معالم المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١٦

الكتب في أمر الجمل وصفّين أو غيرهما ممّا فيه فضيلة للإمام علي ، يمكننا أن نقدّر عظم الخسارة في ما أخفي عن النّاس من حديث رسول الله (ص) وإنّما أبقوا الروايات الّتي وردت في شأن الخوارج الّذين خرجوا على الإمام عليّ ، لأنّ الخوارج استمرّ خروجهم على السلطة بعد الإمام عليّ أيضا ، وكان في نشر تلكم الأحاديث مصلحة للسلطة ، فرووها في جميع كتب الأحاديث وبقيت سالمة إلى يومنا هذا.

ومن أحاديث الرّسول (ص) الّتي كانت تخالف سياسة مدرسة الخلفاء وسعوا في كتمانها ، أحاديث الرسول (ص) في حقّ الإمام عليّ بأنّه وصيّه ، وكذلك فعلوا بما ورد في شأنه في شعر الصّحابة أو نثرهم ، كما رأينا أمّ المؤمنين عائشة أنكرت الوصيّة ، وناقشنا الخبر الّذي روي عنها في ذلك ؛ وكذلك رأينا :

أ ـ حذف بعضهم من الكلام ما فيه ذكر الوصيّة دون أن يشير إلى ذلك ، كما فعلوه مع قصيدة النعمان بن عجلان الأنصاري.

ب ـ حذف بعضهم بعض الخبر مع الإبهام في القول ، كما فعله الطبريّ ، وابن كثير في تفسيريهما بلفظ (وصيّي وخليفتي) في حديث رسول الله (ص).

ج ـ حذف بعضهم من الخبر لفظ الوصيّة وحرّف الخبر كما فعله ابن كثير مع خطبة الإمام الحسين (ع).

د ـ حذف بعضهم تمام الخبر الّذي فيه ذكر الوصيّة مع الإشارة إليه ، كما فعل ذلك الطبري وابن الأثير وابن كثير مع كتاب محمّد بن أبي بكر.

ه ـ حذف بعضهم تمام الخبر الّذي فيه ذكر الوصيّة مع عدم الإشارة إليه كما فعل ذلك ابن هشام في خبر دعوة الرسول (ص) لبني هاشم لما فيه قوله في علي : «ووصيّي وخليفتي فيكم».

٤٨١

و ـ أوّل بعضهم معنى الوصيّة ، كما فعل ذلك الطبراني في حديث الرسول (ص) وابن أبي الحديد في كلام الإمام عليّ.

ز ـ غفل بعضهم عنها وأثبتها في كتاب له ، وحذفها وأبدلها بقول مبهم في كتاب آخر له ، كما فعله الطبري في تاريخه وتفسيره.

ح ـ أثبتها بعضهم في الطبعة الأولى من كتابه ، وحذفها في الطبعة الثانية منها ، كما فعله محمد حسين هيكل في كتابه حياة محمّد (ص).

٤٨٢

ما بقي من النصوص الواردة عن الرّسول (ص)

في حقّ آله في الحكم

كنّا في صدد إيراد النصوص الواردة عن رسول الله (ص) في حقّ الأئمة من آل الرسول (ص) وكان لا بدّ لنا في هذا السبيل من تقديم البحوث السابقة ليعرف أنّ النصوص الواردة عن الرسول (ص) في حقّهم منيت بأنواع من الكتمان الّذي ذكرناه لأنّها كانت مخالفة لسياسة الخلفاء مدى القرون ، ولم يبق منها في كتب مدرسة الخلفاء سوى النزر اليسير الّذي غفل العلماء عنها وأوردوها في كتبهم ووفّقنا الله تعالى للعثور عليها ، وها نحن نوردها في ما يأتي بحوله تعالى ، مضافا إلى ما سبق إيراده من النصوص.

تعيين الوصيّ بألفاظ مختلفة

ذكرنا في تعريف الوصيّ والوصيّة في بحث المصطلحات أنّ تعيين الوصيّ يكون تارة بلفظ الوصيّة ومشتقّاتها ، مثل أن يقول الموصي لوصيّه : أوصيك بعدي بكذا وكذا ، وأخرى بلفظ يؤدّي معنى الوصيّة ، مثل أن يقول الموصي لوصيّه : أطلب منك أن تفعل كذا وكذا ، وكذلك الشأن في إخباره الآخرين بذلك فإنّه يقول تارة ـ مثلا ـ : عهدت إلى فلان ، أو أوكلت إليه بأمر كذا وكذا. وقلنا : انّ جميع هذه الألفاظ ونظائرها تدلّ على أنّ الشخص

٤٨٣

القائل أوصى إلى الشخص الثاني بما أهمّه ، بعده. وكذلك شأن رسول الله (ص) في تعيين وصيّه من بعده.

