معالم المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١٦

محمّدا (ص) فاختصّه برسالته ، واختاره لوحيه ، وائتمنه على أمره ، وبعثه رسولا مصدّقا لما بين يديه من الكتب ، ودليلا على الشرائع ، فدعا إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة ، فكان أول من أجاب وأناب ، وصدق ووافق ، وأسلم وسلم ؛ أخوه وابن عمّه عليّ بن أبي طالب (ع) ، فصدّقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كلّ حميم ، فوقاه كلّ هول ، وواساه بنفسه في كلّ خوف ، فحارب حربه ، وسالم سلمه ، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الأزل ، ومقامات الروع ، حتّى برز سابقا لا نظير له في جهاده ، ولا مقارب له في فعله. وقد رأيتك تساميه وأنت أنت ، وهو هو المبرّز السابق في كلّ خير ، أوّل الناس إسلاما ، وأصدق الناس نيّة ، وأطيب الناس ذرّيّة ، وأفضل الناس زوجة ، وخير الناس ابن عمّ ... ثمّ لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لدين الله ، وتجهدان على إطفاء نور الله ، وتجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال ، وتحالفان فيه القبائل. على ذلك مات أبوك ، وعلى ذلك خلفته ، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقية الأحزاب رءوس النفاق والشقاق لرسول الله (ص). والشاهد لعليّ مع فضله المبين وسبقه القديم ، أنصاره الّذين ذكروا بفضلهم في القرآن فأثنى الله عليهم ، من المهاجرين والأنصار ، فهم معه عصائب وكتائب حوله ، يجالدون بأسيافهم ، ويهريقون دماءهم دونه ، يرون الفضل في اتّباعه ، والشّقاء في خلافه ، فكيف ـ يا لك الويل ـ تعدل نفسك بعليّ ، وهو وارث رسول الله (ص) ، ووصيّه وأبو ولده وأول الناس له اتّباعا ، وآخرهم به عهدا ، يخبره بسرّه ويشركه في أمره.

وكتب معاوية في جوابه :

من معاوية بن أبي سفيان إلى الزاري على أبيه محمّد بن أبي بكر.

٣٠١

سلام على أهل طاعة الله. أمّا بعد فقد أتاني كتابك ، تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه وما أصفى به نبيّه ، مع كلام ألّفته ووضعته ، لرأيك فيه تضعيف ، ولأبيك فيه تعنيف. ذكرت حقّ ابن أبي طالب ، وقديم سوابقه وقرابته من نبيّ الله (ص) ، ونصرته له ومواساته إيّاه في كل خوف وهول ، واحتجاجك عليّ بفضل غيرك لا بفضلك. فأحمد إلها صرف الفضل عنك وجعله لغيرك. وقد كنّا وأبوك معنا في حياة من نبيّنا (ص) ، نرى حقّ ابن أبي طالب لازما لنا ، وفضله مبرّزا علينا فلمّا اختار الله لنبيّه (ص) ما عنده ، وأتمّ له ما وعده ، وأظهر دعوته وأفلج حجّته ، قبضه الله إليه ، فكان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّه وخالفه. على ذلك اتّفقا واتّسقا ، ثمّ دعواه إلى أنفسهم فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما ، فهمّا به الهموم ، وأرادا به العظيم ، فبايع وسلم لهما ، لا يشركانه في أمرهما ، ولا يطلعانه على سرّهما ، حتّى قبضا وانقضى أمرهما. ثمّ قام بعدهما ثالثهما عثمان بن عفّان ، يهتدي بهديهما ـ إلى آخر الكتاب.

أوردنا جواب معاوية لما فيه من الاعتراف بما ذكره محمّد بن أبي بكر.

وأورد تمام الكتابين نصر بن مزاحم في كتابه وقعة صفّين والمسعودي في مروج الذّهب. وأشار إليهما الطبريّ وابن الأثير في ذكرهما حوادث سنة ستّ وثلاثين هجرية.

روى الطبري بسنده عن يزيد بن ظبيان :

أنّ محمد بن أبي بكر كتب إلى معاوية بن أبي سفيان لمّا ولي. فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها لما فيه ممّا لا يحتمل سماعه العامة ....

إذا فإنّ الطبري لم يورد في موسوعته التاريخية الكبرى ما دار بين محمّد بن أبي بكر ومعاوية من مكاتبات لأنّه لم ير من الحكمة أن يطلع عليها عامّة الناس وليس من باب عدم اعتماده على صحّة الخبر. وتبعه العلّامة ابن الأثير ولم يورد تلك المكاتبات في موسوعته التاريخية (الكامل) وذكر نفس

٣٠٢

العلة وقال : كرهت ذكرها لما فيه ممّا لا يحتمل سماعه العامّة (١٣).

الوصيّة في كتاب عمرو بن العاص

روى الخوارزمي كتابا لعمرو بن العاص إلى معاوية قال فيه :

فأمّا ما دعوتني إليه ... ، وإعانتي إيّاك على الباطل ، واختراط السيف في وجه عليّ وهو أخو رسول الله (ص) ووصيّه ووارثه ، وقاضي دينه ومنجز وعده وزوج ابنته ... (١٤).

الوصيّة في كلام الإمام عليّ (ع) واحتجاجه

روى الخوارزميّ من كلام الإمام عليّ (ع) :

(أنا أخو رسول الله (ص) ووصيّه ...) (١٥).

وروى ابن أبى الحديد ، من كتاب للإمام عليّ (ع) إلى أهل مصر :

(واعلموا أنه لا سوى : إمام الهدى وإمام الرّدى ، ووصىّ النبيّ وعدو النبيّ) (١٦).

