معالم المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١٦

قال الطبري :

(نهوا عن مناجات النبيّ (ص) حتّى يتصدّقوا ، فلم يناجه أحد إلّا عليّ بن أبي طالب) (٣٣).

وفي أسباب النزول للواحدي وغيره عن الإمام عليّ :

(كان لي دينار فبعته وكنت إذا ناجيت الرسول (ص) تصدّقت بدرهم حتّى نفد)(٣٤).

وفي رواية :

(كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم فكنت إذا جئت إلى النبيّ (ص) ...)(٣٥).

وروى الزمخشري في تفسير الآية :

(أنّه تصدق في عشر كلمات سألهنّ رسول الله (ص)).

وفي رواية عن الإمام :

إنّ في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي : آية النجوى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ ...) الآية ، كان عندي دينار ـ إلى قوله : ـ ثمّ نسخت فلم يعمل بها أحد ، فنزلت : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ...) المجادلة / ١٣ (٣٦) هكذا كان مع رسول الله (ص) ولم يفارقه حتّى آخر لحظة من حياته.

قالت عائشة :

(قال رسول الله (ص) لمّا حضرته الوفاة :

«ادعوا لي حبيبي» ، فدعوا له أبا بكر ، فنظر إليه ، ثمّ وضع رأسه.

__________________

(٣٣) تفسير الطبري ٢٨ / ١٤ ـ ١٥. والدرّ المنثور ٦ / ١٨٥.

(٣٤) أسباب النزول للواحدي ص ٣٠٨ ، والطبري في تفسير الآية.

(٣٥) تفسير الآية في الدرّ المنثور ٦ / ١٨٥. والرياض النضرة ٢ / ٢٦٥.

(٣٦) تفسير السيوطي ٦ / ١٨٥. والرياض النضرة ٢ / ٢٦٥. والكشاف ٤ / ٧٦.

٥٢١

ثمّ قال : «ادعوا لي حبيبي» ، فدعوا له عمر ، فلمّا نظر إليه ، وضع رأسه.

ثمّ قال : «ادعوا لي حبيبي» فدعوا له عليّا (ع) ، فلمّا رآه أدخله في الثوب الّذي كان عليه فلم يزل يحتضنه حتّى قبض ويده عليه) (٣٧).

وعن ابن عباس :

(إنّ النبيّ ثقل وعنده عائشة وحفصة إذ دخل عليّ (ع) فلمّا رآه النبيّ (ص) رفع رأسه ثمّ قال : «ادن منّي ، ادن منّي» ، فأسنده فلم يزل عنده حتّى توفي) (٣٨).

وعن أمّ سلمة قالت :

(والّذي أحلف به أن كان عليّ (ع) لأقرب الناس عهدا برسول الله (ص). عدنا رسول الله (ص) غداة وهو يقول : جاء عليّ؟ جاء عليّ؟ مرارا ، فقالت فاطمة : كأنّك بعثته في حاجة ، قالت. فجاء بعد ، قالت أمّ سلمة : فظننت أنّ له إليه حاجة فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب وكنت من أدناهم إلى الباب ، فأكبّ عليه رسول الله (ص) وجعل يسارّه ويناجيه ، ثمّ قبض رسول الله من يومه ذلك ، فكان عليّ أقرب الناس عهدا).

قال الحاكم : هذا حديث صحيح الاسناد (٣٩).

* * *

عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله (ص) :

«من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن غرسها

__________________

(٣٧) الرياض النضرة ٢ / ٢٣٧ ، ط. الثانية ، مطبعة دار التأليف مصر ، وذخائر العقبى ص ٧٢.

(٣٨) مجمع الزوائد ٩ / ٣٦.

(٣٩) مسند أحمد ٦ / ٣٠٠. وخصائص النسائي ص ٤٠. ومستدرك الصحيحين ٣ / ١٣٨ ـ ١٣٩.

٥٢٢

ربّي ، فليوال عليّا من بعدي ، وليوال وليّه ، وليقتد بالأئمة من بعدي فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي ، رزقوا فهما وعلما ، وويل للمكذّبين بفضلهم من أمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي» (٤٠).

