معالم المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١٦

ونافعا للبشر في حينه ، أمّا اليوم فنحن بحاجة إلى تطوير الإسلام وتجديده ليطابق مقتضيات العصر وحاجة أهله.

وهؤلاء مع سلاحهم هذا ، الخفيّ أثره على الكثير ، أضرّ على الإسلام والمسلمين من بعض السياسيّين العملاء للغزاة الكفرة في بلادنا والّذين نصبوهم حكّاما لبلاد المسلمين ، بما قاموا به في الحرب الفكريّة من تحريف لحقائق الإسلام باسم تعريف الإسلام أحيانا ، والإسلام المتطور الملبّي لحاجات العصر تارة أخرى.

من كلّ ما ذكرنا ، يظهر جليّا أنّ المسلمين في هذا اليوم وبعد كلّ ما مرّ على الإسلام من تيّارات فكريّة ، بحاجة شديدة إلى دراسات مستفيضة لأقوال الفرق الإسلاميّة وتمحيص ما لديها ، خلافا لما يراه بعض المسلمين الغيارى الّذين يرون السّكوت عن كلّ ذلك أولى ، حفظا لوحدة المسلمين!

ولست أدري كيف يتمّ ذلك مع وجود الخوارج (١٣) الّذين بنيت أصول عقائدهم على تكفير عامّة المسلمين وأنّهم هم وحدهم المسلمون وما عداهم مشركون ، وعلى التبرّي من الخليفة عثمان والإمام عليّ وأمّ المؤمنين عائشة وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص ومن كان معهم ، ثمّ لعن أولئك ولعن جميع المسلمين.

كيف يتمّ ذلك وفي المسلمين من تتوق نفسه إلى زيارة قبر الرسول الأكرم (ص) وقبور أئمة المسلمين والتبرّك بها والاستشفاع والتوسل بهم إلى الله ، وفيهم من يرى كلّ ذلك شركا لله وخروجا على الإسلام وبدعة محرمة ، وبذلك يرون أنّ جميع المسلمين بعد القرن الثالث الهجري إلى اليوم مشركون. وقد هدّموا مساجد المسلمين الّتي بنيت في طريق غار حراء وأمثاله

__________________

(١٣) منتشرون في الجانب الشرقي من جزيرة العرب وشمال إفريقيا.

٢١

من الأماكن المتبرّكة إلى جانب تهديمهم قبور أئمة المسلمين وأمّهات المؤمنين وعمّ الرسول (ص) وابن الرسول (ص) وصحابته وشهداء أحد!؟

ولا يفعل مثل ذلك مع اليهود وتوراتهم وبيعهم والنصارى وكنائسهم ، وفيها ما فيها من الصلبان وتماثيل عيسى ومريم (ع) وهم يعلنون أنّ عيسى ربّهم وأنّ الله ثالث ثلاثة ـ معاذ الله ـ وإنّما يعاهدون ولا يقال لهم : أنتم مشركون!

ثم إنّ المسائل المذكورة ونظائرها ليست مسائل تخصّ الفرد المسلم ـ مثل إسبال اليدين في الصّلاة ، الّذي تراه مدرسة أهل البيت والمالكية ، خلافا للأحناف والحنابلة الّذين يرون وجوب التكتف ؛ ومثل الاختلاف في غسل الرجلين أو مسحهما في الوضوء ممّا يتيسّر للفرد المسلم أن يعمل بموجب ما ثبت لديه حكمه اجتهادا أو تقليدا ، ويستطيع الفرد الآخر المخالف له في الرأي أيضا أن يعمل بموجب ما ثبت لديه حكمه ، ويمكن لهما مع ذلك أن يعيشا في وفاق في مجتمع إسلامي واحد ـ وإنّما هي ممّا يبنى المجتمع الإسلامي عليها ، فإمّا أن يبنى المجتمع على هذه العقيدة وتزول تلك ، وإمّا أن يبنى على تلك وتزول هذه.

وهي ليست بعد قضايا سياسية غير دينيّة يمكن التغاضي عنها حفظا لوحدة المسلمين ، وإنّ نشر ملايين النسخ من أمثال كتاب (وجاء دور المجوس) بأسماء مستعارة وغير مستعارة ، وإنفاق بعض الحكومات على أمثالها ، لتنسب إلى أمّة كبيرة من المسلمين الخروج عن الإسلام ، وإنفاقها ملايين الملايين في نشر دعايتها في آلاف المعاهد والمساجد والمدارس بجميع أقطار الأرض : أنّ ما عداهم من المسلمين مشركون ، إضافة إلى إيفاد آلاف المبعوثين كذلك إلى جميع أقطار الأرض لنشر دعايتها من جانب واحد ، فإنّ كلّ ذلك لم يكن بدافع سياسيّ غير ديني.