ومن تلكم الألفاظ ، ما ورد في اتّخاذ الرسول (ص) ابن عمّه وزيرا له ، كما يرد في بحث وزير النبيّ الآتي :

وزير النبيّ (ص)

أ ـ في القرآن الكريم مع بيانه من سنّة الرسول :

سيأتي إن شاء الله قول الرسول (ص) للامام عليّ :

«أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟».

وقد ذكر الله منزلة هارون من موسى في ما حكاه من أمرهما ؛ قال سبحانه في ما حكاه من طلب موسى من ريّه :

(وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) طه / ٢٩ ـ ٣١.

وقال سبحانه في استجابة طلبه :

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً) الفرقان / ٣٥.

ب ـ متى اتّخذ الرسول (ص) عليّا وزيرا.

يوم دعا رسول الله (ص) بني عبد المطلب وقال لهم : «أيّكم يؤازرني على هذا الأمر ...» وأجابه من بينهم الإمام علي وحده ، اتّخذه رسول الله (ص) يومئذ وزيرا في أمره.

وروت أسماء بنت عميس قالت : سمعت رسول الله (ص) يقول :

(اللهمّ اجعل لي وزيرا من أهلي) ، دعا رسول الله (ص) ربّه وقال :

٤٨٤

«اللهمّ إنّي أقول كما قال أخي موسى : اللهمّ اجعل لي وزيرا من أهلي أخي عليّا ، اشدد به أزري» (١).

وبتفسير آية (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي) من تفسير السيوطي :

لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول الله ربّه وقال : «اللهمّ اشدد أزري بأخي عليّ» فأجابه إلى ذلك.

وروى ابن عمر عن رسول الله (ص) أنّه قال للإمام عليّ :

«أنت أخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي ...» إلى آخر الحديث في فضل الإمام عليّ (٢).

وأثبت رسول الله (ص) للإمام عليّ (ع) بقوله له : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» جميع ما كان لهارون من موسى عدا النبوّة وفي مقدمة ما كان لهارون أنّه كان وزير موسى ، وسيأتي ذكر مصادره وفي نهج البلاغة (٣) : أنّ رسول الله (ص) قال للإمام عليّ :

«ولكنّك وزير».

وجاء في ما نظم على لسان الأشعث في جوابه لكتاب الإمام عليّ إليه :

«وزير النّبيّ وذو صهره ...».

يتّضح جليّا من قول الرسول (ص) لابن عمّه : أنت أخي ووزيري ، تقضي ديني وتنجز موعدي ، أنّه عيّنه وصيّا من بعده.

وكذلك الأمر في قوله : خليفتي ، الآتي :

__________________

(١) الرياض النضرة ٢ / ١٦٣ ، عن مناقب أحمد بن حنبل.

(٢) معجم الزوائد ٩ / ١٢١. وكنز العمال ، ط. الأولى ٦ / ١٥٥ ، عن الطبراني.

(٣) الخطبة ١٩٠.

٤٨٥

خليفة النبيّ (ص)

ذكرنا في باب من استخلف النبيّ (ص) على المدينة في غزواته عن صحيح البخاري ، باب غزوة تبوك : أنّ رسول الله (ص) لمّا خرج إلى تبوك واستخلف عليّا ، فقال : أتخلّفني في الصبيان والنساء؟ قال :

«ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه ليس نبيّ بعدي».

وقد حكى الله عن خبر هارون في ذلك وقال : (وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ...) الأعراف / ١٤٢.

وفي لفظ إحدى روايتي أحمد بن حنبل بمسنده (٤) عن خبر دعوة الرسول (ص) بني عبد المطّلب ورد قول الرسول (ص) في حقّ عليّ : «وخليفتي».

* * *

هذا ما أمكننا ايراده في الوصي والوزير والخليفة في هذه العجالة. وفي ما يأتي ما تبقى من النصوص بعد الكتمان بمدرسة الخلفاء.

ومنها قوله (ص) في حقّ ابن عمّه ، أنّه وليّ المسلمين بعده ، كما يأتي :

وليّ المسلمين بعد الرسول (ص)

نصّ رسول الله (ص) على أنّ الإمام عليّا وليّ أمر المسلمين في أماكن متعددة ، منها ما في الأحاديث الآتية.

__________________

(٤) ١ / ١١١.

٤٨٦

أولا ـ حديث الشكوى

في مسند أحمد وخصائص النسائي ، ومستدرك الحاكم ، وغيرها ، واللّفظ للأوّل :

(عن بريدة ، قال : بعث رسول الله (ص) بعثين إلى اليمن ، على أحدهما عليّ بن أبي طالب (ع) ، وعلى الآخر خالد بن الوليد ، فقال : إذا التقيتم فعليّ على الناس ، وإن افترقتما فكلّ واحد منكما على جنده ، قال : فلقينا بني زيد من أهل اليمن ، فاقتتلنا ، فظهر المسلمون على المشركين ، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذريّة ، فاصطفى عليّ (ع) امرأة من السبي لنفسه. قال بريدة : فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله (ص) يخبره بذلك ، فلمّا أتيت النبيّ (ص) رفعت الكتاب فقرئ عليه ، فرأيت الغضب في وجه رسول الله (ص) فقلت : يا رسول الله ، هذا مكان العائذ ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ، ففعلت ما أرسلت به ، فقال رسول الله (ص) :

«لا تقع في عليّ ، فإنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي ، وإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي») (٥)

وفي رواية :

(فقلت : يا رسول الله ، بالصحبة إلّا بسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديدا. قال : فما فارقته حتّى بايعته على الإسلام) (٦).