إلى هنا ذكرنا ما ورد في حقّ الوصيّ الأوّل بعد الرسول (ص) ، وفي ما يأتي نذكر ما ورد في شأن أوصياء الرسول بعد الوصيّ الأوّل.

__________________

(٤٠) حلية الأولياء لأبي نعيم ١ / ٨٦.

٥٢٣

ما ورد في حقّ سبطي رسول الله (ص)

ذكرنا في ما سبق شيئا ممّا ورد في حقّ الإمام الأوّل عليّ بن أبي طالب. وفي ما يأتي نذكر ما ورد في حقّ سبطي رسول الله (ص) ، منه قوله لكلّ منهما : «هذا منّي» ، وقد عرفنا معنى (منّي) في البحث السابق.

الحسن والحسين من رسول الله وسبطاه

في مسند أحمد عن المقدام بن معدي كرب :

أنّ رسول الله وضع الحسن في حجره وقال : «هذا منّي ...» (١).

وعن البراء بن عازب قال :

قال النبيّ (ص) للحسن أو الحسين : «هذا منّي» (٢).

وروى البخاري والترمذي وابن ماجة وأحمد والحاكم عن يعلى بن مرّة أنّ رسول الله (ص) قال :

«حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحبّ حسينا ، حسين سبط من الأسباط» (٣).

__________________

(١) مسند أحمد ٤ / ١٣٢. وكنز العمال ١٣ / ٩٩ و ١٠٠ و ١٦ / ٢٦٢. ومنتخب الكنز ٥ / ١٠٦. والجامع الصغير بشرح فيض القدير ٣ / ١٤٥.

(٢) كنز العمال ١٦ / ٢٧٠.

(٣) البخاري في الأدب المفرد باب معانقة الصبي ح ٣٦٤. والترمذي ١٣ / ١٩٥ في باب مناقب الحسن والحسين. وابن ماجة ، كتاب المقدمة ، باب ١١ ، ح ١٤٤. ومسند أحمد ٤ / ١٧٢.

٥٢٤

وفي رواية :

«الحسن والحسين سبطان من الأسباط» (٤).

وعن أبي رمثة قال ، قال رسول الله (ص) :

«حسين منّي وأنا منه هو سبط من الأسباط» (٥).

وفي رواية :

«الحسن والحسين سبطان من الأسباط» (٦).

وعن البراء بن عازب قال : قال رسول الله (ص) :

«حسين منّي وأنا منّه أحبّ الله من أحبّه ، الحسن والحسين سبطان من الأسباط»(٧).

إنّ قول رسول الله (ص) : «منّي» في هذه الروايات بحقّ الحسنين نظير قوله بحقّ أبيهما الإمام عليّ ، أراد في جميعها ، أنّهم منه في مقام تبليغ أحكام الإسلام.

وكذلك نرى أنّ قوله في حقّهما أنّهما سبطان من الأسباط ، لا يعني أنّهما حفيدان كما أنّ جميع البشر ما عداهما حفدة ، فهذا هذر من القول حاشا رسول الله (ص) منه ، بل إنّ الألف واللام في الأسباط للعهد الذهني من القرآن الكريم ، أي : أنّهما من الأسباط المذكورين في كتاب الله في قوله تعالى :

(قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ

__________________

ومستدرك الحاكم ٣ / ١٧٧. ووصف هو والذهبي الحديث بانّه صحيح ، وأسد الغابة ٢ / ١٩ و ٥ / ١٣٠.

(٤) كنز العمال ١٦ / ٢٧٠.

(٥) كنز العمال ١٣ / ١٠٦.

(٦) كنز العمال ١٣ / ١٠١ و ١٠٥.

(٧) كنز العمال ١٦ / ٢٧٠.

٥٢٥

رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) البقرة / ١٣٦.

وقوله تعالى :

(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى ...) البقرة / ١٤٠.

وقوله تعالى :

(قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ ...) آل عمران / ٨٤.

وقوله تعالى :

(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ ...) النساء / ١٦٣.

وعليه فإنّ الألف واللام في «الأسباط» في حديث رسول الله (ص) بحقّ الحسنين للعهد الذهني عند المسلمين من هذه الآيات ، وإنّ قول رسول الله (ص) في حقّهما نظير قوله في حقّ أبيهما : أنّه منه بمنزلة هارون من موسى ، وقد شرح الله سبحانه تلك المنزلة فيما حكى عن موسى أنّه قال :

(وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى ...) طه / ٢٩ ـ ٣٦.

