكوا بموطإ قدمي إبراهيم (ع) في بيته الحرام ويتّخذوا منه مصلّى ، احياء لذكرى إبراهيم وتخليدا ، وليس فيه شيء من أمر

الشرك بالله جلّ اسمه.

ب ـ الصفا والمروة :

قال الله سبحانه :

(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) البقرة / ١٥٨.

وروى البخاري ما ملخّصه :

أنّ هاجر لمّا تركها إبراهيم (ع) مع ابنها إسماعيل بمكّة ونفد ماؤها عطشت وعطش ابنها وجعل يتلوى ، فانطلقت إلى جبل الصفا كراهية أن تنظر إليه ، فقامت عليه تنظر هل ترى أحدا ، فلم تر أحدا ، فهبطت من الصّفا حتّى إذا بلغت الوادي ، سعت سعي الإنسان المجهود حتّى جاوزت الوادي ، ثمّ أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا ، فلم تر أحدا ، فعلت ذلك سبع مرّات.

__________________

(٢) صحيح البخاري ، كتاب الأنبياء ، باب يزفون النسلان في المشي ، ٢ / ١٥٨ و ١٥٩.

٦١

قال ابن عبّاس : قال النبي (ص) : فذلك سعي الناس بينهما ـ الحديث (٣).

* * *

جعل الله السّعي بين الصّفا والمروة من مناسك الحجّ ، إحياء لذكرى سعي هاجر بينهما واحتفالا بعملها ، واستحباب الهرولة في محلّ الوادي الّذي سعت فيه هاجر سعي الإنسان المجهود ، إحياء لذكرى هرولتها هناك.

ج ـ رمي الجمار :

روى أحمد والطيالسي في مسنديهما عن رسول الله (ص) أنّه قال :

إنّ جبريل ذهب بإبراهيم (ع) إلى جمرة العقبة ، فعرض له الشّيطان ، فرماه بسبع حصيات ، فساخ. ثمّ أتى الجمرة الوسطى ، فعرض له الشّيطان ، فرماه بسبع حصيات ، فساخ. ثمّ أتى الجمرة القصوى ، فعرض له الشّيطان ، فرماه بسبع حصيات ، فساخ ... (٤).

هكذا جعل الله إحياء ذكرى رمي إبراهيم (ع) الشيطان والاحتفال بذكره من مناسك الحجّ.

د ـ الفدية :

قال الله سبحانه في قصّة إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام :

(فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ* فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي

__________________

(٣) صحيح البخاري ، كتاب الأنبياء ، باب يزفون النسلان في المشي ، ٢ / ١٥٨ ، وراجع معجم البلدان ، مادة : (زمزم) ، وذكر تاريخ إسماعيل (ع) من تاريخ الطبري وابن الأثير.

(٤) مسند أحمد ١ / ٣٠٦ ، وقريب منه في ١٢٧. ومسند الطيالسي ح ٢٦٩٧. وراجع مادة : (الكعبة) من معجم البلدان ؛ وتاريخ إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام من تاريخ الطبري وابن الأثير ، وساخت قوائمه في الأرض : غاصت في الأرض.

٦٢

الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى ، قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ* فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ* وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) الصّافّات / ١٠١ ـ ١٠٧.

* * *

وكذلك جعل الله إحياء ذكرى فداء إبراهيم (ع) ابنه إسماعيل (ع) وإرسال الله الكبش فدية له والاحتفال بها من مناسك الحجّ ، وأمر الحجّاج بالفدية في منى اقتداء بإبراهيم (ع) واحتفالا بذكرى موقفه من طاعة الله.

* * *

في مقام إبراهيم (ع) ، انتشرت البركة من قدمي إبراهيم (ع) إلى موطئ قدميه ، وأمر الله باتّخاذه مسجدا في بيته الحرام ، وجعله الله من مناسك الحج إحياء لذكره.

وفي ما يأتي نذكر انتشار البركة من آدم (ع) أبي البشر.

انتشار البركة من آدم (ع) والاحتفال بذكره

وفي بعض الأخبار أن الله جلّ اسمه تاب على آدم (ع) عصر التّاسع من ذي الحجّة بعرفات ، ثمّ أفاض به جبرائيل عند المغيب إلى المشعر الحرام ، وبات فيه ليلة العاشر يدعو الله ويشكره على قبول توبته. ثمّ أفاض منه صباحا إلى منى وحلق فيه رأسه يوم العاشر إمارة لقبول توبته وعتقه من الذنوب ، فجعل الله ذلك اليوم عيدا له ولذرّيّته ، وجعل كلّ ما فعله آدم أبد الدهر من مناسك الحجّ لذرّيّته ، يقبل توبتهم عصر التاسع بعرفات ، ويذكرون الله ليلا بالمشعر الحرام ، ويحلقون رءوسهم يوم العاشر بمنى. ثمّ أضيف إلى هذه المناسك ما فعله بعد ذلك إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام وهاجر ، وتمّت بها

٦٣

مناسك الحجّ للنّاس كما ذكرناه سابقا.

إذا ، فإنّ أعمال الحجّ كلّها تبرّك بتلك الأزمنة والأمكنة الّتي حلّ بها عباد الله الصّالحون أولئك ، وكلّها احتفال بذكرهم أبد الدهر.