__________________

(٥) مسند أحمد ٥ / ٣٥٦ ، وخصائص النسائي ص ٢٤ ، باختلاف يسير. ومستدرك الصحيحين ٣ / ١١٠ مع اختلاف في اللفظ. ومجمع الزوائد ٩ / ١٢٧. وفي كنز العمال ١٢ / ٢٠٧ مختصرا عن ابن أبي شيبة ، وفي ١٢ / ٢١٠ منه عن الديلمي ؛ وراجع كنوز الحقائق للمناوي ص ١٨٦.

(٦) مسند أحمد ٥ / ٣٥٠ و ٣٥٨ و ٣٦١. ومجمع الزوائد ٩ / ١٢٨ ، عن الطبراني في الأوسط ـ

٤٨٧

وفي صحيح الترمذي ، ومسندي أحمد والطيالسي ، وغيرها ، واللّفظ للأوّل ، عن عمران بن حصين :

(إنّ أربعة من أصحاب رسول الله (ص) تعاقدوا ـ في هذه الغزوة ـ أن يشكوا عليّا إذا لقوا رسول الله (ص). فلمّا قدموا عليه ، قام أحدهم فقال : يا رسول الله ، ألم تر إلى عليّ بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله (ص).

وفعل الثاني منهم والثالث والرابع مثل أوّلهم ، وفي كلّ مرّة يعرض الرسول عن الشاكي. قال :

فأقبل رسول الله (ص) والغضب يعرف في وجهه ، فقال :

«ما تريدون من عليّ؟! ما تريدون من عليّ؟! ما تريدون من عليّ؟! إنّ عليّا منّي وأنا منه ، إنّ عليّا منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي») (٧).

شكوى ثانية

في أسد الغابة ، ومجمع الزوائد ، وغيرهما واللفظ للأوّل :

(عن وهب بن حمزة : صحبت عليّا (رض) من المدينة إلى مكّة فرأيت منه بعض ما أكره فقلت : لئن رجعت إلى رسول الله (ص) لأشكونّك إليه. فلمّا قدمت لقيت رسول الله (ص) فقلت : رأيت من عليّ كذا وكذا. فقال :

«لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي») (٨).

__________________

ـ عن بريدة ولفظه : «من كنت وليه فعليّ وليّه».

(٧) سنن الترمذي ١٣ / ١٦٥ باب مناقب علي بن أبي طالب. ومسند أحمد ٤ / ٤٣٧. ومسند الطيالسي ٣ / ١١١ ح ٨٢٩. ومستدرك الحاكم ٣ / ١١٠. وخصائص النسائي ص : ١٩ و ١٦ ، وحلية أبي نعيم ٦ / ٢٩٤. والرياض النضرة ٢ / ١٧١. وكنز العمال ١٢ / ٢٠٧ و ١٥ / ١٢٥.

(٨) أسد الغابة ٥ / ٩٤. ومجمع الزوائد ٩ / ١٠٩.

٤٨٨

زمان الشكوى

ذكر المؤرخون وكتّاب السير خرجتين للإمام عليّ إلى اليمن ، ونراها ثلاث خرجات كما يأتي بيانها إن شاء الله تعالى في باب الاجتهاد ، وعلى كلا التقديرين ، فإنّ آخرها كانت في السنة العاشرة للهجرة ، حيث التحق الإمام برسول الله (ص) في حجّة الوداع قبل يوم التروية. والشكوى المذكورة في خرجاته لليمن إن كانت قدّمت لرسول الله (ص) مرّتين فإنّ أولاهما وقعت في المدينة قبل العام العاشر ، والثانية في مكّة وبعد وصول صحب الإمام إلى النبيّ (ص) قبل يوم التروية ، حيث وصلوا مكّة قبل أيّام الحجّ.

وعلى هذا ، فقد توهّم من العلماء من قال : إنّ قصة الغدير وقعت من أجل هذه الشكوى ، وذلك لأنّ قصة الغدير وقعت بعد الحجّ ، وفي الجحفة وبمحضر من جماهير المسلمين ، وحديث الرسول (ص) هنا كان مع الشاكين خاصّة وفي نفس المجلس وبعد إظهارهم الشكوى مباشرة.

أما الشكوى الثانية ، فصريح الحديث أنها كانت بعد رجوعهما إلى المدينة.

ثانيا ـ نصوص أخرى لم يعيّن زمانها

عن ابن عباس :

«إنّ النبيّ قال لعليّ : أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي» (٩).