وقوله تعالى :

(وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ...) القصص / ٣٤ ـ ٣٥.

وقوله تعالى :

(وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ

٥٢٦

الْمُفْسِدِينَ ...) الأعراف / ١٤٢.

وفيما أخبر سبحانه عنهما وقال :

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً ...) الفرقان / ٣٥.

وقال :

(ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ ...) المؤمنون / ٤٥.

في هذه الآيات جعل الله هارون ردءا لموسى ووزيرا وشريكا في النبوّة استخلفه موسى في قومه ، فلمّا نصّ خاتم الأنبياء على أنّ عليّا منه بمنزلة هارون من موسى واستثنى من كلّ ذلك النبوّة وأنّه لا نبيّ بعده ، بقي منها للإمام عليّ ردء ووزارة ومشاركة في التبليغ على عهد الرسول (ص) ، ومن بعده الخلافة في قومه وحمل أعباء التبليغ. وكذلك الأمر مع ولديه الحسنين. ونستثني النبوّة ممّا كان للأسباط لأنّه لا نبيّ بعد خاتم الأنبياء ، ويبقى لهما حمل مسئولية تبليغ الأحكام الإسلامية عن الله.

أوردنا في ما سبق ما ورد في حقّ الأوصياء الثلاثة الأول بعد رسول الله (ص) وفي ما يأتي نذكر ما ورد في شأن آخر أوصياء الرسول (ص) في السنّة النبويّة.

٥٢٧

بشارات النبيّ (ص) بظهور المهديّ (ع) في آخر الزمان

المهديّ يواطئ اسمه اسم النبيّ (ص)

سنن الترمذي في باب ما جاء في المهدي (ع) ، وأبو داود في كتاب المهديّ وغيرهما قال رسول الله (ص) :

«لا تذهب الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي» (١).

في مستدرك الصحيحين ومسند أحمد وغيرهما ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله (ص) :

«لا تقوم الساعة حتّى تملأ الأرض ظلما وجورا وعدوانا ، ثمّ يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا» (٢).

__________________

(١) سنن الترمذي ٩ / ٧٤. ورواه أبو داود في صحيحه في كتاب المهديّ ٢ / ٧ ، وطبعة دار إحياء السنّة النبوية (د. ت) ٤ / ١٠٦ ـ ١٠٧ ، ح ٤٢٨٢ ، وأبو نعيم في حليته ٥ / ٧٥. وأحمد بن حنبل في مسنده ١ / ٣٧٦. والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٤ / ٣٨٨. وكنز العمال ط. الأولى ٧ / ١٨٨ بزيادة : (وخلقه خلقي). والسيوطي في تفسير سورة محمد (ص) في تفسير الآية : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ ...) ، الدرّ المنثور ٦ / ٥٨.

(٢) مستدرك الصحيحين ٤ / ٥٥٧. ورواه أبو نعيم في حليته ٣ / ١٠١ باختلاف يسير في اللفظ ، وأحمد بن حنبل في مسنده ٣ / ٣٦ ، وغيرهم. والسيوطي في تفسير الآية : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ ...) من سورة محمد (ص) ٦ / ٥٨.

٥٢٨

إنّ المهدي (ع) من أهل بيت النبيّ (ص)

في سنن ابن ماجة في أبواب الجهاد عن أبي هريرة ، قال :

قال رسول الله (ص) : «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطوّله الله عزوجل حتّى يملك رجل من أهل بيتي ، يملك جبل الديلم والقسطنطينية».

وفي سنن ابن ماجة ـ أيضا ـ في أبواب الفتن في باب خروج المهدي ، ومسند أحمد وغيرهما ، عن عليّ (ع) قال :

قال رسول الله (ص) : «المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة». ورواه آخرون أيضا (٣).

وفي مستدرك الصحيحين قال : عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (ص) :

أنّه قال : «المهديّ منّا أهل البيت ، أشمّ الأنف ، أقنى ، أجلى ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، يعيش هكذا ـ وبسط يساره وإصبعين يمينة المسبّحة والإبهام وعقد ثلاثة ـ».