٢٢

كما أنّها ليست من قضايا أوجدها الاستعمار لإيجاد التفرقة بين المسلمين ليحسن السكوت عليها ، بل هي قضايا كانت قائمة ومنتشرة في المجتمع الإسلامي منذ عصر إمام الحنابلة أحمد (ت : ٢٤٠ ه‍) وعصر الشيخ ابن تيميّة (ت : ٧٢٨ ه‍) من أتباع مدرسته ، بل قبلهما وبعدهما إلى اليوم. وإنّ قتل مئات الألوف من المسلمين وإحراق مكتباتهم في شتّى العصور ومختلف البلاد خير دليل على ما نقول. فهي إذن مما يستفاد منها سياسيا من قبل تلك الحكومة أو ذلك الاستعمار ، متى ما شاءت تلك أو شاء هذا ، فيما إذا لم تعالج. ثمّ إنّها ، كما ذكرنا ، عقائد راسخة والسكوت عنها على مضض لن يحقّق وحدة بين المسلمين ولا تقاربا ولا تفاهما ، بل يعمّق الجرح ويوسّع شقّة الخلاف ويطيل أمدها. ولمزيد التوضيح وإقامة الدليل على ما بيّنت ، أذكر بعض مشاهداتي من آثار مسائل الخلاف بين أبناء الأمّة الإسلاميّة في ما يأتي.

٢٣

ـ ٢ ـ

من آثار الخلاف بعض ما شاهدت

بين أبناء الأمّة الإسلاميّة

اعتمدت في ما أشرت آنفا من تكفير المسلمين بعضهم بعضا ، وما سأذكره منها في ما يأتي ، مع أنواع من استدلالهم ، إضافة إلى ما ورد في الكتب المطبوعة ، على مشاهداتي في أسفاري إلى البلاد الإسلاميّة واجتماعي بعلماء فرق المسلمين ومفكّريهم وأبناء شعوبهم ، وخاصّة في سفراتي العشر لحجّ بيت الله الحرام.

في السفرة الأولى :

وكان ممّا رأيت في سفري الأوّل للحجّ على عهد الملك عبد العزيز آل سعود : أنّ ركبنا ـ ركب الحاجّ العراقي ـ عند ما بلغ مدينة الرماح من بلاد الحكومة السعودية ، مكثنا فيها أربعا وعشرين ساعة ، واشتركنا جميعا في أداء الفرائض جماعة بمسجدهم. ولمّا دنت ساعة الرحيل ، اجتمع علينا لفيف من أهالي المدينة يشاهدون رحيلنا ، فحضر حشدهم من بدا عليه أنّه كان من ذوي معرفتهم ، وخطب فيهم وأشار إلى أفراد الحاج وقال :

هؤلاء مشركون. وقال أيضا : هؤلاء يبكون على الحسن والحسين. ثمّ أشار إليّ وقال :

٢٤

هذا مطوّعهم لو يطيح بيدي أذبحو وألطع دمّو. فانبرى له أحد الحجّاج وقال :

لما ذا نحن مشركون نحن حججنا بيت الله ، زرنا قبر النبيّ ...!؟ فإذا به يرعد ويزيد ويقول له :

أشركت ، لو يجيء أبو أبو سعود ما يحامي عنك. ويش محمد ؛ محمد رجّالا مثلي. (أي لا يستطيع الملك بسلطته ولا يستطيع جدّه سعود أن ينجيك منّي. وأيّ شيء كان محمدا ، محمّد كان رجلا مثلي وقد مات وانتهى أمره).

فارتعد الحاجّ العراقي وقال :

ما ذا أقول؟ ما ذا أقول؟ فقال له :

قل ما هو ضار إلّا الله ، ما هو نافع إلّا الله. فردّد الحاجّ ما لقّنه إيّاه. فانبرى له حاج عراقي آخر وقال له :

محمد رجالا مثلك!؟ فأكّد قوله ثانية وقال :

محمد رجالا مثلي ، مات! فقال له الحاجّ :

محمّد نزل عليه القرآن فهل ينزل عليك القرآن؟ فلم يحر جوابا ، وبادرنا ركوب السيّارات وتحرّكت بنا.

وكان في ركبنا حاجّ يحمل جواز سفر سعوديّا ويسكن العراق. فلمّا بلغنا الحدود وشاهده موظّف الجوازات السعوديّ ، انتهره وقال له مستهزئا ومستنكرا :

تترك بلاد الإسلام وتسكن بلاد الشرك!؟

فأخذ الحاجّ السعودي يتذلل له ويتخشّع له ويطلب جواز سفره ، حتّى أعاده إليه!!

٢٥

في السفرة الثّانية :

كان علماء العراق يوم ذاك يحملون همّ إعادة الأحكام الإسلاميّة إلى المجتمع ، يوقظون أبناء الأمّة الإسلاميّة في سبيل المطالبة بها ، في مساجدهم واحتفالاتهم ومهرجاناتهم ، ويعارضون السّلطة في تشريعها قوانين مخالفة للأحكام الإسلاميّة. وكنا نتنسّم أخبار تحرّكات المسلمين في هذا السبيل في أيّ مكان كان ، نؤيد ثورة الجزائر على فرنسا وندعم الثورة الفلسطينية بكلّ ما أوتينا من حول وقوّة ، ونستطلع أخبار الثورة الأريتيرية على الأحباش ، ونرى من لوازم نجاح المعركة في سبيل إعادة الأحكام الإسلاميّة توعية المسلمين في هذا السبيل ثمّ تكاتفهم وتعاونهم في هذا الصدد ونسيان مسائل الخلاف في ما بينهم.