وعن عليّ :

أنّ النبيّ قال له : «إنّك وليّ المؤمنين بعدي» (١٠).

__________________

(٩) مسند الطيالسي ١١ / ٣٦٠ ح ٢٧٥٢. والرياض النضرة ٢ / ٢٠٣.

(١٠) تاريخ بغداد للخطيب ٤ / ٢٣٩. وكنز العمال ١٥ / ١١٤ و ١٢ / ٢٢١.

٤٨٩

الاحتفال بتنصيب الإمام عليّ وليّا للعهد بعد الرسول (ص)

ووصيّا على الإسلام والمسلمين

احتفال عظيم يقيمه الرسول (ص) لتعيين وليّ عهده من بعده ووصيّه على الإسلام والمسلمين ، فقد روى الحاكم الحسكاني :

(عن ابن عباس وجابر قالا : أمر الله محمدا (ص) أن ينصب عليّا للناس ليخبرهم بولايته ، فتخوّف رسول الله (ص) أن يقولوا حابى ابن عمّه ، وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى الله إليه : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) المائدة / ٦٧. فقال رسول الله (ص) بولايته يوم غدير خمّ)(١١).

وروى عن زياد بن المنذر أنّه كان يقول :

(كنت عند أبي جعفر محمد بن عليّ (ع) وهو يحدّث الناس إذ قام إليه رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعشى ـ كان يروي عن الحسن

__________________

(١١) الحافظ عبيد الله بن عبد الله بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني ، الحذاء الحنفي النيسابوري ، من أعلام القرن الخامس الهجري ، ترجمته في تذكرة الحفاظ ط. الهند ٤ / ٣٩٠ ، وط. مصر ٣ / ١٢٠٠ ، بآخر الطبقة ١٤. وقد رجعنا إلى كتابه شواهد التنزيل لقواعد التفصيل في الآيات النازلة في أهل البيت ، تحقيق محمد باقر المحمودي ط. بيروت عام ١٣٩٣ ه‍. والحديث في ١ / ١٩٢ ورقم الحديث ٢٤٩.

٤٩٠

البصري ـ فقال له : يا ابن رسول الله ، جعلني الله فداك ، إنّ الحسن يخبرنا أنّ هذه الآية نزلت بسبب رجل ، ولا يخبرنا من الرجل (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ...). فقال : لو أراد أن يخبر به لأخبر به ، ولكنّه يخاف. إنّ جبرئيل هبط إلى النبيّ (ص) ـ إلى قوله : ـ فقال : إنّ الله يأمرك أن تدلّ أمّتك على وليّهم على مثل ما دللتهم عليه من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجّهم ، ليلزمهم الحجّة من جميع ذلك ، فقال رسول الله (ص): يا ربّ إنّ قومي قريبو عهد بالجاهليّة ، وفيهم تنافس وفخر ، وما منهم رجل إلّا وقد وتره وليهم ، وإنّي أخاف ـ أي من تكذيبهم ـ. فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) ـ يريد فما بلّغتها تامة ـ (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فلمّا ضمن الله له بالعصمة وخوفه أخذ بيد عليّ ...) (١٢).

وروى الحاكم الحسكاني :

عن ابن عبّاس في حديث المعراج ، أنّ الله عزّ اسمه قال لنبيّه في ما قال : «وإنّي لم أبعث نبيّا إلّا وجعلت له وزيرا ، وإنّك رسول الله (ص) وإنّ عليّا وزيرك».

قال ابن عباس : [فهبط] (١٣) رسول الله (ص) فكره أن يحدث الناس بشيء منها إذ كانوا حديثي عهد بالجاهليّة ـ إلى قوله : ـ فاحتمل رسول الله حتّى إذا كان اليوم الثامن عشر أنزل الله عليه : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ...) ـ إلى قوله : ـ فقال :

__________________

(١٢) شواهد التنزيل ١ / ١٩١ ، وراجع تفسير الآية في أسباب النزول للواحدي ، ونزول القرآن لأبي نعيم.

(١٣) كذا وردت.

٤٩١

«يا أيّها الناس ، إنّ الله أرسلني إليكم برسالة ، وإنّي ضقت بها ذرعا ، مخافة أن تتّهموني وتكذّبوني ، حتّى عاتبني ربّي فيها بوعيد أنزله عليّ ...» (١٤).

وروى الحسكاني وابن عساكر :

عن أبي هريرة : أنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) ـ في عليّ بن أبي طالب ـ (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ...) (١٥).

قصد أبو هريرة أنّ المقصود أن يبلّغ ما نزل في عليّ.

روى الحسكاني :

(عن عبد الله بن أبي أوفى ، قال : سمعت رسول الله (ص) يقول يوم غدير خمّ وتلا هذه الآية : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ...) ثمّ رفع يديه حتّى يرى بياض إبطيه ، ثمّ قال : «ألا من كنت مولاه ...») (١٦).