وذكر اليعقوبي احتجاج الخوارج على الإمام عليّ (ع) وجاء فيه أنّه ضيّع الوصيّة ، فكان من جوابه (ع) :

(أمّا قولكم إنّي كنت وصيّا فضيّعت الوصيّة ، فإنّ الله عزوجل يقول : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) آل عمران / ٩٧. أفرأيتم هذا البيت لو لم يحجّ إليه أحد كان البيت يكفر؟ إنّ هذا البيت لو تركه من استطاع إليه سبيلا كفر ، وأنتم كفرتم بترككم إيّاي لا أنا بتركي لكم ـ الخ) (١٧).

__________________

(١٣) الكتاب وجوابه في صفّين لنصر بن مزاحم ، ط. القاهرة ، سنة ١٣٨٢ ه‍ ص ١١٨ ـ ١١٩. وتاريخ الطبري ط. أوربا ١ / ٣٣٤٨. وتاريخ ابن الأثير ط. أوربا ٣ / ١٠٨. ومروج الذهب للمسعودي ط. بيروت ، سنة ١٣٨٥ ه‍ ٣ / ١١ ، وقال : إنّ محمد بن أبي بكر كتب الكتاب إلى معاوية من مصر لمّا ولّاه الإمام عليّ وابن ابي الحديد ١ / ٢٨٤.

(١٤) مناقب الخوارزمي ص ١٢٥.

(١٥) مناقب الخوارزمي ص ١٤٣.

(١٦) شرح النهج لابن أبي الحديد ٢ / ٢٨.

(١٧) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٩٢ ـ ١٩٣.

٣٠٣

الوصية في خطب الإمام عليّ (ع)

في الخطبة ١٨٢ من نهج البلاغة ، قال الإمام :

(أيّها النّاس إنّي قد بثثت لكم المواعظ الّتي وعظ الأنبياء بها أممهم ، وأدّيت إليكم ما أدّت الأوصياء إلى من بعدهم ...).

وفي الخطبة ٨٨ منه ، قال :

(وما لي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها لا يقتصّون أثر نبيّ ولا يقتدون بعمل وصيّ).

وفي الخطبة الثانية منه ، قال :

(لا يقاس بآل محمّد (ص) من هذه الأمّة أحد ، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا. هم أساس الدين ... ولهم خصائص حقّ الولاية وفيهم الوصيّة والوراثة ...).

وقال ابن أبي الحديد :

خطب عليّ عليه‌السلام فقال في أثناء خطبته : «أنا عبد الله ، وأخو رسوله ، لا يقولها أحد قبلي ولا بعدي إلّا كذب ؛ ورثت نبيّ الرحمة ، ونكحت سيدة نساء هذه الأمة ، وأنا خاتم الوصيين» (١٨).

الوصية في خطبة الإمام الحسن (ع)

خطب الإمام الحسن (ع) بعد مقتل أبيه وقال فى خطبته :

(أنا الحسن بن عليّ وأنا ابن النبيّ وأنا ابن الوصيّ ...) (١٩) الحديث.

الوصيّة في تعزية الشّيعة للإمام الحسين بوفاة أخيه الإمام الحسن (٦)

لمّا توفّي الحسن وبلغ الشيعة ذلك ، اجتمعوا بالكوفة في دار سليمان بن

__________________

(١٨) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ط. مصر الاولى ١ / ٢٠٨.

(١٩) نقلنا الخبر من مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٢. وراجع ذخائر العقبى ص ١٣٨. وفي مجمع الزوائد للهيثمي ٩ / ١٤٦ عن الطبراني وغيره.

٣٠٤

صرد وكتبوا إلى الحسين بن علي يعزّونه على مصابه بالحسن :

بسم الله الرحمن الرحيم

للحسين بن عليّ من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين. سلام عليك ، فإنّا نحمد إليك الله الّذي لا إله إلّا هو. أمّا بعد فقد بلغنا وفاة الحسن بن علي [فسلام عليه] (٢٠) يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيّا ... ما أعظم ما أصيب به هذه الأمّة عامّة وأنت وهذه الشّيعة خاصّة بهلاك ابن الوصيّ وابن بنت النبيّ و... (٢١).

وفي مروج الذهب للمسعودي : قال ابن عباس لمعاوية لما بلغه وفاة الإمام الحسن وهو بالشّام : ولئن أصبنا به فقد أصبنا قبله بسيّد المرسلين وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين ثمّ بعده بسيّد الأوصياء ، فجبر الله تلك المصيبة ... (٢٢).

الوصيّة في خطبة الإمام الحسين (ع)

خطب الإمام الحسين (ع) يوم العاشر من المحرّم على جيش الخليفة يزيد وقال في خطبته في مقام الاحتجاج عليهم :

(أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا؟ ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها هل يجوز لكم قتلي وانتهاك حرمتي. ألست ابن بنت نبيّكم (ص) وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل القوم إسلاما وأوّل المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربّه؟ أو ليس حمزة سيد الشهداء عمّ أبي؟! أو ليس جعفر الشهيد الطيّار ذو الجناحين عمّي؟» (٢٣).

__________________

(٢٠) لم يرد هذا في النص ولكن السياق يقتضيه.

(٢١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٢٨.

(٢٢) مروج الذهب للمسعودي ، ٢ / ٤٣٠.

(٢٣) في الخطبة الّتي رواها الطبري في ط. أوربا ٢ / ٣٢٩. وابن الأثير ، ط. أوربا ٤ / ٥٢. وأورد الخطبة ابن كثير في ٨ / ١٧٩ وحذف منها ما ذكره الإمام الحسين في وصف أبيه وكتب بدلها (وعليّ أبي) وأورد الباقى.