ولمّا نشبت المعركة الإسلاميّة في إيران بين سلطة الطاغوت وعلماء المسلمين يوم ذاك بدءا بمعركتهم من المدرسة الفيضية في الجامعة الإسلاميّة الكبرى بقم ، في اليوم الخامس والعشرين من شوال سنة ١٣٨٢ ه‍ ، استبشرنا بها خيرا ، وحشّدنا كلّ طاقاتنا لمساعدتها ، وجنّدنا أنفسنا لخدمتها ؛ فقام علماء العراق بكلّ ما أوتوا من حول وقوّة بتأييدها ، جزاهم الله جميعا خيرا.

وكنت ممّن أقام الحفلات التأبينية ، وأقمت ثلاث ليال حفلة تأبينية كبرى في بغداد ، ألقيت فيها خطب توجيهية توضّح أبعاد المعركة الإسلاميّة في إيران وآثارها ومغزاها.

في مثل هذا الظرف سافرت إلى الحجّ وأنا أحمل معي شعارا وأطروحة ، شعاري الدعوة لتوحيد كلمة المسلمين في سبيل إعادة حياة إسلاميّة في البلاد الإسلاميّة ، وأطروحتي : النهضة الإسلاميّة المتمثّلة بالنهضة الإسلاميّة الّتي بدت طلائعها في إيران من قبل علماء المسلمين. وكنت أبذل الجهد في شرح

٢٦

دوافعها لقادة المسلمين ومفكّريهم واستنهاضهم لمساعدتها وبيان أنّ معركة المسلمين في سبيل إعادة الأحكام الإسلاميّة واحدة ، وأنّه إذا نجحت المعركة في أي بلد إسلامي ، فإنّه ستنتشر آثارها إلى غيرها ، ويعمّ المسلمين خيرها ، وكلّي أمل ورجاء أنّي سوف أجد أذنا صاغية لما أعرض من مأساة المسلمين في إيران ، مع بيان وحدة القضيّة ووحدة المصير.

اجتمعت في هذه السفرة بقادة الإخوان المسلمين في سوريا وسعيد رمضان بمكّة ، ومحمّد آدم رئيس الثورة الأريتيرية ، في موقف عرفات ، ومثقّفي الفلسطينيين في الأردن وبيت المقدس ومحرّري الصحف الإسلامية وعلماء المسلمين وخطبائهم وقادة الحركات الإسلاميّة ، أمثال أبي الحسن الندوي وأبي الأعلى المودودي رئيس الجماعة الإسلاميّة بباكستان يوم ذاك، إلى غيرهم.

بدأت عملي في المدينة بالمساهمة في كتابة النشرات الّتي كانوا يعدّونها للتوزيع على الحجيج ، فأجريت تعديلات على صيغ النشرات ، شرحنا فيها أبعاد النهضة الإسلامية في إيران وبيّنّا ظلم حكومة الطاغوت وعمالتها لدول الكفر ، نستنهض فيها المسلمين لإعانة أبناء الأمّة الإسلاميّة في إيران ، ورجّحت توزيعها ليلة العيد على الحجّاج في المشعر الحرام ، غير أنّي بوغت مساء السابع من ذي الحجّة في مكّة المكرمة بأنّ الشّيخ المسئول عن توزيعها وزّع بعضها في الحرم المكّي الشريف فألقي القبض عليه وزجّ في السجن وحجزت النشرات كافّة. فاجتمعنا نحن علماء العراق وإيران يوم العيد بوليّ العهد فيصل ، يوم ذاك ، نطلب منه إطلاق سراح الموقوف والنشرات المحجوزة ، فاغتنمت الفرصة وقلت : إنّ حكومتكم رفعت شعار تنفيذ أحكام القرآن في هذا البلد ، وعليه يقتضي أن تعينوا المسلمين الّذين يجاهدون في سبيل تطبيق أحكام القرآن في بلادهم ويصطدمون بحكومات بلادهم الّذين يريدون تنفيذ أحكام الكفر ، وأن تجعلوا من البلد الحرام ملجأ للمشردين منهم وتساعدوهم في شرح

٢٧

ظلامتهم لإخوانهم الحجيج ، وذلك هو مصداق قوله تعالى :

(لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ).

ثمّ ذكرت قيام علماء المسلمين في الجامعة الإسلاميّة الكبرى بقم وأسهبت في شرح أبعاد النهضة الإسلاميّة الطالعة بإيران ، وواجب قادة المسلمين خاصّة الحكومة السعودية تجاهها ، وختمت حديثي بشرح قضية العالم الّذي وزّع نشرات التظلّم على المسلمين وتوقيفه ، وجرت حول ذلك بيننا مناقشات ، أدّت إلى إطلاق سراح الموقوف.