وفي ما يأتي نضرب مثالا لانتشار الشؤم ـ أيضا ـ إلى المكان من المكين.

انتشار الشؤم إلى المكان من المكين

روى مسلم أنّ رسول الله (ص) عام تبوك نزل بالناس الحجر عند بيوت ثمود ، فاستسقى الناس من الآبار الّتي كان يشرب منها ثمود ، فعجنوا منها ونصبوا القدور باللّحم. فأمرهم رسول الله (ص) فأهرقوا القدور وعلفوا العجين الإبل. ثمّ ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر الّتي كانت تشرب منها الناقة ونهاهم أن يدخلوا على القوم الّذين عذّبوا ، قال : إنّي أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم ، فلا تدخلوا عليهم (٥).

وفي لفظ مسلم : ولا تدخلوا مساكن الّذين ظلموا أنفسهم إلّا أن تكونوا باكين ، حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم. ثمّ زجر وأسرع حتّى خلفها.

وفي لفظ البخاري : ثمّ قنع رأسه وأسرع السّير حتّى أجاز الوادي.

وفي رواية أخرى بمسند أحمد : وتقنّع بردائه وهو على الرحل (٦).

منشأ الشؤم والبركة في المكان

من أين نشأ شؤم بلاد ثمود وآبار ثمود وانتشر منها إلى غيرها عدا أنه نشأ من قوم ثمود ، وانتشر منهم إلى بلادهم وآبارهم ، وبقي فيها إلى عصر

__________________

(٥) أورده مسلم باختصار في صحيحه ، كتاب الزهد والرقائق ، باب لا تدخلوا مساكن الّذين ظلموا أنفسهم ... ح ٤٠ ، واللفظ لمسند أحمد ٢ / ١١٧. وصحيح البخاري ، كتاب المغازي باب نزول النبيّ (ص) الحجر. والطبري في خبر ثمود ، ط. أوربا ١ / ٢٥٠.

(٦) مسند أحمد ٢ / ٦٦.

٦٤

خاتم الأنبياء (ص) ، وإلى ما شاء الله. ومن أين نشأ فضل بئر ناقة صالح (ع) عدا ما كان من شرب ناقة صالح (ع) منها ، وانتشر الفضل منها إلى البئر ، وبقي فيها إلى عصر خاتم الأنبياء (ص) ، وإلى ما شاء الله.

وليست ناقة صالح (ع) وبئرها بأكرم على الله من إسماعيل (ع) وبئره زمزم ، بل كذلك جعل الله البركة في زمزم من بركة إسماعيل (ع) أبد الدهر.

وكذلك شأن انتشار البركة مما يفيضه الله على عباده الصّالحين في أزمنة خاصّة مثل بركة يوم الجمعة.

بركة يوم الجمعة

في صحيح مسلم :

«أنّ الله خلق آدم يوم الجمعة ، وأدخله الجنة يوم الجمعة ...» (٧).

هذا وغيره ممّا أفاضه الله على عباده الصّالحين في يوم الجمعة ، خلّد البركة في يوم الجمعة أبد الدهر.

البركة في شهر رمضان

وكذلك الشأن في بركة شهر رمضان ؛ فقد قال سبحانه :

(شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) البقرة / ١٨٥.

وقال سبحانه :

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ...) القدر / ١ ـ ٣.

إذا فقد انتشرت البركة من ليلة القدر الّتي أنزل فيها القرآن على خاتم

__________________

(٧) صحيح مسلم ، كتاب الجمعة ، باب فضل الجمعة ، ح ١٧ و ١٨.

٦٥

أنبياء الله (ص) إلى جميع أزمنة شهر رمضان ، وتخلّدت البركة في ذلك الشّهر من تلك اللّيلة إلى أبد الدهر.

هكذا وجدنا انتشار البركة من الزمان المبارك والمكان المبارك بما بارك به على أصفيائه ، وأمرنا الله بأن نقتدي بعمل أصفيائه ، ونقلّد أعمالهم في أزمنتها وأمكنتها ، احتفالا بذكرهم وإحياء لأمرهم ، ولتشملنا البركة الّتي عمّتهم. وما المانع الشرعي من القيام بالاحتفال بأمثالها من المناسبات الإسلامية كميلاد الرسول (ص) ، وليلة أسري به (ص) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ويوم بعثه (ص) الله رحمة للعالمين؟

* * *

بعد انتهائنا من الإشارة إلى رجحان الاحتفال بذكرى أصفياء الله ، نؤكد أنّنا نقصد من الاحتفال بذكرى أصفياء الله ـ مثلا ـ قراءة سيرة رسول الله (ص) الصحيحة غير المحرّفة في ليلة ميلاده (ص) ، وإطعام الطّعام في سبيل الله وإهداء ثوابه لرسول الله (ص) مع الاجتناب من القيام بأعمال ابتدعها بعض المتصوّفة.

ونشير في ما يأتي إشارة عابرة إلى الخلاف حول مسألة البناء على القبور واتّخاذها محلّا للعبادة.