٣٠٥

إذا كان ما وصف به الامام الحسين أباه الإمام عليّا من أنّه وصيّ رسول الله (ص) مشهورا عندهم كشهرة نبوّة جدّه ، وأنّ عمّ أبيه حمزة سيّد الشهداء ، وأنّ جعفر الطيّار ذا الجناحين عمّه. ولذلك ذكره في ذكر نسبه ولم يردّ عليه أحد منهم.

عبد الله بن علي عمّ الخليفة العباسي السفاح يحتجّ بالوصيّة

دعا العباسيون في بادئ أمرهم الناس إلى القيام ضدّ الأمويين باسم آل محمد (ص) وكان يدعى أبو مسلم أمير آل محمّد (٢٤) وكانوا يحتجّون على خصومهم بالنصوص الّتي وردت عن رسول الله (ص) في حقّ آله بالحكم ، ولمّا تمّ لهم الاستيلاء على الحكم أداروا ظهورهم لآل محمّد (ص).

وممّن احتجّ بالوصيّة عمّ السفّاح أول الخلفاء العباسيّين ؛ فقد روى الذهبيّ عن أبي عمرو الأوزاعي (٢٥) ما موجزه :

لمّا قدم عبد الله بن عليّ عمّ السفّاح الشام وقتل بني أميّة بعث إليّ وقال في كلامه :

ويحك أو ليس الأمر لنا ديانة؟

قلت : كيف ذاك؟

قال : أليس كان رسول الله (ص) أوصى لعليّ؟

قلت : لو أوصى إليه لما حكم الحكمين. فسكت وقد اجتمع غضبا ، فجعلت أتوقع رأسي يسقط بين يدي ، فقال بيده هكذا ، أومى أن أخرجوه ؛ فخرجت ـ الحديث.

إنّ الأوزاعي احتجّ في ردّ الوصيّة بما احتجّ به الخوارج على الإمام عليّ

__________________

(٢٤) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٥٢. والتنبيه والإشراف للمسعودي ص ٢٩٣. وتاريخ ابن الاثير ٥ / ١٣٩ ـ ١٤٢ ـ ١٩٤ في ذكر حوادث سنة ١٢٩ و ١٣٠.

(٢٥) بترجمته في تذكرة الحفاظ ١ / ١٨١.

٣٠٦

وجوابه جواب الإمام للخوارج ، والّذي مرّ ذكره تحت عنوان : الوصيّة في كلام الإمام عليّ (ع) واحتجاجه.

محمد بن عبد الله بن الحسن يحتجّ على الخليفة المنصور بالوصيّة

روى الطبري وابن الأثير في ذكرهما حوادث سنة ١٤٥ بتاريخيهما : أنّ محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند ما خرج على الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور وبايعه الناس بالمدينة ، كتب في جواب أبي جعفر كتابا مفصلا يدلي بحججه في أنّه أحقّ بالخلافة من المنصور وجاء فيه :

... وإنّ أبانا عليّا كان الوصيّ وكان الإمام ، فكيف ورثتم ولايته وولده أحياء؟ ....

فكتب إليه المنصور كتابا يردّ فيه على ما احتجّ به وسكت عن جواب هذه الحجّة ، وسكوت المنصور إقرار منه بصحّتها لديهم (٢٦).

الخليفة هارون الرشيد يخبر بما بلغه من الأوصياء

في الأخبار الطّوال عن الأصمعي (٢٧) ما موجزه :

قال : دخلت على الرشيد فأرسل إلى ولديه محمّد وعبد الله ، فأتياه وأجلسهما عن يمينه وشماله وأمرني بمطارحتهما ، فكنت لا ألقي عليهما شيئا من فنون الأدب إلّا أجابا به وأصابا ، فقال : كيف ترى أدبهما؟

قلت : يا أمير المؤمنين ما رأيت مثلهما في ذكائهما وجودة ذهنهما ... قال : فضمّهما إلى صدره ، وسبقته عبرته حتى تحدّرت دموعه ، ثمّ أذن لهما ، حتّى نهضا وخرجا ، قال :

__________________

(٢٦) الطبري ، ط. اوربا ، ٣ / ٢٠٩. وتاريخ ابن الأثير ط. مصر الأولى ٥ / ١٩٩. وابن كثير ١٠ / ٨٥.

(٢٧) الأصمعي : عبد الملك بن قريب (ت : ٢١٦ ه‍) البصري اللّغوي النحوي. قيل : كان يحفظ اثني عشر ألف أرجوزة. ترجمته في الكنى والألقاب للقميّ.

٣٠٧

كيف بكم إذا ظهر تعاديهما وبدا تباغضهما ووقع بأسهما بينهما حتّى تسفك الدماء ويودّ كثير من الأحياء أنّهم كانوا موتى؟

فقلت : يا أمير المؤمنين ، هذا شيء قضى به المنجّمون عن مولدهم ، أو شيء أثرته العلماء في أمرهما؟

قال : بل شيء أثرته العلماء عن الأوصياء عن الأنبياء في أمرهما.

قالوا : فكان المأمون يقول في خلافته : قد كان الرشيد سمع جميع ما جرى بيننا من موسى بن جعفر بن محمّد (٢٨) ، فلذلك قال ما قال.

* * *

قال المؤلف :

قصد الرشيد من الأوصياء الأئمة من أهل البيت : موسى وأباه جعفر الصادق وجدّه محمّد الباقر وجدّ أبيه علي بن الحسين ثمّ الحسن والحسين وأباهما عليّ بن أبي طالب (ع). وقصد من الأنبياء خاتم الأنبياء (ص).