قال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه ورواه أبو داود أيضا (٤).

المهديّ (ع) من ولد فاطمة (ع)

وفي سنن أبي داود عن أمّ سلمة قالت : سمعت رسول الله (ص)

__________________

(٣) رواه أبو نعيم في حليته ٣ / ١٧٧ ، وزاد فقال : في يومين ، ورواه أحمد بن حنبل أيضا ١ / ٨٤. وذكر السيوطي في الدر المنثور ٦ / ٥٨ في تفسير سورة محمد (ص) الآية : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ) وقال : أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة عن عليّ (ع). كتاب الفتن ، باب خروج المهدي ح ٤٠٨٥.

(٤) مستدرك الصحيحين ٤ / ٥٥٧. ورواه أبو داود في صحيحه ٦ / ١٣٦ ، كتاب المهدي من سنن أبي داود ٤ / ١٠٧ ، ح ٤٢٨٥.

٥٢٩

يقول : «المهديّ من عترتي من ولد فاطمة» (٥).

وفي كنز العمّال قال : عن عليّ (ع).

قال : «المهديّ رجل منّا من ولد فاطمة» (٦).

المهدي (ع) من ولد الحسين (ع)

وفي ذخائر العقبى عن أبي أيّوب الأنصاري قال :

قال رسول الله (ص) : «يولد منهما ـ يعني الحسن والحسين (ع) ـ مهديّ هذه الأمّة» (٧).

وفي ذخائر العقبى ـ أيضا ـ قال : عن حذيفة أنّ النبيّ (ص).

قال : «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل ذلك اليوم حتّى يبعث الله رجلا من ولدي اسمه كاسمي ، فقال سلمان : من أيّ ولدك يا رسول الله؟ قال : من ولدي هذا» ، وضرب بيده على الحسين (ع).

* * *

أكّد رسول الله (ص) في رواياته على إمامة الإمام الأوّل عليّ بن أبي طالب (ع) أكثر من سائر الأئمة ، وعلى البشارة بآخرهم المهديّ ، وعلى أنّ

__________________

(٥) كتاب المهدي ٤ / ٧ ، ح ٤٢٨٤ باب خروج المهدي من كتاب الفتن ٢ / ١٣٦٨. وسنن أبي داود ٧ / ١٣٤. ورواه ابن ماجة في صحيحه في أبواب الفتن في باب خروج المهدي وقال : المهديّ من ولد فاطمة. ورواه الحاكم أيضا في مستدرك الصحيحين ٤ / ٥٥٧ وقال : هو حقّ ـ يعني المهدي عليه‌السلام ـ وهو من بني فاطمة. وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ٢ / ٢٤ وقال : المهدي من ولد فاطمة. وذكره السيوطي في الدرّ المنثور في تفسير سورة محمد (ص) من تفسير الآية (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ) ٦ / ٥٨ وقال : أخرجه أبو داود وابن ماجة والطبراني والحاكم عن أمّ سلمة.

(٦) كنز العمال ط. الأولى ٧ / ٢٦١.

(٧) ذخائر العقبى ص ١٣٦.

٥٣٠

عددهم اثنا عشر ، لأنّه إذا ثبت الأوّل والآخر والعدد ، لا يبقى أدنى شك في من هم الأئمة الّذين عددهم اثنا عشر وأوّلهم الإمام عليّ وآخرهم المهدي ، سلام الله عليهم أجمعين.

٥٣١

نصوص على إمامة أئمة أهل البيت (ع)

النصوص الواردة عن رسول الله (ص) على إمامة أهل البيت (ع) على الأمّة من بعده كثيرة ، منها ما ورد في حقّ جمي ع أئمة أهل البيت ، وأخرى تخصّ بعضهم. وممّا ورد في عامّتهم حديث الثقلين.

حديث الثقلين

أ ـ في حجّة الوداع

روى الترمذي عن جابر ، قال :

رأيت رسول الله في حجّته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول :

«يا أيّها الناس إنّي قد تركت فيكم ، ما إن أخذتم به لن تضلّوا ؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي».

قال الترمذي : وفي الباب عن أبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد (١).