٦٦

ـ ٦ ـ

الخلاف حول البناء على قبور الأنبياء

واتّخاذها محلّا للعبادة

استدلّ قسم من المسلمين على تحريم البناء على القبور بروايات أهمّها ما يأتي :

أ ـ عن عليّ قال : كان رسول الله (ص) في جنازة ، فقال :

أيّكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وحدثنا إلّا كسره ، ولا قبرا إلّا سوّاه ، ولا صورة إلّا لطخها؟ فقال (رجل) :

أنا يا رسول الله ، فانطلق فهاب أهل المدينة ، فرجع. فقال عليّ :

أنا أنطلق يا رسول الله. قال :

فانطلق. فانطلق ، ثمّ رجع ، فقال :

يا رسول الله ، لم أدع بها وثنا إلّا كسرته ولا قبرا إلّا سوّيته ، ولا صورة إلّا لطختها.

وقد تكرّر ورود هذا الحديث في كتب الحديث واكتفينا بإيراد أتمّ لفظ منه (١).

__________________

(١) مسند أحمد ١ / ٨٧ و ٨٩ و ٩٦ و ١١٠ ، ١١١ ، ١٢٨ ، ١٣٨ ، ١٣٩ ، ١٤٥ ، ١٥٠. ومسند الطيالسي ، ح ٩٦ ، ١٥٥.

٦٧

علّة الحديث :

أوّلا ـ سنذكر في ما يأتي أنّ رسول الله (ص) زار قبر أمّه ، وبكى وأبكى من حوله. وكانت أمّه قد توفّيت في السنة السادسة من عمره الشريف بالمدينة المنوّرة ، وعلى هذا فقد زار الرسول قبر أمّه بعد نيف وأربعين سنة ، حين هاجر إلى المدينة المنوّرة ، وأن أثر قبر أمّه عند ذاك كان ماثلا للعيان ، وإلّا لما عرف قبرها. وإذا كان الحكم الإسلامي ، هو تسوية القبور فلم لم يأمر النبيّ (ص) بهدم قبر أمّه عند ذاك؟

ثانيا ـ إنّ أهل المدينة بعد أن أسلم بعضهم أرسل لهم الرسول (ص) بادئ ذي بدء مصعب بن عمير ، يعلّم من أسلم منهم ما ورد من الإسلام يوم ذاك. ولمّا وفدوا إلى الحجّ ، حضر المسلمون منهم العقبة وبايعوا رسول الله (ص) سرّا ، ولم ينتشر الإسلام بينهم ، إلى أن هاجر الرسول (ص) إليهم ، وتبعه الإمام عليّ (ع) بعد ثلاث أو أكثر وقصّة وروده المدينة بعد ذلك مشهورة.

وتدرّج الرسول (ص) في بسط حكمه على المدينة بعد أن عاهد يهود قريظة وبني النضير وبني قينقاع ، ودخل أهل المدينة كلّهم في الإسلام متدرّجا. فمتى كان إرسال النبيّ (ص) الإمام عليّا (ع) من تشييع جنازة إلى المدينة ليهدم الأصنام ويسوّي القبور ويلطخ الصّور ، كالحاكم الّذي لا رادّ لأمره؟ أضف إليه أنّ محتوى الخبر أنّ المرسل الأول ذهب ، وهم في تشييع الجنازة ، ورجع خائبا ، ثمّ أرسل النبيّ (ص) الإمام عليّا (ع) بعده وهم لا يزالون في تشييع الجنازة. فكيف يتمّ ذلك!؟

ثالثا ـ وفي بقية الحديث أنّ الإمام عليّا (ع) قال لأبي الهياج الأسدي : أبعثك فيما بعثني رسول الله (ص) أمرني أن أسوّي كلّ قبر وأطمس كلّ

٦٨

صنم (٢).

ولا يكون إرسال الإمام أبا الهياج الأسدي في أمر إلّا في عصر خلافته ، وعليه يتّجه هذا السؤال : متى كان إرسال الإمام أبا الهياج الأسدي؟ أفي عصر خلافته وبعد الفتوحات الإسلامية وبعد زمن الخلفاء الثلاثة أم قبله؟ وإلى أي بلد بعث الإمام عليّ أبا الهياج لتهديم القبور وطمس الأصنام؟

وأخيرا في كلا الخبرين أمر من الرسول (ص) والإمام عليّ (ع) ـ إن صحّ الخبران ـ بتهديم قبور المشركين في بلد الشّرك ، فكيف يدلّ ذلك على انتشار هذا الحكم إلى قبور المسلمين ووجوب تهديمها؟

ب ـ رووا عن النبيّ (ص) أنّه قال : اللهمّ لا تجعل قبري وثنا ، لعن الله قوما اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد (٣).

وفي الرواية الثانية شخّص الّذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وقال :

قاتل الله اليهود ، اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد (٤).

علّة الحديث :

إنّ بني إسرائيل بعد أن ساروا من مصر وعبروا البحر وجازوا التّيه وبلغوا فلسطين ، أصبح لهم بيت عبادة وهو (بيت المقدس) ولم يكن لهم بيت عبادة غيره. وفي عصر سليمان أصبح لسليمان الملك النبيّ بلاط يسمّى هيكل سليمان. فأين كانت قبور أنبيائهم الّتي اتّخذوها مساجد؟ وكان بيت المقدس وبلده تحت أنظار المسلمين والعرب قبل عصر رسول الله (ص). وأمّا ما بقي من قبور أنبيائهم مثل قبر الخليل وموسى بن عمران ، فإنّا لم نر ولم نسمع ولم

__________________

(٢) مسند أحمد ١ / ٨٩ و ٩٦.