ومن أجل ذلك فعل الخليفة هارون الرشيد ما لم يفعله خليفة من قبله ولا بعده وذلك كما رواه المؤرّخون وقالوا :

(ولمّا صار إلى مكّة صعد المنبر ، فخطب ، ثمّ نزل ، فدخل البيت ، ودعا بمحمّد والمأمون ، فأملى على محمّد كتاب الشرط على نفسه ، وكتب محمّد الكتاب ، وأحلفه على ما فيه ، وأخذ عليه العهود والمواثيق ، وفعل بالمأمون مثله ، وأخذ عليه مثل ذلك ، وكان نسخة الكتاب الّذي كتبه محمّد بخطّه :

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب لعبد الله هارون أمير المؤمنين ، كتبه محمد بن هارون في

__________________

(٢٨) الأخبار الطّوال ، ط. القاهرة الأولى سنة ١٩٦٠ ، ص ٣٨٩ لأبي حنيفة الدينوري (ت : ٢٨٢ ه‍). ومروج الذّهب للمسعودي ٣ / ٣٥١.

٣٠٨

صحّة من بدنه وعقله وجواز من أمره. إنّ أمير المؤمنين هارون ولّاني العهد من بعده ، وجعل لي البيعة في رقاب المسلمين جميعا ، وولى أخي عبد الله بن أمير المؤمنين العهد والخلافة وجميع أمور المسلمين بعدي برضى منّي وتسليم ، طائعا غير مكره ، وولّاه خراسان بثغورها وكورها ، وأجنادها وخراجها وطرازها ، وبريدها ، وبيوت أموالها وصدقاتها وعشرها وعشورها ، وجميع أعمالها في حياته وبعد موته ، وشرطت لعبد الله أخي عليّ الوفاء بما جعل له هارون أمير المؤمنين من البيعة والعهد والولاية والخلافة وأمور المسلمين بعدي ... إلى آخر الكتابين ..

وروى الطبري بعد ذلك وقال :

(وكتبا لأمير المؤمنين في بطن بيت الله الحرام بخطوط أيديهما بمحضر ممّن شهد الموسم من أهل بيت أمير المؤمنين وقوّاده وصحابته وقضاته وحجبة الكعبة وشهاداتهم عليهما كتابين استودعهما أمير المؤمنين الحجبة وأمر بتعليقهما في داخل الكعبة فلمّا فرغ أمير المؤمنين من ذلك كلّه في داخل بيت الله الحرام وبطن الكعبة أمر قضاته الذين شهدوا عليهما وحضروا كتابهما أن يعلموا جميع من حضر الموسم من الحاجّ والعمّار ووفود الأمصار ما شهدوا عليه من شرطهما وكتابهما ، وقراءة ذلك عليهم ليفهموه ويعوه ويعرفوه ويحفظوه ويؤدّوه إلى إخوانهم وأهل بلدانهم وأمصارهم. ففعلوا ذلك وقرئ عليهم الشرطان جميعا في المسجد الحرام ، فانصرفوا. وقد اشتهر ذلك عندهم وأثبتوا الشهادة عليه ...) (٢٩).

__________________

(٢٩) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤١٦ ـ ٤٢١. وأورد الطبري تفصيل ذلك في ذكر حوادث سنة ستّ وثمانين ومائة ، ط. أوربا ، ٣ / ٦٥٤ ـ ٦٦٥. وأشار إلى ذلك بإيجاز كلّ من المسعودي في مروج الذهب ، ٣ / ٣٥٣. وابن الأثير في تاريخه (الكامل) ، ط. أوربا ، ٦ / ١١٧ ـ ١١٨. وابن كثير في البداية والنهاية ١٠ / ١٨٧.

٣٠٩

شهرة لقب وصيّ النبيّ (ص) للإمام عليّ (ع)

وانتشار ذكره في أشعار الصّحابة والتابعين وكتب اللغة

في صدر الإسلام

كان لقب الإمام عليّ (ع) بالوصيّ مشهورا في الصّدر الإسلاميّ الأوّل وانتشر ذلك في كتب اللّغة ؛ فقد ورد في مادة : (الوصيّ) من لسان العرب :

وقيل لعليّ (ع) : وصيّ.

وفي تاج العروس : والوصيّ كغنيّ لقب عليّ (رض).

وسيأتي قول المبرد في الكامل في اللّغة بعيد هذا.

وورد ذكره في شعر الشّعراء منذ عصر الصّحابة مثل قول حسّان بن ثابت شاعر النبيّ (ص) في قصيدته بعد وفاة النبي (ص) :

جزى الله عنّا والجزاء بكفه

أبا حسن عنّا ومن كأبي حسن

حفظت رسول الله فينا وعهده

إليك ومن أولى به منك من ومن

ألست أخاه في الهدى ووصيّه

وأعلم منهم بالكتاب والسنن (٣٠)

وروى الزبير بن بكّار في الموفّقيات عن بعض شعراء قريش في مدح عبد الله بن عبّاس قوله :

والله ما كلّم الأقوام من بشر

بعد الوصيّ عليّ كابن عبّاس(٣١)

وقال الوليد بن عقبة بن أبي معيط في مقتل عثمان :

__________________

(٣٠) الموفقيات للزبير بن بكار ، ط. بغداد ، سنة ١٩٧٢ م ، ص ٥٧٤ ـ ٥٧٥ ، وورد شعر حسان في تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٢٨ مع اختلاف في اللفظ. وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ط. الأولى ٢ / ١٥.