__________________

(١) الترمذي ١٣ / ١٩٩ باب مناقب أهل بيت النبيّ. وراجع كنز العمّال ١ / ٤٨.

٥٣٢

ب ـ في غدير خمّ

في صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن الدارمي والبيهقي وغيرها واللفظ للأوّل ، عن زيد بن أرقم ، قال :

(إنّ رسول الله قام خطيبا بماء يدعى خمّا بين مكّة والمدينة ... ثمّ قال :

«ألا يا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب ، وإنّي تارك فيكم ثقلين : أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ... وأهل بيت ...») (٢).

وفي سنن الترمذي ومسند أحمد واللفظ للأوّل :

«إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» (٣).

وفي مستدرك الصحيحين :

«كأنّي قد دعيت فأجبت ، إنّي تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله ، وعترتي ؛ فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ...» (٤).

وفي رواية :

__________________

(٢) صحيح مسلم باب فضائل علي بن أبي طالب. ومسند أحمد ٤ / ٣٦٦. وسنن الدارمي ٢ / ٤٣١ باختصار. وسنن البيهقي ٢ / ١٤٨ و ٧ / ٣٠ منه باختلاف يسير في اللفظ. وراجع الطّحاوي في مشكل الآثار ٤ / ٣٦٨.

(٣) الترمذي ١٣ / ٢٠١. وأسد الغابة ٢ / ١٢ في ترجمة الإمام الحسن. والدرّ المنثور في تفسير آية المودة من سورة الشورى.

(٤) مستدرك الصحيحين وتلخيصه ٣ / ١٠٩. وخصائص النسائي ص ٣٠ ، وفي مسند أحمد ٣ / ١٧ : «إنّي أوشك أن ادعى فأجيب» وفي ص ١٤ و ٢٦ و ٥٩ منه أكثر تفصيلا. وطبقات ابن سعد ٢ / ق ٢ / ٢. وكنز العمّال ١ / ٤٧ و ٤٨ وفي ٩٧ موجزا.

٥٣٣

«أيّها الناس إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتّبعتموهما ، وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي ...».

قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (٥).

وقد ورد هذا الحديث بألفاظ أخرى في مسند أحمد وحلية الأولياء وغيرهما (٦) عن زيد بن ثابت.

* * *

في الحديث السابق أخبر الرسول في آخر سنة من حياته : أنّه بشر ، يوشك أن يأتيه رسول ربّه ، ويدعى فيجيب ويلتحق بربّه ، وقال : «إنّي تارك فيكم ، ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما».

قاله مرّة في عرفة ، وأخرى في غدير خمّ ، وهذا النصّ من رسول الله في تعيين مرجع الأمّة من بعده ، عمّ جميع الأئمة من عترته.

وفي الروايات التالية :

نصّ الرسول (ص) على عددهم :

حديث عدد الأئمة

أخبر الرسول أنّ عدد الأئمة الّذين يلون من بعده اثنا عشر ، كما روى عنه ذلك أصحاب الصحاح والمسانيد الآتية.

أ ـ روى مسلم عن جابر بن سمرة أنّه سمع النبيّ يقول :

__________________

(٥) مستدرك الصحيحين ٣ / ١٠٩ بطريقين ، وقريب منه ما في ٣ / ١٤٨.

(٦) مسند أحمد ٤ / ٣٦٧ و ٣٧١ و ٥ / ١٨١. وتاريخ بغداد للخطيب ٨ / ٤٤٢. وحلية الأولياء ١ / ٣٥٥ و ٩ / ٦٤. وأسد الغابة ٣ / ١٤٧. ومجمع الزوائد للهيثمي ٩ / ١٦٣ و ١٦٤.

٥٣٤

«لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش».

وفي رواية :

«لا يزال أمر الناس ماضيا ...».

وفي حديثين منهما :

«إلى اثني عشر خليفة ...».

وفي سنن أبي داود :

«حتّى يكون عليكم اثنا عشر خليفة».

وفي حديث :

«إلى اثني عشر» (٧).

وفي البخاري ، قال : سمعت النبيّ (ص) يقول :

«يكون اثنا عشر أميرا» ، فقال كلمة لم أسمعها. فقال أبي : قال : «كلّهم من قريش».