(٣) مسند أحمد ٢ / ٢٤٦.

(٤) مسند أحمد ٢ / ٢٨٥.

٦٩

يكتب أحد أنّ اليهود اتّخذوهما وحدثنا. وعلى فرض أن قبرا اتّخذ وحدثنا ، فإنه لا يصدق على احترام القبر وزيارة القبر ، فإنّ اتّخاذه وحدثنا يعني أن يستقبل القبر كما تستقبل الكعبة في الصّلوات. فأين هذا من ذاك؟

* * *

ليس مورد الشك في كلّ ما ذكرناه ، وما سنذكره بعد هذا ، أحاديث رسول الله (ص) ـ معاذ الله ـ وإنّما البحث يجري حول رواة الأحاديث الّذين لم يعصمهم الله من الخطأ والسهو والنسيان.

كان ما ذكرناه أمثلة من أدلّة من رأى البناء على القبور مخالفا للشّريعة الإسلاميّة.

وفي ما يأتي أدلّة من رأى ذلك موافقا لها.

أدلّة من رأى جواز اتّخاذ مقابر الأنبياء محلّا للعبادة

يستدلّ من يرى صحّة اتّخاذ مقابر الأنبياء محلّا للعبادة بأنّ الطائفين حول الكعبة يطوفون حول حجر إسماعيل (ع) ويتمسّحون بجداره ، وفيه قبر إسماعيل (ع) وأمّه هاجر ، كما أجمع عليه علماء الأمّة الإسلامية :

فقد ورد في سيرة ابن هشام (ت : ٢١٨ ه‍) وتاريخ الطبري (ت : ٣١٠ ه‍) وابن الأثير (ت : ٦٣٠ ه‍) وابن كثير (ت : ٧٧٤ ه‍) واللفظ لابن هشام : ودفن ـ إسماعيل ـ في الحجر مع أمّه هاجر. وفي لفظ ابن الأثير : وأوصى إسماعيل أن يدفن عند قبر أمّه في الحجر (٥).

وروى ابن سعد في طبقاته وقال :

__________________

(٥) راجع ذكر خبر إسماعيل (ع) وولده في كلّ من سيرة ابن هشام ط. مصر ، سنة ١٣٥٥ ه‍ ١ / ٦ وتاريخ الطبري ط. أوربا ١ / ٣٥٢. وتاريخ ابن الأثير ط. أوربا ١ / ٨٩. وتاريخ ابن كثير ١ / ١٩٣. ومادة : (حجر) من معجم البلدان.

٧٠

إنّ إسماعيل لمّا بلغ عشرين سنة توفّيت أمّه هاجر وهي ابنة تسعين سنة ، فدفنها إسماعيل في الحجر. وإنّ إسماعيل توفّي بعد أبيه ، فدفن في الحجر ممّا يلي الكعبة مع أمّه هاجر.

وفي رواية بعدها :

قبر إسماعيل تحت الميزاب بين الركن والبيت (٦).

وفي الاكتفاء للكلاعي ما موجزه : دفن هاجر وإسماعيل وابنه نابت في الحجر (٧).

وقد وصف ابن جبير قبري إسماعيل وأمّه هاجر في رحلته وقال :

وتحت الميزاب في صحن الحجر ، بمقربة من جدار البيت الكريم ، قبر إسماعيل (ع) وعلامته رخامة خضراء مستطيلة قليلا شكل محراب تتّصل بها رخامة خضراء مستديرة ، وكلتاهما غريبة المنظر ، فيهما نكت تنفتح عن لونها إلى الصفرة قليلا كأنّها تجزيع ، وهي أشبه الأشياء بالنكت الّتي تبقى في البيدق من حلّ الذهب فيه. وإلى جانبه ممّا يلي الركن العراقي قبر أمّه هاجر رضي الله عنها ، وعلامته رخامة خضراء سعتها مقدار شبر ونصف. يتبرّك الناس بالصلاة في هذين الموضعين من الحجر ، وحقّ لهم ذلك لأنّهما من البيت العتيق ، وقد انطبقا على جسدين مقدّسين مكرّمين ، نوّرهما الله ، ونفع ببركتهما كلّ من صلّى عليهما. وبين القبرين المقدّسين سبعة أشبار (٨).

__________________

(٦) لخّصنا روايات ابن سعد الثلاث من طبقاته ١ / ٢٥ ، ط. أوربا.

(٧) الاكتفاء في مغازي المصطفى والثلاثة الخلفاء ص : ١١٩ ، تصحيح هنري ماسة ، مطبعة جول كريونل ، الجزائر ، ١٩٣١ م.

والكلاعي هو أبو الربيع ، سليمان بن موسى بن سالم الحميري الكلاعي ، ولد سنة ٥٦٥ ه‍ ، وتوفّي سنة ٦٣٤ ه‍. اعتمدنا ترجمته من مقدّمة الكتاب.