وروى الواحدي في أسباب النزول والسيوطي في الدّرّ المنثور عن أبي سعيد الخدري قال :

نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب :

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ...) (١٧).

__________________

(١٤) شواهد التنزيل للحسكاني ١ / ١٩٢ ـ ١٩٣ ، وفي ص ١٨٩ منه نزول الآية فقط.

(١٥) شواهد التنزيل للحسكاني ١ / ١٨٧ ، ورواها ابن عساكر بترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق بطرق كثيرة في الحديث ٤٥٢.

(١٦) الحسكاني ١ / ١٩٠.

وعبد الله بن أبي أوفى : علقمة بن خالد الحارث الأسلمي. صحابيّ شهد الحديبية ، وعمّر بعد النبيّ (ص) ، مات سنة ستّ أو سبع وثمانين ، وهو آخر من مات بالكوفة من الصحابة. وأخرج حديثه جميع أصحاب الصحاح. ترجمته بتقريب التهذيب ١ / ٤٠٢. وأسد الغابة ٣ / ١٢١.

(١٧) أسباب النزول ص : ١٣٥. والدرّ المنثور ٢ / ٢٩٨ ، وأراه هو الحديث المرقم ٢٤٤ من ـ

٤٩٢

وفي تفسير السيوطي :

(عن ابن مسعود قال : كنّا نقرأ على عهد رسول الله (ص) يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك ـ أنّ عليا مولى المؤمنين ـ وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته ...) (١٨).

قصد ابن مسعود أنّهم كانوا على عهد رسول الله يقرءون في تفسير الآية هكذا.

وكان نزول هذه الآية في غدير خمّ ، وفي ما يلي تفصيل الخبر.

خبر يوم الغدير

لمّا صدر رسول الله من حجّة الوداع (١٩) نزلت عليه في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة (٢٠) آية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ...) (٢١). فنزل غدير خمّ من الجحفة(٢٢) وكان يتشعب منها طريق المدينة ومصر والشام (٢٣) ووقف هناك حتّى لحقه من بعده وردّ من كان تقدّم (٢٤) ونهى أصحابه عن سمرات متفرقات بالبطحاء أن ينزلوا تحتهنّ ، ثمّ بعث إليهنّ فقمّ ما تحتهن من

__________________

ـ شواهد التنزيل ، وراجع فتح القدير ٢ / ٥٧ ، وتفسير النيسابوري ٦ / ١٩٤.

الواحدي ، هو أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (ت : ٤٦٨ ه‍) ، ورجعنا إلى كتابه أسباب النزول ط. بيروت سنة ١٣٩٥ ه‍.

(١٨) الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٨.

(١٩) مجمع الزوائد ٩ / ١٠٥ و ١٦٣ ـ ١٦٥. وأنقل عن هذه الصفحات في ما يأتي من هذا البحث.

(٢٠) رواه الحاكم الحسكاني في ١ / ١٩٢ ـ ١٩٣.

(٢١) سبق ذكر مصادره.

(٢٢) مجمع الزوائد ٩ / ١٦٣ ـ ١٦٥. وابن كثير ٥ / ٢٠٩ ـ ٢١٣.

(٢٣) مادة (الجحفة) من معجم البلدان.

(٢٤) في تاريخ ابن كثير ٥ / ٢١٣.

٤٩٣

الشوك (٢٥) ونادى بالصلاة جامعة (٢٦) وعمد إليهنّ (٢٧) وظلّل لرسول الله (ص) بثوب على شجرة سمرة من الشمس (٢٨) ، فصلى الظهر بهجير (٢٩) ثمّ قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر ووعظ وقال ما شاء الله أن يقول ، ثمّ قال :

«إنّي أوشك ان ادعى فأجيب ، وإنّي مسئول وأنتم مسئولون ، فما ذا أنتم قائلون؟» قالوا :

نشهد أنّك بلّغت ونصحت فجزاك الله خيرا ؛ قال :

«أليس تشهدون أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله وأنّ الجنّة حقّ وأنّ النار حقّ؟» قالوا :

بلى نشهد ذلك.

قال : «اللهمّ اشهد».

ثمّ قال : «ألا تسمعون؟».

قالوا : نعم.

قال : «يا أيّها الناس إنّي فرط وأنتم واردون عليّ الحوض وإن عرضه ما بين بصرى إلى صنعاء (٣٠) فيه عدد النجوم قدحان من فضّة ، وإنّي سائلكم عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما». فنادى مناد : وما الثقلان يا رسول الله؟

قال : «كتاب الله ، طرف بيد الله وطرف بأيديكم ، فاستمسكوا به ،

__________________

(٢٥) مجمع الزوائد ٩ / ١٠٥ والسمر : نوع من الشجر ، وقمّ : كنس. وقريب منه لفظ ابن كثير ٥ / ٢٠٩.

(٢٦) مسند أحمد ٤ / ٢٨١. وسنن ابن ماجة باب فضل علي ، وتاريخ ابن كثير ٥ / ٢٠٩ ، و ٥ / ٢١٠.