وفي رواية :

ثمّ تكلّم النبيّ (ص) بكلمة خفيت عليّ فسألت أبي : ما ذا قال رسول الله (ص)؟ فقال : «كلهم من قريش» (٨).

__________________

(٧) صحيح مسلم ٦ / ٣ ـ ٤ بباب الناس تبع لقريش من كتاب الإمارة. واخترنا هذا اللفظ من الرواية لأنّ جابرا كان قد كتبها. وفي صحيح البخاري ٤ / ١٦٥ ، كتاب الأحكام. وسنن الترمذي باب ما جاء في الخلفاء من أبواب الفتن. وسنن أبي داود ٣ / ١٠٦ ، كتاب المهدي. ومسند الطيالسي ح ٧٦٧ و ١٢٧٨. ومسند أحمد ٥ / ٨٦ ـ ٩٠ و ٩٢ ـ ١٠١ و ١٠٦ ـ ١٠٨ وكنز العمّال ١٣ / ٢٦ ـ ٢٧. وحلية أبي نعيم ٤ / ٣٣٣.

وجابر بن سمرة بن جنادة العامري ثمّ السوائي ، ابن أخت سعد بن أبي وقاص ، وحليفهم ، مات في الكوفة بعد السبعين ، وروى عنه أصحاب الصحاح ١٤٦ حديثا ، ترجمته بأسد الغابة. وتقريب التهذيب. وجوامع السيرة ص ٢٧٧.

(٨) فتح الباري ١٦ / ٣٣٨. ومستدرك الصحيحين ٣ / ٦١٧.

٥٣٥

وفي رواية :

«لا تضرّهم عداوة من عاداهم» (٩).

ب ـ وفي رواية :

«لا تزال هذه الأمّة مستقيما أمرها ، ظاهرة على عدوّها ، حتّى يمضي منهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ، ثمّ يكون المرج أو الهرج» (١٠).

ج ـ وفي رواية :

«يكون لهذه الأمّة اثنا عشر قيّما لا يضرهم من خذلهم كلّهم من قريش» (١١).

د ـ «لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا» (١٢).

ه ـ وعن أنس :

«لن يزال هذا الدين قائما إلى اثني عشر من قريش فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها» (١٣).

و ـ وفي رواية :

«لا يزال أمر هذه الأمّة ظاهرا حتّى يقوم اثنا عشر كلّهم من قريش» (١٤) ز ـ وروى أحمد والحاكم وغيرهم واللفظ للأوّل عن مسروق قال :

(كنّا جلوسا ليلة عند عبد الله (ابن مسعود) يقرئنا القرآن ، فسأله رجل فقال : يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله (ص) كم يملك هذه الأمّة من

__________________

(٩) فتح الباري ١٦ / ٣٣٨.

(١٠) منتخب الكنز ٥ / ٣٢١. وتاريخ ابن كثير ٦ / ٢٤٩. وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٠. وكنز العمال ١٣ / ٢٦. والصواعق المحرقة ص ٢٨.

(١١) كنز العمال ١٣ / ٢٧ ، ومنتخبه ٥ / ٣١٢.

(١٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٢ / ٢٠٢. والصواعق المحرقة ص ١٨ ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٠.

(١٣) كنز العمال ١٣ / ٢٧.

(١٤) كنز العمال ١٣ / ٢٧ عن ابن النجار.

٥٣٦

خليفة؟ فقال عبد الله : ما سألني عن هذا أحد منذ قدمت العراق قبلك ، قال : سألناه فقال : اثنا عشر عدّة نقباء بني إسرائيل) (١٥).

ح ـ وفي رواية قال ابن مسعود : قال رسول الله :

«يكون بعدي من الخلفاء عدّة أصحاب موسى» (١٦).

قال ابن كثير : (وقد روي مثل هذا عن عبد الله بن عمر وحذيفة وابن عباس) (١٧). ولست أدري هل قصد من رواية ابن عباس ما رواه الحاكم الحسكاني عن ابن عباس أو غيره.