(٨) ابن جبير هو محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي ، البلنسي الأصل ، الغرناطي الاستيطان. ولد ليلة السبت عاشر ربيع الأول سنة ٥٤٠ أو سنة ٥٣٩ ه‍ ، وتوفي بالاسكندرية ـ

٧١

كان هذا ما ورد في كتب مدرسة الخلفاء ، وورد في كتب حديث مدرسة هل البيت كالآتي :

ورد في الكافي للكليني (ت : ٣٢٩ ه‍) وكتاب من لا يحضره الفقيه وعلل الشرائع للصدوق (ت : ٣٨١ ه‍) والوافي للفيض (ت : ١٠٨٩ ه‍) والبحار للمجلسي (ت : ١١١١ ه‍) واللفظ للأول : وفيه ـ أي في الحجر ـ قبر هاجر وقبر إسماعيل (ع) (٩).

وفيها أيضا : وفيه ـ أي في الحجر ـ قبور أنبياء (١٠).

وورد أيضا في الكافي والوافي والبحار : ودفن في الحجر ، ممّا يلي الركن

__________________

ـ ليلة الأربعاء ، التاسع أو السابع والعشرين لشعبان سنة ٦١٦ ه‍. وكان أديبا بارعا ، شاعرا مجيدا ، سريّ النفس ، كريم الأخلاق ، من علماء الأندلس بالفقه والحديث.

ورحلة ابن جبير : كتاب وصف فيه ابن جبير رحلة قام بها للحجّ ، استغرقت عامين وثلاثة أشهر ونصفا ، من يوم الاثنين التاسع عشر لشهر شوال ٥٧٨ ه‍ ، إلى يوم الخميس الثاني والعشرين لمحرم ٥٨١ ه‍ ، وزار فيها مصر وبلاد العرب والعراق والشام وصقلية وغيرها. ووصف هذا الرحالة المدن الّتي مرّ بها ، والمنازل الّتي حلّ فيها من هذه الأقطار جميعا.

وقد نقلنا ما أوردناه هنا من ط. دار مصر للطباعة ، عام ١٣٧٤ ه‍ ، تحقيق الدكتور حسين نصار ، ص ٦٣ ، ورجعنا إلى مقدمة الكتاب في ترجمة ابن جبير.

(٩) فروع الكافي ، كتاب الحجّ ، باب حجّ إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام وبنائهما البيت ... ح ١٤ ، ط. دار الكتب الإسلامية ، طهران. ١٣٩١ ه‍ ، ٤ / ٢١٠. وفقيه من لا يحضره الفقيه ، كتاب الحجّ ، باب علل الحجّ ، ح ٣ ، ط. دار الكتب الإسلامية ، طهران ١٣٩٠ ه‍ ، ٢ / ١٢٥ ـ ١٢٦ ، وباب نكت في حجّ الأنبياء والمرسلين ، ح ٨ ، ٢ / ١٤٩. والوافي ، كتاب الحجّ ، باب حجّ إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام ... ط. الأولى ، ٨ / ٢٨. والبحار ، كتاب النبوة ، باب أحوال أولاد إبراهيم (ع) وأزواجه وبناء البيت ، ح ٤١ ، ٥ / ١٤٣ ، وح ٥٤ ، ٥ / ١٤٤.

(١٠) فروع الكافي ، كتاب الحجّ ، باب حجّ ابراهيم (ع) ... ح ١٥ ، ٤ / ٢١٠. والبحار عن الصدوق ، كتاب النبوة ، باب أحوال أولاد إبراهيم (ع) ، ح ٤٠ ، ٥ / ١٤٢ ، ط. الأولى كمباني وباب أخبار أولاد إبراهيم ... ح : ٥٥ ، ٥ / ١٤٤. والوافي ، كتاب الحجّ ، باب حجّ إبراهيم ... ٨ / ٢٨.

٧٢

الثالث ، عذارى بنات إسماعيل (ع) (١١).

وروى أبو بكر الفقيه عن النبيّ (ص) أنّه قال :

ما من نبيّ هرب من قومه إلّا هرب إلى الكعبة يعبد الله فيها حتّى يموت وأنّ قبر هود وشعيب وصالح في ما بين زمزم والمقام ، وأنّ في الكعبة قبر ثلاثمائة نبيّ ، وما بين الركن اليماني إلى الركن الأسود قبر سبعين نبيّا (١٢).

ويستدلّون على صحّة البناء على القبر ، إضافة إلى ما سبق ، بأنّ قبور رسول الله (ص) والخليفتين أبي بكر وعمر في بناء مسقّف منذ أن توفّوا إلى يومنا الحاضر.

ويستدلّون أيضا بقوله تعالى :

(وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) البقرة / ١٢٥. وقوله تعالى في ما أخبر عن قصّة أصحاب الكهف :

(قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) الكهف / ٢١.

* * *

إنّ الوهابيّين يسمّون المسلمين الّذين يزورون قبور الأنبياء والصّحابة والأئمة بالقبوريّين. ومن الأحرى ، مع ما ذكرنا ، أن يسمّوا خاتم الأنبياء (ص) وأصحابه والأنبياء من قبلهم الّذين طافوا حول حجر إسماعيل (ع) بالقبوريّين ، لما في حجر إسماعيل من قبر هاجر وإسماعيل (ع) وولده وكذلك أنبياء من قبلهم!!