(٣١) الموفقيات ص ٥٧٥. وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ط. مصر الأولى ١ / ٢٠١.

٣١٠

ألا إنّ خير الناس بعد ثلاثة

قتيل التجيبي الّذي جاء من مصر

فأجابه الفضل بن عبّاس بأبيات جاء فيها :

ألا إنّ خير النّاس بعد محمّد

وصيّ النبيّ المصطفى عند ذي الذكر

وأول من صلّى وصنو نبيّه

وأوّل من أردى الغواة لدى بدر(٣٢)

وقال النعمان بن عجلان شاعر الأنصار في قصيدته ـ أيضا ـ بعد وفاة النبيّ (ص):

وكان هوانا في عليّ وإنّه

لأهل لها يا عمرو من حيث لا تدري

__________________

(٣٢) تاريخ الطبري ، ط. أوربا ١ / ٣٠٦٤ و ٣٠٦٥. وتاريخ ابن الأثير ، ط. أوربا ٣ / ١٥٢ في ذكرهما ما رثي به عثمان.

والوليد بن عقبة بن أبي معيط بن ذكوان وكان ذكوان عبدا لأميّة فتبنّاه وألحقه بنسبه. وأمّ الوليد أروى أمّ الخليفة عثمان. أرسله رسول الله (ص) مصدقا إلى بني المصطلق ، فخرجوا يتلقونه ، فهابهم فعاد إلى رسول الله (ص) وأخبر أنّهم ارتدّوا ومنعوا الصدقة ، فنزلت فيه : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) الحجرات / ٦. فأرسل إليهم رسول الله (ص) غيره فأخبروه أنهم متمسّكون بالإسلام. ولّاه الخليفة عثمان الكوفة فشرب الخمر وصلّى بهم صلاة الصبح أربعا وهو سكران ، فعزله عثمان ، وقد ذكرنا تفصيل خبره في أول ذكر أخبار عصر الصهرين من كتاب أحاديث عائشة.

أقام في الرقة بعد عثمان وتوفّي بها. ترجمته في أسد الغابة والإصابة.

والفضل بن العباس بن عبد المطّلب ، أكبر ولد العبّاس. شهد مع النبيّ (ص) فتح مكّة وحنينا وثبت معه حين انهزم الناس ، وشهد غسل رسول الله (ص) ودفنه واستشهد يوم مرج الصفراء أو أجنادين بالشام وكلاهما سنة ثماني عشرة هجرية ، وقيل : استشهد يوم اليرموك. وترجمته في الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة.

قصد (بعد ثلاثة) أي بعد الرسول (ص) وأبي بكر وعمر. والتجيبي والتجوبي : نسبة إلى قبيلة من مذحج ، كانت تسكن محلّة بمصر وقيل لمن يسكن تلك المحلة ـ أيضا ـ التجيبي والتجوبي. وكان منهم عبد الرحمن بن عديس البلوي الّذي اشترك في قتل الخليفة عثمان ، وإيّاه عنى الوليد بالتجيبي في شعره ، ومنهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي التدؤلي قاتل الإمام عليّ ، وكانت داره إلى جنب ابن عديس ، ومعنى البيت : ألا إنّ خير الناس بعد الرسول (ص) وأبي بكر وعمر ـ أي عثمان ـ أصبح مقتولا بيد التجيبي الّذي جاء من مصر.

راجع مادة : (التجيبي) و (التدؤلي) في أنساب السمعاني ، وراجع مادة : (التجيبي) في الإكمال لابن مأكولا ١ / ٢١٤ و ٢٥٦ ، ومادة : (التدؤلي) في اللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير.

٣١١

وصيّ النبيّ المصطفى وابن عمّه

وقاتل فرسان الضّلالة والكفر

قال ذلك في جواب عمرو بن العاص حين أغاض الأنصار في حوادث السقيفة وانتصار الإمام عليّ للأنصار من مهاجرة قريش (٣٣).

وقال ابن أبي الحديد :

ومن الشعر المقول في صدر الإسلام المتضمّن كونه (ع) وصيّ رسول الله (ص) قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطّلب :

ومنّا علي ذاك صاحب خيبر

وصاحب بدر يوم سالت كتائبه

وصيّ النبيّ المصطفى وابن عمه

فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه؟

وقال عبد الرحمن بن جعيل :

لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة

على الدين معروف العفاف موفقا

عليّا وصيّ المصطفى وابن عمّه

وأوّل من صلّى أخا الدين والتقى(٣٤)

الوصية في الأشعار الّتي قيلت في حرب الجمل (٣٥)

وقال ابن أبي الحديد أيضا :

وقال أبو الهيثم بن التيهان وكان بدريا :

قل للزبير وقل لطلحة إنّنا

نحن الّذين شعارنا الأنصار

نحن الّذين رأت قريش فعلنا

يوم القليب أولئك الكفّار

__________________

(٣٣) النعمان بن عجلان الزرقي الأنصاري ، لسان الأنصار وشاعرهم. استعمله عليّ على البحرين.

ترجمته في الاستيعاب ، ط. حيدرآباد ١ / ٢٩٨ ، رقم : ١٣٢٣. وأسد الغابة ٥ / ٢٦. والإصابة ٣ / ٥٣٢ ، ونسبه في الجمهرة ص ٣٢٧ ـ ٣٣٨. والاشتقاق ص ٤٦١. والأبيات عن كتاب الموفقيات للزبير بن بكار ص ٥٩٢ ـ ٥٩٤ ، ورواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم ٦ / ٣١.

(٣٤) شرح نهج البلاغة ١ / ٤٧. وراجع فتوح ابن أعثم ط. حيدرآباد عام ١٢٨٨ ، ٢ / ٢٧٧.