ونشرت الصحف بعد أداء المناسك ورجوعنا إلى مكّة دعوة للحضور في المسجد الهندي بمكّة مساء الجمعة للاستماع إلى خطبة الأستاذ المودودي. فحضرنا الاحتفال بعد صلاة العشاء وألقى الأستاذ المحاضر خطبة (١) ذكر فيها ثمانية أمور تلزم المسلمين لإعادة الحياة الإسلاميّة إلى المجتمع ، وتقدّمت بعده خلف المذياع وخطبت معلقا على خطابه وقلت :

إنّ المسلمين في نهضتهم اليوم بحاجة إلى ثلاثة أمور :

أوّلا ـ إنّ المسلمين بعد مضيّ أربعة عشر قرنا من بعثة الرسول الأكرم (ص) والظروف الّتي مرّت عليهم بحاجة إلى دراسة موضوعية مستوعبة لكيفيّة استنباط الأحكام من مصادر الشريعة الإسلاميّة ودراية الحديث وفقه السنّة وترك البقاء على تقليد العلماء السلف في كلّ ذلك.

ثانيا ـ إنّ الغزاة الكفرة لبلاد الإسلام ـ المستعمرين ـ استطاعوا أن يشتّتوا كلمة المسلمين وبذلك استطاعوا أن يقضوا على كلّ حركة إسلاميّة في أي مكان تظهر. ثمّ شرحت ثورة الجزائر ضدّ الفرنسيّين ، والأريتيريّين ضدّ الأحباش ، وعلماء إيران ضدّ الطاغوت العميل ، وأسهبت في الشرح

__________________

(١) كان قد أعدّها ليلقيها في ندوات رابطة العالم الإسلامي الّتي دعي للاشتراك في جلسات تأسيسها ، ولمّا لم يسمح له بذلك ألقاها في ذلك المسجد.

٢٨

واستنهضت همم المسلمين لمساعدتهم.

وذكرت ثالثا أنّنا اليوم بحاجة إلى إيمان كإيمان أبي ذرّ وعمار وسميّة ، وشرحت ما تحمّلوا من الأذى على أرض مكّة الّتي نحن عليها في سبيل الإسلام.

* * *

وفي المدينة المنوّرة بلغ عميد الجامعة الإسلاميّة الشيخ عبد العزيز بن باز خبر لقاءاتي بالوفود الإسلاميّة وأنّ أحد علماء بغداد من وصفه كذا وكذا في المدينة المنورة ، فظنّني من أتباع مدرسة الخلفاء ورغب في أن أزور الجامعة الإسلامية بالمدينة ، وكانت جديدة التأسيس ، وأرسل إلينا من سيّارات الجامعة ما حملتنا إليها مع بعض علماء بغداد ومثقّفيها ووجهائها ، وكان أساتذتها قد اجتمعوا في بهو كبير بانتظارنا واستقبلونا فيه واحتشد على نوافذ البهو فريق من الطلّاب لمشاهدتنا. ولمّا استقرّ بنا المقام ، بدأت بعد حمد الله والثناء عليه بتقديم تحايا علماء المسلمين في العراق لهم وتهانيهم بتأسيسهم الجامعة الإسلامية في المدينة المنوّرة ثمّ قلت :

إنّ رسول الله (ص) لما حلّ بهذا البلد المبارك بدأ بعقد التآخي بين المسلمين المهاجرين والأنصار ، وبنى على ذلك التآخي مجتمعه الإسلامي المجيد. وأنتم بوجود طلبة من خمس وأربعين دولة عندكم تستطيعون أن تقتدوا به وتقدّموا هذه الخدمة الجليلة للإسلام والمسلمين. والمسلمون اليوم بأمسّ الحاجة إليها ، فإنّهم في شتّى أصقاع الأرض ابتلوا بالاستعمار الغازي الكافر ؛ منهم من يئنّ تحت وطأته مباشرة ، ومنهم من يسيطر عملاؤه عليهم وبدءوا اليوم يجاهدون الاستعمار وعملاءه. فهذي الجزائر يجاهد مسلموها فرنسا ويجري عليهم ما يجري وفي أريتيريا يجاهد ثوارها هيلاسيلاسي إمبراطور الحبشة ويجري عليهم ما يجري وعلماء المسلمين في إيران يجاهدون

٢٩

الطّاغوت وسيّده المستعمر ويكافحون لطرد أقسى استعمار كافر على وجه الأرض لإعادة الأحكام الإسلامية إلى البلد الإسلامي وجرى عليهم كذا وكذا ...

قلت هذا بعد أن أفضت في الحديث عن مآسي التفرقة بين المسلمين ، وضربت الأمثال لذلك وأتممت الحديث ، وجاء دور مضيفي الشيخ بن باز للحديث ـ وكان قد أنبئ بأنّي من أتباع مدرسة أهل البيت ، وكان ضريرا لا يبصر ـ فإذا به يتنحنح ثمّ يقول بالحرف الواحد :

أنتم مشركون! أسلموا ، ثمّ اطلبوا من المسلمين أن يتّحدوا معكم.

فثار الدّم في عروقي واشتركت معه في نقاش طويل وذكره خارج عن الصدد (٢).