* * *

__________________

(١١) فروع الكافي ، كتاب الحجّ ، باب حجّ إبراهيم ... ح ١٦ ، ٤ / ٢١٠. والوافي ، كتاب الحجّ ، باب حجّ إبراهيم ... ٨ / ٢٨. والبحار ، ح ٥٦ ، ٥ / ١٤٤.

(١٢) مختصر كتاب البلدان ، تأليف أبى بكر أحمد بن الفقيه الهمداني (ت : ٣٤٠ ه‍) ط. بريل بليدن سنة ١٣٠٢ ه‍ ص ١٧.

٧٣

هكذا كان اختلاف الأحاديث في بناء القبور ، أو بالأحرى اختلاف فهم الأحاديث ، منشأ هذا الخلاف.

وفي ما يأتي نذكر الخلاف حول البكاء على الميّت ومنشأه.

٧٤

ـ ٧ ـ

الاختلاف في البكاء على الميّت ومنشؤه

كان البكاء على الميّت ، وخاصّة الشهيد ، من سنّة الرسول (ص) فقد روى البخاري في صحيحه : أنّ النبيّ نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للنّاس قبل أن يأتيهم خبرهم وقال :

أخذ الراية زيد ، فأصيب. ثمّ أخذ جعفر ، فأصيب. ثمّ أخذ ابن رواحة ، فأصيب ، ـ وعيناه تذرفان ـ ... (١).

وفي ترجمة جعفر من الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة وخبر غزوة مؤتة من تاريخ الطبريّ وغيره ما ملخّصه :

لمّا أصيب جعفر وأصحابه دخل رسول الله (ص) بيته وطلب بني جعفر ، فشمّهم ودمعت عيناه ، فقالت زوجته أسماء : بأبي وأمّي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال : نعم أصيبوا هذا اليوم. فقالت أسماء : فقمت أصيح وأجمع النساء ، ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول : وا عمّاه. فقال رسول الله (ص) على مثل جعفر فلتبك البواكي.

__________________

(١) صحيح البخاري ، كتاب فضائل أصحاب النبي ، باب مناقب خالد بن الوليد ، ٢ / ٢٠٤ ط. الحلبي بمصر.

٧٥

بكاء الرسول (ص) على ابنه إبراهيم

في صحيح البخاري :

قال أنس : دخلنا مع رسول الله (ص) ... وإبراهيم يجود بنفسه. فجعلت عينا رسول الله تذرفان ، فقال له عبد الرحمن بن عوف (رض) : وأنت يا رسول الله!؟ فقال : يا ابن عوف ، إنّها رحمة. ثمّ أتبعها بأخرى فقال : إنّ العين تدمع والقلب يحزن ، ولا نقول إلّا ما يرضي ربّنا ، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون.

وفي سنن ابن ماجة :

فانكبّ عليه وبكى (٢).

بكاء الرسول (ص) على حفيده

في صحيح البخاري :

أنّ ابنة النبيّ (ص) أرسلت إليه : أنّ ابنا لي قبض فأتنا. فقام ومعه سعد بن عبادة ورجال من أصحابه. فرفع إلى رسول الله (ص) ونفسه تتقعقع. ففاضت عيناه ، فقال سعد:

يا رسول الله ما هذا؟ فقال :

هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وإنّما يرحم الله من عباده الرّحماء (٣).

__________________

(٢) صحيح البخاري ، كتاب الجنائز ، باب قول النبيّ (ص) : إنّا بك لمحزونون ، ١ / ١٥٨ واللفظ له. وصحيح مسلم ، كتاب الفضائل ، باب رحمته بالصبيان والعيال ، ح ٦٢. وسنن ابن ماجة ، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في النظر إلى الميّت ، ح ١٤٧٥ ، ١ / ٤٧٣. وطبقات ابن سعد ، ط. أوربا ، ١ / ق ١ / ٨٨. ومسند أحمد ٣ / ١٩٤.

(٣) تتقعقع : أي تضطرب روحه لها صوت وحشرجة كصوت الماء إذا ارتقى في القربة الخالية.

٧٦

ندب الرسول (ص) إلى البكاء على عمّه حمزة

في مغازي الواقدي وطبقات ابن سعد ما موجزه :

لمّا سمع رسول الله (ص) بعد غزوة أحد البكاء من دور الأنصار على قتلاهم ، ذرفت عينا رسول الله (ص) وبكى ، وقال : لكن ، حمزة لا بواكي له. فسمع ذلك سعد بن معاذ ، فرجع إلى نساء بني عبد الأشهل فساقهنّ إلى باب رسول الله (ص) فبكين على حمزة. فسمع ذلك رسول الله (ص) فدعا لهنّ وردّهنّ. فلم تبك امرأة من الأنصار بعد ذلك إلى اليوم على ميّت ، إلّا بدأت بالبكاء على حمزة ، ثمّ بكت على ميّتها (٤).

بكى الرّسول (ص) على قبر أمّه وأبكى من حوله

زار رسول الله (ص) قبر أمّه فبكى وأبكى من حوله (٥).