(٣٥) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٤٧ ـ ٤٩. وراجع فتوح أعثم ٢ / ٣٠٧.

٣١٢

كنّا شعار نبيّنا ودثاره

يفديه منّا الرّوح والأبصار

إنّ الوصيّ إمامنا ووليّنا

برح الخفاء وباحت الأسرار

وقال عمر بن حارثة الأنصاريّ في محمّد بن الحنفيّة من أبيات أنشأها يوم الجمل :

سمي النبيّ وشبه الوصيّ

ورايته لونها العندم

وقال رجل من الأزد يوم الجمل :

هذا عليّ وهو الوصيّ

آخاه يوم النجوة النبيّ

وقال هذا بعدي الوليّ

وعاه واع ونسي الشقيّ

وخرج يوم الجمل غلام من ضبّة شابّ معلم من عسكر عائشة وهو يقول :

نحن بنو ضبّة أعداء علي

ذاك الّذي يعرف قدما بالوصي

وفارس الخيل على عهد النبي

ما أنا عن فضل عليّ بالعمي

لكنّني أنعى ابن عفّان التّقي

إنّ الوليّ طالب ثار الولي(٣٦)

وقال سعيد بن قيس الهمداني يوم الجمل ، وكان في عسكر علي (ع) :

قل للوصيّ أقبلت قحطانها

فادع بها تكفيكها همدانها

وقال حجر بن عديّ الكنديّ في ذلك اليوم أيضا :

يا ربّنا سلّم لنا عليّا

سلّم لنا المبارك المرضيّا

المؤمن الموحّد التقيّا

لا خطل الرأي ولا غويّا

بل هاديا موفّقا مهديّا

واحفظه ربّي واحفظ النبيّا

فيه فقد كان له وليّا

ثمّ ارتضاه بعده وصيّا

وقال خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وكان بدريّا يوم الجمل أيضا :

يا وصيّ النبيّ قد أجلت الحر

ب الأعادي وسارت الأظعان

__________________

(٣٦) راجع فتوح ابن أعثم ٢ / ٣٢١.

٣١٣

واستقامت لك الأمور سوى الش

أم وفي الشام يظهر الإذعان

حسبهم ما رأوا وحسبك منا

هكذا نحن حيث كنا وكانوا

وقال خزيمة يوم الجمل أيضا في أبيات يخاطب بها أمّ المؤمنين عائشة :

وصيّ رسول الله من دون أهله

وأنت على ما كان من ذاك شاهد

وخطب ابن الزبير يوم الجمل ، وخطب الحسن (ع) بعده ، فقال عمرو بن أحيحة في ذلك :

حسن الخير يا شبيه أبيه

قمت فينا مقام خير خطيب

قمت بالخطبة الّتي صدع اللّ

ه بها عن أبيك أهل العيوب

وكشفت القناع فاتّضح الأم

ر وأصلحت فاسدات القلوب

لست كابن الزبير لجلج في القو

ل وطأطأ عنان فسل مريب

وأبى الله أن يقوم بما قا

م به ابن الوصيّ وابن النجيب

إنّ شخصا بين النبي ـ لك الخي

ر ـ وبين الوصيّ غير مشوب

وقال ابن أبي الحديد بعد إيراد الأبيات الّتي أوردنا مختصرا منها :

ذكر هذه الأشعار والأراجيز بأجمعها أبو مخنف لوط بن يحيى في كتاب وقعة الجمل.

وأبو مخنف من المحدّثين وممّن يرى صحّة الإمامة بالاختيار وليس من الشّيعة ولا معدودا من رجالها.

وممّا رويناه من أشعار صفّين الّتي تتضمّن تسميته (ع) بالوصيّ ما ذكره نصر بن مزاحم بن يسار المنقري في كتاب صفّين وهو من رجال الحديث.

الوصية في الأشعار الّتي قيلت بصفّين

لمّا كتب الإمام عليّ إلى جرير بن عبد الله البجلي والأشعث بن قيس

٣١٤

الكندي وكانا من ولاة عثمان في البلاد الإيرانية فأجاب جرير بشعر جاء فيه :

أتانا كتاب عليّ فلم

نردّ الكتاب ، بأرض العجم

ولم نعص ما فيه لمّا أتى

ولمّا نذمّ ولمّا نلم

ونحن ولاة على ثغرها

نضيم العزيز ونحمي الذّمم

نساقيهم الموت عند اللّقاء

بكأس المنايا ونشفي القرم

طحنّاهم طحنة بالقنا

وضرب سيوف تطير اللّمم

مضينا يقينا على ديننا

ودين النبيّ مجلّي الظلم

أمين الإله وبرهانه

وعدل البريّة والمعتصم

رسول المليك ، ومن بعده

خليفتنا القائم المدّعم

عليّا عنيت وصيّ النبيّ

نجالد عنه غواة الأمم(٣٧)

وممّا قيل على لسان الأشعث في جواب كتاب الإمام (٣٨) :

أتانا الرسول رسول عليّ

فسر بمقدمه المسلمونا

__________________

(٣٧) صفّين ص ١٥ ـ ١٨. وابن أبي الحديد ١ / ٢٤٧. وراجع فتوح ابن أعثم ٢ / ٣٠٥.

(٣٨) كان الأمراء إذا لم يكونوا ممّن ينظم الشعر يطلبون ممّن معهم في موارد خاصة أن ينظموا في الجواب عنهم وكان هذا المقام من الأشعث من تلك الموارد.