* * *

استمعت في سفراتي إلى الحجّ إلى خطباء الجمعة والجماعة في مكّة والمدينة ، واشتركت في النّقاش أحيانا مع الخطباء بين صلاتي المغرب والعشاء بمسجد الخيف ، وحضرت ندوات رابطة العالم الإسلامي بمكّة مستمعا واجتمعت في أسفاري بعلماء مصر وخاصّة الأزهر الشريف وسائر بلاد المسلمين في لبنان وبلاد الخليج والهند وباكستان وكشمير وغيرها وطارحتهم الحديث. وسمعت أحيانا ما لا يصلح نقله اليوم وأدركت من خلال مطارحاتي مع مفكّري المسلمين وعلمائهم وقادتهم ـ ولا ينبّئك مثل خبير ـ أنّه لن يتحقّق أيّ تقارب أو تفاهم بين المسلمين دون تدارس مسائل الخلاف والبحث عن منشئها ثمّ المبادرة إلى علاجها. وإذا كان لا بدّلنا من معرفة منشأ

__________________

(٢) إنما أشرت إلى أحاديثي في هذه السفرة ليعلم مدى إخلاصي للشعار الّذي كنت أرفعه والأطروحة الّتي كنت أطرحها ، وأحيانا كان الألم يعصر قلبي حين التحدّث والدمع ينحدر من عيني ، وإذا بي أجابه تلك المجابهة الفظّة من ذلك الشيخ.

٣٠

الخلاف في مسائل الخلاف من أجل علاجها ، فسنذكر في ما يأتي أمثلة منها ، ثمّ نختم البحوث بما ينبغي أن نعمله في سبيل علاج مسائل الخلاف بحوله تعالى.

ونبدأ بذكر مسائل الخلاف حول بعض صفات الله عزّ اسمه.

٣١

ـ ٣ ـ

بعض صفات الله جلّ اسمه

ومنشأ الخلاف حولها

في المسلمين من يرى أنّ الله :

خلق آدم على صورته (١) ، وأنّ له أصابع (٢) وساقا (٣) وقدما.

وأنّه يضع قدمه يوم القيامة على نار جهنّم أو على جهنّم فتقول : قطّ ، قطّ ، قطّ(٤).

__________________

(١) صحيح البخاري ، كتاب الاستئذان ، باب بدء السلام.

وصحيح مسلم ، كتاب الجنّة وصفة نعيمها ، باب يدخل الجنّة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير ، ح ٢٨ ، وكتاب البرّ ، باب النهي عن ضرب الوجه ، ح ١١٥. ومسند أحمد ٢ / ٢٤٤ و ٢٥١ ، و ٣٢٣ و ٣٦٥ و ٤٢٤ و ٤٦٢ و ٥٦٩.

(٢) صحيح البخاري ، تفسير سورة الزمر ٢ / ١٢٢. وكتاب التوحيد ، باب قول الله : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) ٤ / ١٨٦ وباب (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) ٤ / ١٩٢. وصحيح مسلم ، كتاب صفة القيامة والجنّة والنار ، ح ١٩ ، ٢١ ، ٢٢.

(٣) صحيح البخاري ، تفسير قوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) من سورة ن والقلم ، الآية ٤٣ وكتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) ٤ / ١٨٩.

(٤) صحيح البخاري ، تفسير سورة ق ، وكتاب التوحيد ، باب (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ٤ / ١٩١. والترمذي ، كتاب صفة الجنّة ، باب ما جاء في خلود أهل الجنّة وأهل النار. وصحيح مسلم ، كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلها ، باب النار يدخلها الجبارون والجنّة يدخلها الضعفاء ، ح ٣٥ و ٣٦ و ٣٧ و ٣٨.

٣٢

وأن له مكانا ، وأنّه ينتقل من مكان إلى مكان ، وذلك لما رووا أنّ رسول الله قال :

كان ربّنا قبل أن يخلق خلقه في عماء ـ أي ليس معه شيء ـ ما تحته هواء ، وما فوقه هواء ، وما ثمّ خلق. عرشه على الماء (٥).

وأنّه قال :

إنّ عرشه على سماواته كهكذا ـ وقال بأصابعه مثل القبّة عليه ـ وإنّه ليئط به أطيط الرحل بالراكب (٦).

وأنّه قال : ينزل الله في آخر الليل إلى السماء الدنيا فيقول : من يسألني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ... (٧).

وأنّه قال : ينزل في ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر ... (٨).

__________________

(٥) سنن ابن ماجة ، المقدمة ، باب في ما أنكرت الجهمية ، ح ١٨٢. وسنن الترمذي ، تفسير سورة هود ، الحديث الأول وفيه : العماء ـ أي ليس معه شيء. ومسند أحمد ٤ / ١١ و ١٢.

(٦) سنن أبي داود ، كتاب السنّة ، باب في الجهمية ، ح ٤٧٢٦. وسنن ابن ماجة ، المقدمة ، باب في ما أنكرت الجهمية. وسنن الدارمي ، كتاب الرقائق ، باب في شأن الساعة ونزول الرّبّ تعالى.

وراجع كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب (ت : ١٢٠٦ ه‍) ومنهاج السنة لابن تيمية.