أمر الرسول (ص) بإرسال الطعام لأهل المصاب

لمّا جاء نعي جعفر ، قال النبيّ (ص) : اصنعوا لأهل جعفر طعاما ،

__________________

صحيح البخاري ، كتاب الجنائز ، باب قول النبيّ (ص) : «يعذّب الميّت ببعض بكاء أهله عليه» واللفظ له. وكتاب المرضى ، باب عيادة الصبيان ، ٤ / ٣. وصحيح مسلم ، كتاب الجنائز ، باب البكاء على الميت ، ح ١١ ، ص : ٦٣٦. وسنن أبي داود ، كتاب الجنائز ، باب البكاء على الميت ، ح ٣١٢٥ ، ٣ / ١٩٣. وسنن النسائي ، كتاب الجنائز ، باب الأمر بالاحتساب والصبر ، ١ / ٢٦٤. ومسند أحمد ٢ / ٣٠٦ و ٣ / ٨٣ و ٨٨ و ٨٩.

(٤) أوردناه من ترجمة حمزة في طبقات ابن سعد ط. دار صادر بيروت ١٣٧٧ ه‍ ، ٣ / ١١. وأكثر تفصيلا منه في مغازي الواقدي ١ / ٣١٥ ـ ٣١٧. وبعده إمتاع الاسماع ١ / ١٦٣. ومسند أحمد ٢ / ٤٠. وتاريخ الطبري.

وأورده ابن عبد البرّ بإيجاز بترجمة حمزة من الاستيعاب ، وباختصار أيضا. ابن الأثير بترجمته من أسد الغابة.

(٥) سنن النسائي ، كتاب الجنائز ، باب زيارة قبر المشرك ، ١ / ٢٦٧. وسنن أبي داود ، كتاب الجنائز ، باب زيارة القبور ، ح ٣٢٣٤ ، ٣ / ٢١٨. وسنن ابن ماجة ، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في زيارة قبور المشركين ، ح ١٥٧٢ ، ١ / ٥٠١.

٧٧

فإنّه قد جاءهم ما يشغلهم (٦).

عيّن الرسول (ص) أيام الحداد على الميّت

تواتر عن النبيّ (ص) أنّه عيّن حداد المرأة على غير زوجها ثلاثا ، وعلى زوجها فكما قال الله : (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (٧) البقرة / ٢٣٤.

منشأ الخلاف حول البكاء على الميّت

مرّ في ما سبق أنّ رسول الله (ص) بكى على المتوفّى قبل أن يتوفّى وبعده ، خاصّة الشّهيد ، وأنّه أمر بالبكاء على الشّهيد ، وبكى على قبر أمّه

__________________

(٦) سنن ابن ماجة ، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت ح ١٦١٠ و ١٦١١ ، ١ / ٥١٤. وفي سنن الترمذي ٤ / ٢١٩ ، أبواب الجنائز ، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميّت ، وقال : هذا حديث حسن صحيح. وسنن أبي داود ، كتاب الجنائز ، باب صنعة الطعام لأهل الميّت ، ح ٣١٣٢ ، ٣ / ١٩٥ ، ومسند أحمد ١ / ٢٠٥ و ٦ / ٣٧٠.

(٧) راجع البخاري ، كتاب الجنائز ، باب حداد المرأة على غير زوجها ، ١ / ١٥٤ ، وكتاب الطلاق باب تحدّ المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ، ٣ / ١٨٩ ، وباب ٦٨ الكحل للحادة وباب القسط للحادة عند الطهر وباب تلبس الحادة ثياب العصب وباب (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) ٣ / ١٨٩ ـ ١٩٠. وصحيح مسلم ، كتاب الطلاق ، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك إلّا ثلاثة أيام ، ح ١٤٨٦ و ١٤٨٧ ، ١٤٩٠ ، ١٤٩١ ص ١١٢٤ و ١١٢٥ و ١١٢٦ و ١١٢٧ و ١١٢٨. وسنن أبي داود ، كتاب الطلاق ، باب حداد المتوفى عنها زوجها ، ح ٢٢٩٩ ، ٢ / ٢٩٠ ، وباب فيما تجتنبه المعتدة في عدتها ح ٢٣٠٢ ، ٢ / ٢٩١. وسنن الترمذي ، كتاب الطلاق واللعان ، باب ما جاء في عدة المتوفّى عنها زوجها ، ٥ / ١٧١ ـ ١٧٤. وسنن النسائي ، كتاب الطلاق ، باب عدة المتوفى عنها زوجها ، وباب الإحداد ، وباب سقوط الإحداد عن الكتابية المتوفى عنها زوجها ، وباب ترك الزينة للحادة المسلمة دون اليهودية والنصرانية ، وباب ما تجتنب الحادة من الثياب المصبغة ، وباب الخضاب للحادة. وسنن ابن ماجة ، كتاب الطلاق ، باب هل تحد المرأة على غير زوجها ، ح ٢٠٨٥ ـ ٢٠٨٧ ، ١ / ٣٧٤. وسنن الدارمي ، كتاب الطلاق ، باب في إحداد المرأة على الزوج ، ٢ / ١٦٧. وموطأ مالك ، كتاب الطلاق ح ١٠١ ، ١٠٥. وطبقات ابن سعد ٤ / ق ١ / ٢٧ ، ٢٨ و ٨ / ٧٠. ومسند أحمد ٥ / ٨ و ٦ / ٣٧ ، ١٨٤ ، ٢٤٩ ، ٢٨١ ، ٢٨٦ ، ٢٨٧ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٣٢٦ ، ٣٦٩ ، ٤٠٨ ، ٤٢٦. ومسند الطيالسي ح ١٥٨٧ ، ١٥٨٩ ، ١٥٩١.