(٢٧) مجمع الزوائد ٩ / ١٦٣ ـ ١٦٥.

(٢٨) مسند أحمد ٤ / ٣٧٢. وابن كثير ٥ / ٢١٢.

(٢٩) مسند أحمد ٤ / ٢٨١ ، سنن ابن ماجة باب فضل علي. وابن كثير ٥ / ٢١٢.

(٣٠) كانت بصرى اسما لقرية بالقرب من دمشق ، وأخرى بالقرب من بغداد.

٤٩٤

لا تضلّوا ولا تبدّلوا ؛ وعترتي أهل بيتي ، وقد نبّأني اللّطيف الخبير أنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، سألت ذلك لهما ربّي ، فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهما فهم أعلم منكم» (٣١)

ثم قال : «ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟»

قالوا : بلى يا رسول الله! (٣٢)

قال : «ألستم تعلمون ـ أو تشهدون ـ أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟» قالوا : بلى يا رسول الله (٣٣).

ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب بضبعيه فرفعها حتّى نظر الناس إلى بياض إبطيهما (٣٤) ، ثمّ قال :

«أيّها الناس! الله مولاي وأنا مولاكم (٣٥) ؛ فمن كنت مولاه ، فهذا عليّ مولاه (٣٦). اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه (٣٧) ، وانصر من نصره ، واخذل

__________________

(٣١) مجمع الزوائد ٩ / ١٦٢ ـ ١٦٣ و ١٦٥ ، وبعض ألفاظه في روايات الحاكم ٣ / ١٠٩ ـ ١١٠ ، وابن كثير ٥ / ٢٠٩.

(٣٢) مسند أحمد ١ / ١١٨ و ١١٩ ، ٤ / ٢٨١. وسنن ابن ماجة ١ / ٤٣ ح ١١٦ ، وورد (نعم) في مسند أحمد ٤ / ٢٨١ و ٣٦٨ و ٣٧٠ و ٣٧٢. وابن كثير ٥ / ٢٠٩ ، ولدى ابن كثير ٥ / ٢١٠ : (ألست أولى بكلّ امرئ من نفسه).

(٣٣) مسند أحمد ٤ / ٢٨١ و ٣٦٨ و ٣٧٠ و ٣٧٢ ، وابن كثير ٥ / ٢٠٩ و ٢١٢.

(٣٤) في رواية الحاكم الحسكاني ١ / ١٩٠ ، فرفع يديه حتّى يرى بياض إبطيه. وفي ص ١٩٣ منه : حتّى بان بياض إبطيهما. وضبعاه : الضّبع بسكون الباء : وسط العضد بلحمه. لسان العرب مادة : (ضبع).

(٣٥) الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ١ / ١٩١ ، وعند ابن كثير ٥ / ٢٠٩ : وأنا مولى كلّ مؤمن.

(٣٦) في جميع المصادر الّتي ذكرناها إلى هنا في جميع روايات الباب.

(٣٧) مسند أحمد ١ / ١١٨ و ١١٩ و ٤ / ٢٨١ و ٣٧٠ و ٣٧٢ و ٣٧٣ و ٥ / ٣٤٧ و ٣٧٠. ومستدرك الحاكم ٣ / ١٠٩. وسنن ابن ماجة ، باب فضل عليّ. والحاكم الحسكاني ١ / ١٩٠ و ١٩١. وتاريخ ابن كثير ٥ / ٢٠٩ و ٢١٠ ـ ٢١٣ ، وقال ابن كثير في ٥ / ٢٠٩ : فقلت لزيد :هل سمعته من رسول الله؟ فقال : ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينه وسمعه بأذنيه. ثمّ قال ـ

٤٩٥

من خذله (٣٨) ، وأحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه» (٣٩).

ثمّ قال : «اللهمّ اشهد» (٤٠).

ثمّ لم يتفرقا ـ رسول الله وعليّ ـ حتّى نزلت هذه الآية :

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) المائدة / ٣.

فقال رسول الله (ص) :

الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ، ورضا الربّ برسالتي والولاية لعلي (٤١).

وفي باب ما نزل من القرآن بالمدينة من تاريخ اليعقوبي :

(إنّ آخر ما نزل عليه : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ...) وهي الرواية الصحيحة الثابتة ، وكان نزولها يوم النصّ على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ بغدير خمّ) (٤٢).

فلقيه عمر بن الخطاب بعد ذلك فقال له :

هنيئا لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة (٤٣).

__________________

ـ ابن كثير : قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي : وهذا حديث صحيح.

(٣٨) مسند أحمد ١ / ١١٨ و ١١٩. ومجمع الزوائد ٩ / ١٠٤ و ١٠٥ و ١٠٧. وشواهد التنزيل ١ / ١٩٣. وتاريخ ابن كثير ٥ / ٢١٠ و ٢١١.