(٧) صحيح البخاري ، كتاب التهجد ، باب الدعاء والصلاة في آخر الليل ، وكتاب التوحيد باب قوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ). وكتاب الدعوات ، باب الدعاء نصف الليل. وصحيح مسلم ، كتاب الدعاء ، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل. وسنن أبي داود ، كتاب السنة ، باب في الرد على الجهمية ، ح ٤٧٣٣. وسنن الترمذي ، كتاب الصلاة ، باب ما جاء في نزول الربّ إلى السماء الدنيا كلّ ليلة ، ٢ / ٢٣٣ و ٢٣٥. وكتاب الدعوات ، باب حدثني الأنصاري ، ١٣ / ٣٠. وسنن ابن ماجة ، كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء في أيّ ساعات الليل أفضل ، ح ١٣٦٦. وسنن الدارمي ، كتاب الصلاة ، باب ينزل الله إلى السماء الدنيا. وموطأ مالك ، كتاب القرآن ، باب ٣٠. ومسند أحمد ٢ / ٢٦٤ ، ٢٦٧ ، ٢٨٢ ، ٤١٩ ، ٤٣٣ ، ٤٨٧ ، ٥٠٤ ، ٥٢١ ، و ٣ / ٣٤ و ٤ / ١٦

(٨) سنن الترمذي ، أبواب الصوم ، باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان. وسنن ابن ماجة ، ـ

٣٣

وأنّه قال عن يوم القيامة :

يقال لجهنّم : هل امتلأت؟ وتقول : هل من مزيد؟ فيضع الرّبّ تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول : قطّ قطّ.

وفي رواية :

فأمّا النار فلا تمتلئ حتّى يضع رجله فتقول : قطّ قطّ. فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض (٩).

حول رؤيته :

رووا أنّ رسول الله (ص) يرى ربّه يوم القيامة. فقد قال (ص) : يأتيني المؤمنون للشّفاعة بعد إباء الأنبياء من الشّفاعة. فأنطلق فأستأذن على ربّي ، فيؤذن لي ، فإذا رأيت ربّي وقعت ساجدا ... ـ إلى قوله : ـ ثمّ أشفع فيحدّ لي حدّا فأدخلهم الجنّة ، ثمّ أرجع ، فإذا رأيت ربّي وقعت ساجدا ـ الحديث (١٠).

وأنّه قال :

إن الله تبارك وتعالى ينزل يوم القيامة إلى العباد ليقضي بينهم (١١).

وأنّه قال :

__________________

ـ كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان. ومسند أحمد ٢ / ٤٣٣.

(٩) كلتا الروايتين عن الصحابي أبي هريرة في تفسير سورة ق من صحيح البخاري ٣ / ١٢٨ ، وفي باب (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) من كتاب التوحيد منه ، ٤ / ١٩١.

وعن أنس حديث القدم في باب قول الله تعالى : (وهو العزيز الحكيم سبحان ربّك ...) من كتاب التوحيد منه ، ٤ / ١٢٩.

وراجع سنن الترمذي ، كتاب الجنّة ، باب ما جاء في خلود أهل الجنّة وأهل النار ، ١٠ / ٢٩. ومسند أحمد ٢ / ٣٩٦.

(١٠) صحيح البخارى ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) ٤ / ١٨٥ وفي باب قول الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) بتفصيل أوفى ، راجع ٤ / ١٩٠ منه.

(١١) سنن الترمذي ، كتاب الزهد ، باب ما جاء في الرياء والسمعة ٩ / ٢٢٩.

٣٤

إنّكم سترون ربّكم عيانا (١٢).

وإنّ المسلمين يرون ربّهم يوم القيامة كما يرون القمر لا يضامّون في رؤيته (١٣).

وإنّ الله يقول يومئذ :

من كان يعبد شيئا فليتّبع. فمنهم من يتّبع الشمس ومنهم من يتّبع القمر ، ومنهم من يتّبع الطواغيت ، وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها فيأتيهم الله في غير الصورة الّتي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم. فيقولون : نعوذ بالله منك ، هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا ، فإذا أتانا ربّنا عرفناه ، فيأتيهم الله في الصورة الّتي يعرفون ، فيقول : أنا ربّكم. فيقولون : أنت ربّنا فيتّبعونه ... (١٤)

وفي رواية :

حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله من برّ وفاجر ، أتاهم ربّ العالمين في أدنى صورة من الّتي رأوه فيها ، فيقال : ما ذا تنتظرون؟ تتبع كل أمّة ما كانت تعبد ، قالوا : ... نحن ننتظر ربّنا الّذي نعبد. فيقول : أنا ربّكم. فيقولون : لا نشرك بالله شيئا ، مرّتين أو ثلاثا ... فيقول : هل بينكم وبينه علامة فتعرفونه بها؟ فيقولون : الساق. فيكشف عن ساق (ثمّ يسجدون) (١٥) ثمّ يرفعون رءوسهم وقد تحوّل في صورته الّتي رأوه فيها أوّل مرّة ، فقال : أنا

__________________

(١٢) صحيح البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) ٤ / ١٨٨.

(١٣) صحيح البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ). وكتاب الصلاة ، باب فضل صلاة العصر ، وباب وقت العشاء إلى نصف الليل ، وكتاب التفسير ، باب سورة ق. وصحيح مسلم ، كتاب الصلاة ، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما. والترمذي ، كتاب صفة الجنّة ، باب ما جاء في رؤية الرّبّ تبارك وتعالى ، ١٠ / ١٨ و ٢٠.