٧٨

وأبكى من حوله ، وأمر بصنع الطّعام لأهل الميّت ، وعين حداد المرأة على غير الزوج ثلاثا.

إذن ، فالبكاء على المتوفّى والحداد عليه وصنع الطّعام لأهله ، من سنّة الرسول (ص) فما هو منشأ الخلاف والنهي عن البكاء على الميّت؟ نرجع أيضا إلى صحيحي البخاري ومسلم فنجد حديث المنع عن البكاء من الخليفة عمر (رض).

الخليفة عمر يروي أنّ رسول الله (ص) نهى عن البكاء ، وأمّ المؤمنين

عائشة تستدرك عليه.

في صحيح البخاري ومسلم ، عن ابن عبّاس :

لمّا أن أصيب عمر دخل صهيب يبكي ويقول : وا أخاه! وا صاحباه! فقال عمر : يا صهيب ، أتبكي عليّ وقد قال رسول الله : «إنّ الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه»؟ فقال ابن عباس : فلمّا مات عمر ، ذكرت ذلك لعائشة فقالت : رحم الله عمر ، والله ما حدّث رسول الله (ص) : إنّ الله ليعذّب المؤمن ببكاء أهله عليه ، ولكن رسول الله (ص) قال : «إنّ الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه» ، وقالت : حسبكم القرآن : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى). قال ابن عبّاس (رض) عند ذلك : والله هو أضحك وأبكى (٨).

وفي صحيح مسلم : ذكر عند عائشة أنّ ابن عمر يرفع إلى النبيّ (ص) :

«إنّ الميّت يعذّب في قبره ببكاء أهله عليه» فقالت :

__________________

(٨) صحيح البخاري ، كتاب الجنائز ، باب قول النبي (ص) يعذب الميت ببكاء أهله عليه ، ١ / ١٥٥ ـ ١٥٦ ، وصحيح مسلم ، كتاب الجنائز ، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه ، ح ٢٢ ، ص ٦٤١.

٧٩

وهل (٩) ، إنّما قال رسول الله (ص) :

«إنّه ليعذّب بخطيئته أو بذنبه وإنّ أهله ليبكون عليه».

وفي رواية قبله :

ذكر عند عائشة قول ابن عمر : الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه ، فقالت رحم الله أبا عبد الرحمن سمع شيئا فلم يحفظه. إنّما مرّت جنازة يهوديّ على رسول الله وهم يبكون عليه ، فقال :

«أنتم تبكون وإنّه ليعذّب.» (١٠).

قال الإمام النّووي (ت : ٦٧٦ ه‍) في شرح صحيح مسلم عن روايات النهي عن البكاء المرويّة عن رسول الله (ص) : وهذه الروايات من رواية عمر ابن الخطّاب وابنه عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ وأنكرت عائشة ونسبتها إلى النسيان والاشتباه عليهما ، وأنكرت أن يكون النبيّ (ص) قال ذلك (١١).

ويظهر من الحديث الآتي أنّ منشأ الخلاف كان اجتهاد الخليفة عمر في النهي عن البكاء في مقابل سنّة الرسول (ص) بالبكاء ، فقد ورد في الحديث أنه : مات ميّت من آل الرسول (ص) فاجتمع النساء يبكين عليه ، فقام عمر ينهاهنّ ويطردهنّ فقال رسول الله (ص) : دعهنّ يا عمر فإنّ العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب (١٢).

__________________

(٩) وهل : بفتح الواو وفتح الهاء وكسرها ، أي غلط ونسي.

(١٠) صحيح مسلم ، كتاب الجنائز ، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه ، ح ٢٥ و ٢٦ ، ص ٦٤٢ ـ ٦٤٣ وح ٢٧ ، ص ٦٤٣. وقريب من لفظ الترمذي في كتاب الجنائز ، باب ما جاء في الرخصة في البكاء على الميّت ، ٤ / ٢٢٥. وسنن أبي داود ، كتاب الجنائز ، ح ٣١٢٩ ، ٣ / ١٩٤.

(١١) شرح النووي بهامش صحيح مسلم ط. المطبعة المصرية ١٣٤٩ ه‍ ، ٦ / ٢٢٨ ، كتاب الجنائز ، باب الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه.

(١٢) سنن النسائي ، كتاب الجنائز ، باب الرخصة في البكاء على الميّت. وسنن ابن ماجة ، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في البكاء على الميّت ح ١٥٨٧ ص : ٥٠٥. ومسند أحمد ٢ / ١١٠ ، ٢٧٣ ، ٣٣٣ ، ٤٠٨ ، ٤٤٤.

٨٠