(٣٩) شواهد التنزيل للحسكاني ١ / ١٩١. وتاريخ ابن كثير ٥ / ٢١٠.

(٤٠) شواهد التنزيل ١ / ١٩٠.

(٤١) رواه الحاكم الحسكاني عن أبي سعيد الخدري ١ / ١٥٧ ـ ١٥٨ ح ٢١١ و ٢١٢ ، وعن أبي هريرة ص ١٥٨ ح ٢١٣ ، وفي تاريخ ابن كثير ٥ / ٢١٤ بإيجاز.

(٤٢) اليعقوبي ٢ / ٤٣.

(٤٣) مسند أحمد ٤ / ٢٨١. ولفظ (بعد ذلك) من تاريخ ابن كثير ٥ / ٢١٠.

٤٩٦

وفي رواية قال له :

بخ بخ لك يا ابن أبي طالب (٤٤).

وفي رواية أخرى :

هنيئا لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة (٤٥).

تتويج الإمام

وكانت لرسول الله عمامة ، تسمّى السحاب كساها عليّا (٤٦) وكانت سوداء اللون(٤٧) وكان الرسول يلبسها في أيام خاصّة (٤٨) مثل يوم فتح مكّة (٤٩) ورووا في كيفيّة تتويج الإمام بها يوم الغدير كما يلي :

عن عبد الأعلى بن عدي البهراني قال :

دعا رسول الله (ص) عليّا يوم غدير خمّ فعمّمه وأرخى عذبة العمامة من خلفه(٥٠).

وعن عليّ (ع) قال :

__________________

(٤٤) شواهد التنزيل ١ / ١٥٧ و ١٥٨.

(٤٥) مسند أحمد ٤ / ٢٨١ ، وسنن ابن ماجة باب فضائل عليّ ، والرياض النضرة ٢ / ١٦٩ ، ولفظ (بعد ذلك) في تاريخ ابن كثير ٥ / ٢١٠.

(٤٦) في زاد المعاد لابن القيم ، (فصل في ملابسه) : أي الرسول (ص) ، بهامش شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ١ / ١٢١.

(٤٧) ورد ذكر لون العمامة الّتي توّج بها الإمام في رواية عبد الله بن بشر الآتية والإمام نفسه.

(٤٨) أشير إلى ذلك في كتب الحديث.

(٤٩) صحيح مسلم كتاب الحجّ ح ٤٥١ ـ ٤٥٢. وسنن أبي داود ٤ / ٥٤ باب في العمائم ، وشرح المواهب ٥ / ١٠ ، عن معرفة الصحابة لأبي نعيم.

(٥٠) الرياض النضرة ٢ / ٢٨٩ في ذكر تعميمه إيّاه (ص) بيده ، وأسد الغابة ٣ / ١١٤.

٤٩٧

عمّمني رسول الله (ص) يوم غدير خمّ بعمامة سوداء طرفها على منكبي (٥١).

وفي مسند الطيالسي وسنن البيهقي قال :

عمّمني رسول الله (ص) يوم غدير خمّ بعمامة سدلها خلفي ، ثمّ قال : إنّ الله عزوجل أمدّني يوم بدر وحنين بملائكة يعتمّون هذه العمة ... وقال : إنّ العمامة حاجزة بين المسلمين والمشركين ... (٥٢).

وعن عليّ (ع) : أنّ النبيّ (ص) عمّمه بيده ، فذنّب العمامة من ورائه ومن بين يديه ، ثمّ قال له النبيّ (ص) : «أدبر» ، فأدبر. ثمّ قال له : «أقبل» ، فأقبل. وأقبل على أصحابه فقال النبيّ (ص) : «هكذا تكون تيجان الملائكة» (٥٣).

وعن ابن عبّاس قال :

لمّا عمّم رسول الله (ص) عليّا بالسحاب قال له : «يا عليّ ، العمائم تيجان العرب ...» (٥٤).

وعن عبد الله بن بشر قال.

بعث رسول الله (ص) يوم غدير خمّ إلى عليّ فعمّمه وأسدل العمامة بين كتفيه ، وقال : «وهكذا أمدّني ربّي يوم حنين بالملائكة معمّمين وقد أسدلوا العمائم ، وذلك حجز بين المسلمين والمشركين» (٥٥).

__________________

(٥١) في ترجمة عبد الله بن بشر من الإصابة ٢ / ٢٧٤ ، قال : أخرجه البغوي.

(٥٢) كنز العمال ٢٠ / ٤٥. ومسند الطيالسي ١ / ٢٣. والبيهقي ١٠ / ١٤.

(٥٣) كنز العمال ٢٠ / ٤٥ عن مشيخة ابن باذان.

(٥٤) كنز العمال عن الديلمي.

(٥٥) هكذا رواه ابن طاوس في أمان الأخطار ، غير أنّها في ترجمة عبد الله بن بشر بالإصابة ٢ / ٢٧٤ ، رقم الترجمة ٤٥٦٦ ، ليس فيها لفظ (يوم غدير خمّ).