(١٤) صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب معرفة طريق الرؤية. وصحيح البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) ٤ / ١٨٨ ، وراجع تفسير سورة : ق منه.

(١٥) ما بين القوسين ملخّص من لفظ الحديث في السجدة.

٣٥

ربّكم. فيقولون : أنت ربّنا (١٦).

في الجنّة

وأنّه قال عن المؤمنين في الجنّة :

ما بينهم وما بين أن ينظروا إلى ربّهم إلّا رداء الكبر على وجهه في جنّة عدن (١٧).

وأنّ أهل الجنّة إذا دخلوها يقول الله تبارك وتعالى :

تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون : ألم تبيّض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنّة وتنجنا من النّار؟ فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحبّ إليهم من النظر إلى ربّهم عزوجل (١٨).

وأنّ رسول الله (ص) قال :

بينا أهل الجنّة في نعيمهم إذ سطع لهم نور ، فرفعوا رءوسهم ، فإذا الرّبّ قد أشرف عليهم من فوقهم فقال : السلام عليكم يا أهل الجنّة!! قال :

وذلك قول الله : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ). قال : فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ، ما داموا ينظرون إليه ، حتّى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته (١٩).

__________________

(١٦) صحيح مسلم كتاب الإيمان ، باب معرفة طريق الرؤية ، ح ٢٢٩ ، واللفظ منه. وصحيح البخاري في تفسير سورة النساء ، باب قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) ٣ / ٨٠ ، واللفظ فيه مختصر ، وكذلك في كتاب التوحيد منه ، باب قول الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) ٤ / ١٨٩.

لو تفضّل الراءون ربّهم ووصفوا لنا صورة ربّهم الّتي رأوه عليها وساقه الّتي هي علامة بينهم وبين ربّهم لكان ذلك فضلا منهم كبيرا يشكرون عليه ويحمدون.

(١٧) صحيح البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) ٤ / ١٩١. وفي صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربّهم ، ح ٢٩٦.

(١٨) صحيح مسلم ، كتاب الإيمان باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربّهم ، ح ٢٩٧.

(١٩) سنن ابن ماجة ، كتاب المقدمة ، باب في ما أنكرت الجهمية ، ح ١٨٤.

٣٦

وأنّه قال :

... أكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشيّا. ثمّ قرأ رسول الله (ص) : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢٠).

وأنّ رسول الله (ص) أخبر وقال : إنّ أهل الجنّة يزورون الله عزوجل ويبرز لهم عرشه ويتبدّى لهم في روضة من رياض الجنّة ، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلّا حاضره الله عزوجل محاضرة حتّى أنّه يقول للرجل منكم ألا تذكر يا فلان يوم عملت كذا وكذا؟ فيقول :

يا ربّ أفلم تغفر لي؟ فيقول :

بلى ... ثمّ ننصرف إلى منازلنا فتلقانا أزواجنا فيقلن :

أهلا ومرحبا ، لقد جئت وإنّ بك من الجمال والنور والطّيب أفضل فارقتنا عليه. فنقول :

إنّا جالسنا اليوم ربّنا عزوجل ويحقّنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا (٢١).

* * *

نكتفي بإيراد ما أوردنا من الأحاديث الكثيرة الوفيرة في صفات أع؟ الله ورؤية العباد ربّهم يوم القيامة ، لأنّنا بصدد ضرب المثل لبيان الخلاف ، ولسنا بصدد الإحصاء. وندرس في ما يأتي الخلاف حول ت؟؟ هذه الأحاديث.

الخلاف على تأويل تلكم الأحاديث

في المسلمين من يؤمن بظواهر تلكم الأحاديث ويرى الإيمان بها إيمانا

__________________

(٢٠) سنن الترمذي ، كتاب صفة الجنّة ، باب رؤية الرّبّ ، ١٠ / ١٨ ـ ١٩.

(٢١) سنن ابن ماجة ، كتاب الزهد ، باب صفة أهل الجنّة ، ح ٤٣٣٦ ، ص ١٤٥١ ـ وسنن الترمذي ، أبواب صفة الجنّة ، باب ما جاء في سوق الجنّة ، ١٠ / ١٦ ـ ١٧.

٣٧

بالله ودليلا على القول بتوحيده تعالى ، ويسمّون من يؤوّلها إلى غير معنى الجسميّة بمعطّلة الصفات ، أي معطلة صفات الله.

وقد دوّن مسلم تلك الأحاديث في كتاب الإيمان من صحيحه والبخاري في كتاب التوحيد من صحيحه.

وألّف ابن خزيمة كتابا سمّاه : (التوحيد وإثبات صفات الربّ عزوجل الّتي وصف بها نفسه في تنزيله وعلى لسان نبيّه ، نقل الأخبار الصحيحة نقل العدول عن العدول من غير قطع في إسناد ولا جرح في ناقلي الأخبار الثقات) (٢٢).