وجرير بن عبد الله البجلي : أسلم قبل وفاة النبيّ (ص) بأربعين يوما ، شهد حرب القادسية. أرسله رسول الله (ص) لتهديم صنم لخثعم في ذي الخلصة فذهب إليه وأحرقه. توفي سنة إحدى أو أربع وخمسين هجرية.

ترجمته في الاستيعاب. وأسد الغابة. والإصابة.

والأشعث بن قيس الكندي : أسلم مع وفد قومه إلى رسول الله (ص) في السنة العاشرة ولم يدفع الصدقة لجباة الخليفة أبي بكر ، فقاتلوه وأسروه ، فأطلقه الخليفة وزوّجه أخته أم فروة ، وشهد بعض فتوح الشام والعراق ، واستعمله عثمان على أذربيجان ، وشهد صفّين مع عليّ وكان ممّن ألزم عليّا بالتحكيم وشهد الحكمين بدومة الجندل. وتوفّي بالكوفة بعد مقتل الإمام عليّ بأربعين ليلة.

ترجمته في الاستيعاب. وأسد الغابة. والإصابة.

٣١٥

رسول الوصيّ وصيّ النبيّ

له الفضل والسّبق في المؤمنينا

بما نصح الله والمصطفى

رسول الإله النبيّ الأمينا

يجاهد في الله ، لا ينثني

جميع الطغاة مع الجاحدينا

وزير النبيّ وذو صهره

وسيف المنيّة في الظالمينا

وقيل على لسانه أيضا :

أتانا الرسول رسول الوصيّ

عليّ المهذب من هاشم

رسول الوصيّ وصيّ النبيّ

وخير البرّية من قائم

وزير النبيّ وذو صهره

وخير البريّة في العالم

له الفضل والسّبق بالصالحات

لهدي النبيّ به يأتمي

محمدا أعني رسول الإله

وغيث البريّة والخاتم

أجبنا عليّا بفضل له

وطاعة نصح له دائم

فقيه حليم له صولة

كليث عرين بها سائم(٣٩)

وبعد أن أعطى معاوية مصر لعمرو طعمة ليعينه على قتال الإمام علي ، قال الإمام في ذلك شعرا جاء فيه :

يا عجبا لقد سمعت منكرا

كذبا على الله يشيب الشعرا

يسترق السّمع ويغشي البصرا

ما كان يرضي أحمدا لو خبرا

ان يقرنوا وصيّه والأبترا

شاني الرسول واللّعين الأخزرا

ولمّا وقع خلاف بين جيش الإمام عليّ في عزل الأشعث من قيادة قبيلت وتعيين غيره(٤٠) ، قال النّجاشي في ذلك :

__________________

(٣٩) صفّين ص ٢٠ ـ ٢٤.

(٤٠) صفّين ص ٤٣.

٣١٦

رضينا بما يرضى عليّ لنا به

وإن كان في ما يأت جدع المناخر

وصيّ رسول الله من دون أهله

ووارثه بعد العموم الأكابر(٤١)

وممّا ورد في الأشعار الّتي قيلت في يوم صفين ما ورد في شعر النضر بن عجلان الأنصاري قوله :

قد كنت عن صفّين فيما قد خلا

وجنود صفّين لعمري غافلا

قد كنت حقّا لا أحاذر فتنة

ولقد أكون بذاك حقّا جاهلا

فرأيت في جمهور ذلك معظما

ولقيت من لهوات ذاك عياطلا

كيف التفرّق والوصيّ إمامنا

لا كيف إلّا حيرة وتخاذلا

لا تعتبنّ عقولكم لا خير في

من لم يكن عند البلابل عاقلا

وذروا معاوية الغويّ وتابعوا

دين الوصيّ تصادفوه عاجلا(٤٢)

وقال حجر بن عديّ الكندي :

يا ربّنا سلّم لنا عليّا

سلّم لنا المهذب النقيا

المؤمن المسترشد المرضيا

واجعله هادي أمّة مهديا

لا خطل الرأي ولا غبيا

واحفظه ربّي حفظك النبيا

فإنّه كان له وليّا

ثم ارتضاه بعده وصيّا(٤٣)

__________________

(٤١) صفّين ص ١٣٧.

والعموم جمع العمّ.

والنجاشي قيس بن عمرو : شاعر مخضرم. اشتهر في الجاهلية والإسلام. أصله من نجران اليمن. سكن الكوفة. توفّي نحو ٤٠ ه‍. الأعلام للزركلي

(٤٢) صفّين ص ٣٦٥.

(٤٣) صفّين ص ٣٨١. وقد ورد إنشاده هذه الأبيات في شرح النهج لابن أبي الحديد في حرب الجمل.

وحجر بن عدي الكندي المعروف بحجر الخير : وفد على النبيّ (ص) وشهد القادسية وشهد مشاهد الإمام عليّ وكان على كندة بصفّين. وأرسله زياد مع جماعة إلى معاوية فقتلهم بمرج ـ

٣١٧

وقال عبد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي :

ألا أبلغ معاوية بن حرب

أمالك لا تنيب إلى الصواب

أكلّ الدهر مرجوس لغير

تحارب من يقوم لدى الكتاب

فإن تسلم وتبقى الدهر يوما

نزرك بجحفل شبه الهضاب

يقودهم الوصيّ إليك حتّى

يردك عن عوائك وارتياب(٤٤)

وقال المغيرة بن الحارث بن عبد المطّلب :

يا شرطة الموت صبرا لا يهولكم

دين ابن حرب فإنّ الحقّ قد ظهرا

وقاتلوا كلّ من يبغي غوائلكم

فإنّما النصر في الضّرّا لمن صبرا

سيقوا الجوارح حدّ السّيف واحتسبوا

في ذلك الخير وارجوا الله والظفرا

وأيقنوا أنّ من أضحى يخالفكم

أضحى شقيّا وأضحى نفسه خسرا

فيكم وصيّ رسول الله قائدكم

وأهله وكتاب الله قد نشرا(٤٥)

وقال الفضل بن العبّاس أيضا :

وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه إن قيل هل من منازل(٤٦)

وقال المنذر بن أبي حميصة الوادعي في شعره :

__________________

ـ عذراء سنة إحدى وخمسين هجرية. وقال حجر : إنّي لأوّل المسلمين كبّر في نواحيها ، أي : عند ما فتحها المسلمون.