٤٩٨

المناشدة

جمع عليّ الناس في رحبة مسجد الكوفة (٥٦) ، ثمّ قال لهم :

أنشد الله كلّ امرئ مسلم سمع رسول الله يقول يوم غدير خمّ ما سمع إلا قام (٥٧) ولا يقوم إلّا من قد رآه (٥٨) ، فقام ثلاثون من الناس. ـ وفي رواية ـ فقام ناس كثير (٥٩). وقال عبد الرحمن : فقام اثنا عشر بدريا ، كأنّي أنظر إلى أحدهم (٦٠) فشهدوا حين أخذ بيده ، فقال للناس : «أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم» ، قالوا : نعم يا رسول الله (٦١). قال : «من كنت موله ، فهذا مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه (٦٢) ، وانصر من نصره واخذل من

__________________

(٥٦) تاريخ ابن كثير ٥ / ٢١١.

(٥٧) رواه أبو الطفيل ، عامر أو عمرو بن واثلة الليثي ، ولد عام أحد ، ورأى النبيّ وعمّر إلى أن مات سنة عشر ومائة ، وهو آخر من مات من الصحابة ، روى عنه جميع أصحاب الصحاح. التهذيب ١ / ٣٨٩.

وروايته بمسند أحمد ٤ / ٣٧٠ ، وفي ١ / ١١٨ منه بثلاثة أسانيد :

أ ـ عن أبي الطفيل ، عن زيد بن أرقم.

ب ـ عن سعيد بن وهب الهمداني الجنواني ، وهو كوفي ، ثقة ، مخضرم ، مات سنة خمس أو ست وسبعين ، ترجمته في تهذيب التهذيب وقد رواها أحمد عنه مختصرا في ٥ / ٣٦٦.

ج ـ عن زيد بن يثيع الهمداني الكوفي ، ثقة ، مخضرم ، من الطبقة الثانية من الرواة ، ترجمته بتهذيب التهذيب ١ / ٢٧٧.

(٥٨) في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني ، الكوفي ، ثقة من الثانية روى عنه جميع أصحاب الصحاح ، ومات سنة نيف وثمانين ، ترجمته بتقريب التهذيب ١ / ٤٩٦ ، والرواية في مسند أحمد ١ / ١١٩ ح ٩٦٤.

(٥٩) مسند أحمد ٤ / ٣٧٠ في حديث أبي الطفيل. وابن كثير ٥ / ٢١٢.

(٦٠) حديث عبد الرحمن بمسند أحمد ١ / ٩٦١ ، وفي ٥ / ٣٧٠. وابن كثير ٥ / ٢١١.

(٦١) في مسند أحمد ١ / ١١٨ و ٤ / ٣٧٠. وابن كثير ٥ / ٢١١. ومجمع الزوائد ٩ / ١٠٥.

(٦٢) في مسند أحمد ١ / ١١٨ و ١١٩ ، و ٤ / ٣٧٠ ، و ٥ / ٣٧٠ ، وابن كثير ٥ / ٢١١.

٤٩٩

خذله» (٦٣).

قال عبد الرحمن : فقام إلّا ثلاثة لم يقوموا ، فدعا عليهم فأصابتهم دعوته (٦٤).

قال أبو الطفيل : فخرجت وكأنّ في نفسي شيئا ، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له : إنّي سمعت عليّا (رض) يقول كذا وكذا. قال : فما تنكره قد سمعت رسول الله يقول ذلك له(٦٥).

وفي رواية : فقام ثلاثون من الناس (٦٦).

وفي رواية : جاء رهط من الأنصار إلى علي في الرحبة فقالوا : السلام عليكم يا مولانا. قال : كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب. قالوا : سمعنا رسول الله (ص) يوم خمّ يقول : «من كنت مولاه فإنّ هذا مولاه». قال الراوي : فلمّا مضوا تبعتهم فسألت : من هؤلاء؟ قالوا : نفر من الأنصار منهم أبو أيّوب.

وفي رواية : فقال : من القوم؟ قالوا : مواليك يا أمير المؤمنين (٦٧).

ما أشبه تعيين الوصيّ في هذه الأمّة

بتعيين الوصيّ في أمّة موسى (ع)

رأينا في التوراة يقول في صدد تعيين الوصيّ لموسى بن عمران (ع) ما موجزه :

__________________

(٦٣) مسند أحمد ١ / ١١٨. وتاريخ ابن كثير ٥ / ٢١٠.

(٦٤) مسند أحمد ١ / ١١٩ ح ٩٦٤.

(٦٥) مسند أحمد ٤ / ٣٧٠.

(٦٦) مسند أحمد ٤ / ٢٧٠. والرياض النضرة ٢ / ١٦٢. وابن كثير ٥ / ٢١٢.

(٦٧) مسند أحمد ٥ / ٤١٩. وابن كثير ٥ / ٢١٢.

٥٠٠