نصّت الروايات الآنفة أنّ عدد الولاة اثنا عشر وأنّهم من قريش ، وقد بيّن الإمام عليّ في كلامه المقصود من قريش وقال :

(إنّ الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ولا يصلح الولاة من غيرهم) (١٨). وقال :

(اللهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة إمّا ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته ...) (١٩).

__________________

(١٥) مسند أحمد ١ / ٣٩٨ و ٤٠٦.

قال أحمد شاكر في هامش الأول : اسناده صحيح.

ومستدرك الحاكم وتلخيصه للذهبي ٤ / ٥٠١. وفتح الباري ١٦ / ٣٣٩ مختصرا. ومجمع الزوائد ٥ / ١٩٠. والصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٢. وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص : ١٠. والجامع الصغير له ١ / ٧٥. وكنز العمال للمتقي ١٣ / ٢٧.

وقال : أخرجه الطبراني ونعيم بن حمّاد في الفتن.

وفيض القدير في شرح الجامع الصغير للمناوي ٢ / ٤٥٨. وأورد الخبرين ابن كثير في تاريخه عن ابن مسعود باب ذكر الأئمة الاثني عشر الّذين كلّهم من قريش ٦ / ٢٤٨ ـ ٢٥٠.

(١٦) ابن كثير ٦ / ٢٤٨. وكنز العمال ١٣ / ٢٧. وراجع شواهد التنزيل للحسكاني ١ / ٤٥٥ ، ح ٦٢٦.

(١٧) ابن كثير ٦ / ٢٤٨.

(١٨) نهج البلاغة الخطبة ١٤٢.

(١٩) ينابيع المودة للشيخ سليمان الحنفي في الباب المائة ، ص ٥٢٣. وراجع إحياء علوم الدين للغزالي ١ / ٥٤. وفي حلية الأولياء ١ / ٨٠ بإيجاز.

٥٣٧

وقال ابن كثير :

(وفي التوراة الّتي بأيدي أهل الكتاب ما معناه : أنّ الله تعالى بشّر إبراهيم بإسماعيل وأنّه ينميه ويكثره ويجعل من ذرّيّته اثني عشر عظيما).

وقال :

(قال ابن تيميّة : وهؤلاء المبشّر بهم في حديث جابر بن سمرة وقرّر أنهم يكونون مفرّقين في الأمّة ولا تقوم الساعة حتّى يوجدوا).

وغلط كثير ممّن تشرف بالإسلام من اليهود فظنّوا أنّهم الّذين تدعو إليهم فرقة الرافضة فاتّبعوهم (٢٠).

قال المؤلف :

والبشارة المذكورة ، أعلاه في سفر التكوين ، الإصحاح (١٧ / الرقم : ١٨ ـ ٢٠) من التوراة المتداولة في عصرنا. وقد جاءت هذه البشارة في الأصل العبري كالأتي :

جاء في سفر التكوين قول (الرب) لإبراهيم (ع) ما نصّه بالعبرية :

«في ليشّماعيل بيرختي أوتوؤ في هفريتي أوتو

في هربيتي بمئود مئودا ، شنيم عسار نسيئيم يوليد

في نتتيف لكوي گدول» (٢١).

وتعني حرفيا : «وإسماعيل أباركه ، وأثمّره ، وأكثّره جدا جدا ، اثنا عشر إماما يلد ، وأجعله أمة كبيرة».

__________________

(٢٠) تاريخ ابن كثير ٦ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

(٢١) «العهد القديم» سفر التكوين ١٧ : ٢٠ ، ص ٢٢ ـ ٢٣.

٥٣٨

أشارت هذه الفقرة إلى أنّ المباركة ، والأثمار ، والتكثير إنما يكون في صلب اسماعيل (ع) و «شنيم عسار» تعني «اثنا عشر» ، ولفظة «عسار» تأتي في «العدد التركيبي إذا كان المعدود مذكرا» (٢٢) ، والمعدود هنا «نسيئيم» وهو مذكر وبصيغة الجمع لاضافة ال (يم) في آخر الاسم ، والمفرد «ناسى» وتعني : إمام ، زعيم ، رئيس» (٢٣).