(٤٤) صفّين ص ٣٨٢ و (عوائك) : من العواء ، اشتق اسم (معاوية) ، فان المعاوية : الكلبة تعاوي الكلاب.

(٤٥) صفّين ص ٣٨٥.

والمغيرة بن الحارث بن عبد المطلب وهو أخو أبي سفيان بن الحارث الشاعر ، وقال بعضهم إنّهما شخص واحد. ترجمتهما بأسد الغابة في الأسماء والكنى.

(٤٦) صفّين ص ٤١٦. وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ط. الأولى ١ / ٢٨٤.

وسيأتي تفصيل خبر البيت بعيد هذا إن شاء الله تعالى.

٣١٨

ليس منّا من لم يكن لك في اللّ

ه وليّا يا ذا الولا والوصية(٤٧)

الوصيّة في كتاب ابن عباس

قال ابن عباس في وقعة صفّين في جواب كتاب معاوية :

بسم الله الرحمن الرحيم

أمّا بعد ، فقد أتاني كتابك وفهمت ما سطرت فيه ، فأمّا ما أنكرت من سرعتنا إلى أنصار عثمان بالمساءة وسلطان بني أميّة ، فلعمري لقد أدركت حاجتك في عثمان حين استنصرك ، فلم تنصره حتّى صرت إلى ما صرت إليه ، وبينك وبينه في ذلك أخو عثمان لأمّه الوليد بن عقبة. وأمّا إغراؤك إيّانا بتيم وعدي ، فأبو بكر وعمر خير من عثمان ، كما أنّ عثمان كان خير منك.

وأمّا قولك إنّه لم يبق من رجال قريش إلّا ستة رجال ، فما أكثر رجالها وأحسن بقيتها ، وقد قاتلك من خيارها من قاتلك ولم يخذلنا إلّا من خذلك.

وأمّا ذكرك الحرب ، فقد بقي لك منا ما ينسيك ما كان قبله وتخاف ما يكون بعده.

وأمّا قولك إنّي لو بايعني الناس لأسرعت إلى طاعتي ، فقد بايع الناس عليّا ، وهو أخو رسول الله (ص) وابن عمّه ووصيّه ووزيره ، وهو خير منّي ، وأمّا أنت فليس لك فيها حقّ ، لأنّك طليق وابن طليق ورأس الأحزاب وابن آكلة الأكباد ، والسلام.

__________________

(٤٧) صفّين ص ٤٣٦ ، وكان فارس همدان وشاعرهم. ووادعة : بطن من همدان. الاشتقاق لابن دريد.

وفي ترجمته في الإصابة : له إدراك ، وهو أوّل من جعل سهم البراذين دون سهم العراب فبلغ الخبر الخليفة عمر فأعجبه ذلك وقال : امضوها على ما قال. الإصابة ٣ / ٤٧٨.

٣١٩

فلما انتهى كتاب ابن عباس إلى معاوية وقرأه ، قال : هذا فعلي بنفسي. والله لأجهدن أن لا أكاتبه سنة. ثمّ أنشأ يقول :

دعوت ابن عباس إلى أخذ خطّة

وكان امرأ أهدي إليه رسائلي

فأخلف ظنّي والحوادث جمّة

ولم يك في ما نابني بمواصلي

ولم يك في ما جاء ما يستحقّه

وما زاد أن أغلى عليه مراجلي

فقل لابن عباس أراك مخوّفا

بجهلك حلمي إنّني غير غافل

فأبرق وارعد ما استطعت فإنّني

إليك بما يشجيك سبط الأنامل

وصفّين داري ما حييت وليس ما

تربص من ذاك الوعيد بقاتلي

فأجابه الفضل بن العباس وهو يقول :

ألا يا ابن هند إنّني غير غافل

وإنّك ممّا تبتغي غير نائل

أالآن لما أخبت الحرب نارها

عليك وألقت بركها بالكلاكل

وأصبح أهل الشام صرعى فكلّهم

كفقعة قاع أو كشحمة آكل

وأيقنت أنا أهل حقّ وإنما

دعوت لأمر كان أبطل باطل

دعوت ابن عباس إلى السلم خدعة

وليس لها حتّى يموت بقائل

فلا سلم حتّى يشجر الخيل بالقنا

وتضرب هامات الرجال الأوائل

وآليت لا تهدي إليه رسالة

إلى أن يحول الحول من رأس قابل

أردت بها قطع الجواب وإنما

رماك فلم يخطئ بثار المقاتل

وقلت له لو بايعوك تبعتهم

فهذا عليّ خير حاف وناعل

وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه إذ قيل هل من منازل

فدونكه إذ كنت تبغي مهاجرا

أشمّ بنصل السيف ليس بناكل(٤٨)

__________________

(٤٨) كتاب الفتوح لابن أعثم ٣ / ٢٥٤ ـ ٢٥٨. وصفّين ص ٤١٦. وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ط. الأولى ، ١ / ٢٨٤.

٣٢٠