وهذا فهرس بعض أبواب الكتاب كما جاء في آخره :

أبواب كتاب ابن خزيمة

إثبات النفس لله

إثبات الوجه لله

باب ذكر صورة ربّنا جلّ وعلا

باب ذكر إثبات العين لله جلّ وعلا

باب إثبات السّماع والرؤية لله جلّ وعلا

باب إثبات اليد للخالق البارئ جلّ وعلا

باب ذكر إثبات الرّجل لله عزوجل

باب ذكر البيان أنّ الله عزوجل ينظر إليه جميع المؤمنين

باب ذكر البيان أن جميع المؤمنين يرون الله يوم القيامة مخليا به

__________________

(٢٢) هو الحافظ الكبير إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت : ٣١١ ه‍) أستاذ البخاري ومسلم في الحديث ، طبع الكتاب سنة ١٣٧٨ ه‍ ، نشر مكتبة الكليات الأزهرية بميدان الأزهر في القاهرة. راجع ترجمة المؤلف في مقدمة الكتاب.

٣٨

وألّف الإمام الحافظ عثمان بن سعيد الدارمي (ت : ٢٨٠ ه‍) كتاب : الردّ على الجهميّة ، ومن أبوابه :

باب استواء الرّبّ على العرش وارتفاعه إلى السماء وبينونته من الخلق

باب النزول ليلة النصف من شعبان

باب النزول يوم عرفة

باب نزول الرّبّ يوم القيامة للحساب

باب نزول الله لأهل الجنّة

باب الرؤية (٢٣).

وألّف الذهبي كتاب (العلوّ العال للعليّ الغفّار) (٢٤) أورد فيه الآيات والأحاديث الّتي يفهمون منها أنّ مكان الله في العلوّ المكاني ، ثمّ ذكر أقوال الصّحابة والتابعين والعلماء والمحدّثين في تأييد ذلك.

منشأ الخلاف حول بعض صفات الله ورؤيته

في المسلمين من درسنا آراءهم في صفات الله المذكورة. وفيهم من يتلو في ردّ تلكم الأقوال قول الله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) الأنعام / ١٠٣.

ويقول : إنّ قول الله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ، أي : إلى أمر ربّها ناظرة ، أي : منتظرة ، وذلك مثل قوله تعالى في حكاية قول أولاد يعقوب لأبيهم : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) يوسف / ٨٢. أي : واسأل أهل

__________________

(٢٣) ط. ليدن ، سنة ١٩٦٠ م.

(٢٤) الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (ت : ٧٤٨ ه‍) ، نشر المكتبة السلفية في المدينة المنورة ، باب الرحمة ، ط : الثانية ، سنة ١٣٨٨ ه‍.

٣٩

القرية ، قدّر في تلك الآية (أمر) وفي هذه الآية (أهل) ، وهكذا تؤوّل سائر الآيات الّتي ظاهرها يدلّ على أنّ الله تبارك وتعالى جسم.

ويسمّون أهل تلك الأقوال بالمجسّمة والمشبّهة أي الّذين يشبّهون ربّهم بمخلوقاته ويقولون إنّه جسم.

ويروون عن الإمام جعفر بن محمد الصّادق (ع) أنّه قال :

من زعم أنّ الله فوق العرش فقد صيّر الله محمولا ولزمه أنّ الشيء الّذي يحمله أقوى منه. ومن زعم أنّ الله في شيء ، أو على شيء ، أو يخلو منه شيء ، أو يشغل به شيء فقد وصفه بصفة المخلوقين ؛ والله خالق كلّ شيء ، لا يقاس بالقياس ، ولا يشبه بالناس ، لا يخلو منه مكان ، ولا يشتغل به مكان (٢٥).

ويستشهدون بقول الإمام علي (ع):

إنّ الله لا ينزل ، ولا يحتاج أن ينزل ؛ وإنّما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص وزيادة ، وكلّ متحرّك يحتاج إلى من يحرّكه أو يتحرّك به ، فاحذروا في صفاته من أن تقضوا له على حدّ تحدّونه بنقص أو زيادة ، أو تحريك أو تحرّك ، أو زوال أو استنزال ، أو نهوض أو قعود(٢٦).

وقال الراوي للإمام عليّ بن موسى الرضا (ع) :

__________________

(٢٥) الكافي ، الجزء الأول ، كتاب التوحيد ، باب العرش والكرسي ، ح ٧ ، وباب الحركة والانتقال ، ح ٣ و ٩. والتوحيد للشيخ الصدوق ، باب نفي المكان والزمان والحركة عنه تعالى ، ح ٩ و ١٠ و ١٢ ، وباب (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) ح ١١ ، وباب معنى (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) ح ٥ و ٦ و ٧ و ٨. البحار للمجلسي ، ط. الجديدة ، كتاب التوحيد ، باب نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتّحاد ، ح ٢٣ ، ٣ / ٨٧.

(٢٦) الكافي ، كتاب التوحيد ، باب الحركة والانتقال ، ح ١. والتوحيد للصدوق ، باب نفي المكان والزمان والحركة عنه تعالى ، ح ١٨. والبحار للمجلسي ، كتاب التوحيد ، باب نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى ح ٢٥ ، ٣ / ٣١١.

٤٠