وأما قول (الرب) لإبراهيم (ع) في الفقرة نفسها أيضا :

«في نتتيف كوي كدول» ، نلاحظ أنّ «في نتتيف» مكونة من حرف العطف (في) ، والفعل (ناتن) بمعنى : (أجعل ، أذهب) (٢٤) ، والضمير «يف» في آخر الفعل «نتتيف» يعود على إسماعيل (ع) ، أي «وأجعله» ، وأما كلمة (كوي) فتعني : «أمة ، شعب» (٢٥) ، و «كدول» تعني : «كبير ، عظيم» (٢٦) ، فتصبح (وأجعله أمة كبيرة) ، فيتضح من هذه الفقرة أنّ التكثير والمباركة إنّما هما في صلب إسماعيل (ع) ، مما يجعل القصد واضحا في الرسول محمد (ص) وأهل بيته (ع) باعتبارهم امتدادا لنسل إسماعيل (ع) ، ذلك لأن الله (تعالى) أمر إبراهيم بالخروج من بلاد «نمرود» إلى الشام ، فخرج ومعه امرأته «سارة» و «لوط» ، مهاجرين إلى حيث أمرهم الله (تعالى) ، فنزلوا أرض فلسطين. ووسّع الله (تعالى) على إبراهيم (ع) في كثرة المال ، فقال : «ربّ ما أصنع بالمال ولا ولد لي» ، فأوحى الله (عزوجل) إليه «إني مكثّر ولدك حتى يكونوا عدد النجوم». وكانت «هاجر» جارية لسارة ، فوهبتها لإبراهيم (ع) ، فحملت منه ،

__________________

(٢٢) «المعجم الحديث» عبري ـ عربي ، ص ٣١٦.

(٢٣) المصدر السابق ، ص ٣٦٠.

(٢٤) المصدر السابق ، ص ٣١٧.

(٢٥) المصدر السابق ، ص ٨٤.

(٢٦) المصدر السابق ، ص ٨٢.

٥٣٩

وولدت له إسماعيل (ع) ، وإبراهيم (ع) يومئذ ابن «ست وثمانين سنة» (٢٧).

والقرآن الكريم يشير إلى هذه الحقيقة من خلال توجّه إبراهيم (ع) بالدعاء إلى الله تعالى : «ربّنا إنّي أسكنت من ذرّيّتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرّم ربّنا ليقيموا الصّلاة فاجعل أفئدة من النّاس تهوي إليهم وارزقهم من الثّمرات لعلّهم يشكرون» (٢٨). فالآية الكريمة تؤكّد أن إبراهيم (ع) قد أسكن بعضا من ذرّيّته وهو إسماعيل (ع) ومن ولد منه في مكّة ودعا الله تعالى أن يجعل في ذرّيّته الرّحمة والهداية للبشرية ما بقي الدهر ، فاستجاب الله لدعوته بأن جعل في ذرّيّته محمّدا (ص) واثني عشر إماما من بعده. وقد قال الإمام الباقر (ع) : «نحن بقية تلك العترة وكانت دعوة إبراهيم لنا» (٢٩).

خلاصة الأحاديث الآنفة

نستخلص ممّا سبق ونستنتج : أنّ عدد الأئمة في هذه الأمّة اثنا عشر على التوالي ، وأنّ بعد الثاني عشر منهم ينتهي عمر هذه الدنيا.

فقد ورد في الحديث الاوّل :

«لا يزال هذا الدين قائما حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة ...».

فإنّ هذا الحديث يعيّن مدّة قيام الدين ويحدّدها بقيام الساعة ، ويعيّن عدد الأئمة في هذه الأمّة باثنى عشر شخصا. وفي الحديث الخامس :

«لن يزال هذا الدين قائما إلى اثني عشر من قريش فاذا هلكوا ماجت

__________________

(٢٧) «تاريخ اليعقوبي» ج ١ ، ص ٢٤ ـ ٢٥ ، مؤسسة نشر ثقافة أهل البيت (قم)

(٢٨) سورة إبراهيم ، الآية : ٣٧.

(٢٩) نقلنا ما ورد في الأصل العبري من التوراة والتعليق عليها من مقال للاستاذ أحمد الواسطي في مجلة التوحيد ، اصدار منظمة الإعلام الإسلامي في طهران. العدد : ٥٤ ، ص ١٢٧ ـ ١٢٨

٥٤٠